fbpx
تقديرات

تطورات الأزمة الليبية في ضوء اتفاق تونس

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تقديم

مر المشهد الليبي بالعديد من التطورات منذ اندلاع الثورة الليبية في الـ 17 من فبراير 2011 فهو لم يسر في المسار العسكري بشكل أحادي كالمشهد السوري، وكذلك لم يتبع المسار السياسي كغيره من الثورات العربية في تونس ومصر ولكنه مزج بينهما. وفي هذا السياق مرت الأزمة الليبية بالعديد من محاولات الاتفاق أو التنسيق بين الأطراف الليبية المتنازعة في الداخل.

وكان أحدث هذه الاتفاقات هو اتفاق الصخيرات الذي تم توقيعه بالمغرب في 11 يوليو 2015، ولكنه استثني أحد أهم الأطراف الليبية وهو المؤتمر الوطنى العام الذي رفض المشاركة فيه لاعتراضه على عدة نقاط جوهرية انذاك.(1) وبعد الإعلان عن التوصل لاتفاق الصخيرات والدعوة لمؤتمر روما كخطوة لتطبيق هذا الاتفاق على أرض الواقع واختيار رئيس الحكومة، تم الإعلان عن اتفاق “ليبي-ليبي” في تونس، والتأكيد على أنه اتفاق ليبي خالص دون تدخل أجنبي في إشارة للتدخل من قبل الأمم المتحدة عن طريق مبعوثها بيرناردينو، الذي تمت الإشارة إلى تورطه في تنسيق مع الإمارات يضمن لها تدخل في ليبيا، ومن بعده المبعوث الألماني مارتن كوبلر.

جاء اتفاق تونس في هذا الإطار الزماني والسياق القائم كإشارة لخطوة جديدة في الأزمة الليبية قد يكون لها تأثير على مستقبل الثورة الليبية. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أسرع موقعو الاتفاق إلى الإعلان يوم الجمعة 11 ديسمبر على توقيع اتفاق نهائي يوم 16 ديسمبر 2015 في محاولة استباق لمؤتمر روما الذي كان محدداً له موعد مسبق يوم الأحد 13 ديسمبر وكان من الممكن أن يفشل الاتفاق الليبي _ الليبي.

تقوم هذه الورقة على تحليل الاتفاق الليبي ـ الليبي الذي عُقد بتونس وتوضيح أهم بنوده والمواقف الداخلية والخارجية منه في محاولة طرح السيناريوهات المحتملة وفقًا لهذا الإتفاق.

وذلك في محاولة إجابة تساؤل هو “ما أثر الاتفاق الليبي_الليبي على مسار الثورة الليبية؟”.

أولاً: مضمون الاتفاق:

تم توقيع اتفاق مبدئي بين أعضاء من طرفي المشهد الليبي، المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب المنحل بطبرق يوم الأحد 6 ديسمبر 2015 في تونس كمقدمة للتوقيع نهائي على وثيقة إعلان مبادئ لاتفاق وطني لحل الأزمة السياسية الليبية. ويشمل الاتفاق ثلاثة مبادئ هامة تم الاتفاق عليها وهي:

الأول: تشكيل لجنة من 10 أعضاء مناصفة بين المؤتمر والبرلمان لاختيار رئيس الحكومة ونائبيه_ بحيث يكون أحدهما من المؤتمر الوطني والآخر من مجلس النواب_ والذين يحق لهم اختيار بقية أعضاء الحكومة خلال أسبوعين.

الثاني: العمل بالدستور الليبي السابق 1951 (في العهد الملكي) مع اختيار لجنة مشتركة (مكونة من 10 أعضاء 5 من كل طرف) لإدخال التعديلات اللازمة عليه بما يتناسب مع طبيعة المرحلة الحالية.

الثالث: إجراء انتخابات تشريعية خلال عامين. ويتم تبني هذه المبادئ بعد الموافقة عليها من قبل المجلسين القائمين المؤتمر الوطني ومجلس النواب. (2)

وتأتي هذه المبادئ كمحاولة لحل أزمة الشرعية الدستورية في الأزمة الليبية عن طريق العودة للدستور القديم لملء هذا الفراغ بجانب إيجاد حكومة لإدارة المشهد الليبي الحالي وهذا على المدي القصير للتعامل مع المشهد الراهن والإشارة كذلك لوضع أسس على المدي البعيد متمثلًا في إيجاد سلطة تشريعية للبلاد.

ولعل الغرض من هذه المبادرة الليبية والسعي لإبرام مثل هذا الاتفاق يمكن تفسيره على أوجه متعددة، وذلك على النحو التالي:

محاولة إيجاد تواصل مباشر بين طرفي الأزمة الليبية في الداخل دون وسيط خارجي كما كان متمثلا في المبعوث الأممي لليبيا وذلك بعد مفاوضات سرية حسب إشارة بعض المصادر. ويعقب هذا محاولة لتحقيق حد أدني من التواصل بين الطرفين ومواجهة الصعاب المحتملة بأنفسهم.

خطوة استباقية ورد فعل للقوي الليبية بعد انتشار الشبهات حول التدخل الإماراتي في محاولات الاتفاق عن طريق الوساطة الأممية والتي كانت دائما ما ترفض اجتماع الطرفين بشكل مباشر لأسباب تتعلق بعدم إمكانية هذا في الوقت الحالي. فما كان من الأطراف الليبية إلا السعي بشكل استراتيجي لايجاد بديل سريع لاتفاق الصخيرات بغرض التشويش عليه وافقاده جانب كبير من قبوله الشعبي قبل مؤتمر روما الأحد 13 ديسمبر 2015. (3)

ولتدعيم الاتفاق لم يقتصر موقعوه على ذلك بل في تصريح يوم الجمعة 11 ديسمبر أعلنوا أنهم بصدد توقيع اتفاق نهائي يوم 16 ديسمبر والذي يمكن تفسيره أنها كانت خطوة استباقية جديدة غرضها حماية الاتفاق ومنع تجاهله في مؤتمر روما. ثم جاء مؤتمر روما بالفعل يوم الأحد 13 ديسمبر والذي شارك فيها العديد من الأطراف الدولية والإقليمية ولم يُفض المؤتمر إلى شئ جديد سوى التأكيد على ضرورة الاتفاق بين الأطراف وإنهاء الأزمة الليبية. (4)

ثانياً: مواقف الأطراف الليبية:

بعد الإعلان عن هذا الاتفاق تباينت المواقف الليبية بشأنه. فهناك العديد من الأقوال في هذا الصدد. فبعد أن أعرب الموقعون على الاتفاق ضرورة السعي في تنفيذ الاتفاق وضرورة الاتفاق الليبي وأنه بمثابة الحل للوضع الليبي الراهن ظهرت عده توجهات ما بين التأييد والرفض:

(أ) التأييد:

أعلن أعضاء المؤتمر الوطني العام عن قبول الاتفاق الليبي الذي تم توقيعه في تونس وأكدوا على أنهم بصدد محاولات جادة للتنسيق بين رئيس كل من المؤتمر الوطني وبرلمان طبرق للاجتماع بخصوص الاتفاق. هذا بالإضافة إلى تأكيد مصادر ليبية متقاطعة أنه يحظى بتأييد كبير في جانبه الغربي والقبلي. ونقلت مواقع ليبية أن رئيس مجلس أعيان ومشايخ المنطقة الشرقية علي خيرالله، أكد أنهم مع أي اتفاق يُخرج البلد من أزمته، وأنه يدعم العودة لدستور عام 1951 وتعديلاته. كذلك أكد مقرر هيئة أعيان وحكماء المنطقة الغربية حسن المسلاتي، دعم الاتفاق الذي وُقّع في تونس، واعتبره بشرى لكل الليبيين.

كما نقلت قناة “النبأ” الليبية أيضاً أن رئيس هيئة أعيان ومشايخ المنطقة الجنوبية عبد السلام العروسي شدّد على دعم الاتفاق، داعياً إلى حقن الدماء بين الليبيين، وهو الموقف نفسه لرئيس هيئة مشايخ وأعيان ليبيا مفتاح العبيدي، وعضو مشايخ وأعيان ترهونة بشير العبدلي . وذكرت القناة الليبية أن رئاسة المؤتمر الوطني العام أكدت أنها “تلقت اتصالات من العديد من الثوار والمجالس البلدية والنشطاء وأعيان المناطق لمباركة اتفاق إعلان المبادئ الموقع من وفدي المؤتمر والبرلمان المنحل، وأنها تسعى مع كل الأطراف لوضعه حيز التنفيذ”. (5)

(ب) الرفض:

وعلى النقيض، رفض عدد من أعضاء برلمان طبرق الاتفاق واعتبروه غير ممثلًا عن المجلس وأنه مبادرة شخصية لا أكثر. وأضاف البعض أن الاتفاق يعيد الأزمة إلى مربع البداية وأن كل هذه الاتفاقات تم إدراجها والانتهاء منها في الاتفاقات التي كانت تحت الإشراف الأممي وأكدوا على أهمية الالتزام باتفاق الصخيرات. (6)

ثالثاً: مواقف الأطراف الإقليمية والدولية:

(أ) الأطراف الإقليمية:

تونس: أعلنت تونس موافقتها المبدئية على الاتفاق الليبي_الليبي واعتبرته  أحد الخطوات الهامة على طريق تحقيق توافق في الداخل الليبي بل تناولت بعض المصادر إلى الإشارة إلى احتمالية توسط تونسي كتمهيد للاتفاق وذلك من خلال مجموعة من الأطراف التونسية التي تعرف بعلاقاتها في الداخل الليبي بما فيه الطرفين القائمين وأعضاء بهما وعلاقات كذلك مع التيار الإسلامي بل وعلاقات مع بعض رموز النظام القذافي.

ولعل الترحيب التونسي يمكن تفسيره منطقيًا أنه أصبح من مصلحة تونس التوصل لاستقرار في ليبيا لأنها تؤثر عليها بشدة نظرًا لشدة التجاور الجغرافي والتخوف من التحول لحرب أهلية أو نشوب حرب على الأرض الليبية وهو ما سيلقي بظلاله على المشهد التونسي بقوة. ولكن هذا لا ينفي الإشارة التونسية إلى ضرورة التنسيق والعمل مع الأمم المتحدة للتوصل لتوافق وطني قريبًا. (7)

مصر: أعلنت عن تحفظها تجاه هذا الإتفاق وأنها لا تعلم ما هي النوايا التي تقوم وراءه، وأكدت أنها تدعم الاتفاق الأممي الذي تم تبنيه في الصخيرات ودعت إلى البناء عليه لا على شئ جديد.(8)

الجزائر: كان تعليق الجزائر الرسمي تجاه هذا الاتفاق يتسم بالغموض حيث جاء التصريح الرسمي لوزير الخارجية الثاني للجزائر “إن موقف الجزائر من النزاع الليبي ”دائم وثابت”، وأنه يستند للمبادئ الأساسية المتعلقة باحترام سيادة هذا البلد وسلامته الترابية ووحدته وتماسك شعبه”.

ويرجع هذا الموقف إلي سببين:

أن بعض المصادر أشارت إلى أن  سفارة الجزائر في تونس  كانت على علم  دقيق بأدق تفاصيل الإتفاق  وهو ما يعني  أن  الجزائر كانت قادرة على تعطيله في تونس.

أن تونس ما كانت لترعى  إتفاقا من هذا النوع دون مباركة جزائرية، وهي ليست بحاجة للمزيد من المشاكل مع جارتها  الغربية.

ولكن على الجانب الآخر أيضا أعلنت الجزائر عن تبنيها للتنسيق الأممي في النزاع الليبي وعن الجهود التي تم التوصل إليها. (9)

(ب) الأطراف الدولية:

1- الأمم المتحدة: أعلنت الأمم المتحدة على لسان مبعوثها إلى ليبيا أن النزاع الليبي لا يمكن التوصل إلى حل بخصوصه إلا من خلال الاتفاق الأممي الذي تم طرحه وذلك في إطار اتفاق الصخيرات الذي تم التوصل إليه كما أكدت أن أي محاولة تنسيق أخرى غير واقعية ولا يمكن تبنيها.

ويمكن الإشارة هنا إلى أن هذه التصريحات تكشف عن النوايا الأممية ما إذا كانت تسعى لحل الأزمة أم لغير ذلك. فإن كان كما تدعي أنها تسعى لتوافق ليبي فمن المفترض أن تدعم أي محاولة لرأب هذا الصدع. وبعد الإعلان عن التوصل لاتفاق نهائي في 16 ديسمبر أشار المسؤول الأممي إلى أنه سيطلع مجلس الأمن على الاتفاق لأنه لا يمكن للاتفاق أن يتحقق دون رعاية أممية تدعمه. وفي هذا تبدو محاولة لضم الاتفاق الليبي تحت منصة الأمم المتحدة مرة أخرى بحيث تظل سيطرة الأمم المتحدة على الوضع الليبي قائمة.

2- الولايات المتحدة الأمريكية: تشير بعض الآراء أن الولايات المتحدة قد تسعى إلى إفشال أي اتفاق ليبي لا يندرج تحت وصايتها. وفي مؤتمر روما الأخير أعلن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي أنه ستتشكل حكومة وطنية قريبا في ليبيا وأنهم لديهم خطة كاملة لضمان تشكيلها. فبالرغم من أن تصريحاته تشير إلى السعي لايجاد حكومة وطنية إلا أنه أكد أنها تحت خطة عمل من الولايات المتحدة().

3- الاتحاد الأوروبي: كان موقف الاتحاد الأوروبي رافضاً للاتفاق الليبي ويتشابه في حيثيات الرفض تلك إلى حد كبير مع موقف الأمم المتحدة والتأكيد على ضرورة الالتزام بالاتفاق الأممي وضرورة أن يكون أي اتفاق شاملاً ومُقراً للدور الإيجابي للمنظمات الدولية وفقا لما أكدته “كاثرين راي” الناطقة باسم مكتب العمل الخارجي الأوروبي. كما أكدت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “فيديريكا موغيريني” على أن مؤتمر روما سيكون هو الداعم لأي توافق ليبي داخلي.

ولكن بعد تطورات الأمر وانعقاد مؤتمر روما حدث تحول طفيف بحيث يميل إلى قبول اتفاق تونس بشكل ما في إطار دمجه داخل المنظومة الأممية وتصاعدت التصريحات الفرنسية والايطالية بعد قرب التوصل لاتفاق ليبي فرض نفسه على الساحة ولاسيما في مؤتمر روما بجانب الأنباء التي تصاعدت عن سيطرة داعش على مدينة سرت الليبية.

وأمام المخاطر التي يمكن أن تترتب على ذلك، وسعياً للتعاطي الفاعل معها، أعلنت فرنسا وايطاليا وبريطانيا عن اقتراب قيام حكومة وطنية ليبية وعن استعدادها لتلبية طلبها في المساعدة ضد الجماعات الإرهابية في الداخل إذا ما طلبت منها الحكومة ذلك. وبهذا يمكن القول أن أوروبا سعت بذلك إلى موازنة الأمور فيما بين الحفاظ على سيطرتها على الشأن الليبي وحماية نفسها من الخطر الداعشي المحتمل.

4- منظمة التعاون الإسلامي: أعلنت منظمة التعاون الإسلامي ترحيبها بالاتفاق الليبي في تونس ودعت كل الأطراف إلى السعي إلى اعتماد الاتفاق الذي يمثل قاعدة لإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية والبدء في عملية بناء مؤسسي للدولة الليبية وفقا للاتفاق الأخير الذي تم توقيعه من قبل المؤتمر الوطني العام وبرلمان طبرق في تونس.

رابعاً: السيناريوهات المحتملة لمستقبل الاتفاق الليبي- الليبي:

وفقًا للمواقف الدولية المتباينة بجانب المواقف الإقليمية والداخلية فإن مستقبل الاتفاق الليبي قد يكون التنبؤ به ليس بالأمر المحسوم فهناك العديد من السيناريوهات الواردة على الساحة الليبية. يمكن الإشارة إليها كما يلي:

الأول: سيناريو نجاح اتفاق تونس:

قد يكون هذا السيناريو أكثر السيناريوهات تفاؤلا وأقلها واقعية كذلك. ولكن وفقا لعدد من المؤشرات لابد من وضعه في الاعتبار. يقوم هذا السيناريو على مجموعة من الأسباب:

أن بنود الاتفاق الليبي توافقية بشكل ما والاختلاف فيها قد يكون في آليات التنفيذ ولاسيما في اختيار الحكومة أما النقاط الأخري من الاتفاق فقد يحدث عليها اختلاف ولكن سيكون أقل خطورة من البنود الأخرى.

أن العودة للدستور الملكي قد يكون الحل الأمثل للأزمة الدستورية الحالية.

وجود اتفاق داخلي ليبي من الناحية الشعبية سواء من القبائل أو من الطرفين بالإضافة إلى التفويض الكتابي من الطرفين لكن مع الأخذ في الاعتبار أنه ما زال بحاجة إلى موافقة المجلسين عليه.

ولكن قد يفشل هذا الاتفاق الأطراف الدولية، وهذا يعتمد على موقف الأطراف الدولية من الحكومة قيد التشكيل وهذا يعتمد بالأساس على توجه الحكومة المنبثقة في حال كونها لها توجه أممي ودولي تعاوني من عدمه. كما أن عدم سعي الأطراف الإقليمية المجاورة إلى التدخل في الاتفاق الليبي يعني رغبتها في الوصول إلى اتفاق ليبي وعدم معارضتها.

الثاني: سيناريو فشل اتفاق تونس:

بالرغم أن هذا السيناريو قد يكون أكثرهم تشاؤما إلا أنه قد يتسم بقدر من الواقعية حيث أن الأطراف الدولية إذا استشعرت خطورة الحكومة المنبثقة عن الاتفاق على مصالحها أو حتى أن حكومة الصخيرات قد تكون هي الأنسب لمصالحها فإنه في هذا الوضع ستتجه الأطراف إلى إفشال هذا الاتفاق في سبيل دعم الاتفاق بالصخيرات. وفي سبيل ذلك قد يكون زيادة الإفشال الأمني والتصعيد الداخلي وسيلة لمنع تقدم الاتفاق.

وإن كان دور الأطراف الدولية هو أهم الأسباب التي قد تؤدي إلى هذا السيناريو، ولكن لابد من الإشارة إلى أن الاتفاق يحمل بذور إفشاله فيما يخص ضرورة موافقة المؤتمر الوطني العام وبرلمان طبرق على الاتفاق حتى يدخل حيز التنفيذ، ولاسيما مع تصاعد بعض التصريحات الخاصة بأن هذا الاتفاق لا يمثل برلمان طبرق واعتراض بعض أعضاء البرلمان عليه.

هذا إلى جانب تواجد المليشيات المسلحة الداعمة إلى كل فريق والتي قد تكون أحد أهم العوامل التي لا تدعم قيام الحكومة الوطنية في ظل عدم تمثيلها في الاتفاقات القائمة. ففي حال عدم رضا المليشيات عن الاتفاق سيؤدي هذا إلى اضطراب داخلي يمنع الوصول إليه ولاسيما تواجد داعش هي الأخرى قد يكون عاملًا أكبر لمنع هذا الاتفاق لأنه ليس من مصلحتها في بداية تواجدها في ليبيا أن تتواجد حكومة ليبية الآن. كما يجدر الإشارة إلى أن هناك بعض الإشارات إلى أن الدستور الملكي قد يكون غير مناسب للوضع الحالي.

الثالث: سيناريو التوفيق بين اتفاقي تونس والصخيرات:

وهو السيناريو المرجح ، يشير هذا السيناريو إلى التوفيق بين اتفاق تونس مع اتفاق الصخيرات وهذا ما قد يدعمه ما حدث في مؤتمر روما بحيث يتم إدراج ما تم الاتفاق عليه في تونس بشكل موازي للصخيرات وإعادة الأمر إلى السيطرة الأممية مرة أخرى. والمؤشرات على هذا السيناريو قد تكون الأقوي من الناحية الداخلية الليبة والإقليمية والدولية وفقًا لأولوية المصالح المختلفة في المشهد الليبي.

اتفاق الفصائل الليبية على اتفاق تونس والتأييد الشعبي له يقوي من موقف الاتفاق ويدعم وجوده ولكن الاعتراضات الداخلية قد يمكن دمجها تحت اتفاق أممي.

الموقف الإقليمي متمثلا في تونس والجزائر ومصر تدعم بشدة الوصول لاستقرار ليبي سريع لأنه يؤثر على الأوضاع في أنظمتهم. لكن خشية دول الجوار من احتمال صعود إسلامي في ليبيا كالتخوف المصري أو الخوف من أن يكون الاتفاق لا يضمن الصلاحيات الدولية أو الرغبة في بقائه تحت مظلة أممية سيدعم فكرة الوصول إلى التسوية.

الموقف الدولي بالرغم من ميله إلى اتفاق برعايته وبالتالي يضمن حماية مصالحة في القطر الليبي إلا أن وصول داعش إلى الأطراف الليبية الشمالية وقربها من دول الاتحاد الأوروبي تدفعها إلى القبول بأي اتفاق ينشأ عنه حكومة يمكن التنسيق معاها سياسيًا وعسكريًا لحماية نفسها من انتشار داعش ونقل خطره إليها والحفاظ على الثروات النفطية الليبية بعيدًا عن سيطرة أي طرف قد يؤثر على المصالح الأوروبية والغربية. ولعل التصريحات الفرنسية والإيطالية والبريطانية في هذا الشأن واضحة. أي أن الهدف سيكون السعي إلى التخلص من أشد الخطرين ثم الانتقال إلى أقلهم.

وفقا لهذا قد تكون محاولة التسوية لإنتاج توافق ليبي على الشكل الذي تم الاتفاق عليه في تونس ولكن تحت مظلة أممية بادراج بنود وأطراف الاتفاق في اتفاق الصخيرات ولعل ما حدث في مؤتمر روما كان أقوى دليل على احتمالية اتوجه لهذا السيناريو.

الرابع: سيناريو التدخل العسكري في ليبيا:

قد تكون احتمالية التدخل العسكري في الوضع الليبي كبيرة ولكن هذا السيناريو برأيي سيكون تابع لأي من السيناريوهات السابقة. أي أن احتمالية التدخل قد تكون تابعة لحالة نجاح ليبي خالص دون أي تنسيق أممي ففي هذه الحالة قد يحدث تدخل عسكري إذا ما كانت الحكومة الناشئة لها توجه معادي للمنظمات الدولية أو رافض للتعاون الأممي. أو يتبع حالة التوافق المتوقعة في السيناريو الثالث ويكون ذلك وفق تنسيق بين الحكومة المنبثقة والقوي الدولية التي صرحت برغبتها في الحل العسكري لمواجهة داعش في ليبيا. هذا إلى جانب التأييد المصري للتدخل العسكري في ليبيا والتي سبق أن تدخلت فعليًا في شرق ليبيا من قبل في دعم لقوات حفتر. ولعل ما يدعم هذا التصريحات الأخيرة في هذا الصدد من قبل فرنسا وإيطاليا على الأخص . وبشكل عام فإن التدخل العسكري وارد في السيناريوهات الثلاثة السابقة كلًا وفق حيثياته.

خامساً: النتائج والتوصيات:

في حالة التوصل للسيناريو المرجح فقد تكون خطوة إيجابية في مسار الثورة الليبية بحيث يتم حل الأزمة الليبية بشكل توافقي يضمن مشاركة جميع الأطراف الليبية دون إقصاء كما كان الحال في اتفاق الصخيرات. ولكن يمكن القول أن الوصول لهذه التسوية يحتاج إلى مجموعة من الجهود في هذا الشأن من قبل الأطراف الليبية.

أولا: هي بحاجة أن تعمل على إنجاح وإستكمال الاتفاق بشتى الطرق والعمل على الإبقاء على التواصل المباشر بينها ورفض الوساطة في الاتفاق. وبناءاً على هذا تتمكن من إبقاء الاتفاق قائمًا بشكل جدي ويصبح من مصلحة الأطراف الدولية التنسيق معها بدلا من تجاهلها.

ثانيا: يجب أن تتمتع بنوع من المرونة والقدرة على التنسيق والمساومة مع القوي الدولية والإقليمية لتحقيق أكبر مكسب من هذا الاتفاق ووضع القوة الحالي الذي يمكنها من وضع بعض الشروط التي تدعم مصالحها. وفي ذلك تجنب قدر الإمكان لتمكن المجتمع الدولي من إفراد شروطه التي قد تسمح له بتدخل شامل وتام في الشأن الليبي.

ثالثا: القيام بمجموعة من الإجراءات من شأنها تدعيم الاتفاق عن طريق:

إشراك منظمات دولية وإقليمية لدعم هذا الاتفاق قد تكون منظمة التعاون الإسلامي التي رحبت بالأمر بشدة ودعت إلى تدعيمه بجانب جامعة الدول العربية.

التنسيق مع الدول ذات الثقل الدولي التي تدعم مثل هذا الاتفاق  كتركيا وماليزيا التي قد تساعد في الضغط الدولي.

التنسيق مع المنظمات الحقوقية لمراقبة الوضع في ليببا ومراقبة تنفيذ هذا الاتفاق.

محاولة تنسيق الفصائل الليبية المختلفة مع المليشيات التابعة لها أو القريبة من مواقفها السياسية لدعمها عن طريق التهدئة أو الضغط في تنفيذ الاتفاق.

(1) أهم بنود الاتفاق الليبي بالصخيرات”، الجزيرة، 7 ديسمبر 2015، الرابط الإلكتروني، تاريخ الدخول: 9 ديسمبر 2015.

(2)  “اتفاق في تونس بين الفرقاء الليبيين تنذر الخلافات بتقويضه”، ميدل ايست أونلاين، 6 ديسمبر 2015، الرابط الإلكتروني، تاريخ الدخول :7 ديسمبر 2015.

(3)  عبد العزيز باشا،”هل سيصمد إعلان مبادئ الاتفاق الليبي؟”، الجزيرة، 7 ديسمبر 2015، الرابط الإلكتروني, تاريخ الدخول: 9 ديسمبر 2015.

(4)  “اتفاق نهائي وشيك بين فرقاء ليبيا” ، الجزيرة ، 11 ديسمبر 2015 ، الرابط الالكتروني ، تاريخ الدخول: 14 ديسمبر 2015.

(5)  وليد التليلي، “الاتفاق الليبي في تونس: الخلفيات والاعتراضات الداخلية والنوايا الدولية” ، العربي الجديد، 7 ديسمبر 2015 ، الرابط الإلكتروني، تاريخ الدخول: 9 ديسمبر 2015.

(6)  المرجع السابق.

(7)  وليد التليلي ، مرجع سابق.

(8)  روعة قاسم، “اتفاق الحل السياسي الليبي الموقّع في تونس: خارطة طريق لحل الأزمة أم معضلة جديدة ستربك المشهد الليبي؟” ، المغرب ، 8 دديسمبر 2015 ، الرابط الإلكتروني ، تاريخ الدخول: 9 ديسمبر 2015.

(9)  أيمن خليل ، “وزير الخارجية الثاني يبقي على الغموض بشأن موقف الجزائر من إتفاق تونس” ، 9 ديسمبر 2015 ، الرابط الإلكتروني ، تاريخ الدخول: 9 ديسمبر 2015.

(10)  “فرنسا تقول سيكون لزاما قتال الدولة الإسلامية في ليبيا Reuters   عربي ، 11 ديسمبر 2015 ، الرابط الإلكتروني ، تاريخ الدخول: 14 ديسمبر 2015.

“التدخّل العسكري في ليبيا ينتظر حكومة الوفاق واستنفار مصري” العربي الجديد، 13 ديسمبر 2015 الرابط الإلكتروني ، تاريخ الدخول: 14 ديسمبر 2015.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close