بعد 3 سنوات حدود الدعم الإماراتى لنظام السيسي
مقدمة
أثار مقال لصحيفة الإيكونوميست عن السيسي والاقتصاد المصري الكثير من التكهنات عن مستقبل العلاقات بين الإمارات وبين السيسي ومنظومة الإنقلاب، وذلك عندما أشارت الصحيفة البريطانية في طيات المقال إلى سحب الإمارات لمستشاريها الاقتصاديين من مصر، ثم تغريدات د. عبد الخالق عبد الله أحد مستشاري محمد بن زايد، على حسابه الشخصي على شبكة تويتر، معلقاً على مقال الإيكونوميست، بأنه “ربما حان الوقت أن يسمع هذه النصيحة الحريصة من عواصم خليجية معنية بمستقبل الاستقرار في مصر”، في إشارة إلى مطالبة عبد الخالق للسيسي بعدم الترشح في الانتخابات القادمة، وهو تصريح لا نستطيع إلا أن نضعه في إطار الدوائر القريبة من محمد بن زايد والتي ربما يكون لها تأثير على قرارات الإمارات وسياستها الخارجية تجاه مصر في المستقبل.
لم يخلو المشهد من مؤشرات اخرى تسير في نسق تغير ما في العلاقات بين الإمارت وبين السيسي ومنظومة الانقلاب، وربما أبرز تلك المؤشرات هو تأخر سداد الإمارات لوديعة تصل قيمتها إلى 2 مليار دولار، حيث كانت الامارت قد أعلنت في أبريل 2016 تخصيص أربعة مليارات دولار دعما لـمصر، نصفها وديعة في البنك المركزي لدعم الاحتياطي النقدي والنصف الآخر في صورة استثمارات، وفي نفس السياق جاء اغلاق المركز الاقليمي للدراسات الإستراتيجية في منتصف الشهر الجاري ليسير في نفس اتجاه المؤشرات السابقة، حيث ان المركز يتلقى تمويله من الامارت وهو الأمر الذي أكدته إحدى المصادر التي أشارت إلى أن توقف المركز الاقليمي عن نشاطه يرجع إلى توقف التمويل الاماراتي والذي يأتي في إطار توجه إماراتي لتجميد التمويل المقدم لعدد من وسائل الإعلام والمؤسسات البحثية العاملة في مصر، على حد تعبير المصدر.
ويسعي هذا التقدير إلى رصد آفاق العلاقة بين النظام السياسي في الإمارات العربية المتحدة والنظام الحاكم في مصر بعد انقلاب 3 يوليو 2013.
رؤية الإمارات الاستراتيجية لمصر
استشعرت الإمارات تخوفاً شديد إزاء ثورات الربيع العربي وما يمكن ان تمثله من تهدديد مباشر لأنظمة الحكم الملكية في الإمارات ودول الخليج العربي، فيما بعد تمدد هذا التخوف وتعمق بعد وصول جماعة الاخوان المسلمين إلى الحكم في اكثر من بلد بعد ثورات الربيع العربي، وربما أدركت الامارات حجم الحاضنة الشعبية التي تمتلكها الجماعة في دول الخليج وغيرها من الدول العربية، وهو الأمر الذي عزز مشاعر الخوف من تواجد الاخوان المسلمين في مساحة الحكم وتنامي قوتهم في دول المنطقة وربما اقترابهم من التهديد المباشر لأنظمة الحكم في المنطقة بأسرها، وربما مثلت هذه التخوفات الدافع الرئيسي الذي دفع الإمارات إلى قيادة مشروع القضاء على ثورات الربيع العربي من ناحية ومن ناحية اخرى محاربة والقضاء على جماعة الاخوان المسلمين، وتسعى الامارات من خلال هذا الدور إلى تقديم نفسها في شكل قيادة المنطقة والقيام بدور الدولة الفاعلة في كل الملفات الساخنة.
ومن ناحية أخرى ومع متابعة للأوضاع الاقليمية المتفاقمة والمتسارعة، نستطيع أن نلمح مدى القلق الخليجي من خطر التمدد الإيراني في المنطقة والذي بات على مشارف حدود بعض دول الخليج بل وربما تخطى الحدود، وأصبح فاعلاً في عدد من العواصم العربية بل والخليجية، وهو الأمر الذي دفع بدول الخليج إلى ترسيخ الاعتقاد بأن إيران تمثل أحد أهم المخاطر التي تحيط بهم وبالمنطقة بأسرها، في حين يدرك قادة الخليج أن الدعم الامريكي السابق لهم، لم يعد كما كان من قبل وأن السياسة الخارجية الامريكية نحو إيران قد شهدت تغيرا ايجابيا ملحوظا في الفترة السابقة، وهو ما جعل دول الخليج تدرك صعوبة التعويل على دعم أمريكي حقيقي خلال أية مواجهة محتملة مع إيران.
هذه الصورة التي تشكلت لدى دول الخليج وفي مقدمتها الإمارات، ربما هي أحد المحركات الرئيسية التي دفعت الإمارات إلى محاولة خلق ظهير وامتداد لها في مواجهتها للأخطار المحتملة للتمدد الإيراني في المنطقة، ومن خلال هذا المنظور تسعى الإمارات إلى دعم أنظمة بعينها في المنطقة ترى أنها يمكن ان تمثل ذلك الظهير لها ولدول الخليج بحيث تسير هذه الانظمة في نفس فلك الرؤية الإماراتية من ناحية السياسة الخارجية ووصولا إلى السياسات العامة داخل الدولة، ولاشك ان الإمارات من خلال سعيها لتكوين وخلق ذلك الظهير، تعول وبشكل كبير على أن تكون مصر العسكر في المقدمة منه والداعم الرئيس له، لما تحمله مصر من بعد جيواستراتيجي هام في المنطقة.
مما سبق يمكن تلخيص نظرة الامارات إلى مصر في محاولة السيطرة عليها والاستفادة بها وبجيشها لتشكيل جزء من منظومة أمن الخليج والإمارات، وكذراع لتحقيق أهدافها الخارجية، وهو ما يمكن ان نلمحه بشكل واضح في التعامل المصري مع الازمة الليبية ومدى تقاطعه مع رؤية الامارات حيال الأزمة، ومن جهة أخرى تهدف الإمارات في سياستها تجاه جماعة الاخوان المسلمين في مصر إلى القضاء على الجماعة من خلال الدفع في اتجاه إضعافها واستمرار التضييق عليها، بحيث لا يمكنها فيما بعد أن تصل إلى سدة الحكم أو أن تعود للمشاركة في الحياة السياسية مرة أخرى.
حدود التحول في السياسة الخارجية الإماراتية تجاه الشأن المصري
تشهد الساحة المصرية حالة من الترقب والارتباك في الآونة الأخيرة، وربما هذه الحالة دفعت بالبعض إلى الاعلان عن مشروع بديل يمكن طرحه في انتخابات الرئاسة القادمة 2018، حيث عبر عن هذه الحالة عصام حجي في مبادرة “الفريق الرئاسي” التي أطلقها في نهاية شهر يوليو الماضي، ثم قوبلت هذه المبادرة بحملة لجمع توقيعات تطالب بتمديد فترة حكم السيسي إلى 8 سنوات بدلاً من 4 سنوات، في رد فعل عكسي لمبادرة حجي، ولا نستطيع النظر إلى مبادرة حجي بمعزل عن حالة المشهد المصري الراهن، ولا بمعزل عن محاولات هنا أو هناك لإيجاد بديل يكون مصدر ترحيب من القوى الاقليمية والدولية، وهو ما يمكن أن يدفعنا لتوقع مزيد من المبادرات في الفترة المقبلة حول البديل المحتمل للسيسي في الانتخابات الرئاسية 2018.
