fbpx
تقديرات

تطورات العلاقات المصرية السودانية: محاولة للفهم

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة:

برزت على السطح في الآونة خلافات ببن مصر والسودان، ليس على المستوى الرسمي، ولكن –وهذا هو الأخطر- على المستوى الشعبي . السبب في ذلك وفق الرواية السودانية هو قيام الأمن المصري بعملية تضييق على المواطنين السودانيين، بل وسحل بعضهم بعد القبض عليه بحوزته حفنة من الدولارات لا تتعدى الخمسمائة . وعلى غرار ما يفعله الأمن مع معارضي الانقلاب من تنكيل وسحل، بل وتصفية جسدية في بعض الأحيان، تم الاعتداء بصورة وحشية على أحد الرعايا السودانيين.

وبالرغم من أن الحادث يبدو فرديا، لكن هناك أحداثا مشابهة تصل إلى حد السياسة الممنهجة ضد أشقاء وادي النيل الذين يشكلون أكبر جالية غير مصرية في البلاد. لعل أبرزها قيام الأمن المصري بتصفية خمسة عشر سودانيا بدعوى محاولة التسلل إلى إسرائيل عبر سيناء…ومن قبلها احتجاز مصر 20 من العمال السودانيين العاملين في مجال التنقيب، ولم يتم إطلاق سراحهم إلا بوساطة سعودية بحسب الرئاسة السودانية.

إذن نحن أمام أزمة مركبة بين بعدها الشعبي وكذلك الدبلوماسي، فالأشقاء في السودان ساءهم الأمر، وراحوا يطلقون حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار ” مصر ليست شقيقة بلادي “، لا تسافر إلى مصر”،لكن وهذا هو الأخطر وضع بعضهم لافتات على المحال التجارية تحت عنوان” ممنوع دخول المصريين”، بل طالب بعضهم بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، في حيث ذهب فريق خامس للمطالبة بطرد السفير المصري من الخرطوم، ووقف العمل باتفاقيات الحريات الأربع التي تنص على حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك . لكن يبدو أن مصر لا تطبقها فعلياً.

أولاً: أسباب التوتر  في العلاقات:

تتعدد الاجتهادات حول أسباب هذا التوتر الناجم عن التصعيد المصري”الرسمي” في ظل تغييب الموضوع عن الرأي العام المصري بصورة كبيرة، بعض هذه الأسباب تتعلق بملفات وقضايا ثنائية، وبعضها الآخر يتعلق بالموقف من قضايا خارجية” إقليمية تحديدا”

(أ) الملفات “الثنائية” الشائكة في العلاقات

ملف حلايب: الذي عاد إلى الواجهة مرة ثانية، مع قيام مصر بإجراء الانتخابات البرلمانية على أراضيها بما في ذلك منطقة حلايب وشلاتين التي تعتبرها السودان أرضا تابعة لها، بل عجزت في عام 2010 على إجراء الانتخابات بها قبل انفصال الجنوب.

اتهام السودان لمصر بقيامها بأنشطة استخباراتية على أراضيها . وهو ما تنفيه مصر باستمرار، وقد سبق أن قامت السلطات السودانية بالقبض على مجموعة من الصيادين المصريين بدعوى انتهاكهم المياه الإقليمية لمصر للقيام بمهام استخباراتية، وهو ما نفته مصر التي طالبت بإطلاق سراح مقابل إطلاق سراح بعض السودانيين الموجودين لديها.

اتهام الخرطوم للقاهرة بدعمها متمردي دارفور بالسلاح، حيث كشف بعض النشطاء عن عثور الأمن السوداني على أسلحة مصرية من مصانع أبي قير الحربية في حوزة متمردي دارفور.

اشتراط مصر الموافقة الأمنية عند سفر المصريين إلى السودان، وهو ما تعتبره السودان إجراء به إشارة أن السودان تعد دولة معادية لمصر رغم أن هذا الشرط يخالف اتفاقيات الحريات الأربع ومبدأ المعاملة بالمثل، حيث يدخل المصريون السودان دون تأشيرة أو موافقة أمنية.

استضافة الخرطوم قيادات من جماعة الإخوان المسلمين الذين فروا من البلاد بعد الانقلاب، بل إن بعضهم اعتبر الخرطوم نقطة انطلاق لغيرها من الدول كقطر وتركيا، فضلا عن وجود فريق داخل الحزب الحاكم في السودان لا يزال يرفض الانقلاب العسكري في مصر. وبالرغم من أن البشير اعترف بشرعية السيسي، إلا أن القاهرة ترى فيه مناورة من رئيس يفتخر بميولة الإسلامية رغم أنه جاء أيضا بانقلاب عسكري عام 1989 .

ملف سد النهضة: أحد تفسيرات التصعيد المصري يتمثل في محاولة القاهرة الضغط على الخرطوم لتغيير موقفها الداعم لإثيوبيا في ملف سد النهضة، بل ومطالبتها لعب دور الوساطة كما حدث قبل توقيع الاتفاق الثلاثي الأخير بشأنه في الخرطوم في مارس 2015. فهناك تقارب ملحوظ في العلاقة بين الخرطوم وأديس أبابا اللذين يعتبران شريكين في محور صنعاء عام 2002، هذا التقارب تمثل في دعم الخرطوم لأديس أبابا في ملف السد باعتباره يعود بالنفع على الجميع، كما ازداد هذا التقارب أواخر أكتوبر الماضي بإعلان رئيس الوزراء الأثيوبي هايلي مريام دسالني، أمام برلمان بلاده، عزم حكومته على شراء أراضٍ سودانية لتشييد ميناء نهري خاص بها لتسهيل عملية نقل البضائع وعملية التصدير والاستيراد من وإلى أثيوبيا، بخلاف ميناء بور سودان الذي يعد أحد منافد إثيوبيا على البحر الأحمر((1) ) .

وبالتالي فإن السيسي يبحث عن شئ يحفظ ماء وجهه أمام إثيوبيا المستمرة في بنائه دون الالتفات للمفاوضات التي تدور بشأنه، بل إن التصعيد الإثيوبي بلغ مداه بعد قول أحد الوزراء في الحكومة” مصر أضعف من اتخاذ إجراءات ضد اثيوبيا بسبب أزمتها الداخلية”.

(ب) الملفات “الإقليمية” الشائكة في العلاقات:

ربما تنحصر هذه الملفات الإقليمية الشائكة في العلاقات، في تباين المواقف من أزمتي ليبيا، واليمن، فضلا عن بروز تقارب سعودي-سوداني قد لا يروق لمصر التي باتت على خلاف واضح مع الرياض، فقد شهدت العلاقات السعودية السودانية تحسنا ملحوظا في الآونة الأخيرة يمكن ملاحظته من عدة أمور:

وساطة سعودية لدى مصر بخصوص الإفراج عن عمال تنقيب سودانيين، وفي المقابل طلب البشير توسط السعودية لحل أزمة حلايب بعد إجراء الانتخابات البرلمانية بها أكتوبر 2015.

تنسيق سعودي سوداني فيما يتعلق بثلاث ملفات أساسية هي ليبيا، واليمن، والقرن الإفريقي وفي القلب منه إثيوبيا:

الملف الليبي:

هناك تنسيق بين الجانبين في مواجهة تنسيق مصري إماراتي بخصوص الأزمة، وكيفية تأييد الفريق الأول للحل السياسي مقابل تأييد الثاني الحل العسكري.. والتباين بين الطرفين بشأن الدور المزمع للقوات العربية التي كان هناك حديث عن إمكانية إرسالها أوائل هذا العام، فقد رفضت مصر مشاركة السودان بها بسبب دعمها للإسلاميين في طرابلس، في المقابل رأت السعودية أهمية انطلاق هذه القوات من السودان لضمان تحقيق أهداف الجامعة العربية.

فالقاهرة تتهم السودان بدعمها لثوار ليبيا منذ اندلاع الثورة على القذافي بسبب الخلافات المتوارثة بينه وبين القذافي بخصوص قضية جنوب السودان، واستمر دعم السودان للفصائل الإسلامية المقاتلة في ليبيا بعد سقوط القذافي من خلال الدعم غير المعلن لعملية “فجر ليبيا” تلك القوات التابعة للمؤتمر الوطني العام الليبي الذي تتشكل أغلبيته من خلفيات إسلامية و منها جماعة الإخوان المسلمين الليبية التي يناصبها السيسي العداء باعتبارها امتداد إقليمي للجماعة الأم في مصر، كما أنه يرفض الحل العسكري ويؤيد الحل السياسي. وبالرغم من الضغوط الخارجية عليه خاصة الإماراتية واعترافه بحكومة الثني المنبثقة عن برلمان طبرق الموالي لحفتر، إلا أن تقارير أجهزة المخابرات المصرية تشير إلى غير ذلك((2) ).

ملف الشرق الإفريقي: فإن السعودية تسعى للتقارب مع دول القرن الإفريقي وإثيوبيا عبر وساطة السودان بعدما تردد عن تدريب أديس أبابا للحوثيين بسبب العلاقة الوطيدة بين علي صالح وأديس باعتبار شراكتهم في تحالف محور صنعاء بالإضافة للسودان 2002. كما تسعى الرياض عبر بوابة الخرطوم وكذلك مع باقي دول القرن المشاطئة لليمن من ناحية لمواجهة النفوذ الإيراني، و ما يطلق عليه المد الشيعي في هذه المنطقة من ناحية ثانية .

الملف اليمني: الخرطوم هي أحد الدول المشاركة بقوات برية في عاصفة الحزم، في حين أن مصر رفضت ذلك، ما ساهم في إغضاب الرياض( (3)).

ثانياً: مستقبل العلاقات في ظل الأزمة

من الواضح أن الأزمة كشفت عن حجم وخطورة الخلافات الكامنة بين البلدين، والتي هي أعمق من مجموعة أحداث فردية .. ويبدو أن الجوار الجغرافي بدلا من أن يكون أداة تكامل، أصبح أداة تنافر .. لكن يبدو مع ذلك، أن الأزمة –رغم خطورتها- سيتم احتواءها نظرا للأوضاع الداخلية في كلا البلدين” التوتر في سيناء، وفشل السياسات الاقتصادية للنظام المصري مقابل استمرار أزمة دارفور وكردفان والنيل الأزرق، فضلا عن استمرار الخلافات مع جنوب السودان بالنسبة لنظام الخرطوم”، والتي قد لا تسمح بالتصعيد ضد الآخر..

إلا أن هذا لا يعني عدم وجود توترات، أو حتى تلاسنات ومشاحنات لاسيما في ظل الطبيعة العسكرية لكلا النظامين، والتي تأبى الحلول السياسية القائمة على مبدأ المنفعة المشتركة، فضلا عن التعامل مع هذا الملف الحساس من منطلق أمني وليس سياسي.

فمصر لن تنس دعم السودان لإثيوبيا في ملف سد النهضة، وفي المقابل فإن الخرطوم لن تنسى أن حلايب سودانية منذ 1902 وحتى سيطرة القوات المصرية عليها عام 1995.. كما أن السيسي لن ينسى الخلفية الإسلامية للبشير حتى وإن أبدى غير ذلك . ومن هنا قد يبدى كلاهما مرونة على الصعيد الرسمي، لكن سيستمر في سياسته غير المعلنة ضد الطرف الأخر.. وقد يبرز في حينها وساطة سعودية-إماراتية لتقريب وجهات النظر بينهما، وإن كانت الخلافات والتباينات بين الطرفين الخليجيين أنفسهما قد تجعل هذا التباين بين شطري وادي النيل قائما، لكن في حدوده الدنيا المسوح بها .

ثالثاً: توصيات لإدارة الأزمة

هذه الأزمة يمكن الاستفادة منها من قبل القوى الرافضة للحكم العسكري في مصر من عدة أوجه:

تعرية نظام السيسي أمام الرأي العام المصري وكيف أنه لا يحافظ على دول الجوار، فضلا عن المصريين الموجودين في السودان.

إبراز عدم حفاظ النظام على مصالح مصر المائية، على اعتبار أن 100% من مياه النيل القادمة لمصر تمر عبر السودان، كما قد يجعل السودان تتخلي عن مصر في اتفاق عنتيبي، وكذلك في سد النهضة، ما يعني خسارة كبيرة يترتب عليها مخاطر حقيقية على الشعب المصري عند اكتمال بناء السد عام 2017، وما قد يترتب عليه من تأثر حصة مصر من المياه والأثار السلبية المترتبة على ذلك سواء على صعيد جفاف الأراضي الزراعية، أو قلة حصة الكهرباء المتولدة من السد، والتي باتت لا تفي باحتياجات مصر المتزايدة من الكهرباء.

التأكيد على أن التعامل الأمني والمخابراتي مع ملف السودان بصفة خاصة وأفريقيا بصفة عامة، يعني تراجع الدور المصري في أفريقيا التي تعد البوابة الوحيدة الأفضل للسياسة الخارجية المصرية في ظل هيمنة إسرائيل والسعودية والإمارات، فضلا عن تركيا وإيران على المنطقة العربية والشرق الأوسط.

التأكيد على أن الخلاف بين السعودية والسيسي خلاف حقيقي، وليس متوهما، صحيح أنه لا يعني تعاطف السعودية مع الإخوان، لكن يكشف عن مأزق الرجل في علاقاته الخليجية، لاسيما في ظل استياء الإمارات هي الأخرى من عدم تحقيق السيسي نجاحات في الداخل، فضلا عن عدم الانصياع لها في الخارج خاصة في حرب اليمن. وبالتالي يمكن التركيز على هذه الخلافات أمام الرأي العام المصري، لكن دون التعويل عليها كثيرا لأنها لا تعني تحول هاتين الدولتين تحديدا للتعاطف مع الإخوان، بل حتى فكرة طرح بديل تشير إلى بعض الأسماء التي قد تكون أسوأ من السيسي مثل سامي عنان، مراد موافي (4).

(1 ) هل تدفع مصر ثمن التقارب السوداني ــ الأثيوبي؟ العربي الجديد”لندن” ، 27/10/2015 الرابط.

(2) لمزيد من التفاصيل أنظر ، انفجار وشيك في العلاقات بين النظام المصري والسودان، موقع نون بوست 29-8-2015. الرابط.

(3) -لمزيد من التفاصيل حول أسباب مشاركة السودان في عاصفة الحزم أنظر شحاتة عوض ، السودان و”عاصفة الحزم”: ضرورات واستحقاقات التموقع الإقليمي الجديد، مركز الجزيرة للدراسات، 8يونيو2015. الرابط

(4) – لمزيد من التفاصيل حول استياء الإمارات من السيسي أنظر الرابط.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close