fbpx
ترجمات

تغير المناخ واستغلال الموارد الطبيعية كأدوات لاستمرارية الحروب

دور الجماعات المسلحة من غير الدول والاستجابات الدولية

نشر المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في 18 نوفمبر 2022 مقالاً لإريكا بيبي، المحللة لأبحاث الصراع والأمن والتنمية وكبير منسقي البحوث بالمعهد؛ وإيرين ميا، كبير الباحثين بالمعهد، المتخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية، والصراع، والأمن، والتنمية؛ ومحررة “مسح النزاعات المسلحة 2022“، الذي صدر عن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية مؤخراً. جاء المقال تحت عنوان: “تغير المناخ واستغلال الموارد الطبيعية كأدوات لاستمرارية الحروب – دور الجماعات المسلحة من غير الدول والاستجابات الدولية“، حيث ترى الباحثتان أن الندرة المتزايدة للموارد الطبيعية الرئيسية قد تؤدي إلى استخدامها كأداة للضغط العسكري والسياسي في سبيل استمرار الحرب.

من الممكن أن تؤدي الندرة المتزايدة للموارد الطبيعية الرئيسية إلى زيادة قيمتها الجوهرية كأداة للضغط العسكري والسياسي في استمرار الحروب، بما في ذلك في أعقابها. في هذا المقال، تقوم إيرين ميا وإيريكا بيبي باستكشاف ديناميات هذه الظاهرة وتحديد أولويات العمل.

يتمثل أحد الآثار المهمة للتغيرات المناخية المتسارعة في مدى توافر الموارد الطبيعية الرئيسية، بما في ذلك المياه والغذاء والطاقة والأرض الزراعية. وبينما قد تؤدي الندرة المتزايدة لتلك الموارد إلى تفاقم الصراع أو دفعه، إلا أنها يمكن أيضاً أن ترفع من قيمتها الجوهرية كأداة للضغط العسكري والسياسي في استمرار الحروب، بما في ذلك في أعقابها، مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية كبيرة على الاستدامة البيئية والأمن البشري. ويظهر هذا الاتجاه بجلاء شديد  في سياق المواجهات الداخلية، التي تشكل غالبية النزاعات النشطة على مستوى العالم وغالباً ما تكون مستعصية على الحل وسط تكاثر الجهات الفاعلة والدوافع. ويُعتبر لجوء الجماعات المسلحة غير الحكومية إلى الموارد الطبيعية كأداة للحرب والسلطة السياسية تطوراً مثيراً للقلق بشكل خاص، كما أن له آثاراً بعيدة المدى على جهود مكافحة التمرد وتدخلات الصراع وما بعد الصراع، وكذلك على الحفاظ على البيئة والجهود المبذولة لمعالجة الهشاشة الهيكلية.

وتمثل أوجه القصور الحالية في القواعد الدولية – من حيث قابلية التطبيق والامتثال والإنفاذ فيما يتعلق بالجماعات المسلحة من غير الدول –  تحدياً كبيراً في محاولة معالجة هذه المشكلة. وبالنظر إلى هذا السياق، فإنه يلزم إجراء تحقيق استراتيجي في ديناميات الظاهرة لتحديد أولويات العمل واستكشاف الحلول، بما في ذلك التدابير الوقائية الممكنة، والتعديلات على الإطار القانوني والحلول المتعددة الأطراف. إن حقيقة معيشة ما بين 60 مليون و 80 مليون شخص في جميع أنحاء العالم في ظل حكم شبه دولة للجماعات المسلحة غير الحكومية يزيد من إلحاح هذه المسألة.

