الحركات الإسلاميةتقارير

حركة طالبان.. تكتيكات القتال والتفاوض

وقعت الولايات المتحدة و حركة طالبان اتفاقاً لإحلال السلام في أفغانستان يقضي بانسحاب القواتِ الأجنبية من كامل البلاد، وتبادلِ الأسرى، وستمتنع الولايات المتحدة مستقبلاً كذلك عن استخدام القوة ضد أفغانستان أو التهديد بذلك أو التدخل في “شؤونها الداخلية”.

في هذا المقال التحليلي نرصد تجربة حركة طالبان، كيف مرّغت أنف الولايات المتحدة الأمريكية بتكتيكات القتال وأرغمتها أن تفاوضها من أجل الانسحاب باتفاق سلام جرى توقيعه في قطر.

بدأت القصة في عام 1994م، حين ظهرت قوة طالبان على الأرض الأفغانية، بعد تفاقم تناحر قادة المجموعات الإسلامية على الحكم، تشكل أغلب رواد هذه الحركة الجديدة ممن ينتمون إلى طلاب العلوم الدينية، وبعد مرور عامين تمكنت طالبان من الاستيلاء على “كابل” العاصمة.

حكمت طالبان أجزاء كبيرة من أفغانستان من (1996-2001)، وبعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول في الولايات المتحدة أصبح “أسامة بن لادن” وتنظيم القاعدة على رأس الأهداف المرسومة في استراتيجية الولايات المتحدة. وأعلنت الإدارة الأميركية أن “بن لادن” سعودي الجنسية، والذي كانت حركة طالبان تؤويه في أفغانستان، يمثل العدو الأول للولايات المتحدة واتهمته بأنه وراء التخطيط لعمليات تدمير مبنى مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطن، وبدأت بتحرك نشط تحت شعار بناء تجمع دولي لمكافحة الإرهاب، وشمل هذا النشاط الكثير من دول العالم.

قدرات الطرفين العسكرية:

على إثر تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، أظهر الرئيس بوش وهيئة أركانه ميلاً جارفاً للانتقام من تنظيم القاعدة الذي يتزعمه “أسامة بن لادن” باعتباره المسؤول عنها، فكان الهدف دولة أفغانستان وحركة طالبان باعتبارها تؤوي التنظيم وزعيمه. ووقتها، بدت القدرات العسكرية بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من ناحية، وحركة طالبان في أفغانستان من ناحية أخرى غير متوازنة. وعلى صعيد التحالف الدولي فقد اتخذت تدابير استراتيجية تمهيداً لتدمير معقل بن لادن وتنظيم القاعدة فكانت مكونات القوة الأمريكية والحليفة لها مبنية على:

  •  القوات الجوية والصاروخية، وتكونت من حاملة طائرات “كارل فنسن” و”انتر برايز” في المحيط الهندي وكل واحدة تحمل خمس وسبعين طائرة من طراز (F-14) (F-18) وطائرات تشويش إليكتروني (AE/68)، بالإضافة لحاملة الطائرات “روزفلت” وتحمل ثمانين طائرة مقاتلة، وثلاثمائة وخمسون طائرة مقاتلة في قواعد جوية باكستانية وأوزباكستانية وقرغسيانية، مع طائرات (B-52) و (B-1) في جزيرة (ديغوغارسيا) في المحيط الهندي وحاملة الطائرات “كيتي هوك” وعلى ظهرها خمس وثمانين طائرة أبحرت من اليابان إلى المحيط الهندي، وشاركت بريطانيا بحاملة طائرات “ريلاستريوس” تحمل خمسة عشر قاذفة من طراز “هارير” و”سي هارير”، بالإضافة لطائرات (U2) و (غلوبال هوك) لأغراض التجسس، ومجموعة من طائرات الهليكوبتر.
  • القوات البرية، بعد دراسة مستفيضة لتقارير الاستخبارات التي حصلت عليها الولايات المتحدة خلال فترة قصيرة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، وخاصة الاستخبارات الباكستانية والهندية وقوات التحالف الشمالي الأفغانية وهي متمركزة على أرض شمال أفغانستان، كان التخطيط يضع في الاعتبار طبيعة الأرض الأفغانية، ووجود قوة معارضة وقلة الأهداف الاستراتيجية المطلوب تدميرها، إضافة إلى طبيعة تنظيم حركة طالبان وتسليحها، فكان الأمر بتهيئة مجموعات خاصة تتحمل ظروف وقساوة شتاء أرض تلك الدولة الفقيرة بمواردها، فتكونت القوات البرية من الكتيبة (26) مشاه البحرية “مارينز” نقلتها مجموعة بحرية مؤلفة من ثلاثة سفن وقوتها (2200) مقاتل، والكتيبة (75) “Ranger” صاعقة وقوتها (1500) مقاتل، قوة الدلتا الخاصة التي تكلف بواجبات ذات أهمية كبيرة لم يعلن عن عدد مقاتليها، وقوة برية بريطانية قوامها ثلاثة وعشرون ألف عنصر بري وجوي بضمنهم ثلاثة آلاف عنصر للعمليات الخاصة، تمركزت بوقت مبكر في شمال أفغانستان للتكيف على طبيعة الأرض والواجبات وتهيئة الأدلاء من قوة التحالف الشمالي، وقوة خاصة “أسترالية” قوامها ألف وخمسمائة مقاتل شاركت في واجبات خاصة على الأرض الأفغانية، كما أبدت دول من حلف شمال الأطلسي مثل ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، تركيا إرسال قوة إلى شمال أفغانستان تحت غطاء المعاونة الإنسانية للشعب الأفغاني.
  • القوات البحرية، وشملت غواصات أميركية مخصصة لإطلاق صواريخ عابرة من طراز “توماهوك”، ومجموعة من أربعة عشر سفينة أميركية في المحيط الهندي لنقل المؤن إلى القوات الخاصة الموجودة على الأرض الأفغانية، وأربع مدمرات، وخمس كاسحات الغام وثلاث غواصات نووية بريطانية لمؤازرة البحرية الأميركية، كما تم تهيئة مركز التنصت البريطاني الموجود في جزيرة قبرص لاستلام المكالمات عبر أفغانستان.

أما مكونات القوة والتسليح لدى حركة طالبان فتكونت من الأسلحة “سوفيتية” الصنع حصلت عليها حركة طالبان جراء هروب أعداد غفيرة من الجيش الأفغاني والتحاقهم بالجماعات المسلحة بعد الغزو السوفييتي، وكذلك من بقايا الأسلحة المصرية “صنع سوفيتي” التي جرى تسويقها إلى أفغانستان عبر باكستان باتفاق أمريكي لمقاومة الشيوعية، وبقياس تسليح جيوش دول الجوار فإن الحركة تبقى متأخرة بفارق كبير، فالمتيسر لديهم بنادق آلية، وهاونات من عيار (60) و (82) ملم و (120) ملم ومدفعية من عيار (122) ملم و (130) ملم ودبابات بأعداد قليلة لا تشكل أكثر من لواء مدرع من طراز (T-55) (T-54) أما طائراتهم المقاتلة فإن أحدث ما لديهم من طراز (MIG-21)  القديمة، وأن ما يرسل من أسلحة وتجهيزات كان في البداية يتم عبر صندوق مالي تكفلته السعودية والولايات المتحدة، تلقى أفراد الحركة المعرفة وتراكمت لديهم الخبرة بقليل من القتال مما مكنها من السيطرة على “كابل” العاصمة والاستيلاء على %85 من أرض أفغانستان بضمنها المدن الرئيسية مزار شريف، جلال آباد، قندهار، هيرات في عام 1996م.

في يوم 7 تشرين أول 2001 بدأت القوات الجوية الأمريكية والحليفة والأسلحة الصاروخية من طراز (كروز وتوماهوك) وسواها بضرب المدن والأهداف المختلفة في أفغانستان، وخلال أسبوع واحد تم إطلاق أكثر من ألفي صاروخ، وتبعها نهاراً قيام المقاتلات الأمريكية بقصف القواعد الجوية ومقرات الحركة، ومعسكراتهم وأسلحة الدفاع الجوي مع تركيز مكثف على دفاعات الحركة في المناطق الأمامية المواجهة لقوات التحالف الشمالي في منطقة مزار الشريف، ويبدو انه على اثر الضربات القوية، قررت الحركة الانسحاب والاختفاء من المدن والتمركز في الجبال والقرى البعيدة، والانتقال لمرحلة جديدة من حرب العصابات الحقيقية التي تجيدها الحركة بدلاً من الدفاع عن المدن بما يتطلبه ذلك من حشد قوات ستصبح تحت رحمة القصف الأمريكي.

تكتيكات حركة طالبان القتالية:

لقد نشأ وترعرع رجال قبائل “البشتون” الذين يملؤون صفوف طالبان داخل ثقافة حرب العصابات، وتعلم معظمهم القتال في سن مبكرة، وكان جنودها ذوي لياقة عالية بالفطرة، آلفين للبندقية، ومعتادين على المشقة والمخاطر الشديدة، وقد كانوا فاهمين لقواعد النيران والمناورة، والتحرك بسرعة عبر التضاريس الصعبة بالفطرة، كما أنهم ضليعون في التملص والهروب، ويعرفون تماما كيف يتم تجنب الضربات المدفعية والجوية.

ولأن أفغانستان أرضٌ متنوعة التضاريس، وهو ما يجعل طبيعة القتال فيها تختلف بشكل كبير من مكان لمكان آخر، ففي هلمند وحدها، توجد في نفس الولاية أنهار وأودية خصبة مكتظة بالسكان، وجبالٌ قاسية، وصحراء قاحلة أيضا، كل منها له ديناميكيته الخاصة (أي طبيعة التحرك في كل واحدة منها مختلفة عن الأخرى). كما يختلف القتال تماما في القرى عنه في البلدات، ومع كل هذه الظروف، كانت تتغير تكتيكات قتال طالبان.

ساعدت الطبيعة الريفية للحرب في أفغانستان طالبان على الانتشار في نطاق واسع بين العديد من القرى والمدن، وهو ما فرض على قوات التحالف الانتشار أيضاً في العديد من القواعد الصغيرة “المتباعدة”، مما يطيل عادةً الطريق على حركة الإمداد والمؤازرة، ويجعل مراكز القواعد عرضة للهجمات المركزة، وهنا بات تأمين الطرق بالكامل أمراً مستحيلاً عبر هذه المسافات الطويلة، كما أصبحت قوات التحالف عاجزة عن العيش وسط الناس أو حماية السكان في المناطق الريفية ذات الكثافة السكانية المنخفضة بنفس الطريقة التي تفعلها في المدن والبلدات.

وفي معاركها مع قوة التحالف، فقد مكنتهم قوتهم القتالية من المناورة بمجموعات قتالية صغيرة متباعدة وزجها في الوقت المناسب للدفاع أو الهجوم، كما امتازت قدرة مقاتلي طالبان بالإبداع وقابلية الحركة وزرع الألغام في بسط نفوذهم وتعبئة أفرادهم في دفاعات مدبرة وقتالات خاصة وإحراز انتصارات قتالية على خصمهم، عندما تمكنوا من معرفة نقاط الضعف في دفاعات قوات التحالف واستغلالها واستخدامها لتحقيق التفوق والاستمرار في الهجوم.

وقد تابعت بحثاً حول تكتيكات حركة طالبان للباحثين، “كارتر مالكاسيان” و “جيري مييرلي” صنف فيه تكتيكات القتال لدى الحركة الى ثلاثة أنواع من الهجمات هي: الكمائن على القوات المتحركة، والهجمات على المواقع الثابتة، والاشتباكات الدفاعية ضد هجومات التحالف. ومع انتشار قوات التحالف على مساحات شاسعة، أصبحت خطوط اتصالها طويلة وضعيفة، وهو ما جعل القواعد المنعزلة تعمل بعيداً عن التعزيزات، وأدى استهدف الطرق بلا هوادة إلى قطع خطوط الاتصال على قواعد التحالف.

وتعتبر كمائن الكر والفر التكتيك المفضل لطالبان دوماً، حيث إن خطورتها بالنسبة لهم قليلة مقارنة بالتكتيكات التقليدية، كما أنها لا تتطلب خبرةً واسعة وأعداداً كبيرة من المقاتلين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المسافات الكبيرة جداً والتضاريس فائقة التعقيد تجعل منع هذا النوع من الهجمات بشكل نهائي أمراً مستحيلاً، بالإضافة لتأثيراته المدمرة على القدرات اللوجستية لأي جيش نظامي.

أيضاً الجانب الاستخباري كان له دور واضح في نجاح تكتيكات القتال لطالبان، من خلال تجنيد شبكة واسعة من المخبرين والمراقبين الأماميين الذين يراقبون عن كثب تحركات قوات التحالف، سواء الراجلة أو الراكبة أو المروحية؛ لذا، فقد منحهم هذا الجانب دراية مسبقة بمعظم الدوريات والقوافل وحركتها.

معظم الكمائن التي نفذتها الحركة هي كمائن كر وفر من خلال تثبيت الهدف باستخدام العبوات الناسفة وقذائف الـ آر بي جي ونيران الأسلحة الصغيرة، ثم الالتفاف عليه وتطويقه والاقتراب منه. وإذا ما قاموا بهجوم كر وفر، فإنهم يفضلون إيقاع الخسائر أثناء الدقائق القليلة الأولى، ثم الفرار مستغلين التغطية النارية، هذا التكتيك اعطي الثوار امتياز الاحتفاظ بالمبادرة ومكنهم من الإفلات دون أن يصابوا.

ومن ضمن التكتيكات المتبعة، الهجوم المتكرر على المواقع الثابتة المعزولة، التي تحدث بالغالب في الليل، أي في الوقت الذي يتمتع فيه المقاتلون بحرية أكبر للحركة، حاولت حركة طالبان تثبيت قوات التحالف داخل قواعدها، وسيطروا على العديد من نقاط التفتيش وحاميات الشرطة، هذا التكتيك جعل قواعد قوات التحالف في موقف دفاعي وأصبحت المبادرة بالهجوم في يد طالبان.

وبالرغم من أن طالبان أكثر ضعفاً في قواعدها ومراكزها، إلا أن هذه المواقع لطالما خضعت لحراسة جيدة، وكان قادتها على علم جيد بالعمليات الوشيكة وطرق التقدم المحتملة لقوات التحالف، كما أن مقاتلي طالبان كانوا على دراية جيدة بطرق التملص من التطويق والتهرب من الهجمات الكبيرة، ومن الملاحظ أن طالبان غالباً ما تبحث عن القرى والمناطق التي يمكن أن تعمل فيها وتستخدمها كقاعدة ضد القوات الأمريكية والأفغانية، وهي المناطق التي لا يوجد فيها سوى القليل من الشرطة أو الجيش الأمريكي أو الأفغاني، وتسعى طالبان إلى السيطرة عليها وإخضاعها، من خلال تجنيد العديد من المقاتلين والزعماء الدينيين وشيوخ القرى للحصول على المعلومات والمساعدة وإقامة علاقات قبلية وعائلية مع الحركة، فالسياسات التي يديرها الشيوخ؛ هي أكثر الجوانب التي يمكن أن تؤثر في أي قرية.

مفاوضات تحت الضغط

كانت تكتيكات طالبان في المفاوضات تعتمد على استمرار العمليات المسلحة ضد أمريكا بالتوازي مع سير المفاوضات، كنوع من الضغط على المفاوض الأمريكي ومنعه من المماطلة، وعلى الجانب الآخر تريد الإدارة الأمريكية الخروج بأقل الخسائر بعد فقدانها أكثر من 2500 جندي منذ بدء الحرب عام 2001، فضلاً عن تجاوز ميزانية الحرب أكثر من ترليون دولار، بالتالي لم تكن المفاوضات الأمريكية مع طالبان من موضع قوة ونجاح، بل جاءت عقب فشل الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية في أفغانستان عن كسر شوكة طالبان، ومحاولة دفعها للقبول بتسوية هزيلة مع ذروة وجود القوات الأمريكية وحلفائها.

هذا الأمر وعته مبكراً طالبان مما جعلها في وضعية مريحة، وبرهنت الحركة على أنها قوة قتالية مؤثرة في أفغانستان، وأن التوصل إلى سلام لا يمكن أن يتحقق مستقبلا في أفغانستان دون التفاوض معها، وباتت الدول الكبرى تتسابق لخطب ودها.

هنا دخلت الولايات المتحدة في مفاوضات مباشرة مع الحركة، وتم أول لقاء بين مسؤولين أميركيين وممثلين عن “طالبان” في مدينة ميونخ الألمانية بحضور شخصيات قطرية وألمانية في 28 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2010، في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ثم عُقد اللقاءان الثاني والثالث في الدوحة في فبراير/شباط ويوليو 2011، ومثَّل الحركة كل من طيب آغا المدير السابق لمكتب الملا محمد عمر، والسفير السابق لـ “طالبان” لدى باكستان الملا عبد السلام ضعيف. وقتها طالبت الحركة، بفتح مكتب سياسي وإطلاق سراح قياداتها من معتقل غوانتنامو وشطب أسمائهم من القائمة السوداء من خلال المساومة على إطلاق سراح الجندي الأميركي بو بيرغدال، الذي أسرته في 30 يونيو/حزيران 2009، ونجح تكتيك الحركة مع جهود الوساطة القطرية، في يونيو 2014، بالإفراج عن الجندي الأميركي مقابل الإفراج عن 5 معتقلين من قادة الحركة من غوانتنامو، شاركوا فيما بعد في المفاوضات التي قادت إلى الإعلان عن الاتفاق بين واشنطن و”طالبان”.

وتواصلت سلسلة الاختراقات التي حققتها الوساطة القطرية، حيث نتج عنها عقد لقاء بين ممثلين عن “طالبان” في يونيو 2018، مع نائبة وزير الخارجية الأميركي، أليس ويلز، في الدوحة، لبحث الشأن الأفغاني. وهو لقاء وصفته المسؤولة الأميركية بـ “الإيجابي للغاية”. كما أعلنت الحركة عن عقد اجتماع آخر في أكتوبر 2018، مع وفد أميركي برئاسة المبعوث الأميركي للسلام في أفغانستان، زلماي خليل زاد، في الدوحة أيضاً لبحث الوضع في أفغانستان. واتفق الطرفان على إطلاق محادثات سلام بينهما، بعدها انطلقت جولات المفاوضات بين الحركة برئاسة برادر وزاد، بمشاركة قياديين من الحركة وممثلين عن وكالة الاستخبارات الأميركية وزارة الدفاع (البنتاغون) في الأسبوع الثاني من فبراير 2019. واستمرت الجولة في الغرف المغلقة وبعيداً عن الإعلام لمدة 16 يوماً متتالياً في الدوحة، انتهت بإعلان الطرفين عن تقدم ملموس في المفاوضات.

ركزت تكتيكات حركة طالبان خلال عملية التفاوض على استمرار إطلاق النار بالتزامن مع المفاوضات كنقطة ضغط على حساب المصالح الأمريكية، بهدف إظهار القوة والسيطرة على الأرض من أجل تحقيق الاشتراطات التي تفرضها على طاولة المفاوضات، وطبقت الحركة مقولة الجنرال جياب الفيتنامي الذي قال، “إن الكرامة الوطنية لا تسمح لنا بالتفاوض مع الدمى العميلة في الجنوب المحتل، ولن تسمح لنا بالاستسلام للغطرسة الأميركية”، من خلال رفضها التفاوض مع الحكومة الموالية للولايات المتحدة الأمريكية.

وبعد 19 عاماً من الصراع والقتال، وقّعت الولايات المتحدة الأمريكية، وحركة طالبان الأفغانية، اتفاق إحلال سلام في قطر، رضخت الولايات المتحدة الأمريكية بموجبه بسحب باقي قواتها وقوات حلفائها، بما في ذلك جميع الموظفين المدنيين غير الدبلوماسيين، والأمن الخاص والمقاولين وموظفي الخدمات المساندة من أفغانستان، خلال 14 شهراً، والإفراج عن السجناء السياسيين والسجناء لأسباب متعلقة بالصراع، لما يصل لخمسة آلاف سجين تابعين لحركة طالبان، وذلك بهدف بناء الثقة بين الأطراف وتعزيز التنسيق بينهم، يعد هذا الاتفاق نصراً لطالبان على الولايات المتحدة بفضل ما استخدمته من تكتيكات عسكرية وتفاوضية مترابطة ومنسجمة مع بعضها، فالخروج الأمريكي بهذه الطريقة، يعني فرض طالبان منطقها، وتوسيع قاعدة شعبيتها بين أتباعها، وأن عدم نزع سلاح طالبان الذي لم يشر له الاتفاق، سيعزز من سيطرتها على أجزاء أكبر من أفغانستان في قادم الأيام.

وفي الختام، أود أن أوجه رسالة للقيادة الفلسطينية مفادها أنه ليس هناك حركة تحرر وطني بالعالم إلا وقاومت، قاتلت، وفاوضت، من أفغانستان اليوم الى فيتنام، الجزائر، جنوب أفريقيا، فكان النصر حليفهم، وأن مقولة «السلام والسلمية خيار استراتيجي وحيد»، رداً على كل التهديدات، والتفاوض ثم التفاوض وسيلة وحيدة لطلب الحقوق لن يعيد للفلسطينيين شيئاً، فالمخرج يكون بقوة الحق والقانون، مروراً بقوة البنيان الداخلي والوحدة مع قوة السلاح القادر على الرد والردع. فبالقوة نقاوم ونفاوض الاحتلال الإسرائيلي، حينها نقاوم ونفاوض من موقع القوة، لأن المحتلين عبر التاريخ كله لم يُسَلموا للشعوب بالحق في الحرية أو الاستقلال دون مقاومة، فقد قاومت كل الشعوب المحتلين وفاوضت وأجبرت المحتلين على الانسحاب، ولم تكن المفاوضة يوماً بديلاً عن المقاومة أو العكس.

المصادر:

  • تكتيكات طالبان جنوب أفغانستان بين 2005 و2008، كارتر مالكاسيان وجيري مييرلي.
  • حياتي مع طالبان، عبد السلام ضعيف.
  • حركة طالبان من النشوء الى السقوط، محمد سرافراز.
  • كيف تسيطر الطالبان على قرية، الرقيب أول مارك سكستون، ترجمة مركز الخطابي للدراسات
  • الغزو الأجنبي لأفغانستان في القرون الثلاثة الأخيرة، إبراهيم عبد المطلب
ملامح المشروع السياسي لطالبان

إقرأ أيضا: ملامح المشروع السياسي لطالبان

الوسوم

رامي أحمد

باحث وكاتب فلسطيني، متخصص في الشأن العسكري، ماجستير في القيادة والإدارة، 2015، ويعد للحصول على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى