خطاب السيسي قراءة نفسية حركية
في الرابع والعشرين من فبراير 2016، ألقي عبد الفتاح السياسي خطاباً مطولاً فيما أطلق عليه “فى مؤتمر إطلاق استراتيجية مصر للتنمية المستدامة “رؤية مصر 2030″، واستمر الخطاب نحو الساعة نصف الساعة. وفي هذا المقال نعمل على تحليل الخطاب من منظور علم الفراسة وقراءة الملامح وعلم الحركة، كأحد المنظورات التي لا تجد اهتماماً يليق بها في العالم العربي، رغم ما يمكن أن تكشف عنه من دلالات كاشفة للحالة النفسية والعصبية لصانعي القرار والفاعلين في النظم السياسية العربية. وسيتم الوقوف على عدد من الإشارات ودلالاتها بتوقيتاتها كما وردت في النص الرسمي للخطاب والمنشور على (شبكة اليوتيوب)، وذلك على النحو التالي:
1-لن نقول مصر تتكلم وإنما الدولة والسلطة كانت تتكلم في هذا الخطاب، لأن رؤية السيسي لمصر 2030 سردها في ساعة ونصف ليست كما يعتقد الشعب المصري لأنه يمتلك لمصر رؤية خاصة به وبرغباته الشخصية وطموحاته الخاصة.
2-الخطاب في مضمونه موجه إلى ثلاث جهات أساسية وذلك على النحو التالي:
- الجهة الأولي: الجبيهة الداخلية: وهذه تتضمن النقاد والإعلام وشريحة من الشعب المصري
- الجبهة الثانية: المعارضون، وتضم جماعة الإخوان المسلمين والقوى السياسية المناهضة للنظام، والجماعات التي يتم وصفها بالإرهابية في منطقة سيناء
- الجبهة الثالثة: المانحون والداعمون الخارجيون وخاصة دول الخليج.
3-بداية الخطاب دخل السيسي على موسيقى عسكرية نوعا ما وهذا يعزز النزعة العسكرية عنده وحرصه على تأكيد هذا الطابع الثابت والمستقر في حكمه وفي ذلك إشارة للمؤسسة العسكرية ودورها الداعم للنظام.
4-في بداية الخطاب كان السيسي ينظر إلى الأعلى، وهو بذلك كان متوجه في حديثه إلى الشباب الجالس في أعلى المسرح وكأنه هو المستهدف بهذا الكلام، لكنه عندما بدأ في سرد الإنجازات التي تناولها كان النظر في مستوي أفقي، وفي هذا إشارة إلى أن هذه الإنجازات قام بها مع هؤلاء الوزراء الذين اعتقد إنهم بالواجهة المقابلة له وهم الشهود على صدق أو كذب ما يقول، ويريد منهم التأميم على ما يقول به.
5- عندما كان يذكر الإنجازات سواء كانت الجسور، أو الكهرباء أو الماء أو الغاز أو الشوارع إلى آخره كان يقوم بتشبيك أصابعه مع بعض البعض على مستوى الصدر للداخل، وهذه الحركة من منظور علم الحركة تدل على أنه لم يقل كل الحقيقة ويخفي أشياء أو معلومات خاصة به وإنه جاء من أجل عرض إنجازاته في سنة ونصف بطريقة تحليلية معتمداً على الأرقام، فالهدف من عرض الأرقام في علم قراءة الملامح يكون الهدف منها إقناع المستمعين ومحاولة فرض التصديق على المستمع وخاصة عندما يقول: “أعيد”، فالتكرار هنا ليس دليلاً على صدق المعلومة ولكن الهدف منه محاولة ترسيخ هذه المعلومة حتى لو كانت غير صحيحة.
6-أكثر السيسي من استعمال مفردات اللهجة العامية ولكن أثقل مسامع المشاهدين والمتابعين بكثرة الأرقام، ولكن كما سبق كمحاولة لبيان المصداقية، حتى لو كانت هذه الأرقام غير دقيقة.
7-عند الدقيقة 8:48 تنهد السيسي تنهيدة لا شعورية، وفي التحليل النفسي وعلم الحركة، تدل على أن هناك مشكلة كبيرة وحقيقية يوجهها يشعر معها باليأس والمرارة والعجز والملل وأنه يجد صعوبة في التواصل مع الشعب أو أن الشعب لم يصل إلى حد الأقصى لتحقيق رغباته الشخصية، فجسور التواصل مع الشعب لا تصل إلى ما يتمناه.
8-عند الدقيقة 11:11 قال للشعب ولمنتقديه: “لا يسمع كلام حد غيري”، بصوت مرتفع، ثم ينفجر عند الدقيقة 11:21 ويستخدم إصبعه وهذا هو الوعيد، وعند الدقيقة 11:36 استخدم قبضة يده، وعند الدقيقة (11:46) ارتفع صوتة بالكلام قائلاً: “أنا لا أكذب ولا ألف وأدور”، وهذا يؤكد ما ذهب إليه التحليل السابق إشارة إليه بأنه جاء بحقيقة ناقصة ويريد فرضها بالقوة أو يجب تصديقها بالقوة
9-عند الدقيقة 12:54 أقسم بسحق أعداء مصر، ولكن الخفي الذي لم يتم الإفصاح عنه، والذي أكدته قراءة حركاته أنه أقسم بسحق كل من يقف ضد رغبته وإرادته وخاصة عندما فتح كف يده وقام بحركة اليد بطريقة أفقية، وهذه الحركة من منظور علم الحركات دليل على الرغبة العميقة الكامنة في القضاء على كل من يقف ضده سواء من الخارج أو من أنصاره.
10-عند الدقيقة 13:19 صدرت عنه حركة مع لفظة “هِيه” وهي لا تليق برئيس دولة ولا بالمكان الذي يقف فيه، تدل على الوجه الآخر له في تعامله مع منافسيه، وتعكس أنه إنسان عسكري فاقد للدبلوماسية والقدرة على التواصل مع الآخرين، سواء كانت هذه الحركات تلقائية أو كان تم الاتفاق عليها مسبقاً، والحركة مع اللفظة تعكس وجود كوامن شخصية عدائية من دكتاتور جاء لتوصيل رسائل للجبهة الداخلية سواء من المعارضين أو المنتقدين أو الذين يعملون على إسقاطه من مؤيديه.
11-عند الدقيقة 21:21 استخدم السيسي طريقة مدروسة من طرق التأثير في المشاهدين، تقوم على استخدام العاطفي الدينية والوطنية، حيث أكثر من ذكر الله وأكد أنه يصلي وأن هذا من فضل الله وأقسم بالله، تعزيزاً لهذه النزعة حتى يوصل مضامينه بغلاف ديني لطبقة من المجتمع يستهويها مثل هذا الخطاب العاطفي حتى لو كان فارغاً من المضامين وبعيداً عن الحقائق.
12-عند الدقيقة 32:30، ارتفع سقف النبرة والأنا الذاتية عند السيسي وبالغ في الحديث عن كثرة إنجازاته وقال (أنا الدولة) وقد وضع يده على صدره، وهنا نلاحظ أنه عندما يتحدث عن الإنجازات في يقول أنا (الدولة) وعندما يتحدث عن احتياجه للآخرين ودور الشعب في دعمه يقول “نحن”.
13-المشهد التمثيلي الواضح والجلي للعيان عندما قال في الدقيقة 38:21 (لو ينفع أتباع. أتباع)، وهو كلام إستعراضي يخاطب مشاعر البسطاء من الشعب المصري لأن نبرة الصوت بعد هذا المشهد الدرامي وحركات الوجه المصطنعة كانت غير طبيعية.
14-عندما تحدث عن المساعدات الخليجية في الدقيقة 41:03 تلقائيا قال كلمة (لكن) ثم توقف وفكر ثم شكر وهذا الترتيب في الكلمات والحركات يعنى أن هناك خللاً في العلاقات وسوء فهم عند الطرف المستهدف (الخليج) ولذا قام بالتوضيح وخاصة عندما قال (هناك من يعايرنا بفقرنا).
15-بالرغم إنه يمتلك أمامه خطاباً مكتوباً إلا إنه عندما سأل سؤالاً (من أين تأتي الفلوس)، أخرج ورقة من جيب الجاكيت وكأن السر مكتوب بتلك الورقة التي يحملها، وهذه الحركة تدل على إنه اعتمد إسلوب التمويه القائم على أنه يمتلك كل الحلول وأنه الذي أخرج الحل من جيبه (أنا الحل أو عندي أنا الحل).
16-عندما ذكر البقاء في الحكم والسلطة قام بتشبيك أصابعه وتحدث عن الأمن القوي المصري والعربي والسياسة الخارجية ولكنه لم يذكر موقف مصر من الأحداث الجارية الآن في الوطن العربي أو في مصر.
17-عندما تحدث عن البرلمان والحكومة استعرض معرفته المطلقة بالحكومة وتهكم على من ينتقدون الحكومة (وهو ما يعكس نوعاً من الاستبداد والتفرد بالحكم) ودل هذا الجزء من الخطاب على حبه لسماع كلمات الإطراء والمديح ورفضة لسماع النقد وسماع الشكوى، مستخدماً عبارات “البلد بتعيش يوم بيوم” لتبرير عمل الحكومة وعدم السماح للبرلمان بنقد أداؤها، في محاولة هدف من ورائها إلى جلب الاستعطاف الشعبي وترك الحكومة دون نقد.
18-عندما تحدث عن الإرهاب والعنف “تنهد” ولكن كانت تنهيدة مصطنعة وليست حقيقية وقال إنه كان على علم بالإرهاب الذي كان في سيناء قبل 30 يونيو وذكر تفاصيل ومعلومات كان يعلمها وهو على رأس عمله بالمخابرات، ولكنه لم يذكر لماذا لم يحارب الإرهاب وقتها؟ ولم يتحدث عن دوره خلال هذه المرحلة.
19-خصص السيسي آخر جزء من الخطاب للشباب وذكر إقتراح تخصيص عدد إثنين من الشباب لمرافقة النواب في تحركاتهم حتى يتعلموا منهم وذكر تجربة محمد على باشا، ولكنه دون وعي أو إدراك ذكر شخصية تاريخية مؤسسة لمصر الحديثة ولكنها محسوبة على التاريخ العثماني.
20- حرص السيسي على تأكيد أن ما أنجزه في سنة ونصف يعادل إنجاز عشرين سنة ثم قال للشعب المصري (في إطار الأسلوب العاطفي الموجه للجمهور العادي) هذا الإنجاز (مش أنا ده أنتم يا مصريين)، ثم كانت الحركات الختامية مع الألفاظ المستخدمة عاكسة لطبيعته الشخصية، وأساليبه في المناورة ومخاطبة الجمهور المستهدف، حيث شكر الحضور ثم أرجع الورقة الصغيرة إلى جيبه، بما يعكس حرصه على تأكيد امتلاكه لأسرار الدولة وطلاسم الحكم التي يستطيع بها التأثير في الآخرين، ثم تكرار عبارة (ما حد يقدر) مرتين، بما يعني ترسيخ نزعته نحو الديكتاتورية وأن أي معارضة مصيرها الزوال من أجل أن “تحيا مصر”، حسب اعتقاده، ولكن لترسيخ دوره وطموحاته.