(عدد الهجمات المسلحة وهجمات البنية التحتية على إمدادات الغذاء أو المياه والمرافق من قبل الجماعات المسلحة من غير الدول في البلدان المتأثرة بالنزاع، 1979-2019)

استخدام الموارد كسلاح عسكري

يحدث استخدام الموارد الطبيعية كسلاح عسكري عندما يتم استغلال تلك الموارد واستخدامها كهدف أو كسلاح في الحرب أثناء نزاع نشط إما لتأمين أهداف استراتيجية أو لتحقيق أغراض تكتيكية. ويشمل هذا التصنيف المواقف التي يتم فيها استخدام التحكم في الموارد لترهيب وإكراه الأطراف المعارضة (و / أو السكان المدنيين)، بما في ذلك من خلال الحرب النفسية (على سبيل المثال، من خلال التهديد بمهاجمة البنية التحتية للمياه الرئيسية أو حرمان العدو من الوصول إلى مصدر طبيعي رئيسي معين).

وقد أصبحت الموارد الطبيعية على وجه الخصوص جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجيات والحملات العسكرية للجماعات المسلحة من غير الدول، مما يوفر لها القدرة على إلحاق الضرر المستهدف دون الحاجة إلى مهاجمة المناطق أو احتلالها أو السيطرة عليها بشكل مباشر (انظر الإطار رقم 1). كما أنها تمكن الجماعات المسلحة من غير الدول من اكتساب قدرة عسكرية أكبر مما كانت ستتمتع به في الحروب التقليدية.

(الإطار1) استخدام المياه كسلاح عسكريغالباً ما استفادت الجماعات المسلحة من غير الدول من السيطرة (أو التسميم أو التدمير) لموارد المياه والبنية التحتية (بما في ذلك السدود والآبار) لممارسة الضغط على عامة السكان والأطراف المعارضة في أثناء الحرب. وعلى سبيل المثال، لم تؤد ندرة المياه الحادة (بسبب سنوات من الجفاف وسوء إدارة المياه) إلى تكثيف عدم الاستقرار في العراق وسوريا والعنف المستمر في الآونة الأخيرة فحسب، بل تم أيضاً استخدامها بشكل منهجي من قبل الجماعات المسلحة غير الحكومية المختلفة للوصول إلى أهدافها، مع ما ينطوي ذلك من عواقب وخيمة على المدنيين.وكان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤولاً عن حوالي نصف حوادث تحويل المياه إلى أسلحة في البلدين (سوريا والعراق) من 2012 إلى 2015. واستُخدمت المياه كأداة استراتيجية لإضعاف المعارضين وخلق المصاعب في المناطق التي تعاني من ندرة المياه عن طريق تحويل الأنهار وغمر الأراضي. وفيما يلي مناقشة بعض الأمثلة على ذلك:في عام 2013، أتاح الاستيلاء على أكبر سد في سوريا، الطبقة، سيطرة داعش على ما يقرب من 60% من موارد المياه العذبة والصالحة للشرب في البلاد، وكان أداة دفاعية فعّالة للغاية لإبطاء تقدم العدو (من خلال التهديد بتدمير السد، قطع التيار الكهربائي عن دمشق وإغراق 90 ألف من السكان في الأراضي المجاورة).في تشرين الأول (أكتوبر) 2014، حولت داعش مسار روافد نهر الخالص لنهر دجلة، مما أدى إلى إغراق 781 فداناً من الأراضي الزراعية وأجزاء من المنصورية في محافظة ديالى العراقية.في عام 2014، سيطر التنظيم على أكبر سد في العراق، الموصل، مما دفع الولايات المتحدة إلى شن غارات جوية لدعم هجوم كردي عراقي مشترك لاستعادته ومنع استخدامه كأداة حرب من قِبل داعش.وفي عدة مناسبات، استخدم مقاتلو داعش أيضاً الموارد المائية لاكتساب مزايا تكتيكية في ساحة المعركة، بما في ذلك عن طريق تحويل الأنهار في منطقة حوض شيروين العراقية لإحباط تقدم قوات الأمن العراقية.وأدت الأضرار (وتعطيل الوصول) إلى خدمات ومرافق المياه منذ بداية الحرب في سوريا إلى انخفاض بنسبة 40% في توافر مياه الشرب، مما أثر على الوصول إلى المياه الصالحة للشرب لـ 14.6 مليون شخص بينما تسبب أيضاً في الهجرة الجماعية و التهجير.كما شهدت النزاعات في منطقة الساحل والصومال الاستغلال العسكري للمياه من قبل الجماعات المسلحة من غير الدول. ففي حوض بحيرة تشاد، حيث يتنافس حوالي 40 مليون شخص عبر الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا على إمدادات المياه المتضائلة، وغالباً ما استخدمت بوكو حرام الموارد الطبيعية كأداة عسكرية في إستراتيجيتها لممارسة العنف. وكان تسمم الآبار والأنهار في العمليات الهجومية ضد الجيش النيجيري هو المثال الأكثر فظاعة على ذلك. كما استخدمت حركة الشباب المياه كاستراتيجية لممارسة الإكراه. وأدى تدمير الجماعة لآبار المياه في غرباهاري، وهي مدينة ذات أهمية استراتيجية في جنوب الصومال، واستيلاؤها على أحواض الأنهار في المناطق المحيطة في عام 2014، إلى حرمان السكان المحليين الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة من الوصول إلى إمدادات المياه، وتسببت كذلك في معاناة القوات الحكومية وحالت دون احتلال البلدة. 

