السياسات العامةمجتمع

تطوير التعليم في مصر: إصلاح أم تبعية؟

من أهم مكتسبات ثورة يناير على مستوى الوعي أنها حولت النقاش من حديث اللوم على المجتمع إلى الحديث عن واجبات الدولة وشكل نظام الحكم وأثره على تخصيص الموارد وإتاحة الفرص. فأصبح السؤال: ماذا فعلت الدولة من أجل تحسين جودة التعليم في مصر؟ وهل تعمدت الدولة تجهيل الشعب لتتمكن من السيطرة عليه وعلى مقدراته؟

ونحن في هذه الورقة نتعرض بالدراسة لخطوة مهمة اتخذتها الدولة وبدأت في تنفيذها وهي نظام التعليم الجديد الذي عرف شعبيا باسم نظام التابلت، وقد عرض طارق شوقي وزير التعليم الحالي رؤيته للنظام الجديد (التعليم وبناء المستقبل) والتي حدد استراتيجيتها من خلال المقولة التالية (بناء المستقبل وتطوير الحاضر) وأكد شوقي أن النظام الجديد الذي بدأ تنفيذه بداية من العام الدراسي الحالي 2018 – 2019 سيتم الانتهاء من إحلاله بدلا من النظام الحالي بحلول عام 2026، كما تعنى الدراسة بالإشارة بشكل شديد الإيجاز إلى نجاح تجربة التعليم الماليزية، وذلك من خلال التعرف على أهم أسباب عوامل النجاح في تلك التجربة الثرية التي حققتها دولة مشابهة للحالة المصرية ونالت استقلالها عام 1975، وهي دولة إسلامية وكما أنها قبل أن تحقق نهضتها كانت دولة نامية وبدأت في عام 1981 مع وصول الدكتور مهاتير محمد إلى رئاسة الحكومة، وهو نفس عام تولي مبارك للسلطة في مصر.

حدد شوقي- وزير التعليم- الأهداف الأساسية للنظام الجديد وهي (القضاء على نظام التعليم الحالي القائم على التلقين والحفظ–القضاء على الدروس الخصوصية- القضاء على الشكل الحالي للثانوية العامة- إقامة نظام قائم على قياس درجة الفهم- عودة دور المدرسة- ثانوية عامة متعددة الفرص عبارة عن 10 امتحانات يعتمد الخمسة الأفضل منها[1]).

وتعتبر السياسات العامة هي مجال تنظيم عمل أنشطة الدولة ومن ضمنها السياسات التعليمية، حيث تقوم السياسات التعليمية التي تتبناها الدولة بتنظيم العملية التعليمية من خلال تحديد الأهداف والاحتياجات المادية والبشرية وترتيب الأولويات وتطوير آليات صنع السياسة العامة واعتماد الميزانية، لكن السياسة العامة لا تعمل في فراغ وليست منفصلة عن النظام السياسي الحاكم وبالتالي فمؤشرات النجاح والفشل تدور وجودا وعدما مع النسق السياسي والتحولات السياسية وطبيعة النظام الحاكم وعلاقته بالخارج سواء كانت قائمة على التبعية أو الاستقلال والتعاون المشترك.

السؤال البحثي الرئيسي لهذه الدراسة: كيف تعامل النظام المصري مع قضية تطوير التعليم؟ وإلى أي مدى نجحت السياسات التي قام بتنفيذها خلال الفترة الماضية في تحقيق أهدافها؟

الإطار النظري للدراسة.

تنطلق الدراسة من مرجعية واقعية تتبنى مقولة تفسيرية مؤداها: “أن التعليم هو المجال الحقيقي للسيطرة على الموارد، وأن هناك صراعا طبقيا فرضته السلطة العسكرية الحاكمة في مصر والتي ارتبطت بنظام المحسوبية واحتكار الوظائف المرتبطة بالسيطرة والهيمنة على مقدرات الحكم والإدارة والثروة، وأن النخبة الحاكمة تسعى إلى تهميش المكون التعليمي لتتمكن من السيطرة على المجتمع المصري”.

تقسيم الدراسة:

المدخل الأول: رؤية النظام السياسي المصري لأهمية التعليم.

المبحث الثاني: أثر سياسات النظام على تطور التعليم المصري.

المبحث الثالث: استعراض تجارب التطوير السابقة.

المبحث الرابع: قراءة وتقييم التجربة الحالية.

خاتمة الدراسة والتوصيات.

المبحث الأول: رؤية النظام السياسي المصري للتعليم.

أدت السياسات الحاكمة لحركة التعليم في مصر بعد يوليو 1952 إلى تراجع مشروع التعليم كخيار لبناء نهضة وتقدم الدولة المصرية، وبالرغم من ازدهار التعليم فترة حكم جمال عبد الناصر نظرا لارتباطه بمفاهيم التحرر من الاستعمار والتحديث وبناء مجتمع اشتراكي تقدمي، وبالرغم من مسارعة أبناء الشعب المصري بالتخلي عن مهنة الزراعة التي كانوا يورثونها لأبنائهم وإلحاقهم بمدارس الدولة التي كانت بالمجان، إلا أن المشروع ارتبط في التحليل الأخير باستكمال هياكل الدولة البيروقراطية، وبناء جيش من الموظفين العموميين حيث أتاحت القوانين التعيين في دواوين الحكومة لكل من يحصل على شهادة علمية حتى لو كانت شهادة التعليم الأساسي.

وبعد أن تضخمت البيروقراطية بملايين من الموظفين وعجزت الدولة عن تعيين المزيد من أبناء الشعب قامت الحكومة بإلغاء التعيين الإجباري في بداية الثمانينات واتجهت إلى التعيين من خلال المحسوبية وأحيانا الرشاوى النقدية لكبار رجال الدولة وأعضاء البرلمان من أجل الحصول على وظيفة عمومية. وبذلك فقد التعليم جزءا من أهميته.

أولا: أهم التحولات في التعليم

وقد أدت تلك الرؤية إلى بروز عدد من التحولات والإشكاليات الخاصة بمسار المنظومة التعليمية المصرية، ومن أهم تلك التحولات:

1- تحول التعليم إلى ظاهرة مجتمعية.

وقد ازدادت الخصومة بين النظام والشعب نظرا لاستمرار الشعب في تبني مشروع التعليم بعد أن رفعت الدولة يدها عنه، وبذلك تحول التعليم من مشروع الدولة إلى مشروع المجتمع وازدادت أعداد الخريجين الجامعيين والحاصلين على ماجستير ودكتوراه دون الحصول على الحق في التوظيف بالدولة وقصر هذا الحق على أبناء الطبقة الحاكمة حتى ولو لم يحصلوا على قدر مناسب من التعليم أو لم يكونوا متفوقين. ولو نظرنا مثلا إلى مسابقة وزارة التعليم الأخيرة للتعاقد مع 50 ألف مدرس لمدة ثلاثة أشهر براتب ألف جنيه فقط نجد أن عدد المتقدمين قد بلغ 428 ألف متقدم منهم: (136 ألف و327 حاصلون على دراسات عليا و3 آلاف و900 حاصلون على درجة الماجستير، و82 شخصا حاصلا على درجة الدكتوراه[2]).

وبالرغم من ذلك الإحباط استمر المجتمع في الاستثمار في التعليم وتحمل أعباء الدروس الخصوصية، والتكلفة المرتفعة للعملية التعليمية برمتها، كما أن المجتمع انفتح بشكل كبير على المدارس الخاصة بجميع أشكالها، ولم يقعد مكتوف الأيدي أمام السياسات الحكومية التي همشت التعليم ولم تجعله ضمن أولويات الإنفاق والتطوير.

2- تكريس النظام لأمية المجتمع.

في شهادته على عصر مبارك قال علي جمعة مفتي نظام مبارك: “إنه عندما تحدث لمسؤول رفيع المستوى بنظام مبارك عن ارتفاع نسبة الأمية وأنها تتراوح ما بين 36 إلى 50%، وأن ذلك يحطم كل خطط التنمية وأن الدولة فشلت في محاربة الأمية، فكانت الإجابة ومن قال لك إننا فشلنا، لقد تعمدت الدولة نشر الأمية والجهل ليسهل عليها قيادة المجتمع[3]“.

كما أكد الدكتور جلال أمين في مقال له بالشروق أن فساد ترتيب أولويات الإنفاق الحكومي، وتجاهل تحقيق مستوى لائق في مجال التعليم، لا يرجع إلى الجهل، بل إلى خيانة الأمانة، ولا يرجع إلى نقص في المعرفة بل إلى نقص في الأخلاق فشروط ومتطلبات العملية التعليمية ليست سرا تحتكره بعض الأمم دون غيرها وليست معضلة فكرية أو فنية يحتاج حلها إلى عبقرية نادرة[4] .

كما هاجم أحمد فتحي سرور الذي شغل منصبي وزير التعليم ورئيس مجلس الشعب في عهد مبارك والذي يعد أحد أهم أركان نظام مبارك التنفيذية والتشريعية نظام التعليم في مصر قائلا: “سأفجر قنبلة لو قلت لكم إن أبنائي وأحفادي اتجهوا للتعليم الأجنبي وكذلك فعل الكثيرون من أبناء النخبة في مصر، وأن ذلك ليس حباً في هذا التعليم؛ ولكن هروباً من نظام تعليمي دون المستوي[5]“.

هذا وقد تاجرت النخبة الحاكمة بأمية الشعب المصري واعتبرته غير مؤهل للديمقراطية كما جاء على لسان أحمد نظيف رئيس وزراء مصر الأسبق ثم عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية إبان ثورة يناير عندما أكد في حديثه مع كريستيان آمانبور مذيعة CNN الشهيرة بأن الشعب المصري غير مؤهل للديمقراطية[6] .

وفي نفس السياق، فإن تصريحات عبد الفتاح السيسي في لقائه مع الرئيس الفرنسي بفرنسا في أكتوبر 2017 عندما سؤل عن حقوق الإنسان قائلا: “إن مصر ليس لديها تعليما جيدا، وأن مصر ليست مثل أوروبا في تقدمها الفكري والثقافي والحضاري والإنساني نحن في منطقة أخرى[7]” تؤكد نفس المعنى.

3- تراجع البحث العلمي.

يعاني البحث العلمي في مصر من مشاكل، ويعتبر التمويل من أهم تلك المشاكل فميزانية البحث العلمي في مصر لا تتعدى 0.04% وأكثر من 80% منها ينفق على الأجور والإنشاءات والأعمال الإدارية، وبالرغم من أهمية التمويل والاستثمار، إلا أن الدكتور رشدي رشاد يرجع تراجع البحث العلمي في مصر إلى عدة أمور أهمها أنه في ظل الرغبة إلى البحث والتقدم في فترة حكم محمد علي وجمال عبد الناصر كان هناك عوائق أيديولوجية حيث كان الاتجاه هو الاهتمام بالعلوم التطبيقية وليس العلوم الأساسية أو النظرية، وهو ما دفع النهضة المصرية القائمة على مفهوم التحديث إلى أن تكون ناقلة للعلوم وليست قائمة على البحث والدخول في السباق البحثي لأن القيمة الحقيقية للبحث العلمي هي أن تصل إلى جديد لم يصله إليك أحد من قبل، كذلك من الأمور المهمة في تراجع البحث العلمي عدم الاهتمام باللغة العربية حيث أن كل أمة لا تنهض إلا بلغتها وضرب مثالا باليابان والصين وأشار إلى أن هاتين الدولتين تدرسا الرياضيات والعلوم باللغة المحلية، وأشار إلى أن اللغة العربية جديرة بأن تكون لغة علمية.

أما بالنسبة للحالة العامة للدولة المصرية فقد أشار رشاد إلى أن النظام السياسي المصري – وكان يتحدث عن نظام مبارك- لم يعد له مشروع وطني ولا يتبنى سياسات تشجع على خلق بيئة علمية وأن العلماء إما مهاجرون خارج مصر بحثا عن حاضنة علمية وإما موظفون بالمعنى البيروقراطي لمهنة الموظف أو مشاغبون على حد تعبيره، وأن مصر لا تمتلك المؤسسات المعنية بتطور البحث العلمي[8] .

ثانيا: إشكاليات العملية التعليمة

أما بالنسبة لأهم الإشكاليات المرتبطة بالعملية التعليمية فتتمثل في الآتي:

1- التعليم والديمقراطية.

يرى الدكتور حامد عمار أن هناك علاقة طردية بين انتشار النظام الديمقراطي والثقافة الديمقراطية من جهة ونجاح تجربة النظام التعليمي من جهة أخرى على اعتبار أن الديمقراطية تضمن قيم المشاركة والحوار والتفاعل وأن ذلك هو ضمان التنمية المستدامة وإنجاز مهامها في التنمية البشرية، بيد أن نظم الحكم السلطوية المتعاقبة مثلت عائقا أمام تطور نظام التعليم في مصر[9].

والباحث يعتقد أنه من ناحية المبدأ العام فليس هناك ما يمنع من نمو التعليم وازدهاره في دول تحكمها نظما سلطوية، وأن خير مثال على ذلك هو نجاح التعليم في الاتحاد السوفيتي السابق ووريثته روسيا الاتحادية، كذلك نجاح نظام التعليم في دول سلطوية مثل الصين، وفي دول في منطقتنا مثل إيران. وبالنسبة لمصر فقد كانت نهضة مصر الحديثة في مجال التعليم مرتبطة بالدولة السلطوية القمعية التي أسسها محمد علي، وازدهار تجربة التعليم بعد خروج الاحتلال البريطاني ارتبط بنظام جمال عبد الناصر الذي كان نظاما عسكريا سلطويا.

وبالتالي فإن نجاح النظام التعليمي يكون أكثر نجاحا واستدامة في النظم الديمقراطية، وفي الدول السلطوية التي تمتلك مشروعا حضاريا، أو تسعى إلى تقرير مصيرها وتحقيق سيطرتها على منطقة ما أو تحقيق السيطرة العالمية_ كما هو الحال بالنسبة للاتحاد السوفيتي السابق_ فإنها تسعى إلى ضمان جودة التعليم وتذليل كل العوائق أمام جميع أبناء الوطن لانتخاب أفضل العقول لإدماجها في مشروعها القومي.

بالنسبة للحالة المصرية فالمعضلة الأكبر ليست في السلطوية بقدر ما هي في وجود نظام حكم ليس لديه شرعية، وليس لديه مشروعا قوميا أو مشروعا تحرريا رافضا التبعية السياسية للولايات المتحدة والسعودية والإمارات، كما أن مشروعه الوحيد هو الاستدامة في السلطة، وبالتالي فهو يعتقد أن العدو الأول له هو رفع درجة وعي الشعب وتعليمه، كما أن النظام كما أسلفنا وبعد أن عقد صلحا مع الكيان الصهيوني، أصبح يبحث عن عدو جديد للحصول على شرعية وجود داخلية وخارجية، وبالتالي تعمد تجهيل الشعب والترويج إلى سياسات استعمارية قديمة مفادها أن الشعب المصري غير مؤهل لحكم نفسه بنفسه وأنه غير قادر على الاختيار والفرز ولا يمتلك الثقافة الديمقراطية وبالتالي أي حراك ديمقراطي سيفرز نظام حكم إسلامي متطرف، وبذلك يكون أسقط أهم بند من بنود التحرر الوطني والسيادة الشعبية وهي حق الشعب المصري في تقرير مصيره.

ومن ناحية أخرى يرى النظام أن المجتمع الجاهل تسهل قيادته والسيطرة عليه، فيما حافظ النظام على آليات التجنيد الخاصة بمؤسساته من خلال مؤشرات تتنافى مع مفهوم جودة التعليم، فقد أتاح الدخول للكليات العسكرية والشرطة بمجموع 50% فقط، وأتاح التقدم لوظائف القضاء بتقدير مقبول في كلية الحقوق، ولم يشترط في القبول بوزارة الخارجية سوى الحصول على أي مؤهل عال وبتقدير مقبول بالإضافة إلى إجادة لغة أجنبية لتصعيب الأمر على أبناء الشعب الحاصلين على مؤهلات علمية من مدارس حكومية تفتقر لتعليم اللغات الأجنبية بشكل جيد، وهو ما جعل النظام غير راغب في تطوير قدراته، وبمرور الزمن اكتشف النظام أن هناك طبقة وسطى كبيرة في الشعب أكثر تعليما وانفتاحا وثقافة منه.

2- التعليم والعدالة الاجتماعية.

من الإشكاليات المهمة المرتبطة بنجاح منظومة التعليم ارتباطه بمفهوم العدالة الاجتماعية وبالرغم من نشوب اختلاف حول تلك العلاقة إلا أن الباحث يرى أن هناك علاقة وطيدة بين نجاح التعليم وإتاحة الفرص التعليمية بشكل متناسب مع مؤشرات العدالة الاجتماعية. ولا شك في أن ابتعاد النظام عن التلاعب في مسار مكتب التنسيق أعطى ثقة كبيرة لدى المواطن في النظام التعليمي وأتاح الفرصة لفئات عريضة من أبناء الطبقتين الوسطى والبسيطة في الحصول على فرصة حقيقية في كليات القمة وفق التعليم المصري، والتي تتيح لهم الترقي في السلم الاجتماعي والحصول على وظائف ذات قبول مجتمعي مثل مهنة الطبيب أو المهندس.

لكن الإحباط الناجم عن تدني الأجور وانتشار معدلات البطالة وتراجع الدولة عن سياسة التوظيف أفقد قطاعات عريضة من تلك الطبقات رغبتها في الحصول على تعليم جيد وأصبح التعليم يمثل بالنسبة لها تحصيل حاصل.

3- ديموقراطية العلم.

من الأمور الواجب الالتفات إليها أن هناك فرقا بين ديموقراطية النظام السياسي والطبيعة الديموقراطية للعلم، فأي دولة سواء كان نظامها ديموقراطي أو سلطوي تتحدد علاقتها بنظام التعليم من خلال إدراك الطبيعة الديموقراطية لنظام التعليم، وأن نظام التعليم الجيد يكون قائما على فكرة إتاحة الفرص لجميع أبناء الشعب لانتخاب أفضل العقول في جميع التخصصات العلمية لإدارة المواقع البحثية والأكاديمية والتكنولوجية بما يساهم في تقدم وتطور المشروع القومي الذي تتبناه الدولة.

من العرض السابق يتبين أن النظام المصري يفتقر لجميع مقومات إنجاح المنظومة التعليمية فهو نظام سلطوي لا يمتلك مشروعا بل كل سياساته الخارجية قائمة على التبعية والاقتراض، ويرى أن تعليم أبناء الشعب يمثل عبئا على ميزانية الدولة وخطرا على مستقبله، ويعطي أولوية للمهن المرتبطة بالاستقرار والأمن، وفي ذلك السياق أشار علي عبد العال رئيس مجلس النواب الحالي إلى أن سلعة الأمن هي الأغلى عالميا وأن مصر متفوقة فيها عن الدول الأوروبية[10]

المبحث الثاني: أثر سياسات النظام على تطور التعليم.

أدت سياسات الدولة في مجال التعليم إلى تجريف العملية التعليمية برمتها فعلى مدار أربعة عقود عمدت الدولة إلى انتهاج سياسات مرتبطة بتقليل حجم الإنفاق والاستثمار في المجال التعليمي، وقامت بتقليل رواتب المعلمين وعدم الاهتمام بقدرات المعلم العلمية وتنمية مهاراته بالشكل الكافي، كما سهلت عملية التسرب السلبي من التعليم، وتساهلت مع نشر الغش في الامتحانات، ولم تتخذ أي إجراءات قانونية أو تنظيمية للقضاء على تلك الظاهرة التي تسبط من الهمم وتقلل الحوافز التعليمية لدى الطلاب وتقضي على تكافؤ الفرص، كما عمدت الدولة إلى تسهيل حصول الطلاب على شهادات علمية دون تقييم حقيقي لمستواهم العلمي، وسهلت ظهور بديل للمدارس الحكومية ممثل في الدروس الخصوصية التي اعتبرها الدكتور جلال أمين نوعا من خصخصة التعليم.

ونسعى من خلال هذا المبحث إلى التعرف على أهم السياسات التي ساهمت في تراجع الحالة التعليمية في مصر، كذلك العرض بإيجاز لأسباب نجاح التجربة الماليزية، لكي يتسنى لنا استيضاح معالم الطريق ووضع أيدينا على تجارب عملية تمكننا من رسم خرائط المستقبل من خلال التعرض على تجارب عملية لدول ذات تجربة شبيهة بالحالة المصرية لكنها اختلفت في التوجهات والرؤى والسياسات والإجراءات.

أولا: أسباب تردي الحالة التعليمية في مصر.

ساهمت السياسات التي انتهجتها الدولة المصرية في تراجع الحالة ومؤشرات النظام التعليمي المصري، وتراجع مخرجات النظام التعليمي مما أدى إلى انتشار البطالة وتراجع تصنيف النظام التعليمي المصري، ويمكن تحديد أهم السياسات التي أدت إلى تردى العملية التعليمية في (محدودية دور الوزير – ضعف المخصصات التعليمية- ضعف رواتب المعلمين- التسرب من التعليم – كثافة الفصول المرتفعة- التسامح مع الدروس الخصوصية)، وفيما يلي عرض لتلك السياسات:

1- محدودية دور الوزير.

لم يقم الوزراء المتعاقبون بداية بـ محمد مصطفى كمال حلمي الذي تولى الوزارة في أبريل 1974و استمر بالوزارة حتى عام 1986، مرورا بأحمد فتحي سرور وحسين كامل بهاء الدين، وما أعقبهم من وزراء حتى وصلنا إلى الوزير الحالي طارق شوقي والذي تولى الوزارة في عام 2017 بالدور المنوط بهم كسياسيين وصناع سياسة تعليمية ذات ملامح محددة، بل بالعكس نجدهم كثيرا يتخذون مواقفا حيادية خصوصا فيما يتعلق بموضوع نقص رواتب المعلمين، فعلى سبيل المثال أكد طارق شوقي الوزير الحالي أن موضوع زيادة رواتب المعلمين ليس من اختصاصه بل هو راجع لتنظيم الجهاز الإداري بالدولة ومجلس النواب[11] .

كما قال أحمد جمال الدين وزير التعليم السابق في حوار له مع الدستور الأصلي: “إن وزير التعليم لا يتخذ قراراته من رأسه فهو ينفذ سياسات وضعتها السلطة السياسية التي تحدد له ما يجب أن يفعله لكنه أيضا يجب أن يملك رؤية واضحة لتطوير العملية التعليمية في ضوء ما تراه السلطة التي قامت باختياره وبالتالي فسلطات الوزير محددة وليست مطلقة مثلما يتصور البعض وبالتالي لا يمكن تحميله كل ما حدث في المجتمع الذي يتأثر بقراراته[12]“.

ومن أهم مظاهر ضعف وزراء التربية والتعليم في مواجهة سياسات الدولة؛ قيام الدكتور أحمد فتحي سرور بإلغاء السنة السادسة الابتدائية في عام 1988 لاعتبارات خاصة بتقليل النفقات وليس تطوير التعليم[13] .

من الأمور المستغربة على أداء الوزراء في مصر عموما هو عدم التحديد الدقيق لحجم الظاهرة السكانية التي يتعامل معها، فقد ذكرنا سابقا في تقرير خاص عن مشروع التأمين الصحي الذي سينطلق من بور سعيد أن أحمد عماد وزير الصحة السابق لا يعرف العدد الفعلي لسكان بورسعيد الذين سيخضعون للمنظومة[14]، كما أن طارق شوقي في حديثة بالبرلمان في مايو 2019 عندما تحدث عن الكثافة وعدم قدرة الوزارة على التصدي لها برر الفشل بأن حجم الزيادة السكانية في مصر بلغ 700 ألف سنويا، في حين أن حجم الزيادة السنوية يزيد عن 2.5 مليون سنويا[15] .

2- تردي أوضاع المعلمين.

ليست صدفة أن يقبع المدرس في الدرك الأسفل لهيكل الأجور في مصر، فرواتب وزارة التربية والتعليم وإدارات الحكم المحلي هي الأقل في مصر بشكل عام مقارنة بجميع المصالح الحكومية الأخرى بما فيها الوزارات الخدمية الأخرى مثل الصحة والإسكان والزراعة، وتتراوح المرتبات الفعلية[16] في مصر للمعلمين ما بين 1200 جنيه للمعلم حديث التعيين إلى 3500 جنيه لكبير المعلمين الذي قارب على الستين وإنهاء خدمته ليحصل على معاش لا يتجاوز الـ 1500 جنيه على أقصى التقدير لا يحقق له أي أمان معيشي في شيخوخته خصوصا في ظل عدم حصوله على مكافأة نهاية خدمة مثل المؤسسات الأخرى السيادية أو الاقتصادية، كذلك عدم تمتعه بمظلة حقيقية للتأمين الصحي تتحمل تكلفة علاجه في حالة المرض.

وبالنظر إلى أعداد المعلمين في مصر نجدها تقريبا مليون و200 ألف معلم بخلاف الإداريين والمعلمين المتعاقدين وذلك وفقا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2018 [17].

وتجدر الإشارة إلى أن رواتب وحوافز المعلمين تصرف وفقا لأساسي عام 2014، وأنه من أهم مطالب المعلمين إلغاء ذلك القرار والصرف على أساسي 2019، قد علق الدكتور محمد عمر نائب وزير التربية والتعليم على تلك المطالب في فبراير الماضي أن الوزارة تقف مع المعلمين لكن تحقيق ذلك المطلب لجميع العاملين بالدولة سيتكلف 160 مليار جنيه تتحملها خزينة الدولة[18]، وقد أكدت هالة السعيد وزير الدولة للتخطيط في أبريل من العام الماضي 2018 أن إجمالي عدد العاملين بالدولة قد بلغ 5.4 مليون موظف، ثلثهم بالتربية والتعليم بواقع 1.8 مليون مواطن[19]، وهذا معناه أن رفع رواتب المعلمين المجمد من 2014 سيكلف الدولة 53 مليار جنيه سنويا، وتعد قضية الرواتب من القضايا الأولى بالنقاش والسعي لإيجاد حلول لها، وذلك لأنها تمثل تحديا كبيرا أمام أي نظام يرغب في تطوير التعليم من خلال الارتقاء بأحوال المعلمين والعاملين بالمنظومة التعليمية، ففي حالة قرر النظام إعطاء رواتب مرضية للمدرسين تتناسب مع الحالة الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة، وتحقق الحد الأدنى للمدرس للتفرغ لأداء مهام وظيفته.

3- ظاهرة الغش في الامتحانات

من أهم الظواهر السلبية التي نخرت عظام النظام التعليمي المصري، ظاهرة الغش في الامتحانات، والتي تمثل أعلى درجات الخلل في هيكل صنع السياسات التعليمية، بالإضافة إلى الخلل المجتمعي الذي يوفر حمية لتلك الظاهرة التي تعصف بسمعة التعليم المصري وتقضي على نظام تكافؤ الفرص والتقييم الدراسي للطالب، وظاهرة الغش في الامتحانات المدرسية سلوك انحرافي يخل بالعملية التعليمية ويهدم أحد أركانها الأساسية وهو ركن التقويم، إذ يعد الغش في الامتحانات بمثابة تزييف لنتائج التقويم مما يضعف من فاعلية النظام التعليمي ككل ويعوقه عن تحقيق أهدافه التي يسعى إلى تحقيقها ويقوم به الطالب وأولياء الأمور والمدرسون دون أن تقوم الدولة باتخاذ أي إجراءات رادعة أو مقاومة لتلك الظاهرة [20].

وما يهمنا في التحليل هو البعد السياسي لظاهرة الغش والذي يهدف من خلاله النظام إلى تسطيح وتجهيل المجتمع، واتهامه بالفساد وبالتالي مواجهة أي مطالب مجتمعية بأن الشعب غير منظم ويقاوم الإصلاح والتغيير ويعمل على إفشال السياسات التي تنفذها الدولة، وأن الخريجين غير مؤهلين وينجحون بالغش ويمثلون عبئا على الدولة وعلى سوق العمل ومطالبهم غير مشروعة.

4- التسرب من التعليم.

أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد المتسربين من التعليم في مصر قد بلغ 1.122 مليون طالب في الفترة العمرية من 6 إلى 20 عاما وفقا لتقرير عام 2017[21]، وتتعدد الأسباب التي أدت إلى ظاهرة التسرب من المدارس ومنها ظاهرة الفقر التي أدت إلى انتشار ظاهرة عمالة الأطفال، كذلك غموض المستقبل وانتشار البطالة بين شباب الخريجين الحاصلين على مؤهلات جامعية، ارتفاع تكلفة التعليم بعد تراجع نظام مجانية التعليم وانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، ويظل السبب الأكبر هو عدم وضوح الهدف من التعليم وجدواه بعد أن تحول التعليم من مشروع للدولة إلى عبء تعمل الدولة على التخلص منه.

5- أزمة كثافة الفصول.

أكد طارق شوقي وزير التعليم الحالي أن 44% من مدارس مصر تعاني من ضغط الكثافة الطلابية وأن حل المشكلة يتطلب توفر 60 مليار جنيه وسوف يستغرق عشر سنوات في حال توفر المبالغ المالية[22]، كما أشار في مداخلة هاتفية مع أحد البرامج إلى أن مشكلة الكثافة تتطلب بناء 260 ألف فصل جديد[23] .

وفي تحقيق حول الظاهرة أجرته بوابة الأهرام على خلفية تصريحات شوقي، قالت الدكتورة عزة فتحي – أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس- إن الكثافة العددية داخل الفصول سواء كان التدريس من خلال التابلت أو على السبورة لا تؤدى إلى الفهم أو الوعي أو التعلم الجيد لدى الطالب أو القيام بالأنشطة أو المشاركة بفاعلية مع المعلمين داخل الفصل، وأن الكثافة العددية في الفصول تؤدى إلى الشوشرة وإحساس الطالب بأنه مهمل كما تؤدى إلى ثقافة الزحام وبالتالي لا تؤدى إلى عملية تعليمية جيدة، وتجعل المدرس عصبيًا من كثرة الزحام وغير قادر على السيطرة على الطالب داخل الفصل بسبب العدد[24] .

6- ظاهرة الدروس الخصوصية.

تعد ظاهرة الدروس الخصوصية هي الاستجابة المجتمعية السلبية المترتبة على تخلي الدولة عن التزامها تجاه الشعب بالحفاظ على المنظومة التعليمية وتطويرها، فقد أدت سياسات هجر المدارس الحكومية والتكدس الطلابي وعدم الحضور والغش والنقل إلى السنوات الأعلى دون تقييم حقيقي وعدم الرقابة على أداء المعلم إلى اتجاه أولياء الأمور إلى الحصول على الخدمة التعليمية من خلال الدروس الخصوصية، وأصبح دور المدرسة يقتصر فقط على التقييد الرسمي للطالب بالسنوات الدراسية وعقد الامتحانات، وقد أدى هذا النظام التعليمي البديل لدول الدولة إلى مشاكل عدة وهي:

تحميل أولياء الأمور نفقات مالية عالية: أدى انتشار الدروس الخصوصية إلى القضاء على مجانية التعليم، وزيادة أعباء تكلفة التعليم على الأسرة المصرية، وفي ظل تراجع دور المدرسة وتضارب مصالح المعلمين أصبحت الدروس الخصوصية تمثل الركيزة الأساسية لنظام التعليم المصري، وبالرغم من أنها ظاهرة سلبية إلا أنها ظهرت لملء الفراغ الناتج عن عدم قيام الدولة بدورها في المجال التعليمي.

وفي دراسة أعدها الدكتور عبد الخالق فاروق بعنوان كم ينفق المصريون على التعليم؟، أكد أن متوسط إنفاق المصريين على الدروس الخصوصية في عام 2005 قد بلغ 9.3 مليارات جنيه[25].

عدم تكافؤ الفرص: تساهم الدروس الخصوصية في فرض حالة من انعدام التوازن وتكافؤ الفرص بين الطلاب القادرين على تحمل تكلفة الدروس الخصوصية والطلبة الفقراء الذين لا يستطيعون تمل تلك النفقات، وهو ما يتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب، ومن أهم أسباب التسرب التعليمي في مصر.

فرض أسلوب تلقيني على السياسات التعليمية: الدروس الخصوصية هي أداة لتلقين وتخزين المعلومة لدى الطالب، وهي مجرد إجراءات تدريبية على كيفية الحصول على أعلى درجة بالامتحانات دون التطرق لمفهوم التعلم واكتساب المهارات والبحث والاسترشاد وإدراك الروابط والعلاقات بين الظواهر والأشياء، كما ينعدم معها المناقشة والحوار بين المعلم والطلاب، وبالتالي فهي قائمة على التلقين والحفظ واسترجاع المعلومة وحل أكبر كم من الأسئلة المتوقع أن تأتي في الامتحان.

تراجع استقلالية الطلاب التعليمية: تساهم الدروس الخصوصية في تنمية أمور سلبية لدى الطفل متمثلة في الاتكالية والاعتماد على الآخرين وعدم تعلم مهارات البحث والتفكير والابتكار أو حتى التحصيل الذاتي والاعتماد على النفس في المذاكرة وبالتالي تكوين ثقافة معرفية وشخصية ناقدة ومتحررة.

موقف الدولة من الدروس الخصوصية: رحبت الدولة بظاهرة الدروس الخصوصية وأفسحت لها المجال للنمو والاستطراد على حساب المنظومة الرسمية، ولم تقم الدولة باتخاذ إجراءات رادعة أو تصدر أي تشريعات لمواجهة الظاهرة، وكل ما صدر منها هو تصريحات ندب واستهجان واستجداء لضمير المعلمين باعتبار أنهم يخالفون شرف المهنة ويجب أن يتراجعوا عن ذلك السلوك الإجرامي.

7- تراجع التعليم باللغة العربية.

أدت السياسات التعليمية المتردية التي تبنتها الدولة وما نتج عنها من هجرة المدارس الحكومية وسوء سمعتها بعد أن أصبح يطلق عليها مدارس الحكومة والمدارس المجانية ذات الكثافة المرتفعة وجودة التعليم المنخفضة إلى نمو ظاهرتي المدارس الخاصة والمدارس الأجنبية، وقد أدى انتشار التدريس في مصر باللغات الأجنبية إلى تراجع سمعة وأهمية اللغة العربية كما أن تدريس العلوم والرياضيات بلغات أجنبية إنما يعكس فلسفة مفادها أن اللغة العربية لغة دينية نظرا لكونها لغة القرآن الكريم ولغة شعائر المسلمين في جميع بقاع الأرض، كذلك لغة أدبية ولا تصلح أن تكون لغة علمية.

ومن أهم مظاهر الخلل البنيوي في المجتمع المصري الناتج عن التدريس بلغات أخرى وجود تمايز طبقي وتعميق مفاهيم التشتت المجتمعي والانفصال الثقافي عن الواقع المصري والارتباط ثقافيا وحضاريا بحضارات دول أجنبية لدى شرائح مهمة داخل المجتمع المصري تمتلك الثروة والنفوذ الذي يمكنها من الالتحاق بتلك المدارس والحصول على فرص عمل متنوعة بعد التخرج.

وظاهرة المدارس الأجنبية في مصر تعبر عن ظاهرة التبعية الحضارية وتؤكد أن النظام ليس لديه أي مشروع حضاري لأن الأسس التي يقوم عليها المشروع الحضاري تتمثل في الحفاظ على الهوية من خلال وعاء اللغة الوطنية والحرص على أن يكون التعليم بلغة البلد ذات السيادة على أرضها وهو ما حدث في دول عديدة تدرس العلوم بلغتها ومنها اليابان والصين وألمانيا وإيران وتركيا وماليزيا.

ثانيا: سياسات النظام الماليزي لإصلاح التعليم:

أردنا في هذه الدراسة الإشارة إلى تجربة نجاح لدولة مرت بظروف مشابهة للدولة المصرية، وقد وقع الاختبار على التجربة الماليزية على اعتبار أن ماليزيا دولة مسلمة خضعت للاحتلال الياباني ثم البريطاني، ونالت استقلالها عام 1957، بعد مصر بخمس سنوات فقط، كما أن ماليزيا دولة كانت نامية وفقيرة وتعاني من صعوبات متعددة مثل مصر، لكن يظل هناك تحديات مختلفة من الناحية الديموغرافية فعدد سكان ماليزيا 32 مليون مواطن فقط بنهاية عام 2017، في حين أن عدد سكان مصر 100 مليون مواطن، وهناك تحد آخر مرتبط بطبيعة التركيبة السكانية واختلاف الهوية واللغة وهو من وجهة نظر الباحث تحدي أكبر من التحدي السكاني على اعتبار أن السكان يمثلون موردا مهما وطاقة مهدرة أو مؤجلة الاستخدام، أما الاختلاف العرقي واللغوي والعقائدي فهو يمثل في جوهره معوقا تسعى الشعوب إلى وضع القواعد التشريعات لفرض واحترام قيم وثقافة التعدد والتنوع وتغذية المجتمع بمفاهيم التسامح والتعايش والعمل المشترك والمصير الواحد.

والغرض من إلقاء الضوء على التجربة الماليزية هو الاستفادة من التجربة الماليزية في تطوير التعليم- تقديم مقترحات مرتبطة بتطوير التعليم في جمهورية مصر العربية)، ويمكن تلخيص أهم الأسباب التي أدت إلى نجاح التجربة الماليزية في التعليم في الآتي:

1- إدارة الاختلاف.

إذا كان التعليم هو حجر الزاوية في تحقيق النهضة لأي دولة فإن إدارة الاختلاف هي أساس تحقيق نظام تعليمي جيد، ونجاح الدولة في إدارة الاختلاف يتأتى من خلال قدرتها على توظيف عوامل الاختلاف في إثراء قيم التنوع والتفاعل البناء بين المكونات الحضارية والتجارب الثقافية والخبرات العملية المختلفة، وهناك آليتان لإدارة الاختلاف، وهما إدارة الاختلاف السلبي والمتمثلة في قمع السلطة لجميع مكونات المجتمع وفرض نمط واحد على الجميع ويكون ذلك في النظم السلطوية، وإدارة الاختلاف الفعال والتي تتأتى من خلال نظام حكم ديمقراطي تعددي.

التعددية الحزبية للنظام السياسي لدولة ماليزيا كان له أسس جوهرية وقاعدة أساسية لبناء قوة الدولة واستقرارها، حيث ساهمت الانتخابات النزيهة منذ عام 1959 وفق المادة 114 من الدستور الماليزي وحتى الآن إلى إرساء قواعد التداول السلمي للسلطة والتمثيل الحقيقي لجميع الأقليات بالمجتمع، وإشراك المعارضة في عمليات الإصلاح السياسي.

وقد كان لذلك مردود كبير على نظام التعليم الذي استطاع صهر جميع الأقليات في بوتقة واحدة، واعتماد التدريس وفق اللغات الصينية ولغة التأميل واللغة الإنجليزية داخل إطار المنظومة الكبرى للتدريس باللغة المالاوية التي ترمز لهوية الدولة الماليزية، كما أتاح فرصا متساوية لجميع المواطنين الماليزيين في الحصول على نفس البرامج التعليمية دون تمييز عرقي أو ديني أو ثقافي.

2- الإنفاق على التعليم.

أشار مهاتير محمد صانع نهضة ماليزيا في مقابلة مع إحدى القنوات المصرية إلى أن ماليزيا عقب الاستقلال اتجهت إلى تخصيص 25% من ميزانية الدولة إلى قطاع التعليم، وذلك إيمانا بأهمية التعليم في تحقيق النهضة[26]، وقد بلغ الإنفاق على التعليم في ماليزيا ما يقارب 7% من الناتج القومي الإجمالي، في حين أن الدولة تلتزم بكفالة مجانية التعليم وإعداد وتأهيل المعلم، وقد بلغت نسبة الانفاق الحكومي عام 2000 على القطاع الخدمي (64.1% التعليم- 11.5% الصحة- 10.8% إسكان- 13.6% خدمات أخرى)[27] .

3- التعليم باللغة الوطنية.

تعدّ اللغة المالاوية هي اللغة الرسميّة في ماليزيا، وهي اللغة التي يتحدّث بها ما يقارب الثلاثين مليون شخص، واللغة المالاوية هي اللغة الرسمية لماليزيا، وهي اللغة المعتمدة في نظام التعليم الماليزي، ويسمح في مراحل التعليم الابتدائي بالتعلم باللغة الصينية، ولغة التأميل، لكن في مرحلة الإعدادية يتم تأهيل الطلاب لمدة عام لدراسة اللغة المالاوية، التي تكون أساس نظام التعليم الإعدادي والثانوي، وبالنسبة للغة الإنجليزية فهي تدرس كلغة ثانية بعد اللغة المالاوية[28] .

4- الانفتاح على نظم التعليم المتطورة.

انفتحت التجربة التعليمية الماليزية على نظم التعليم المتطورة خصوصا النظام البريطاني والياباني والأمريكي، وسهلت بالتعاون مع القطاع الخاص توفير المجال لعمل الجامعات الأجنبية في ماليزيا والتي بلغت 450 معهدا وجامعة خاصة تقدم الخدمة التعليمية وتدخل في توأمة مع الجامعات الخارجية، كما أنها تتيح فرصا للطلاب الماليزيين للحصول على منح في الجامعات الأجنبية[29] .

5- الاهتمام بالتعليم المهني.

التعليم المهني هو عصب النهضة الصناعية وهو الطريق إلى التحول من دولة زراعية أو رعوية إلى دولة صناعية نظرا لأنه المسؤول عن تأهيل وتخريج العمالة المهنية المدربة التي تقود حركة التصنيع في أي دولة وقد اهتمت ماليزيا بالتعليم المهني، ومجالاته الحرف الهندسية والاقتصاد المنزلي والتجارة والزراعة والمدارس المهنية، وتقدم أيضا دورات تدريبية مهارية قصيرة تتراوح مدتها بين ستة أشهر وسنة، ومن بين الدورات الميكانيكية العامة، مبادئ اللحام، خدمات الراديو والتلفزيون، السباكة وصناعة الأثاث وصيانة المعدات، علاوة على التبريد والتكييف.

إنشاء الكثير من معاهد التدريب المهني التي تستوعب طلاب المدارس النية وتؤهلهم للعمل في مجالات الهندسة الميكانيكية والكهربائية وتقنية البلاستيك، وأشهرها معهد تدريب الصناعة الماليزي، كذلك هناك تنسيق بين المدارس ومصانع القطاع الخاص للاستفادة من فرص التدريب وتحديد الاحتياجات العمالية بالمصانع والتوظيف ويساهم ذلك أيضا في تعميق مفهوم التخصص لدى المدارس وتحقيق التوازن بين عدد الطلاب واحتياجات العمل.

المبحث الثالث: استعراض تجارب التطوير السابقة.

من خلال استعراضنا للمبحثين السابقين استطعنا التوصل إلى عدة نتائج مهمة مرتبطة برؤية النظام لأهمية التعليم وترتيب الأولويات الخاصة بالنظام والمتمثلة في الإنفاق في مجالات الأمن الداخلي والتسليح وعدم وضع النظام التعليمي على أجندة أولوياته، كما أن النظام غير قادر على تحمل التكلفة السياسية والحقوقية المترتبة على تطوير نظام التعليم والتي من شأنها زيادة الوعي المجتمعي وارتفاع سقف المطالب وأهمها المطالبة بالعدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص.

كما ناقشنا السياسات التعليمية لوزارة التربية والتعليم والتي نجم عنها تحديات كبيرة تحولت إلى معضلات يجب حلها لتهيئة المناخ لتقبل أي محاولات للتطوير ومن أهم تلك المعضلات (تدني رواتب المدرسين – تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية – تراجع اللغة العربية – انتشار التعليم الأجنبي – انتشار التسرب من المدارس – ارتفاع كثافة الفصول – انتشار الغش والتحصيل الوهمي – تراجع سمعة مدارس الدولة).

وفي هذا المبحث نحاول التعرف على أهم محاولات التطوير التي قامت بها الدولة خلال الأربعة عقود الماضية، وأهم خصائص تلك المحاولات، وإلى أي مدى حققت تلك المحاولات الأهداف التي كانت ترنو إليها؟

لم تستطع الدولة المصرية خلال العقود الأربعة الماضية المضي قدما في سبيل إحداث نهضة في المجال التعليمي، واقتصر دورها على محاولات إصلاح جزئية لبعض مظاهر التلف في المنظومة ولم تحقق معظمها الأهداف التي وضعت من أجلها، حيث أعلنت وزارة التعليم في بيان لها عام 2017 أن مصر احتلت المرتبة الـ 135 عالميا في جودة التعليم العام والعالي والـ 134 عالميا في التعليم الابتدائي ما بين 139 دولة على مستوى العالم[30] .

أولا: تحديات إصلاح المنظومة التعليمية

ويمكن إجمال جهود الدولة في التعامل مع التحديات التي واجهتها في مجال السياسات التعليمية في عدة نقاط وهي:

1- رواتب المعلمين.

خاض المدرسون كفاحا طويلا ومفاوضات كثيرة وحصلوا على وعود متكررة بتحسين أوضاعهم المالية وفي النهاية أسفرت المفاوضات عن قانون رقم 155 لسنة 2007 والمعروف بقانون كادر المعلم، وما ترتب عليه من تعديل في عام 2012، وقد نص القانون على منح شاغلي وظائف التعليم بدل معلم مقداره 50% من الأجر الأساسي مع استحقاقهم العلاوة السنوية وكل زيادة في الأجور تمنح للعاملين بالجهاز الإداري للدولة، بالإضافة إلى بدل الاعتماد، ليحصل كبير المعلمين على بدل اعتماد 200% والمعلم الخبير على 175% والمعلم الأول “أ” على 150%، والمعلم الأول 125% والمعلم على 100% [31].

و بالرغم من أن هذا الحافز في 2012 كان ضعيفا إلى أنه كان خطوة مهمة نحو علاج هيكل الأجور الخاص بالعلمين في ظل نجاح ثورة يناير وتراجع دور النظام القديم في الحكم، بعد الانقلاب على الثورة تم الالتفاف على مشروع الكادر وتم إيقاف الحوافز والبدلات وتجميدها على أساسي 2014 لكل العاملين بالدولة ومنهم المدرس بالرغم من أن المدرس من المفترض أنه يخضع لنظام الكادر الخاص ولا ينبغي أن يطبق عليه ما يطبق على العاملين بالدولة الخاضعين لقانون الخدمة المدنية الجديد، كذلك حدثت ردة أخرى على تلك الخطوة مرتبطة بتراجع رواتب المدرسين نظرا لأن الخصومات المرتبطة بالتأمينات والمعاشات والضرائب تحسب على أساسي السنوات اللاحقة لعام 2014، وهو ما يحدث عدم توازن في العلاقة بين الزيادة السنوية والخصومات.

2- البنية التحتية والكثافة.

دخلت الدولة في صراع كبير نتيجة لعدم قدرة بنيتها التحتية من منشآت مدرسية من مواكبة الزيادة السكانية مما أدى إلى ارتفاع الكثافة في الفصول والعمل لفترتين دراسيتين دون القدرة على حل تلك المشكلة، وفي البداية عندما انطلق مشروع التعليم في مصر في عهد جمال عبد الناصر كانت البنية التحتية الأساسية هي القصور التي استولت عليها الدولة نتيجة لسياسات لتأميم والبيوت التي أجرتها من المواطنين بنظام الإيجار القديم ثم قامت بتحويلها إلى مدارس.

وأهم مشروع تطوير للمنشآت الدراسية قامت به الدولة في تسعينات القرن الماضي بعد واقعة زلزال 12 أكتوبر عام 2092، وأطلقت سوزان مبارك مبادرة الألف مدرسة واتجهت الدولة إلى بناء المدارس مما نتج عنه أن ارتفع عدد المدارس من 18 ألف و600 مدرسة عام 1981إلى 40 ألف مدرسة عام 2006، كما ارتفع عدد المدارس التجريبية من 236 مدرسة إلى 1015[32].

3- مقاومة الدروس الخصوصية.

اتبعت الدولة سياسة غض الطرف عن ظاهرة الدروس الخصوصية، وذلك نتيجة لعدم رغبة الدولة في تطوير هيكل رواتب المعلمين، وبالتالي سمحت بتفشي تلك الظاهرة كمعوض للمدرسة وأداة للضغط عليهم في حال تمسكهم بالمطالبة برفع الرواتب.

وفي نفس الوقت قامت الدولة باعتبار الدروس الخصوصية جريمة لكنها لم تضع قانونا تشريعيا لمواجهة ما اعتبرته جريمة، وتعتبر أهم محاولة لمواجهة ظاهرة الدروس الخصوصية هي التي قادها الوزير السابق حسين كامل بهاء الدين والذي عمل وزيرا للتربية والتعليم لمدة 13 عاما في الفترة من 1991 إلى 2004، حيث دعا إلى ضرورة إيجاد تشريع لمواجهة ظاهرة الدروس الخصوصية التي أطلق عليها (مافيا الدروس الخصوصية)،

مشيرًا إلى أن ما تنفقه الأسرة المصرية عليها يتجاوز ستة مليارات جنيه سنويا مؤكدا أنه يوجد في مصر نحو 12 مليون طالب يدرسون في 25 ألف مدرسة، ووضع بهاء الدين القرار رقم 592 لسنة 1998، حيث ينص على حظر هيئات الإشراف والتدريس في جميع مراحل التعليم المختلفة إعطاء درس خاص لأي طالب أو لمجموعة من الطلاب، فيما عدا مجموعات التقوية التي تتولى المدارس تنظيمها في إطار القواعد العامة المقررة في هذا الشأن، وأنه سوف يتعرض للمسائلة التأديبية كل من يخالف أحكام القانون[33].

لكن تجربة بهاء الدين فشلت فلم يطبق القرار ولم تنجح تجربة مجموعات التقوية بالمدارس لعدة أسباب أهمها محاربة المدرسين أنفسهم للظاهرة، وعدم رغبة الطلاب وأولياء الأمور للاستمرار في الأجواء المدرسية بعد انقضاء اليوم الدراسي، وعدم ثقتهم في نظام التعليم بالمدارس الحكومية.

4- تطوير الثانوية العامة.

تعتبر تجربة حسين كامل بهاء الدين في نهاية التسعينات هي أكثر التجارب مشابهة لتجربة طارق شوقي، فقد قام الوزير الراحل باعتماد نظام جديد للثانوية العامة قائم على سنتين بدلا من سنة واحدة ويتيح للطالب دخول الامتحان في المادة الواحدة بواقع 4 مرات لمواد السنة الثانية الثانوي ومرتين فقط لطلاب السنة الثالثة[34]، وقد برر تجربته بأنها تهدف إلى القضاء على الدروس الخصوصية وتقليل ضغط الثانوية العامة على الأسر والطلاب ودخول الطلاب في سباق من الأجل الحصول على مجموع أفضل.

وقد باءت التجربة بنتائج عكسية فقد أدت إلى زيادة ظاهرة الدروس الخصوصية وزيادة الضغط على ميزانية الأسرة وارتفاع المجاميع بشكل مبالغ فيه تجاوز الـ 100%، وفي النهاية تم إلغاء التجربة برمتها والعودة لنظام السنة الواحدة التقليدي المعروف باسم النظام القديم.

ثانيا: ملامح عمليات الإصلاح السابقة

ويمكن تحديد ملامح محاولات التطوير السابقة من خلال المحددات التالية:

  • المحدودية: لم تكن المحاولات السابقة سوى محاولات محدودة، ولم تأخذ الشكل الاستراتيجي بل كانت أقرب لخطط التطوير المرحلية، كما أنها لا تعتبر محاولات تطوير راديكالية تهدف إلى حداث طفرة حقيقية في التعليم بل كانت مجرد تفاعلا مع الأحداث، وجزء منها كان للترويج لنشاط الرئيس مبارك.
  • عدم الشمول والتباعد الزمني: ويعد هذا المحدد نابعا من أنه ليس هناك بناء تراكمي لصنع السياسات في القطاع التعليمي المصري وأن كل وزير يأتي يسعى لترك بصمة وليس صناعة مشروعا يتم البناء عليه بعده، وهو ما جعل محاولات التطوير لا تشمل مثلا القضاء على الأمية أو التسرب من التعليم أو مقاومة الغش.
  • عدم الاستمرار: انتهت كل السيناريوهات السابقة لتطوير قطاع التعليم بالرغم من محدوديتها بالفشل وعدم الاكتمال، وربما جاءت النتائج عكسية في كثير من الأحوال وهو ما حدث بالنسبة لرواتب المعلمين.
  • يناير وإنصاف المعلم: إقرار كادر المعلم في 2012 كان خطوة مهمة نحو إصلاح هيكل الرواتب في مصر، والتي كانت بواقع 150% من الراتب الأساسي وكانت تتراوح ما بين 300 إلى 800 جنيه حسب الدرجة والأقدمية، لكن التجربة أجهضت وتم الالتفاف عليها وتجميد الرواتب بداية من 2014.
  • عدم نجاح سياسات التطوير: باءت جميع محاولات تطوير التعليم في مصر بالفشل واستمر تزايد الظواهر السلبية، وهو ما أدى إلى زيادة انتشار التعليم الخاص والأجنبي في مصر، وتراجع دور الدولة في تقديم الخدمة التعليمية.

المبحث الرابع: نظام إصلاح التعليم الجديد

كان الهدف من استعرض أهم التحديات التي تواجه النظام التعليمي المصري، والخطوات التي اتخذتها الدولة لإصلاح منظومة التعليم، هو رسم خريطة كلية للتحديات الكبرى التي تقف عائقا أمام تطوير نظام التعليم في مصر والتي بدون إصلاحها جميعا بشكل متوازن فلن تتمكن أي تجربة جزئية من النجاح حتى لو تم عمل دراسات معمقة عليها نظرا لأنها لا تسير في إطار منفرد بل تخضع للهيكل البنيوي العام الذي يحكم حركة تطور المنظومة التعليمية.

ونحن سنقوم بتقييم تجربة الإصلاح التي أطلقها طارق شوقي من خلال دراسة مدى شمولها وهيكلها الاستراتيجي بشلك عام وفقا للتحديات التي قمنا برصدها والمؤشرات التي سنقوم بالقياس عليها، وبغض النظر عن الزخم المثار حول تجربة التابلت التعليمي كوسيلة جديدة لتحسين نظام الثانوية العامة؛ فإن قصر تقييم التجربة الحالية على الثانوية العامة أو ظاهرة التابلت، يجعل نجاحها أو فشلها هو المؤشر الذي من خلاله نستطيع إصدار حكم على النظام التعليمي الجديد.

كما أن التقييم الموضوعي يتطلب النظر إلى جميع أركان العملية التعليمية ومراجعة الأولويات التي ينبغي أن تسعى السياسات التعليمية إلى تنظيمها، كذلك تضمين التحديات التي تحاول السياسات العامة التصدي لها والقضاء عليها، ونحن في هذا المبحث سنقوم بدراسة مؤشرات القياس التي سنقيم على أثرها التجربة الحالية.

أولا: مؤشرات القياس.

تقييم التجربة الحالية لتطوير التعليم لكي يمكن دراستها وفق إطار استراتيجي متماشيا مع الخطوات العلمية لهياكل صنع السياسات العامة يتطلب عدم اختزال التقييم على نظام الثانوية العامة الجديد فقط بالرغم من أهميته، لكن الرؤية الشاملة للتقييم تتطلب تحديد تصور عام لسياسات وآليات النظام لجميع التحديات الكبرى التي تعوق تطوير النظام التعليمي في مصر، وبناء على ذلك فقد قمنا بتقسيم هذا الجزء إلى عدة مؤشرات يمكن من خلالها رصد سياسات النظام وتقييمها وهي:

1- العدالة الاجتماعية.

تراجع مؤشر العدالة الاجتماعية كثيرا في عهد النظام الحالي بعد أن قام النظام بتدشين تجربة المدارس اليابانية والتي بلغ عددها 40 مدرسة على مستوى الجمهورية بداية العام الدراسي القادم 2019-2020، وترجع الإشكالية الكبرى الخاصة بمؤشر العدالة الاجتماعية في حرمان قطاع عريض من الشعب من الالتحاق بتلك المدارس خصوصا من أبناء الطبقة الوسطى الحريصين على توفير تعليم جيد لأبنائهم، حيث بلغت مصروفات العام الدراسي القادم 10 آلاف و800 جنيه مصري بخلاف مصروفات الزي والمواصلات.

كما سمح النظام أيضا للمؤسسة العسكرية بتدشين بعض المدارس الخاصة بها والمملوكة للدولة أيضا والتي يصعب تحديد موقفها القانوني بوصفها مدارس خاصة مملوكة للدولة، مثل مدرسة بدر الدولية للغات المملوكة للجيش الثالث الميداني والتي تراوحت مصروفاتها في عام 2016 ما بين 20 إلى 32 ألف جنيه[35].

كما أن الوزارة قامت بالتعاون مع وزارة الإنتاج الحربي بإنشاء مدرسة الإنتاج الحربي للتكنولوجيا التطبيقية بمدينة السلام، وأكدت في بيان لها أنه سوف يتم فتح باب التقديم لطلاب الصف الثالث الإعدادي للالتحاق بالمدرسة للعام الدراسي 2019-2020 في الأول من يوليو 2019، وذلك من خلال الموقع الرسمي لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في تخصصات تكنولوجيا الميكانيكا وتكنولوجيا الكهرباء والإلكترونيات[36]، وبالرغم من أنه حتى الآن لم يتم الإعلان عن تكلفة المصروفات الدراسية السنوية، إلا أن المؤشر الأهم المرتبط بمفهوم الإتاحة والعدالة الاجتماعية متمثل في دخول تلك المدارس يتطلب اشتراطات أمنية ومحسوبية وأحيانا رشاوى مادية.

2- إعداد وإنصاف المعلم.

المعلم هو جوهر وأساس العملية التعليمية وإعداد المعلم للقيام بمهام وظيفته في تطوير النظام التعليمي له ركيزتين أساسيتين وهما (الحصول على راتب مناسب- التدريب المستمر والتعليم المستدام).

وفي هذا الإطار حدد طارق شوقي موقفه بأن موضوع زيادة رواتب المعلمين ليس من اختصاصه لكنه من اختصاص البرلمان ووزارة المالية، وأكدت الوزارة في تصريحات سبق الإشارة إليها إلى أن الدولة ليس لديها القدرة على تحمل تكلفة رفع روات العاملين بالتربية والتعليم والذين يلغ عددهم مليون و800 ألف مدرس وموظف وبالتالي ستتكلف عملية إصلاح الرواتب 53 مليار جنيه سنويا،

أما بالنسبة لتدريب المعلم فوفقا لسلم ترتيب الأولويات فإنه من ناحية المبدأ لن يكون مجديا حتى لو توفرت الإمكانات أن يؤتي ثماره في ظل حصول المدرس على 1200 جنيه شهريا، أما من ناحية الإجراءات فقد تم إنشاء الأكاديمية المهنية لتدريب التعليم عام 2008 لكنها لم تنجح في مهمتها نظرا لأنه تم ربط النجاح بها بالحق في الحصول على الكادر مما أثار حفيظة المعلمين وقاموا بعدة تظاهرات أسفرت عن إلغاء الامتحانات وأصبح دور الأكاديمية روتيني مرتبط بتدريب المعلمين للحصول على الدرجات الوظيفية فقط، أما بخصوص التعليم المستدام والحصول على دراسات عليا فوزارة التعليم لا تدعم هذا التوجه ولا تمتلك أي برامج تحفيزية لهذا المسار.

وفي هذا الصدد يقول خلف الزناتي نقيب المعلمين: “تدريب المُعلمين كما قلت أكثر من مرة تدريب وهمي وغير حقيقي، فخلال زيارتي المتكررة لمُعلمي القاهرة والمحافظات أسأل المُعلمين أنفسهم عن التدريب وتكون الردود صادمة، والتي لا تخرج أغلبها عن أن التدريب مجرد روتين يتم على الورق فقط، فالمُعلم يذهب سواء إلى الأكاديمية أو المكان المحدد للتدريب من أجل الحصول على درجة الترقية فقط لا غير[37]“.

3- الكثافة الطلابية بالمدارس.

أشار طارق شوقي إلى أن أزمة الكثافة تمثل 44% من إجمالي المدارس الحكومية على مستوى الدولة وأن حل تلك المشكلة يتطلب ضخ 60 مليار جنيه وهو ما يحتاج مدة تصل إلى عشر سنوات، كما أشار أيضا إلى أنه ليس لديه ما يمنع من قيام رجال الأعمال بتولي إدارة بعض المدارس الحكومية[38] .

كما أكد شوقي أمام لجنة الموازنة بالبرلمان أن الوزارة بحاجة إلى 11 مليار جنيه إضافية العام القادم وإلا ستتوقف مشروعات التطوير، نظرا لأن الوزارة تعانى من نقص الموارد، وبالتالي هناك صعوبة في الإنفاق على جميع المحاور مثل التطوير والقضاء على الكثافة[39].

هذا ومن المتوقع أن تتزايد ظاهرة الكثافة الطلابية بالمدارس نظرا لعدم القدرة على إحداث توازن بين إنشاء المدارس الجديدة ومعدل الزيادة السكانية السنوية والذي يزيد عن 2.5 مليون طفل سنويا.

وقد أشرنا سابقا أن عدد المدارس الحكومية قد بلغ ألف مدرسة عام 2006 بزيادة بلغت 21 ألف مدرسة في الفترة من 1981 إلى 2006، لكن معدل الإنشاء تضاءل كثيرا ليصل إلى 45 ألف مدرسة عام 2017 وفق بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو ما يعني أنه في آخر عشر سنوات تم بناء 5 آلاف مدرسة فقط، مع مراعاة النمو المتزايد لعدد المواليد[40] .

4- الدروس الخصوصية من التجريم إلى التقنين.

هناك تناقض وفجوة بين السياسات والتصريحات فيما يخص ظاهرة الدروس الخصوصية، لكن في ظل النظام الحالي والذي يحمل الدروس الخصوصية السبب الأكبر لفساد النظام التعليمي في مصر، إلا أنه قرر وضع تشريع يقنن الدروس الخصوصية ويعطيها شرعية العمل من خلال مراكز الدروس الخصوصية المرخصة، وتجريم ممارسة أي أنشطة تعليمية على المدارس غير المرخصة أو الأشخاص الذين يعملون بالسناتر وهم ليسوا مدرسين معتمدين لدى وزارة التربية والتعليم ومسجلين بدفاتر نقابة المعلمين.

وفي حال اعتماد هذا القانون من قبل مجلس النواب فإن دور وزارة التعليم سينتهي تماما وسيقتصر على تنظيم الامتحانات فقط واعتماد النتائج والنقل إلى السنوات الأعلى في حال نجاح الطلاب.

ويظهر التناقض في السياسات الحالية من خلال تأكيد وزارة التربية والتعليم أنها ستنتهج سياسات تسعى للقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية، حيث أشار شوقي وكذلك أحمد صابر المستشار الإعلامي لوزارة التربية والتعليم أن النظام الجديد الذي بدأ تطبيقه سيقضي على الدروس الخصوصية، لكن الخطوة الأهم هو إعلان وزارة التربية والتعليم عن إعداد قانون لمكافحة الدروس الخصوصية.

لكن الخطوة الأكبر كانت في إعلان وزارة التربية والتعليم في أكتوبر 2018 أنها بصدد إعداد قانون سيتم طرحه على البرلمان يقضي بتجريم الدروس الخصوصية، بما تمثله من عبء اقتصادي على الأسر المصرية وصل إلى 30 مليار جنيه سنويا، كما أكد محمد عمر نائب وزير التعليم أنه وفقا للقانون المقترح سيتم فرض عقوبات مالية كبيرة والحبس لأصحاب المراكز غير المصرح لها من الوزارة للتعامل مع الطلاب من 6 إلي 18 عاما، والممارسين لمهنة التدريس بدون تصريح[41]، وهو ما أكده أيضا أحمد صابر المتحدث الرسمي باسم الوزارة في مداخلة هاتفية قائلا: “إن الوزارة ستعاقب المراكز غير المصرح لها بالعمل من قبل وزارة التربية والتعليم[42]“.

5- المدارس الخاصة والأجنبية بمصر.

ترتبط ظاهرة تمدد المدارس الأجنبية في أي دولة بطبيعة النظام السياسي الحاكم، ففي ظل نظم تابعة سياسيا واقتصاديا يحدث تمددا وانتشارا لظاهرة المدارس الأجنبية بالإضافة إلى التمدد الكيفي بعدم خضوعها لسياسات وقرارات التعليم التي تتبناها الدولة، وقد شهدت مصر نموا كبيرا في أعداد المدارس الدولية حيث بلغ عددها وفق بيان وزارة التربية والتعليم 768 مدرسة عام 2017، بالإضافة إلى 7777 مدرسة خاصة[43] .

ويثير الانتشار الكبير للمدارس الدولية في مصر خصوصا الأمريكية العديد من التساؤلات حول مستقبل اللغة العربية والهوية الوطنية وازدواج الثقافة، كما أن انتشار مدارس اللغات والتي تتطلب تكلفة مالية مرتفعة جدا تقلل من فرص التعليم الحكومي على المنافسة، وتجعله غير موجود على خريطة المستقبل وهو ما يكرس لمظاهر التبعية وتآكل الهوية الوطنية.

وتجدر الإشارة أن الرئيس السادات أعطى للجامعة الأمريكية بالقاهرة والتي تم افتتاحها بعد معاهدة السلام مع إسرائيل امتيازات كبيرة أهمها الإعفاء من الضرائب[44] .

كما قام طارق شوقي باستصدار القرار رقم 170 لسنة 2017 بإعادة منح التراخيص للمدارس الدولية مرة أخرى والتي كانت توقفت في عهد سابقه الهلالي الشربيني عام 2016، كما قام شوقي في مايو 2019 بالموافقة على قبول طلبات للترخيص بإنشاء مدارس ذات طبيعة خاصة أو استحداث أقسام بالمدارس الخاصة القائمة لتدريس المناهج ذات الطبيعة الخاصة الأمريكية بشكل مؤقت[45] .

من العرض السابق لسياسات التعليم في ظل نظام 3 يوليو والتي تعتبر هي المدخل الأساسي للحكم على مشروع نظام الثانوية العامة الجديد، تبين أن الظواهر السلبية لنظام التعليم في مصر في حالة تمدد وانتشار وأن النظام يشجع عليها ولا يتصدى لها، فقد قرر النظام تقنين أوضاع الدروس الخصوصية وإدماجها في منظومة التعليم الرسمي، كما انقلب على استحقاق العدالة الاجتماعية البسيط الذي حصل عليه المدرس في عام 2012، واستمرت السياسات التعليمية في فتح المجال أمام المدارس الخاصة والأجنبية، وتردي أوضاع المدارس الحكومية، مع تزايد احتمالية خصخصتها، وتزايد مشكلة الكثافة، وضعف الرقابة على المدارس، كل تلك التحديات التي فشل النظام في مواجهتها هي أساس إصلاح المنظومة التعليمية.

6- التعليم الفني.

لم يشمل برنامج التطوير الجديد محور التعليم الفني، حيث اقتصر التطوير على رياض الأطفال والنظام الثانوية العامة الجديد، كما أن التابلت التعليمي اقتصر على طلاب مدارس الثانوية العامة فقط دون التطرق إلى طلاب المدارس الفنية.

ومشاكل التعليم الفني كبيرة وكثيرة، وسنقوم بالحديث عنها في دراسة منفصلة، لكن يمكن الإشارة إليها بشكل مقتضب وهي متمثلة في ضعف الميزانية المخصصة للتعليم الفني، ضعف التدريب العملي وعدم وجود الورش والمصانع والمواد الخام اللازمة للتدريب، وغلبة الطابع النظري على الطابع العملي، ارتفاع الكثافة، وعدم حضور الطلاب.

وتجدر الإشارة إلى أن نجاح منظومة التعليم الفني يتطلب التنسيق بين خمس وزارات وهي التعليم والقوى العاملة والصناعة والسياحة والصحة، وبخلاف مدارس التمريض وبالرغم من المشاكل الكبيرة التي تحيط بها إلا أنها تعد المدارس الفنية الوحيدة في مصر التي تؤدي وظيفة مجتمعية بعد التخرج وينخرط أعضاؤها في المستشفيات الحكومية والخاصة والوحدات الصحية.

هذا ويوجد بمصر 5 قطاعات لدراسة التعليم الفني وهي (الزراعي- الصناعي- التجاري- الفندقي- التمريض).

ثانيا: نتائج الدراسة

بعد استعراض أهم تجارب تطوير التعليم التي مرت في الثلاثين عاما الماضية، كذلك التعرض لموقف التجربة الحالية من التحديات المزمنة التي تواجه نظام التعليم، يمكن أن نخلص إلى عدة نتائج وهي:

1- محدودية محاولات التطوير.

من العرض السابق يتبين أن تطوير نظام التعليم غير مدرج على أجندة النظام المصري طوال العقود الأربعة الماضية، وأن محاولات التطوير محدودة جدا، حتى أن هناك من الأكاديميين من يضمن قيام فتحي سرور بإلغاء الصف السادس الابتدائي في عام 1988 بأنها ضمن محاولات تطوير نظام التعليم المصري بالرغم من أن الوزير السابق أعلن بأن الهدف من ذلك الإجراء هو تقليل النفقات.

2- أمنيات وليست مشروعات.

كل ما قدمته الحكومة المصرية على مدار الأربعة عقود الماضية ظل أمنيات مكتوبة على الأوراق ومنشورة في الصحف، ولم يتم تحويلها إلى برامج أو مشروعات حقيقية، ولم يتم مقاومة أي ظاهرة سلبية أو تقويم أي سياسات خاطئة، ولم تفِ الدولة بوعودها تجاه المعلمين، ولم توفر الحماية لأولياء الأمور من تفشي الدروس الخصوصية، ولم تراجع ميزانية هيئة الأبنية التعليمية للتغلب على كثافة الفصول.

3- خصخصة التعليم.

يعد فتح المجال أمام الدروس الخصوصية هو البداية الحقيقية لخصخصة الخدمات التعليمية، وبداية لابتزاز الدولة للمواطن على غرار نظريا مبارك “يا أنا يا الفوضى”، وبالتالي أصبحت الدولة تتفاوض مع المواطن وتخيره بين تحمل الخدمة التعليمية أو تتركه فريسة للدروس الخصوصية، وقد ظهرت مظاهر الخصخصة بعد أن اعتمد النظام الحالي مصروفات المدارس اليابانية بأكثر من 10 آلاف جنيه للعام الواحد.

4- تراجع دور الدولة.

اللافت للنظر في الحالة المصرية أن هناك تراجعا ملموسا في جميع مؤشرات العملية التعليمية، ويأتي ذلك بسبب انسحاب الدولة من دعم النظام التعليمي، وعدم الإيفاء بتعهداتها الدستورية المرتبطة بإلزامية التعليم واعتماد ميزانية.

خاتمة:

مستقبل التعليم في مصر ليس مرتبطا بصنع السياسات التعليمية أو دور وزارة التربية والتعليم، أو حتى رفع كفاءة النظام التعليمي الحالي أو خصخصة التعليم، لكنه في التحليل الأخير يظل مرهونا بطبيعة النظام السياسي الحاكم، ورغبته في الحفاظ على هوية الدولة ولغتها، وتبنيه مشروعا وطنيا للاستقلال والتحرر من التبعية للولايات المتحدة الأمريكية ومؤسسات بريتون وودز التي غرق النظام في الاستدانة منها، وأصبحت كل استراتيجيات التطوير مرتبطة برؤية البنك الدولي وصندوق النقد وهدفها تكريس التبعية.

الحديث عن محاولات الإصلاح أو النهوض بالتعليم لا ينفصل عن الحديث عن التحرر الوطني من نظام قمعي يعمل بالوكالة لتحقيق مصالح المستعمر، ويسعى إلى غلق المجال أمام الشعب المصري من أجل تمرير سياسات تذويب الأمة المصرية في بحر التبعية وإغراقها في الديون، ومحو الهوية الثقافية للأمة من خلال إهمال التعليم باللغة العربية وجعل التعليم باللغة العربية مقصورا على الفقراء، وربط سوق العمل بالتعليم القائم على اللغات الأجنبية.

كما أن الدول تخوض تجارب إصلاح التعليم بغية الوصول إلى أهداف محددة تتمثل الياتها في التحرر الوطني والتحرر الإنساني، إذكاء روح التحديث والتقدم والتطور، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وارتقاء مكانة مرموقة بين الأمم، ومن أجل ذلك يتم وضع الاستراتيجيات والخطط وتوفير الموارد وتطوير التشريعات على اعتبار أن قضية التعليم قضية مصيرية تحدد موقع الدول على خريطة توازنات القوة السياسية والاقتصادية.

ومن العرض لتجارب التعليم في مصر في العقود الأربعة الماضية، يمكن رصد ثلاثة أشكال كمداخل لتفسير سياسات النظام المصري المرتبطة ببرامج تطوير التعليم وهي:

1- إصلاح الزينة.

لم تتخطّ إجراءات التعليم التي اعتمدها النظام المصري حاجز الشكل، فالمادة (19) من الدستور المصري تؤكد أن التعليم حق لكل مواطن وأن الدولة تكفل مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفي نفس الوقت ارتفعت معدلات التسرب من التعليم، وتفشت ظاهرة التعليم الموازي المتمثل في الدروس الخصوصية، وتراجعت قدرة الفقراء على الاستمرار في التعليم نظرا لارتفاع نفقات الإنفاق الفعلي على العملية التعليمية التي يتحملها أولياء الأمور.

كما أشار الدستور إلى أن تطوير التعليم يهدف إلى رساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وفي نفس الوقت أفسحت المجال للمدارس الخاصة والمدارس الأجنبية لنشر التعليم بلغات أجنبية، بل حدث تمييز في كثير من الكليات بإنشاء أقساما للدراسة باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، وأصبح في مصر ما يسمى (حقوق إنجليزي وحقوق عربي- تجارة إنجليزي وتجارة عربي- اقتصاد إنجليزي واقتصاد عربي)، فيما ارتفعت تكلفة الدراسة في الكليات التي افتتحت أقساما باللغة الإنجليزية أو الفرنسية بشكل كبير ما جعلها تدير ظهرها لأبناء الطبقة الفقيرة.

أكد الدستور أن الدولة تلتزم بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، وعلى أرض الواقع بلغ إجمالي الإنفاق المستهدف على التعليم والصحة 259.7 مليار جنيه (الصحة 124.9 مليار والتعليم 134.8 مليار)[9]، وبافتراض نجاح الاقتصاد المصري بتحقيق معدل نمو 6% في العام القادم، سيكون إجمالي الناتج المحلي الإجمالي 5565.9 مليار جنيه، هو ما يعني أن إجمالي الإنفاق على التعليم والصحة سيكون 4.67% من إجمالي الناتج المحلي، في حين أن الدستور المصري طبقا للمواد 18 و19 و21 ينص على أن الإنفاق على التعليم والصحة يجب ألا يقل عما نسبته 9% من الناتج المحلي الإجمالي[46].

2- إصلاح التفاخر.

يتحول الإصلاح في مصر من وجوده الشكلي في التشريعات المختلفة ليأخذ صورة الإصلاح التفاخري أو إصلاح الزينة، فالنظام المصري الذي يوقف المدارس في الصيف نظرا لعدم وجود مراوح لتخفيف حرارة الجو بالفصول، ويعاني من تراجع البنية التحتية لمعظم المدارس الحكومية ويأخذ 2 مليار جنيه من ميزانية هيئة الأبنية التعليمية للإنفاق على مشروع التابلت الذي لم يُعد له جيدا ومن المحتمل أن يتحول إلى واحدة من كبريات عمليات إهدار المال العام في مشروعات غير مدروسة. كل هذا من أجل التفاخر بإدخال التكنولوجيا والتابلت إلى العملية التعليمية دون أي تخطيط حقيقي.

3- إصلاح السبوبة.

تحول مصر منذ عقد معاهدة السلام عام 1979 مع إسرائيل إلى دولة شرهة في الحصول على المعونات وخاصة العسكرية، حيث تصل المعونة العسكرية إلى مليار و200 مليون دولار سنويا أي ما يعادل 20 مليار جنيه مصري في العام الواحد، واتجاه الدولة إلى الحصول على معونات وقروض ميسرة في مجالات متعددة مثل التنمية السكانية وتنظيم الأسرة ومحو الأمية، ساهم في خلق سياسات عامة مرتبطة بمفهوم السبوبة والمتمثل في صياغة برامج إصلاحية مرتبطا بوجود تمويل خارجي وليست مرتبطة باحتياجات فعلية وواقعية[47].


الهامش

[1]– وزير التعليم يستعرض النظام التعليمي الجديد، 20 سبتمبر 2018، من اليوتيوب، الرابط

[2]– محمود طه،18 فبراير 2019، التعليم تعلن تفاصيل مسابقة العقود المؤقتة للمعلمين.. 428 ألف سجلوا إلكترونيا، تاريخ الاسترداد 2019، من اليوم السابع، الرابط، راجع أيضا الرابط

[3]– برنامج مصر النهارده، 26 مارس 2011،الرابط

[4]– جلال أمين، 11 أغسطس 2015، مقال: عن الدروس الخصوصية، تاريخ الاسترداد 2019، من بوابة الشروق، الرابط

[5]– محمد أبو زيد،1 أكتوبر2007، سرور يهاجم نظام التعليم ويصفه بأنه نظام فاشل، تاريخ الاسترداد 2019، من المصري اليوم، الرابط

[6]– عمر سليمان، 9 فبراير 2011، مقابلة قناة CNN الإخبارية، الرابط

[7]– عبد الفتاح السيسي، 24 أكتوبر 2017، تاريخ الاسترداد 2019، الرابط

[8]– برنامج بلا حدود، تقديم أحمد منصور، 28 يوليو 2010، الرابط

[9]– حامد عمار وصفاء أحمد، المرشد الأمين لتعليم البنات والبنين في القرن الحادي والعشرين، الهيئة المصرية العامة للكتاب.. مكتبة الأسرة 2015، طبعة خاصة تصدرها الدار المصرية اللبنانية ضمن مشروع مكتبة الأسرة، ص 56- 57

[10]– حازم العبيدي، 18 نوفمبر 2018، عبد العال: سلعة الأمن هي الأغلى على مستوى العالم ومصر متفوقة على الدول الأوروبية، تاريخ الاسترداد 219، من بوابة الوفد، الرابط

[11]– أيمن رمضان، 3 فبراير 2019، طارق شوقي: مرتبات المعلمين تخص الجهاز الإداري للدولة ويحكمها القانون، تاريخ الاسترداد 2019، من اليوم السابع، الرابط

[12]– مصر س نقلا عن الدستور الأصلي، 16 أبريل 2010، وزراء التربية والتعليم في عصر مبارك لا تربية ولا تعليم، تاريخ الاسترداد 2019، الرابط

[13]– محمد عمارة، 1 أغسطس 2017، فتحي سرور عن إلغاء الشهادة الابتدائية: ألغيتها من 25 سنة بسبب فقرنا، تاريخ الاسترداد 2019، من مصراوي، الرابط

[14]– أمجد حمدي، 20 سبتمبر 2018، مشروع التأمين الصحي الشامل في مصر، تاريخ الاسترداد 2019، من المعهد المصري للدراسات، الرابط

[15]– نورا فخري وخالد مشعل، 6 مايو 2019، وزير التربية والتعليم: بنوقف نظام التعليم على رجله وهنعمل هيكلة للوزارة، تاريخ الاسترداد، 2019، من اليوم السابع، الرابط

[16]– اعتادت الحكومة المصرية الحديث عن الرواتب للمعلمين والعاملين بالدولة عموما بشكل إجمالي بدون حذف الاستقطاعات المتمثلة في التأمينات والضرائب، فمثلا لو قالت الدولة أن الحد الأدنى للأجور 1500 جنيه، فإن جملة ما يتقاضاه الموظف لا يتجاوز الـ 1200 فعليا بعد تعرضه لحزمة الاستقطاعات.

[17]– أخبار اليوم، تقرير المركزي للإحصاء حول أعداد المدارس والطلاب والمعلمين في نظام التعليم ما قبل الجامعي، تاريخ الاسترداد 2019، من بوابة الأخبار، الرابط

[18]– ياسمين محمد، 1 فبراير 2019، التعليم تعلق على مطالب المعلمين بصرف الرواتب والمكافآت على أساسي 2019، تاريخ الاسترداد 2019، من مصراوي، الرابط

[19]– نور شوان، 16 أبريل 2018، وزيرة التخطيط: عدد الموظفين بالدولة تجاوز الخمسة ملايين، و1.8 مليون في التربية والتعليم فقط وتاريخ الاسترداد 2019، من بوابة الشروق، الرابط

[20]– د فضيلة عرفات، 2 مايو 2019، ظاهرة الغش في الامتحانات المدرسية أسبابها وأساليب وطرق علاجها، مؤسسة النور للثقافة والإعلام، الرابط

[21]– هبة حسام، 20 أكتوبر 2017، الإحصاء يكشف:1،122 متسربا من التعليم من سن 6-20 سنة، تاريخ الاسترداد 2019، من اليوم السابع، الرابط

[22]– حديث طارق شوقي مع برنامج 8 الصبح، 29 أكتوبر 2019، الرابط

[23]– مداخلة طارق شوقي مع قناة (LTC)، 4 أكتوبر 2018، الرابط

[24]– إيمان محمد عباس، 2 أكتوبر 2019، تحقيق: يستغرق حلها 10 سنوات.. أزمة كثافة الفصول تهدد جهود تحسين التعليم وخبراء يطرحون الحلول، تاريخ الاسترداد 2019، من بوابة الأهرام، الرابط

[25]– عبد الخالق فاروق، كم ينفق المصريون على التعليم؟، الهيئة المصري العامة للكتاب، 2016، 178

[26] – راجع اليوتيوب، الرابط

[27] – مركز الدراسات الإقليمية، التجربة الماليزية في مجال التنمية البشرية ومقومات نجاحها الرابط

[28] – التعليم في ماليزيا، الرابط

[29] – مركز الدراسات الإقليمية، الرابط

[30]– محمود طه حسن، 3 يناير 2017، التعليم: صعود مصر إلى المركز 134 في مؤشرات التنافسية العالمية، تاريخ الاسترداد 2019، من اليوم السابع، الرابط

[31]– الدستور، 6 نوفمبر 2012، مرسي يعتمد تعديلات قانون كادر المعلمين، تاريخ الاسترداد 2019، من الدستور، الرابط

[32]– نيفين شحاتة،28 ديسمبر 2016، مبارك والتعليم، تاريخ الاسترداد 2019، من الأهرام، الرابط

[33]– عبير عدلي وهانم بدرة، 21 أكتوبر 2015، إلغاء الدروس الخصوصية كلام في الهواء والشربيني يتصدى بشراسة، تاريخ الاسترداد 2019، من بوابة الوفد، الرابط

[34]– محمد الشماع، 31 يوليو 2016، حسين كامل بهاء الدين.. قرارات غيرت شكل التعليم في مصر، تاريخ الاسترداد 2019، من مبتدأ، الرابط

[35]– علي حمد، 13 يوليو 2016، مصروفات مدرسة دولية بالسويس تصل إلى 32 ألف جنيه، تاريخ الاسترداد 2019، من بوابة فيتو، الرابط

[36]– زكي القاضي، 11 أبريل 2019، إنشاء مدرسة الإنتاج الحربي للتكنولوجيا التطبيقية وفتح باب التقدم في يوليو، تاريخ الاسترداد 2019، من اليوم السابع، الرابط

[37]– حوا ر نقيب المعلمين مع أهل مصر، 12 فبراير 2019، الرابط

[38]– حديث طارق شوقي مع برنامج 8 الصبح، 29 أكتوبر 2019، الرابط

[39]– مصر س نقلا عن الأهرام المسائي، 7 مايو 2019، الرابط

[40]– هبة حسام، 24 مارس 2018، خريطة مدارس مصر، تاريخ الاسترداد 2019و من اليوم السابع، الرابط

[41]– داليا عطية، 4 نوفمبر 2018، تجريم الدروس الخصوصية، تاريخ الاسترداد 2019، من بوابة الأهرام، الرابط

[42]– برنامج 8 الصبح، 28 أكتوبر 2018، مداخلة أحمد صابر- المتحدث باسم وزرة التعليم- بخصوص الدروس الخصوصية، الرابط

[43]– محمود طه حسين، 24 سبتمبر 2017، التعليم: قاعدة بيانات لحصر أعداد المدارس على مستوى الجمهورية، تاريخ الاسترداد 2019، من اليوم السابع، الرابط

[44]– مساء DMC، 7 ديسمبر 2018، الرابط

[45]– الوطن، 5 مايو 2019، التعليم توافق على إنشاء مدارس أمريكية أو استحداث أقسام بها، تاريخ الاسترداد 2019، الرابط

[46] – محمد عباس، 5 يوليو 2019، مصرـ قراءة في مشروع موازنة 2019 ـ 2020، تاريخ الاسترداد 2019، من المعهد المصري للدراسات، الرابط

[47] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

أمجد حمدي

باحث مصري متخصص في السياسات العامة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى