أسيا وافريقياتقاريرسياسة

سد النهضة بين الرؤية الإثيوبية والمأزق المصري

يبدو أن فشل جولة المفاوضات الأخيرة بخصوص سد النهضة التي استضافتها القاهرة منتصف سبتمبر 2019، كان متوقعا في ظل السياق الذي تمت فيه، فقد شهدت الفترة السابقة عليها تباعد الطرحين المصري والإثيوبي تحديدا بشأن بعض الجوانب الفنية والتشغيلية خاصة ما يتعلق بفترة ملء السد وعملية تشغيله، ما حدا بإثيوبيا إلى التركيز فيها على الجوانب الإجرائية فقط، وهو ما دفع وزارة الري المصرية إلى الإعلان عن فشل هذه الجولة، رغم كونها الأولى بعد توقف استمر قرابة عام، وهو ما أكده أيضا كلا من وزير الخارجية المصري سامح شكري من ناحية، ووزير الري الإثيوبي في حديثه لوسائل إعلام إثيوبية محلية من ناحية ثانية، لكن الأخير أرجع أسباب فشل المفاوضات لعدم ملائمة الطرح المصري للأهداف الإثيوبية.

الرؤية الإثيوبية

الرد الإثيوبي على الاقتراحات المصرية جاء تفصيلا ضمن وثيقة موقعة في 1 أغسطس2019، حصل عليها موقع أديس ستاندر adis standard ونشرها بتاريخ 18 سبتمبر 2019، بعنوان الجوانب الفنية لقواعد ملء خزان السد وعملية التشغيل[1]:

وبحسب هذه الوثيقة جاء الرد الاثيوبي كالتالي:

1ـ رفض الاقتراح المصري الذي يطالب أديس أبابا بالحفاظ على متوسط التدفق الطبيعي للنيل الأزرق الذي تحصل منه مصر على 85 % من احتياجاتها المائية السنوية التي تقدر ب 55.5 مليار متر مكعب، أي قرابة 48 مليار، واستنادا للرؤية المصرية فإن متوسط التدفق الطبيعي لمياه النيل الأزرق خلال الفترة من 1911 وحتى 2018 يدور حول 49 مليار متر مكعب، حيث بلغ أدنى تدفق 29 مليار متر مكعب عام 1984، في حين بلغ أعلى تدفق 69 مليار متر مكعب عام 1917.

ومعنى هذا أن متوسط التدفق الطبيعي للمياه خلال 108 حوالي 49 مليار متر مكعب. لذا طالبت مصر بأن تكون حصتها 40 مليار متر مكعب خلال عملية ملء الخزان. ومعنى هذا أن عملية ملء بحيرة السد والتي تقدر ب 74 مليار متر مكعب تحتاج لقرابة 8 سنوات تقريبا باعتبار أن نسبة الخصم من حصة مصر السنوية تقدر ب 9 مليارات متر مكعب”.

لكن اثيوبيا رفضت هذا الطرح، على اعتبار أن التدفق الطبيعي للنهر لم يعد على مستواه الطبيعي، بعد شروعها في تنفيذ بعض مشاريع الري عليه، مثل مشروع سد فينشي وتانا بيلزز وغيرها Fincha Hydro-power, the Tana-Beles. لذلك فإن الطلب المصري يعني إنكار وجود هذه الاستخدامات وهذه المشاريع من ناحية، كما أنه يطيل فترة ملء السد لأجل غير مسمى من ناحية ثانية.

2ـ رفض الطلب المصري بضرورة الحفاظ على مستوى المياه عند بحيرة السد العالي بأسوان على ارتفاع 165 مترًا فوق مستوى سطح البحر، كونه غير عملي من الناحية التقنية ويجعل تشغيل سد النهضة رهينة بالاستخدام المصري للمياه، أو بمعنى آخر سيكون سد النهضة بمثابة سد تعويضي للعجز المائي المصري، وبمثابة خزان احتياطي ثانٍ له.

