fbpx
قلم وميدان

حصار قطر وأزمة الخليج: مسارات التجميد

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد

مساء الجمعة 8 سبتمبر 2017، وبعد اتصالات مكثفة من جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بادر أمير قطر تميم بن حمد بإجراء اتصال بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لحلحلة الوضع القائم، وبعد الاتصال بدقائق، أصدرت الخارجية السعودية بياناً، أعلنت فيه وقف الحوار الذي لم يبدأ بعد مع قطر، ومعاودة الهجوم مرة أخرى على الدوحة بحجة أن وكالة الأنباء القطرية الرسمية حرفت مضمون الاتصال ومن ثم توقف الحوار.

استمرار تعقيد الأزمة، ظهر جلياً، خلال اجتماع وزاري في الجامعة العربية، والذي شهد تلاسنات بين وفد قطر من ناحية ووفود دول الحصار الأربع، من ناحية أخرى، والذي أعاد إلى الأذهان مشاهد تكررت في المنبر العربي الجامع عدة مرات في ظل أزمات كبيرة على غرار حرب الخليج 1991 وغزو العراق عام 2003، وغيرها.

ثمة أسئلة مهمة عن كواليس الاتصال المفاجئ من أمير قطر، والرفض السعودي السريع لأي حوار بعد ساعات فقط من الهدوء، تبعت الاتصال وفتح باب التفاؤل لحل هذه الأزمة التي تجاوزت 100 يوم على اشتعالها، ستحاول الورقة الإجابة على هذه الأسئلة، في ظل 4 تغيرات مهمة وهي:

 

أولاً: تصريحات أمير الكويت:

في تصريح مفاجئ من أمير الكويت الشيخ صباح الجابر الأحمد الصباح، أثناء مؤتمره الصحفي مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض مطلع سبتمبر 2017، كشف الأمير الكويتي أنه أوقف تدخلاً عسكرياً كانت تنوي دول الحصار القيام به في قطر لتغيير النظام، وهي التصريحات الأولى والأهم والتي تصدر من مسؤول بمكانة أمير الكويت.

ما قاله أمير الكويت صراحة في واشنطن، ذكره عدد مواقع التواصل الاجتماعي وهذا ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتسريع التوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك مع قطر، وهي التي كانت العامل الأهم والأقوى في وقف العملية العسكرية التي كانت تنوي السعودية والإمارات القيام بها، في الدوحة، وأفشل مخطط دول الحصار. لكن لماذا قال أمير الكويت هذه التصريحات؟

الإجابة احتملت رأيان:

الأول: يقول أن أمير الكويت أراد أن يحرج دول الحصار بعدما بدا من تعنت واضح من قبل السعودية، والإمارات في التوصل لحل للأزمة، وفي نفس الوقت خشية تكرار سيناريو حصار الدوحة مع الكويت أيضا بعد اخضاع قطر، للرأي السعودي والإماراتي، وهنا يبدو أن أمير الكويت أراد خلط كل الأوراق من أجل إحراج السعودية وحلفائها.

يقوى هذا الرأي الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الكويتي إلى تركيا، والحديث عن جدية توقيع الكويت وتركيا اتفاقية دفاع مشترك على غرار التي وقعتها من الدوحة.

أما الرأي الأخر،

وهو أن ترامب نفسه أراد أن يحرج السعودية والإمارات لممارسة مزيد من الضغط عليهما، لقبول تهدئة الأوضاع مع قطر، من أجل مزيد من الابتزاز السياسي والاقتصادي للدول المنطقة الخليجية، بعدما طال أمد الأزمة، مما تسبب في إخراج الأزمة عن السيطرة والتي يرى البعض أن ترامب كان يعتقد أنها لن تستمر إلى هذا الوقت، ولكن ما حدث عكس ذلك.

 

ثانياً: اتصال أمير قطر بولي العهد السعودي:

اتصال أمير قطر المفاجئ بولي العهد السعودي بعد تدخل أميركي فيما يبدو كشف عن وجود رغبة قوية لدى قطر في التوصل لحل الأزمة التي أثرت بشكل واضح على الداخل القطري، سواءً من الناحية السياسية أو الاقتصادية وحتى اجتماعية، وخاصة بعد ظهور عدد من شيوخ آل مرة في السعودية والكيان المعارض القطري المزعوم في الخارج، إضافة إلى التدخل الأميركي والتوسط الكويتي من أجل حل الأزمة.

وعلى الطرف الآخر لا يمكن تجاهل الخسائر التي يمنى بها الطرف الثاني في الأزمة وهو السعودية والإمارات والبحرين ومصر، على المستوى السياسي والاقتصادي وأيضا الاجتماعي، فالمحاصرون لقطر كان يتوقعون أن الدوحة ستوافق سريعاً على مطالبهم، بعدما تتأثر بشكل مباشر من هذ الحصار مما يدفع الشعب القطري للتذمر من حكم الأمير تميم، ولكن ما حدث عكس ذلك، الإدارة القطرية تعاملت بذكاء شديد مع الأزمة وتحولت في غضون أيام من منطقة الضعيف والذي يحاول صد الهجوم إلى مهاجم عبر عدة أدوات سياسية وإعلامية، وحراك نشط لوزير الخارجية.

واقعة الاتصال وما خلفها من تطور سريع في الأزمة كشفت عن رغبة حقيقة قطرية لحل المشكلة، مع الحفاظ على الثوابت التي أعلنتها الدوحة مع اندلاع المشكلة، وهى أشياء لا تقبل قطر التنازل عنها مثل التدخل في السيادة القطرية وإملاء الشروط، كما انها كشفت ايضاً عن حالة من التخبط الواضح في صف دول الحصار، بعد قبول السعودية لفكرة الحوار مع قطر، تراجع الرياض محتجة على صياغة بعض الكلمات التي كتبتها وكالة الانباء القطرية الرسمية، يُعد سبباً ضعيفاً من وجهة نظر البعض في أزمة دبلوماسية عاتية مثل هذه، ولكن فيما يبد أن الأمر لا يتعلق بما قالته الوكالة القطرية، ولكن هناك جزء آخر وهو قلق الإمارات ومصر من توصل الدوحة والرياض لحل ثنائي يتجاهل هذه الدول، وقد يكون هذا هو السبب الحقيقي في وقف الحوار بعد ساعات من اتصال تميم، وبحسب ما قاله وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، بأن قطر تحاول أن “تدق إسفين” في العلاقة بين السعودية والإمارات، وفي نفس الوقت البيان الذي صدر من وزير الخارجية المصري حول التزام دول ما اسماها سامح شكري “المكافحة للإرهاب” بالمطالب 13 لحل الأزمة الخليجية، هذه الأمور كشفت عن مدى التخبط في قرارات دول الحصار.

 

الملاسنات في الجامعة العربية:

على غرار ما كان يحدث في حقبة العقيد معمر القذافي والتلاسن مع السعودية تارة ومصر تارة، بدا الأمر هكذا في أول اجتماع عربي في القاهرة منذ اندلاع الأزمة في يونيو الماضي، فالكلمات التي قالها مندوبو الدول العربية الاربع مصر والسعودية والإمارات والبحرين، في اجتماع وزراء الخارجية العرب، وكذلك الرد القطري من قبل مندوبها في القاهرة، كشف عن حالة التخبط التي تعيشها أطراف الأزمة، وعدم وجود أجندة موحدة بين مصر والسعودية في هذا الموقف، كما كشف أيضا عن الانزعاج الشديد من قبل السعودية بشأن تصريحات أمير الكويت بشأن التدخل العسكري في قطر.

