fbpx
الشرق الأوسطتحليلات

تقييم إسرائيلي للسياسة المصرية وتحالفاتها الخارجية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

في ذروة الاستقطاب الإقليمي الحاصل في المنطقة، تتطلع الأنظار إلى السياسة المصرية القائمة، ودرجة تحالفاتها المتشعبة، سواء مع دول الخليج أو إسرائيل، بما يخدم استقرار النظام بما يواجهه من تحديات داخلية وخارجية.

المحافل الإسرائيلية التي تتابع عن كثب تطورات الأداء السياسي المصري تشير إلى أن النظام المصري الحالي متورط في عدد من المشاكل الإقليمية العالقة، ومنها الصراع على السلطة الحاصل في جارته الجنوبية السودان، وتقوية وضع الجنرال خليفة حفتر في جارته الغربية ليبيا، وربما يدخل في وساطة بين السعودية وإيران في منطقة الخليج.

مصر تخوض مع حليفتيها السعودية والإمارات العربية المتحدة صراعا قويا لوضع نظام حكم في السودان تابع لها، في ظل المساعدات السياسية والدبلوماسية والأمنية التي توفرها للعسكر السودانيين، الذين تعلموا من الضباط المصريين كيفية فض الاعتصامات المدنية.

القاهرة بصورة أساسية، وإلى جانبها الرياض وأبو ظبي تضغط جميعها على الجنرالات السودانيين بعدم الخضوع للمتظاهرين، وتفريقهم بالقوة، واتباع ذات الطرق التي انتهجها السيسي لتثبيت حكمه في مصر، لأن هناك مصلحة لهذه الدول الثلاث لبقاء حكم المجلس العسكري السوداني.

أما في ليبيا، فإن مصر تعمل ومعها الرياض وأبو ظبي لتثبيت وضع الجنرال حفتر الذي يهدد، دون نجاح، باحتلال العاصمة طرابلس، ويعمل مستشارون عسكريون مصريون وإماراتيون بجانبه، ويقوم عادة بزيارة القاهرة للتشاور مع السيسي، وباتت القاهرة العنوان المركزي لما يريد الغرب إيصاله من رسائل إلى حفتر.

وهكذا ففي ظل الصراعات الداخلية الناشبة في المنطقة، مثل الحرب في سوريا، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي تعمل على تشتيت الدول العربية، فإن الترويكا العربية اليوم المكونة من مصر والسعودية والإمارات باتت تشكل عنصر تأثير إقليمي واضح في المنطقة، رغم أنها ليست في عداد الحلفاء السياسيين والعسكريين الدائمين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

مع العلم أن القاهرة مرهونة اقتصاديا بالرياض وواشنطن، لكنها مؤخرا باتت تشتري أسلحة من موسكو، وبكين تستثمر في مشاريع مصرية كبيرة، في حين تعاني السعودية زعزعة وضعها في واشنطن، خاصة من الكونجرس والرأي العام، مما دفعها لإقامة علاقات متنامية مع الصين وروسيا، والإمارات تسعى لمنافسة قطر في الولايات المتحدة، ولا تثق كثيرا في الرئيس ترامب.

صحيح أن ترامب يعتبر رئيسا ممتازا لهذه الدول الثلاث: مصر والسعودية والإمارات، لكنها تتجهز لليوم الذي لا يصبح فيه رئيسا أمريكيا خلال عامين بعد الانتخابات الرئاسية القادمة.

لكن اللافت فعلا أنه فيما يتعلق بالتوتر السعودي الإماراتي مع إيران، فإن السياسة المصرية تبدو لهما ليست كما يجب، مما يدفع للأخذ بجدية التقارير التي تتحدث عن وساطة قد تقودها القاهرة بين الرياض وطهران، لكن الأمر مرهون بالرغبة السعودية.

وعند الحديث عن الدور المصري في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فمن الواضح أنه تقلص في السنوات الأخيرة ليصبح عبارة عن مشاورات مكوكية حول تحقيق تهدئة بين حماس وإسرائيل، أما السعودية فتقود جهود إنجاح صفقة القرن لتسوية هذا الصراع، حيث أخذت على عاتقها دور الضغط على الفلسطينيين لقبول الصفقة، ومحاولة تجنيد الأردن لصالحها من خلال عقد لقمة البحرين أواخر يونيو الماضي.

وفيما تحولت قمة البحرين مع مرور الوقت إلى حدث قليل الأهمية، وذي جانب استعراضي، فالفلسطينيون لم يأتوا، والأردن يعيش تحت ضغط شعبي يتنامى، في حين تبدو مصر الشريكة الوحيدة في هذه العملية.

