fbpx
تقاريرالمغرب العربي

تونس: أداء حركة النهضة في 2017

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد:

استهلت تونس عام 2017 وقد انجزت حركة النهضة مؤتمرها العاشر الذي عقد في مايو 2016(1 ) ، الذي دخلته متماسكة، وخرجت منه بنفس الدرجة من التماسك، برغم قوة القضايا التي نوقشت، والتي يبدو أن مزاج النهضة العام لم يستوعبها تماما بعد، سواء على صعيد عالم الأفكار أو حتى عالم إدارة التفاعلات. فبعض القضايا ما زالت محل شد وجذب، كما أن الإطار التنظيمي ما زال محل نداءات بالمراجعة. هذا على صعيد المؤسسية. أما على صعيد الديمقراطية والعلاقة مع المواطن، فبقدر ما كانت الخبرة الحكومية أكثر تمثيلية، فإن درجة الاهتمام بمواجهة التحدي الاقتصادي الاجتماعي لم تكن بقدر التحدي، فاستمرت الاحتجاجات ضد قرارات الحزمة الاقتصادية، ومن جهة ثالثة، فإن “توافق قرطاج” شهد هزة، لا يمكن الجزم بحجمها من دون أداة ميدانية منضبطة كانتخابات المحليات القادمة.

هذه المحاور الثلاثة، المؤسسية والتوافقية والديمقراطية، نعتبرها مدخلا نعمل من خلاله على تقديم مؤشرات لأداء قطاع من الحركات الإسلامية التي اشتمل فكرها على تصور للدولة الوطنية الجامعة لكل أطياف مواطنيها وأفكارهم، وباتت تحمل للآخر نظرة الشريك الوطني، وترى معه في المواطن صاحبا للسيادة وأولى بالرعاية، فضلا عن تماسكها الداخلي ومؤسسيته الذين يعتبران شرط عبو المنعرج الحرج لفترة ما بعد الربيع بكل ما تشتمل عليه من تحديات. فكيف كان أداء “حركة النهضة التونسية”؟

أولاً: النهضة والتوافق التونسي

كقاعدة عامة، يمكن القول بأن حركة النهضة خلال العامين 2016 و2017 قد حالت دون تقسيم تونس على أساس فكري/ عقدي، وهو التقسيم الذي يعني استعادة الاستقطاب، وإشاعة الاحتراب الثقافي لتونس، ومن ثم تجريدها من إمكانية الاستقرار، فضلا عما يعنيه ذلك تباعا من إمكان توفير حيز لتنامي “حالة متطرفة” خبيثة تضاف لركام المؤثرات السلبية التي يعانيها العقل العربي. غير أن هذا النجاح خلال 2017 لم يكن ضامنا لاستمرار منع مسار الاستقطاب في المستقبل. وهو ما يثر التساؤل: هل شاركت النهضة في بناء التوافق أم أن الطبيعة البرلمانية للنظام السياسي التونسي كانت أكثر العوامل التي دفعت لبناء التحالف التونسي؟

وبالنظر للمدى الزمني للتقرير، والملتزم بالعام 2017، فإن الرجوع لأحداث تخص أعواما سبقت ربما يكون تجاوزا العودة قليلا للماضي أو التقدم قليلا للمستقبل. لكن من المهم الإشارة إلى أن توقيت كتابة التقرير شهد اتجاه حزب “نداء تونس” لفض تحالفه مع حزب النهضة، وأنه سيتعامل معها كمنافس انتخابي وشريك في الحكومة تحت سقف “وثيقة قرطاج” التوافقية( 2) ، وهو ما سبقته ضغوط مراجعات باشرتها هياكل “نداء تونس” الإدارية في أعقاب الانتخابات التكميلية بالخارج؛ والتي جرت في دائرة ألمانيا، والتي اعتبرها مراقبون غير مؤثرة. وقد سبق المراجعات أن أقدمت أحزاب “جبهة الإنقاذ والتقدم” في 2017 على الانسحاب من الحكومة التوافقية، وما تلاه من انسحاب “الحزب الجمهوري”، والذي سنتحدث عنهما لاحقا، غير أن هذا الانهيار في التوافق لم يبدأ في العام موضوع التغطية.

وبالرجوع قليلا للوراء، سنلمح خبرة دخول عدد من التجمعيين لحركة النهضة، ثم خروجهم منها خلال خبرة الترويكا بسبب التمييز ” النهضوي” السياسي ضدهم في 2016، كل هذه إشارات تفيد بأن إدارة “النهضة” لملف التوافق كانت إدارة مأزومة، وأن تجاوزها ثوابت “ثورة الياسمين” عامل تهديد بالنسبة لها، ليس فقط فيما يتعلق بشعبيتها، ولكن أيضا فيما يخص وحدتها. وقبل أن ننتقل للتفاصيل، نريد التأكيد على أننا ما كان لنا أن نقيم هذا الأداء السلبي لحركة النهضة لو لم تكن المؤشرات كلها تبدأ معها وتنتهي إليها.

