بوليتيكس توداي رسالة مفتوحة إلى الصحفيين الذين يغطون أحداث غزة
نشر موقع بوليتيكس توداي الأمريكي، المعني بنشر تحليلات وتعليقات تستهدف فهم الطبيعة المتغيرة للسياسة المعاصرة، في 24 أكتوبر 2023، مقال رأي بعنوان: “رسالة إلى الصحفيين الذين يغطون أحداث غزة”، لمحمود إبراهيم، وهو صحفي ومنتج أخبار مقيم في لندن، وأيضاً طالب دكتوراه في جامعة لندن، حيث يتناول موضوع الرسالة التي يعمل عليها: “التحرر من استعمار الإسلاموفوبيا في الإعلام الغربي”.
يرى الكاتب أنه على الصحفيين في وسائل الإعلام الرئيسية إما التحدث عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل على أرض فلسطين أو تقديم استقالتهم منها، بدلاً من أن يكونوا رصاصة في بندقية آلة الدعاية الإسرائيلية.
وقد جاء المقال على النحو التالي:
لم أندم أبداً على ترك هيئة الإذاعة البريطانية (شبكة بي بي سي)، احتجاجاً على التغطية التي قامت بها محطة “بي بي سي نيوز” لأحداث الحرب في غزة عام 2014، عندما قُتل 551 طفلاً و299 امرأة (من الفلسطينيين) آنذاك. ولدي رسالة إلى الصحفيين في جميع وسائل الإعلام، إلى الصحفيين ذوي الضمائر الحية. رسالة لطالما أردت أن أكتب عنها.
فبينما يشهد العالم مرحلة أخرى من التطهير العرقي والقتل الجماعي للفلسطينيين، فإنه في هذه الحرب الحالية على غزة (والتي تصفها وسائل الإعلام الدولية بشكل مخادع بأنها “صراع”)، حيث قُتل أكثر من 4500 فلسطيني (وليس مجرد “ماتوا”)، حتى وقت كتابة هذه الرسالة؛ 70% منهم من الرُضّع والأطفال والنساء وكبار السن. وفي الوقت الذي نزح فيه أكثر من 60% من سكان قطاع غزة، فإن الصحفيين يمكنهم القيام بأحد أمرين:
1- المقاومة الصحفية للرواية المخادعة التي تساوي بين إمكانات (الاحتلال) الظالم الاستعماري وقوة الشعب المستعَمر المضطَّهَد. ويمكن القيام بذلك بطرق مختلفة؛ في الميدان، داخل غرفة الأخبار، على الهواء، في اللقاءات التحريرية، عبر رسائل البريد الإلكتروني، في المصطلحات التي تستخدمها، عبر اختيار الكلمات والصور واللقطات، وعبر مصادرك، في شرح السياق الزمني للاحتلال وتاريخه ومعاناة العائلات الفلسطينية في ظل نظام الفصل العنصري هذا.
2- إذا بذلت قصارى جهدك ولم يُكتب لك التوفيق في أداء مهمتك، ولم تتمكن من إحداث تغيير ولو بنسبة 1%، أو إذا أُجبرت على التزام الصمت، أو إذا تم الضغط عليك لتصبح متواطئاً في تحريف الحقيقة، أو إذا تم تهميشك لتصبح مجرد رقم، صحفي لا مساهمة له في تصحيح الرواية (التي ينشرها المحتل)، إذن فما عليك إلا أن تفكر جدياً في اختياراتك المهنية، بحيث لا تصبح رصاصة في رشّاش وسائل الإعلام العامة والتي يمكنها أن تقوم بتصنيع موافقة الجمهور على دعم المجازر.
إنك صحفي، مهمتك نقل الحقيقة والدفاع عن العدالة، ولست أداة في آلة الدعاية التابعة لجيش المحتلين. يمكنك أيضاً أن تكون أداة بالتزامك الصمت المُخزي، في الوقت الذي تكون فيه هناك حاجة ملحّة إلى أن تتحدث.
لم أندم قط على مغادرة بي بي سي بعد تغطية محطة بي بي سي نيوز للحرب على غزة عام 2014، والتي قُتل فيها 551 طفلاً و299 امرأة، والتي كان حجم الخسائر البشرية والدمار والتهجير فيها كارثياً ولا مثيل له منذ عام 1967، بحسب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). قد يكون الناس قد نسوا تلك المجزرة كما نسوا غيرها من المجازر، لكن الفلسطينيين الذين يعانون من آثارها لا يمكنهم أن ينسوها أبداً.
والآن، يمنح ما يُطلق عليه “المجتمع الدولي” الضوء الأخضر لمشروع استعماري جديد آخر، مصحوباً بجرائم حرب ضد الفلسطينيين على أرضهم، وتجريدهم من إنسانيتهم في الخطاب الإعلامي والخطاب السياسي، مما لا يقتصر تأثيره على حياتهم فحسب، بل يتقاطع مع الإسلاموفوبيا وخطاب الاستشراق الجديد حول العرب والمسلمين في جميع أنحاء العالم، والذي يقوم بشيطنتهم ويؤدي إلى تصاعد جرائم الكراهية ضدهم.
ولكي يتمكن الصحفيون من إحداث فارق، عليهم أن يتخلصوا من استعمار أدمغتهم في المقام الأول.