بالرغم ان الإمارات تعد الداعم الرئيسي للسيسي ومنظومة الانقلاب إلا أنها تدرك حجم فشل السيسي في إدارة الدولة وحجم الاخفاقات الواضحة في المسار الاقتصادي الذي بات يشكل وضعاً مأزوماً أكثر من أي وقت مضى، وربما أدركت الإمارات أن السيسي لم يكن الاختيار المناسب الذي يمكن أن تدعمه ويحقق رؤيتها للمنطقة، إلا أنها تتعامل وفق الواقع والمعطيات الموجودة على الساحة المصرية، متخوفة من أي مشهد مرتبك ربما يعيد الإخوان المسلمين للساحة السياسية مرة أخرى.
في هذه السياقات يمكن توقع بعض مسارات السياسة الامارتية تجاه الشأن المصري في الفترة المقبلة:
1ـ لا تغيير مفاجيء:
تدرك الإمارات أن الأوضاع في مصر لم تستقر والأزمات الإقتصادية الطاحنة التي تعيشها مصر بجانب حالة التخبط الواضحة التي يظهر عليها نظام الحكم الحالي ربما تجعل من أي تغيير مفاجيء للمشهد المصري في هكذا توقيت غير مناسب وهو ما تتخوف منه الامارت. ويمكن تفهم التخوف الإماراتي بالنظر إلى مآلات هذا التغيير المفاجيء، التي ربما تعود بالمشهد المصري مرة أخرى إلى الخانة الثورية، وهو الأمر الذي بذلت فيه الإمارات دعماً سياسياً ومادياً من أجل الحيلولة دون وقوعه، وعدم عودة مصر إلى تلك الخانة ومحاولة القضاء على الثورة المصرية.
2ـ التخلي عن السيسي وليس عن منظومة الانقلاب:
تدرك الإمارات أن استمرار السيسي في فترة رئاسية جديدة ربما لا يسير بالأمور على نحو أفضل وفق رؤيتها الاستراتيجية لمصر والمنطقة بل وربما يمثل تهديداً لتلك الرؤية بسبب تعدد اخفاقات السيسي في الفترة السابقة، إلا أن غياب السيسي عن المشهد بعد انقضاء الفترة الرئاسية الاولى، لا يمكن اعتباره تخلي للإمارات عن رؤيتها الاستراتيجية لمصر، بل يمكن توقع استمرار دعمها الكامل لمنظومة الانقلاب المتمثلة في المؤسسة العسكرية الحاكمة من ناحية والدولة العميقة من ناحية أخرى.
3ـ مرحلة إعداد البدائل “مشاريع الواجهة المدنية”:
أى تبني خيار إعداد بدائل صورية فقط، عن طريق دعم مشاريع بديلة للسيسي في انتخابات 2018 القادمة، وهو ما يمكن ان نطلق عليه “مشاريع الواجهة المدنية” والتي ربما تتمتع بقدر من المرونة والفاعلية المناسبة للمرحلة المتأزمة، على أن يظل جوهر السلطة في يد المؤسسة العسكرية.
خلاصة
لا نستطيع الجزم بأن ثمة تحول حقيقي في السياسة الخارجية الإمارتية تجاه الشأن المصري بقدر ما يمكن اعتبار أي تغيرات نلحظها ما هي إلا تغيرات تكتيكية تسير وفق الرؤية الاستراتيجية للإمارات، التي هي بالأساس مجرد أداة في يد قوى دولية وليست رؤية مستقلة أو تتفق والمصالح الوطنية للدولة أو الشعب الإماراتي، نحو الشأن المصري، وهو ما يعني أن الإمارات لن تسع إلى دعم أي تغيير مفاجيء داخل المشهد المصري في هذا التوقيت، ولكن ربما يكون البديل الأنسب هو السعي نحو تغيير هاديء عن طريق إجراءات شكلية من خلال انتخابات الرئاسة القادمة في 2018(1).
——————————
الهامش
(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.