خريطة النص الشرعي عند الأصوليين
مشكلة البحث:
قضية التعامل مع النص الشرعي من أهم وأعظم القضايا، فالنظر الصحيح ينتج الحكم الصحيح، والنظر الفاسد ينتج الحكم الفاسد، وكثير من طلبة العلم ليس عنده خريطة إجمالية للتعامل مع النص الشرعي، وإنما قد يحسن التعامل مع بعض مقاصده ودلالته، وجاء هذا البحث ليبين الصورة الإجمالية لكيفية التعامل معه حتى تكتمل الصورة، وهذا البحث يجيب عن الأسئلة الآتية:
أولاً: إشكالية معنى النص، وعدم تحديد مفهومه بمجرد اللفظ فقط، فالبحث يجيب بصورة واضحة عن اطلاقات النص المتعددة حتى لا يحصل الخلط بين معانيه.
ثانياً: إشكالية التعامل مع الثروة الفقهية، فالبعض ينظر لها على أن لها من القداسة مثل النص الشرعي، وجاء هذا البحث ليجيب عن ذلك بصورة واضحة، فالعصمة للنص وحده، والثروة الفقهية نتاجه، وليس لها من العصمة مثله.
ثالثاً: إشكالية التعامل مع النص بغير علم، والتهاون في قضية الفتوى، فجاء البحث ليجيب بكل وضوح أن التعامل مع النص بغير علم من أكبر الجرائم وأعظم المنكرات.
رابعاً: إشكالية النظرة الجزئية للتعامل مع النص، فإنتاج الحكم الشرعي الذي هو غاية التعامل مع النص وسيلته النظرة الكلية لكيفية التعامل معه، ولذا أجاب البحث عن هذه الإشكالية الكبرى ببيان خريطة التعامل مع النص من جميع جوانبه، حتى يكون الحكم الشرعي معبرًا عنه.
الدراسات السابقة:
الأبحاث التي تكلمت عن النص الشرعي وكيفية التعامل معه تكاد لا تحصى، لكن هذا البحث أجاب عن الصورة الكلية، وبيان الخريطة المتكاملة لكيفية التعامل معه، فمعظم ما اطلعت عليه من أبحاث جاء بصورة جزئية، وهذا البحث أعطى الصورة الإجمالية الكلية له.
أهمية البحث:
تكمن أهمية البحث في بيان الصورة الكلية للتعامل مع النص الشرعي، والتنبيه على خطورة التعاطي معه بغير علم.
منهجية البحث:
هذا البحث خلاصة جهد كبير في الدراسات الأصولية عايشت فيها غالب كتبه، واستقرأت منها زبدة ما فيها من فوائد وخلاصات علمية دقيقة في كيفية التعامل مع النص الشرعي.
فمنهجي فيه قائم على الفهم والاستنتاج والتوصيف الدقيق لكيفية التعامل مع النص، ومع ذلك أيضا نقلت فيه من أعز المصادر المتعلقة بموضوعه، وخرجت الشواهد القرآنية والأحاديث النبوية ووثقت ما نقلت حسب إمكاني.
خطة البحث:
جاء البحث في تمهيد وأربعة فصول:
الفصل الأول: في بيان معنى النص لغة واصطلاحًا، والكلام على قاعدة “لا اجتهاد مع النص” وقاعدة “إذا صح الحديث فهو مذهبي”.
الفصل الثاني: بيان أن العصمة للنص وحده.
الفصل الثالث: بيان حكم التعامل مع النص بغير علم.
الفصل الرابع: كيفية التعامل مع النص، وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: التعامل معه من حيث ثبوته.
المبحث الثاني: التعامل معه من حيث حجيته.
المبحث الثالث: التعامل معه من حيث مرتبته.
المبحث الرابع: التعامل معه من حيث دلالته.
المبحث الخامس: التعامل معه من حيث مقصده.
وأخيرًا ختمت البحث بأهم مقاصده التي كتب من أجلها.
تمهيد:
القول على الله بلا علم من أكبر الجرائم، جعلها ابن القيم أعظم من الشرك استدلالا بقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: ٣٣]
الآية في فقه ابن القيم رحمه الله جعلت رتب المحرمات أعلاها القول على الله بغير علم، وأدناها تحريم الفواحش، فالقول على الله بغير علم أفحش الأنواع؛ لأنه قد يؤدي إلى كل الجرائم المذكورة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال للذين أفتوا بغير علم: ((قَتَلُوهُ قَتَلَهُمِ اللهُ))[1].
الفتوى أقرب معانيها الإخبار عن الله تعالي بحكم المسألة أو النازلة، ومن هنا تأتي خطورتها، فالإخبار عن مراد الزعماء والرؤساء له محاذيره إن كان على غير الحقيقة، والله أجل وأعظم.
من هنا رسم العلماء للاجتهاد شروطا وضوابط لابد من تحققها في المفتي، أهمها: أن يكون على دراية بالنص من حيث الثبوت والحجية والمرتبة والدلالة والمقصد، وتحت كل عنصر عشرات المسائل إن لم تكن المئات لابد من دراستها والتعمق في إدراكها حتى لا تقع الكارثة، وهي القول على الله بغير علم.
الساحة العلمية الآن في نظري القاصر ليس فيها من تحقق فيه مثل هذه الضوابط إلا القليل، في نظري وحسب اطلاعي لا يزيدون في جميع الأقطار العربية والإسلامية على أصابع اليدين والقدمين.
الخلط بين الداعية والمجتهد أدى إلى تصدر بعض الدعاة بما لهم من جماهير عريضة على أنهم من أهل الفتوى والاجتهاد، وقد صدَّق بعضهم نفسه، فأصبح يفتي في أجل المسائل وأعظمها دون علم لمجرد أنه أحسن الوعظ والإرشاد.
مجرد الدراسة الشرعية في بعض كليات الأزهر أو المعاهد الشرعية ليس كافيا أبدا للإخبار عن مراد الله في المسائل والنوازل، إنما درجة الاجتهاد أكبر من ذلك بكثير، وأكبر مظاهرها هو تلقي العلوم الشرعية والمتخصصة في مجال الاجتهاد في فقه النص، وعلى رأسها علم أصول الفقه.
نعم يجوز نقل الأحكام الشرعية للناس بما سطره السادة العلماء من الحنفية أو المالكية أو الشافعية أو الحنابلة أو أي مجتهد آخر في مسائل الفروع المتعلقة بالعبادات والمعاملات، شرط الأمانة ودقة النقل، حتى ولو لم يصل الشخص إلى درجة الاجتهاد بالتعامل مع النص بدون تعصب أو تحزب.
أما النوازل والمستجدات والقضايا ذات الشأن العام فلها شأن آخر، تحتاج إلى اجتهاد جماعي يشارك فيه المتضلع بعلوم الشرع والمتخصص بفروع العلم من سياسة أو اقتصاد أو اجتماع أو طب أو هندسة وغير ذلك، فعلم الجبر ألفه الخوارزمي لحل بعض مسائل الميراث.
البداية من عالم الشرع، يبين الحكم في النازلة من حيث المشروعية أو عدمها، فإن كانت مشروعة من حيث الأصل اجتهد وبين درجة المشروعية من وجوب أو ندب أو إباحة، وإن كانت الأخرى بينها أيضا هل هي على سبيل الحرمة أو الكراهة.
ثم يأتي دور المتخصص في النازلة وينظر فيها من حيث التحليل وكيفية التطبيق الأمثل لهذا المشروعية، ومن هنا يكون تكامل الرؤية، فالنظر في المستجدات والنوازل ليس خاصًا بعالم الشرع وإنما بجمع المتخصصين معه في طبيعة النازلة حتى يحصل التكامل المطلوب.
نحن الآن نعيش عصر الفوضى في الفتوى، بعض الدعاة الذين لم تتحقق فيهم شروط الفتوي يفتون في كل صغيرة وكبيرة، ما يتعلق بالعقائد وعلى رأسها الولاء والبراء فيكفر هذا أو يفسقه أو يبدعه حسب رؤيته القاصرة المحدودة، وأخطار ذلك لا تخفى على عاقل.
حفظ القرآن وبعض الأحاديث والآثار وبعض مواقف التاريخ لا يشفع لهؤلاء للاجتهاد في النصوص، أو التكلم في المسائل التي تحتاج إلى نوع عناية ودراية بالنص فقهًا ودلالة ومقصدًا.
قضايا الأمة الكبرى المتعلقة بصعودها والتحديات التي تواجهها الاجتهاد فيها ليس نزهة أو شهوة من بعض الشباب أو الدعاة، وإنما قراءة ذلك والتعمق فيه للخروج من الأزمات ومواجهة التحديات تحتاج إلى مراكز متخصصة للفتوى ومجامع علمية كبرى.
هذا دأب الصحابة الكرام كانوا يتهيبون من أمر الفتوى بداية، وإذا كانت متعلقة بأمر عام في السلم أو الحرب اجتمعوا لذلك وتشاورا فيه حتى يخرجوا برأي أقرب للصواب، فالأمة لا تجتمع على ضلالة باجتماع علمائها.
عشرات المسائل من هذا النوع اجتمعوا لها أو حصل لها القبول من المجموع كجمع القرآن، والزيادة على الحد في شرب المسكر، وقتل الجماعة بالواحد، والمسألة المشتركة في الميراث، وسهم المؤلفة قلوبهم، وتضمين الصناع، هذا في شأن السلم، أما الحرب فأخطر من ذلك في تحري القبول من المجموع.
الأمة الآن تواجه صعوبات كبرى وتحديات عظمى، فاجتهاد الفرد فيها مهما بلغ علمه يكون قاصرًا، لتشابك المصالح والمفاسد في طبيعة المسائل المتعلقة بالشأن العام، فما يهم الأمة الأصل أن ينهض له علماء الأمة.
سبقْنَا الغرب قديما في تنظيم العقل الجمعي للأمة، واجتماع علمائها على رأي في النوازل والمستجدات فتقدمنا وسدنا العالم، وسبَقَنَا الغرب الآن بمراكز بحثه المتخصصة في صغائر الأمور وكبيرها، وعلى رأسها الشأن السياسي والاقتصادي فأصبحنا ذيل الأمم.
أبشع الجرائم التي ترتكب الآن تسيس المجامع العلمية لمصلحة الدولة الممولة فتخرج الفتوى غالبا قاصرة، وغير معبرة عن غايات الأمة وأهدافها، وهذا شكل من أشكال الفوضى في التعامل مع النص.
علماء الأمة كثر بحمد الله تعالى وفضله في كل التخصصات، فالبعد عن التسيس في تصوري يكون بالآتي:
إنشاء كيانات علمية متخصصة في كل مجال من العلماء الأحرار لدراسة ما يستجد من نوازل، كل بحسب تخصصه ومهمته، ثم إنشاء كيان جامع يمثل فيه كل التخصصات الشرعية والسياسية والاقتصادية وغيرها لوضع الرؤى العامة والاستراتيجيات الجامعة، وتكون المرجعية للفتوي والإلزام.
بعض الدعاة وحدثاء الأسنان يتعصبون لآرائهم ووجهة نظرهم في كبري المسائل التي يجمع لها السادة من العلماء المتخصصين، لكن طاغوت الأنا، والزعامات التي أنشأها طبل الإعلام تأبى إلا رأيها أن يكون أولى بالاتباع.
الثورات العربية والإسلامية الآن تحتاج لمشاركة أهل العلم والشأن في الإقدام أو الإحجام، وفقه القوة واستخدامها بعد العلم بمشروعيتها أصبح من ضروري فقه النوازل والمستجدات.
ما بعد نجاح الثورات هناك عشرات المسائل المتعلقة بشكل الدولة وفقه التعامل مع الجماعة الوطنية، وتحقيق التنمية والعدالة في أمتنا تحتاج إلى جهد كبير وعظيم من أهل الفكر والتنظير.
الفصل الأول: معنى النص وبيان قاعدة “لا اجتهاد مع النص” وقاعدة “إذا صح الحديث فهو مذهبي”
أولاً: معنى النص في اللغة والاصطلاح:
النص في اللغة يطلق على ارتفاع الشيء ووصوله إلى غايته ومنتهاه، كما يطلق على الأمر إذا ظهر وانكشف، ومنه سميت منصة العروس؛ لأن العروس ترتفع عليها عن سائر النساء وتنكشف لهن بذلك، ومنه قولهم: نص الحديث إذا رفعه، ومنه حديث ((كَانَ يَسِيرُ العَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ))[2] أي الرفع بالدابة إلى سرعة أعلى[3].
النص في الاصطلاح: يطلق بعدة إطلاقات:
الأول: عرفه السادة الحنفية فقالوا: اللفظ الذي يدل على معناه دلالة واضحة، ويحتمل التأويل والتخصيص، ويقبل النسخ في زمن الرسالة، وهو المقصود الأصلي من السياق[4].
وعند الجمهور: ما دل على معناه دلالة قاطعة، ولا يحتمل التأويل أو التخصيص، وبعضهم قال: أو يحتمل التأويل أو التخصيص احتمالًا مرجوحًا[5].
ومثال ما احتمل التأويل احتمالًا مرجوحًا، كألفاظ العموم، فإنها موضوعة للعموم، مع احتمالها الخصوص احتمالًا مرجوحًا[6].
الإطلاق الثاني: يطلق النص على لفظ الكتاب والسنة، سواء كان قطعي الدلالة أو ظني الدلالة، يقال: الدليل إما نص أو معقول، وهذا الإطلاق أكثر استعمالا عند الفقهاء وأهل الحديث، ومن قولهم: “نصوص الشريعة متضافرة بذلك”. والإجماع الذي له مستند من الكتاب والسنة فرع عن ذلك، وما ليس مستند فهو مقابل للنص.
والقياس إن كانت علته منصوصة فهو متفرع عن معنى النص بهذا الإطلاق، وأما ما كانت علته مستنبطة فهو مقابل للنص وليس فرعًا عنه.
ومن استعمالات الأصوليين في ذلك: الدليل في المسألة عموم النص أو إطلاق النص، وإذا لم يكن للمسألة دليل من الكتاب والسنة قالوا: ليس فيها نص.
ثانيًا: قاعدة “لا اجتهاد في مورد النص”:
النص هنا معناه بالإطلاق الأول وهو ما لا يحتمل إلا معنى واحدًا، أو ما دل على معناه دلالة قطعية، ولا يحتمل التأويل أو التخصيص، أو يحتمله احتمالًا مرجوحًا، فمن المعلوم أن النصوص منها ما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وهو المقصود هنا بأنه “لا اجتهاد مع النص”، هذا على طريقة الجمهور في معنى النص.
وأما على طريقة السادة الحنفية فإن النص هنا يطلق على المفسر والمحكم فقط من الألفاظ، فالمفسر عندهم: ما ازداد وضوحًا على النص على وجه لا يبقى معه احتمال للتأويل[7]، وأما المحكم: فما أحكم المراد منه من غير احتمال التأويل أو التخصيص أو النسخ[8]، وأما الظاهر عندهم وهو ما ظهر المراد منه بصيغته مع احتمال التأويل[9]، والنص وهو: ما ازداد وضوحًا على الظاهر، سيق الكلام لأجله مع احتمال التأويل والتخصيص[10]، فليسا من قبيل النص في قاعدة “لا اجتهاد مع النص” لأن الظاهر والنص عند السادة الحنفية يقبلان الاجتهاد بالتأويل أو التخصيص أو النسخ.
وليس معنى النص هنا مطلق اللفظ الوارد في الكتاب والسنة، فما هو ظني الدلالة من القرآن أو السنة يجري فيه الاجتهاد، وكذا ما هو ظني الثبوت من السنة فالاجتهاد فيه وارد.
ومن هنا يقع الخطأ من البعض أنه بمجرد ورود لفظ في القرآن والسنة وهو ظني الدلالة يقول: “لا اجتهاد مع النص” لأنه حصل الخلط بين الإطلاقين لمعنى النص.
ثالثًا: قاعدة “إذا صح الحديث فهو مذهبي”:
صح عن الإمام الشافعي – رضي الله عنه – قوله: “إذا وجدتم في كتابي هذا خلاف سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقولوا بالسنة ودعوا قولي.
وفي رواية: “إذا صح الحديث خلاف قولي، فاعملوا بالحديث واتركوا قولي” قال: “فهو مذهبي”.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، قال: سمعت حرملة يقول: قال الشافعي: “كل ما قلت فكان عن النبي – صلى الله عليه وسلم – خلاف قولي مما يصح، فحديث النبي – صلى الله عليه وسلم – أولى، ولا تقلدوني”[11].
قال الإمام ابن كثير: “هَذَا مِنْ سِيَادَتِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَهَذَا نَفْسُ إِخْوَانِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ آمِينَ”[12].
ورواها الإمام ابن عبد البر في الانتقاء عن الإمامين مالك وأبي حنيفة – رضي الله عنهما –[13].
ونقله الإمام الشعراني في الميزان عن الأئمة الأربعة.
قال معن: سمعت مالكًا يقول: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافقهما فاتركوه”.
وقال نعيم بن حماد: سمعت أبا عصمة يقول: سمعت أبا حنيفة يقول: ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، وما جاء عن أصحابه اخترنا، وما كان غير ذلك فهم رجال ونحن رجال[14].
وهذا الذي قاله الشافعي – رضي الله عنه – ليس معناه أن كل من رأى حديثًا صحيحًا قال: هذا مذهب الشافعي، وعمل بظاهره، وإنما هذا فيمن له رتبة الاجتهاد في المذاهب أو قرب منه، وشرطه أن يكون له خبرة بالأحاديث بحيث يغلب على ظنه أنه لا يعارضه حديث يترجح عليه، وأن يغلب على ظنه أن الشافعي لم يقف أو لم يعلم بصحته، وهذا يكون بعد مطالعة كتب الشافعي كلها ونحو من كتب الآخذين عنه وسائر أصحابه، وهذا شرط صعب قلّ من يتصف به، وإنما شرطوا ما ذكرناه: لأن الشافعي – رضي الله عنه – ترك العمل بظاهر أحاديث كثيرة رآها وعلمها، لكنه قام الدليل عنده على طعن فيها أو نسخها أو تخصيصها أو تأويلها أو نحو ذلك.
فأبو الوليد موسى بن أبي الجارود صاحب الشافعي قال: صح حديث “أفطر الحاجم والمحجوم” فردوا ذلك على أبي الوليد، لأن الشافعي تركه مع علمه بصحته لكونه منسوخًا عنده، وبين الشافعي نسخه واستدل عليه.
قال الإمام النووي –رحمه الله تعالى-: ” وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ الْمَعْرُوفِ بِإِمَامِ الْأَئِمَّةِ وَكَانَ مِنْ حِفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْرِفَةِ السُّنَّةِ بِالْغَايَةِ الْعَالِيَةِ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ تَعْلَمُ سُنَّةً صَحِيحَةً لَمْ يُودِعْهَا الشَّافِعِيُّ كُتُبَهُ؟ قَالَ: لَا”[15].
قال ابن الصلاح: فمن وجد من الشافعية حديثًا يخالف مذهبه، فإن كملت شرائط الاجتهاد فيه مطلقًا، أو في الباب أو المسألة احتفل بالعمل به، وإن لم تكتمل وشق عليه مخالفة الحديث بعد أن بحث فلم يجد جوابًا شافيًا فله العمل به إن كان عمل به إمام مستقل عن الشافعي، وكون هذا له عذرًا في ترك مذهب إمامه هنا[16].
قال الإمام القرافي في شرح المحصول ما ملخصه:
“ومما شنع على مالك – رحمه الله – مخالفته لحديث بيع الخيار مع روايته له، وهو مهيع[17] متسع، ومسلك غير ممتنع، ولا يوجد عالم إلا وقد خالف من كتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – أدلة كثيرة، ولكن لمعارض راجح عنها عند مخالفتها، وكذلك مالك ترك هذا الحديث لمعارض راجح عنده، وهو عمل أهل المدينة، فليس هذا بابًا اخترعه ولا بدعًا ابتدعه، ومن هذا الباب ما يروى عن الشافعي – رضي الله عنه – أنه قال: “إذا صح الحديث فهو مذهبي” أو “فاضربوا بمذهبي عرض الحائط”[18] فإنه كان مراده مع عدم المعارض، فهو مذهب العلماء كافة وليس خاصًا به.
وقال القرافي في شرح التنقيح: كثير من فقهاء الشافعية يعتمدون على هذا، ويقولون: مذهب الشافعي كذا، لأن الحديث صح فيه، وهذا غلط، فإنه لا بد من انتفاء المعارض، والعلم بعدم المعارض يتوقف على من له أهلية استقراء الشريعة حتى يحسن أن يقال: لا معارض لهذا الحديث، وأما استقراء غير المجتهد المطلق فلا عبرة به”[19].
وقال ابن عابدين في حاشيته: ما صح فيه الخبر بلا معارض فهو مذهب المجتهد، وإن لم ينص عليه[20].
وقد ألف الإمام التقي السبكي في معنى قول الإمام الشافعي: “إذا صح الحديث فهو مذهبي” تأليفًا مستقلًا سماه بذلك، وقد نقل ما قاله ابن الصلاح والنووي، وقال: “وهذا الذي قالاه ليس ردًا لما قاله الشافعي، ولا لكونه فضيلة امتاز بها عن غيره، ولكنه تبيين لصعوبة هذا المقام حتى لا يغتر به كل أحد”[21].
وتحرير القول فيها: أن الدليل إذا كان على وفق شروط الإمام صاحب المذهب ولم يقل به فإنه يمكن لمجتهد المذهب أن يقول به، بشرط مهم جدًا، ألا يكون له معارض صحيح.
قال أبو شامة المقدسي: “ولا يتأتى النهوض بهذا إلا من عالم معلوم الاجتهاد، وهو الذي خاطبه الشافعي بقوله: “إذا وجدتم حديث رسول الله على خلاف قولي فخذوا به ودعوا ما قلت، وليس هذا لكل أحد”[22].
وكثير من طلبة العلم إذا قرأ حديثًا حسب أن الحق حصحص، وأن الناس جميعًا يجب أن يلتفوا حول هذا الحق بزعمه، فإذا سئل بعدها عن قول الأئمة ضربها عرض الحائط، وقال: إن الأئمة لم تصل إليهم أحاديث كثيرة.
وشرط هذا كما قلنا؛ أن يكون بعد مطالعة كتب الأئمة كلها ونحوها من كتب الأصحاب الآخذين عنهم، وهذا شرط صعب قلّ من اتصف به.
قال الكمال بن الهمام معقبًا على من قال في مسألة إن الإمام أبا حنيفة لم يصله فيها الحديث: “كل ذلك لعدم اطلاعهم على مذهب أبي حنيفة – رحمه الله – والقول بأن الحديث لم يبلغه غير صحيح، فإنه مذكور في مسنده”[23].
وقال إبراهيم النخعي: “لو رأيت الصحابة يتوضؤون على الكوعين لتوضأت كذلك، وأنا أقرؤها إلى المرافق، وذلك لأنهم لا يتهمون في ترك السنن، وهم أرباب العلم وأحرص خلق الله على اتباع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلا يظن ذلك بهم أحد إلا ذو ريبة في دينه”[24].
فتأمل أخي الحبيب، ولا تحسبن أنك أحرص على حديث رسول الله منهم، وأميل إليه من أقوالهم.
الفصل الثاني: العصمة للنص وحده
الله سبحانه وتعالى تولى حفظ الوحي الذي أنزله، من كتاب الله أو سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – حيث قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:٩].
وقال عز شأنه: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) [النجم: ٣ – ٤].
وقال سبحانه: بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:٤٤] فالكتاب والسنة محفوظان بجلال الله وعظمته، لا يمكن أن يدخل عليهما التبديل أو التحريف، فأما القرآن فقد قال فيه المولى سبحانه: لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:٤٢].
وأما السنة الصحيحة فقد يسر الله لها علماء جهابذة، وصيارفة دققوا النظر في الأحاديث الواردة، فعرفوا غثّها من ثمينها، وصحيحها من فاسدها، وقويها من ضعيفها، فالسنة الصحيحة التي نطق بها المصطفى صلى الله عليه وسلم قولًا أو قام بها فعلًا أو تقريرًا جمعت عنه في كتب الأحاديث الصحيحة.
وهذا الوحي هو وحده الذي له العصمة بالحفظ، وأما ما جاء عن الصحابة – رضوان الله عليهم – فيما فيه اجتهاد أو التابعين أو المذاهب الفقهية من أقوال وأفهام للنص القرآني أو لحديث المصطفى – صلى الله عليه وسلم – فيؤخذ منها ويترك، لأنه من المعلوم أن كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم – صلى الله عليه وسلم – فيما بلغ عن ربه نص كتابه أو فيما قال عن نفسه وثبتت صحته له – صلى الله عليه وسلم.
وبناء على هذا: فإن هذه الثروة الفقهية الهائلة من الاجتهادات الفقهية التي وردت عن السلف والخلف وجميع الأئمة محترمة ومقدرة، لكنها ليس لها نوع من التقديس والعصمة كما للنص الذي أنزله الله في كتابه أو قاله المعصوم صلى الله عليه وسلم في سنته.
وليس معنى هذا ترك هذه الثروة الكبيرة التي أفنيت فيها الأعمار وذهب فيها جهد الليل والنهار، وإنما الأخذ منها والترك بما هو مناسب لعصرنا، ولا يتأتى ذلك لكل شخص يقول هذا يؤخذ به وهذا متروك العمل به، وإنما فعل ذلك لجهابذة العلماء الذين عندهم القدرة على الاجتهاد والتمييز بما يناسب أو غير مناسب، فقد يكون في زمن من الأزمان قول من أقوال السلف فيما هو محل الاجتهاد مناسب لعصر، وليس مناسبًا لعصر آخر، فيجتهد العالم في القول المناسب من أقوال الصحابة أو التابعين أو المدارس الفقهية ويأخذه منهم، وإن لم يجد فله حق الاجتهاد بما عنده من قدرة على التعامل مع النص الشرعي.
وملخص ما قلناه: أن كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، وكل ما جاء عن السلف الصالح موافقًا للكتاب والسنة قبلناه، وإلا فكتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – أولى بالاتباع، ولكن لا نعرض للأشخاص بطعن أو تجريح، فلكل أجره.
الفصل الثالث: التعامل مع النص بغير علم
القول على الله بغير علم من أكبر الجرائم، وأعظم المنكرات التي قد تؤدي إلى الكفر أو الشرك أو عظائم البدع التي تجعل صاحبها على شفا جرف هار فتنهار به في نار جهنم – أعاذنا الله منها.
وعلماؤنا الكرام جعلوا القول على الله بغير علم أعظم من الشرك بالله سبحانه وتعالى، حيث جعل ابن القيم – وكان متابعًا لشيخه ابن تيمية – أن رتب المحرمات أربع، أدناها: إتيان الفواحش كالزنا والسرقة والقذف وغيرها، ويلي ذلك الإثم والبغي والظلم بغير حق، وأعظم من ذلك الشرك بالله سبحانه وتعالى، وأعظم من الشرك القول على الله بغير علم[25].
واستدل على هذا الفهم هو وغيره بقوله تعالى في سورة الأعراف: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف:٣٣].
ووجه ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما في أن القول على الله بغير علم أعظم من الشرك، أن الشرك غالبًا تقتصر مضرته على صاحبه، أما القول على الله بغير علم فإن مفسدته متعدية إلى الآخرين.
ومن ذلك قوله تعالى في سورة العنكبوت حكاية عن الكفار الذين قالوا على الله بغير علم للمؤمنين اتبعوا طريقتنا وديننا وسنحمل عنكم الخطايا والآثام، قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ ۖ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ۖ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [العنكبوت: ١٢ – ١٣].
فجرم الفتوى والقول على الله بغير علم يؤدي إلى كوارث في كثير من الأحيان، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – قال لبعض أصحابه الذين أفتوا بغير علم للرجل الذي احتلم ورأسه مشجوجة لا بد من الغسل لأنك واجد للماء، فاغتسل فمات، فقال r : ((قَتَلُوهُ قَتَلَهُمِ اللهُ))[26] الحديث.
ومن هنا جاء التحذير والوعيد الشديد لمن يصف الأشياء بالحل أو الحرمة دون دراية بفقه النص في قوله تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل: ١١٦ – ١١٧].
وحذر سبحانه في سورة الإسراء فقال: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا [الإسراء:٣٦].
شبهة وردّها:
يفهم البعض حديث رسول الله r : ((إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ، فَاجْتَهَدَ، فَأَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ، فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ))[27] فيقول: أقول قولي في المسألة فإن كان صوابًا فلي أجران، وإن كان خطأ فلي أجر.
وهذا بلا شك فهم غير صحيح على إطلاقه، فالأئمة على أن الحديث صحيح في مفهومه بإعطاء الأجرين للمصيب والأجر لمن أخطأ في ذلك.
فالشخص الذي قامت به درجة الاجتهاد، ووصل إلى درجة النظر في النصوص الشرعية، إن أصاب الحق فيما اجتهد فلا شك حسب الحديث له أجران، وإن أخطأ الصواب فله أجر على اجتهاده وبذل وسعه واستفراغ طاقته في الوصول للغاية الصحيحة وإن لم يدركها.
أما الشخص الذي ليس عنده قدرة على فهم النصوص، ولم تجتمع فيه شرائط النظر وإعمال الفكر في النص فكما قال أحد الأئمة فصوابه خطأ، وخطؤه جريمة، أما كون صوابه خطأ، لأن إصابته للحق لم تكن عن دراية وعلم، بل عن طريق المصادفة فليس له أجر أو أجران، وأما كون خطئه جريمة فلما قلناه من أن رتب المحرمات أربع، أعلاها القول على الله بغير علم، وأن هذا من باب افتراء الكذب على الله، ولا شك أن من افترى الكذب له عذاب أليم، وليس له أدنى أجر كما يتصور بعض العوام من الناس.
الفصل الرابع: كيفية التعامل مع النص:
المبحث الأول: التعامل مع النص من حيث الثبوت
قسم العلماء النص من حيث الثبوت والورود إلينا قسمين: ما ورد إلينا بطريق التواتر، وما ورد إلينا بطريق الآحاد. وقسموا التواتر قسمين: لفظي ومعنوي، وقسموا الآحاد ثلاثة أقسام: غريب وعزيز ومستفيض. وهذه طريقة الجمهور في التقسيم. وزاد السادة الحنفية قسمًا ثالثًا وهو المشهور، فأقسام النص من حيث الثبوت عندهم ثلاثة: متواتر – مشهور – آحاد. والحديث المشهور عندهم واسطة بين المتواتر والآحاد.
ومن المعلوم عند العلماء أن القرآن الكريم ثبت بطريق التواتر، فالقراءات المتواترة كلها محل اعتبار، واختلفوا فيما ورد بطريق الآحاد هل يسمّى قرآنًا، وهل يصل أن يكون مرجعًا لاستنباط الأحكام منه، وهذا الاختلاف مبني على ثبوت هذه القراءات بطريق الآحاد.
ومن المعلوم أيضًا أن السنة النبوية منها ما هو المتواتر بنوعيه اللفظي والمعنوي، ومنها ما هو الآحاد بغريبه وعزيزه ومستفيضه. وعلى هذا الأساس اختلف العلماء في أخبار الآحاد وما تفيده من القطع أو الظن.
والخلاصة: أنه حتى يكون التعامل مع النص صحيحًا لا بد من دراسة المسائل المتعلقة بالتواتر والآحاد، والوقوف على كلام العلماء في شروط التواتر ومدى انطباقها على النصوص حتى نقول إنها تفيد القطع أو الظن.
وهذا المبحث جُل الكلام فيه في علم أصول الفقه، فهذه ميدانهم في علم الحديث، وهو تقسيمه من حيث الورود والثبوت، ومن ثم ترتيب القطعية والظنية، وبعد ذلك تأتي الحجية.
بخلاف علماء الحديث، فإن جلّ اهتمامهم منصب على تقسيم الحديث من حيث القبول والردّ، فقسموا المقبول إلى قسمين: صحيح وحسن، وكل منهما إما لذاته أو لغيره، إذًا الأقسام أربعة من حيث القبول.
وأما من حيث الردّ، فقد قسموه إلى الرد من حيث السند والرد من حيث المتن، حيث لا تلازم عندهم بين صحة الحديث من حيث السند وصحته من حيث المتن، فقد يصح سندًا ولا يصح متنًا، ووضعوا الضوابط لذلك، وقد يصح متنًا ولا يصح سندًا، ولذلك ضوابطه عندهم أيضًا.
