زيارة سلمان ومستقبل نظام السيسي
جاءت زيارة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى مصر (7 إلى 11 أبريل 2016) في ظل حالة من عدم الاستقرار، يعيشها النظام المصري على كافة المستويات، خاصة السياسية والاقتصادية، داخلياً وخارجياً. حيث تشهد مصر في ظل هذا النظام، عدم استقرار سياسي في ظل الحرب التي يشنها ضد معارضيه من جماعة الإخوان المسلمين ومؤيدي الشرعية، الذين يرون أن الجيش بقيادة عبد الفتاح السيسي قد انقلب على الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي في 2013. كما تواجه البلاد انهياراً اقتصادياً بسبب الفشل في إدارة الملفات الاقتصادية من قبل النظام الذي اعتمد طوال فترة ما بعد الانقلاب على تدشين مشروعات وهمية بهدف استجلاب الشرعية التي يفتقدها خاصة مع تناقص شعبيته بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تثقل كاهل المواطنين. وعلى المستوى الخارجي يعاني النظام من أزمات متلاحقة كان آخرها أزمة مقتل الطالب الايطالي “جوليو ريجيني” على أيدي الأجهزة الأمنية المصرية.
وبالرغم من أن النظام المصري اعتبر أن زيارة العاهل السعودي لمصر تمثل دعماً كبيراً له في مواجهة أعدائه “قوى الشر كما يسميهم”، على اعتبار أن الزيارة تأتي بعد لغط كثير حول مواقف السعودية من السيسي، خاصة في ظل مواقف الأخير إزاء عدد من الملفات الإقليمية التي تضطلع بها السعودية، مثل القضية اليمنية والقضية السورية والعلاقات مع إيران وروسيا. ويرى البعض أن زيارة الملك سلمان جاءت في محاولة لإسقاط الرهان المتعلق بالتنسيق بين مصر “السيسي” وإيران في هذه الملفات.
أزمة تيران وصنافير
ولكن في الوقت نفسه، يمكن اعتبار الزيارة محاولة من القيادة السعودية لتحقيق مكاسب أخرى ذات أبعاد إستراتيجية تتمثل في موافقة النظام المصري على منح جزيرتي “صنافير” و”تيران” للمملكة مقابل الحصول على 2مليار دولار سنوياً و25% من ثرواتهما البترولية و الغازية و المعدنية. ولعل هذا المكسب الاستراتيجي الذي حققته المملكة لن يصب فقط في تعديل الحدود بين البلدين، بل في إعادة صياغة العلاقات الإقليمية، حيث ستصبح المملكة لأول مرة لها حدود مشتركة مع إسرائيل، وكذلك جزء من اتفاقية كامب ديفيد التي تشمل الجزيرتين والملاحة البحرية في خليج العقبة.
لكن ما هو أهم من ذلك هو تداعيات قرار النظام المصري بمنح المملكة الجزيرتين على المستوى الداخلي، حيث ووجه بعاصفة من الرفض الشعبي من كافة القطاعات بما فيها تلك التي تؤيد السيسي، وحتى بعض أذرعه الإعلامية التي يبدوا أنها لم تكن تعلم به، ولذا لم تستطع تقديم المبررات الكافية له.
ورغم ما اعتبره البعض ذكاء من القيادة السعودية التي ربطت مكسب الحصول على الجزيرتين بمشروع جسر الملك سلمان، الذي يحظى بتأييد الكثيرين في مصر لفوائده الاقتصادية الجمة، إضافة إلى المعارضة الإسرائيلية المتوقعة للمشروع والتي تعني زيادة التأييد الشعبي المصري له على اعتبار أن كل ما لا تريده إسرائيل هو خير لمصر. رغم ذلك إلا أن حدة رد الفعل الشعبي فاقت التصور، وتفسير ذلك يرتبط بالذهنية الجمعية للشعب المصري الذي يعتبر “الأرض” قضية مقدسة يبذل من أجلها الغالي والنفيس.
من هنا يمكن فهم سر التوحد بين القوى السياسية والشعبية، سواء المعارضة للنظام الحالي أو حتى المؤيدة له والتي اصطفت معه يوماً ضد نظام حكم الرئيس محمد مرسي. وهو ما دفع البعض للقول بأن زيارة الملك سلمان دقت المسمار الأخير في نعش نظام السيسي حينما أسقطت آخر ورقة توت كان يتغطي بها، بعدما استباح أخطر محرمات الشعب المصري وهي التفريط بالأرض. وهو ما أدى إلى حالة من التوحد بين مؤيدي ومعارضي النظام، الذين يرون أن الحفاظ على ما تبقى من مصر يتطلب الإطاحة بهذا النظام لأن استمراره يعني تفتيت مصر وبيعها في مزاد عالمي لمن يدفع أكثر.
وربما تكون تلك الزيارة كما يرى هؤلاء جزءا من خطة استبدال السيسي بآخر من المؤسسة العسكرية من أجل تأخير عملية الانفجار القادمة في مصر، التي ستأخذ شكل ثورة جياع تقضي على الأخضر واليابس وتسقط نظام العسكر إلى الأبد، وهو ما تخشاه دول الخليج وعلى رأسها السعودية، التي ترى أن مصر لا يجب أن يحكمها سوى عسكريون تابعون لها حتى تظل دولة غير قادرة على مزاحمة المملكة في قيادة العرب، وهو نفس ما تراه إسرائيل ومن خلفها الغرب، الذين يدركون جيدا أن حكم العسكر لمصر يعني استمرار تخلفها وتبعيتها لهم.
وفي إطار هذه الاعتبارات يمكن استخلاص عدة نتائج وتداعيات من زيارة الملك سلمان لمصر، أبرزها:
1- ما زال قرار اختيار حكام مصر إقليمياً ودولياً، وحتى المؤسسة العسكرية التي تقود النظام الحاكم لا تستطيع اختيار من يمثلها لحكم مصر إلا بعد موافقة القوى الإقليمية والدولية.
2- تعدد المؤشرات حول وجود قرار إقليمي ودولي باستبدال السيسي بحاكم عسكري آخر بعد تحميل السيسي كافة أوزار السنوات الثلاث الماضية من دماء واستبداد وتنازلات عن أراضي مصر وثرواتها وحقوقها، إلا أن عملية استبدال السيسي بحاكم عسكري آخر يعني أن الثورة المضادة ستظل هي صاحبة السلطة في الفترة القادمة في ظل تراجع كبير لقوى ثورة يناير، وهو ما يعني أن هناك شوطاً آخر من الصدام القادم بينهما وما يترتب على ذلك من سقوط دماء أكثر من الفترة الماضية وتدمير أكبر لمقدرات مصر وثرواتها.
3- تعتبر السعودية هي اللاعب الإقليمي الرئيسي فيما يتعلق بشئون الحكم في مصر بعد تراجع دور الإمارات قليلاً وتراجع مجاراتها للإستراتيجية السعودية التي ترى ضرورة إعادة ترتيب أوضاع الإقليم لمواجهة النفوذ الإيراني.
4- يجب على قوى الثورة المصرية أن تعي جيداً متطلبات المرحلة القادمة وتعمل من أجل مواجهتها خاصة وأن الوقت المقدر لحكم الثورة المضادة في تلك المرحلة القادمة لن يكون طويلاً بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد والتي تحتاج لمواجهتها أكثر من مجرد مساعدات يقدمها رعاة نظام الثورة المضادة، وهو ما يعني أن ثورة الجياع الهادرة ستتأخر قليلاً بفعل عملية الاستبدال الجارية لكنها ستأتي لتقضي على هذا النظام إلى الأبد.