فإذا ما تابعنا ما قاله وزير الخارجية المصري سامح شكري وهو ممتعض وغاضب من كلمة مندوب قطر سلطان بن سعد المريخي، يظهر أن هناك اختلاف واضح في الأهداف بين القاهرة والرياض في هذا الملف، فالسعودية تريد تطويع السياسة الخارجية القطرية او تغيير النظام، وهو ما قاله بوضوح سفير الرياض في القاهرة أحمد القطان، بشكل تغيير النظام في الدوحة وهو ما دفع سلطان المريخي بالرد بلهجة قوية قائلاً: “ما انت بقدها”، أي بمعني (إنك لا تستطيع)، وكانت القاهرة تبحث عن تعويضات مالية من قطر، فقول سامح شكري أن القاهرة لن تضيع حقها وضرب مثالاً بأن قطر تنفق مليارات الدولارات على تخريب الوضع المصري، متهماً إياها بدعم ما أسماه الإرهاب، ولكن الأطراف الأخرى كانت تتكلم بشكل واضح عن اخضاع السياسية القطرية، للرغبة السعودية والإماراتية وهو ما بدا متوافقاً في تصريحات مندوبي الإمارات والبحرين، عن طريق الإجراءات الاقتصادية والسياسية، دون التدخل العسكري ولكن مندوب السعودية كان يلمح بشكل واضح لفكرة إما اخضاع قطر او التدخل العسكري. ومن ثم كشف هذا الاجتماع كشف عن التضارب الواضع في موقف دول الحصار في ظل رغبة قوية من الجانب القطري في الاستمرار برفض مطالب دول الحصار.

 

اعتقال الرافضين لحصار قطر في السعودية:

شهد شهر سبتمبر 2017، حملة اعتقالات موسعة لعدد كبير من الدعاة والناشطين السعوديين على منصات التواصل الاجتماعي، دون ابداء أسباب واضحة وكان أبرزهم الشيوخ سلمان العودة وعلى العمري وعوض القرني وغيرهم من الدعاة والناشطين من توجهات سياسية مختلفة، ولكن الرابط الوحيد بينهم هو عدم تأييد الأمير محمد بن سلمان، في الأزمة الخليجية.

وبحسب بعض الناشطين فإن الديوان الملكي السعودي طلب من سلمان العودة وعوض القرني، التغريد ضد قطر وبعدما ابدا رفضهما تم اعتقالهما، كما طالت الاعتقالات عدد من النساء وهو ما يعد تطوراً ملفتاً وغريباً في دولة يقال أنهامحافظة مثل السعودية.

ودلالة توقيت الاعتقالات تشير إلى رغبة الأمير محمد بن سلمان إلى حشد كل الآراء خلفه في هذه الأزمة، والتي فيما يبدو حتى الآن هناك منها من يخالف ولي العهد السعودي، وأيضا شعور بن سلمان بتوتر شديد من عدم التفاف مشاهير سعوديين حوله في هذه الأزمة التي تمثل أهمية كبيرة له إذا ما نجح في اخضاع قطر، ولكن حتى الآن يبدوا أن مراهنات الأمير السعودي غير صحيحة.

الأجهزة الأمنية السعودية أصدرت بياناً يوم الثلاثاء 12 سبتمبر، حول المعتقلين متهمة إياهم بعقد مؤتمرات وندوات خارج البلاد تُحرض فيها على الثورة، في إشارة إلى مشاركة الدكتور سلمان العودة وعلي العمري في بعض البرامج التلفزيونية في تركيا.

ورغم أن هذه الاعتقالات تأتي في إطار الخوف الشديد من تصاعد الأوضاع في الحراك الذي دعا له معارضون سعوديون الجمعة 15 سبتمبر ولكن لا يمكن اغفال العلاقة بين هذه الاعتقالات عن الأزمة الخليجية.

 

مستقبل الأزمة:

لا يمكن الجزم بما ستؤول إليه الأمور في المنطقة الخليجية بشأن هذه الأزمة، وكيف ستكون الأوضاع ولكن ثمة توقعات، بشأن هذه المشكلة، ترى أن الحالة التي بدت عليها دول الحصار وقطر، تشير إلى أن الموقف القطري في مجله ربما لن يتغير لكون أن ما تم ترديده على مدار الأشهر الأربعة الماضية بأن المطالب التي تفرضها دول الحصار تنال من السيادة القطرية، وفي حال الموافقة عليها سيؤثر ذلك بالسلب على سمعة القيادة القطرية.

وفي الطرف الآخر يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد حالة من التصدع في موقف دول الحصار وقد تسير في اتجاه تهدئة الأوضاع بين السعودية وقطر فقط دون الالتفات إلى المطالب الإماراتية والمصرية، ولكن هذا الأمر ربما يتحقق بعدما يحسم محمد بن سلمان ملف الحكم وتنازل الملك سلمان له عن العرش، فهذا الأمر ربما سيدفع الأمير السعودي للتهدئة مع قطر دون حل الأزمة بالكامل، أو ربما إيجاد تفاهمات بينهما برعاية أميركية مباشرة، مع تعديل بعض المطالب لحفظ ماء وجه الجميع، أما ما يتعلق بالإمارات فإن الأزمة ستستمر لفترة طويلة وتظل حالة عض الأطراف بين الدوحة وأبوظبي لفترة طويلة، لكون أن الطرفين يعلم أن المعركة بينهما صفرية، ولن تنتهي الا بتنازل طرف لأخر بشكل كامل.

وفيما يتعلق بمصر قد تنضم إلى الحزب الإماراتي على اعتبار أن الشراكة بين محمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي استراتيجية في الوقت الراهن، أما البحرين فستصبح في الطرف السعودي.

هذا السيناريو يستند على أن التحالف بين محمد بن سلمان وبين بن زايد سينتهي قريباً مع وصول بن سلمان رسمياً لسدة الحكم في الرياض وهذا من التوقع أن يكون قبل نهاية العام الحالي، لأن كل طرف فيهما يعمل أن هذا التقارب والتحالف هو بشكل تكتيكي ولن يصبح تحالفاً استراتيجياً.

ومن المتوقع أن يستمر هذا الصراع بين أطراف الأزمة حتى يحسم محمد بن سلمان ملف الحكم في الرياض وقد يوافق بعدها على التهدئة مع قطر بسبب ضغط أميركي بسبب التوترات التي تشهدها المنطقة وخوفاً من تقارب حقيقي بين إيران وقطر مما يهدد الاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية التي يسير في فلكها النظام السعودي في الفترة الأخيرة.

وأيضا على الجانب القطري ستحاول الدوحة ابداء بعض المرونة تجاه السعودية، مع تقوية جبهتها الداخلية وكسب مزيد من الحلفاء والأصدقاء لتقوية موقفها التفاوضي، وقد بدا هذا الموقف واضحاً بعد الجولة الخاريجة الأولى لأمير قطر، والتي شملت تركيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ودلالات زيارة رئيس الوزراء الكويتي إلى أنقرة، وهو ما يعني انضمام الكويت إلى حلف قطر وتركيا مما يعزز موقفهما.

 

خاتمة:

الأحداث التي شهدتها الأزمة خلال شهر سبتمبر 2017، دعمت فكرة التهدئة مع استمرار الأزمة لفترة غير محددة لحين حسم ملف الحكم في السعودية ولكن ما يحدث الآن من تصعيد يأتي في إطار تعظيم أوراق الضغط عن الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ومع ظهور حلف قوي بين قطر وتركيا وإيران وقد تميل إليه الكويت، قد يؤتي هذا الأمر انطباعاً بأن الازمة مستمرة في طريقها، ولكن الضغط الأميركي في هذا الشأن قد يوصل الأزمة إلى فكرة التهدئة والحل الثنائي بين الدوحة والرياض وتصدع الأطراف الأخرى من دول الحصار (1).

——————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close