fbpx
اقتصادالسياسات العامة

تقييم مبادرة البنك المركزي للتمويل العقاري

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

يُعاني القطاع العقاري في مصر من تباطؤ ملحوظ في الأعوام الأخيرة، ومن أجل تنشيط القطاع مرة أخرى بجانب مساعدة محدودي ومتوسطي الدخل على إمكانية تملك وحدات سكنية؛ أطلق البنك المركزي المصري مبادرة للتمويل العقاري في فبراير 2014.

تهدف المبادرة إلى إتاحة تمويل طويل الأجل قدره 20 مليار جنيه، بأسعار عائد منخفضة لضمان توفير الدعم إلى محدودي ومتوسطي الدخل، حدد المركزي سعر الإقراض النهائي بنسبة 7% لمحدودي الدخل، و8% لمتوسطي الدخل، وذلك طبقًا للمذكرة الأولى للمبادرة.

خصص المركزي 10 مليار جنيه كمرحلة أولى، على أن يقوم المستفيد بالسداد على شرائح لمدة حدها الأقصى 20 سنة، كما ذكر أن الحد الأقصى للدخل الشهري لمتوسطي الدخل 8 آلاف جنيه للفرد و10 آلاف للأسرة، بجانب ألا تزيد قيمة الوحدة محل التمويل عن 300 ألف جنيه، يُمول البنك أو شركة التمويل 85% منها كحد أقصى.

يمكن القول إن فكرة المبادرة جيدة -مع التأكيد على ضعف التمويل المرصود-، حيث كان من المنتظر منها أن تعمل على تنشيط السوق، لكن هناك بعض العيوب الجوهرية في المبادرة، يمكن رصدها في النقاط التالية:

1-انخفاض الحد الأقصى لسعر الوحدة التي تتيح المبادرة تمويلها (300 ألف جنيه)، بجانب انخفاض قيمة الحد الأقصى للدخل الشهري لمحدودي ومتوسطي الدخل الذي وضعه البنك المركزي كحد أقصى للاستفادة من المبادرة.

اضطر البنك المركزي بعد أن تبين له ذلك إلى إصدار ثلاثة تعديلات فيما يخص الحد الأقصى لأسعار الشقق وكذلك الحد الأقصى للدخل الشهري للفئات التي يحق لها الاستفادة من المبادرة، يمكن رصد تلك التعديلات من خلال النقاط التالية:

أ-يونيو 2014: قررت الإدارة التنفيذية للبنك المركزي رفع الحد الأقصى للدخل الشهري لمحدودي الدخل والتي تتمتع بسعر فائدة 5% إلى 2100 جنيه بدلا من 1400 جنيه، كما تم رفع الحد الأقصى للدخل الشهري لشريحة متوسطي الدخل لتصبح 10 آلاف جنيه للأعزب و14 ألف جنيه للأسرة بدلا من 8 آلاف جنيه و10 آلاف جنيه للأسرة.

بجانب ذلك، فقد قرر رفع الحد الأقصى لسعر الوحدة لشريحة متوسطي الدخل لتصبح 700 ألف جنيه بدلا من 500 ألف جنيه[1].

ب-أغسطس 2014: أصدر البنك المركزي قرارًا بزيادة الحد الأقصى للوحدات محل التمويل ليصل إلى 400 ألف جنيه[2].

ج-ديسمبر 2014: عاد البنك المركزي مرةً أخرى وقرر زيادة الحد الأقصى للوحدات إلى 500 ألف جنيه[3].

من كل ذلك يمكن القول إن سرعة تغيير البنك لقراراته، والتعديل السريع للحد الأقصى لأسعار الوحدات وكذلك الحد الأقصى للدخل الشهري للفئات المستفيدة من المبادرة، يعد ذلك دليلا على أن المبادرة لم يتم التخطيط الجيد لها مسبقا، فلو كانت هناك دراسات مسبقة جيدة؛ لكان البنك المركزي على علم أن 300 ألف جنيه لا يعتبر حدا أقصى جيد لأسعار الوحدات السكنية. هذا مع العلم أن البنك المركزي هو الجهة الحكومية المنوط بها متابعة الأسعار في مصر. تجدر الإشارة أيضا إلى أنه ليس من مهمة البنك المركزي القيام ببحث الدخل والإنفاق لمعرفة الحدود الطبيعة للدخول للطبقات المختلفة في مصر، وإنما هي من مهمة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، لكن كان من الممكن أن يتم التعاون بين البنك والجهاز لمعرفة الحدود الطبيعية، بدلا من أن يصدر البنك قرارا ثم يقوم بتعديله أكثر من مرة.