استخدام الموارد كسلاح سياسي

يحدث استخدام الموارد الطبيعية كسلاح سياسي عندما يتم استخدام تلك الموارد لممارسة الضغط السياسي و / أو لتعزيز الشرعية مع السكان المحليين (من خلال التحفيز). ولا تقتصر هذه الطريقة على مرحلة الصراع النشط ولكن يمكن ملاحظتها على طول التسلسل المستمر لمراحل الحرب، بما في ذلك مرحلة عدم الاستقرار التي قد تسبقها والمرحلة التي تأتي في أعقابها.

وفي حين أن استخدام الموارد كسلاح عسكري يتركز عادة حول الاستخدام “السلبي” للموارد الطبيعية (بطريقة هجومية أو دفاعية)، فإن استخدام الموارد كسلاح سياسي يمكن أن يشمل عناصر “إيجابية”، بما في ذلك حماية موارد طبيعية معينة أو توفير البنية التحتية للأراضي والمياه لتحفيز الدعم أو التعاون من السكان المحليين أو الأطراف الأخرى. وفي الدول الهشة، حيث غالباً ما تتداخل قابلية التأثر بالمناخ مع الأسباب الجذرية للنزاع أو عدم الاستقرار وتؤدي إلى تفاقمها، أثبتت سيطرة الجماعات المسلحة من غير الدول على الموارد الطبيعية النادرة أنها أداة فعالة لتعزيز سيطرتها الإقليمية وشرعيتها مع عامة السكان – من خلال ملء تلك الفراغات التي خلّفتها الدول المنهكة وغير الفعالة (انظر الإطار 2).