فمن يريد أن يتعامل مع النص لا بد من دراسة علم الحديث دراية فيما يتعلق بالقبول أو الرد، حتى يكون الاستشهاد بالحديث في موضعه الصحيح، فلا يقدم الحسن على الصحيح، أو الضعيف على الحسن، إلى غير ذلك من المسائل المتعلقة بمراتب الحديث وقوة الاستدلال به من حيث الصحة أو الضعف.
وكذا دراسة مباحث المتواتر والآحاد عند الأصوليين وهي كثيرة، فالجهل بهذا يوقع الإنسان في القول على الله بغير علم، الذي حذرنا الشارع منه، وذكرنا الآيات التي تدل على ذلك.
المبحث الثاني: التعامل مع النص من حيث الحجية
معنى الحجية هنا: أن النص هل يعتبر مصدرًا من مصادر التشريع تؤخذ منه الأحكام من حيث الجملة، فيُعرف منه الواجب والمندوب والمحرم والمكروه والمباح، أم أنه ليس حجة، فلا يكون مصدرًا لاستخراج الحكم منه.
– أولًا: اتفق جميع العلماء على أن القرآن المتواتر حجة ومصدر من مصادر التشريع، بل هو المصدر الأول، لثبوته بالتواتر، ولأن السنة جاءت بيانًا له، والمبين مقدم على المبيِّن، واختلفوا فيما ورد بغير التواتر، هل يعتبر مصدرًا أو لا؟
– ثانيًا: اتفقوا أيضًا على أن السنة النبوية المطهرة بأقوالها وأفعالها وتقريراتها مصدر من مصادر التشريع الإجمالية، وأن من أنكر ذلك فلا حظ له في الإسلام.
– ثالثًا: هناك مصادر شرعية أخرى، اعتبار مصدريتها متوقف على اعتبار الكتاب والسنة لها، ومنها:
– الإجماع: فهو حجة عند جميع المسلمين، ومصدر من المصادر الشرعية التي تأخذ منها الأحكام الشرعية، إذ دليل حجيته ثابت بالكتاب والسنة.
– القياس: الجمهور على حجيته، وأنه مصدر من المصادر المعتبرة التي تستنبط الأحكام بواسطته، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، وحجة من أنكر القياس لا ترقى إلى عدم الأخذ به.
– الاستحسان: قالت بحجيته ومصدريته السادة الحنفية والمالكية وغالب الحنابلة، وعارضه الشافعي وأبطله.
– المصالح المرسلة: قالت بحجيتها ومصدريتها السادة المالكية والحنابلة وكثير من الحنفية، ومنعه غالب الشافعية، وقالوا بعدم حجيتها.
– الاستصحاب: اعتبره الشافعية والمالكية والحنابلة، وأنكر حجيته كثير من الحنفية.
– العرف: قال بحجيته جميع الأئمة، فالعادة محكمة، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا عندهم بضوابطه وشروطه.
– سد الذرائع: أخذت به المالكية والحنابلة، ومنعه كثير من الحنفية والشافعية.
– قول الصحابي فيما فيه مجال للاجتهاد: مختلف في حجيته عند السادة العلماء والغالب منهم على عدم حجيته.
– هذه المصادر وغيرها مأخوذة من النص، وحجيتها مرتبطة باعتبار النص لها، فمن اعتبرها دلل عليها من الكتاب والسنة، ومن أنكرها لم يعتبر دليلها من الكتاب والسنة عند من قال بحجيتها.
– وهذه المصادر لا أبالغ بأن دراستها والتعمق فيها أحد أسباب التعامل الصحيح مع النص، ويتعلق بكل مصدر من هذه المصادر عشرات بل مئات المسائل التي يجب أن يتعلمها من يريد التعامل مع النص.
وأما الجهل بمصادر الشريعة المباشرة وغير المباشرة فيجعل التعامل مع النص قول على الله بغير علم، ويأتي في النهي والتحذير الذي سبق الكلام فيه.
المبحث الثالث: التعامل مع النص من حيث الرتبة
التعامل مع النص من حيث الرتبة متوقف على دراسة أمرين:
– الرتبة من حيث بداية النظر.
– الرتبة من حيث التقديم عند التعارض.
فأما الرتبة الأولى فالجمهور على أن القرآن مقدم على السنة، والسنة مقدمة على الإجماع، والإجماع مقدم على القياس.
فالأدلة المعتبرة عند الأصوليين أربعة، وترتيبها كالتالي: القرآن – السنة – الإجماع – القياس.
وباقي المصادر من حيث الرتبة يأتي النظر فيه بعد الأدلة المعتبرة الأربعة التي ذكرناها.
وليس بينها ترتيب معين، إذ بعض العلماء اعتبرها والبعض الآخر لم يعتبرها، وإن كان هناك اتفاق عند من اعتبر الاستصحاب أنه آخر مدار الفتوى، وفي التحقيق الدقيق نجد أن هذه الأدلة ليس ثمة اختلاف معتبر في حجيتها، فالسادة الشافعية هم أكثر المخالفين في اعتبار حجيتها، وأهل التحقيق على أن منع الحجية من السادة الشافعية للاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع لا يخالف من اعتبر حجيتها، فقد أخذ الشافعية بالاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع وسموها بأسماء أخرى، فمناط الاختلاف في الحجية ليس واقفًا على محل معين، فالكل أنكر الاستحسان بالهوى والتشهي، والمصالح المرسلة المبنية على غير مقصد شرعي، وسد الذرائع التي تخالف النصوص الشرعية.
وأما الرتبة من حيث التعارض، فعلماء الأصول على أنه لا يوجد تعارض حقيقي بين النصوص، لكن التعارض يقع في الظاهر، والمجتهد لو أفرغ وسعه وتعمق في فهم النص لزال هذا التعارض، وقد وضع علماء الأصول قواعد للترجيح بين النصوص عند تعارضها في الظاهر، منها أن المتواتر مقدم على الآحاد، وأن النص مقدم على الظاهر، والخاص مقدم على العام عند الجمهور، والمطلق يحمل على المقيد عند التعارض، ورواية الفقيه على من ليس فقيهًا، وغير ذلك من القواعد المتعلقة بالنصوص الشرعية عند تعارضها.
المبحث الرابع: التعامل مع النص من حيث الدلالة
علاقة النص بالمعنى قسمها علماء الحنفية أربعة أقسام:
علاقته بالمعنى من حيث الوضع، وهو على أربعة أقسام: العام – الخاص – المشترك – المؤول.
ثم علاقة النص بالمعنى من حيث الاستعمال، وقسموه أربعة أيضًا: الحقيقة – المجاز – الصريح – الكناية.
ثم علاقته به من حيث الوضوح والخفاء، فجعلوا الوضوح أربعة، وهي: الظاهر – النص – المفسر – المحكم.
ومقابلها أربعة في الخفاء، وهي: الخفي – المشكل – المجمل – المتشابه.
ثم علاقة النص بالمعنى من حيث كيفية استخراجه منه، وجعلوه في أربعة أقسام: عبارة النص – إشارة النص – دلالة النص – دلالة الاقتضاء.
والجمهور خالف السادة الحنفية في علاقة النص بالمعنى من حيث الوضوح والخفاء، فجعل الوضوح قسمين، هما: الظاهر والنص، وجعل الخفاء في أمرين: المجمل والمتشابه. وخالفهم أيضًا في طرق الاستنباط، فجعلها قسمين: الأول: المنطوق، وجعله صريحًا وغير صريح. الثاني: المفهوم، وقسمه قسمين: موافقة ومخالفة.
فالتعامل مع النص دون منهجية معينة سواء بطريقة السادة الحنفية أو الجمهور قول على الله بغير علم، فمن شروط الشخص الذي يتعامل مع نص من القرآن أو السنة أن يكون مدركًا للمسائل المتعلقة بالعام والخاص والمشترك والمؤول، والحقيقة والمجاز والصريح والكناية، وأن يكون عميقًا في فهم النص من حيث وضوحه كالظاهر والنص والمفسر والمحكم، وعالمًا بخفيه كالخفي والمشكل والمجمل والمتشابه، ثم يكون على دراية بطرق الاستنباط التي وضعها العلماء سواء عبارة النص أو إشارته أو دلالته أو اقتضائه.
وكل فرع من هذه الأقسام تحته عشرات بل مئات المسائل، فمن لم يحسن دراستها فكيف يتعامل مع النص ويعلم ما فيه من أحكام.
المبحث الخامس: التعامل مع النص من حيث المقصد
النصوص الشرعية غايتها الأولى تحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل، وقد قسم الإمام الشاطبي المقاصد المتعلقة بنص الشارع قسمين: ما يرجع إلى قصد الشارع، وما يرجع إلى قصد المكلف.
وجعل القسم الأول أربعة أقسام:
الأول: قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداء، وذكر في هذا القسم ثلاث عشرة مسألة.
الثاني: قصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام، وجعل تحته خمس مسائل.
الثالث: قصد الشارع في وضع الشريعة للتكليف بمقتضاها، وجعله في اثنتي عشرة مسألة.
الرابع: قصد الشارع في دخول المكلف تحت أحكام الشريعة، وذكر فيه عشرين مسألة.
وأما القسم الثاني: ما يرجع إلى قصد المكلف، فقد جعله في اثنتي عشرة مسألة.
ومن المعلوم أن الإمام الشاطبي – رحمه الله – صاحب الموافقات أكثر العلماء اهتمامًا بقضية المقاصد الشرعية، وجملة ما ذكره من مسائل متعلقة بالمقاصد اثنتين وستين مسألة، تحت كل مسألة معاني وفصول كثيرة يصعب عدها وحصرها.
فالذي يريد أن يتعامل مع النص الشرعي لا بد وأن يكون واقفًا ودارسًا لهذه المسائل وعالمًا بها، حتى لا يقع خطأ منه عند الجهل بها.
وما ذكره الشاطبي – رحمه الله – هو الحد الأدنى للمقاصد الشرعية، وإلا فإن علم المقاصد فيه من المسائل الكثيرة التي ذكرها العلماء زيادة عما كتبه العلامة الشاطبي، فالجهد بالمقصد جهل بالنص.
خاتمة:
هذه الدراسة مهمتها الأولى وغايتها الظاهرة أن تبين لكل مسلم أن التعامل مع النص الشرعي من كتاب أو سنة باستخراج الأحكام منهما ليس عملًا يسيرًا أو سهلًا، وإنما يحتاج إلى دراسة وفهم لطبيعة التعامل مع النص ثبوتًا وحجية ومرتبة ودلالة ومقصدًا، وأن التقصير في فهم ودراسة هذه الجهات وما تحتها من عناوين يؤدي إلى القول على الله بغير علم، الذي حذَّرنا الشارع منه.
ومن مهمتها أيضًا أن تضع خريطة واضحة للتعامل مع النص، فإن البعض قد يحسن التعامل مع النص من جهة واحدة أو من جهتين، لكن هذه الدراسة وضعت الجهات الخمس المتعلقة بالنص، ورسمت لها صورة جامعة، مع العلم أن تحت كل جهة مئات المسائل الأخرى، فالمقصود بيان صورة كلية للتعامل مع النص، أما تفاصيل كل جهة وما تحتها فله دراسات كبيرة وعظيمة غالبها إن لم يكن كلها متعلق بدراسة علم أصول الفقه.
وأخيرًا: رفعت هذه الدراسة بعض الشبهات المتعلقة بالنص، كالفهم الخاطئ لقاعدة “لا اجتهاد في مورد النص” وقاعدة “إذا صح الحديث فهو مذهبي” وكذا فهم بعض العامة أن كل مخطئ له أجر، فبينت الدراسة أن قاعدة “لا اجتهاد مع النص” المقصود بالنص هنا قطعي الدلالة قطعي الثبوت، وقاعدة “إذا صح الحديث فهو مذهبي” عند عدم وجود المعارض، وليس ذلك إلا للمجتهد فقط، وأما فهم بعض العامة على أن كل مخطئ له أجر أخذًا بظاهر الحديث، فصوابها أن المخطئ الذي يأخذ الأجر إنما ذلك لمن توافرت فيه شروط الاجتهاد، وليس لعموم المسلمين.
أهم المصادر والمراجع:
- تفسير القرآن العظيم، المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، المحقق: سامي بن محمد سلامة، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية 1420هـ – 1999 م.
- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، المؤلف: أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس (المتوفى: نحو 770هـ). الناشر: المكتبة العلمية – بيروت.
- لسان العرب، المؤلف: محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقي (المتوفى: 711هـ)، الناشر: دار صادر – بيروت، الطبعة: الثالثة – 1414 هـ.
- الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء مالك والشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهم، المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت.
- المجموع شرح المهذب ((مع تكملة السبكي والمطيعي))، المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)، الناشر: دار الفكر.
- أدب الفتوى والمستفتي مع فتاوى ابن الصلاح، ط: دار المعرفة، المجموع للنووي: ط1، ص64.
- إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، المؤلف: أحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري، أبو العباس، شهاب الدين (المتوفى: 923هـ)، الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية، مصر، الطبعة: السابعة، 1323 هـ.
- أسنى المطالب في شرح روض الطالب، المؤلف: زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري، زين الدين أبو يحيى السنيكي (المتوفى: 926هـ)، عدد الأجزاء: 4، الناشر: دار الكتاب الإسلامي، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ.
- تحفة المحتاج في شرح المنهاج، المؤلف: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، روجعت وصححت: على عدة نسخ بمعرفة لجنة من العلماء، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى بمصر لصاحبها مصطفى محمد، الطبعة: بدون طبعة، عام النشر: 1357 هـ – 1983 م
- فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت، ضبطه وصححه عبد الله محمود محمد عمر، دار الكتب العلمية في بيروت.
- الذخيرة، المؤلف: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي (المتوفى: 684هـ)، المحقق: جزء 1، 8، 13: محمد حجي، جزء 2، 6: سعيد أعراب، جزء 3 – 5، 7، 9 – 12: محمد بو خبزة، الناشر: دار الغرب الإسلامي- بيروت، الطبعة: الأولى، 1994 م.
- كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، المؤلف: عبد العزيز بن أحمد بن محمد، علاء الدين البخاري الحنفي (المتوفى: 730هـ)، الناشر: دار الكتاب الإسلامي
- شرح التلويح على التوضيح، المؤلف: سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (المتوفى: 793هـ)، الناشر: مكتبة صبيح بمصر، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ.
- روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، المؤلف: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620هـ)، الناشر: مؤسسة الريّان للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الطبعة الثانية 1423هـ-2002م.
- رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، المؤلف: تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (المتوفى: 771هـ)، المحقق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، الناشر: عالم الكتب – لبنان / بيروت، الطبعة: الأولى، 1999م – 1419هـ.
- شرح الكوكب المنير، المؤلف: تقي الدين أبو البقاء محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي المعروف بابن النجار الحنبلي (المتوفى: 972هـ)، المحقق: محمد الزحيلي ونزيه حماد، الناشر: مكتبة العبيكان، الطبعة: الطبعة الثانية 1418هـ – 1997 مـ.
- أصول السرخسي، المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (المتوفى: 483هـ)، الناشر: دار المعرفة – بيروت.
- مناقب الشافعي للبيهقي، المؤلف: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (384 – 458 هـ)، المحقق: السيد أحمد صقر، الناشر: مكتبة دار التراث – القاهرة، الطبعة: الأولى، 1390 هـ – 1970 م [28].
الهامش
[1] مسند أحمد 5/ 173 وحسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه لأحاديث المسند، سنن أبي داوود 1/ 93 وسكت عنه، سنن ابن ماجه 1/ 189، صحيح ابن خزيمة 1/ 138.
[2] البخاري 2/162، مسلم 2/ 936.
[3] راجع: المصباح المنير: مادة نصص، لسان العرب: مادة نصص، كشف الأسرار شرح المصنف على المنار: ج2 ص206.
[4] راجع: كشف الأسرار للبخاري: ج1 ص46، التلويح على التوضيح: ج1 ص238.
[5] راجع: روضة الناظر: ج2 ص31-32، رفع الحاجب: ج3 ص485.
[6] راجع: مختصر التحرير: ج2 ص174، روضة الناظر: ج2 ص31.
[7] راجع: أصول السرخسي: ج1 165، أصول البزدوي بهامش كشف الأسرار للبخاري: ج1 ص49.
[8] راجع: متن المنار بشرح كشف الأسرار شرح المصنف على المنار: ج1 ص209.
[9] راجع: أصول البزدوي على هامش كشف الأسرار للبخاري: ج1 ص46.
[10] راجع: المرجع السابق، حاشية قمر الأقمار: ج1 ص142.
[11] راجع: آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم: ص67، والحلية لأبي نعيم: ج9 ص106، ومناقب الشافعي للبيهقي: ج1 ص473.
[12] تفسير القرآن العظيم 1/ 496، المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، المحقق: سامي بن محمد سلامة، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية 1420هـ – 1999 م.
[13] الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء مالك والشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهم ص144، المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت.
[14] راجع: إذا صح الحديث لتقي الدين السبكي: ص99.
[15] المجموع شرح المهذب ((مع تكملة السبكي والمطيعي)) 1/10، المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)، الناشر: دار الفكر.
[16] راجع: أدب الفتوى والمستفتي مع فتاوى ابن الصلاح: ج1 ص53، ط: دار المعرفة، المجموع للنووي: ط1، ص64.
[17] مهيع: طريق.
[18] إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 4/124، المؤلف: أحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري، أبو العباس، شهاب الدين (المتوفى: 923هـ)، الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية، مصر، الطبعة: السابعة، 1323 هـ.،
- أسنى المطالب في شرح روض الطالب 2/363، المؤلف: زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري، زين الدين أبو يحيى السنيكي (المتوفى: 926هـ)، عدد الأجزاء: 4، الناشر: دار الكتاب الإسلامي، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ.
- تحفة المحتاج في شرح المنهاج 6/55، المؤلف: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، روجعت وصححت: على عدة نسخ بمعرفة لجنة من العلماء، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى بمصر لصاحبها مصطفى محمد، الطبعة: بدون طبعة، عام النشر: 1357 هـ – 1983 م
[19] راجع: تنقيح الفصول وشرحه: ص354 مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر ط 2004، ابن السبكي ص112.
[20] ج1، ص258.
[21] ص93.
[22] راجع كتاب: معنى قول الإمام المطلبي ((إذا صح الحديث فهو مذهبي)) للسبكي ص136.
[23] فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 1/286، ضبطه وصححه عبد الله محمود محمد عمر، دار الكتب العلمية في بيروت.
[24] الذخيرة 13/ 325، المؤلف: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي (المتوفى: 684هـ)
المحقق: جزء 1، 8، 13: محمد حجي، جزء 2، 6: سعيد أعراب، جزء 3 – 5، 7، 9 – 12: محمد بو خبزة، الناشر: دار الغرب الإسلامي- بيروت، الطبعة: الأولى، 1994 م.
[25]راجع: إعلام الموقعين 1/38.
[26] سبق تخريجه انظر ص2.
[27] مسند أحمد 29/308 وصححه الشيخ الأرناؤوط في تخريجه لأحاديث المسند، سنن ابن ماجه 2/776، سنن أبي داوود 3/299، سنن الترمذي 3/607 وقال: “حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ”.
[28] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.