3ـ أن الاستجابة الإثيوبية لهذه المطالب ستجعل سد النهضة لا يحقق عوائده الاقتصادية المرجوة

4ـ أن الاقتراح المصري بشأن إنشاء آلية للتنسيق الدائم لإدارة عملية التشغيل تنتهك سيادة إثيوبيا.

أقراء أيضاً

المأزق المصرية

هذه الردود الإثيوبية الموثقة والعلنية ربما تعد الأقوى منذ وصول أبيي أحمد للحكم قبل أكثر من عام ونصف، كما تنسف اللغة الدبلوماسية التي تحلى بها، وكذلك الوعود التي قطعتها بلاده بشأن عدم الحاق الضرر بمصر، ما دفع بالسيسي خلال كلمته أمام الأمم المتحدة للاعتراف لأول مرة بفشل المفاوضات، كما طالب في سابقة هي الأولى من نوعها بتدويل القضية.

هذا المأزق المصري يمكن إرجاعه لعدة أسباب أبرزها ما يلي:

1ـ حرص إثيوبيا الدائم على أن تكون المفاوضات ومخرجاتها وكذلك توصيات المكاتب الاستشارية بشأن الأضرار البيئية والمائية المترتبة على بناء السد غير ملزمة، وإنما تحظى باحترام فقط. وكان هذا أحد شروط قبولها استئناف المفاوضات بعد انقلاب 3 يوليو 2013، وللأسف تمت الموافقة المصرية على ذلك.

2ـ إن اتفاقية الخرطوم الإطارية المتعلقة بالسد” 23 مارس 2015″، وبنودها المستلهمة من الاتفاقيات الأممية لا تنص صراحة على الحقوق المصرية المكتسبة وعلى حصة مصر التي تقدر ب 55.5 مليار متر مكعب، بل أكدت على بعض المبادئ الدولية العامة التي تحدث مشاكل في تطبيقها لاسيما مع طرف يجيد المراوغة والمماطلة في المفاوضات كإثيوبيا، حيث تضمنت فكرة الضرر البالغ، وليس الضرر اليسير، مما يجعل هناك تباين بين الجانبين بشأن تقدير هذا الضرر، ونفس الأمر يتعلق بفكرة الاستخدام العادل والمنصف للمياه.

فبدلا من التأكيد على الحقوق المكتسبة المصرية، والذي حرص الرئيس المعزول مبارك على وضعه كأحد شروط ثلاثة للتوقيع على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل المعروفة باسم اتفاقية عنتيبي، تم النص في اتفاقية الخرطوم على مبدأ الاستخدام العادل والمنصف، ما يعني إمكانية تغيير حصة مصر بحسب مجموعة من العوامل منها المشاريع التي تقيمها الدول المشاركة في حصة النهر، وهو ما تستند إليه إثيوبيا حاليا باعتبار أن مشاريع وسدود الري التي تقيمها على النيل الأزرق يؤثر على التدفق الطبيعي للمياه منه.

لذا رفضت الاقتراح المصري بالحصول على 40 مليار متر مكعب خلا سنوات الملء. وهو ما يطرح بدور تساؤل حول أسباب توقيع مصر أساسا على اتفاقية الخرطوم التي كان من أحدد مثالبها أيضا اعترافها ببناء السد، وبالتالي إمكانية حصول إثيوبيا على تمويل دولي لعدم الاعتراض المصري. وربما كانت المفاجأة التي فجرها السيسي أمام الجمعية العامة، هي أن مصر هي التي بادرت بهذه الاتفاقية وشجعتها!

3ـ أن الخيارات المصرية أمام إثيوبيا باتت محدودة. فالخيار الدبلوماسي التفاوضي وهو الخيار المتاح الآن بات طويلا ومملا ومضيعة متعمدة للوقت، في ظل استمرار أعمال بناء السد. أما بالنسبة للخيار القانوني المتمثل في التحكيم الدولي، فهو مرفوض إثيوبيا، بل إن سابقة إثيوبيا في التحكيم مع إريتريا بخصوص مثلث بادمي وبعض المناطق المتنازع يشير إلى عدم التزامها بقرارات التحكيم.

وربما الاستثناء من ذلك ما فعله أبيي أحمد من التسليم لإريتريا بهذه المناطق لأهداف سياسية تتعلق برغبته في حدم إحداث توترات داخلية من ناحية، ولتحييد اريتريا التي كانت أحد الأوراق المصرية في الضغط على أديس أبابا، بل كان أكثر ذكاء كذلك في تحييد جبهة تحرير الأورومو المسلحة والمعارضة له، والتي كانت تستخدم أيضا من قبل مصر عن طريق إريتريا، حيث رفعها أحمد من قوائم الإرهاب، ووافق على عودتها لممارسة السياسية من الداخل بعد إلقاء السلاح. أما الخيار الثالث أمام مصر، وهو الخيار العسكري، فهو صعب إن لم يكن مستحيلا، لاسيما في ظل عدم وجود حدود مباشرة بين الجانبين، ناهيك عن صعوبة استخدام الأجواء السودانية بسبب العلاقات الوطيدة بين الخرطوم وأديس أبابا ولعب أبيي أحمد دور الوساطة في الأزمة السودانية الأخيرة.

ومع ذلك فقد استعدت اثيوبيا لهذا الخيار أيضا عبر شرائها وفق موقع ديبكا الإسرائيلي”8يوليو 2019″[2] منظومة صواريخ Spyder-MR  لحماية مشروع سد النهضة، والذي يمتاز ليس فقط بقدراته الدفاعية، ولكن بقدرته على إطلاق نوعين مختلفين من الصواريخ في وقت واحد. وقد تم تركيب هذه المنظومة في يوليو الماضي.. وبحسب الموقع، فإن مكتب الرئيس المصري تواصل أكثر من مرة مع مكتب نتنياهو لعدم اتمامها، لكن الطلب قوبل بالرفض.

4ـ إذا ما أضفنا لذلك الزيارة المفاجئة لوزير الري الإثيوبي للسد بعد أقل من 24 ساعة من كلمة السيسي، وانتقاده فكرة تسييس مصر للقضية، وتصريحه بأن السد سيبدأ من العام القادم بإنتاج 750 ميجاوات من خلال توربينين من أصل 16 كمرحلة أولى، فضلا عن توضيح إثيوبيا موقفها لسفراء الدول الأجنبية الموجودين لديها. يعني أن الموضوع باتت أكثر تعقيدا، لا سيما في ظل تراجع أو ضعف أوراق الضغط المصرية.. لذا يبقى السؤال هو: كيفية الضغط على إثيوبيا، وبأي آلية، وهل يمكن أن يكون هناك وسيط مقبول لذلك. هل هو السودان المشغول حاليا بقضاياه الداخلية، فضلا عن إعلان النظام السابق أن السد لا يؤثر سلبا على بلاده، بل العكس هو الصحيح، كما أنه رهن الوساطة بتنازل مصر عن حلايب وشلاتين، أو البحث عن تسوية مرضية لها.

وفي المقابل هل يمكن أن تكون إسرائيل التي لم تقطع حلمها بوصول مياه النيل إلى صحراء النقب عبر صحارات أسفل قناة السويس، هي هذا الوسيط، خاصة في ظل العلاقات الحميمية بينها وبين أبيي أحمد والتي ظهرت في زيارته الأخيرة لتل أبيب أوائل سبتمبر، وهل ستفعل إسرائيل ذلك بدون مقابل، أم ستتفق هي وأديس أبابا على مصر، لا سيما وأنها كانت دائما أحد المحرضين لإثيوبيا في قضية المياه بصفة عامة؟

كل هذه أسئلة تتطلب من صانع القرار المصري البحث عن إجابة لها [3].


الهامش

[1] – Technical aspects of the agreement on the Filling and operation of the Grand Ethiopian Renaissance Dam(GERD)”, submitted on 1st of ‘ August 2019″, ETHIOPIA REJECTS EGYPT’S PROPOSAL ON THE FILLING,OPERATION OF GRAND DAM, addis standard ,  September 18, 2019.

[2] – Friction with Cairo over the Israel air defense system for Ethiopia’s Great Nile dam, debka online, Jul 8, 2019

[3] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى