fbpx
ترجمات

تساهل الاتحاد الأوروبي مع ممارسات السيسي الوحشية

يذكي العنف وعدم الاستقرار في سيناء

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نشرت يورونيوز الخميس (28 فبراير) مقالاً للدكتور عمرو دراج، رئيس المعهد المصري للدراسات ووزير التخطيط السابق والتعاون الدولي، تحت عنوان: “تساهل الاتحاد الأوروبي مع ممارسات السيسي الوحشية يذكي العنف وعدم الاستقرار في سيناء”. وقد قام المعهد المصري بترجمته كاملاً على النحو التالي:

في يوم السبت الموافق 16 فبراير 2019، قُتل 15 من صفوة جنود مصر في شبه جزيرة سيناء، حيث استهدف المتمردون نقطة تفتيش أمنية، وبعد “تبادل لإطلاق النار” (حسب بيان المتحدث العسكري)، قُتل ضابط و 14 جندياً.

وتُعد هذه الحادثة إحدى المآسي العديدة التي عصفت بالبلاد مؤخراً. وهي مجرد دليل آخر على أنه لا توجد أي علامات على تحقيق النتيجة المرجوة من تلك الحرب التي يخوضها الجنرال السيسي في سيناء “في ظل تعتيم إعلامي تام”، والتي طالما كان هدفها المُعلن هو إنهاء التمرد هناك. وعلى الرغم من العملية العسكرية الكبيرة (العملية الشاملة سيناء 2018) التي استمرت لأكثر من عام في سيناء وحظيت بتأييد ودعم الجيش الإسرائيلي، فلا يزال المتمردون، الذين يُقدر عددهم حسب مصادر مختلفة، بـ 800 إلى 1200 عنصر فقط، قادرين على شن هجمات مميتة وشديدة التأثير (وحسب بيانات المتحدث العسكري، فقد يتجاوز عدد “الإرهابيين” الذين تمت تصفيتهم العدد الإجمالي لهؤلاء المتمردين من الأساس).

وهذا يدعو للتساؤل عما إذا كان السيسي قادراً على إدارة هذا الصراع. ففي نوفمبر 2017، أمر السيسي رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة المصرية بالقضاء على التمرد خلال ثلاثة أشهر فقط. وبعد مرور حوالي 15 شهراً  لم يتم إحراز أي تقدم يُذكر على هذا الصعيد. ومما يُضاعف القلق في هذا الأمر تصاعد احتمالات (ربما يمكن تقبلها) بأن السيسي يرغب في استمرار هذا الصراع. حيث في هذه الحالة، سيتمكن من الاستمرار في زعمه  بأنه يحارب الإرهاب “متظاهراً بالشجاعة” أمام الشعب المصري والمجتمع الدولي.

وبهذه الطريقة، يمكنه أن يستمر في تكريس فكرة أن ما تحتاجه مصر هو “الرجل القوي” ، الزعيم الذي يدير دفة الأمور في البلاد بيد من حديد. وبعبارة أخرى، شخص يمكن أن يضمن بسط الاستقرار في البلاد. وفي ظل هذه الظروف، يستطيع أن يقول بكل وضوح أن هذا ليس وقت الحديث عن حقوق الإنسان أو الديمقراطية، حيث هناك كثير من المسائل الملحة التي يجب أن ننشغل بها.

وقد تقبل الغرب بسذاجة – أو عن عمد – هذه السردية. فقد اختار قادة الغرب مراراً وتكراراً إما تأييد نظام السيسي أو قبوله بشكل ضمني. وقد يبدي إيمانويل ماكرون شفوياً تحدياً للسيسي بسبب القمع الذي يمارسه، لكن فرنسا تواصل بيع الأسلحة لمصر وتوقع اتفاقيات “تعاون” مع نظام السيسي. ويعتقد الكثيرون أن الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى القاهرة كانت بمثابة إعطاء السيسي الضوء الأخضر للقيام بكل ما يريده داخلياً. ففي الأسبوعين التاليين لتلك الزيارة، تم إعدام 15 من المصريين الأبرياء.

وغني عن القول إن هذا القبول الدولي أصبح أسهل وأكثر قبولا للجمهور على نطاق واسع، طالما أن السيسي يقاتل”الإرهابي”، ذلك العدو اللدود للعالم أجمع. وفي مؤتمر الأمن في ميونيخ في وقت سابق من هذا الشهر، كان السيسي يحاول جاهداً التأكيد على الحاجة إلى “عمل عالمي” ضد التطرف. وقال: “منذ عام 2014، دعونا العالم للتعامل مع استخدام التكنولوجيا المتقدمة في تجنيد الإرهابيين”. “حيث يتم إغراء الناس من خلال الحديث المتطرف لجلب القتل إلى العالم”.

وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها شخصيات ونشطاء مصريين معارضين – بمن فيهم أنا – لمنع القادة الأوروبيين من حضور مؤتمر شرم السيسي تحت رعاية السيسي، فقد استمر نهج التساهل الذي تتبناه أوروبا تجاه ممارسات السيسي في القمة الافتتاحية للاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. لقد وفر مجرد تواجد دونالد تاسك، وتيريزا ماي ، وأنجيلا ميركل وآخرين في شرم الشيخ شرعية أكبر للرجل المسئول عن أسوأ أزمة لحقوق الإنسان مرت بها مصر في العصر الحديث. وزيادة على ذلك، فقد كرس هذا الحضور لقادة الغرب في المؤتمر، خصوصاً بعد تنفيذ أحكام إعدام ظالمة لتسعة من السجناء السياسيين قبل المؤتمر بأقل من أسبوع، مفهوم أن الاتحاد الأوروبي والغرب لا يكترثون البتة بظاهرة الدكتاتورية في العالم العربي.

وهناك مفارقة مريرة في أن الرجل المسئول عن انتهاكات لا حصر لها لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تردي قوة إقليمية كبرى إلى حالة من البؤس والعوز، هو الذي يدعو العالم إلى محاربة الإرهاب. ويتفق الخبراء على أن ما يحدث في سيناء ليس إرهاباً بل تمرداً مسلحاً. وهي في الأساس أساليب متباينة لممارسة العنف السياسي ذو الجذور الاجتماعية. ووفقا لذلك، فإن الأمر يتطلب استخدام أساليب مختلفة لمعالجة الأمر. ومع ذلك – فعلى افتراض أنه يريد أن ينتهي هذا الصراع – يستمر السيسي في محاولة حل هذه المعضلة باستخدام القوة “الغاشمة” والقوة وحدها.

والنتيجة المترتبة على ذلك لا تكمن فقط في أنه فشل في الحد من حالة عدم الاستقرار في سيناء، بل إنه من يؤججه بشدة. فقوات جيشه تستخدم بشكل روتيني القوة المفرطة، وتقوم بالاعتقالات وحتى تعذيب النساء، فضلا عن إخلاء القرى والمدن والتهجير القسري، وتدمير المنازل ، والقتل خارج نطاق القانون وأشكال عديدة من التخويف والقسوة. وفي كل مرة تقع فيها حادثة كتلك التي وقعت يوم السبت 16 فبراير، يرد الجيش بقتل المزيد من المدنيين.

وهذا لا يعني أن تحقيق الاستقرار في سيناء أمر من السهولة بمكان. فبينما كنت أعمل ضمن حكومة الدكتور محمد مرسي، قدمنا ​​استراتيجية من أربع نقاط لحل المشكلة (التي كانت أقل خطورة بكثير عما هي عليه اليوم) شملت، بالإضافة إلى التدابير الأمنية، مراقبة الحدود والحوار الديني والاجتماعي، وربما الأهم من ذلك، التنمية. حيث يعتقد سكان سيناء أنهم لا يعاملون كمواطنين مصريين. ولهذا السبب، سعينا إلى الاستثمار بكثافة في تحسين البنية التحتية هناك.

في ذلك الوقت، وكوزير للتخطيط والتعاون الدولي، تمكنت من تدبير مبلغ 4.4 مليار جنيه مصري (221 مليون يورو) لتمويل إنشاء المدارس والطرق وشبكات المياه والصرف الصحي وزراعة الأراضي المستصلحة حديثاً. لكن انقلاب 2013 أوقف هذه الخطة. ومنذ أن استولى السيسي على السلطة، سادت الوحشية ووصلت المشكلة إلى حد المأساة. فعلى الرغم من ادعاءاته على خلاف ذلك، و”السياسة الواقعية” الخرقاء التي يطبقها القادة الغربيون، فإن السيسي ليس ضامناً للاستقرار. بل إن عدم أهليته تُعد نذير شؤم بأن مصر، وسيناء على وجه الخصوص، تتجه بشكل متزايد إلى حالة من اللا استقرار.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close