fbpx
مختارات

تداعيات هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا

 

المصدر: أندرو اينجل، منشورات معهد واشنطن، 8 يوليو 2016

قد تتكلل عملية “البنيان المرصوص” للقضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» في مدينة سرت، بنجاح قريباً – تلك المعركة المدعومة من قبل الغرب والدائرة في سرت – العاصمة الفعلية للتنظيم في شمال أفريقيا. وعلى الرغم من أن هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» في قلب “الهلال النفطي” في ليبيا تشكّل مدعاة للاحتفال، إلا أن التنظيم سيواصل شن هجمات بشكل غير منتظم، كما يمكن أن يجد له ملاذاً آمناً في الصحراء الجنوبية، في حين قد يعود بعض المقاتلين الأجانب في صفوفه إلى بلدانهم الأم لشن المزيد من الهجمات الإرهابية. بالإضافة إلى ذلك، تواصل المنظمات المتطرفة العنيفة الأخرى، بما فيها تلك المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، طرح تحديات أمنية خاصة بها. كما أن الجبهة السياسية ليست أقل اضطراباً، إذ كانت واشنطن تأمل بأن توحّد المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» الفصائل المعارضة وتجمعها حول “حكومة الوفاق الوطني”، بيد أن هذه الوحدة لم تتحقق بعد ولا يزال الصراع السياسي يشكّل عقبة كبيرة أمام إرساء الاستقرار.

بعد سرت: ما زال تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» دينامياً وقابل للتكيف

لن تكون مدينة سرت النكسة الإقليمية الأولى التي يتكبدها التنظيم. ففي وقت سابق، استولى تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» على مدينة درنة بعد أن عاد المقاتلون الجهاديون الليبيون من صفوف “كتيبة البتار” إلى ديارهم بعد انضمامهم إلى المنظمة الأم – تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا – عام 2012. ولكن تحت ضغط الضربات الجوية التي شنتها القوات المصرية والإماراتية و”الجيش الوطني الليبي”، والأهم من ذلك المنظمات المتطرفة العنيفة المتنافسة على الأرض، قام تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» بإجلاء المدينة في حزيران/يونيو 2015. إلا أن التنظيم، الذي أثبت مرونة، ظهر أكثر قوة في “خليج سرت”.

إلى جانب ذلك، فإن تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» قابل للتكيّف بشكل تام، حيث يشن في بعض الأحيان هجمات إرهابية وحرب عصابات تقوم على وحدة صغيرة عادة ما تتصف بها الجماعات التي لا تسيطر على الأراضي، فيما يعمل أحياناً أخرى كعبارة عن قوة تقليدية تفرض سيطرتها على الارض. وبناءً على ذلك، بينما سيشكل تجريد التنظيم من عاصمته في شمال أفريقيا ضربة استراتيجية لمشروع بناء الخلافة، فإن ذلك لن يسلبه القدرة على شن المزيد من الغارات والهجمات الانتحارية والتفجيرات القائمة على مجموعات صغيرة، كالتي ميّزت نشأته الأولى في ليبيا.

إن  الوجود المستمر لـ تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» في هذه البلاد يتيح أيضاً المجال لشن المزيد من الهجمات الإرهابية على نطاق واسع في تونس ومصر. فكما حفّز فقدان التنظيم للأراضي في العراق وسوريا حدوث تحول استراتيجي نحو رفع عدد القتلى والجرحى، والهجمات الإرهابية غير المتماثلة في بغداد واسطنبول والمدن الأوروبية، يمكن أن ينتهج التنظيم المسار نفسه في تونس والقاهرة وأماكن أخرى. فوفقاً لأحد التسجيلات المتاحة للجمهور عن مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» المتواجدين حالياً في مدينة بن جواد بين 8 أيار/ مايو و6 حزيران/ يونيو، جاءت غالبية المقاتلين الأجانب في المنطقة من مصر وتونس وأماكن أخرى في أفريقيا (ولا يشمل ذلك الأعضاء من ليبيا نفسها). بالإضافة إلى ذلك، زعم مسؤولو الأمن في تونس مؤخراً أن الأعضاء التونسيين في تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» يخططون لمهاجمة قوات الأمن والقطاع السياحي المحاصر في وطنهم. وفي الواقع، تفيد بعض التقارير أن البنية التحتية التابعة للتنظيم والتي يهيمن عليها التونسيون في مدينة صبراتة الليبية قد شنت هجمات عبر الحدود في الماضي ويمكن أن تفعل ذلك مرة أخرى.

ملاذا آمناً جديداُ في الجنوب؟

خلافاً للتنظيم الأم، لم يحقق تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» الكثير من النجاحات حتى الآن على صعيد استغلال الأراضي غير الخاضعة للسلطة والتي تعج بالمذهبية والطائفية. لكن مع تصاعد الضغوط على التنظيم على طول الساحل الشمالي المزدحم بالسكان، يمكن أن يوجّه التنظيم نسبة أكبر من جهوده جنوباً، ويستغل موارد النفط والمياه الهامة (مثل “النهر الصناعي العظيم”) الذي تعتمد عليه ليبيا، ويفرض سيطرته على عمليات التنقيب عن الذهب، وتهريب البشر والأسلحة والمخدرات. وفي هذا الصدد، يجدر بالذكر أن تنظيم «الدولة الإسلامية» قد استفاد كثيراً من عملية فرض الضرائب على القبائل المشاركة في التهريب، وكسَب ملايين الدولارات من تجارة النفط غير المشروعة عبر الحدود السورية العراقية. وبالمثل، يمكن أن يحاول تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» فرض نفسه على طرق التجارة الصحراوية غير المشروعة والمربحة.

لا بد من الإشارة في هذا الإطار إلى المظالم المعقّدة والواسعة النطاق التي يمكن استغلالها في جميع أنحاء مناطق الصحراء والساحل. فالإهمال التاريخي من النخب الساحلية والاستياء تجاهها، لطالما أشعل الصراع في جنوب ليبيا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى النزاعات بين القبائل على الأراضي والتجارة. وتبرز في المنطقة سوابق للمنظمات المتطرفة العنيفة في استغلال المظالم المحلية لتحقيق مكاسب خاصة بها: فقد تعاونت “الحركة الوطنية لتحرير أزواد”، وهي مجموعة انفصالية من الطوارق، مع تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و”جماعة أنصار الدين” اللذان استقطباها في وقت لاحق، للاستيلاء في النهاية على أراضٍ، بمساحة ولاية تكساس الأمريكية، في شمال مالي في نيسان/ إبريل 2012.

يُذكر أن أحد المحللين الاستراتيجيين من ذوي التأثير الكبير المختصين بتنظيم «الدولة الإسلامية»، أبو بكر ناجي مؤلف كتاب “إدارة التوحش”، اعترف بأن القبائل يمكن أن تشكل ممراً للسيطرة على الأراضي. كما أن تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» أدرك منذ فترة طويلة إمكانية بروز المزيد من التطرف بين القبائل في الجنوب: ففي ربيع عام 2015، بدأ التنظيم بنشر أشرطة فيديو منفصلة لمقاتليه من قبيلتين مختلفتين (“الطوارق” و”التبو”) داعياً إخوانهم للانضمام إلى “الخلافة”. أما بالنسبة إلى الفصائل العربية، فقد أحرز تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» بالفعل تقدماً في تعاونه مع قبيلة “القذافة”، التي كان ينتمي إليها الزعيم الليبي معمر القذافي والعديد من مسؤولي النظام السابق. وعلى غرار اعتماد تنظيم «الدولة الإسلامية» على المسؤولين البعثيين السابقين في العراق، استغل التنظيم في ليبيا السخط في جميع أنحاء معقل قبيلة “القذافة” في سرت، وقد يسعى أيضاً إلى اختراق المدن الجنوبية حيث تتواجد القبائل الموالية للقذافي. إضافة إلى ذلك، قاتلت قوات مصراتة والقوات الحليفة لها من قبيلة “أولاد سليمان” في مدينة سبها قبيلتي “القذافة” و”المقارحة” من قبل، كما يمكن لدور قوات مصراتة الريادي في إخراج تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» من سرت أن يجعلها الهدف الأول للتنظيم في الجنوب.

المنظمات المتطرفة العنيفة والميليشيات والسياسات المتصدّعة

في ما يتخطى إطار التنظيم، تضم ليبيا عدة منظمات متطرفة عنيفة كبيرة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» والميليشيات الإسلامية المتشددة التي لا بد من مواجهتها. وفي الواقع، إن القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» يمكن أن يسمح للجماعات الجهادية الأخرى بالظهور مجدداً على ساحة المنافسة على الهيمنة في شمال أفريقيا، كما يمكن لإخراج التنظيم من مدينة سرت أن يحفز على تجدد الاقتتال بين الميليشيات.

وفي محافظة برقة الشرقية، كان اللواء خليفة حفتر و”الجيش الوطني الليبي” الذي يقوده يحاربون رسمياً المنظمات المتطرفة العنيفة والمتمردين الإسلاميين المتشددين منذ أيار/ مايو 2014. أما اليوم، فيتركز القتال على أحياء بنغازي غرب القوارشة وغار يونس والصابري وسوق الحوت، حيث لا يزال التنظيم متواجداً، ولكن أيضاً في درنة وأجدابيا.

هذا وتشمل المنظمات المتطرفة العنيفة من غير تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» في برقة: أنصار الشريعة في ليبيا، وعناصر من تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي»، «مجلس شورى ثوار بنغازي»، والذي يمكن أن يعمل الآن تحت «لواء الدفاع عن بنغازي» و«مجلس شورى مجاهدي درنة»، و«مجلس شورى ثوار أجدابيا»، والذي يمكن أن يعمل الآن تحت إطار «غرفة عمليات تحرير أجدابيا ودعم ثوار بنغازي».

وبشكل عام، إن الإسلاميين الذين يتخذون من طرابلس مقراً لهم يعارضون حفتر ويعلنون دعمهم للكثير من هذه المنظمات. أما “حكومة الإنقاذ الوطني” في طرابلس، و”مجلس الفتوى الليبي” بقيادة الشيخ المتشدد الصادق الغرياني، ومختلف قادة تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي»، بمن فيهم الشيخ أبو عبيدة يوسف العنابي، فقد دعوا إلى الدفاع عن بنغازي. وفي إطار الإشادة بمكافحة مصراتة للتنظيم، ذكر الغرياني أن “المعركة التي ستقرر مصير ليبيا بعد سرت هي «المعركة على بنغازي»”. وكان قد أشاد بـ «مجلس شورى ثوار أجدابيا» و«مجلس شورى ثوار بنغازي»، في حين أشاد «مجلس شورى مجاهدي درنة» بالغرياني و«لواء الدفاع عن بنغازي» والقوات في أجدابيا.

من جانبها، تتحالف قوات مصراتة مع الإسلاميين في طرابلس، كما تعارض حفتر أيضاً. وعند إخراج تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» من سرت، يمكن أن تعترض قوات مصراتة و”الجيش الوطني الليبي” السيطرة على المدينة والبنية التحتية للنفط المحيطة بها، وهي التي سيطرت على حقول النفط حول “الجفرة” في منتصف أيار/ مايو. وبعد شهر واحد، اشتبكت قوات مصراتة و”الجيش الوطني الليبي” بالقرب من “زِلة”. هذا وكان رئيس “حرس المرافق للبترول”، إبراهيم الجثران، حليفاً مناسباً لحفتر لكنه اتهمه بغزو حقول النفط.

ويمكن للجمود السياسي أن يستمر بعد إخراج تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» من سرت. فـ “الجيش الوطني الليبي” بقيادة حفتر و”مجلس النواب” المرتبط به في طبرق عارضا الانضمام إلى “حكومة الوفاق الوطني” التي مقرها طرابلس. فهذه الحكومة مدعومة من القوات الغربية بصفتها الهيئة الموحدة التي يمكن من خلالها رفع الحظر المفروض على الأسلحة في ليبيا، وهي إسمياً مسؤولة عن عملية “البنيان المرصوص”. وفي 1 تموز/ يوليو، استقال أربعة أعضاء من الشرق من هذه الحكومة، وذلك على الأرجح تحت ضغط من حفتر وحلفائه. فإذا كانت المعركة لطرد تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» من عاصمته في شمال أفريقيا غير قادرة على توحيد الحكومات الثلاث في البلاد ضمن حكومة واحدة، فمن غير الواضح ما الذي قد يوحدها (ستتم مناقشة التحديات السياسية في ليبيا بمزيد من التعمق في مرصد سياسي آخر بقلم بين فيشمان).

المحصلة

يشكّل القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» خطوة نحو إرساء الاستقرار في ليبيا، لكنه ليس الحل الحاسم. فالتنظيم حيوي ويمكن أن يغيّر من تكتيكاته لكي يحوّل تركيزه نحو مكان آخر. أما خارج ساحة المعركة، فلا تزال السياسة الليبية في وضع جمود. وبالتالي فإن القضاء التام على التنظيم بالكاد سيعيد عقارب الساعة إلى خريف عام 2014، عندما كانت ليبيا في خضم الحرب الأهلية. كما أن الوصول إلى حكومة وحدة سيمثل بالكاد عودة إلى أيام “المؤتمر الوطني العام” السقيم الذي أدى إلى الحرب. وفي كلتا الحالتين من الممكن الاعتبار بأن ليبيا كانت تتمتع بالاستقرار.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close