2-المبلغ المرصود للمبادرة قليل جدا (20 مليار جنيه) في هذا السياق، طالبت مي عبد الحميد رئيسة صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري أن تزيد إلى 40 مليار جنيه، قبل أن تعلن بعد ذلك توقيع بروتوكول بين الصندوق ووزارة المالية يستهدف زيادة 40 مليار جنيه إضافية ليبلغ إجمالي المبادرة 60 مليار جنيه، ولم يتم التنفيذ حتى الآن.

3-وجود الكثير من المشاكل الهيكلية في سوق التمويل العقاري في مصر، حيث كان ينبغي على صائغي أجندة السياسات العامة العمل على حل تلك المشاكل قبل البدء في المبادرة؛ حتى لا تكون المبادرة بمثابة وضع العربة أمام الحصان.

فيما يلي بعض مشاكل قطاع العقارات في مصر -تم الاقتصار على تلك المشاكل التي تؤثر سلبا على نجاح المبادرة-، بجانب ذكر مشاكل سوق التمويل العقاري في مصر.

أولا: مشاكل قطاع العقارات التي أثرت سلبا على نجاح المبادرة:

أ-تسجيل العقارات:

اشترطت المبادرة أن يكون العقار محل القرض مُسجل أو صالح للتسجيل، ومن المعلوم طول وتعقيد إجراءات عمليات التسجيل في مصر، وقد أشارت بعض الدراسات أن مدة تسجيل العقارات قد تصل إلى 193 يوما؛ وذلك بسبب بيروقراطية الأجهزة الحكومية[4].

ب-صعوبة إثبات الدخل:

تستهدف المبادرة طبقة محدودي ومتوسطي الدخل، ومن المعروف أن أغلب العاملين في هذه الطبقة هم من الحرفيين أو في مهن يقع نطاقها داخل الاقتصاد غير الرسمي؛ وهو ما يعني صعوبة إثبات الدخل.

في هذا الإطار، أكد المسؤولون في صندوق الإسكان الاجتماعي أن أصحاب المهن الحرة التي تفتقر لوجود سجل تجاري أو شهادة ضريبية من الممكن أن يتقدموا بأوراق من مقر العمل تحدد الدخل، وأن الصندوق سيقوم بتشكيل لجان للتأكد من صحة الأوراق المقدمة. ولم يتم الإعلان حتى الآن هل نجحت تلك الآلية أم لا.

ج-ارتفاع أسعار الوحدات:

تعاني الطبقات محدودة ومتوسطة الدخل في مصر من ارتفاع أسعار الوحدات السكنية التي يمكنها الحصول عليها، بجانب تأخر توصيل المرافق للمجتمعات العمرانية الجديدة، وهو ما يعني تأخير مقدرة هذه المجتمعات من استقبال السكان.

بالإضافة لكل ما سبق، توجد الكثير من المشاكل التي يعاني منها سوق التمويل العقاري في مصر، يمكن رصدها من خلال النقاط التالية:

ثانيا: مشاكل سوق التمويل العقاري:

أ-عدم وجود وضوح الشروط والمتطلبات الواجب توافرها في شركات التمويل أو إعادة التمويل العقاري:

بالرغم من قلة عدد شركات التمويل العقاري في مصر، حيث بلغ عددها 13 شركة فقط في العام 2014[5]، إلا أنه وقت إعلان المبادرة لم تكن هناك قواعد يمكن الرجوع إليها تنظم عمل تلك الشركات. تجدر الإشارة إلى أنه بعد الإعلان عن مبادرة البنك المركزي، صدر في يوليو 2014 تعديلات بشأن بعض أحكام قانون التمويل العقاري والقانون الصادر به رقم 148 لسنة 2001، أُسند في تلك التعديلات مسؤولية الإعلان عن تلك الشروط للهيئة العامة للرقابة المالية. في أكتوبر 2015، أصدرت الهيئة العامة للرقابة المالية الشروط والمتطلبات الواجب توافرها في شركات التمويل العقاري[6].

ب-عدم وجود جهة مستقلة لاعتماد المقيّمين العقاريين:

يعد المُقيم العقاري بمثابة القاضي، حيث ينبغي أن يتمتع بأقصى درجات الحيادية، فلا يجب أن يسجل العقار بقيمة أعلى من قيمته الحقيقية لأن ذلك سيضر البنك، ولا يجب أيضا أن يسجل العقار بقيمة أقل من قيمته، لأن ذلك سيضر المشتري.

من أجل أن تضمن الدول مستوى معرفي جيد للمقيّمين العقاريين، تُنشئ كل دولة هيئة خاصة بها لاعتماد المقيّمين العقاريين، بما يضمن كفاءة من يعمل بهذه المهنة. حين صدرت مبادرة البنك المركزي لم تكن قد أنشئت بعد الجمعية المصرية لخبراء التقييم العقاري، حيث أنشئت الهيئة في العام 2015[7]. في الوقت الحالي يوجد 200 مقيم عقاري معتمدين لدى هيئة الرقابة المالية، و60 مقيماً لدى البنك المركزي ومئات من الخبراء تابعين للجهات الحكومية المختلفة[8]. في ظل عدم وجود قانون ينص على نظام موحد لاعتماد المقيّمين العقاريين.

ج-عدم وجود معايير مصرية للتقييم العقاري:

من المعروف أن لكل دولة من دول العالم معايير خاصة للتقييم العقاري، ومن المعلوم أن أغلب هذه المعايير تتفق في الكثير من الأسس النظرية، لكن وبسبب اختلاف السوق العقاري من دولة لأخرى؛ ظهرت الحاجة إلى أن تصدر كل دولة معايير خاصة بها تراعي طبيعة وخصوصية السوق العقاري فيها.

تأخرت مصر كثيرا في إقرار تلك المعايير؛ فمن العام 2001 حتى 2015 كان المُقّيمون العقاريون يطبقون المعايير الدولية في أعمال التقييم. ولكن يونيو 2015 صدرت المعايير المصرية للتقييم العقاري، أي بعد إعلان البنك المركزي لمبادرته للتمويل العقاري بسنة وثلاثة أشهر، حيث كان من الواجب صدور معايير التقييم قبل الإعلان عن المبادرة.

د-عدم وجود محاكم مستقلة لقضايا الرهن:

من المعروف تبعية قضايا الرهن في مصر للمحكمة الاقتصادية، وتكمن أكبر إشكاليات المحكمة الاقتصادية في أمرين؛ الأول تأخر الفصل في الدعاوى المقدمة لها؛ وذلك بسبب كثرتها، بجانب أن القوانين المنظمة لعمل المحكمة تقتضي تحصيل المحكمة لــ 20% من قيمة القضايا المقدمة لها. يمثل كل ما سبق تحديات أمام أي جهة، يجعلها تفكر ألف مرة قبل الذهاب إلى المحكمة للفصل في قضايا الرهن. لذلك توصي الورقة بإنشاء محاكم مستقلة للفصل في قضايا الرهن، حيث يوفر وجود تلك المحاكم سرعة الفصل في القضايا المقدمة إليها، بجانب وجود قضاة متخصصين للتعامل مع تلك القضايا.

ثالثاً: نتائج المبادرة:

1-عدد المستفيدين

أعلنت مي عبد الحميد، رئيسة صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري بوزارة الإسكان أن إجمالي عدد المستفيدين وصل إلى 230 ألف عميل[9].

يطرح هذا الرقم الكثير من التساؤلات، فباستحضار أن البنك المركزي أصدر قرارا بوقف المبادرة عند وصول التمويل الممنوح من خلالها إلى الحد الأقصى الذي حدده وهو 20 مليار جنيه. بقسمة 20 مليار جنيه على 230 ألف مستفيد؛ يكون متوسط التمويل الممنوح لكل وحدة سكنية هو 87 ألف جنيه، وهو ما يعني أن سعر الوحدة في حدود 105 آلاف جنيه (على أساس أن التمويل الممنوح من خلال المبادرة يغطي 85% من ثمن العقار كحد أقصى)، وإذا كان بالفعل متوسط أسعار الوحدات الممولة من خلال المبادرة هو 105 آلاف جنيه، فلماذا رفع البنك المركزي أسعار الوحدات من 300 ألف جنيه إلى 400 ألف جنيه، قبل أن يعود ويرفعها مرة أخرى إلى 500 ألف جنيه.

يتبين من كل ما سبق أن الرقم الذي أعلنته رئيسة مجلس إدارة صندوق التمويل العقاري بوزارة الإسكان ليس صحيحا، وبمتابعة التصريحات الصادرة عن المسؤولين في البنك المركزي المصري، أعلنت لبني هلال نائبة محافظ البنك المركزي، أن مبادرة التمويل العقاري استفاد منها 200 ألف أسرة[10]، هذا الرقم أيضا لا يختلف كثيرا عن الرقم المذكور سابقا، وهو أيضا غير منطقي.

2-الارتباك الذي تواكب مع إعلان انتهاء المبادرة:

تلقت البنوك خطابا مكتوبا من البنك المركزي في 30 يناير 2019، يفيد بتوقف البنك المركزي عن تمويل متوسطي وفوق متوسطي الدخل واقتصار المبادرة على محدودي الدخل. في ذلك الوقت كان هناك الكثير من الطلبات تحت الدراسة وبالأخص ممن تقدموا للحصول على وحدات في مشروعي “سكن مصر” و”دار مصر”، كل هذه الطلبات تم إلغاؤها، وأصبح أصحابها مطالبون بالقبول بالفائدة الغير مدعمة 17.75% بدلا من فائدة 8% المخصصة لمتوسطي الدخل[11].

خاتمة

أصدر البنك المركزي مبادرته للتمويل العقاري في فبراير 2014، والتي أعلن عن انتهائها في يناير 2019. هدفت المبادرة بالأساس إلى تشجيع القطاع العقاري في مصر، بجانب دعم الطبقات محدودة الدخل والمتوسطة في الحصول على سكن مناسب. وبين التطبيق العملي للمبادرة أن ضعف التمويل المرصود بجانب عيوبها الهيكلية، بالإضافة إلى المشاكل المزمنة التي يعاني منها قطاع التمويل العقاري في مصر، أنتج عدم وجود نتائج حقيقية ملموسة، مما يبرر حرص البنك المركزي على الإعلان عن أرقام مبالغ فيها عن المستفيدين من المبادرة، في محاولة لإخفاء الإخفاق[12].


الهامش

[1] البنك المركزي المصري، جمهورية مصر العربية، كتاب دوري بتاريخ 22 يونيو بشأن تعديل مبادرة التمويل العقاري لمحدودي ومتوسطي الدخل، 22 يونيو 2017، رابط.

[2] البنك المركزي المصري، جمهورية مصر العربية، تعديل أسعار الوحدات السكنية لمتوسطي الدخل تحت مبادرة التمويل العقاري، 19 أغسطس 2014، رابط.

[3] البنك المركزي المصري، جمهورية مصر العربية، زيادة الحد الأقصى للوحدات محل التمويل لمتوسطي الدخل في إطار مبادرة التمويل العقاري ليصبح 500 ألف جنيه مصري، 22 ديسمبر 2014، رابط.

[4] ياسمين شاكر، إشكاليات وسبل التمويل العقاري في مصر، المركزي المصري لدراسات السياسات العامة، 2016، رابط.

[5] المصدر السابق.

[6] الهيئة العامة للرقابة المالية، جمهورية مصر العربية، هيئة الرقابة المالية تصدر شروط مزاولة نشاط التمويل وإعادة التمويل العقاري – 24/6/2015، رابط.

[7] الجمعية المصرية لخبراء التقييم العقاري، جمهورية مصر العربية، رابط.

[8] مطالب بإصدار قانون خاص للعاملين بـ “التقييم العقاري”، جريدة البورصة، 18 يونيو 2019، رابط.

[9] هاني محمد، الإسكان: 230 ألف مستفيد من مبادرة البنك المركزي للتمويل العقاري، أخبار اليوم، 24 مارس 2019، رابط.

[10] ارتباك بالبنوك بعد توقف المركزي عن دعم مبادرة التمويل العقاري، مصراوي، 30 يناير 2019، رابط.

[11] أحمد مصطفي أحمد، إلغاء مبادرة التمويل العقاري يضع حاجزي “دار وسكن مصر” في مأزق، جريدة الوطن، 29 يناير 2019، رابط.

[12] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال جيد ونتمني إن يتم عرض مقال أخر حول أثر ارتفاع أسعار العقارات علي الإقتصاد، ونتمني للكاتب التوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close