ترجمات

بلومبيرج أسرار حقول غاز شرق المتوسط

 

الطائرة تقلع من ساحل تل أبيب، هواء مروحيتها يشق عنان البحر الأزرق، ومن تحتها معالم جديدة بدأت في التشكل، راسمة لوحة هندسية من أنابيب استخراج الغاز، لم تكن لتراها قبل سنوات مضت، بعد أن اكتشفت شركات الحفر أن البحر المتوسط، يخفي داخله ثروة باهظة من الغاز الغير مستغل بعد، كمية هائلة من الغاز تكفي لإبقاء أوروبا دافئة”. بهذا الوصف، استهل موقع “بلومبيرج” وصفه، لما أسماه ب “أكبر اكتشاف غازي في أعماق المتوسط “، حيث عرج أولا على تصريح المدير التنفيذي لشركة “ديليك” للحفر الذي قال فيه” نحن نبني منصات استخراجية جديدة للغاز الطبيعي على سواحل تل أبيب، وسيكون بمقدورك أن ترى المزيد من هذه الخطوط في المستقبل، ليس هنا فحسب، بل حتى على سواحل مصر وتركيا.

وعلى الرغم من تكلفة الاستخراج الهائلة التي تتعدى المليارات والتي تحفزنا على تخليق تكنولوجيا استخراجية جديدة تتغلب على الصعاب الجيولوجية للمنطقة، وعلى الرغم من كل التحديات التي تواجهنا في محاولة إيجاد مواطئ قدم مستقرة في مناطق تتميز بأنها مناطق صراع سياسي، إلا أننا متفائلون بمستقبل مشرق لخارطة طاقة جديدة هائلة “.

 

340 تريليون متر مكعب من الغاز تجلس عليها مصر واليونان:

كانت دول شرق المتوسط تنظر دائما بعين الحسد للدول التي تصدر لها الطاقة عبر البحار، إلا أن سواحلها الآن أكثر غنى من هذه الدول حسب اكتشافات شركة “ديليك” المتتالية. المنطقة كلها ابتداء من قبرص مرورا بلبنان ووصولا إلى مصر، تحتضن ثروة عظيمة من الغاز الطبيعي قدّرها المسح الجيولوجي الأمريكي ب 340 تريليون متر مكعب من الغاز، كمية من الممكن أن تتجاوز الاحتياطي المؤكد في الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى السواحل المقابلة لها، هناك سوق مثالي لتصدير الطاقة المستخرجة لأوروبا ـ الغنية باقتصادها والفقيرة بموارد الطاقة، والتي باتت معتمدة كليا على روسيا في الوفاء باحتياجاتها الداخلية، كل ما يحتاجه الأمر، هو بعض التعاون بين دول المنطقة. وهذا النوع من الفرص لا يوجد له غير نهايتين، اما ازدهار كل دول منطقة الاكتشاف معا، أو سقوطها معا، كما أكد “آموس هوشستين” لذي شغل منصب مبعوث الطاقة لوزير الخارجية الاميركي الاسبق جون كيري.

مصر تحولت من دولة مصدرة للغاز إلى مستوردة له في 2014 بدون أي أسباب! ‏

نتيجة الأحداث السياسية والاضطرابات الداخلية العنيفة التي عانت منها مصر إبان ثورتها 2011، تعطل انتاج الغاز الطبيعي حتى توقفت مصر تماما عن انتاجه، واتجهت إلى الاعتماد كليا على استيراده في عام 2014، ومصر التي تخطط لاستيراد 108 شحنة من الغاز المسال هذا العام (43 إلى 45 شحنة من النسبة الكلية، تعاقدات حكومية بينها وبين سلطنة عمان وفرنسا وروسيا) ستفتح باب التعاقدات الخاصة لباقي الشحنات التي يحتاجها السوق الداخلي في نوفمبر هذا العام، على أن تقل الشحنات المستوردة تدريجيا مع حلول العام المقبل، حيث سيبدأ حقل شمال الاسكندرية التابع لشركة بريتيش بتروليوم في الانتاج في أبريل 2018 يليه حقل الظهر في نهاية نفس العام .

 

حقل إيني سيبدأ في الإنتاج عام 2019

نحن نعلم جيدا أن حقل “الظهر” المصري، قامت باكتشافه شركة “إيني” كأعظم اكتشاف في البحر المتوسط، ولكن شركة “بريتيش بتروليوم” ذات خبرة الخمسون عاما في اكتشاف واستخراج الغاز، لم تكن لتضيع فرصة كهذه من يديها، فقامت في نوفمبر الماضي بشراء حصة بلغت 10% من شركة إيني، ومن المرجح أن يساهم حقل الظهر في تعزيز الطاقة للبلاد – حين يبدأ في الانتاج 2019 – مساهما في تقليل اعتماد مصر على استيراد كفايتها الداخلية من الغاز، كما سيساهم في توفير العملة الأجنبية التي تسببت في تعويم العملة ورفع أسعار الفائدة، اللذان تم اللجوء اليهما، على أمل أن تعزز تلك الاجراءات من ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري.

 

قطر تزاحم في المتوسط بحفارتها!

وسعت قطر من سياساتها الاستراتيجية في الكشف عن البترول واستخراج الغاز الطبيعي إلى ما هو أبعد من الخليج، لتمتد حفاراتها إلى سواحل قبرص والمغرب، حسبما أكد سعد شريدة الكعبي-الرئيس التنفيذي للشركة – الذي أضاف قائلاً: “من المؤكد أنه ستكون هناك حاجة للغاز الطبيعي لفترة طويلة جدا”، وأضاف الكعبي قائلا “أنا لست قلقا على الإطلاق من عدم وجود وفرة في الغاز”

 

أردوغان يقبل المصالحة مع إسرائيل مدفوعا بالاستكشافات الجديدة!

بعد سنوات من الخلافات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، توصل الاثنان إلى مصالحة في عام 2016 مدفوعة بمصالحهم في مجال الطاقة المحتملة.

فتركيا التي تتحصل على الغاز من روسيا وإيران، منيت في الآونة الأخيرة بعلاقات متوترة مع كل جيرانها، ومن شأن خطوط أنابيب المتوسط أن تساعد أردوغان على جعل بلاده مركز اقتصادي للمنطقة كما كان يحلم دائماً.

 

الغاز ينهي الصراعات بين تركيا وقبرص

لا يتخيل أي متابع لبؤر التوترات السياسية، ان الاكتشافات الأخيرة ستكون سببا في إنعاش الأمل بالمصالحة بين الشعوب، فها هي تركيا وقبرص تتفقان في سويسرا هذا العام، على إنهاء نزاع طويل استمر لسنوات عديدة على شمال القبرص، الذي كانت دائما ما تراه تركيا منذ عام 1974 خارج تصرف الحكومة القبرصية، حتى أنها أرسلت سفينة حربية اليها في أحد الخلافات. وتجرى حاليا اتصالات بين وزير الطاقة التركي بيرات البيرق ” صهر أردوغان “والمدير التنفيذي لشركة ” تركاس للبترول ” وبين مسئولين اسرائيليين بشأن الغاز الاسرائيلي في المتوسط.

جدير بالذكر أن شركة ” ايني ” و”اكسون موبيل ” و”توتال ” من الشركات الحريصة على استكشاف السواحل قبالة قبرص، والتي ستسهل المفاوضات الجارية بين الأطراف المتصارعة من عملها كثيرا، خصوصا إذا تمت إزالة العقبات الناجمة عن تلك الصراعات.

 

مسارات خطوط الغاز

وضع الخبراء خارطة لأفضل المسارات لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر المتوسط، حيث تبلورت الرؤية عن المسارات التالية: طريق أنابيب: يصل بين اسرائيل – قبرص – تركيا، وطريق أنابيب: يصل بين محطات الغاز الطبيعي المسال في مصر ثم أوروبا عبر الشحن البحري. ويجري كذلك الاتحاد الأوروبي حاليا، محادثات على مسار أنابيب مقترحة بين اليونان وأوروبا.

 

وضع الشركات الأجنبية الانتاجي في الدول المالكة لحقول الغاز

إيني وأكسون سجلتا حقوق استكشافية في لبنان، ولكن تم تأجيل العمل بهذه الحقوق منذ عام 2013، بسبب الخلافات السياسية والحروب مع إسرائيل، ولكن هناك محاولة جديدة واعدة هذ العام ربما تساهم في فك هذا الجمود. في مصر، رويال داتش شل كانت عاطلة عن العمل هذا العام، أما في اسرائيل فنوبل للطاقة المحدودة -وهي الشركة الأجنبية الكبرى الوحيدة العامة بها – لم تجن أرباحها إلا من البيع للسوق المحلي الاسرائيلي، حيث عرقلت القوانين التنظيمية محاولاتها لتصدير الطاقة لسنوات.

 

الطبيعة الجيولوجية للمنطقة تجعل من مصر مركزا لتصدير الغاز

هناك خندق ضخم على طول قاع البحر يمتد من إسرائيل إلى تركيا، مما يجعل بناء خط أنابيب للغاز هناك صعبا للغاية -وفقا لرؤية “سايمون هندرسون” مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن -لأن المشاريع باهظة التكاليف تحد من شهية الشركات المنتجة. في حين أن شركة إيني ترى مصر كمركز مستقبلي هام للغاية وكذا إسرائيل وقبرص وليبيا لتصدير الطاقة لأوروبا، وفقا لما صرح به رئيس التنفيذي لإيني “كلاوديو”. وفي كل الأحوال، كل هذه المسارات تحتاج إلى دفعة قوية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حسبما صرحت ” بريندا شافير” زميل مركز الطاقة العالمية في معهد الأبحاث المجلس الأطلسي في واشنطن: “بالتأكيد تحتاج الإرادة السياسية والتجارية للتوحد”. “إن الاتحاد الأوروبي يرى بالفعل أن غاز البحر المتوسط هو “مشروع ذو أولوية قصوى” إلا أنه للأسف يفتقر الى الأدوات المالية لدفعه إلى الأمام”.

 

سياسات أمريكا ممثلة في ترامب مازالت سارية المفعول!

كانت سياسة أمريكا ولازالت هي دعم الطاقة في المنطقة، ويرجع السبب في ذلك إلى محاولتها الدؤوب إلى تهميش الدور الروسي في لمنطقة بتقليل اعتمادات الدول عليها. ويرى “بريزا ” المدير التنفيذي لشركة تركاس للبترول التركية، أن هناك إمكانية كبيرة لتكرار مشروع خط أنابيب النفط (باكو-جيهان) ‏ في شرق البحر الأبيض المتوسط، والذي يمتد من العاصمة الأذربيجانية عبر جورجيا إلى الساحل التركي، والذي لاقى نجاحا ودعما أمريكيا كبيرا، وخلق أنماطا جديدة للتعاون بين بين الدول الثلاث.

وتسعى الولايات المتحدة “ممثلة في ترامب الآن” جاهدة، لإعادة توحيد قبرص وتفعيل المصالحة بين إسرائيل وتركيا، وعلى الرغم من أن التحكم في الطاقة سيكون من ضمن الاستراتيجيات المستقبلية الهامة في المستقبل، كما صرح “ريكس تيلرسون” الرئيس التنفيذي السابق “اكسون موبيل”، إلا أن اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية به يكاد لا يذكر إلا عندما تتعرض مصالحها للتهديد المباشر (1).

————————————-

المصادر:

1- Huge Gas Finds Can Keep Europe Warm If the Arguing Stops

2- Egypt to Import LNG with an Eye on Self-Sufficiency in 2018

3- Cyprus Presses EU to Warn Turkey over Warship Intrusion

4- Qatar Petroleum CEO: Will Invest More Internationally

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى