fbpx
ترجمات

سامانثا باور: الطريقة الصحيحة لمواجهة الاستبداد

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نشرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية في 16 فبراير (عدد مارس/إبريل 2023) مقالاً لسامانثا باور، مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والتي كانت قد شغلت منصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في الفترة من 2013 إلى 2017، وذلك تحت عنوان: “كيف يمكن للديمقراطية أن تكسب – الطريقة الصحيحة لمواجهة الاستبداد”.

وقد جاء نص المقال على النحو التالي:

عندما تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن مهام منصبه في يناير 2021، كانت الولايات المتحدة قد شهدت لتوها أربع سنوات من أكثر الأعوام اضطراباً في ذاكرتها الحديثة، والتي بلغت ذروتها في حركة التمرد الفاشلة التي جرت في مبنى الكابيتول الأمريكي في السادس من يناير. وبدون أدنى شك، فقد أظهرت الديمقراطية الأمريكية أنها أكثر هشاشة مما كانت عليه عندما ترك بايدن منصب نائب الرئيس في عام 2017.

ولم تكن الصورة في الخارج أكثر إشراقاً. فقد كانت الأحزاب الشعبوية ذات النزعات المعادية للأجانب والمناهِضة للديمقراطية تكتسب زخماً كبيراً في الديمقراطيات الراسخة وتلك الناشئة على حدٍ سواء. ومن جديد، أصبحت الأنظمة الاستبدادية عبر العالم تبدو أكثر جرأة عن ذي قبل. وبينما كانت روسيا تضيّق الخناق على المعارضة في الداخل، وتشجع الاستبداد في الخارج، من خلال التدخل في الانتخابات، وحملات التضليل، والأعمال التي تقوم بها مجموعة فاجنر شبه العسكرية. وفي نفس الوقت، أصبحت الحكومة الصينية أكثر قمعاً في الداخل وأكثر صرامة في الخارج، فجرّدت هونج كونج من استقلالها، واستفادت من استثماراتها المالية الثنائية الضخمة لتأمين الدعم لسياساتها في المؤسسات الدولية. وفي فبراير 2022، وقبل ثلاثة أسابيع فقط من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينج والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن شراكة استراتيجية جديدة زعموا أنه لن يكون لها أي “حدود”.

لكن أوائل عام 2022 قد تكون علامة بارزة للاستبداد. فقد فشلت طموحات بوتين في السيطرة على أوكرانيا فشلاً ذريعاً، وذلك بفضل التصميم والشجاعة التي لا تتزعزع والتي أبداها الشعب الأوكراني. وبينما ارتكب بوتين أخطاء بعد الخطأ الاستراتيجي الذي تورط فيه، نجح الشعب الأوكراني الحر في التعبئة والإبداع والتكيف.

الأسباب الجذرية لاستعراض موسكو الكارثي عديدة، لكن العديد منها يحمل علامات الاستبداد. فقد دمر التربح غير المشروع الجيش الروسي من الداخل، مما أدى إلى ظهور تقارير عن قيام جنود ببيع الوقود والأسلحة في السوق السوداء. وخاطر القادة الروس بأرواح جنودهم مخاطرات جسيمة: فالمجندون يصلون إلى الجبهة بعد أن يتم الكذب عليهم والتلاعب بهم بدلاً من تدريبهم بشكل صحيح. ولتجنب إزعاج رؤسائهم، يقدم القادة العسكريون تقييمات وردية بشكل مفرط حول قدرتهم على غزو أوكرانيا، مما دفع أحد قادة الميليشيات الموالية لروسيا إلى تسمية خداع الذات بـ “هربس الجيش الروسي”.

وأدى السلوك الروسي المروّع في أوكرانيا إلى جعل موسكو في وضع أكثر عزلة من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب الباردة. فمعظم الدول الأوروبية في سباق محموم لفصل اقتصاداتها عن الاقتصاد الروسي؛ وفنلندا والسويد على وشك الانضمام إلى حلف شمال الأطلنطي (الناتو) الموسَّع والموحَّد. وانخفض تقييم لروسيا وبوتين لدى الرأي العام في دول حول العالم، ووصل إلى مستويات قياسية في الانخفاض، وفقاً لمركز بيو للأبحاث. وفي الجوار المباشر لروسيا، يظل شركاء موسكو الأمنيون والاقتصاديون التقليديون واقفين على الحياد، ويرفضون استضافة تدريبات عسكرية مشتركة، بل ويسعون إلى تقليل اعتمادهم اقتصادياً على روسيا، ودعم أنظمة العقوبات المشهرة ضدها. وحتى الروس أنفسهم يُعَدُّ فرارهم من الاشتراك في هذه الحرب بمثابة “تصويت بأقدامهم”: فرسمياً، فر مئات الآلاف من المواطنين الروس (مخافة تجنيدهم وجعلهم وقوداً للحرب)، بل من المرجّح أن العدد الحقيقي يزيد عن المليون ويشمل عشرات الآلاف من العاملين في مجال التكنولوجيا الفائقة.

وأظهرت السنوات القليلة الماضية أيضاً أوجه القصور في نموذج بكين. ففي عامي 2020 و 2021، ادّعى كبار المسؤولين الصينيين أن مستوى الاستجابة العالمية لوباء كوفيد -19 أظهرت تفوق نظامهم. ودأبوا بانتظام على توجيه زخّات من النقد اللاذع للولايات المتحدة بسبب ارتفاع حصيلة الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا بها. ومما لا شك فيه أن الولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى ارتكبت بعض الأخطاء في كيفية التعامل مع جائحة كوفيد -19. ولكن على عكس المواطنين الصينيين، استطاع الناخبون غير الراضين عن أداء قادتهم في هذه الدول انتخاب قادة جدد ليتولوا المسؤولية، وبالتالي تغيير نهج حكوماتهم تجاه الجائحة. وعلى النقيض من ذلك، فقد حجبت بكين البيانات الحيوية حول الوباء عن منظمة الصحة العالمية، ورفضت العمل جنباً إلى جنب مع الدول الأخرى في تطوير لقاحات له، وتمسَّكت بسياستها القاسية “صفر كوفيد” حتى أواخر عام 2022. ولا تزال يلفها الغموض فيما يتعلق بوضع كوفيد -19 في الصين، مما يقلل من فرص فهم المجتمع الدولي للمتغيرات المحتملة.

الحكام المستبدون حول العالم في موقف الدفاع

في أماكن أخرى، انخفض الدعم العام للأحزاب والقادة الشعبويين وكذلك المواقف المناهضة للتعددية بشكل كبير منذ عام 2020، ويرجع ذلك جزئياً إلى الطريقة التي تعاملت بها الحكومات التي يقودها شعبويون مع الجائحة. وما بين منتصف عام 2020 ونهاية عام 2022، شهد القادة الشعبويون متوسط هبوط في شعبيتهم بمقدار 10 نقاط مئوية في معدلات التأييد في 27 دولة، حسب تحليل قام به باحثون في جامعة كامبريدج. وفي نفس الإطار الزمني، فقد قادة بارزون من ذوي الميول الاستبدادية السلطة من خلال صناديق الاقتراع. وأثبتت الديمقراطية الأمريكية صمودها ومرونتها. حيث أقر الكونجرس الأمريكي إصلاحات انتخابية ذات مغزى، وأجرى تحقيقات عامة قوية في الأحداث التي سبقت وصاحبت يوم 6 يناير.

ويبقى الأوتوقراطيون الآن في موقف ضعيف. فتحت قيادة بايدن، تضافرت جهود الولايات المتحدة ودول العالم لحماية وتعزيز الديمقراطية في الداخل والخارج والعمل معاً لمواجهة تحديات مثل تغير المناخ والفساد. وبعد عام من التعثر الذي شهده الاستبداد، ومظاهر الصمود والمرونة التي تحلّت بها الديمقراطية، فإن لدى الولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى فرصة لاستعادة زخمها – ولكن فقط شريطة أن نتعلم من الماضي ونقوم بتكييف استراتيجياتنا مع الواقع.

وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، ركّز دعاة الديمقراطية على نطاق ضيق للغاية على الدفاع عن الحقوق والحريات، متجاهلين آلام ومخاطر الصعوبات الاقتصادية وعدم المساواة. وقد فشلنا أيضاً في مواجهة المخاطر المرتبطة بالتقنيات الرقمية الجديدة، بما في ذلك تقنيات المراقبة، التي تعلمت الحكومات الاستبدادية جيداً كيف تستغلها لصالحها. لقد حان الوقت للالتحام معاً حول أجندة جديدة لمساعدة قضية الحرية على مستوى العالم، حول خطة تعالج المظالم الاقتصادية التي استغلها الشعبويون بشكل فعال للغاية، والتي تقضي على ما يسمى بالاستبداد الرقمي، وتعيد توجيه المساعدة الديمقراطية التقليدية للتصدي للتحديات الحديثة.

ليست زهرة هشة

في خطابه أمام البرلمان البريطاني في عام 1982، قال الرئيس الأمريكي رونالد ريجان إن “الديمقراطية ليست زهرة هشة. ولكنها مع ذلك، في حاجة إلى الغرس”. ومنذ ذلك الحين، كان غرس الديمقراطية في الخارج يعني إلى حد كبير تقديم ما نسميه بالمساعدة الديمقراطية: بما في ذلك التمويل لدعم وسائل الإعلام المستقلة، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، والحكم الرشيد، والمجتمع المدني، والأحزاب السياسية التعددية، والانتخابات الحرة والنزيهة.

هذه المساعدة من الولايات المتحدة، والتي تنامت من ما يزيد قليلاً عن 106 مليون دولار في عام 1990 إلى أكثر من 520 مليون دولار في عام 1999، عملت على دعم الجهات الفاعلة الديمقراطية في البلدان المتمترسة خلف ستار حديدي، حيث أصبحوا أعضاء فخورين ومزدهرين في إطار أوروبا الحرة. وبعد أن كسر المتظاهرون الشجعان قبضة الحكم السوفيتي، ساعد دعمنا للدول المستقلة حديثاً على إنشاء كل شيء من البداية، من المذيعين ذائعي الصيت إلى الهيئات القضائية المستقلة. وساعدت مبادرات مماثلة الإصلاحيين في جميع أنحاء إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية حيث عززوا ديمقراطياتهم.

وعلى الرغم من صعوبة قياس مدى تقدم هذه البرامج في سياق التقدم الديمقراطي في جميع أنحاء العالم، فقد حددت دراسات عديدة الطرق التي دعمت بها المساعدة الديمقراطية المقدمة من الولايات المتحدة والجهات المانحة الأخرى الوصول لتلك النتائج الإيجابية. وكان للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، المؤسسة التي أقودها، وهي أكبر مزود للمساعدة الديمقراطية حول العالم، كان لها “تأثيرات واضحة ومتّسقة” على المجتمع المدني، والعمليات القضائية والانتخابية، واستقلال وسائل الإعلام، والتحول الديمقراطي بشكل عام، وفقاً لإحدى الدراسات عن برامج تعزيز الديمقراطية للوكالة بين عامي 1990 و2003.

وقد وجدت دراسة لاحقة تمت بتكليف من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن كل 10 ملايين دولار من المساعدة الديمقراطية التي قدمتها الوكالة بين عامي 1992 و2000 ساهمت في قفزة تبلغ سبع نقاط على مؤشر الديمقراطية الانتخابية العالمي المكون من 100 نقطة والذي يقوم عليه معهد أصناف الديمقراطية (في – ديم) غير الهادف للربح.

لكن الدراسة نفسها أظهرت أن هذه الآثار الإيجابية بدأت تتعثر في السنوات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة. فما بين عامي 2001 و 2014، شهد نفس مبلغ الاستثمار زيادة بمقدار ثلث نقطة فقط – ومع ذلك، ما يزال أكثر بمرتين ونصف من متوسط التغيير السنوي بين الدول في مؤشر الديمقراطية الانتخابية خلال تلك الفترة، ولكن مع تأثير أقل كثيراً مما كان عليه الحال في السنوات السابقة.

وبالطبع، تساهم مجموعة من العوامل المترابطة في نضالات الديمقراطية، حيث تشمل: الاستقطاب، والحالة عدم المساواة المستفحلة وحالة عدم الرضا الاقتصادي المنتشرة على نطاق واسع، وانفجار (براكين) المعلومات المضللة في المجال العام، وحالة الجمود السياسي، وصعود الصين كمنافس استراتيجي للولايات المتحدة، وانتشار الاستبداد الرقمي الذي يهدف إلى قمع حرية التعبير وتوسيع سلطة الحكومة. في الحقيقة، لا يمكن حل العديد من هذه التحديات إلا داخلياً (بالولايات المتحدة). لكن أولئك الأمريكيون الذين استثمروا في التجديد العالمي للديمقراطية، يجب أن يساعدوا المجتمعات على معالجة المخاوف الاقتصادية التي استغلتها القوى المناهضة للديمقراطية؛ ونقل النضال من أجل الديمقراطية إلى العالم الرقمي، تماماً كما فعلت الأنظمة الاستبدادية؛ وتكييف مجموع أدواتنا ليس فقط لمواجهة التحديات طويلة الأمد للديمقراطية، ولكن أيضاً لمواجهة التحديات الجديدة.

أعمى عن الحقوق

في صميم النظرية والممارسة الديمقراطية يكمن احترام كرامة الفرد. ولكن من بين أكبر الأخطاء التي ارتكبتها العديد من الديمقراطيات منذ الحرب الباردة هي النظر إلى كرامة الفرد في المقام الأول من منظور الحرية السياسية دون إعارة الانتباه بشكل كافٍ إلى الإهانة التي يمثلها الفساد وعدم المساواة وانعدام الفرص الاقتصادية.

لم تكن هذه نقطة عمياء عالمية: فقد جادل عدد من ذوي البصيرة من الشخصيات السياسية ودعاة الديمقراطية، وكذلك أولئك الأفراد الذين يعملون على تعزيز التقدم الديمقراطي على المستوى الشعبي، أن عدم حالة المساواة الاقتصادية يمكن أن تغذي صعود القادة الشعبويين والحكومات الاستبدادية التي تعهدت بتحسين مستويات المعيشة، حتى في الوقت الذي يقوضون فيه الحريات. ولكن في كثير من الأحيان، كان النشطاء والمحامون وغيرهم من أفراد المجتمع المدني الذين يعملون على تعزيز المؤسسات الديمقراطية وحماية الحريات المدنية يتطلعون إلى الحركات العمالية والاقتصاديين وصانعي السياسات لمعالجة الاضطراب الاقتصادي وعدم المساواة في الثروة وتدني الأجور بدلاً من بناء تحالفات من أجل معالجة هذه المشاكل المتقاطعة.

ونتيجة لذلك، عانت الديمقراطية كثيراً. فعلى مدى العقدين الماضيين، ومع تزايد عدم المساواة الاقتصادية، أظهرت استطلاعات الرأي أن الناس في البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء بدأوا يفقدون الثقة في الديمقراطية ويخشون أن ينتهي الأمر بأن يجد الشباب أنفسهم في وضع أسوأ مما كانوا عليه، مما يمنح الشعبويين والقوميين العرقيين فرصة استغلال المظالم والحصول على موطئ قدم سياسي في كل قارة.

البرامج الاقتصادية كشكل من أشكال المساعدة الديمقراطية

وللمضي قدماً في هذا الأمر، علينا أن ننظر إلى جميع البرامج الاقتصادية التي تحترم المعايير الديمقراطية على أنها شكل من أشكال المساعدة الديمقراطية. وعندما نساعد القادة الديمقراطيين على توفير اللقاحات لشعوبهم، أو خفض نِسب التضخم أو الحد من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، أو توفير المدارس لاستيعاب جميع الأطفال، أو إعادة فتح الأسواق بعد وقوع كارثة طبيعية، فإننا نُثبت – بطريقة قد لا تستطيع الصحافة الحرة أو المجتمع المدني النابض القيام بها دائماً – أن الديمقراطية تحقق إنجازات على الأرض. وبذلك نعمل على تقليل احتمالية أن تستغل القوى الاستبدادية المصاعب الاقتصادية التي يعاني منها الناس.

ليس هناك مكان لإنجاز هذه المهمة أكثر أهمية اليوم من المجتمعات التي تمكنت من انتخاب الإصلاحيين الديمقراطيين أو التخلص من الحكم الاستبدادي أو غير الديمقراطي من خلال الاحتجاجات الجماهيرية السلمية أو الحركات السياسية الناجحة. ولكن هذه النقاط المضيئة الديمقراطية هي في الحقيقة هشة بشكل لا يصدق. وما لم يرسخ الإصلاحيون مكاسبهم الديمقراطية والاقتصادية بسرعة، فمن المفهوم للجميع أن نفاد صبر الشعوب، خاصة إذا شعروا أن المخاطر التي خاضوها للإطاحة بالنظام القديم لم تُسفر عن مكاسب ملموسة في حياتهم. ويسمح هذا السخط لمعارضي الحكم الديمقراطي – غالباً بمساعدة من أنظمة استبدادية خارجية – باستعادة السيطرة، وعكس الإصلاحات، والقضاء على أحلام الحقوق المتعلقة بالحكم الذاتي.

والمهمة التي تنتظر القادة الإصلاحيين للقيام بها كبيرة للغاية. فغالباً ما يرِثون ميزانيات مثقلة بالديون، أو اقتصادات جوفاء بسبب الفساد، أو خدمات مدنية مبنية على المحسوبية، أو مزيج من الثلاثة مظاهر السابقة. وعندما تولى الرئيس الزامبي هاكيندي هيشيليما منصبه في عام 2021 بعد فوزه الساحق على شاغل الوظيفة الذي اعتقله نظامه أكثر من اثنتي عشرة مرة، اكتشف أن أسلافه قد راكموا أكثر من 30 مليار دولار من الديون التي يتعذر خدمتها، أي ما يقرب من مرة ونصف من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، مع القليل جداً من البنية التحتية الجديدة أو العائد على الاقتراض من أجل التباهي. في مولدوفا، حيث تم انتخاب المدافعة عن مكافحة الفساد مايا ساندو رئيسة في عام 2020، حيث ابتلعت فضيحة فساد واحدة في السابق 12% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.

ولمساعدة الديمقراطيات الصاعدة في التغلب على هذه العقبات، عززت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية دعماً إضافياً. وحدّدنا وزدنا من استثماراتنا في عدد من النقاط المضيئة الديمقراطية، بما في ذلك جمهورية الدومينيكان وملاوي وجزر المالديف ومولدوفا ونيبال وتنزانيا وزامبيا. وهذه القائمة لا تشمل ذكر جميع بأي حال من الأحوال، ومن المُسلّم به أن بعض هذه النقاط المضيئة تتألق بشكل مكثف أكثر من غيرها في التزامها بالإصلاح الديمقراطي. لكن الجميع يعملون على محاربة الفساد، وخلق مساحة أكبر للمجتمع المدني، واحترام سيادة القانون. وأنشأ بايدن أيضاً صندوقاً خاصاً في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية حتى نتمكن من التحرك بسرعة لمساعدة النقاط المضيئة حول العالم على تحقيق أولوياتهم الاقتصادية الرئيسية أثناء سعيهم للإصلاحات وتعزيز المكاسب الديمقراطية.

لكننا لا نريد فقط زيادة مساعدتنا لهذه البلدان ؛ بل نريد مساعدتهم على الازدهار بما يتجاوز تأثير برامجنا. ومبادرة الأمن الغذائي الرائدة للحكومة الأمريكية، “لِنُغَذّي المستقبل” (فيد ذا فيوتشر)، التي تعمل جنباً إلى جنب مع الأعمال التجارية الزراعية وتجار التجزئة ومختبرات البحوث الجامعية لمساعدة البلدان على تحسين إنتاجيتها الزراعية وصادراتها، قد توسعت مؤخراً لتشمل ملاوي وزامبيا. كما دخلت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في شراكة مع فودافون لتوسيع نطاق تطبيق الهاتف المحمول المسمى “إم-مما” ليشمل كل منطقة في تنزانيا. يشبه التطبيق تطبيق أوبر للأمهات الحوامل، حيث يساعد النساء الحوامل اللائي يفتقرن إلى خدمات الإسعاف على الوصول إلى المرافق الصحية ويساهم في انخفاض كبير في معدل وفيات الأمهات. وفي مولدوفا، التي تتقدم في إصلاحات مكافحة الفساد على الرغم من الضغوط الاقتصادية المتزايدة من روسيا، عملت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على زيادة التكامل التجاري للبلاد مع أوروبا. وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، جمعت أنا ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين رؤساء دول العديد من هذه الديمقراطيات الصاعدة، جنباً إلى جنب مع المديرين التنفيذيين للشركات والمؤسسات الخيرية الخاصة، لتشجيع الشراكات الجديدة.

وقد أوضح هذا الحدث نقطة حاسمة، مفادها أنه: لا يمكن أن يكون تعزيز الإصلاحيين الديمقراطيين مهمة الحكومة وحدها. إذ يجب على جميع الذين يؤمنون بأهمية الحكم الشفاف والخاضع للمساءلة أن يتجمعوا متى كان هناك انفتاح ديمقراطي، لمساعدة الإصلاحيين على تقديم فوائد ملموسة لشعوبهم. وبالنسبة للحكومات والمؤسسات متعددة الأطراف، فقد يعني ذلك سن إصلاحات سياسية مواتية، أو خفض التعريفات الجمركية أو الحصص، أو ببساطة القيام بزيارات رسمية رفيعة المستوى لاحتضان الإصلاحيين بشكل واضح. وبالنسبة للمؤسسات والجمعيات الخيرية والمجتمع المدني، فقد يعني ذلك تقديم مِنح وشراكات جديدة. وبالنسبة للشركات والمؤسسات المالية، فقد يعني ذلك توسيع الاستثمارات الحالية أو استكشاف استثمارات جديدة. وحتى الأفراد يمكنهم القيام بدورهم لدعم الديمقراطية من خلال التفكير في نقطة مضيئة ديمقراطية لقضاء عطلتهم القادمة.

المساعدات الأساسية

وفي كل مكان تقدم فيه الدول الديمقراطية المساعدة، يجب أن تسترشد وتسعى إلى تعزيز المبادئ الديمقراطية – بما في ذلك حقوق الإنسان، والمعايير التي تكافح الفساد، والضمانات البيئية والاجتماعية. وعلى النقيض من نهج الحكومات الاستبدادية، فإننا نعرض الفوائد المحتملة لنظامنا الديمقراطي عندما نقدم المساعدة بطريقة عادلة وشفافة وشاملة وتشاركية – من تعزيز المؤسسات المحلية، وتوظيف العمال المحليين، واحترام البيئة، وتقديم المزايا بشكل عادل مجتمع.

وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، تحولت بكين من واحدة من أكبر المتلقين للمساعدات الخارجية إلى أكبر مزود ثنائي لتمويل التنمية، في شكل قروض في أغلب الأحيان. ومن خلال استثماراتها الهائلة في البنية التحتية، ساعدت بكين العديد من الدول النامية في بناء الموانئ البحرية والسكك الحديدية والمطارات والبنية التحتية للاتصالات. لكن الآثار الجانبية للتمويل الصيني يمكن أن تقوّض أهداف التنمية طويلة الأجل للدول الشريكة وصحة مؤسساتها. فيتم توفير الكثير من القروض غير الميسرة للتنمية الذي تقدمه الصين، حتى للدول الفقيرة المثقلة بالديون، بأسعار السوق  من خلال اتفاقيات غامضة مخفية عن الجمهور. ووفقا للبنك الدولي، فإن 40% من الديون المستحقة على أفقر دول العالم تعود للصين. وكانت محاولات المقترضين المثقلين بالديون مثل زامبيا لإعادة هيكلة ديونهم للصين بطيئة ومفكّكة، حيث نادراً ما يوافق المقرضون الصينيون على تخفيضات في أسعار الفائدة أو في تخفيض أصل الديون.

ولأن قروض بكين لا تخضع إلا لرقابة عامة قليلة، فإنها غالباً ما يتم تحويلها لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية. وقد وجدت دراسة أجريت عام 2019 في مجلة اقتصاديات التنمية (جورنال أوف ديفيلوبمنت إيكونوميكس) أن الإقراض الصيني للدول الأفريقية قد اقترب من الانتخابات (التي تُعقد في الدول المقترضة) وأن الأموال انتهى بها الأمر بشكل غير متناسب في مسقط رأس القادة السياسيين. تتجنب هذه القروض تشغيل العمالة المحلية، وتوفير الضمانات البيئية، وتساعد الحكومة الصينية على تأمين وصولها إلى الموارد الطبيعية والأصول الاستراتيجية، مما يعزز الشركات المملوكة للدولة الصينية أو تلك التي توجهها الدولة.

على الدول الديمقراطية المانحة والشركات الخاصة زيادة استثماراتها في المشاريع التي ترفع مستوى الاندماج الاقتصادي والاجتماعي وتقوي المعايير الديمقراطية – وهي قرارات لا تسفر في النهاية عن نتائج أكثر إنصافاً فحسب، بل تؤدي أيضاً إلى أداء إنمائي أقوى. وتخطط الولايات المتحدة، جنبا إلى جنب مع بقية دول مجموعة السبع، لتقديم 600 مليار دولار من الاستثمارات الخاصة والعامة بحلول عام 2027 لتمويل البنية التحتية العالمية. وسنفعل ذلك بشكل حاسم وبطريقة تعزز احتياجات البلدان الشريكة وتحترم المعايير الدولية – لتكون نموذجاً لتشجيع جميع هذه الاستثمارات على المضي قدماً. وستمول هذه الشراكة الجديدة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار مشاريع الطاقة النظيفة والبنية التحتية المقاومة للمناخ ؛ تمويل “التعدين المسؤول” للمعادن والفلزات الهامة، وتوجيه المزيد من الأرباح للجماعات المحلية ومجموعات السكان الأصليين؛ وتوسيع فرص الحصول على المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي التي تفيد بشكل خاص النساء والمحرومين ؛ وتوسيع شبكات الجيل الخامس والجيل السادس الرقمية الآمنة والمفتوحة حتى لا تضطر الدول إلى الاعتماد على الشبكات صينية الصنع التي قد تكون عرضة للمراقبة.

المخاطر الرقمية

ولم تحظ التقنيات الرقمية التي تُرجح خطورتها باهتمام كافٍ مثل الذي تحظى به “عدم المساواة” و “الحرمان الاقتصادي”، تقريباً من معظم الديمقراطيات. ولا يمكن المبالغة في الدور الذي لعبته هذه الأدوات في صعود الحكومات الاستبدادية والحركات العرقية القومية. إذ تستخدم الأنظمة الاستبدادية أنظمة المراقبة وبرامج التعرف على الوجه لتتبع ومراقبة المنتقدين والصحفيين وغيرهم من أعضاء المجتمع المدني، بهدف قمع المعارضين وخنق الاحتجاجات. كما يقومون كذلك بتصدير هذه التكنولوجيا إلى الخارج ؛ فقد قدمت الصين تكنولوجيا المراقبة لما لا يقل عن 80 دولة من خلال مبادرة طريق الحرير الرقمي.

ويتمثل جزء من المشكلة في الافتقار إلى المعايير العالمية والأُطر القانونية أو التنظيمية التي تدمج القيم الديمقراطية في تصميم التكنولوجيا وتطويرها. وحتى في البلدان الديمقراطية، غالباً ما يتعين على المبرمجين تحديد أخلاقياتهم المهنية فوراً، وتطوير حدود للتقنيات القوية تزامناً مع محاولة تحقيق أهداف ربع سنوية طموحة، قد لا تترك لهم سوى القليل من الوقت للتفكير في التكاليف البشرية لمنتجاتهم.

عندما تولى بايدن منصبه اعترف بالدور الحيوي الذي ستلعبه التكنولوجيا في تشكيل مستقبلنا. وهذا هو السبب في أن إدارته دخلت في شراكة مع 60 حكومة أخرى لإصدار إعلان لمستقبل الإنترنت، والذي يحدد رؤية إيجابية مشتركة للتقنيات الرقمية بالإضافة إلى مخطط لقانون حقوق الذكاء الاصطناعي بحيث يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بما يتماشى مع المبادئ الديمقراطية والحريات المدنية. وفي يناير 2023، تولت الولايات المتحدة أيضاً رئاسة تحالف “فريدوم أونلاين”، وهو مجموعة من 35 حكومة ملتزمة بتنشيط الجهود الدولية لتعزيز حرية الإنترنت ومكافحة إساءة استخدام التكنولوجيا الرقمية.

كسر الجدار الفاصل بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية

ومن أجل بناء القدرة على الصمود في وجه الاستبداد الرقمي، فإننا نطلق مبادرة رئيسية جديدة للديمقراطية الرقمية ستساعد الحكومات الشريكة والمجتمع المدني على تقييم التهديدات التي يشكلها سوء استخدام التقنيات على المواطنين. وقد أطلقنا مبادرة جديدة مع أستراليا والدنمارك والنرويج وشركاء آخرين لتحسين مواءمة ضوابط التصدير لدينا مع سياسات حقوق الإنسان الخاصة بنا. وقمنا بإدراج المخالفين بشكل صارخ في القائمة السوداء، مثل شركة “بوزيتيف تكنولوجيز” و “إن إس أُو جروب”، وكلاهما قام ببيع أدوات قرصنة لحكومات استبدادية. وفي الأشهر المقبلة، سينتهي البيت الأبيض من إصدار أمر تنفيذي يمنع الحكومة الأمريكية من استخدام برامج التجسس التجارية التي تشكل تهديداً أمنياً أو خطراً كبيراً من خلال الاستخدام غير السليم من قبل حكومة أو شخص أجنبي.

وتعمل الولايات المتحدة أيضاً مع شركائها لدعم العمليات الانتخابية الحرة والنزيهة في جميع أنحاء العالم. حيث لم يعد الحكام المستبدون يكتفون بمجرد تعبئة صناديق الاقتراع في يوم الانتخابات (بالأصوات المزورة)؛ لكنهم أمضوا سنوات في تغيير ساحة اللعب (على العملية الانتخابية) من خلال القرصنة الإلكترونية وقمع الناخبين. وقامت المنظمات العالمية الرائدة التي تدعم النزاهة الانتخابية، سواء داخل الحكومات أو خارجها، بتشكيل “التحالف من أجل ضمان نزاهة الانتخابات” لوضع مجموعة متسقة من المعايير لما يمكن أن شكل انتخابات حرة ونزيهة. وسيساعد التحالف أيضاً في تعريف الانتخابات الحرجة التي يمكن للولايات المتحدة والدول المانحة الأخرى المساعدة في دعمها ومراقبتها.

ولكن ربما يكون التضليل وغيرها من أشكال التلاعب بالمعلومات أكبر تهديد للديمقراطية في نطاق المجال الرقمي. فعلى الرغم من أن خطاب الكراهية والدعاية السوداء ليس بجديد، إلا أن الصعود الذي تشهده الهواتف المحمولة ومنصات التواصل الاجتماعي قد مكّن المعلومات المضللة من الانتشار بسرعة وبحجم غير مسبوق، حتى في المناطق النائية والمنفصلة نسبياً عن العالم. ووفقاً لمعهد أوكسفورد للإنترنت، فقد استخدمت 81 حكومة وسائل التواصل الاجتماعي في حملات خبيثة لنشر المعلومات المضللة، وفي بعض الحالات تم ذلك بالتنسيق مع الأنظمة في موسكو وبكين. لقد أنفق كلا البلدين مبالغ ضخمة من أجل التلاعب ببيئة المعلومات لتناسب سرديتهما من خلال نشر الأخبار المزيفة، وإغراق محركات البحث بها بهدف تقديم نتائج غير مواتية، ومهاجمة منتقديهم.

إن أهم خطوة يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة لمواجهة حملات التأثير الأجنبي والتضليل هي مساعدة شركائنا على الترويج لوسائل الإعلام ومحو الأمية الرقمية، والتواصل بمصداقية مع جمهورها، والانخراط في “استباق الأحداث”، أي السعي لتحصين مجتمعاتهم ضد التضليل قبل أن تنتشر هذه الضلالات. ففي إندونيسيا، على سبيل المثال، عملت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مع الشركاء المحليين لتطوير دورات وألعاب متطورة عبر الإنترنت تساعد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الجدد على تحديد المعلومات المضللة وتقليل احتمالية مشاركة وتداول الإسهامات والمقالات المضللة.

وساعدت الولايات المتحدة أيضاً أوكرانيا في معركتها ضد دعاية الكرملين والتضليل الذي تمارسه حول الحرب. وعلى مدى عقود، عملت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على تعزيز بيئة الإعلام في الدول، وتشجيع الإصلاحات التي تسمح بزيادة فرص الوصول إلى المعلومات العامة ودعم ظهور منظمات إعلامية محلية قوية، بما في ذلك هيئة البث العامة “سسبيلن”. وبعد غزو روسيا الأولي لأوكرانيا في عام 2014، توسّع عملنا لمساعدة الصحفيين المحليين في البلاد على إنتاج برمجة باللغة الروسية التي يمكن أن تصل إلى أقاليم تشغلها الكرملين، مثل “حوارات مع دونباس”، وهي قناة يوتيوب تضم محادثات صادقة مع أوكرانيين حول الحياة خلف الخطوط الروسية. وقد ساعدنا أيضاً في دعم إنتاج العرض الكوميدي المباشر على الهواء “نيوزبالم”، الذي يحصد بانتظام عشرات الآلاف من المشاهدات أثناء تفنيد أكاذيب بوتين. وحتى قبل أن يبدأ غزو موسكو على نطاق واسع في فبراير 2022، عملنا مع حكومة أوكرانيا لدعم “مركز الاتصالات الاستراتيجية”، التي تستخدم الميمات ومقاطع الفيديو الرقمية المنتجة جيداً ووسائل التواصل الاجتماعي ورسائل تليجرام لاختراق ومواجهة دعاية الكرملين.

وصفة للتجديد

على الرغم من هذه النجاحات، فإن المعركة العالمية ضد الاستبداد الرقمي لا تزال متشرزمة ودون مستوى التمويل. وعلى الولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطيات أن تعمل عن كثب مع مجموعات القطاع الخاص والمجتمع المدني لتحديد التحديات وبناء الشراكات وزيادة الاستثمارات في الحرية الرقمية في جميع أنحاء العالم. وفي نفس الوقت، يجب أن نتفاعل مع التحديات الجديدة التي يواجهها الصحفيون ومراقبو الانتخابات ودعاة مكافحة الفساد، وتحديث برمجة المساعدة الديمقراطية للرد على التهديدات المتطورة باستمرار.

وتحقيقاً لهذه الغاية، أطلقت الولايات المتحدة العديد من المبادرات الجديدة -وكثير منها مستوحاة من الناشطين والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية المؤيدة للديمقراطية- تحت راية المبادرة الرئاسية للتجديد الديمقراطي، والتي كشفت عنها بايدن في قمة عام 2021 من أجل الديمقراطية . وعلى سبيل المثال، سمعنا من الصحفيين المستقلين في جميع أنحاء العالم أن أحد العوائق الرئيسية أمام عملهم، بالإضافة إلى التهديدات بالموت والتخويف، هي الدعاوى القضائية التي تم رفعها عليهم من قِبل أولئك الذين يسعون إلى تجريسهم وفضحهم. ويمكن أن تكلف هذه الدعاوى القضائية عديمة القيمة الصحفيين والمنصات الصحفية ملايين الدولارات، مما يُخرج البعض من الأعمال ويخلف تأثيراً تقشعر له الأبدان للآخرين. وبالإضافة إلى المساعدة في تعزيز الأمن المادي للمنظمات الإخبارية، أنشأت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية صندوق تأمين جديد، ودرع للصحفيين، من شأنه أن يساعد الصحفيين الاستقصائيين والجهات الفاعلة في المجتمع المدني في الدفاع عن أنفسهم ضد التهم المزيفة. وتقديراً للتحديات الاقتصادية التي تواجهها جميع وسائل الإعلام التقليدية حتى في الولايات المتحدة، قمنا أيضاً بتنظيم جهود جديدة لمساعدة المؤسسات الإعلامية التي تكافح مالياً على تطوير خطط عمل، وتكاليف أقل، والوصول للجماهير، والاستفادة من مصادر جديدة للإيرادات، حتى لا يصلوا إلى حد الإفلاس في الوقت الذي تزداد فيه الحاجة إلى وجود صحافة مستقلة.

وأخيراً، فنحن نتبع نهجاً أكثر شراسة وتوسعاً في مكافحة الفساد، وتجاوز معالجة الأعراض – الرشاوى وصفقات الغرف المظلمة – من أجل معالجة الأسباب الجذرية. ففي أواخر عام 2021، على سبيل المثال، أعلنت إدارة بايدن عن أول استراتيجية للولايات المتحدة حول مكافحة الفساد، والتي تعترف بأن الفساد يمثل تهديداً للأمن القومي وتضع طرقاً جديدة لمعالجة ذلك.

ونحن نعمل أيضاً مع الحكومات الشريكة لاكتشاف الفساد الذي يحدث على نطاق دولي كبير واجتثاثه تماماً، تحرضه مكاتب تساهيل غامضة. وفي مولدوفا، على سبيل المثال، ساعدنا اللجنة الانتخابية للبلاد على تشجيع الشفافية في الإفصاحات المالية بشكل أكبر حتى لا تتمكن الجهات الفاعلة الخارجية التي تتطلع إلى ممارسة التأثير على الانتخابات من إخفاء مساهماتهم. وفي بلغاريا وسلوفاكيا وسلوفينيا، حيث كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قد أغلقت مهامها في السابق، قمنا بإعادة تشغيل المساعدة للمؤسسات المحلية جزئياً لدعم جهودها للحد من الفساد.

وفي الوقت نفسه، فنحن نرفع تكاليف الفساد من خلال كشف مخططات ضخمة متعددة الجنسيات لإخفاء المكاسب غير المشروعة. ونحن ندعم أيضاً وحدات التحقيق العالمية التي توحد المحاسبين القضائيين والصحفيين لفضح التعاملات غير المشروعة، بما في ذلك تلك التي جاءت بشكل مفصل في تسريبات لوكسمبورغ وأوراق باندورا. وفي ظل تصاعد الفساد ليصبح أكثر تعقيداً وانتشاراً عبر العالم، فإننا نساعد على ربط الصحفيين الاستقصائيين العابرين للحدود، بما في ذلك في أمريكا اللاتينية، حيث كشفت مثل هذه الجهود عن سوء الإدارة التي بلغت قيمتها حوالي 300 مليون دولار في التمويل العام.

العودة من حافة الهاوية

لا تُعد الديمقراطية في حالة تدهور. بل الأحرى أنها تتعرض للهجوم. فهي تحت القصف من الداخل من قبل قوى الانقسام، والقومية الإثنية، والقمع. وهي تحت القصف كذلك من قبل الحكومات والزعماء الاستبداديين الذين يسعون إلى استغلال الثغرات المتأصلة في المجتمعات المفتوحة من خلال تقويض نزاهة الانتخابات، واستخدام الفساد كسلاح، ونشر معلومات مضللة لتعزيز قبضتها على السلطة. والأسوأ من ذلك، أن هؤلاء الاستبداديين يعملون بشكل متزايد معاً، ويتشاركون الحيل والتقنيات المختلفة لقمع مواطنيهم في الداخل وإضعاف الديمقراطية في الخارج.

ومن أجل صد هذا الهجوم المنسق، يجب أن تعمل الديمقراطيات في العالم معاً. ولهذا السبب، ستستضيف إدارة بايدن في مارس 2023 قمة الديمقراطية الثانية – لكن هذه المرة، يتم عقدها في وقت واحد في كوستاريكا وهولندا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وزامبيا – حيث ستقوم الديمقراطيات في العالم بتقييم جهودها وطرح خطط جديدة للتجديد الديمقراطي.

وبعد سنوات من التراجع الديمقراطي، فإن الحكام المستبدين حول العالم يقفون في النهاية في موقف الدفاع. ولكن من أجل اقتناص هذه الفرصة وإعادة الأمور إلى نصابها وتوجيهها من جديد نحو الحكم الديمقراطي، فعلينا تحطيم الجدار الذي يفصل بين الدعوة إلى الديمقراطية وبين أعمال التنمية الاقتصادية وإثبات أن بإمكان الدول الديمقراطية أن  تقدم الكثير من المكاسب لشعوبها. وعلينا أيضاً مضاعفة جهودنا لمواجهة المراقبة الرقمية ومظاهر التضليل، مع التمسك بحرية التعبير. وعلينا أيضاً تحديث قواعد اللعبة التقليدية للمساعدة الديمقراطية، من أجل مساعدة شركائنا على الاستجابة للحملات الأكثر تطوراً ضدهم. وعندها فقط يمكننا التغلب على القوى المضادة للديمقراطية وتوسيع نطاق الحرية.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close