“طرح باحثان أميركيان هما “جون أركيلا” و”دايفيد روزفلت” في كتابهما المعنون “انبثاق سياسة المعرفة” الصادر عام 1999، نظريةَ “الحـرب المعرفية الافتراضية”(1)، ومفادها أن حروب المستقبل يجب أن تواكب التحولات الاجتماعية العميقة في بُنى المجتمعات. وبالتالي فإن إدارتَها الرئيسة ستكون إعلامية، وليس عسكرية. فالإعلام ميزة فيزيائية، ولا فرق بينه وبين الطاقة والمادة. فمن السذاجة الاستمرار في قبول التعريفات التقليدية للإعلام، على أنه “مرسل” و”مستقبل” و”أداة اتصال”، فهذه مجرد عناصر. أما القيمة الرئيسية فهي لـ “الرسالة” التي يمكن عن طريقها خوض الحرب عبر الشبكات “Networks”. فحروب الغد لا يكسبها من يملك القنبلة الأكبر، بل يربحها ذلك الذي يمتلك “الرسالة الفُضلى” ويقدر من ثمَّ على الإخبار بها.
ولأن الرسالة تفقدُ أيَّ قيمة لها، بل تفقد مبرر تسميتها رسالة، إذا بقيت في حوزة مُنْشِئِها، ولم تنتقل إلى “المُتلقي”، فإن التفاعل بين المتلقي والمرسل للتعاطي الفعال والإيجابي مع “الرسالة” يتطلب أداةَ اتصالٍ قادرةً على تحقيق هذه الغاية، من هنا جاء تأكيد أستاذ الإعلام الدكتور “علي دشتي”، “على أن أي نشاط على الإنترنت لا يكون له تأثير ملحوظ، إلا عندما يصل إلى رجل الشارع، ساعتها يكون تأثير هذه الشبكات الاجتماعية غاية في الأهمية”(2).
ولكن خطَّ سيرِ الرسالة الإعلامية التقليدية مشوبٌ بالمعرقلات القائمة على احتكار مصدر المعلومة، وعلى مراقبة مضمونها ومصدرها ونمط تدفقها، من قبل الأنظمة والحكومات صاحبة الهيمنة عليها. من هنا كان لتحرر وسائط “الإعلام الاجتماعي” الجديد من تلك المعرقلات، أكبر الأثر في تغيير مفاهيم ودلالات مراكز القوى في الحروب الإعلامية الراهنة والقادمة. في هذا السياق أوضح “سلطان العتيبي” المتخصص في شؤون الإعلام الإلكتروني في حديث لموقع “إيلاف” الإلكتروني، “أن مجانية مواقع التواصل الاجتماعي مثل “الفيسبوك” و”تويتر”، وسهولة الوصول إليها في أي وقت، والبحث فيها بأيسر الطرق، بالإضافة إلى قلة الرقابة عليها، من أسباب توجه الشعوب إليها للتعبير عن رأيها بحرية، حيث أن السلطة النظامية عليها قليلة”(3).
وهو ما أكد عليه الكاتب السعودي “عبده خال” في حديث للموقع نفسه حين قال: “إن الذي أحدث الثورات العربية هو الإعلام الجديد، والإعلام الجديد هو البشر العاديون الذين يبثون أخبارهم بالصوت والصورة عبر صفحات التواصل الاجتماعي”(4). يقودنا هذا الأمر إلى الحديث في بدايات ظهور الإعلام الاجتماعي كإعلام بديل. في هذا السياق يجدر التمييز بين المجتمعَيْن المعلوماتي والمعرفي، إذ يرتبط الأول بالاختراعات التقنية، فيما يتعلّق الثاني بالتحوّل الاقتصادي والسياسي والمؤسساتي المؤدي إلى تلك الاختراعات أو الناتج عنها. “ومنذ انطلاقتها في تسعينيات القرن الماضي بوصفها اختراعا تقنيا، صنعت الإنترنت مجموعات غير حكومية بوصفها تجليات للمجتمع المعرفي تناضل من أجل الحرية، وتتبادُل المعلومات والوثائق، فظهر الوسيط الإلكتروني كإعلام بديل”(5) جمع بين مجتمع المعرفة ومجتمع المعلومات.
إن الثورات العربية التي انطلقت شرارتها مع بدايات العام 2011، فرضت وما تزال تفرض الوقوف مطولا عند هذا “الإعلام الاجتماعي البديل”، أو “الشبكة العنكبوتية/الإنترنت”، أو “الفضاء الإسفيري” – وكلها أسماء لمسمى واحد – للتعرف على دوره الحقيقي في تفجيرها وإذكائها، وفي تنظيمها والإعداد لها، مادامت قد ارتبطت به منذ لحظاتها الأولى وما تزال، ارتباطا حدا بالبعض إلى القول: “إذا أردت أن تحرر الشعوب، فما عليك إلا أن تمنحهم فرصة للدخول إلى الإنترنت”(6).
ولكن الحديث في العلاقة بين الثورات العربية، وما بدا للجميع أنه “الأداةَ” الأساس والأهم في تفجيرها وإدارتها، وفي تنظيمها ابتداء، لا يمكنه أن يتكامل، وأن يَتَّسِمَ بالموضوعية، إذا لم يتطرق إلى محاور هامة، تقع على تماسٍّ مباشر مع حيثيات تلك العلاقة. من هنا فإن المحاور التالية يفترض أن تعالجَ بشكل أو بآخر في دراسة كالتي نحن بصددها.. مثل “الإنترنت من الإرهاصات الأولى إلى جيل “الويب 2″، باعتبار أن جيل “الويب 2” هو الفضاء الرحب الذي كان القفز التكنولوجي باتجاهه، يقف وراء فتح المجال واسعا لتشكيل المجتمعات الافتراضية التي يثار الجدل بخصوصها في الثورات العربية.. و”الإنترنت والثقافة الجديدة”، التي بات واضحا أن هذا الإعلام يشكل أساساتها على نطاق واسع..
ثم بعد ذلك يصار إلى الانتقال إلى المحاور ذات العلاقة المباشرة بموضوع الدراسة، والمتعلقة بتتبع الآراء والمواقف المختلفة فيما يتعلق بدور هذا الفضاء “الإسفيري” في التحريك والتغيير، في ضوء ما جرى ويجري في الثورات العربية. أما العلاقة التشابكية والتكاملية بين الإعلام الاجتماعي وكلٍّ من التلفزيون والأجهزة الخلوية في القيام بمهمة التغيير، فإنها تُعَدُّ من الموضوعات التي لا تقلُّ أهمية في ضرورة معالجتِها عن أهمية باقي الموضوعات المشار إليها.
خيال جامح كان محط استهزاء نهاية 2009 أصبح واقعا أثار الجدل بداية 2011..
بتاريخ 31/12/2009، تساءل كاتب افتراضي على شبكة الإنترنت يدعى “نور11”: “هل تتوقع أن الثورة العربية القادمة ستكون عبر شبكة الإنترنت؟”، رد عليه عدد غير قليل من المجيبين. أفضل إجابة بحسب التصويت في موقع إجابات غوغل كانت: “لديك يا “نور11″ خيال واسع وأفكار جميلة من الممكن أن تتحول يوما ما إلى سيناريو فيلم جميل”. وجاءت بقية الإجابات على النحو التالي: “لا أعتقد، فـ “النت بلا هوية ولا مصداقية”، “إن قيام ثورة عربية أمر مستحيل”، “لا أعتقد ذلك”، “كل شيء جائز”، “لن تكون هناك ثورة عربية أبداً”، “حتى وإن كانت هناك ثورة على الإنترنت، ما فائدتها إن لم تتطبق على أرض الواقع، يعني ثوره الإنترنت ماذا ستفعل؟ هل ستسقط موقع الحكومة على النت، مثلا وتقتل “السيرفر الخاص بها؟”. “الثورة العربية ههههههههه”، “أكيد لا”، “لا”، “لا أتوقع ثورة ولا أتوقع شيئا عبر الإنترنت، ولا حتى مظاهرة”، “لا أعتقد ثورة عربية سواء على المواقع أو على الأرض”(7).
صاحب أوسع خيال وأكثره جموحا إذن كان يقول: “جائز لهرطقات “نور 11”! كلهم استهزأوا به، وضحك منه. الحكام والمحكومون على حدٍّ سواء. وكلنا سمعنا “جمال مبارك” قبل الثورة “وهو يرد ضاحكا مستهزئا على شاب سأله: “لماذا لا تتحاورون مع هؤلاء الشباب” – يقصد الذين يحرضون على التظاهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي – بقوله بصلف وكبرياء وغطرسة، وهو يضع يديه في جيبيه كما هي عادته: “حد يرد عليه، رد عليه يا حسين”(8). وحينما حدث ما حدث في تونس ثم في مصر وليبيا وغيرها تغير الحال. تحولت شبكة الإنترنت لعدو لدود، و”العيال” الذين استهزأ بهم “جمال مبارك”، قيدوه وألقوا به في السجن ليحاكَم مع والده.
وبعد أن أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي حديث الساعة بسبب انتصار ثورتي تونس ومصر، قام الشباب في مصر فور انتصار الثورة مباشرة، بطرح قضية مهمة للنقاش عبر تلك المواقع: “ماذا نريد الآن؟ وبماذا نحلم؟”.. كانت الأرقام تشير بتاريخ 18/2/2011، أي بعد أسبوع فقط من تنحي الرئيس مبارك، إلى مشاركة ٣٧٬٥٩٨ شخص في هذه الخدمة عن طريق تقديم ٤٧٬٥٤٠ فكرة متميزة و١٬٢٧٦٬٦٧٩ صوت على هذه الأفكار”(9).
ومع ذلك فإن النقاش حول دور الإنترنت في الثورات العربية ما يزال في بداياته. ولا أحد يستطيع الادّعاء أنّه بات يملك إجابات شافية على حجم هذا الدور، ومدى تأثيره وفاعليته. “فلا يمكن دراسة تحرّك شعبي جماهيري بهذا الحجم، من خلال عامل واحد، هو طرق التواصل التي اعتمدها، وشكّل من خلالها فضاء عاماً، يسمح بولادة وعي ويؤسّس لحراك”(10). هناك عوامل عديدة يجب أخذها في الحسبان، منها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وما يزال الوقت مبكرا على تشكيل الرؤية المتكاملة في هذا الشأن.
إلا أن ما يجب التوقف عنده وعدم تجاهله في سياق أي دراسة جادة عن الثورات العربية ودور الإعلام الاجتماعي – الفضاء الإسفيري / شبكة الإنترنت – فيها، أنها “ثورات متلفزةً”، بخلاف ما تقوله كلمات الأغنية الأميركية الشهيرة “الثورة لن تعرض على التلفزيون” “The Revolution will not be Televised”، وهي الأغنية التي أداها المواطن الأميركي الأسود، “جيل سكوت هيرون”، عام 1970، موجها نقداً قاسياً للتلفزيون والتسليع الذي تنتهجه وسائل الإعلام الجماهيرية بعدم بثها لأحداث ذلك العام. لكنّ الأغنية انتهت بعبارة “الثورة لن يعاد بثّها يا رفاق، الثورة ستكون مباشرة”(11).
الإنترنت من الإرهاصات الأولى إلى جيل “الويب 2”..
“في شهر أكتوبر من عام 1969 بدأ علماء من جامعة كاليفورنيا الأميركية تجربة علمية مثيرة. كانت التجربة العلمية محاولة لربط جهاز كمبيوتر في مدينة “لوس أنجلوس” بكومبيوتر آخر في مدينة “منلو بارك” بخط هاتفي، بحيث يستطيع الجهازان العمل معا في شكل نظام اتصال مغلق”(12). وما هي إلا سنوات قليلة حتى كان “البنتاغون” يراقب “حلف وارسو” عبر شبكة سرية تربط بين حواسيبه وأقماره الصناعية ووحداته الاستخبارية وشبكاته اللاسلكية.
إنها الشبكة التي لم نعرف عن أسرارها شيئا، إلا بعد أن انتهت الحرب الباردة، وتبرعت بها الولايات المتحدة للعالم في عام 1986، لتكون شبكةً تربط بين الأمم والشعوب أفرادا وجماعاتٍ، وتخرج من إطار التجسس العسكري إلى إطار الهيمنة والمراقبة والترويج، في مجالات الثقافة والسياسة والاقتصاد. إنها الشبكة العنكبوتية التي نعرفها جميعا باسم “الإنترنت”، أي “الشبكة العالمية”. في بدايتها كانت “الإنترنت” محدودة الفعالية والأهمية، والاستخدام، إلا أنها راحت تتسع وتتطور إلى أن غدت أداة التواصل الأهم في العالم.
يمكننا التأريخ للتوسع الهائل لـ “الإنترنت” من خلال تطوره كـ “إعلام اجتماعي”، بعام 1996، “عندما تأسست مؤسسة أميركية داعمة للحريات المدنية، ومكونة من 56 ألف شخص، كونوا النواة الأولى لمجتمع الشبكة العنكبوتية، تُسَمَّى “تحالف المواطنين الداعمين للإنترنت”، على خلفية مناهضة مرسومٍ أصدرته الحكومة الأمريكية هو “مرسوم آداب التواصل”(13). رأى هذا التحالف أن المرسوم الحكومي خطرٌ يهدد الحرية التي يتيحها الإنترنت بلا مركزيته المميزة.
وفي دفاعهم أمام المحاكم الأميركية، أكد أعضاء التحالف على أن “الشبكة العنكبوتية” سوف تسمح لمئات الملايين من الأفراد بالتعامل على مستوى قومي وعالمي غير مسبوق، وأنها استبدلت الميادين العامة واللافتات والبيانات والجدال السلبي، بالمشاركة في الحوارات الوطنية بشكل إيجابي، وأتاحت لهم التواصل مع جمهور أوسع بشكل غير مسبوق. كما أنها تمكن المواطن العادي من الوصول إلى المعلومات من جميع أنحاء العالم. “ولقد اعتبرت المحكمة العليا، المرسوم الحكومي غير دستوري، وهو انتصار مبكر لحملات الإنترنت. ولقد أشار بيان التحالف بشكل مبكر إلى تحول الإنترنت إلى حلبة صراع سياسي بديلة عن الميادين العامة. فبعد أن كان الإنترنت مرادفاً للصور العارية والموسيقى واللغو، تحول إلى مقدمة لما عرف لاحقا بالويب 2”(14).
إن الجيل الأول من تطبيقات الإنترنت كان يركز على بناء مواقع تعمل على تزويد المستخدم بالمعلومات والبيانات دون أن تكون له أي قدرة على التفاعل مع تلك المواقع أو التأثير في محتواها. أي أن دور المستخدم كان سلبيا تماما باعتباره متلقيا لتلك المعلومات أو الخدمات التي يعرضها الموقع. بعد ذلك بدأت تظهر تباعا تطبيقات على صفحات “الويب” تتيح للمستخدم المشاركة والتفاعل مع الموقع، مثل مواقع “الدردشة” و”المنتديات”، وانتهاءً بالتطبيقات الأكثر حداثة وثوريةً مثل موسوعة “الويكيبيديا”، وشبكات “يوتيوب”، و”فيسبوك”.. إلخ.
“لقد كانت هذه القفزة في تغيير طريقة التعامل مع متصفحات الإنترنت، هي البداية الحقيقية لما يعرف بتطبيقات الويب 2، أو تطبيقات الجيل الثاني التي تنطلق من تمكين المستخدمين ليس فقط من التفاعل مع المواد المطروحة على الموقع، وإنما تطويرها أو تعديلها أو عرضها وإتاحة المجال لكل المستخدمين من المشاركة في صياغتها”(15). كانت البداية في عام 2004، عندما تم عقد المؤتمر الأول لتقنيات الجيل الثاني، وخرج المؤتمر بعدد من التوصيات والمقترحات حول ماهية المبادئ الأساسية لتطبيقات الويب 2.
ومن جملة النتائج التي توصل إليها المؤتمر، “أن يقوم التطبيق بالتعامل مع الإنترنت كـ “منصة” فقط لا غير، وأن يتعامل مع المستخدم كمُطَوِّر لا كمستخدم فقط، وأن تكون البيانات – البيانات فقط، ولا شيء غير البيانات – هي القوة الدافعة للتطبيق. أما شكل التطبيق، وطبيعته، وملامحه الرئيسة، فيتم تحديدها بواسطة المشاركين أنفسهم”(16). يعتبر “جوس هاندز” الخبير في شؤون التواصل، عام 2006 عام الإنجاز العظيم لـ “الويب 2” والإعلام الاجتماعي. وفي مقال له في مجلة “تايمز” قال الكاتب “ليف جروسمان”: “إن “الويب 2” هو قصة القوة الكبيرة الناجمة عن القلة، والمتولدة عن مساندة الآخر دون مقابل، بطريقة لن تغير العالم فقط، بل ستغير الطريقة التي يتغير بها العالم. إن العصر الرقمي يمكن أن يكون مدخلاً إلى فعل تواصل واسع، يمنح نفسه آفاقاً جديدة من المعارضة والمقاومة والتمرد. إنه مملكة “الجماهير” التي أظهر ويب 2 قوتها”(17).
هذا ولقد امتازت تقنيات الجيل الثاني عن تقنيات الجيل الأول بعدة مزايا جعلتها أقدر على جذب جمهور من المستخدمين أكبر بكثير من السابق أهمها..
1 – أنها سهلة الاستخدام، فهي لا تحتاج الى أي نوع من الخبرة أو المعرفة التقنية، وبإمكان أي شخص مهما كان مستواه المعرفي والتعليمي أن يتعامل معها وأن يشارك فيها.
2 – أنها تكاد تكون عديمة التكلفة، ولا تحتاج الى استثمار أي مبالغ للمشاركة. إذ يكفي للشخص أن تكون عنده إمكانية للدخول إلى الإنترنت وفقط.
3 – أنها أكثر إنسانية، وهي قائمة على فكرة المشاركة، وجذابة جدا للمستخدمين، وتمكنهم من التواصل بصرف النظر عن أماكن تواجدهم.
4 – يمكن استخدامها عن طريق الموبايل، خاصة في حالة دعم مزود الخدمة لتقنيات الجيل الثالث للموبايل. حيث تتيح الكثير من شركات الموبايل للمشتركين إمكانية التواصل مع تلك المواقع عن طريق الموبايل ما عزز من انتشارها وقوة تأثيرها.
“5 – إن موقع الفيسبوك يستعمل غالباً لتبادل الرسائل والصور، كما أن طبيعته تجعل المشترك فيه قادرا على توجيه ما يريده من رسائل وصور وأخبار إلى الأشخاص أو مجموعات المشتركين الذين يختارهم. كما أن موقع تويتر يتيح الولوج إلى جمهرة عالمية النطاق عبر عنونة الرسائل، وهو ما تم استخدامه بكفاءة وعلى نطاق واسع في الثورات العربية، فكان له أثره الفعال، مثل “#Tunisie” أو “#Sidibouzid” أو “@Jan25″.. إلخ”(18).
الإنترنت يخلق مكونات ثقافية جديدة..
إن التكنولوجية الرقمية الجديدة “المعلوماتية”، أضافت ميزة “فاعلية الفرد” المتعامل مع الآلة “الكمبيوتر”، أي ميزة “القدرة الإبداعية” عند المستخدم. على العكس من التكنولوجيات الصناعية السابقة عليها خلال القرنين الماضيين. ولما كانت ميزة “الإبداع” ميزة ذات طبيعة ثقافية، فقد غدا الحديث عن دور ثقافي للإعلام الجديد الذي يتيحه الفضاء الإسفيري، حديثا غير بعيد عن الواقع. فقد أضافت التقنية الرقمية شريحةً جديدة إلى المثقفين، وإلى مفهوم مصطلح المثقف، “فلم يعد المثقف هو فقط الكاتب أو الأديب أو المفكر أو الأكاديمي أو الفنان فحسب. بل باتت هناك شريحة عريضة وهامة جديدة، هي تلك التي تضم التقنيين لفنون الكمبيوتر ومعطيات الثورة الرقمية، وكذلك المستخدمين المتفاعلين بوعي مع الشبكة، أيا كانت أعمارهم أو تخصصاتهم”(19).
ويمكن القول الآن، إن ثورتي مصر وتونس، وبعدهما وإلى حد كبير ثورات كل من اليمن وسوريا، وإلى حد أقل ثورة ليبيا – التي أدى انعطافها المبكر إلى حرب مسلحة بين الثوار والنظام إلى تقليص دور التكنولوجيا الرقمية الثقافي في أحداثها – أثبتت فرضية تناولتها الأقلام منذ وقت مبكر من عمر التكنولوجيا الرقمية حول مفهوم الثقافة، مع بروز دور أساسي للتقنية الجديدة في تحديد المفاهيم ونشرها وتكريسها والترويج لها، بل وصناعتها من حيث المبدأ. لقد أصبحت تكنولوجيا المعلومات رافدا مهما للثقافة، وأحد أبرز صُناعها ومكونيها.
لقد أسهمت التكنولوجيا الرقمية من تقنيات الجيل الثاني الذي عايشته الثورات العربية وأشركته في أحداثها، في إعادة تشكيل ذهن الإنسان العربي عامة والشاب خاصة، وفق مُكَوِّنات ثقافية جديدة، يمكننا حصر أهمها في التالي..
1 – لم تكن مطالب الشباب فئوية أو محددة بمحاور لشريحة أو لطبقة ما من المجتمع، بل كانت دعوات إصلاحية عامة للوطن. وهو ما يثير قضية “الدور الأيديولوجي للتكنولوجيا المعاصرة، ولمواقع التواصل الاجتماعي في الواقع المعاش للمجتمع”.
2 – نجحت الثورات فى أن تكسر لدى الجميع حاجز “الخوف الغامض” أو سلطة “الرقيب الداخلي”، وهو ما سيدفع بالجميع للإبداع الحقيقي فى حل مشاكلهم اليومية، حيث تكون صفة الإبداع ملكا للكبير والصغير، وللمرأة والرجل على السواء. فلم يعد من المستغرب الآن، أن ترى مجموعة من صغار الشباب، ينهضون لتنظيف الشارع الضيق الذي يسكنون فيه، وهذه حالة ثقافية جديدة.
3 – تنامي ظاهرة التأثير المتبادل بين كل من “التكنولوجيا الرقمية”، و”الثورات العربية”، فبعد أن أسهمت تلك التكنولوجيا في خلق ثقافة جديدة كان من نتائجها هذه الثورات، فإننا نلحظ أنه بعد نجاح الثورات العربية في مصر وتونس، غدا هناك تأثير ثوري في ثقافة التعامل مع التكنولوجيا الرقمية، “فقد تبين أن 80% من الشباب العربي أصبحوا يستخدمون الإنترنت يوميًا. وأن “مفهوم المواطنة” يتنامى بنسبة 62% من حيث الأهمية بالنسبة إلى الشباب العربي ككل. كما أن آراء الشباب السياسية تشير إلى تحرر أكبر، وأن 51% من الشباب يعتبرون أنفسهم متحررين سياسيًا. وقد بينت الإحصاءات أن الشباب العربي توّاق للديمقراطية، وقلق بشأن كلفة الحياة، ناهيك عن قلقه بشأن الهوة المتنامية بين الأثرياء والفقراء. علمًا بأن 60% من الشباب العربي أصبح منضما إلى وسائل الإعلام الاجتماعية، و18% منهم يقرأون المدوّنات”(20).
وهي نسب أعلى بكثير مما كان عليه الحال قبل الثورات، كما أن الاهتمامات التي كشفت عنها الإحصاءات تشير إلى أن المجتمعات العربية بدأت تتقمص الثقافة الثورية بجميع اتجاهاتها، سواء على صعيد المفاهيم والقيم، أو على صعيد توظيف التكنولوجيا لتفعيل تلك المفاهيم والقيم، بل لخلقها وتكوينها أحيانا. في هذا السياق أكدت المدوِّنَة المغربية “زينب الرازو”، “إن حرية التعبير على الإنترنت بلا حدود”، مشيرة إلى أن حركة 20 فبراير، وهي “المنظمة المدنية السياسية التي تزعمت الاحتجاجات في المغرب”، قد ولدت بالكامل رؤية وأفكارا وتنظيما وبرامجا في الفيسبوك”(21).
4 – الانتقال من وضع متلقي الخبر إلى وضع مصدر الخبر، حيث أكد الكاتب السعودي “عبده خال”، أن الفيسبوك سرق الأخبار من الإعلام المرئي، حيث سبق كل من “الإنترنت” و”الجوال” تلك القنوات، “وأصبح كل شخص من أي بقعة في العالم قادرا على أن يتحول من مستقبِلٍ إلى مصدرٍ للخبر لحظة بلحظة”(22). في هذا السياق أيضا يؤكد “فيلب هاوارد” الأستاذ في جامعة واشنطون ومؤلف كتاب “الأصول الرقمية للديكتاتورية والديمقراطية – التكنولوجيا الرقمية والإسلام السياسي” “إن ما كان يقوم به الانقلابيون والثوار في السابق عندما يسيطرون على وسائل الإعلام، هو مجرد دعاية لأنفسهم كسابقيهم، لكن الأمر اختلف مع التكنولوجيا الجديدة، فقد تمكنت الشعوب العربية الثائرة من أن تشرك العالم كله في قضاياها، وأن تشترك معه في صياغة أخبارها”(23).
5 – نجح الإنترنت في أن يجعل العالم قرية صغيرة تزدهر فيها الديمقراطية، وتتسع فيها دائرة السيطرة على تغوُّل الحكومات الاستبدادية التي كانت تستغل انعدام الرقباء الإعلاميين قبل انتشار الإعلام الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية، لارتكاب أبشع الجرائم ضد شعوبها. ويلخص الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل “بول كيرجمان” هذه المقولة قائلاً: “نحن نتجه نحو عالم ديمقراطي بالأساس، لأنك لا تستطيع عزل الفلاحين في المزارع طالما يستطيعون الدخول إلى الإنترنت”.
ويرى “جوردون بروان” أن إمكانيات الإنترنت سوف تؤدي إلى إعادة صياغة مفهوم التدخل الإنساني. وصرح لصحيفة الجارديان إن ما حدث في “رواندا” لا يمكنه أن يتكرر، لأن تدفق المعلومات سوف يأتي مباشرة من مكان الحدث، وسوف يضغط الرأي العام في الاتجاه الصحيح”(24).
6 – إسقاط الافتراضي على الواقعي، وهو ما نجحت في تحقيقه الثورتان المصرية والتونسية. “لقد استدعت هاتان الثورتان هوية جديدة لمواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بفعل الفضاءات التي تتيحها التكنولوجيا الرقمية ذاتها، بأن حولتها من أماكن للتعارف واللقاء الخالق لعلاقات اجتماعية طبيعية، إلى أماكن للتواصل الثوري ولدعوات التظاهر والتجمهر والاعتراض والمطالبة بالحقوق”(25). وبالتالي فنحن في واقع الأمر أمام نموذج مختلف للفعل السياسي، يختلف من الناحية الثقافية في كل شيء عن النموذج التقليدي الذي تمثله في العادة القوى والأحزاب السياسية.
7 – من أهم مكونات الثقافة الجديدة التي نتجت عن التكنولوجيا الرقمية والإعلام الاجتماعي، تحويل علاقة التقنية بالممانعة من نظرية إلى قانون. إذ أن حكاية استفادة الاحتجاج والممانعة من التقنية حكاية قديمة، رافقت كل حركات التغيير الاجتماعي التي نعرفها، وخاصة منذ مطلع القرن العشرين. لقد ركّز لينين على أهمية “الفيلم” في نشر الأيديولوجيا الشيوعية، عندما كانت السينما هي أحدث تكنولوجيا تواصلية متاحة. وتحدث المناضل الفرنسي “فرانز فانون” في عام “1967”، عن الدور الواسع الذي لعبه “الراديو” في الثورة الجزائرية التي واكبت تاريخيا أزهى عصور هذه الأداة التواصلية.
“وكتب طالب أميركي بحثاً يُخبر فيه أن نجاح حركة “الحقوق المدنية” للسود في أميركا خلال الستينيات كان يقف وراءه جهاز “التلفاز” الذي انتشر في البلاد خلال تلك الفترة، لأنه مكّن المواطنين من أن يكونوا على دراية بحجم الاضطهاد العنصري الواقع في بلادهم. كما كان لشريط “الكاسيت” دور مهم في إنجاح الثورة الإيرانية، إلى درجة أنها سميت بثورة “الكاسيت”. والقرويون والثوار من حركة “زاباتيستا” في “تشياباس” في المكسيك كانوا يستخدمون قواعد بيانات الحاسوب والراديو عام 1994 وما تلاه، من أجل الترويج لقضيتهم وجلب الانتباه لها.
وأتت مواقع الإنترنت والشبكات الاجتماعية لتلعب الدور الأكبر في الاستقطاب والتحشيد الشعبي. فقد بدأ الدور الفاعل للإنترنت واضحاً مع الاحتجاجات الكبيرة ضد جلسة “منظمة التجارة العالمية” في مدينة سياتل الأميركية في عام 1999″(26). فقد استخدِمَ لحشد الحركة المعارضة حول العالم، وتوافد لهذا الاحتجاج جموع ومجموعات ناشطين من مختلف أنحاء أميركا والعالم تجاوزت أعدادهم أربعين ألفاً. وكانت لجهودهم نتائج فورية، فقد تعطلت إمكانية التوصل إلى اتفاق في جلسات سياتل.
8 – دخلت السرعة في جميع ميادين الحياة كواحدة من أهم إفرازات الثقافة الجديدة التي تشكلت في أحضان العلاقة التفاعلية بين التكنولوجيا الرقمية والتغيرات الاجتماعية. ولقد بدا واضحا أن طبيعة الفضاء الإسفيري هي طبيعة قائمة على السرعة، بحيث غدا من الطبيعي أن تحاط كافة ميادين الحياة المرتبطة بهذا الفضاء بعوامل السرعة. فإذا كانت أدوات الإعلام التقليدية، حتى وهي تسهم في إحداث التغيير، تجعل ذلك التغيير ذا سمة متواضعة السرعة بسبب إيقاعها ذاته. فإن الإيقاع الرقمي الذي يجعل المسافات الفيزيائية زمانا ومكانا تكاد تكون صفرية، جعل السمة الغالبة على الحراك والتفاعل الناتجين عن استخدامه عالية السرعة.
فلأول مرة في التاريخ المعاصر تعجز دولة مثل “الولايات المتحدة” ليس فقط عن توقع الأحداث في مصر وتونس، بل وحتى عن مواكبتها بعد حدوثها، لبناء مواقف ذات مردودية سياسية عالية منها. لقد كانت ثورتا تونس ومصر سريعتي الإيقاع، إلى درجة أفقدت أصحاب القرار في واشنطون رغم اتسامهم بالسرعة الفائقة على استيعاب الصدمات والتعامل معها، أي قدرة على صناعة مواقف منتجة وجادة أمام ما كان يحدث بعيدا عن المستويات الإيقاعية المألوفة. ما جعلها تكتفي بمحاولات القفز والاختراق اللاحقين.
ولعل هذا الإيقاع المفرط في سرعته، هو مردود طبيعي لهيمنة التكنولوجيا الرقمية على الفعل الاجتماعي، وهي التكنولوجيا التي امتازت ابتداء بسرعة تفوقت على كافة ما سبقها من وسائل اتصال خلال مسيرة تمددها وانتشارها كوسيط إعلامي. “ففي إحصائية أوردها رئيس المنظمة الدولية للسياحة الإلكترونية خلال مؤتمر السفر والاستثمار السياحي الذي عقد في الرياض في شهر مارس 2011، فإن: المذياع استغرق 38 عاما ليصل عدد مستمعيه 50 مليون مستمع، والتلفزيون استغرق 13 عاما ليصل عدد مشاهديه 50 مليون مشاهد، أما الإنترنت فقد استغرق 4 سنوات ليصل عدد مستخدميه 50 مليون مستخدم”(27).
9 – أسهمت الثقافة التفاعلية بين التكنولوجيا الرقمية والحراك الاجتماعي خلال الثورات العربية وبعدها، في تغيير نمط الاهتمام بمحتويات وغايات استخدام الإنترنت. إذ يقول التقرير الذي أعدته شركة “تكنو وايرلس” المصرية المتخصصة في التسويق الإلكتروني وشبكات الهاتف المحمول في 20 صفحة، أنه رصد اختلافا في سلوك المستخدمين بعد 25 يناير كانون الثاني.
“إذ كانوا قبل هذا التاريخ “أكثر اهتماما بالترفيه”، أما بعد الثورة فقد أصبح المستخدمون “أكثر دراية بكيفية استخدام أدوات الإنترنت”. ولأول مرة تعلموا استخدام المواقع الوسيطة والتغلب على تعطيل الشبكات الاجتماعية والبحث عن الأخبار ذات المصداقية والتركيز على إيجاد مصادر للمتابعة الحية”. وقال “ياسر عبد العزيز” الخبير الإعلامي المصري لرويترز: “في أوقات الغموض والخطر والتغيير السياسي وتكوين المواقف، يكون من الطبيعي أن يلجأ الجمهور إلى مصادر إخبارية، فيما تتراجع معدلات التعرض للمحتوى الترفيهي. فبعد سنوات من تسَيُّد المحتوى الترفيهي والرياضي والديني لمشهد الإنترنت، يتعاظم دور المحتوى الإخباري بسبب عودة السياسة إلى الشارع”(28).
10 – من المؤكد أن الإنترنت وطبيعة العلاقة التي ينشئها مع مستخدميه يزيد على الحكومات صعوبة السيطرة على المعلومات التي تطلع عليها شعوبها. فقد ذهبت إلى غير رجعة الأيام التي كانت شعوب الشرق الأوسط لا تصلها إلا الأخبار والمعلومات التي تسمح أجهزة الرقابة ببثها في التلفزيون الرسمي، وهكذا نجد أنفسنا بإزاء ثقافة جديدة تطرح معطيات تعامل جديدة مع الواقع.
11 – معطى ثقافيا جديدا وهاما فرضته التكنولوجيا الرقمية عبر الفضاءات الواسعة للتحرر التي أتاحتها، أشار إليه “تشارلي بيكيت” مدير مركز بوليس للأبحاث في لندن عندما قال: “إن انتهاء احتكار الحكومات لوسائل الإعلام يزيد من تمكين الشعوب، واعتقد أننا ربما ندخل مرحلة تكون فيها مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت بصورة ما أداة للتحول الديمقراطي، لأنها على الأقل ستجعل الحكومات أكثر إدراكا لما يفكر فيه الناس”(29). وأثبتت موجة الاحتجاجات في أنحاء الشرق الأوسط أن الإنترنت والشبكات الاجتماعية تؤدي دورا أساسيا في تغيير العلاقة بين المواطن والدولة في العالم العربي، وهي بالتالي تبشر بعصر جديد تسوده ثقافة التوازن في علاقة الحاكم بالمحكوم.
12 – كشفت الثقافة الجديدة لتكنولوجيا الرقمية عن أن التأثير الأكبر للإعلام الاجتماعي في نقل الأخبار، كان في نقلها إلى الخارج، حيث لم تصل هذه الأخبار إلى الإعلام العادي إلا من خلال تويتر والمدونات. إن سرعة انتقال المعلومات من قارة إلى قارة بواسطة النشطاء الذين يستخدمون الإنترنت، جعلتنا نرى المحتجين في قلب ميدان التحرير، يرفعون الأعلام المصرية ويرفعون يافطة كتب عليها “مصر تساند عمال وسكنسون”، ويراها العالم أجمع، وفي “وسكنسون” نفسها، حيث شكل العمال احتجاجات ضخمة ضد خفض حقوق اتحاد التجارة. “يقول “جون ستافليز”، وهو واحد ضمن 50 ألف شخص اشتركوا في الاحتجاج الأول: “أن الإلهام جاء من مظاهرات الطلاب في بريطانيا والاحتجاجات في تونس ومصر”(30).
13 – إن قدرة الإنترنت على تهديد الأنظمة الاستبدادية في العالم تنبع من مقدرة تلك التقنيات على إيجاد قناة بديلة وفعالة لبث المعلومات، لا يمكن للنظام أن يسيطر عليها، كفيلة بأن تخلق وحدة مشاعر لدى المتواصلين عبرها. بكلمة أخرى فالجماهير ليست بحاجة إلى المعلومات التي تدعوها إلى الانتفاض والثورة، لأن هذه المعلومات متوفرة خلف جدران رقابة النظام، وهي لا تكفي لأن يقوم الشخص بالمجازفة والخروج إلى الشارع للتعبير عن رأيه، حيث تتملك أغلب الجماهير مشاعر بأنها معزولة أو محاصرة. “فالشاب الذي يتملكه شعور بالثورة أو الخروج على النظام من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، بات يعرف أنه ليس وحيدا في شعوره هذا، وأن هنالك الملايين من الذين يتواصل معهم عبر تلك التقنيات، وخاصة الفيس بوك، لديهم الشعور نفسه. فتتكون وحدة المشاعر الحقيقية المبنية على دلائل واقعية وموثقة من خلال مشاركات المواطنين في تلك المواقع”(31).
كما أن تبادل “المعرفة بالشريك في المعاناة والثورة” يعتبر من أهم المنتجات الثقافية لتفاعل التكنولوجيا الرقمية مع حركة الشارع بما يسهم في خلق “وحدة الشعور” التي تحدثنا عنها سابقا. حيث تجدر الإشارة في هذا السياق إلى مبدأ مهم في تكوين الرأي العام الضاغط، وهو أن هذا الرأي العام لا يتشكل فقط من خلال حصول الشخص على المعلومة اللازمة، ولكن من خلال تعريف الآخرين بأنه يعرف تلك المعلومة، وتعريفه هو بأنهم يعرفون المعلومة نفسها. ومن هنا تأتي أهمية المواقع الاجتماعية التفاعلية مثل تويتر والفيسبوك والمدونات والمنتديات وغيرها. “فالشخص من خلال تلك المواقع يتولد لديه الانطباع بوحدة الشعور، وتزال عنه فكرة أنه وحيد”(32).
14 – صناعة الرواية الإعلامية ثقافة جديدة امتلك ناصيتها أولئك الذين امتلكوا ناصية التكنولوجيا الرقمية. فمن المعلوم أن من يملك السطوة والسيطرة على الرواية الإعلامية سينتصر في النهاية. حين بدأت أعمال النهب والسلب خلال الاحتجاجات المصرية، كان يمكن ببساطة أن تشيع الحكومة أن هذه أعمال المحتجين، وأن تشدد الخناق عليهم، بل وأن تزج بهم في السجون، وسيكون الأمر مبررا جدا، فيما لو لم تكن هناك كفاءة في صناعة الرواية الإعلامية عبر الوسيط الاجتماعي الجديد. “لكن ما حصل هو قيام النشطاء من الثوار بإرسال عشرات الرسائل والمنشورات القصيرة عبر الفيسبوك وتويتر، تفيد أنه تم القبض على كثير من أولئك المخربين ومن قاموا بأعمال فوضى وسلب ونهب، وتبينت حيازتهم لبطاقات “الأمن المركزي” و”أمن الدولة”. ومن المعلوم عن كثير من الأنظمة قيامها باستئجار أشخاص للقيام بأعمال تخريب ونهب لإلصاق التهمة بالثوار، لتبرير ضربهم بعد ذلك”(33).
15 – الفضاء العمومي معطى من معطيات ثقافة التكنولوجيا الرقمية بامتياز. فقد أسهم الإنترنت في ولادة “فضاء عام” جديد، “كان الباحثون يكتبون أنّه لا يزال في طور التحقق، وأنّ معالمه لم تتبلور بعد، وإن تحدّثوا عن “ديموقراطية إلكترونية” تؤسس لتطوّر سياسي، تماماً كما كان يقال إثر ولادة كلّ تقنية إعلامية”(34).
16 – وأخيرا تبين أن لكل وقت وزمان شخصياته وأدواته ورجالاته وأفكاره، وأن الحركة الزمنية تأتي بأدواتها ولا تستعير أدوات غيرها، “فالوقت الذي نعيشه الآن خلق أدواته بنفسه بعد أن ساعدته التقنية على ذلك”(35).
أقراء أيضاً
انقسام الآراء حول دور “الفضاء الإسفيري” أو “الإعلام الاجتماعي” في التحريك والتغيير..
إن التساؤل الذي طرحته الكاتبة “إليزابيث هانتر” في مقالها “الثورة العربية والإعلام الاجتماعي”، يعبر عن الدهشة التي ولدتها لدى جميع المراقبين، هذه الحالة غير المسبوقة من التفاعل بين هذا النوع من الإعلام، والحركة الاجتماعية التي ولدت ثورات غيَّرَت أنظمةً لم يكن يُنظر إليها باعتبارها أنظمة راسخة فقط، بل باعتبارها عصية على أي تغيير. فـ “هانتر” رأت أن السؤال الحقيقي يجب ألا يتوقف عند “هل”، بل يجب أن يسبر غور “كيف” تمكن الإعلام الرقمي الاجتماعي من تحريك مئات الآلاف من المتظاهرين في شوارع مصر، التي لم يتجاوز عدد مستخدمي الإنترنت فيها عشية الثورة، الـ 20% من إجمالي سكانها البالغ عددهم “80” مليون نسمة؟”(36).
هذا السؤال المعبر عن جوهر الدهشة، فتح الباب واسعا أمام حشد من الأفكار والآراء التي ما تزال تبذل جهدا في توصيف جوهر العلاقة بين الثورات العربية والإنترنت، وفي رصد مديات التفاعل بينهما.
فهل أن هذه العلاقة نشأت في أحضان حاجزِ خوفٍ راح يتكسر بعيدا عن الإنترنت، ليسهم فيه هذا الوسيط الجبار بعد ذلك بشكل ماَّ، كما قال الإعلامي “حسين جمال” حين أكد على “أن الشعب في تونس ومصر قد كسر حاجز الخوف من السلطة، وقد ساعدهم الإنترنت على ذلك بدون شك”(37).
وهل أن الدور التواصلي والتنظيمي للإنترنت في الثورات العربية يقف وراء إدارة هذه الثورات وتفعيلها وتطويرها كما ذكر “تشارلي بيكيت” مدير مركز “بوليس للأبحاث” في لندن، حين أوضح “أن مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، لعبت دورا كبيرا في نشر رسائل الناشطين، وتسهيل تنظيمهم وزيادة سرعة الاتصال بينهم. ولقد شاهدنا كيف عملت مواقع التواصل الاجتماعي على تنظيم الناس والترويج للرسالة. وكيف كانت وسيلة للهجوم على من هم في السلطة، ولإبلاغ العالم الخارجي بأن الناس هنا غاضبون ونشيطون ويريدون الأمور أن تحدث”(38).
أم أن الإعلامي “أكرم خزام” مراسل قناة الجزيرة السابق، كان أكثر دقة وتمحيصا حين أصرَّ على أن الإنترنت لا علاقة له بما شهدته بعض الدول في العالم العربي من ثورات، وأن ذلك إنما يرجع إلى ما أسماه “حماقة النظام الحاكم، وأن السلطات في تونس ومصر كانت مسؤولة بشكل مباشر عن سقوط النظامين هناك، وأن هناك من ثمَّ مبالغة في دور الإنترنت في الثورات العربية”(39).
أم أن الرأي هو ما صرَّح به الكاتب والمترجم التونسي “وليد سليمان” حين أكد على أن العرب قد دخلوا القرن الواحد والعشرين وافتكوا مواقعهم عن جدارة بفضل الإنترنت ومشتقاته، ليلتقطَ منه الكاتب “عبد الرحيم حصار” هذا الموقف ويمعنَ في منح الإنترنت دورا تكوينيا في الثورات العربية قائلا: “تخيلوا العالم العربي بلا فيسبوك، ولا يوتيوب، ولا تويتر!! كل ما حدث في عدد من الدول العربية “تونس، مصر، ليبيا…”، ما كان قطعا ليحدث”(40).
أم لعل الوزيرة السابقة في الحكومة الأردنية، والمفوض العام للمجتمع المدني العربي في جامعة الدول العربية، “نانسي باكير”، كانت أكثر توازنا في الموضوع عندما ركزت على الجانب التنظيمي والإداري الذي اضطلع به الإنترنت في الثورات العربية قائلة: “إن المواقع الإلكترونية نجحت في قيادة التغيير في الدول العربية، بسبب سرعة نقلها لمجريات الأحداث، وتحديث المعلومات أولا بأول، وكذلك بسبب تنظيم الأفراد عبر مجموعات لتحقيق أهداف الثورة في المواقع الاجتماعية، وتحفيز الشعب على النزول للشارع والمشاركة في التظاهرات والاعتصامات”.(41)
رغم هذا التباين الملحوظ في مواقف المراقبين والمحللين والخبراء من دور الإنترنت في الثورات العربية، استطعنا أن نلمس ميلا واضحا إلى جانب الرأي القائل بأن الإنترنت ليس أكثر من أداة ناظمة وتواصلية، وليست أداة مفجرة أو صانعة للثورات، وما كان لها أن تكون كذلك. فإلى ماذا استندَ استنتاجُنا هذا، وكيف استقرأناه من بين آلاف الآراء والأقوال ووجهات النظر التي تناثرت منذ ثورتي تونس ومصر وحتى الآن لتدلي بدلوها في هذا الشأن؟!
بداية يجب أن نقر بأن الاهتمام بدور الإنترنت تزايد أثناء الحراك السياسي مع “حملة أوباما الرئاسية عام 2008، وتمرد “التويتر” في إيران عام 2009، كما كان احتلال برج “ميل بنك” في لندن في العاشر من نوفمبر 2010 نقطة تحول فارقة في استخدام الإنترنت في الاحتجاجات الجذرية”(42). وشيئاً فشيئاً لعبت التكنولوجيا الحديثة دوراً في تكوين ما يسمى سكان العالم الافتراضي، الذين يناطحون ديناصورات المؤسسات التقليدية البالية. إلى أن برز دور الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في الحالة العربية “بإضرام الشاب التونسي “محمد البوعزيزي” النار في جسده، في 17 كانون الأول/ديسمبر. وانتشرت بسرعة عبر الإنترنت أنباء احتراق هذا الشاب البسيط والغاضب”(43).
في هذا السياق، وتعبيرا عن الدلالة الخاصة لانتقال الشباب إلى التعبير عن مواقفهم عبر الإنترنت بدل الأطر الإعلامية التقليدية، كتب الصحفي والناشط السياسي “لوري بيني” في صحيفة الجارديان عن السياسات القديمة التي أصبحت غير ملائمة قائلا: “الشباب في بريطانيا لا يحتاجون إلى قادة، كما أن النشطاء الجدد غير مهتمين بالبيروقراطية الأيدولوجية لليسار القديم، حيث يظهر نشاطهم عبر الشبكات الاجتماعية أفضل من المؤسسات التقليدية. كما لا يصبر الشباب حتى تتخذ الأحزاب موقفاً ما”(44).
1 – الإنترنت حشد وتواصل:
أكد أستاذ الإعلام الدكتور “علي دشتي” على أن “الفيس بوك” و”تويتر” ما هما إلا أدوات تؤدي وظيفة محددة، وأن شبكات التواصل الاجتماعي ليست بديلة عن الصحافة التقليدية، “مشيراً إلى أهمية هذه الشبكات في إحداث نوع من أنواع التواصل القوي بين الجماهير. فما حدث في مصر وتونس دليل قاطع على قدرة هذه الشبكات على الحشد والتواصل بين الناس بشكل سريع جداً”(45).
2 – هل يكفي الإنترنت لإخراج الناس إلى الشارع؟
كانت “آن ألكسندر” المتخصصة في وسائل الإعلام الجديدة والتغيرات السياسية في الشرق الأوسط في جامعة “كامبردج” موجودة في “ميدان التحرير” بالقاهرة في مطلع فبراير/شباط، قبل بضعة أيام من الإطاحة بحكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك. وقد قالت: “من الصعب تحويل المساندة الشعبية على فيسبوك إلى مظاهرات في الشارع. فالناشطون في مصر جمعوا آلاف المؤيدين على صفحات الإنترنت، لكنّ أعدادا كبيرة من هؤلاء لم تشارك في احتجاجات ميدان التحرير”(46).
3 – الإنترنت وسيلة للتعبير وليس سببا للثورات التي لها أسباب أخرى..
إن الانتفاضات الأخيرة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، مرتبطة بعناصر اقتصادية وسياسية واجتماعية كبيرة، مثل تزايد أعداد أبناء الجيل الجديد، وارتفاع مستويات التعليم، وتغيُّر السياسات الاقتصادية، والبطالة، والظلم الاجتماعي، والافتقار إلى الحريات، واستمرار الاحتلال الصهيوني بلا أفق لتسوية عادلة للصراع مع إسرائيل، والمساس بكرامة المواطنين.. إلخ. “والناس في الشرق الأوسط كانوا يحتجون قبل وقت طويل من انتشار استخدام الإنترنت. وشهدت المنطقة موجات من الاحتجاجات الشعبية في الأربعينيات ومطلع الخمسينيات، وألهمت شعوبا أخرى في أنحاء العالم، من خلال وسائل الاتصال التي كانت متاحة في ذلك الوقت”(47). فهل يمكن القول بأن تلك الوسائل كانت هي السبب في تلك الثورات وموجات الاحتجاج في تلك الحقب؟!
4 – المبالغة في دور الإنترنت يحط من قدر الثوار..
الحرب العالمية لم تسمَّ “حرب الهاتف”، وثورة الجزائريين لم تسمَّ “ثورة الراديو”، كما أن الإيرانيين شطبوا من إعلامهم الاسم الذي حاول الجميع إلصاقه بثورتهم حين أطلقوا عليها اسم “ثورة الكاسيت”. واحتجاجات الأميركيين السود في الستينيات والسبعينيات لم نعرفها باسم “احتجاجات التلفزيون”، رغم ضخامة الدور الذي لعبه هذا الوسيط الإعلامي فيها. من هذه الفكرة انطلق الصحافي المصري “محمد دهشان” من صحيفة “المصري اليوم”، “ليشدِّدَ على أنه “لا يجوز القول بأن ما حصل في مصر وتونس هو ثورة “الفيسبوك”، لأن ذلك يحطّ من قدر الثوار”(48).
5 – الإنسان هو القلب النابض لكل الثورات..
اعتبر المدوّن السعودي “فؤاد الفرحان”، مؤسس “Nailam” ومديرها التنفيذي، أن شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام اضطلعت بدور أساسي، إلا أن السبب الأول للثورات يُعزى إلى تراكم سنوات من الاضطهاد والظلم والحرمان من الحقوق. وشدد على أهمية دور الهواتف النقّالة التي تسمح بالتقاط الصور ومشاهد التعذيب والقتل، “لكنه أصر على أن “الإنسان يبقى وحده القلب النابض لهذه الثورات”(49).
6 – ما حدث هو نتيجة تفاعل مميز بين الرقمي والتقليدي في الإعلام..
اعتبر “محمد الننبهاي”، مدير الخدمات الإلكترونية في “الجزيرة” الإنجليزية أن أهم ما حصل هو نتاج التفاعل بين وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية. “ورفض اعتبار أن الثورات الحاصلة تقتصر على كونها ثورات “تويتر “أو “فيسبوك”، لأن “في ذلك الكثير من الإجحاف”. وأضاف أن “هذه المواقع مجرّد أدوات ووسائل أجاد الثوار استخدامها وأوجدت دورة تفاعلية بين الثورة على الإنترنت والمجتمع ككل”(50).
7 – الثورات العربية كانت ستحدث حتى مع عدم وجود الإنترنت..
الثورات نشبت في جميع العصور، وقبل ظهور المواقع الاجتماعية بقرون طويلة. “من هنا يمكن القول بأن المواقع الاجتماعية شكلت الأداة العصرية للتواصل ونشر الأخبار أثناء الأحداث، على أن تلك الأحداث كانت ستندلع في نهاية المطاف، مع اعتماد وسائل أخرى في حال لم تكن المواقع الاجتماعية موجودة”(51). أي أنه بناء على هذا الرأي، يكون من المبالغ فيه القول بأن الأحداث هي بمثابة “ثورة الفايسبوك”، حيث أن الفايسبوك والمواقع الأخرى قد اضطلعت بدور “تسريع” وتيرة الأحداث وتسهيل عمليات التنظيم والحشد من جانب المعارضين. ولكن ما كان لهذه المواقع أي دور لولا وجود عوامل تحفز الناس على الثورة والانتفاض، وبصورة خاصة عوامل الفقر والبطالة وقمع الحريات العامة.
8 – كيف يمكن تفسير أن حجب الإنترنت لم يؤثر في الثورات سلبا لو أن دوره فيها كان تكوينيا؟
إن وصف الثورات في مصر وتونس وفي سائر البلدان العربية بـ “الإلكترونية” غير صحيح، لأن الانفجارات الاجتماعية في هذه البلدان لم تحصل بكاملها بفضل الإنترنت، كما يعتقد الكثيرون، “ذلك لأن حجب الإنترنت في هذه الدول وفي غيرها كما حصل ويحصل حاليا، لم يساعد لا على تخفيف حدة الاحتجاجات، ولا هو منع سقوط سلطة زين العابدين بن علي وحسني مبارك”(52). ولقد أوضح “سلطان القاسمي” وهو كاتب إماراتي غطى الأحداث في المنطقة بشكل موسع “أن الإعلام الاجتماعي لعب دوراً هاماً في ربيع الثورات العربية، لكن هناك مبالغة في تأثيره لأن الإنترنت قطع عن مصر لعدة أيام لكن الحركة الثورية لم تتوقف”(53).
9 – الشبكات الاجتماعية لا تخلق الثورات ولكنها تنظمها..
أكد المدون اللبناني “خضر سلامة” أن الشبكات الاجتماعية لا تخلق الثورات، ولكن لديها القدرة على الجمع بين العناصر والأفكار في اتجاه معين ومشترك. “وأشار إلى أن الشبكات الاجتماعية تقوم فقط بالربط بين الشعوب المقهورة التي بإمكانها هي وحدها إحداث التغيير إذا توفرت شروطه الموضوعية”(54).
10 – الإنترنت منظم وليس محركا
لأن الدول مارست التضييق على الشعوب بقطع الإنترنت، ولأن حركات التغيير كانت موجودة في الشرق الأوسط والمنطقة قبل وقت طويل من انتشار استخدام الإنترنت بسبب ظروف وعناصر اقتصادية وسياسية واجتماعية، يميل الكثيرون إلى التأكيد على “أن من يحرك ويثير الثورات والانتفاضات هو الجوع والفقر والشعور بالظلم، أما الإنترنت فله دور كبير في تنظيم وتجميع الشباب من مختلف مناطق الدولة على كلمة واحدة هي الثورة”(55).
11 – حتى في مجال إدارة وتنظيم الفعاليات الثورية، فإن الإنترنت محدود الدور والقدرات..
كشفت الناشطة السياسية المصرية “جيهان إبراهيم” عن أن التنسيق لأعمال الثورة كان يتم في اجتماعات مباشرة. لقد استخدم الفيس بوك والرسائل الإلكترونية للدعوة من أجل التظاهر في مصر لمدة سنوات، لكن هذه الاحتجاجات كانت محدودة. واشارت إلى “أن الحراك الكبير في الشارع بعد يوم 25 يناير لم يكن بسبب زيادة ارتباط المصريين بالإعلام الاجتماعي، بل بالثقة التي اكتسبها الناس من أحداث تونس، وبسبب آلية عمل النشطاء في توزيع المنشورات ورفع الشعارات في المناطق الشعبية التي يقل فيها التواصل عبر الإنترنت. لقد كان هذا عملاً خطيراً يعرض النشطاء للاعتقال والضرب، لكنه كان ضرورياً للحراك الجماهيري في التحرير وفي كل مكان في مصر”(56).
12 – الإنترنت سلاح ذو حدين، والأنظمة تستخدمه مثل الثوار ولا فرق..
يرفض الباحث الأمريكي “أفجني مورزوف” في كتابه “The Net Delusion”/”وهم الإنترنت”، النظرية القائلة بأن الإنترنت هو صانع التغيير والثورات العربية. حيث يقول: “إن التكنولوجيا سلاح ذو حدين، وأن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مكنت الأنظمة القمعية من تتبع نشاطات المعارضة ورصد حركاتها”، مستدلا بذلك على القمع الذي تعرضت إليه المعارضة الإيرانية على خلفية احتجاجات الانتخابات الرئاسية الإيرانية المتنازع على نتائجها في 2009”(57).
13 – اتهام ما يسمى بثورات “الإنترنت” بالسذاجة..
جاء الرد على دور الإنترنت في الثورات العربية بالعيار الثقيل، من قبل بعض المعلقين والأكاديميين والخبراء في شؤون الشرق الأوسط بالتأكيد على “أن “ثورة الفيسبوك” تتسم بالسذاجة، وقد تم نشرها والترويج لها عبر الإنترنت من قبل “اليوتوبيين” الذين لا يفهمون أن بقية العالم لا يمتلك سبل الوصول إلى التغطية على نطاق واسع، وأن الثورات التي اندلعت في كل من مصر، وتونس، وغيرها من البلدان، قد تمحورت حول قضايا كانت عالقة لمدة طويلة، وحول قضايا معقدة، مثل البطالة الشاملة، ورأسمالية المحسوبية، والطبيعة الخانقة للديكتاتورية“(58).
يتضح لنا بعد هذا الاستعراض لأهم وجهات النظر في علاقة الإنترنت بالثورات العربية، أن الانجرار وراء مقولةٍ مثل “ثورة الفيسبوك” أو “ثورة الإنترنت”، إذا كان يريد أن يقول إن تلك الثورات صنعها “الفيسبوك” أو “الإنترنت”، هو اندفاع غير قائم على أسس موضوعية، وهو بالتالي اندفاع يبنى موقفا مغلوطا، يبرر الثورات ويفسرها بالتكنولوجيا الرقمية، وليس بالمعطيات الاجتماعية الواقعية التي نعرف جميعا أنها تسببها في العادة.
إن تجاهل المسببات الموضوعية للثورات العربية، والتي تم الإسهاب في شرحها خلال استعراض تلك الآراء، يجعلها شكلا من أشكال النزوة، يمارسها لاعبو الشبكة العنكبوتية، لتتحول بالتالي إلى سلسلة من المؤامرات، ولتغدو قوانين التاريخ وعلم الاجتماع من ثمَّ عبثا لا طائل وراءه. ولعل استفحال روح المؤامرة لدى شرائح واسعة من الناس – حتى المثقفين منهم – في التعاطي مع الثورات العربية، يعود إلى هذا التصور العجيب الذي مفاده أن مجموعة من المهووسين والمرتبطين بأجهزة مخابرات معادية، بإمكانهم من خلال الجلوس أمام أجهزة حواسيبهم وامتلاكهم خبرة كافية في التعامل مع الإنترنت، أن يغيروا عالما لم تنضج فيه بعد عناصر التغيير!!
التكنولوجيا لا تخلق المحتوى، بينما المحتوى هو الذي يخلق مبررات الثورة..
في ضوء النتيجة القطعية السابقة التي ترفض الاعتراف بقدرة الحواسيب والشبكات ومواقع التواصل على صنع ثورة لم تنضج ظروفها وشروطها في الواقع بعد، لا بد من التفريق بين التقنيات أو المواقع الاجتماعية، وبين برمجتها أو شحنها بالمحتوى الذي يتطلب تدخل المشاركين لبرمجة تلك المواقع وجعلها مؤثرة. “وبالتالي ففعل البرمجة أو الشحن بالمحتوى أهم من التكنولوجيا نفسها، وهو من هنا صاحب الأثر وليس التكنولوجيا نفسها”(59).
إن هذا المحتوى وكفاءة شحن قنوات الإعلام الاجتماعي به، هو الذي مكَّن الثوار كما يرى “فهد الخيطان” رئيس تحرير جريدة “العرب اليوم”، من لعب الدور في التغيير خلال الثورات العربية خصوصا في مصر، “عبر التشبيك بين المجموعات وتنظيم الاعتصامات والإعلان عنها وتحديد أوقاتها”(60). وبهذا التشبيك غيب المحتوى الجديد دور الأحزاب والنقابات والصحافة الورقية تغييبا يكاد يكون كاملا.
إن أحد أهم مظاهر المحتوى الذي شُحِنَت به مواقع التواصل الاجتماعي في الثورات العربية عموما وفي الثورة المصرية على وجه الخصوص، هو تلك القدرة الفائقة على ربط الحدث بالصوت والصورة معا، فضلا عن تلك اللغة الخاصة التي اعتمدها الشباب للتداول فيما بينهم وللتخاطب مع الآخرين خلال نقل الأخبار وتطورات الأحداث، بعيدا عن القوالب الصحفية والإعلامية التقليدية. فالجميع كان يتحدث عن البطالة والمستقبل القاتم والحرية، لكن ليس كل قالب للحديث قادرا على شد انتباه المستهدف بالخطاب، وهو ما نجح فيه شباب الثورة المصرية عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وهو ما جذب الجميع إليهم وإلى مطالبهم.
“في هذا السياق قالت “مي عبده” وهي ناشطة من نشطاء ثورة مصر: “إن تنظيم الثلاثاء الغاضب جاء بدعوة من حركة 6 أبريل، وهي حركة شبابية تجيد مخاطبة الشباب، كما أن دعوتها وجدت قبولا كبيرا عند الكثير من مستخدمي الفيس بوك وباقي الحركات الشعبية، خاصة بين المراهقين، حيث تابعوا بشغف الأحداث الغاضبة لحظة بلحظة ودعوا أسرهم للمتابعة، وتجاهلوا متابعة برامج الموسيقى ومشاهدة الأفلام السينمائية أو المحادثة والحب والبحث عن شريك الحياة. وسبب ذلك “أن الأخبار المنشورة والمعروضة، كانت تجيب على سؤال واحد، وهو لماذا اندفع هؤلاء الشباب للغضب؟ كالبطالة وغلاء الأسعار والمستقبل القاتم. في هذا السياق أيضا قال “أحمد مرسي” أحد نشطاء الثورة المصرية: “إن الثلاثاء الغاضب كشف للشارع المصري عن أن شباب الإنترنت قادر على تجميع أقرانه من كل المحافظات للغضب والمطالبة بحقه في حياة كريمة، وان الأحزاب المصرية أحزاب ورقية، والادعاء بأن جماعة الإخوان المسلمين هي أكبر قوى شعبية في مصر ولى وأصبح من الماضي.”(61).
في ضوء الإبداعات الخاصة في المحتوى، والقدرة العالية على التفاعل مع التقنية لشحنها بهذا المحتوى، نجح شباب ثورة مصر على المواقع الاجتماعية في تحقيق الآتي..
1- نقل واقع ما يحدث في “العالم الواقعي” إلى الواقع الافتراضي”، باستخدام المحمول فى التصوير والتسجيل، ونقله على شكل مقطوعات فيديو عبر المحمول وشبكات ومواقع التواصل الاجتماعي وخاصة “فيسبوك”، و”تويتر”، و”اليوتيوب”، وتبادله قبل 25 يناير.
2 – إيصال صور ومشاعر التعبير عن الغضب والرفض عما يحدث، وتأهيل قبول الدعوة بالخروج إلى الشارع.
3 – دعوات الخروج إلى الشارع، وتحقق ذلك فى وقفات احتجاجية بلغت حوالي 5000 وقفة فى عام2010، وهو ما أكسب البعض خبرة في مواجهة الشرطة.
4- تحويل “الغضب الافتراضي” إلى “غضب واقعي” من خلال الدعوات التي تبادلها الشباب لتلبية نداء التظاهر والتجمع للغضب ضد الفقر والبطالة والفساد.
5 – تجميع آلاف الشباب من خلال مئات الصفحات والجروبات تحت مظلة واحدة ومطالب عادلة.
6 – تعطل موقع التواصل الاجتماعي “الفيس بوك” الأربعاء 26-1-2011، بعد ساعات من إعلان شركة “تويتر” حجب موقعها في مصر، أثار علامة استفهام لدى المستخدمين، الذين ربطوا بين تعطل الموقع ومظاهرات الغضب التي اجتاحت البلاد يوم الثلاثاء. ما حفز الشباب غير المشارك إلى الخروج للمشاركة فى ميدان التحرير بالقاهرة.
7- استثمار التجمع الكبير للشباب في تعريفهم بحقوقهم القانونية وتدريبهم على مواجهة الشرطة في حالات الصدام، وكيفية الاستفادة من الدعم القانوني لمنظمات المجتمع المدني، “مثل علاج تأثير الغازات المسيِّلة للدموع، غسل العين بمشروب الكوكاكولا”.. إلخ.
8- تخصص صفحات على الفيس بوك في نقل أحداث يوم الغضب لحظة بلحظة بمقاطع الفيديو والصور والتفاصيل الدقيقة، وهو ما أحرج وسائل الإعلام الرسمية، التي اتخذت غالبيتها موقف الدفاع عن النظام.
9 – أسهمت المداخلات والتعليقات اللحظية للمشاركين في المظاهرات، في نقل الحدث إلى كل أرجاء الأرض لحظة بلحظة بمصداقية عالية، فاقت الـ 90% كما تشير إلى ذلك صحيفة “الشرق الأوسط” الصادرة في لندن. وقد أشارت الصحيفة في تقريرها أن بعض وكالات الأنباء قد استقت أخبارها من هذه المواقع الاجتماعية.
10 – أسهمت تلك المواقع من خلال الرسائل المتبادلة والتعليقات، في حماية المخزون الثقافي والتاريخي للحضارة المصرية، وذلك من خلال الدعوات التي وجهت عبر الفيس بوك وتويتر للتوجه إلى المتحف المصري وحماية الآثار التاريخية فيه.
11 – أسهمت تلك المواقع من خلال المحتوى الجديد والفعال أيضا في حماية البورصة المصرية من الانهيار الوشيك.
12 – كانت كذلك واجهة لنشر النكات الساخرة والكاريكاتيرات التي تميزت بها الثورة المصرية، وكانت أداه فعالة في نشر الأفكار والتوجهات ومبادئ الثورة بذلك الأسلوب الساخر المحبب للنفس.
13 – يوميات الثورة اليمنية، دلت على أهمية “شحنة المحتوى” في تفعيل دور الإعلام الاجتماعي، وتحويله من مجرد قنوات كانت تسهم في التغييب، إلى قنوات أصبحت تسهم في التحشيد. يقول الناشط اليمني “هاشم الصوفي”: “عندما وُجهت الدعوة للتظاهر عبر موقع فايسبوك، لم يكن لدى الناشطين أدنى فكرة عن عدد المتجاوبين، ثم أتت النتيجة مبهرة: مئات الشباب تجمهروا في ساحة جامعة صنعاء قبل ساعات من الموعد المحدد”. ويشير الصوفي، العضو في اللجنة الإعلامية لـ “شباب التغيير”، إلى أن المعارضين للرئيس اليمني علي عبد الله صالح “كانوا ينتظرون التوجيهات عبر الفايسبوك، كما أن شعارات كل مرحلة كانت ملامحها ترتسم عبر هذا التواصل”(62).
14 – إن كل الثورات العربية اعتمدت على شحن الأدوات التقنية بالمحتوى الذي يتناسب مع معطيات الحالة الثورية، وطبيعة الساحة، وعناصر القمع والمواجهة التي يستخدمها الخصم. ففي سوريا مثلا حيث لا وجود لأي إعلام محايد ينقل الصورة كما هي على الأرض، ووسط شيوع أن الثوار يكذبون وأنهم ينقلون صورا لأحداث قديمة، فقط للتأكيد على استمرار حالة حراك لا وجود لها، كما دأب على إظهار ذلك الإعلام الرسمي للنظام السوري، ابتكر الثوار السوريون محتواهم الخاص القادر على التأكيد على مصداقية صورهم ومقطوعات الفيديو التي يبعثون بها إلى تويتر واليوتيوب والفيسبوك. يظهر ذلك من خلال ما أدلى به ناشط الإنترنت السوري المقيم في الولايات المتحدة “محمد العبد الله”، حين قال: “يفاجئني مستوى المهنية في استخدام الناس لهذه الوسائل، إذ يحددون تاريخ الصور من خلال إظهار الصفحة الأولى من جريدة اليوم مثلاً”(63). وليس هناك دليل أكثر قطعا على صدقية الصورة المنقولة من ظهور الصفحة الأولى من جريدة اليوم نفسه، لأنها لا يمكن بأي حال أن تكون الجريدة قد طبعت وصدرت قبل تاريخ صدورها المدون على صفحتها الأولى!!!
15 – تجلت أعلى درجات توظيف المحتوى لتحقيق الهدف عبر شحن القناة التقنية الرقمية به، في التعاون والتنسيق ليس بين الثائرين في دولة عربية واحدة أثناء الأحداث الثورية فيها، فهذا الأمر غدا واضحا ومفهوما، بل في القفز إلى مستوى متقدم من التعاون، تحقق بين قادة الثورات عبر الدول الثائرة نفسها. فقد بثت قناة الجزيرة في 5 شباط 2011، تقريرا عن قيام “غرفة عمليات مشتركة لناشطين مصريين وآخرين من تونس، لنقل حيثيات التجربة التونسية إلى الجانب المصري. حيث يعمد الشباب التونسي إلى تقديم النصح والإرشاد”(64).
التكامل بين الإنترنت والتلفزيون وجهاز الموبايل في الإعلام البديل..
قالت ناشطة بحرينية، إن الحركة الاحتجاجية التي شهدتها البحرين في شباط “فبراير”، وآذار “مارس”، وأنهتها السلطات “انطلقت في الواقع عبر “الفيسبوك”، “وأكدت على أن “الإنترنت ليس قادرا على الحلول بشكل كامل محل الإعلام التقليدي، فالتلفزيون يبقى في الواقع الأداة الأقوى”، مشيرة إلى أن “الثورة في البحرين لم تلق التعاطف من قبل القنوات الفضائية العربية الرئيسية، ولهذا السبب لم يطلع العالم على حقيقة ما حدث ويحدث فيها”(65).
من جهته أشار “محمد الننبهاي” مدير الخدمات الإلكترونية في قناة “الجزيرة” الإنكليزية”، إلى “استخدام الهواتف النقالة أو ما يُسمّى بتكنولوجيا الجيب” على نطاق واسع في الثورات العربية، واصفا إياها بأنها هي التي سمحت بانطلاق حركة تفاعل جديدة بين الوسائل التقليديّة والاجتماعية”. “فالثورة لم تتوقّف عندما كمّم النظام المصري السابق الإعلام، وتمكن الشعب في كل مكان من استخدام الهواتف النقالة لتحفيز الثورة، وهو أمر ما كان ليتحقق منذ عقد أو عقدين من الزمن”(66).
وإذن فإن قدرة وتأثير وسائل الاتصالات الحديثة تتمثل في قدرة التشبيك الهائلة فيما بينها واندماجها بعضها في البعض الآخر بشكل يصعب معه استخدام إحداها بمعزل عن الأخرى. فمثلا عالم الإنترنت مفتوح الأن على عالم الموبايل، حيث يمكن تصفح الإنترنت من جهاز الموبايل والحصول على جودة عالية لمواد الإنترنت على هذا الجهاز الصغير، بفضل التطبيقات الحديثة لتقنيات الإنترنت. وفي الوقت نفسه يمكن الآن الاتصال مع أي موبايل عن طريق الإنترنت وإجراء المكالمات وإرسال الرسائل النصية.
التواصل قائم أيضا بين الفضائيات بقوتها الإعلامية الهائلة وجماهيريتها الواسعة، وشبكات الموبايل والإنترنت، حيث تتيح أغلب المحطات إمكانيات التواصل والتفاعل مع الحدث، عن طريق إرسال الرسائل النصية، وحتى عن طريق رفع مقاطع الفيديو لبثها على الشاشة الصغيرة.
“من المؤكد أن المصدر الأول للأخبار ولدعوات التجمع كان هو موقع الفيسبوك، ومن ثم كان يصار إلى ترجمة محتوى صفحات الفيسبوك إلى لغات أخرى، مع إرسالها إلى باقي المواقع، وبصورة خاصة موقع تويتر. بعد ذلك يؤمن موقع تويتر التوزيع العالمي للمعلومات وتتولى شبكات التلفزيون العالمية إذاعتها ونشرها عالمياً”(67). ونظرا لأن الفضائيات المتلفزة غطت ما يزيد على 80 في المئة من الأحداث العربية الأخيرة، ما أعطاها تفوقاً في أحيان كثيرة على الخليوي والإنترنت، فإن البعض يرى أن تلك المحطات “ذابت في هذا المحيط الرقمي الإعلامي الجديد، عبر تبنِّيها بشكل سريع للمحتوى الذي يصنعه الناس بأنفسهم، خصوصاً أنه يخرج عن نطاق رقابة السلطة والحكومات”(68).
هذا، ويعزو الكثير من المراقبين تأثير تلك المواقع الاجتماعية على مجريات الثورة، الى انتشارها وتوفر أدواتها في متناول الجميع. فالكل بلا استثناء يمتلك جهازه الخلوي الذي غاليا ما يكون مجهزا بكاميرا لتسجيل مقاطع فيديو للأحداث كما هي لحظة حدوثها، ويكفي رفعها على موقع اليوتيوب لتساهم في نقل صورة واقعية لما يحدث. “وهذا في الحقيقة ما فعلته قناة الجزيرة في خضم ثورة الشباب المصرية بعد أن تم منعها من تغطية أحداثها، فقامت وخصصت قناةً على موقع الشبكة لاستقبال كل مقاطع الفيديو التي يتم تصويرها. ومن هنا تأتي قوة الإعلام في عملية تكامل المواقع الاجتماعية مع الفضائيات وعبر وساطة أجهزة الموبايل ذات الانتشار الواسع، لتغطية الحدث في جميع أرجاء المعمورة”(69).
وهكذا فلقد أصبح الحديث الأن يدور عن ماكينة إعلامية فعالة جدا، أدواتها متوفرة مع الجماهير، وموجودة في كل مكان، وتتكامل بشكل تفاعلي، بحيث لا يمكن تصور استغناء أداة عن الأدوات الأخرى في تمرير الرسالة الإعلامية. لقد كان واضحا من متابعتنا للثورات العربية، وما يزال الأمر كذلك، أننا نشاهد عبر شاشات الفضائيات ما صنعه الثوار على الأرض، ونقلوه إلى تلك الشاشات عبر “الموبايل” و”مواقع التواصل الاجتماعي”.
فإذا كان الإنترنت أكثر ما يكون أهمية للربط بين الثوار في ميادين الثورة، ولـ إطلاع قادة الإعلام التلفزيوني على ذلك الحراك المبثوث عبر هاتين الأداتين الرقميتين عاليتي التقنية، فإن العالم – في معظمه – لم يستطع وما كان ليستطيع متابعة أخبار الثورات وأحداثها وتفاعلاتها وردود الأفعال تجاهها، إلا عبر القنوات الفضائية. أي أن الموبايل والإنترنت هما أداتا الثوار للحركة وللتواصل مع الإعلام التلفزيوني بالدرجة الأولى، ليقوم هذا الأخير باستكمال المهمة الإعلامية المتمثلة بالربط بين الثورة وبين العالم المتابع والمراقب.
من هنا يؤكد الخبراء على أن قناة فضائية مثل قناة الجزيرة استطاعت أن تخلق مساحة جديدة للحوار والنقاش، أو “فضاءً عاماً” / “Espace public”، وفق تعريف الفيلسوف الألماني “يورغن هابرماس” لهذا الفضاء على أنّه “المساحة أو الحيّز الذي يتيح للمجتمع الأهلي أن يناقش السلطة ـــــ الدولة، وينتقدها”(70).
الهوامش..
1 – (عن موقع www.nufooz.com، تحقيق بعنوان “الانترنت- العصا السحرية” التي حركت الرأي العام العربي، وأنجحت ثورة الفقراء”، تحقيق من إعداد راوية قاسم، بتاريخ 5/4/2011، على الرابط
2 – (عن موقع “شبكة الإعلام العربية – www.moheet.com“، من تقرير بعنوان “الصالون الإعلامي يناقش تأثير الشبكات الاجتماعية على حرية الصحافة”، بتاريخ 12/4/2011، على الرابط) .
3 – (عن موقع “منتديات المهرجان الدولي للشعر والزجل”، من مقال بعنوان “الإنترنت والتلفزيون يقطفان ثمار الثورة إعلاميا، الحراك العربي يرمي صحافة الورق إلى النسيان”، بقلم “أمل إسماعيل”، بتاريخ 16/3/2011، على الرابط).
4 – (المرجع السابق نفسه).
5 – (عن موقع “الأفق”، من مقال بعنوان “الشعب يريد رقمنة الثورة والالتحاق بحداثة القرن الـ 21″، بقلم “غسان مراد” / أخصائي لبناني في “ألسنية الكمبيوتر”، بتاريخ 17/4/2011، على الرابط ).
6 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
7 – (عن موقع “سودانايل”، من مقال بعنوان “الفضاء الإسفيري: دنانير وقضبان”، بقلم “رباح الصادق”، بتاريخ 16/3/2011، على الرابط).
8 – (عن قناة الجزيرة الإخبارية، نشرة أخبار الساعة الثامنة مساء، بتاريخ 5/2/2011، من أرشيف القناة، اجتماع ضم جمال مبارك ببعض الصحفيين وأعضاء لجنة السياسات في الحزب الوطني).
9 – (عن موقع “منتدى إسراء حسين”، مقال بعنوان: “أضواء على دور الأنترنت فى تنظيم ثورة مصر وسقوط نظام مبارك”، بتاريخ 18/2/2011، على الرابط ).
10 – (عن موقع “الأخبار”، من مقال بعنوان “الجزيرة تسرق الثورة من الفيسبوك”، لـ “مهى زراقط”، بتاريخ 9/3/2011، على الرابط).
11 – (المرجع السابق نفسه).
12 – (عن موقع www.lahaonline.com، من مقال بعنوان “هل هناك سر وراء الثورات العربية؟”، بقلم “بسام حسن المسلماني”، بتاريخ 2/4/2011، على الرابط).
13 – (عن موقع “الحوار المتمدن”، عدد 3371، بتاريخ 20/5/2011، من مقال نشر في مجلة الاشتراكية الأممية، العدد 130، أبريل 2011، المجلة يصدرها حزب العمال الاشتراكي البريطاني، بقلم “جوني جونز”، ترجمة “نصر عبد الرحمن”، على الرابط).
14 – (المرجع السابق نفسه).
15 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
16 – (المرجع السابق نفسه).
17 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
18 – (عن موقع “الكمبيوتر acce”، من مقال بعوان “ما هي حقيقة دور المواقع الاجتماعية على الإنترنت في إشعال الأحداث العربية”، بتاريخ 10/8/2011، على الرابط).
19 – (عن موقع “كتاب الإنترنت المغاربة الإلكترونية”، من مقال بعنوان “دور الثقافة الرقمية في الثورات العربية”، بقلم “السيد نجم” أمين سر اتحاد كتاب الإنترنت، بتاريخ 21/2/2011، على الرابط).
20 – (عن موقع “هنا لبنان”، من متابعة بعنوان “الثورات العربية: الانسان قلبها النابض وتراكم الظلم سببها”، بتاريخ 25/3/2011، على الرابط).
21 – (عن موقع صحيفة “المصري اليوم”، من مقال بعنوان “مدونون: الإنترنت هو السلاح الأيديولوجي في الثورة العربية”، بتاريخ 30/4/2011، على الرابط).
22 – (عن الرابط ونهو مرجع سابق).
23 – (عن موقع “Flip The Media – www.mcdm.washington.edu“، من مقال بعنوان “The Arab revolution and social media”، بقلم “Elizabeth Hunter”، بتاريخ 24/2/2011، على الرابط).
24 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
25 – (عن موقع “مدونة Ziad Majed”، من مقال بعنوان “Les reseaux sociaux virtuels: Une revolution dans la revolution”، بتاريخ 22/4/2011، على الرابط).
26 – (عن موقع “المعرفة”، من مقال بعنوان “الثورة الإلكترونية ثورة الذائقة”، بقلم “عبد العزيز الحيص”، بتاريخ 8/8/2011، على الرابط).
27 – (عن موقع www.lahaonline.com، من مقال بعنوان “هل هناك سر وراء الثورات العربية؟”، بقلم “بسام حسن المسلماني”، بتاريخ 2/4/2011، على الرابط).
28 – (عن موقع “تحيا مصر”، من مقال بعنوان ” زيادة كبيرة في عدد مستخدمي الإنترنت في مصر بعد ثورة يناير”، تقرير لرويترز في القاهرة، بتاريخ 18/3/2011، على الرابط).
29 – (عن موقع “middle east online”، من مقال بعنوان: ما دور الإنترنت في ثورات التغيير بالعالم العربي؟، نشر لأول مرة على الموقع بتاريخ 25/2/2011، على الرابط).
30 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
31 – (عن موقع “وكالة معا الإخبارية”، من مقال بعنوان “الإنترنت بطل من أبطال حركات التحرر”، بقلم “د. خالد ربابعة”، بتاريخ 16/2/2011، على الرابط).
32 – (المرجع السابق نفسه).
33 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
34 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
35 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
36 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
37 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
38 – (عن الرابط، وهو مرجع سابق).
39 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
40 – (عن موقع “جريدة السفير”، من مقال بعنوان “الشباب والإنترنت والثورات العربية – من الهزل إلى الجدية – مكر الفيسبوك ولعنة اليوتيوب”، بقلم “عبد الرحيم الحصار”، بتاريخ 30/3/2011، على الرابط).
41 – (عن موقع “عمون”، من مقال بعنوان “خبراء أردنيون: فكرة الثورة نمت عبر الفضاء الإلكتروني”، بتاريخ 22/5/2011، على الرابط).
42 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
43 – (عن موقع صحيفة “السوسنة”، من مقال بعنوان “الإنترنت يكسر حاجز الخوف أمام شباب الربيع العربي”، بتاريخ 17/6/2011، على الرابط).
44 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
45 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
46 – (عن موقع “middle east online”، من مقال بعنوان: ما دور الإنترنت في ثورات التغيير بالعالم العربي؟، نشر لأول مرة على الموقع بتاريخ 25/2/2011، على الرابط).
47 – (المرجع السابق نفسه).
48 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
49 – (المرجع السابق نفسه).
50 – (المرجع السابق نفسه).
51 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
52 – (عن موقع “منتديات روسيا اليوم”، مقال بعوان “الثورة عبر الإنترنت”، بتاريخ 3/3/2011، على الرابط).
53 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
54 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
55 – (عن موقع www.e7teraf.com، من مقال بعنوان: “الإنترنت ودوره الفعال في الثورات العربية، مقال ل “أحمد أبو النجا”، بواسطة “حازم مهنا”، نشر بتاريخ 31/5/2011، على الرابط).
56 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
57 – (من موقع “مونتيكارلو – France 24″، من مقال بعنوان “الثورات العربية وسوسيولوجيا الإنترنت”، بقلم “سفيان الرامي”، بتاريخ 13/7/2011، على الرابط).
58 – (عن موقع “الائتلاف من أجل المساءلة والنزاهة أمان”، من مقال بعنوان “التكنولوجيا الرقمية والربيع العربي”، إعداد “أنطونيا بوسانكويت”، بتاريخ 2/8/2011، على الرابط).
59 – (عن الرابط وهو مرجع سابق، وعن الرابط وهو مرجع سابق).
60 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
61 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
62 – (عن موقع “من أجل مصر”، من مقال بعنوان “تحديات الإنترنت بعد 6 شهور من تحركات الشباب العربي”، بتاريخ 17/6/2011، على الرابط).
63 – (المرجع السابق نفسه).
64 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
65 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
66 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
67 – (عن موقع “الكمبيوتر acce”، من مقال بعوان “ما هي حقيقة دور المواقع الاجتماعية على الإنترنت في إشعال الأحداث العربية”، بتاريخ 10/8/2011، على الرابط).
68 – (عن موقع “الأفق”، من مقال بعنوان “الشعب يريد رقمنة الثورة والالتحاق بحداثة القرن الـ 21″، بقلم “غسان مراد” / أخصائي لبناني في “ألسنية الكمبيوتر”، بتاريخ 17/4/2011، على الرابط).
69 – (عن الرابط وهو مرجع سابق).
70 – (عن الرابط وهو مرجع سابق) [1].
[1]الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.