دخلت حركة النهضة عام 2017 وهي تحمل أغلبية برلمانية تبلغ 69 مقعدا، وهو عدد تراجع بنحو 20 مقعدا عما نالته في انتخابات 2011(3 ) ، والتي كان من بينها أسباب هذا التراجع تصدع حائط التوافق الذي شاركت الحركة نفسها لبنائه. جدير أن نذكر أن “حركة النهضة” لم تحصل على الأغلبية النيابية في 2016 إلا بعد تفكك الكتلة البرلمانية لنداء تونس (86 نائبا قبل التفكك)، والتي تساقط منها 22 نائبا، لتذهب في عكس اتجاه التوافق الذي بدأت تونس تجربتها الديمقراطية به عبر الترويكا، والذي تطور مع “وثيقة قرطاج” التي وقعتها في 13 يوليو 2016 تسعة أحزاب وثلاث منظمات كبرى، وتضمنت أهدافا محددة للحكومة وأولويات متفق عليها للعمل الوطني(4 ) ، ونتج عنها حكومة “يوسف الشاهد”، والتي دخلت مربع العمل في 20 أغسطس 2016، وتعد أكثر الحكومات تنوعا على الصعيد الأيديولوجي(5 ) .

ودعت حركة النهضة عام 2017، وقد بدأ المجتمع السياسي في تونس يتململ، ويتقدم صوب وجهة مجهولة(6 ) ، لابد من الوعي بخطورتها، وبخاصة مع وجود معترك إقليمي تقوده قوى تشيع روح المغامرة السياسية؛ بحسب تعبير وزير الخارجية الألماني واصفا الأداء الإقليمي للمملكة السعودية، وهو وصف ينطبق أكثر ما ينطبق على اللاعب الإماراتي كذلك، وهو لاعب ناشط في إقليم المغرب العربي، ومن ضمنه تونس( 7) .

ففي 2 أبريل 2017، أقدمت عدة قوى سياسية على توقيع بيان تدشين “جبهة الإنقاذ والتقدم”. وتتألف هذه الجبهة من حركة مشروع تونس، والحزب الاشتراكي، وحركة تونس المستقبل، وأعضاء “الهيئة التسييرية” المنشقة عن حزب نداء تونس، والاتحاد الوطني الحر، وحزب العمل الوطني الديمقراطي، وحركة الشباب الوطني التونسي، وحزب الثوابت، وحزب الوحدة الشعبية، إضافة إلى الحركة الوسطية الديمقراطية. وحمل بيان تدشين الجبهة تهديدا لنموذج التوافق التونسي لحد الاستقطاب بحسب دراسة أجرتها “مجموعة الأزمات الدولية”(8 ) ، حيث تضمن البيان النص على عدم التحالف مع “حركة النهضة” وتفرعاتها وشركائها. ورغم أن الأمين العام لحركة “مشروع تونس” أكد أن مبدأ عدم التحالف مع النهضة يأتي على اعتبار أنّ الحركة هي المنافس السياسي للجبهة، إلا أن مراقبين نشروا أن المتحدثين في المؤتمر التأسيسي للجبهة أعلنوا عداءهم لـ”الإسلام السياسي” و”حركة النهضة”، ووصفوا المشهد السياسي بـ”المختل”(9 ) . كما تناول البيان لمزًا بحق حركة النهضة؛ دون تصريح؛ يربطها بالمحسوبية، والمسؤولية عن شيوع التطرف. ولم تلبث هذه الأحزاب أن أعلنت بنهاية ديسمبر 2017 أنها ستدخل انتخابات البلديات بقائمة موحدة على مستوى الجمهورية(10 ) ، فضلا تشكيلها كتلة برلمانية تضم 43 نائبا( 11) .

ومن جهة أخرى، أنهى حزب “نداء تونس” عام 2017، وهو يرتب لاجتماع هياكله للنظر في إمكانية فك ارتباط الحزب سياسيا مع حركة “النهضة”، وهو ما توقع معه المراقبون أن تنتهي المراجعة لاعتبار “النهضة” منافسا سياسيا لا حليفا(12 ) ، وهو قرار كان يحمل ما بدا وكأنه أكثر من “أزمة ثقة” تتعلق بالانتخابات التكميلية، والتي اتهم “النداء” شريكه “النهضة” بتحركه، بخلاف المعلن لدعم مرشح “غير ندائي” وهو ياسين العياري(13 ) . لاحقا، أدى اجتماع هياكل “النداء” لفض التحالف وإعلان التنافس(14 ) ، ونتج ذلك برغم دعوة “النهضة” قيادة “النداء” للتهدئة(15 ) .

وبرغم تسرب وثيقة تفيد بسعي دولة الإمارات لترتيب نمط تحالف جديد ينتهي لإضعاف النهضة، وهو التسريب الذي أخذ منحى خطيرا مع حديث المكلف بالشؤون السياسية بحزب نداء تونس “برهان بسيس” من أن سفير دولة أجنبية – لم يسمها- عرض التوسط بين حزب نداء تونس وحزب تونسي آخر – لم يحدده – لتوحيد “العائلة التقدمية” في تونس(16 ) ، وبرغم تأكيد حركة النهضة أنها لم تشكل موقفا بعد من تسريب الوثيقة الإماراتية حتى الثالث من يناير(17 ) ؛ إلا أن سهيلة الغنوشي، ابنة رئيس “النهضة”، اتهمت سفير الإمارات في حوار لها مع صحيفة الشرق القطرية بالعمل على تشكيل جبهة سياسية في مواجهة “النهضة”( 18) .

ولا يمكن استبعاد أثر الميول الإقليمية في استئصال الإسلاميين عما يحدث في هذا الصدد. فقد عمد السياسي الفلسطيني المقرب من رأس السلطة في الإمارات، محمد دحلان، لنسج علاقات مع قيادات تونسية محسوبة على إدارة زين العابدين بنعلي، فضلا عن قيادات من اليسار “الاستئصالي” المعارض لحركة النهضة الإسلامية، ومن بينهم رفيق الشلي، المسؤول الأمني السابق في إدارة زين العابدين بن علي، وهو أيضا رئيس حزب مشروع تونس، ومحسن مرزوق المستشار السابق للرئيس الباجي قايد السبسي. وتشير صحيفة لوموند إلى أن دحلان يحمل هدفين، أولهما يتعلق بالتضييق على تجربة النهضة في تونس، وثانيهما يتعلق بليبيا(19 ) .

ويتبقى في هذا الإطار أن أخطر الملفات التي فتحت خلال الفترة الماضية، وكان بإمكانها نسف الحالة التوافقية مبكرا، كانت ملف مساواة المرأة بالرجل في الميراث، وزواج المسلمة بغير المسلم، حيث صرح الرجل الثاني في حركة النهضة؛ نائب رئيسها، عبد الفتاح مورو، معتبرا أن هذا المسلك “اختيار شخصي”(20 ) ، وأضاف أن شن هجوما على الأزهر؛ مطالبا إياه بالتركيز على الحرمات في مصر وعدم التعدي على شؤون تونس( 21) ، يأتي هذا بينما توجد اطراف اخرى في النهضة ترفض المساس بالنصوص القطعية وعلى رأسهم القيادي عبد اللطيف المكي(22 ) .

وبرغم هذا المسلك “النهضوي”، والذي يميل الباحث لتفسيره في إطار أشمل من السياسي، أي في إطار النموذج التفسيري “ما بعد الإسلاموي”، الذي صكه الأكاديمي الأمريكي من أصل إيراني؛ آصف بيات(23 ) ، والذي ينحو فيه إسلاميون إلى مقاربة الإسلام باستخدام اقتراب فرداني وطني حقوقي لا قومي تكتلي. ويمكن القول بأن الوثيقة المقدمة للمؤتمر العاشر للحركة تدعم هذا التوجه، إن على مستوى مرجعية الحزب (تقديم الثوابت الوطنية الدستورية على الشريعة الإسلامية) كأحد أهم مدخلات هذا المؤتمر، بالإضافة لتمييز السياسي عن الدعوي(24 ) .

برغم هذا فإن نقدا حادا ما زال يوجه لخطاب النهضة في منابرها الإعلامية، ومنها قناة الزيتونة وصحيفة الفجر، حيث يرى الناقدون أن خطاب النهضة لجماهيرها ما زال كلاسيكيا أصوليا، يتعامل مع قطاع من الشعب التونسي على أنهم ليسوا معارضين لحركة النهضة فحسب بل باعتبارهم مجموعة من الكفار والفاسقين والملحدين، ويرون أن هذه النبرة ترتفع في مناسبات معينة أهمها المواعيد الانتخابية(25 ) . وهي قضية ربما نتعامل معها في ورقة منفصلة تتناول تجاور الأبعاد الكلاسيكية وما بعد الإسلاموية في خطاب الكل الجامع المسمى “حركة النهضة”.

ثانياً: النهضة والمواطن والاحتجاجات

التحدي الذي واجه حركة النهضة على مستوى العلاقة مع المواطن يحمل بعدين، أولهما يتعلق بالاستجابة لتطلعات التونسيين لحياة كريمة تخرج بالمواطن التونسي عن مربع العوز إلى مربع الكفاية الكريمة. أما البعد الثاني فيتعلق بصورة حركة النهضة في عين المواطن التونسي، وهو امر واجه تحديات أيضا، لكنها من نوع مفارق لتحديات الاداء الاقتصادي والاجتماعي. ولنبدأ بالإطلالة على أداء الحكومة التونسية في المربع الاقتصادي – الاجتماعي.

ونجد أن هذا التقرير على موعد مع مستجدات تونس في شهر يناير، وهي علاقة ارتباطية باتت تحمل جذورا تاريخية، حيث اقترن شهر يناير تاريخيا في تونس بالاحتجاجات الاجتماعية.

بدأت هذه العلاقة الارتباطية في عام 1983، حيث شهدت تونس في 3 يناير من هذا العام بدء احتجاجات الجنوب التي تطورت لما بات يعرف بـ”أحداث الخبز”؛ تنديدا بالارتفاع الحاد في أسعار الدقيق. وفي يناير من عام 2008، شهدت تونس مواجهات عنيفة بين إدارة زين العابدين بن علي ومحتجين مطالبين بالتشغيل في مناجم الفسطاط(26 ) . وفي 2011، انطلقت من سيدي بوزيد ما عرفه العالم باسم “ثورة الياسمين”. وشهد الثالث من يناير عام 2018، انطلاق انتفاضة اجتماعية حركتها حملة ”فاش نستناو” احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية وما ارتبط بها من تراجع مستوى المعيشة، وهو التراجع الذي توقع التونسيون تفاقمه في 2018 وما يليها نتيجة موازنة 2018 (قانون المالية).

ولم تكن هذه التظاهرات الأولى التي تشهدها حكومة يوسف الشاهد، حيث شهدت تونس عدة تظاهرات واسعة، أبرزها تظاهرات ذكرى “ثورة الياسمين” التي بدأت من “بوقردان” ونددت بالتراجع الاقتصادي وتزايد البطالة وضعف التنمية( 27) ، واحتجاجات النفط التي بدأت من مدينة “تطاوين”(28 ) ، والاحتجاجات المنددة بـ”قانون المصالحة” الذي يقضي بالعفو عن متورطين في الفساد خلال إدارة زين العابدين بن علي( 29) ، فيما تعلقت احتجاجات 3 يناير 2018 بمشروع الموازنة الجديدة لانعكاساتهما المباشرة على معدل التضخم ومستوى معيشة التونسيين(30 ) .

وتمثلت حركة النهضة في حكومة الشاهد الأولى (20 أغسطس 2016) بوزراء أساسيين هم وزير التشغيل والتكوين المهني عماد الحمامي، ووزير الصناعة والتجارة زياد العذاري، ووزير تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي أنور معروف(31 ) . وفي التعديل الذي أجري في 6 سبتمبر 2017( 32) ، استمر الوزراء الأساسيين للحركة مع تعديلين، حيث انتقل زياد العذاري من وزارة الصناعة والتجارة إلى وزارة الاستثمار والتعاون الدولي، وتولى عماد الحمامي وزارة الصناعة بينما استمر الوزير أنور معروف في منصبه.

هذه المشاركة في التشكيل لها تداعياتها. فخلال حديثنا في المحور السابق عن تراجع الأصوات التي حصلت عليها “حركة النهضة” وقفت وراءها عدة اعتبارات، أبرزها سوء الأداء الاقتصادي الاجتماعي(33 ) ، وهو السوء الذي تفاقم برغم توفر رأس المال المحلي والمستثمرين الأجانب والكفاءات. وبطبيعة الحال، لا يمكن أن نستبعد حزب النهضة من هذا الأداء، فقد كانت العامل المشترك في الحكم منذ فترة ما بعد بن علي عبر الترويكا إلى حكومتي الشاهد، مرورا بوزارة الحبيب الصيد. يضاف إلى هذا أن طبيعة مشاركة النهضة في هذه الوزارات تجعلها مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تراجع الأداء الاقتصادي، فوزارة المالية ليست مسؤولية إنمائيا برغم أن وزير المالية يحمل شهادة في التمويل الإنمائي. ولا يحمل النداء مسؤولية وزارة مدرة للدخل سوى وزارة السياحة. وربما تكون طبيعة التحدي ما أدت بترك عماد الحمامي وزارة الصناعة لينتقل لوزارة الصحة في التعديل الوزاري الذي أجراه “الشاهد” في منتصف نوفمبر 2017، تاركا وزارة الصناعة لـ”النداء”.

وإلى جانب البعد المتعلق بتراجع الأداء الاقتصادي – الاجتماعي في تونس، ينبغي ألا يغيب عن الأذهان أن هناك نمط من تردي صورة النهضة، وهو التردي الذي ارتبط بضعف السيطرة على الاتجاه الهوياتي العنيف الذي قاد لاغتيالات أمنية وفكرية بحسب المفكر رشيد خشانة( 34) ، وأدى إلى تعزيز نسبي للإرهاب بحسب المولدي الأحمر(35 ) . وهو ما يفسر تلميحات “جبهة التقدم والإنقاذ” عن مسؤولية الحكومة التونسية عن تفاقم العنف السياسي، وهي التلميحات التي حضرت في لقاء التدشين بينما غابت عن البيان التأسيسي.

يربط محللون أيضا تهاوي صورة النهضة بما أسموه سوء الإدارة السياسية البادي للعيان، متراوحا بين المحسوبية وأنماط المحاباة الأسرية والجهوية والعشائرية. وبحسب الأكاديمي التونسي فريد العليبي، فإن قطاعا من التونسيين يحملون الحركة ما آلت إليه الأوضاع الإدارية من تدهور لاستعمالها جهاز الدولة لتحقيق مآرب حزبية فئوية، تتمثل في تشغيل أتباعها، وتقديم تعويضات سخية للمعتقلين التونسيين السابقين المحسوبين على صفوفها تحت عنوان جبر ضرر المتمتعين بالعفو التشريعي العام(36 ) . ومن جهة أخرى، كانت الصحف تتداول سياسيا توجه “النهضة” توجّها عائليا وقبليا وجهويا فى عدّة تعيينات، كان أحد أبرزها تعيين صهر الغنوشي رفيق عبد السلام وزيرا للخارجية، ما اقترن في ذاكرة الناس “بالطرابلسيّة” زوجة زين العابدين بن علي. وجدير أن نشر إلى أن العدسات التي رصدت احتجاجات سبتمبر 2017 شهدت لافتة مضمونها “الشعب ضاق ذرعا بالطرابلسية الجدد”(37 ) . هذا النمط من المحسوبية خارج نطاق المواجهة التي شنها المجتمع التونسي على الفساد، لكنه – سياسيا – أمر يضاف إلى عدة أمور أخرى ذكرناها سلفا تشوش صورة الحركة.

ثالثاً: النهضة وأزمة المؤسسية:

ربما يكون أقل التحديات التي واجهت النهضة خلال عام 2017 تحدي المؤسسية، ومع ذلك، فقد شهد هذا العام حدوث خلافات قوية داخل حركة النهضة، أبرزها الخلاف حول التحالف مع حزب نداء تونس، والخلاف الثاني الأكبر حول قانون المصالحة الإدارية(38 ) ، برغم القوة الكبيرة التي تبدى بها الاعتراض على “قانون المصالحة الإدارية”. فالقانون الذي مر بموافقة عدد من أعضاء الحركة؛ شهد تغيب 30 من أعضائها عن جلسة إقراره، وامتناع عضو عن التصويت، ثم تصويت 5 من أعضاء الحركة صراحة ضده، كان بينهم النائب نذير بن عمو، الذي أعلن استقالته من الكتلة إثر مصادقة مجلس نواب الشعب على القانون( 39) .

ويمكن القول بأن الموقف من “قانون المصالحة الإدارية” ربما ساهم في غسل صورة النهضة نسبيا، بعد تدفق إعلامي اتهمها بدفع ثمن الوفاق تغطية على قطاع من وقائع الفساد، حتى كتب القيادي السابق بالحركة الأكاديمي سهيل الغنوشي مشيرا إلى أنه “بعد عام من إنتاج التوافق مع حزب نداء تونس، بات النظر للحركة باعتبارها الركيزة التي حمى بها نظام الحكم الفاسد والفاشل، المترع بالفساد، وتدهور مؤشرات الأداء الاجتماعية المتردية( 40) . غير أن غسل الصورة لم يكن ممكنا تصوره كلعبة تحدٍ سياسية فيها نحو 35 عضوا بالكتلة البرلمانية للحركة، فعمق الخلافات باد للعيان.

النهضة بين أزمة المؤسسية والحالة الديمقراطية داخلها:

يمكن القول أن الموقف داخل النهضة أزمة مؤسسية، لكنها لا تهدد وحدة المؤسسة الحزبية، لأن الخلاف كان غير منفلت بحيث لا تصدق عليه نبوءات قطاع من وسائل الإعلام التي بدا أنها متربصة بالحركة، ومشيعة لأخبار انقسامها، بما يضيف بعدا جديدا لصورتها المشوشة في الشارع. فبرغم المتداول بين الساسة عن سعي “المكي” لتشكيل حزب جديد، إلا أن الأخير ينفي هذا السعي، ويؤكد أن حركة النهضة لا تعاني احتمالات الانشقاقات(41 ) ، ويؤكد على ديمقراطية الحركة، إلا أنه يكرر أنها ديمقراطية غير كافية. ولا يقف المكي وحده في هذا السياق الداعي لتجديد نظام العمل داخل “الحركة” بعد نحو عام ونصف من مؤتمرها العاشر الذي عقد في الثلث الأخير من مايو 2016، حيث يمثل المكي تيارا على رأسه قيادات مثل عبد الحميد الجلاصي ومحمد بن سالم(42 ) .

ويبدو من حوار أجراه عبد اللطيف المكي مع صحيفة المغرب أن الخلاف يبدو أكبر من مجرد غياب اتفاق حول قانون أو حالة وفاقية مع حزب آخر، بل هو خلاف حول مؤسسية الحركة وطريقة عمل آليتها التنفيذية والنظام الرئاسي المستخدم في إدارتها، وذلك برغم تأكيده على عدم وجود خلاف حاد داخل الحركة(43 ) ، ما يعني إمكانية انقسامها. وتكشف كذلك تصريحات المكي والجلاصي عن وجود درجة عالية من الالتزام بخط الحزب الأساسي. بما في ذلك مسائل خلافية من قبيل التحالف مع النداء، حيث يدعو المكي نفسه إلى تفعيل التحالف، وعقد لجنة مشتركة مع “نداء تونس” للدعوة للتركيز على القضايا التنموية والاجتماعية، ومراجعة مشتركة على الصعيد الحزبي للإجراءات المتخذة في هذا الصدد. ومع هذا التوجه، تتبقى قضية “المزيد من الديمقراطية” داخل “حركة النهضة” مطلب قيادات من الصفين الأول والثاني، بما يمكن معه تفادي المركزية الرئاسية الشديدة، والتمركز حول شخصية الزعامة التاريخية: راشد الغنوشي – من وجهة نظرهم.

خاتمة:

برغم مرور 7 أعوام، ما زالت تداعيات الربيع العربي تهدر في عالمنا. كان الربيع زلزالا بنيويا، لم يشكل تحديا فقط للدول العربية، بل مثل تحديا أكبر لمفاهيم وبنى النظام الإقليمي العربي. لم ترسب في هذا التحدي تلكم الدول التي نشب بها الربيع وحسب، بل رسبت فيه دول أخرى، بعضها لم يقرب الربيع قط: السعودية، وبعضها كان قاب قوسين أو أدنى: الإمارات، وتبقت تونس وحدها نموذجا فريدا، بشعبها وثقافته، ومؤسستها العسكرية وحيدتها الرصينة، وحركة النهضة ومرونتها المنهجية.

قدمت “النهضة” استجابات عدة ترقى لمستوى التحدي، سواء الإقليمي أو المحلي. بذلت واضحا للحفاظ على الحكومة واستقرارها عبر توافق نفيس دعمته بما لا يقل نفاسة. وكان مؤتمرها العاشر نموذجا لهذا البذل، بقدر ما كانت مواقف رئيس النهضة ونائبه. ربما كان التحدي أكبر، وهذا مفروغ منه، لكن التقدم الذي أبدته الحركة لم يقل جاذبية عن تماسكها برغم تداعيات الوضع الاقتصادي السلبي الذي خلفته إدارة بن علي لتونس. وبرغم البذل، فإن خريطة التحالفات الداخلية تبدو هشة نوعا ما، على نحو ما بدا بحلول نهاية العام. وما زال شركاء تونس الوطن يبذلون جهدا في التجديد والاجتهاد السياسي، ويستمر الحراك لحين إرساء ثقافة تونسية سياسية جديدة على مستوى التحديات الإقليمية والعالمية؛ والمحلية كذلك.

ومن جهة أخرى، فإن حركة النهضة كجزء من الشعب التونسي تشتمل على تيار يرى الكيان النهضوي ديمقراطيا، لكنه يرنو لجرعة أكبر من الديمقراطية. وبقدر ما تبدو التحديات جسيمة، بقدر ما تزداد قناعة هذا التيار بأهمية تجذير الممارسة الجماعية للمسؤولية الحزبية، ولكن في الوقت نفسه هناك تيار تقليدي داخل النهضة يعتبر أن ما تفعله النهضة لا يعد اجتهاداً أو تجديداً ولكنه تنازلاً بعد تنازل يمس الشريعة والشرعية.

وتبقى الانتخابات البلدية في مايو 2018، ومن بعدها رئاسية تونس في 2019 مدخلا لقياس الأداء ميدانيا، وتجديد الاجتهاد حزبياً، واختبار المكانة الحقيقية للحركة لدى المواطن التونسي، عامة، وأتباع الحركة خاصة ( 44) .

——————–

الهامش

(1 ) مؤتمر النهضة العاشر: الفصل بين الدعوة والسياسة، نون بوست، 21 مايو 2016، الرابط(2 ) آمال الهلالي، “نداء تونس” يعلن نهاية التوافق مع “النهضة”.. والأخيرة ترد، موقع عربي 21، 10 يناير 2018. الرابط

( 3) راجع: الموقع الرسمي لهيئة الانتخابات:الرابط. ويتضمن “مجلس نواب الشعب” التونسي 217 مقعدا. وتوزع المقاعد على 33 دائرة انتخابية (27 داخل تونس و6 خارجها). وينتخب أعضاء المجلس بالاقتراع العام المباشر. وفي الانتخابات التي عقدت في 26 أكتوبر 2014، ترشحت 1327 قائمة تمثل 120 حزبا سياسيا. وشارك بالانتخابات 3.3 مليون ناخب، منهم ما يربو على 350 ألف تونسي بالخارجي، ويمثل الناخبون المصوتون نحو 61.8% من إجمالي من لهم حق الانتخاب، البالغ عدد هم 5.3 مليون ناخب. وحصد حزب “نداء تونس” المرتبة الأولى بعدد مقاعد بلغ 86 مقعدا، تلته “حركة النهضة الإسلامية بمقاعد بلغ عددها 69 مقعدا؛ متراجعة بمقدار 20 مقعدا مقارنة بانتخابات 2011؛ حيث حصدت آنذاك 89 مقعدا. ونال “الاتحاد الوطني الحر” 16 مقعدا، فيما كان نصيب حزب “الجبهة الشعبية” 15 مقعدا، وشارك حزب “آفاق تونس” بعدد 8 مقاعد، وحظي “المؤتمر من أجل الديمقراطية” بعدد بلغ 4 مقاعد، ونال كل من أحزاب “المبادرة” و”التيار الديمقراطي” و”حركة الشعب” 3 مقاعد لكل منها. فيما نال “تيار المحبة مقعدين، وحصلت 8 أحزاب أخرى على 8 مقاعد.

( 4) محرر وثائق وأحداث، وثيقة قرطاج.. اتفاق سياسي حدد أولويات الحكومة التونسية، موقع الجزيرة العربي، 12 مارس 2017. الرابط

( 5) فريق التحرير، قراءة في الحكومة التونسية الجديدة، موقع نون بوست، 21 أغسطس 2016. الرابط

( 6) يمكن القول إن أحداث 9 يناير في تونس ترتبط بذلك التململ.

( 7) خميس بن بريك، التدخل الإماراتي بتونس.. إستراتيجية لخلط الأوراق، موقع الجزيرة العربي، 13 يونيو 2017. الرابط

(8 )  The Researcher, Stemming Tunisia’s Authoritarian Drift, International Crisis Group, 11 January 2018. الرابط

( 9) موسوعة الجزيرة، “الإنقاذ والتقدم”.. جبهة تونسية معارضة، موقع الجزيرة العربي، 1 يوليو 2017.  الرابط

(10 ) مروى الدريدي، نداء تونس يدعو إلى تحوير وزاري بعد الاعلان عن التكتّل السياسي الجديد، حقائق أونلاين، 27 ديسمبر 2017.

( 11) دنيا نوار، الجبهة البرلمانية الجديدة في تونس.. حراك التحالفات لإعادة التوازنات؟، فرانس 24 العربي، 15 نوفمبر 2017.

(12 ) خميس بن بريك، تحالف “نداء تونس” و”النهضة”.. بداية النهاية؟، موقع الجزيرة العربي، 21 ديسمبر 2017.

(13 ) المصدر السابق

( 14) سعيد بنعامر، نداء تونس يعلن رسميا الطلاق مع حركة النهضة، موقع إذاعة الجوهرة، 6 يناير 2017. الرابط

(15 ) خليل الحناشي، النهضة تدعو نداء تونس إلى التهدئة، جريدة الصباح التونسية، 23 ديسمبر 2017. الرابط

(16 ) المحرر، برهان بسيس: سفير دولة أجنبية عرض التوسط بين حزب نداء تونس وحزب تونسي آخر، صحيفة الجريدة التونسية، 24 ديسمبر 2017. الرابط

( 17) أمينة قويدر، قرار حركة النهضة بخصوص “الوثيقة المسربة” التي كشفت مخطط أبو ظبي للتعامل مع أزمة تونس، صحيفة السفير التونسية، 3 يناير 2018. الرابط

(18 ) المحرر، سمية الغنوشي: “الإمارات ..إسرائيل جديدة في المنطقة”، صحيفة الجريدة التونسية، 2 يناير 2018. الرابط

(19 ) جولة الصحافة، لوموند: دحلان أخطبوط مؤامرات في الشرق الأوسط، موقع الجزيرة نت، 10 أكتوبر 2017. الرابط

(20 ) حسن سلمان، نائب رئيس حركة النهضة: زواج التونسية من غير المسلم «اختيار شخصي»، صحيفة القدس العربي.

(21 ) حكيم بالطيفة، عبد الفتاح مورو: على الأزهر أن ينتقد انتهاك الحرمات في مصر قبل انتقاده تونس!، موقع فرانس 24 العربي، 25 أكتوبر 2017. الرابط

( 22) المحرر، عبد اللطيف المكي: إثارة موضوع الإرث يأتي ضمن أجندة داخلية وخارجية يؤسفنا أن الرئيس لم ينتبه لها، موقع الصباح نيوز، 15 أغسطس 2017. الرابط

(23 ) صك آصف بيات المفهوم كمقدمة لمشروع بحثي نتج في كتابه: ما بعد الإسلاموية: الأوجه المتغيرة للإسلام السياسي، تحرير: آصف بيّات، ترجمة: محمد العربي، دار جداول، ط1، 2016.

(24 ) عبد الحق الزموري، المؤتمر العاشر لحركة النهضة والخيارات المربكة؛ سلسلة تقييم الحالة، المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، مايو 2016، ص ص: 9 – 11.

(25 ) أحمد الحباسي، إعلام حركة النهضة.. خطاب الكراهية، موقع دنيا الوطن، 17 ديسمبر 2017. الرابط

( 26) المحرر، ما سر اندلاع الاحتجاجات في شهر يناير بتونس؟، موقع بي بي سي العربي، 13 يناير 2018.

(27 ) وكالات، تونس: اتساع نطاق الاحتجاجات في الذكرى السادسة للثورة، موقع فرانس 24 العربي، 14 يناير 2017.

(28 ) المركز العربي للأبحاث، تونس: احتجاجات تطاوين..شرعية المطالب وعجز الحكومة، 4 مايو 2017.

( 29) وكالات، مظاهرات في تونس ضد قانون “المصالحة” الذي يعفو عن متورطين في الفساد خلال عهد بن علي، موقع فرانس 24 العربي، 17 سبتمبر 2017. الرابط

(30) وكالات، تونس: لماذا يثير قانون المالية الجديد غضب الشارع؟، موقع فرانس 24 العربي، 11 يناير 2018.

(31 ) المحرر ووكالات، البرلمان التونسي يمنح الثقة لحكومة الشاهد، شبكة الجزيرة، 27 أغسطس 2016. الرابط

(32 ) المحرر ووكالات، الحكومة التونسية الجديدة تؤدي اليمين القانونية، شبكة الجزيرة، 27 أغسطس 2016. الرابط

(33 ) خميس بن بريك، لماذا صعدت نداء تونس وتراجعت النهضة؟، موقع الجزيرة نت، 26 ديسمبر 2014. الرابط

(34 ) طارق القيزاني، التونسيون يعاقبون حكومة “النهضة” عبر صناديق الاقتراع، موقع دويتشه فيله، 28 اكتوبر 2014. الرابط

( 35) خميس بن بريك، لماذا صعدت نداء تونس وتراجعت النهضة؟، موقع الجزيرة نت، 26 ديسمبر 2014. الرابط

(36 ) صابرين بوجمعة، بعد تراجعها.. هل بقي لحركة النهضة دور في تونس؟، أصوات مغاربية، 2 أغسطس 2017.

(37 ) المحرر، تفاصيل التصويت على قانون المصالحة الإدارية، موقع “باب نت”، 14 سبتمبر 2017. الرابط

(38 ) عبد النبي مصدق، خلافات داخل النهضة.. هل يتفرق إسلاميو تونس؟، موقع أصوات مغاربية، 9 أكتوبر 2017.

(39 ) وليد التليلي، تونس: هل تنجح “النهضة” في السيطرة على خلافاتها؟، موقع صحيفة العربي الجديد، 3 أكتوبر 2017.

(40 ) سهيل الغنوشي، تونس والنهضة.. لم يكن بالإمكان أسوأ مما كان، موقع الجزيرة نت، 20 اكتوبر 2017.

( 41) المحرر، عبد اللطيف المكي يتّجه نحو تأسيس حزب سياسي، موقع صحيفة “الجريدة” التونسية، 6 مارس 2017. الرابط

(42 ) وليد التليلي، تونس: هل تنجح “النهضة” في السيطرة على خلافاتها؟، موقع صحيفة العربي الجديد، 3 أكتوبر 2017. الرابط

(43 ) حوار حسان العيادي، عبد اللطيف المكي: تغيير النظام الرئاسي في الحركة مسألة وقت، موقع صحيفة المغرب، 27 سبتمبر 2017. الرابط

( 44) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close