fbpx
الشرق الأوسطتحليلات

جولة بايدن الشرق أوسطية: خرائط الرابحين والخاسرين (1)

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

جولة بايدن الشرق أوسطية: خرائط الرابحين والخاسرين (1)

من بين المعايير الأساسية لتقييم العمليات والتفاعلات التي تشهدها العلاقات الدولية، مثل الزيارات والمبادرات واللقاءات معيار “الأهداف التي تحققت”، من تلك الزيارات أو المبادرات أو اللقاءات، وهنا يجب ابتداء تحديد الأطراف ذات الصلة بالعملية، ثم بيان خرائط الأهداف التي سعى إليها كل طرف من هذه الأطراف إلى تحقيقها من هذه العملية، ثم بيان الذي تحقق من هذه الأهداف، وبناء على ذلك يتم رسم خرائط الخاسرون والرابحون من تلك العملية بناء على الأوزان النسبية للأهداف التي تحققت.

في إطار هذه المتوالية، تأتي أهمية تقييم الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط، والتي شملت الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمملكة العربية السعودية، من زاوية النظر إليه كعملية شارك فيها عدد من الأطراف، كان لكل منهم أهدافه التي سعى إلى تحقيقها.

أولا: الولايات المتحدة

سعت الإدارة الأميركية لتحقيق عدد من الأهداف الأساسية، التي ترتبط بمصالحها الاستراتيجية في العالم والإقليم على خلفية التهديدات التي أفرزتها الحرب الروسية على أوكرانيا والتمدد الروسي والصيني في الشرق الأوسط، ومن أهم هذه المصالح:

1ـ أمن إسرائيل: يعتبر أمن إسرائيل أحد أهم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، لأن إسرائيل ليست فقط دولة وظيفية في الاستراتيجية الأميركية، لكنها أقرب ما تكون إلى ولاية أميركية خارج حدود القارة الأميركية، ورأس حربة متقدم في هذه الاستراتيجية. كما يمثل أمن إسرائيل أحد أهداف جولة بايدن الشرق أوسطية، ولذلك تعددت التقارير الاستباقية التي تتحدث عن إدماج إسرائيل في المنظومات الأمنية والاقتصادية في المنطقة، وتسريع معدلات التطبيع بينها وبين دول المنطقة.

وإن كانت جولة بايدن لم تحقق حتى الآن هدف الناتو الشرق أوسطي، كما تم الترويج له قبل الزيارة، فقد نجحت في فتح المجال الجوي السعودي أمام الطيران الإسرائيلي، كما أقرت بانتقال تيران وصنافير المصريتين إلى السعودية بعد تنسيق أمني إسرائيلي ـ سعودي ـ أميركي.

2ـ امدادات الطاقة: أحد أهم الأهداف التي سعت إليها جولة بايدن هي زيادة الدول الخليجية والعراق لإنتاجها من النفط لمواجهة ارتفاع الأسعار عالمياً، وارتدادات ذلك على أسعار الطاقة في الدول الأوربية وفي الداخل الأميركي، على خلفية العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة الروسي بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

وقد نجحت جولة بايدن جزئياً في تحقيق هذا الهدف، بعد إعلان السعودية عن رفع الإنتاج إلى 13 مليون برميل يومياً، لكن إعلان السعودية أنها لن تستطيع الزيادة أعلى من ذلك، قد حد من النتيجة التي كانت تسعى إليها إدارة بايدن، لكن في الخلفيات قد تكون هناك بنود لم يتم الإعلان المباشر عنها، ويتم الترتيب لها مرحلياً بين الأطراف ذات الصلة.

3ـ تعزيز الوجود الأميركي في المنطقة: وهو ما تحقق فعلياً في مجرد عقد قمة جدة للأمن والتنمية وحشد هذا العدد من الدول المشاركة في القمة، وخاصة مع ظهور بعض النزعات بالتوجه شرقاً نحو روسيا والصين، وهو ما أكدت الإدارة الأميركية على رفضه بحسم ووضوح، وأنها لن تترك المنطقة لتمدد روسيا أو الصين أو إيران.

وجاءت البيانات الرسمية الثنائية والجماعية الصادرة بعد لقاءات بايدن برؤساء الدول المشاركة، لتأكيد الدور الأميركي، والشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.

ثانياً: إسرائيل

كانت إسرائيل قبلة بايدن الأولى، ومنها خرج إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث تمثلت أهداف إسرائيل في ترسيخ التطبيع مع الدول الخليجية، وتعزيز الاندماج الأمني والعسكري في المنطقة، وحشد الجهود والطاقات في مواجهة إيران، وتعزيز تفوقها الاستراتيجي، وهذه الأهداف وغيرها نجحت فعلياً في تحقيق الكثير منها.

فقد أكد الرئيس بايدن، على أنه سيكون هناك أعضاء جدد في التعاون بين دول المنطقة بما فيها إسرائيل، ورحب بفتح المجال الجوي السعودي أمام الطيران الإسرائيلي، ونص إعلان القدس على “تأكيد الولايات المتحدة على التزامها الثابت بالحفاظ على قدرة إسرائيل على ردع أعدائها وتعزيزها، وذلك تماشيا مع العلاقة الأمنية طويلة الأمد بين البلدين والالتزام الأمريكي الراسخ بأمن إسرائيل، والحفاظ على تفوقها العسكري النوعي وقدرتها على الدفاع عن نفسها ضد أي تهديد أو مجموعة من التهديدات. وتعيد الولايات المتحدة التأكيد على أن هذه الالتزامات مدعومة من الحزبين وليست مجرد التزامات أخلاقية، بل أيضا التزامات استراتيجية ذات أهمية حيوية للأمن القومي الأمريكي”.

كما نص الإعلان على “تؤكد الولايات المتحدة على أن الالتزام بعدم السماح لإيران يوما بامتلاك سلاح نووي هو جزء لا يتجزأ من هذا التعهد، كما تعرب عن استعدادها لاستخدام كافة عناصر قوتها الوطنية لضمان هذه النتيجة. وتؤكد الولايات المتحدة أيضا على التزامها بالعمل مع الشركاء الآخرين لمواجهة عدوان إيران وأنشطتها المزعزعة للاستقرار، سواء كانت مدفوعة بشكل مباشر أو من خلال وكلاء ومنظمات إرهابية مثل حزب الله وحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين”.

وكذلك أكد البيان على أن: “الولايات المتحدة تدعم بقوة تنفيذ بنود مذكرة التفاهم التاريخية بين الدولتين بقيمة 38 مليار دولار بشكل كامل، وهي مذكرة تحترم التزام الولايات المتحدة الدائم بأمن إسرائيل، كما أنها مقتنعة بضرورة أن تعالج مذكرة التفاهم المقبلة التهديدات الناشئة والحقائق الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، تلتزم الولايات المتحدة بالسعي لتأمين مساعدة دفاعية صاروخية إضافية تتجاوز مستويات مذكرة التفاهم في ظروف استثنائية”.

ثالثاً: المملكة الأردنية:

تتمتع المملكة الأردنية بمكانة خاصة في توجهات إدارة بايدن، حيث كان الملك عبد الله أول رئيس عربي يزور البيت الأبيض بعد تولي بايدن، وصرَّح الملك عبد الله قبل جولة بايدن بترحيبه ودعمه لفكرة إنشاء ناتو الشرق الأوسط، وتمثلت الأهداف الأردنية بوضوح جولة بايدن في تعزيز مكانة الأردن في استراتيجية إدارة بايدن من ناحية، والحصول على مساعدات عاجلة لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها.

وقد حققت المملكة الأهداف التي سعت إليها وتمثل ذلك في توجيه بايدن المباشر في كلمته أمام القمة بدعوة الدول الخليجية وتحديداً السعودية بتقديم الدعم المالي للأردن، كما أعلن بايدن، عزم الولايات المتحدة توقيع مذكرة تفاهم جديدة مع الأردن توفر له مساعدات سنوية لا تقل عن 1.45 مليار دولار خلال الفترة الممتدة بين الأعوام 2023 و2029، وأكد البيان المشترك بين الطرفين على أن “تعد مذكرة التفاهم هذه أحد أهم الصكوك الثنائية وتمثل التزاماً سياسياً أمريكياً رئيسياً باستقرار الأردن واستمرارية الشراكة بين البلدين، وقد تم تصميمها لتلبية احتياجات الأردن الاستثنائية ودعم برنامج الإصلاح الاقتصادي للملك وضمان قوة الشراكة الوثيقة طويلة الأجل بين الولايات المتحدة والأردن”.

وجدد بايدن التأكيد على دعم الولايات المتحدة الثابت للأردن كحليف رئيسي وقوة للسلام في المنطقة ولقيادة الملك عبد الله الثاني.

وإذا كان عن المكاسب التي تحققت بشكل مباشر لهذه الأطراف الثلاثة (الولايات المتحدة، إسرائيل، المملكة الأردنية) من جولة بايدن الشرق أوسطية الأولى، في ظل ما تم الإعلان عنه مرحلياً حتى كتابة هذا التحليل، فإنه يمكن القول إن الأشهر المتبقية من العام 2022، ستعزز من مكاسب هذه الأطراف الثلاثة، إلا أن المستفيد الأكبر هو إسرائيل، وبطبيعة الحال أي مكاسب إسرائيلية متحققة تصب على المدى البعيد في المصالح الأميركية في المنطقة في ظل العلاقات ليس فقط الاستراتيجية ولكن المصيرية بين الطرفين. وهنا يكون السؤال عن أهداف باقي المشاركين في قمة جدة للأمن والتنمية (16 يوليو/ تموز 2022) ما الذي تحقق منها؟ وما موقعها وفق معيار المكاسب والخسائر؟

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close