برغم مضي أكثر من ثلاثين عاماً على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، إلا أن سيناء لا تزال حاضرة في الذاكرة والاستراتيجية الإسرائيلية، ففي استطلاع للرأي العام أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية عام 2009م، بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على توقيع المعاهدة، تبين أن (89%) من الإسرائيليين يؤيدون إعادة احتلال سيناء بشكل جزئي أو كلي[1]؛ لثلاثة أسباب، هي:
- الاستحواذ على كل الثروات الطبيعية في سيناء بالكامل، فبرغم حصول (إسرائيل) على الجزء الأكبر من إنتاج سيناء من النفط والغاز بموجب اتفاقية كامب ديفيد، إلا أنها لا تخفي طمعها في باقي ثروات سيناء المعدنية والطبيعية في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت تؤثر عليها، وهروب المستثمرين الأجانب، وحتى الإسرائيليين بسبب أعمال المقاومة الفلسطينية في الجنوب والوسط.[2]
- توطين اللاجئين الفلسطينيين فيها ضمن ترتيبات الوضع النهائي لتسوية القضية الفلسطينية، وهو ما برز في أكثر من مقترح ومشروع إسرائيلي.
- منع المقاومة الفلسطينية من استعمالها كممر لإدخال السلاح إلى قطاع غزة.
تنظر (إسرائيل) إلى سيناء على أنها عمق استراتيجي، لا يمكن التخلي عنه تحت أي سبب، وعندما وَقَّعَتْ اتفاقية كامب ديفيد مع مصر عام 1979م، حصلت بموجبها على ضمانات أمريكية ومصرية جعلت من سيناء عمق دفاعي لـ(إسرائيل) بالدرجة الأولى، إلا أن العدوانية والطمع متجذرة في الفكر الصهيوني التي تنعكس تطبيقاته على السياسة الإسرائيلية، وفيما يلي التوضيح:
أولاً: سيناء في الفكر الصهيوني.
يحاول اليهود ربط حدود (إسرائيل) بالوعود الإلهية المزيفة لامتلاك الأراضي المقدسة وذلك استناداً إلى بعض النصوص التي وردت في التوراة والتلمود، وهما مصدرا العقيدة اليهودية، لذلك يرى اليهود أن حدود دولتهم تشمل كل الأراضي التي سيطر عليها آبائهم وأجدادهم، وأن إقامة إسرائيل الكبرى ما هو إلا إعادة بعث للشعب اليهودي في أرضه بعد مرور أكثر من ألفي عام من الخروج والتشتت.[3]
بدأت الإرهاصات الأولى للطماع الصهيونية في سيناء منذ عام 1619م من خلال الدعوات الفكرية، والمشاريع اليهودية التي طرحت في تلك الفترة للاستيطان في سيناء وفلسطين، والتي يمكن استعراض أهمها على النحو التالي:
- عام 1619م نشر الكاتب اليهودي “هنري فنش” كتاب له بعنوان “نداء اليهود” ليكون أول دعوة فكرية علنية لإنشاء وطن قومي ليهود العالم، كما نشر رسالة له بعنوان “إلى إخواني في الدين” طالب فيها بإقامة دولة يهودية تمتد حدودها من عكا شمالاً إلى البحر الأحمر وجنوب مصر.[4]
- في كتاب نشر له بعنوان “البحث عن صهيون” دعا الحاخام “زفي هيرش كاليش” إلى استيطان فلسطين بمساعدة دولية عن طريق إنشاء منظمة تقوم بشراء الأراضي الزراعية.[5]
- في عام 1856م نشر الكاتب اليهودي “آرثر ستانلي” كتاباً بعنوان “في سيناء وفلسطين”؛ حيث رأى أن الوطن القومي لليهود يمتد من صيدا ودمشق شمالاً إلى رأس محمد على البحر الأحمر جنوباً.