(الإطار 2)استخدام الموارد الطبيعية كأداة ضغط السياسيوهناك العديد من الأمثلة على الطرق التي حلت بها الجماعات المسلحة من غير الدول محل الدولة من خلال تزويد السكان المحليين بإمكانية الوصول إلى الموارد الطبيعية الرئيسية الواقعة تحت سيطرتهم، وبالتالي بناء الشرعية وتعزيز سيطرتهم على الأراضي.ففي الصومال، استخدمت حركة الشباب إمدادات المياه والغذاء ليس فقط كجزء مهم من استراتيجيتها ضد الحكومة الصومالية، ولكن أيضاً كأداة لاكتساب الشرعية مع السكان المحليين. بناءً على حملة المساعدات الغذائية التي تم الترويج لها على نطاق واسع خلال مجاعة عام 2017، حيث اكتسبت الحركة منذ ذلك الحين دوراً شبه حكومي، وفرضت ضرائب على استخدام الموارد المائية والمنتجات الزراعية والماشية.في ولايات “الحزام الأوسط” في شمال وسط نيجيريا، أدى تزايد ندرة المياه والتدهور البيئي في السنوات الأخيرة إلى تفاقم النزوح ودفَع الرعاة من منطقة حوض بحيرة تشاد ودول الساحل الأخرى في غرب إفريقيا إلى البحث عن طرق بديلة للرعي والأراضي الخصبة وإمدادات المياه. ولم يؤد هذا الواقع إلى النزاعات والصراعات العنيفة مع المزارعين المحليين فحسب، بل لعب أيضاً دوراً مهماً في تمكين التمرد الجهادي في نيجيريا. واستفادت بوكو حرام وولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية بمهارة من نقاط الضعف الحالية لوضع نفسيهما كبدائل لتوفير المراعي الآمنة للرعاة، وبالتالي تعزيز سيطرتهم الإقليمية وتأثيرهم على مناطق شاسعة تحيط ببحيرة تشاد.في أفغانستان، التي تعد من بين البلدان الأكثر عرضة لتغير المناخ على مستوى العالم، استخدمت طالبان الموارد الطبيعية في كثير من الأحيان في السعي لتحقيق مكاسب سياسية وتعزيز شرعيتها. وعلى وجه الخصوص، فقد أعطت المنافسة على الأراضي المحدودة المكرّسة لإنتاج الأفيون، والتي كانت مصدراً للنزاع لفترة طويلة، أعطت الفرصة للحركة – من خلال السماح بزراعة الأفيون في المناطق النائية الخاضعة لسيطرتها – لتأمين الدعم السياسي من المزارعين وتعزيز القوة الاقتصادية والسياسية في المناطق الريفية.وبالمثل، فقد أدت سيطرة داعش على مصادر المياه والأراضي في سوريا والعراق إلى حصولها على الدعم السياسي المستمر لجهودها في إقامة “خلافة” هناك. حيث وضعت الجماعة نفسها كمزود شرعي للخدمات الأساسية للسكان، بما في ذلك المياه والطاقة والإمدادات الغذائية، بينما تقتنص القيمة الاقتصادية من الموارد الطبيعية التي تسيطر عليها عن طريق فرض الضرائب.وفي كولومبيا، استغلت مجموعة حرب العصابات اليسارية للقوات المسلحة الثورية لكولومبيا (المعروفة بـ فارك) غياب الدولة عن المناطق المحيطية والاستياء المنتشر حول توزيع الأراضي، لممارسة السيطرة الإقليمية وترسيخ نفسها في المجتمعات المحلية، لتصبح حكومة الأمر الواقع في كثير من المناطق الريفية في البلاد. 

(العلاقة بين تغير المناخ والموارد الطبيعية وتسليحها)

الإطار التنظيمي الدولي ونواقصه

إن الاتجاه المتسارع لاستغلال الموارد الطبيعية لتحقيق أهداف مختلفة كما هو موضح أعلاه يثير قلقاً كبيراً نظراً للتحديات العديدة المتعلقة بحمايتها في سياق النزاعات المسلحة الداخلية. وفي حين أن القانون الدولي الإنساني – الذي يكمله القانون الدولي لحقوق الإنسان ومبادئ القانون البيئي الدولي – يوفر إطاراً تنظيمياً لمنع مثل هذا الاستغلال، فإن أوجه القصور كثيرة فيما يتعلق بنطاق القوانين، والإنفاذ الفعال، وقابلية التطبيق على الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تمثل، إلى حد كبير، غالبية من يقومون بذلك في مشهد الصراع الحالي.

وفيما يتعلق بالإطار التنظيمي، تنطبق القواعد العامة للقانون الدولي الإنساني التي تحمي الأعيان المدنية أثناء ممارسة الأعمال العدائية، على الموارد الطبيعية، بما في ذلك حظر استهداف هذه الموارد بشكل عشوائي، ومبادئ الملاءمة (والاحتياط لتجنب أو تقليل أي ضرر بيئي) متى أمكن اعتبارها أهدافاً عسكرية مشروعة. وبالإضافة إلى ذلك، ففي أعقاب حرب فيتنام وأضرارها البيئية المروّعة، تم وضع قواعد جديدة ومحددة للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقية حظر الاستخدام العسكري أو أي من الاستخدامات العدائية الأخرى لأساليب التغيير البيئي؛ والمادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ؛ والبروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف، المتعلق بحظر الأساليب والوسائل التي تلحق الضرر بالبيئة أثناء الحرب. ويُضيف القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون البيئي الدولي، اللذان يستمر سريانهما أثناء النزاعات، طبقة إضافية من الدفاع، الأول من خلال حمايته للأقليات والحق في الانتصاف الفعال، والثاني من خلال معظم أحكامه.

ومما يثير القلق أن وجود هذه المجموعة القوية من القواعد لا يبدو أنه يمنع أطراف النزاع من استخدام الموارد الطبيعية كسلاح. وبالإضافة إلى تحديات التنفيذ المتعلقة بنطاق ومعنى بعض الأحكام (أي كيفية تقييم الوقت الذي يكون فيه مورد طبيعي معين هدفاً عسكرياً مشروعاً وكيفية الحكم على الملاءمة)، كانت آليات إنفاذ الإطار التنظيمي غير موجودة أو ثبت عدم فعاليتها: فقد كانت لائحة الاتهام التي صدرت عام 2009 ضد الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير بارتكاب جرائم ضد الإنسانية (بما في ذلك تسميم الآبار ومضخات المياه من قبل الجيش الخاضع لسيطرته) هي المحاولة الوحيدة (غير الناجحة حتى الآن) لمعاقبة الاستخدام العسكري للموارد الطبيعية حتى تاريخه.

ومما يزيد الوضع تعقيداً حقيقة أن الجماعات المسلحة من غير الدول ليست ملزمة فنياً بالقانون الدولي بنفس الطريقة التي تلتزم بها الجهات الحكومية والمنظمات الدولية، مما يخلق قيوداً إضافية تتعلق بالامتثال للإطار الدولي الذي يحمي الموارد الطبيعية أثناء النزاع وإنفاذه على ارض الواقع. ولكن، كانت هناك تطورات مشجعة في الهيكل القانوني الدولي فيما يتعلق بالانخراط مع الجهات الفاعلة من غير الدول وتنظيمها، مع الاعتراف بدورها المتزايد الأهمية في النزاعات الحديثة. وقد تضمنت هذه الجهود مشروع مبادئ لجنة القانون الدولي للأمم المتحدة لعام 2019 بشأن حماية البيئة فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة، والتي تهدف إلى ضمان حماية أفضل للبيئة أثناء النزاعات المسلحة وبعدها وفي حالات الاحتلال. حيث يجب اعتماد حماية البيئة فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2022، بمجرد أن يقدم أصحاب المصلحة في الأمم المتحدة تعليقاتهم على المسودة. وحدث تطور مشجع آخر في عام 2020 عندما قامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتحديث مبادئها التوجيهية بشأن حماية البيئة الطبيعية في النزاعات المسلحة، والتي تغطي إلى حد كبير التزامات الجماعات المسلحة غير الحكومية. وفي ملاحظة ذات صلة، فقد تم إنشاء منظمة “مرصد الصراع والبيئة” غير الربحية في عام 2018 لزيادة الوعي والفهم للعواقب البيئية والإنسانية الناتجة عن النزاعات والأنشطة العسكرية. حيث تستكشف المنظمة أيضاً طرقاً وأدوات لرصد تنفيذ حماية البيئة فيما يتعلق بمبادئ النزاعات المسلحة بمجرد الموافقة عليها.

وعلى الرغم مما تم ذكره أعلاه، فيظل ضمان امتثال الجماعات المسلحة من غير الدول مصدر قلق كبير وأولوية مستمرة للمجتمع الدولي نظراً لحقيقة أن استخدام الموارد النادرة، بما في ذلك المياه والأراضي، أصبح جزءاً لا يتجزأ من حرب الجماعات المسلحة من غير الدول واستراتيجياتها لتأكيد السلطة والاحتفاظ بها بشكل متصل أثناء الحرب. ويجب بذل الجهود لمزيد من الانخراط مع هذه الجهات الفاعلة، وتعزيز مساءلتهم ورفع وعيهم بالتكاليف الكبيرة المرتبطة بالاستخدام المتهور للبيئة في الحرب. إن العثور على قاسم مشترك بين عقائدها (بما في ذلك الاتفاقات مع المعارضين، والإعلانات الأحادية والقواعد واللوائح الداخلية) والمبادئ القانونية الدولية – وبناء المساءلة على أساس القواسم المشتركة – يبدو أفضل استراتيجية ممكنة في الظروف الحالية. وتُظهر تحليلات المبادئ المتاحة للجماعات المسلحة من غير الدول أنه حتى لو كان القليل منها يتعامل مع المسائل البيئية، فإن معظمها يتضمن التزامات محددة بالامتثال لاتفاقيات جنيف و / أو القانون الدولي الإنساني – وفي حالة الأخيرة، يكون على الأرجح من خلال مبادئها المتعلقة بحماية البيئة. حيثما يتم تناول حماية البيئة في هذه العقائد، يمكن القول في بعض الأحيان أنها مطلقة أكثر من تلك المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني، والتي تبرّر أحياناً الهجمات باسم الحفاظ على البيئة – والتي قد تكون بالمناسبة إشكالية فيما يتعلق بالقانون الدولي الإنساني.

وبصرف النظر عن الالتزام الصريح بالالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني بشأن حماية البيئة في حالات النزاع، لا تزال هناك العديد من الأسئلة المتعلقة بالقدرة والاستعداد الفعليين للجماعات المسلحة من غير الدول لضمان الامتثال لذلك في الممارسة العملية. ولا تكمن المشكلة فقط في أنه في بعض الأحيان يمكن أن تكون تلك العقائد مدفوعة بالدرجة الأولى بدوافع دعائية أو ضغوط دولية، ولكن أيضاً في أنه إذا لم يتم ترجمتها إلى قواعد داخلية، ونشرها واستخدامها لإعلام التدريبات الخاصة بالجماعات المسلحة من غير الدول، فقد يكون لها تأثير ضئيل في الممارسة. وبعد الاعتراف بهذه القيود، فإن عقائد الجماعات المسلحة من غير الدول تُعتبر نقطة انطلاق لبناء توافق في الآراء بشأن القواعد المشتركة مع الجهات الفاعلة التي يجب أن تكون جزءاً من الحل.

الحلول الممكنة

لقد أصبح البحث عن حلول أفضل لحماية الموارد الطبيعية النادرة من الاستغلال الخبيث في مسار الحرب – مع التركيز على طرق الوقاية والجماعات المسلحة من غير الدول – أكثر إلحاحاً من خلال تسارع تغير المناخ.

وأدى الزخم الدولي للتصدي لتغير المناخ إلى زيادة الاهتمام بالتداعيات البيئية للنزاع المسلح (والأنشطة ذات الصلة) داخل منظومة الأمم المتحدة. ويتضح هذا التركيز في المناقشات الجارية حول المناخ، والأمن المائي، والنزاعات، والأضرار البيئية (على الرغم من وجود حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرارات ذات الصلة) وفي مسودة مبادئ لجنة القانون الدولي بشأن حماية البيئة فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة. وتبعث هذه التطورات الأمل في إمكانية إحراز تقدم مستمر نحو إطار دولي أكثر فعالية على المدى القصير والمتوسط.

ويبدو أن الدور الذي لعبته منظمة نداء جنيف غير الحكومية، التي أشركت الجماعات المسلحة من غير الدول لتحسين حمايتها للمدنيين أثناء النزاعات المسلحة وفقاً للمعايير الإنسانية الدولية، ولا سيما من خلال التوقيع على صكوك الالتزامات ومراقبتها، يمثل استراتيجية واعدة لضمان أن تتماشى هذه الجهات الفاعلة وتتوافق بشكل أفضل مع اللوائح البيئية للقانون الدولي الإنساني (مع إنفاذها). وتركز منظمة نداء جنيف بالفعل على جوانب حماية البيئة في حالات النزاع: ففي عام 2021، تبنّت نداءً بشأن انعدام الأمن الغذائي المرتبط بالنزاعات. ويمكن لصك مماثل لذلك، تلتزم بموجبه الجماعات المسلحة من غير الدول تسليح الموارد الطبيعية، أن يساعد في تسليط الضوء على القضية مع تحميل الموقعين المسؤولية عن الالتزامات التي تم التعهد بها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذا الإجراء من شأنه أن يزيد الضغط على الجماعات المسلحة من غير الدول من أجل التواصل الاجتماعي ونشر الالتزامات بشكل أفضل بين أعضائها، الأمر الذي يؤمل أن يؤدي إلى زيادة الامتثال.

طورت اللجنة الدولية للصليب الأحمر اتصالات مع ما يقرب من ثلاثة أرباع المجموعات المسلحة التي يزيد عددها عن 600 التي تم تحديدها في جميع أنحاء العالم، وهو رقم يشمل حوالي 100 من الجماعات المسلحة غير الحكومية التي يمكن “تصنيفها قانونياً كأطراف في نزاعات مسلحة غير دولية”، وتحاول تسهيل تنفيذ المبادئ التوجيهية بشأن حماية البيئة الطبيعية في النزاعات المسلحة. وقد اقترحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إجراءات ملموسة لهذا الغرض، بحجة وجوب تحديد المناطق ذات الأهمية البيئية الخاصة أو الهشة وتعيينها مناطق منزوعة السلاح.

وتُعتبر الجهات الخارجية الراعية للجماعات المسلحة من غير الدول وسيلة مهمة أخرى يجب استخدامها لزيادة مشاركة تلك الجماعات وامتثالها. ويتم تدويل الغالبية العظمى من النزاعات الداخلية حيث يحدث التدخل أو المشاركة (غالباً من خلال الجماعات المسلحة من غير الدول المحلية كوكلاء) من دول الطرف الثالث. ويمكن أن تُترجم الجهود المبذولة لتعزيز التزام الأطراف الثالثة بحماية الموارد الطبيعية في حالة النزاع إلى ضغط إضافي على الجماعات المسلحة من غير الدول للامتثال للإطار القانوني الدولي ولضمان تنفيذ مبادئها وممارساتها له.

وأخيراً، لا يمكن المبالغة في الحاجة إلى المقاييس والبيانات التي يمكن أن تتيح المراقبة الفعّالة لندرة الموارد الطبيعية – وكيف تؤدي النزاعات إلى تفاقمها – نظراً للحاجة إلى تحديد أولويات الجهود واعتماد سياسات واستراتيجيات قائمة على الأدلة. وسيكون تصميم طُرق وأُطر للإنذار المبكر لتحديد المناطق والدول الأكثر تعرضاً لخطر استخدام الموارد كسلاح (بناءً على شدة النزاع، وهشاشة المناخ، ووجود الموارد الطبيعية والبنية التحتية الرئيسية، والحوكمة، والعوامل الاقتصادية والسياسية، من بين أمور أخرى) أحد الجوانب المهمة بشكل خاص، وكذلك الحد من المخاطر وتعزيز المرونة. إن التقييم القائم على البيانات للمكان الذي من المرجح أن تحدث فيه النزاعات المتعلقة بالموارد على المدى القصير إلى المتوسط ​​من شأنه أن يساعد في تركيز انتباه صانعي القرار وتسهيل الإجراءات المستهدفة بشكل أفضل (بما في ذلك عن طريق تحديد أولويات تمويل التكيف).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close