fbpx
تقديرات

زيارة سلمان لمصر: الأبعاد والتداعيات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد:

تم التعديل بتاريخ 18-4-2016

شهدت العلاقات السعودية المصرية تطورًا لافتاً وأخذت منحى جديد بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم بالمملكة (يناير 2015)، وجاءت زيارة الأمير “محمد بن سلمان”، ولي ولي العهد السعودي، لمصر والاتفاق على تعزيز التعاون بين البلدين اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وإعلان ما عرف بـ “بيان القاهرة”، في 4 يناير 2016، الذي أشار لتحقيق التعاون في عدة جوانب، تشمل 6 مجالات هي تطوير التعاون العسكري والعمل على إنشاء القوة العربية المشتركة، وتعزيز التعاون المشترك والاستثمارات في مجالات الطاقة والربط الكهربائي والنقل، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين والعمل على جعلهما محورا رئيسيا في حركة التجارة العالمية. إلى جانب زيادة الاستثمارات بين البلدين والتعاون الثقافي والإعلامي وغيرها من المجالات.

وفي خطوة لوضع الآليات التنفيذية لما تم الاتفاق عليه بين الطرفين تم تحديد موعد لزيارة الملك سلمان إلي مصر في 4 أبريل 2016، ثم تم تأجيلها إلى 7 إبريل 2016، واستمرت نحو 5 أيام، للتوقيع على 17 اتفاقية بين الطرفين.

ويقوم هذا التقدير على بيان أبعاد الزيارة وتداعياتها على العلاقات الثنائية بين الدولتين وعلى شبكة التفاعلات الإقليمية، وكذلك على مستقبل النظام السياسي الحاكم في مصر:

أولاً: ملفات الزيارة:

تهدف الزيارة إلي إيجاد آلية تنفيذية لما تم الاتفاق عليه في “إعلان القاهرة” في يوليو 2015، وتسعى إلى التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات لتعزيز التعاون بين البلدين في عدة مجالات تم الاتفاق عليها من قبل “المجلس التنسيقي المصري-السعودي” و تشمل هذه الاتفاقيات مجموعة من البنود و هي: اتفاقية لشراء الغاز المصري من قبل السعودية، وتأسيس صندوق مصري – سعودي للاستثمار برأسمال 100 مليار سعودي يبلغ مساهمة كل طرف 50%، وتمويل تنمية سيناء بـ 1.5 مليار دولار تشمل مجموعة من المشروعات التي تستهدف تنمية سيناء عمرانيا وخدميا، وتوفير جزء من الاحتياجات البترولية لمدة خمس سنوات، والتوقيع على مجموعة من الودائع والقروض (منها: وديعة بمبلغ 5 مليارات دولار يتم إيداعها بالبنك المركزي المصري وقرض لتمويل مشروع تطوير مستشفي القصر العيني)، واتفاقية للتعاون الجمركي بين البلدين.

بجانب مجموعة من مذكرات التفاهم في مجالات: الاستخدامات السلمية للطاقة النووية  والكهرباء، الإسكان والتطوير العقاري، التربية والتعليم، النقل، وكذلك مذكرة تفاهم في مجال العمل.

ولكن الأهم هو التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود المائية بين البلدين والتي تشير إلى نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، وقيام مصر بتأمينهما لمدة 65 عامًا مقابل أن تدفع السعودية مبلغ 2.5 مليار دولار للجانب المصري.1 ما سبق كان هو الإطار الرسمي الذي تم الاتفاق عليه بين الطرفين كنتاج لإعلان القاهرة وعمل المجلس التنسيقي، ولكن ظلت بعض الملفات الشائكة التي تتضمن مصالح متبادلة أو متعارضة وأحيانا خلافات بين البلدين تناولت الزيارة معظمها، لتحقيق مزيد من التنسيق فيها أو محاولة تضييق الخلافات في الجوانب المختلف عليها ومن أهم هذه الملفات:

1ـ ملف المصالحة التركية المصرية:

برز هذا الملف مع انعقاد القمة الإسلامية بتركيا، خلال الفترة من 10 إلى 15 أبريل 2016، وشهدت نقل رئاسة القمة من مصر لتركيا، وهو ما يعني، نظرياً، مشاركة رأس النظام الحالي في مصر، السيسي، في القمة، للقيام بعملية النقل، وسعت السعودية لحلحلة الأزمة بين الطرفين لخدمة المصالح السعودية فيما يتعلق بأن تركيا ومصر يعتبران حجر الزاوية في كثير من قضايا وتقاطعات المشهد الإقليمي الحالي، الذي يشهد مزيداً من التأزم للسياسة السعودية، وتحتاج إلى تنسيق وإعادة هيكلة جبهة مواجهة هذه التقاطعات.

2ـ ملف الأزمة اليمنية والسورية:

السعودية بحاجة لمساعدة القوات المصرية في اليمن والتي تتحفظ على حجم القوات المشاركة في العملية العسكرية باليمن. هذا إلى جانب الأزمة السورية، فأقل ما تحتاجه السعودية في هذا الشأن هو أن يتوقف النظام المصري عن دعم النظام السوري، بالرغم من اختلاف الطرفين حول بقاء الأسد في سدة الحكم من عدمه.

3ـ الملف الإيراني:

نظرا لما أبدته الولايات المتحدة الأمريكية من عزوف (محتمل) عن حليفها التقليدي السعودية وتوجهها لإيران في الفترة الأخيرة مما أثار شعور السعودية بالحذر وحثها على العمل منفردة لتأمين محيطها الإقليمي وموازنة القوة الإيرانية وذلك من خلال استهداف مصر وتركيا، ولعل تركيا لا تسعي لقطع العلاقات مع إيران والحفاظ على العلاقات الاقتصادية، ورغم تعزيز التعاون السعودي التركي مؤخرًا، تبقي أهمية استقطاب، إن لم يكن تحييد الجانب المصري في هذه المعادلات.2

4ـ الملف العراقي:

أمام أهمية الدور المصري، كموازن لإيران، وخاصة مع ما تقدمه مصر من مساعدات للنظام العراقي في شكل تعاون عسكري ودعم للقوات العراقية في هيئة تدريب وإعداد فنيين وطيارين عراقيين، وهو ما قد تراه السعودية تعارضا مع مصالحها وخدمة للنفوذ الإيراني في المنطقة. 3

5ـ الملف الليبي:

لاسيما أن مصر تلعب دورًا قويا في المشهد الليبي الحالي. والسباق بين الإمارات والسعودية على إيجاد نفوذ في ليبيا في ظل تكون نظام سياسي جديد، فالسعودية تسعي لإحباط أية فعالية للقوى الإسلامية في ليبيا، والتي تدعمها قطر وتركيا، وذلك بدعم جانب خليفة حفتر، مع الوضع في الاعتبار أن الوضع الاقتصادي لليبيا ليس مكلفًا كنظرائه من دول الربيع العربي في مصر وتونس.

6ـ ملف حلايب وشلاتين:

فقد أثارت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية الجدل حول حلايب وشلاتين المتنازع عليهما بين مصر والسودان، ولاسيما أن السودان طالبت السعودية بشكل علني التدخل في هذا الصدد مع الوضع في الاعتبار المساعدات التي قدمها الجيش السوداني بالمشاركة في عاصفة الحزم في اليمن بجانب الدخول في الحلف السعودي والخروج على إيران4. لكن جاءت تصريحات السفير السعودي في القاهرة، لتثير الجدل حول حقيقة الموقف السعودي من هذا النزاع5.

ثانياً: أبعاد إعلان القاهرة:

تضمن إعلان القاهرة جانبين هامين، الأول: يشمل المساعدات الاقتصادية المقدمة لمصر من الجانب السعودي والتي تعتبر مساندة ضخمة للنظام المصري في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها، والثاني ترسيم الحدود، فقد تم الربط بين هذه المساعدات واتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية، فقد نصت الاتفاقية على أن:  “عدم الالتزام أو الإخلال بتنفيذ إحدى الاتفاقيات أو بعضها، يعتبر الاتفاق كأن لم يكن”. بمعني آخر، أن الاتفاق مشروط بتطبيق الجانبين المشار إليهما.

وتعتبر اتفاقية ترسيم الحدود الأكثر جدلا ضمن الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها بالفعل في زيارة الملك سلمان للقاهرة، وكان المعلن حول مضمون هذه الاتفاقية:

  • أن تقوم القاهرة بتأمين جزيرتي “تيران وصنافير” لمدة 65 عاماً، مقابل التزام المملكة العربية السعودية، بدفع مبلغ 2.5 مليار دولار سنويا للجانب المصري، اعتبارًا من تاريخ سريان الاتفاقية.
  • أن “يؤول إلى مصر 25% من عائد أي مورد طبيعي في منطقة جزيرتي تيران وصنافير، والمياه المحيطة بهما، أو ما يعادل قيمتها بالدولار الأمريكي، وذلك وفق النقاط والإحداثيات الخاصة بالحدود البحرية بين الدولتين التي تبدأ من الحدود الجنوبية لمصر خط عرض 22 شمال.
  • ألا “تخل أحكام الاتفاقية بحق السفن المصرية في التمتع بحق ممارسة الأنشطة المختلفة على النحو الذي تم الاتفاق عليه بين الطرفين”.

وتبعًا لهذه النصوص تفقد مصر جزيريتين ذاتا أهمية استراتيجية كبيرة في المنطقة حيث أنهما تمثلان المدخل الأساسي لخليج العقبة وتسيطران على مضيق تيران. وبغض النظر عن حقيقة ملكية مصر أو السعودية للجزيرتين التي ثار الجدل حولهما، فإن الأمر يتطلب البحث في الدوافع وراء الاتفاقية والنتائج المترتبة عليها ومكاسب الأطراف المتشابكة.

حيث تقوم الدوافع السعودية بالأساس على أهمية الجزر الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية؛ الأهمية الاستراتيجية للجزيرتين ولاسيما جزيرة تيران تتمثل في أن المياه الفاصلة بينها وبين شبه جزيرة سيناء هي الممر الأساسي لخليج العقبة بجانب الممر المحازي لجزيرة صنافير لذا فالجزيرتين يمثلان البوابة الأساسية لخليج العقبة ويتحكمان بصورة مباشرة في مضيق تيران وبذلك تتحكم الجزر في الملاحة الدولية في خليج العقبة.

أما عن الأهمية الاقتصادية لمصر فتتمثل في بندين أساسيين الأول أنها منطقة غنية بالثروات الطبيعية ولاسيما اكتشافات الغاز الطبيعي في محيط الجزر والذي توصلت إليه شركة أرامكو السعودية في المنطقة المحيطة من البحر الأحمر. والبند الآخر يتمثل في القيمة السياحية للجزيرتين حيث تعتبر من أهم مناطق الجذب السياحي في البحر الأحمر لما تملكه من مناظر طبيعية واعتبارها محميات طبيعية من قبل وزارة البيئة المصرية.

ومن المفترض أنه بمجرد التصديق على الاتفاقية وسريانها فإن هذا سيؤدي إلى انتقال ملكية الجزر إلى المملكة العربية السعودية وبالتالي الاستفادة من كل المقدرات والثروات في المنطقة بجانب الأهمية الأكبر وهي التغير في الوضع الاستراتيجي بحيث تتحول المياه بين تيران وسيناء من مياه مصرية إلي مياه دولية وعلى شرق الجزر تتحول المياه الدولية إلى مياه سعودية داخلية وبذلك يتحول مدخل مضيق تيران إلي مضيق دولي تتشارك فيه إسرائيل والأردن.

المكاسب في هذه الحالة تعود للمملكة السعودية من حيث الناحية الاستراتيجية والاقتصادية بشكل جلي والمكسب الأكبر لإسرائيل من ناحية التغير في الوضع الاستراتيجي كميزة لها في تدويل مضيق تيران من ناحية وفقدان مصر لنقطة استراتيجية تتعلق بأمنها القومي مباشرة. ففي حالة حدوث أي صراع في المنطقة فإن الميزة الاستراتيجية لمن يسيطر على هذه الجزر. وبناءً على هذا لم تسجل اسرائيل اعتراضها على الاتفاقية بل أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أن السعودية أعلنت عن التزامها باتفاقية كامب ديفيد التي التزمت بها مصر فيما يتعلق بانتقال ملكية الجزيرتين.6

الاختلافات في نصوص الاتفاقية قبل وبعد الزيارة:

كان من أهم الاختلافات التي ظهرت بعد زيارة الملك سلمان هو التغير في الأرقام التي تم الإعلان عنها في إعلان القاهرة ولعل أهم هذه الأرقام كان الحديث عن صنوق استثماري سعودي مصري بقيمة 100 مليار ريال سعودي ليخفض الرقم إلى 60 مليار ريال سعودي فقط. هذا فيما يتعلق بالمساعدات الاقتصادية التي تقدمها السعودية لمصر.7

أما بالنسبة لاتفاقية ترسيم الحدود فقد تم النص في إعلان القاهرة على أن مصر يؤول لها 25% من أي عائد لمورد طبيعي في منطقة الجزر إلا أن الخارجية المصرية أعلنت على لسان المتحدث الرسمي باسم الوزارة أحمد أبو زيد أحقيتها في 25% من الثروات الطبيعية أو البترولية التي تنتج عن الجزر ومحيطها على عكس ما جاء في نص إعلان القاهرة.8

ثالثاً: دلالات الزيارة والاتفاقيات التي تم التوقيع عليها:

تأتي دلالة التوقيت في اللحظة الراهنة بأكثر من مدلول لعل من أهمها بل ويعتبر المفسر لتوجه السعودية في هذه اللحظة لمثل هذا الاتفاق هو ضعف الوضع الاقتصادي المصري وتزايد أزماته في الفترة الأخيرة وحاجته إلى المساعدة الاقتصادية. فالنظام المصري الحالي في حالة من الضعف والحاجة التي قد تدفعه لقبول مثل هذا الاتفاق في مقابل تقديم بعض المساعدات المالية والاقتصادية.

مدلول زمني آخر قد يرتبط بالقمة الإسلامية التي تنعقد في تركيا عقب الزيارة مباشرة وزيارة الملك سلمان إلى أنقرة عقب انتهاء زيارته بالقاهرة وهذا يرتبط مع سعي المملكة إلى المصالحة بين تركيا ومصر لحلحلة الموقف الراهن في المنطقة.

ومن دلالات الزيارة أنها تؤكد على دعم النظام السعودي لمصر بخلاف ما افترض منذ تولي الملك سلمان سدة الحكم في السعودية والحديث عن تحول المملكة عن دعم النظام المصري وتوجهات الملك سلمان. ولكن ما يبدو هنا أن النظام السعودي في عهد الملك سلمان يختلف عن سابقه في كونه دعم مشروط أي أن المساعدات السعودية لمصر لابد أن يكون لها مقابل وهذا ما أكد عليه نص إعلان القاهرة بما يشير إلى الربط بين الاتفاقيات وعدم الالتزام بإحداها يعتبر كأن لم يكن.

يبدو أيضًا أن السعودية تدرك جيدًا حاجتها لمصر في الوقت الحالي فمن منظور المصلحة لا يمكن أن تقدم دولة دعم لأخرى إلا لحاجتها إليها أو لارتباط مصالحها بها أو للضغط عليها. فالسعودية تحتاج مصر لخلق تنسيق للتعاون في عدة ملفات منها الملف اليمني والملف السوري والليبي وتشكيل جبهة ممانعة ضد النفوذ الإيراني. وعلى الجانب الآخر، تظهر مصر في موقفها الحالي المترهل اقتصاديا بحاجة إلى دعم الخليج لمحاولة البقاء.

كذلك وبالنظر إلى التوجه الأمريكي في الفترة الأخيرة نحو تخفيض قواتها المشاركة قي القوات الدولية لحفظ السلام في سيناء بعد تصاعد وتيرة الأحداث في المنطقة على يد ولاية سيناء التابعة لتنظيم داعش وما أشار إليه أوباما في حديثه المعروف بـ “عقيدة أوباما” حول التوجه إلي سياسة عدم التدخل في الشرق الأوسط والعمل من خلال حلفاء في المنطقة. بجانب التنسيق المصري الفرنسي فيما يتعلق بشراء مصر لحاملات الطائرات الميسترال التي لا تتحمل مصر نفقتها ويتم تمويلها تمويل خليجي سعودي تمثل السعودية النصيب الأكبر فيه.

بجانب ما تم الإعلان عنه من إنشاء جسر عبر البحر الأحمر ليربط السعودية بمصر وعدم تعليق الكيان الصهيوني عليه والذي رفضه عندما تم التعرض له في سواء في عهد الرئيس مبارك أو عهد الرئيس مرسي من قبل واعتبره بادرة حرب مما يعني قبول إسرائيلي تام بترتيبات الموقف الراهن بل وربما مشاركتها فيه. ومما يدعم هذا الاتجاه أن إسرائيل ليست في موضع قلق وهي تضع قواتها العسكرية على الشريط الحدودي مع مصر بعد الاضطرابات في شبه جزيرة سيناء والتي من المفترض أن اتفاقية السلام مع مصر لا تعطيها الحق في ذلك.

خلاصة هذا أن هناك اتفاقا ثلاثيا على الحدود من قبل مصر والسعودية وإسرائيل. هذا مع الوضع في الاعتبار الإعلان السعودي عن التزامها بكامب ديفيد؛ وهذا يصب في مصلحة إسرائيل في كونها بذلك فتحت بابًا للتعاون المشترك مع السعودية ويجعلها أحد العناصر الجوهرية في المنطقة مما يعيد إليها الدعم والتنسيق الأمريكي مرة أخرى بعد أن أصبحت تتعلق بأمن إسرائيل في الشرق الأوسط ؛ وهو الدافع الأبرز الذي يحرك الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط والتي أعلنها الرئيس أوباما بشكل صريح.9

رابعاً: السيناريوهات المستقبلية:

1ـ بالنسبة النظام المصري: تبرز عدة احتمالات:

الأول: التصديق على الاتفاقيات وتنفيذها؛ وفي هذه الحال تتحول إلى أمر واقع، يُرجح هذا السيناريو أن البرلمان المصري القائم هو من أتباع النظام ومؤيديه ولا توجد فيه معارضة حقيقية، بل شكلية بالأساس. وهذا ينتج عنه انتقال ملكية الجزر للسعودية مقابل تقديم المساعدات والتي ربما تحدث نوعا من التحسن في الاقتصاد المصري، لكن هذا سيكون مؤقتا لأنها تعالج المشكلات الاقتصادية ظاهريا من ناحية إلى جانب عدم ضمان ذهاب المساعدات إلى مواضعها الصحيحة كما سبق وحدث أن ذهب معظمها إلى ميزانية المؤسسة العسكرية ودعمها.

الثاني: التصديق على اتفاقية ترسيم الحدود وعدم إتمام الاتفاقيات الاقتصادية ؛ بمعنى أن تحصل السعودية على ملكية الجزر ولكن لا تفي بوعودها الاقتصادية كما حدث من قبل في تجربة اليمن مع علي عبد الله صالح وغيرها من التجارب التي أصبحت نمطًا للاستراتيجية السعودية التي تستغل مواطن الضعف لتضم أراض إليها ثم تتملص من وعودها بالمساعدات. بل إن إعلان البنك المركزي المصري أنه لم يتلق اي ودائع جديدة من الجانب السعودي يعتبر أحد المؤشرات ولكن قد يكون هذا الإجراء بانتظار التصديق على الاتفاقيات. في هذه الحالة سيتحول الأمر من ترسيخ للتعاون بين الطرفين إلى عملية استغلال من الطرف السعودي للحالة المصرية القائمة.

2ـ الموقف من جماعة الإخوان:

لعل السيناريو الأوضح في هذا السياق هو بقاء الأمر على ما هو عليه من دعم السعودية للنظام المصري في موقفه ضد الإخوان واتفاقه معها في تصنيفه تنظيما إرهابيا، ولا يبدو في الأفق، على الأقل في الفترة الحالية، أي توجه نحو تحسين العلاقات مع الجماعة من قبل الطرفين. ولكن السعودية تتجه في الأغلب في سياستها إلى التهدئة فهي تري أن التهدئة تدعم مصالحها في المنطقة، ولذا لن تسعى إلى تصعيد الموقف مع جماعة الإخوان.

3ـ المصالحة المصرية التركية بواسطة سعودية:

لا يبدو في الأفق القريب التوجه لمصالحة تركية مع النظام المصري وهذا يظهر في عدم مشاركة السيسي فى القمة الإسلامية في تركيا. وبالرغم من إرسال وفد يترأسه وزير الخارجية المصري سامح شكري، لكنه يعني عدم حدوث انفراجة واسعة، بل محدودة، ولعل مواقف شكري والمسؤولين الاتراك تعكس وجود توتر في العلاقات يصعب تجاوزه في المدى المنظور.

4ـ التنسيق العسكري السعودي المصري:

الموقف المعلن لمصر يشير إلى عدم نيتها إلى مزيد من المشاركة العسكرية كما أن تحول الأوضاع إلى جانب المفاوضات يشير إلى أن الحاجة إلى تدخل مصر الأن أصبح أقل من ذي قبل. ولكن هناك عدة مؤشرات قد تحمل في طياتها تنسيقا مستقبليا لمثل هذا أهمها زيارة أولاند الفرنسية إلى مصر وما قد يتعلق بصفقة الميسترال والتي تمولها دول الخليج والسعودية على وجه الخصوص. وهذا لا يخلو من احتمالية أن يكون مقابل هذا التمويل المشاركة في عمليات حربية ولاسيما أن هذه الحاملات التي تمثل قواعد عسكرية متحركة ستتمركز في البحر الأحمر والمتوسط ؛ فالأولى تقترب من اليمن والثانية من سوريا. ولكن لا يمكن حصر التعاون العسكري مع الجانب السعودي ولكن مع الجانب الفرنسي الذي يشارك بقواته في مكافحة الإرهاب في افريقيا.

خلاصات واستنتاجات:

إن كل أبعاد المشهد لم تتضح حتى الآن ولاسيما مع تصاعد غضب شعبي مصري تجاه الاتفاقية بل الدعوة لتظاهرات حاشدة مع توارد أنباء عن غضب مماثل في صفوف القوات المسلحة مما يحمل أن المشهد يحمل في طياته الكثير. لذا فمتابعة المشهد بدقة ومتابعة تنفيذ الاتفاقيات سيكون جوهريا إذا ما سرت الأمور في مسار تقليدي دون تغيرات مفاجئة على المشهد الحالي، وهنا تبرز مجموعة من الخلاصات والاستنتاجات:

1- هناك احتمالية أن تكون الادعاءات التي أشارت إلى تغير في السياسة السعودية تجاه السلطة في مصر تحمل جانبا من الصحة وأنه من المحتمل أن يكون هناك تنسيق بين وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان في زيارته الأخيرة لمصر مع المؤسسة العسكرية لإحداث تغيير في المشهد السياسي المصري في الوقت المناسب، مع تنامي الإدراك بمدى الأضرار التي تتعرض لها كل الأطراف جراء الوضع الراهن، ويعلم الطرفان (سلمان والمؤسسة العسكرية) أنهما يستطيعان التمهيد لهذا الأمر وتوجيه عمل اللجنة التنسيقية نحوه ويستطيعان توجيه دفة الأمور بعد توقيع الاتفاقية على جميع الأصعدة.

2- إن المشهد المصري الداخلي يحمل الكثير من الإشكاليات غير الواضحة، فالاعتراضات التي طرأت من داخل المؤسسة العسكرية إلى جانب الزخم الذي تزامن مع ما يتعلق بنقل ملكية الجزر ليصل إلى هذا الحد على وسائل التواصل الاجتماعي حتى يصل الأمر للدعوة إلى مليونية حاشدة في ميدان التحرير مع الأخذ في الاعتبار تعليقات الإعلام المؤيد لنظام السيسي فتلك مؤشرات لابد من أخذها في الاعتبار، عند تحليل الصورة الكلية للمشهد، وخاصة مع تعدد التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات، من قبيل: لماذا هذه الهجمة من قبل المؤسسة العسكرية والإعلام، والذي أصبح أقرب للتنسيق المشترك على وسائل التواصل الاجتماعي في هذا الوقت بالتحديد بالرغم من أن هناك العديد من الأحداث التي كانت لا تختلف في جسامتها عن قضية الجزر كاتفاقيات قبرص واليونان ودخول القوات العسكرية الاسرائيلية على الشريط الحدودي لسيناء واختراقها للمجال الجوي وغيرها من القضايا التي تمس العقلية المصرية بشدة وتشكل مصدراً لمزيد من التوترات، ولم تشهد كل تلك الاعتراضات لا من الجيش ولا الإعلام ولا من فئات تيارات سياسية وشعبية متعددة.

3- إن الحركات الشعبية عندما تكون بهذا الحجم، تثير احتمالات (مهما كانت نسبتها أو مدي صحتها) أنها تتحرك بأذرع مخابراتية، ولكن أيضاً تبرز احتمالات (قد تكون الأرجح) أن يكون الأمر قد تم استخدامه من جانب القوى الثورية، انطلاقً من قناعات ومنطلقات حقيقية، لأن القضية تستحق، ولكن حجم وطبيعة التصعيد يشيران، إلى احتمالية أن تسعي بعض الأطراف والقوى غير الثورية للاستفادة منها، بل وتعمل بمثابة المحفز والمثير لها في بعض المحطات، وعبر عدد من المستويات.

4- إن لقاء السيسي مع ما سمي “القوي السياسية والاعلامية”، يظهر فيه بقدر كبير من التخبط، ويُوحي أنه أصبح في أزمة أو مأزق يريد تبريره، وهو ما قد يعكس في جانب منه شعور بالخطر. ثم تأتي التسريبات التي نشرها السياسي المصري، “د. أيمن نور”، رئيس حزب غد الثورة، حول “الهدايا الشخصية” التي، تقول (الوثائق) أن المملكة العربية السعوية قامت بتقديمها إلى عبد الفتاح السيسي وعدد من نواب البرلمان المصري، والتي تصل إلى 1.5 مليون دولار، وأن يتم نشرها في هذا الوقت من قبل “د. أيمن نور”، وما له من مكانة سياسية، والأهم أن يتم تسريبها (إذا ثبتت مصداقيتها) في هذا الوقت سواء كان مصدر التسريب من المملكة السعودية أو من مصر فإن هذا يربط هذا التصور بالتصور السابق وهو احتمالية تورط أي من السعودية أو الأجهزة المصرية في المشهد.

5- تشير الكثير من المؤشرات، من واقع المتابعات الدقيقة والرصد الإعلامي والبحثي، أن إسرائيل ليست خارج المشهد فهي على علم بالكثير من التفاصيل والتطورات بل والقرارات قبل أن يتم الاعلان الرسمي عنها، والعديد من الزيارات التي تم تبادلها في الفترة الأخيرة تشير إلى هذا. بالإضافة إلى أن مصلحة إسرائيل في نقل الجزر إلى السعودية بغرض تغيير الوضع الاستراتيجي وأن المضيق يتم تدويله ويصبح لإسرائيل حرية الملاحة البحرية بدرجة أكبر في خليج العقبة، عامل مهم يجب مراعاته، عامل آخر أن نقل الجزر في الفترة الحالية وعلى المدي البعيد يعطي أمان لإسرائيل في حالة تغيير النظام في مصر، وهو وارد، ولعل إسرائيل تكون قد أدركت هذا، وأن سعيها لبناء مسافات من حرية الحركة، وفك الارتباط، ولو جزئياً، عن النظام المصري الحالي، خشية تغييره، عامل ثالث، أن نقل ملكية هذه الجزر للسعودية، التي لا تمتلك القوة البحرية ولا العسكرية الموازنة للكيان الصهيوني، خلافاً للمعادلة العسكرية مع مصر التي تمتلك أحد أقوي الجيوش في المنطقة، قد يجعل أمر إعادة ترتيب وضع الجزر لصالح إسرائيل أمراً أيسر.

6ـ تثير تطورات المشهد أيضاً تساؤلات حول “مشروع الجسر”، الذي تم الاعلان عنه ويربط بين الأراضي المصرية والسعودية عبر البحر الأحمر: لماذا تم رفض الجسر من قبل إسرائيل في عهد مبارك ثم في العام الأول من حكم الدكتور محمد مرسي، ولم يحدث هذا الرفض مع وجود السيسي؟ ربما تفسير ذلك في عهد مرسي واضح، لكن تفسير رفضه في ظل مبارك غير واضح، وإن كان البعض قد نشر أن الرفض كان من جانب مبارك، لأن السعودية ربطت التنفيذ بالتنازل عن الجزر، مع ملاحظة أن تنفيذ مثل هذا المشروع من شأنه أن يفرض العديد من التداعيات والتحديات بعيدة المدي للكيان الصهيوني.

هذه الإشكاليات وغيرها، قد تدفع باتجاه تعزيز احتمالية أن اتفاق الجزر (كأحد الاحتمالات المنظورة) يمكن أن يكون في جانب منه، قد تم استخدامه كورقة من أوراق تشديد الضغوط على نظام السيسي، وأن الاتفاق قد لا يتم تنفيذه، ولكن جاء كأداة للتخلص من هذا النظام، إلا أن القول بهذا الاحتمال لا ينفي صحة كل الاحتمالات الأخرى التي يمكن ان تثار في هذا السياق.

——————————————–

الهامش

(1) لمزيد من التفاصيل: “بنود اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين مصر والسعودية”، موقع محيط، 9فبراير 2016 ، الرابط

(2) محمد عزالعرب، ” توجهــات وفـاقيـة: المحددات الحاكمة لإنهاء القضايا الخلافية” ، مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، الرابط

(3) مازن المصري ، “تعاون عسكري بين نظام السيسي والنظام العراقي” ، التقرير المصري ، 10 فبراير 2016 ، الرابط

(4) إسلام أبو العز ، “لماذا تدعم السعودية مطلب السودان في “حلايب وشلاتين”؟” ، البديل ، 8 نوفمبر 2015 ، الرابط

(5) أعلن السفير السعودي في القاهرة، أحمد القطان: “بالنسبة لحلايب وشلاتين فإنهما ملك لمصر، لكن تحت إدارة سودانية”، أنظر: حسن شراقي، قطان يقطع خط الرجعة على السيسي في اتفاق الحدود (فيديو)، عربي21، 13/4/2016. الرابط، تاريخ الزيارة 13/4/2016

(6) اليوم السابع ، ” إذاعة إسرائيل: السعودية تعهدت بالتزامات مصر فى كامب ديفيد حول الجزيرتين” ، 12 إبريل 2016 ، الرابط

(7) يمكن الرجوع لنص إعلان القاهرة كما سبق الإشارة إليه و مقارنته بما تم الإعلان عنه عقب الزيارة على هذا الرابط

(8) أنظر: جريدة الشروق، “الخارجية تنفي الاتفاق على أحقية مصر في 25% من أي اكتشفات بترولية في “تيران وصنافير”، الشروق المصرية، الرابط. وأنظر أيضاً: “القاهرة تنفي الاتفاق على أحقيتها في 25% من بترول «تيران» و«صنافير»”، الخليج الجديد، الرابط.

(9) ساسة بوست، “لعبة تيران وصنافير.. كيف خططت السعودية للانضمام إلى كامب ديفيد؟”، 12 إبريل 2016 ، الرابط

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close