مع العلم أن موافقة مصر على حضور قمة البحرين شكل اختراقا للجهد الأمريكي الذي لم يكن سهلا، وقد كانت إسرائيل جزءا من هذه الجهود لإقناعها لإنقاذ القمة التي دعا إليها الأمريكيون، ويرون فيها أهمية كبيرة، بل إن مكانة الرئيس ترامب ستكون موضع استفهام، في ظل مشاركة القاهرة أو مقاطعتها، لكن حضور مصر شكل إنجازا أمريكيا جديدا، وكشف عن عمق تأثيرها على السياسة المصرية.

أما بالنسبة للشؤون المصرية الداخلية، فإنه وسط كل هذه الانشغالات التي ينخرط فيها السيسي أتت وفاة الرئيس السابق محمد مرسي، التي خشي النظام المصري أن تشكل له قضية مماثلة لجريمة قتل الصحفي السعودي خاشقجي الذي تورط فيه النظام الحليف للسيسي في السعودية، بجانب الإدانات الدولية بسبب الجنازة الصامتة التي فرضتها السلطات المصرية للرئيس الراحل.

إن تبعات وفاة مرسي دفعت وزير الخارجية سامح شكري ليصبح رأس حربة لتفنيد الاتهامات التي يتلقاها النظام المصري أمام العالم، والسبب واضح، أنه في حال تم العثور على دليل أو إثبات بقتل مرسي، فسيكون له تبعات خطيرة على العلاقات المصرية الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

كما أن مصر قد تجد نفسها تحت طائلة العقوبات التي تعانيها السعودية اليوم، مثل منع بيعها السلاح عقب مقتل خاشقجي، وربما تعيد العديد من المؤسسات الدولية المانحة النظر في تقديم مساعداتها لنظام السيسي في حال ثبوت تورطه في جريمة قتل مرسي.

في ذات الجانب، يمكن الحديث عن تحالفات مصر الخارجية، لاسيما مع الإمارات، الصديقة القريبة جدا من النظام القائم في مصر، فطيارو محمد بن زايد شركاء في معركة السيسي ضد المجموعات المسلحة في سيناء، ومن المتوقع أن تكون إسرائيل أيضا شريكة لهما في هذه الحرب، بحيث أصبح هذا الحلف ثلاثياً؛ تل أبيب والقاهرة وأبو ظبي.

هذا يعني في المجمل أن العلاقات الوثيقة بين السيسي ونتنياهو قائمة، والتعاون الأمني بين القاهرة وتل أبيب مستمر، رغم عدم وجود ضمانات تضمن مستقبل علاقات مصر وإسرائيل، لاسيما الاتصالات الأمنية، فالأجيال القادمة المصرية والإسرائيلية لا تحمل إرثا من العلاقات الجيدة يمكن من خلالها تعليمها وتلقينها معاني السلام التي لم تتحقق فعلا بينهما، ليس هناك سلام حقيقي، وإنما آمال من التفاؤل، لأن التاريخ المتبادل بين المصريين والإسرائيليين عبارة عن تاريخ طويل من الحروب.

ورغم كل ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي يواصل تنسيقه الميداني مع الجيشين الثاني والثالث المصريين في سيناء، خشية أن يطلق المسلحون قذائفهم الصاروخية باتجاه إسرائيل، كما أن إسرائيل تواصل الاعتماد على الدور المصري بالتوصل لتهدئة مع حماس، مما يجعل السيسي ونتنياهو يتحدثان بصورة دائمة، وبشكل مباشر، وبينهما لغة مشتركة، الأمر الذي يدفع الإسرائيليين لأن يتخيلوا: ماذا لو تغير الوضع الأمني في سيناء، وعاد الهدوء كما كان قبل سنوات، هل سينخفض الاعتماد المصري على إسرائيل، وماذا لو أن رئيس حكومة إسرائيلية آخر صعد للحكم بدل نتنياهو، هل ستتراجع علاقته بالسيسي؟

الخلاصة أن القراءة الإسرائيلية للأداء السياسي المصري: داخليا وخارجيا، يشير إلى حالة من الاطمئنان النسبي إلى أنه يسير وفق شبكة المصالح الإسرائيلية في خطوطها العامة، قد يقترب أو يبتعد بعض الشيء من التفاصيل الإسرائيلية، لكنه في المسار العام يشكل مصدر راحة لإسرائيل على حدودها الجنوبية [1].


[1]الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close