- عام 1862م نشر الكاتب اليهودي “موسى هيس” كتاباً بعنوان “روما والقدس”؛ حيث أثنى فيه على فكرة الحاخام كاليشر، ودعا إلى رفض فكرة الاندماج والذوبان اليهودي في المجتمعات التي يعيشون فيها، وطالب بالاقتناع بوجود قومية يهودية. [6]
- دعا الكاتب اليهودي “لورانس اوليفانت” إلى استعمار سوريا الجنوبية بما فيها سيناء.[7]
أما المحاولات الفردية للاستيطان اليهودي في فلسطين وسيناء؛ فقد بدأت عام 1517م؛ إلا أن السلطان العثماني “سليم الأول” أدرك الأطماع اليهودية؛ فأصدر فرماناً للحد من أطماع اليهود، ثم ألحقه السلطان “سليمان القانوني” بفرمانٍ أخر عام 1520م.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الدولة العثمانية كانت تعتمد سياسة التسامح الديني مع أهل الكتاب؛ حيث استوعبت اليهود المطرودين من إسبانيا وبريطانيا؛ وفرت ملاذاً آمناً لهم؛ إلا أنها لم تسمح لهم بالاستيطان الجماعي. [8]
لم ييأس اليهود، واستمرت محاولاتهم بالتسلل إلى شبه جزيرة سيناء لاستيطانها؛ ففي عصر “محمد علي” وتحت شعار البحث عن الفحم الحجري، حضر إلى مصر عدداً من المهندسين الانجليز، ولكن بعد البحث والتدقيق في أهدافهم تبين أنهم يسعون لإقامة مستعمرة تجارية لليهود في منطقة الطور جنوب سيناء؛ فما كان من “محمد علي” إلا أن منع بيعهم أي أراضي مصرية.
كما كان للمليونير اليهودي “بول فريدمان” محاولة عام 1890م لاستيطان منطقة “مدين” بالقرب من خليج العقبة، وكان فريدمان قد نشر كتاباً بعنوان “أرض مدين” قال فيه؛ إن هناك إمكانية حقيقية لاستعمار فلسطين وسيناء، وطرح فكرة حفر قناة تربط بين حيفا والبحر الأحمر عن طريق العقبة، لضرب وتحطيم أهمية قناة السويس كممر دولي، وبالتالي نزع إحدى أهم مميزات مصر الحيوية. [9]
ولتجسيد الأفكار التي طرحت سابقاً، لم يدخر “ثيودور هرتزل” جهداً، فقام بجمعها في كتابه “دولة اليهود” الذي نشره عام 1902م، وقد امتلك شخصية مؤثرة، وكان بارعاً في استغلال الفرص.
شكلت هجرة اللاجئين اليهود المضطهدين في أوروبا الشرقية وروسيا، والمتدفقين على بريطانيا مشكلة اجتماعية واقتصادية كبيرة لبريطانيا، في وقت لم يكن باستطاعة الحكومة البريطانية صدهم ومنعهم من دخول أراضيها بسبب السياسة الليبرالية التي كانت تعتبرها من تقاليدها الإمبراطورية.
فما كان من هرتزل إلى أن استغل الفرصة، وقدم للحكومة البريطانية التي كانت تعاني من مأزق حقيقي جراء تلك الهجرة عرضاً في يونيو عام 1902م للدخول في مفاوضات من أجل الحصول على أرض يتجمع فيها اليهود المضطهدين.[10]
وبالتالي ستتحول هجرة هؤلاء اليهود إلى وطنهم الجديد، كما سيتم ترحيل اللاجئين اليهود الذين دخلوا بريطانيا أيضاً إلى الوطن الجديد، وقد طالب هرتزل بأن تكون قبرص هي الوطن المقترح؛ إلا أن الحكومة البريطانية رفضت ذلك، لأهمية قبرص الاستراتيجية للإمبراطورية البريطانية، فقام هرتزل بتقديم عرضٍ آخر لاستيطان سيناء.·
توافق عرض هرتزل مع توجهات وزير المستعمرات البريطاني “جوزيف تشمبرلن” المعروف بنزعته الاستعمارية، وميوله المعادية لليهود؛ حيث كان يرغب في التخلص من اليهود القادمين إلى بريطانيا والاستفادة منهم في الخارج لخدمة المصالح البريطانية؛ إلا إن سيناء لم تكن من اختصاصه، بل كانت من اختصاص المعتمد البريطاني في مصر “اللورد كرومر” الذي تبنى المشروع.
وبناءً على اتفاق بين “اللورد كرومر” و”هرتزل”، أُرسلت بعثة يهودية إلى سيناء لدراسة إمكانيات إقامة وطن قومي لليهود فيها؛ إلا أن اللجنة وبتوجيهات من “هرتزل” أرادت ابتزاز بريطانيا، فقدمت نتائجها إلى المسؤولين البريطانيين، وادعت أن إمكانيات نجاح الاستيطان في سيناء ضعيفة نظراً لشح مواردها المائية، ومن المواد الخام، وأن حل مشكلة المياه يمكن من خلال جلب مياه نهر النيل إليها عبر قناة تمر من تحت قناة السويس، وهو ما رفضته الحكومة المصرية آنذاك، مما مهد الطريق أمام اليهود للحصول على وعد بلفور عام 1917م لاستيطان فلسطين.[11]
ثانياً: سيناء في الفكر الإسرائيلي.
منذ أن أُعلن عن قيام (إسرائيل) عام 1948م وحتى اليوم لم يوضع لها دستور، ولم تحدد حدودها، أي أنها تقوم علي كيان هُلامي قابل للتمدد، وهو ما يتوافق مع أهدافها التوسعية، ومن ثم أطلقت مصطلحاتها الخاصة بأهدافهم مثل الحدود الدينية، الحدود التاريخية، الحدود الآمنة، الحدود المثالية، الحدود الدفاعية وغيرها.[12]
يرى بن غوريون أن مصر لها إمكانيات دولة حقيقة ، ويمكنها أن تلعب دوراً إستراتيجياً في النظام الدولي، ويمكنها إقامة تحالفات قومية قفزاً فوق (إسرائيل) وبالذات مع سوريا، وهو أمر يمثل تهديداً حقيقياً لأمن وبقاء (إسرائيل).
لذا كان بن غوريون يرغب بشدة أثناء حرب 1948م في تدمير الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء الذي كان محاصراً ومنقطع الاتصال بقواعده في قناة السويس،[13] وكان يرغب بشدة في مد حدود إسرائيل خلف الحدود الشرقية المصرية المعترف بها والمعمول بها دولياً من منذ عام 1906م، واختراق شبه جزيرة سيناء، وتثبيت الأوضاع العسكرية الناتجة عن الغزو العسكري، أي أن حدود إسرائيل تقر عن طريق العائد العسكري للعمليات العسكرية من حرب الاستقلال.[14]
وأيضا كانت حكومة إسرائيل ترغب في إضفاء شرعية على الحدود الأخيرة التي وصلت إليها لتحقيق مكاسب توسعية متمثلة في احتلال أجزاء إستراتيجية من شبه جزيرة سيناء، لتوسيع رقعة (إسرائيل) بحق الغزو، وأيضا لمنع العرب من العودة إلى الحرب على أرضها.
لم يكن الهدف الوحيد هو احتلال جزء من شبه جزيرة سيناء، وإنما جعل شبه جزيرة سيناء المصرية عازلاً ومعوقاً ضد أي محاولة مصرية لتحرير فلسطين.
إن احتلال شبه جزيرة سيناء المصرية هو هدف سياسي واستراتيجي توسعي له أصوله في الفكر الصهيوني الديني، فلم تغب يوماً فكرة إعادة احتلال سيناء عن الأجندة الاستراتيجية الإسرائيلية، ولكن الأمر مرهون بالإدارة والقدرة المصرية، ومرهون بالأوضاع الدولية وموازين القوي الدولية.
فإسرائيل تتحين الفرصة، وحين تغفل مصر ونظامها الحاكم أو تقصر في تطوير قدراتها الدفاعية عن حدودها الشرقية، ويحين تتوافق المصالح الإسرائيلية- مع القوى العظمى، وحين تكون موازين القوى في صالح (إسرائيل)؛ فإنها ستقوم بتنفيذ مخططها.[15]
إن )إسرائيل( بموقعها المجاور للحد الشرقي المصري، ومبادئها التوسعية، وأطماعها الأكيدة في شبه جزيرة سيناء تمثل عامل تهديد دائم للأمن القومي المصري والعربي.[16]
فلم تبدأ استهداف سيناء مع مشروع هرتزل بتوطين اليهود فيها، ولم تبدأ بمحاولات بول فريدمان، وإنما بدأت منذ عام 1517م مع دخول العثمانيين لمصر، هذا فضلاً عن كتابات المفكرين الأوائل من اليهود الصهاينة التي تعكس التطلعات الإقليمية تجاه سيناء، لأنها جزء ثابت في الفكر اليهودي التوسعي، حيث يرون فيها دولة المستقبل، فهي المكان المناسب، لأنها مركز شبكة الخطوط الجديدة للعالم، وسوف تشارك مع قناة السويس، وقد تحل محلها للوصول بين أفريقيا ولآسيا وأوروبا.[17]
ويكفي للتدليل على التطلعات الإقليمية التوسعية في سيناء، موقف إسرائيل عام 1948م بضم ما حازته إسرائيل بالغزو العسكري الإسرائيلي، وفي عام 1956م حين أعلن بن غوريون ضم سيناء- أرض الأجداد- إلى (إسرائيل)، وفي عام 1967م حين أعلن ليفي أشكول أن ما حققه جيش الدفاع الإسرائيلي يعتبر كافياً حيث أصبحت (إسرائيل) تتمتع على حد قوله بحدود جغرافية آمنة. في عام 1977م محاولات وايزمان زحزحة الحد الشرقي المصري غرباً لصالح إسرائيل، ومحاولات مناحم بيجن وديان الحفاظ على المستعمرات والمستوطنات الإسرائيلية سواء في شمال سيناء أو جنوبها، وآخر محاولات (إسرائيل) في المرحلة الأخيرة لانسحاب القوات الإسرائيلية والمدنيين الإسرائيليين، في إعادة تعيين الحدود الدولية المصرية، ثم محاولات التوسع في جنوب سيناء – ذات الموقع الإستراتيجي من خلال زحزحة علامات الحدود في منطقة رأس النقب وطابا.
ثالثاً: المشاريع الإسرائيلية التوسعية التي تستهدف سيناء والقضية الفلسطينية.
برغم كل الضمانات الأمنية التي حصلت عليها (إسرائيل) في اتفاقية كامب ديفيد؛ إلا أن بعض الاستراتيجيين الإسرائيليين أمثال ” أوديد ينون”· يحذر (إسرائيل) من تبني سياسة الحلول الوسط، خصوصاً تلك التي تتضمن تنازلاتٍ إقليميةً، أو التخلي عن أي أراضٍ تحتلها، ومن اللافت أنه حرص عند هذه النقطة على تجنب أي حجج لها صلة بأرض (إسرائيل) التاريخية، واستبدل بها حججاً ذات طابع اقتصادي في المقام الأول، تنطلق من رغبته في تأمين احتياجات (إسرائيل) المتزايدة لمصادر الطاقة المختلفة، بخاصة من النفط والغاز، ومن المعادن الكثيرة والمتنوعة التي تحتوي عليها سيناء، وهو ركن حاسم في الاستراتيجية الخاصة ببناء القدرة الذاتية لـ(إسرائيل).
ومع ذلك فالمدقق يدرك تماماً: أن “ينون” يرمي إلى ما هو أبعد، وأنه يشير تلميحاً تارة، وتصريحاً تارة أخرى، إلى استراتيجية بعيدة المدى، تنظر إلى سيناء باعتبارها منطقة خفيفة السكان، وقابلة للتوسع والامتداد العمراني الذي يصلح لاستيعاب فلسطينيين قد يضيق بهم قطاع غزة المكتظ، أو باعتبارها منطقة صالحة لتوطين نسبة من اللاجئين الفلسطينيين في إطار حل دائم لمشكلتهم، أو حتى لاستيعاب المزيد من المهاجرين اليهود المتوقع تدفقهم إلى (إسرائيل) من مختلف أنحاء العالم، خصوصاً في ظل التحول التدريجي المتوقع لـ(إسرائيل) كقوة عظمى مهيمنة في المنطقة.
تنظر (إسرائيل) اليوم إلى سيناء على أنها الوطن البديل للفلسطينيين بعد تلاشي فكرة الدولة الفلسطينية على أرض الواقع بسبب استفحال الاستيطان في الضفة الغربية وتقسيمها إلى كانتونات معزولة يقطعها جدار الفصل العنصري، مع استحالة قيام أي تواصل جغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ويذكر أن (إسرائيل) أعدت خطة لعام 2020م يكون فيها قطاع غزة قد توسع جغرافياً لحدود مدينة العريش المصرية مع تهجير أعداد كبيرة من الفلسطينيين للسكن في سيناء، ومن أهم هذه المشاريع:
مشروع البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين.
قدم مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء احتياط “جيورا أيلاند”، مشروعاً يقترح فيه تسوية للصراع مع الفلسطينيين في إطار دراسة خطيرة أعدها لصالح مركز “بيجين – السادات للدراسات الاستراتيجية”، تحت عنوان: “البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين”.[18]
بموجب هذا المشروع سيتنازل الفلسطينيون عن (12%) من مساحة الضفة الغربية أي ما يعادل (720) كم2، وهذه المساحة تضم الكتل الاستيطانية الكبيرة المحاذية لحدود عام 1967م، إضافة إلى جزء من أراضي الغور الفلسطيني التي تشترك مع الأردن في خط الحدود ومن ضمنها الأراضي المطلة على ساحل البحر الميت.
وفى المقابل سيتم تزويد الدولة الفلسطينية العتيدة بنفس المساحة (720) كم2 من أراضي سيناء المصرية المحاذية لقطاع غزة، وهذه الأراضي، عبارة عن مستطيل، ضلعه الأول (24) كم، ويمتد بطول ساحل البحر المتوسط من مدينة رفح غرباً، وحتى حدود مدينة العريش، أما الضلع الثاني فيصل طوله إلى (30) كم من غرب معبر كرم أبو سالم، ويمتد جنوباً بموازاة الحدود المصرية الإسرائيلية. وهذه الأراضي التي سيتم ضمها إلى غزة ستضاعف مساحة القطاع ثلاث مرات؛ حيث أن مساحته الحالية تبلغ (365) كم2 فقط. ولتعويض مصر عن الأراضي التي ستتنازل عنها للفلسطينيين؛ ستتنازل (إسرائيل) عن (720) كم2 من أراضيها بمنطقة وادي فيران جنوب صحراء النقب لمصر.(انظر خريطة رقم “9”)
ويقدم صاحب المشروع شرحاً للمكاسب التي ستجنيها الأطراف المشاركة في المشروع والتي يمكن إيجازها على النحو التالي:
1. المكاسب الفلسطينية.
لا تقدر غزة بمساحتها الحالية على الحياة. فالقطاع لا يملك الحد الأدنى من الأراضي التي تتيح لسكانه بناء اقتصاد مستقر، لتحقيق تنمية مستدامة. ويعيش في غزة، حالياً، (1.5) مليون نسمة، ومن المتوقع أن يصل تعدادهم (2.5) مليون نسمة عام 2020م.
ولا شك أن غزة بمساحتها الحالية لن تكون قادرة على استيعاب التزايد السكاني فيها، ولذلك لا يمكن للتنمية والتطوير أن يكون لها وجود حقيقي، إضافة إلى أنه من المستحيل إقامة ميناء بحري معقول فيها يلبي احتياجاتها التجارية؛ بسبب محدودية المساحة، أو لأن قرب هذا الميناء من (إسرائيل) سيتسبب في أضرار بالغة لشواطئها.[19]
وكل من يحاول المقارنة بين غزة وسنغافورة يخطئ التقدير؛ فاقتصاد سنغافورة يقوم على التجارة الدولية، والتعاملات المصرفية المتقدمة، وصناعات “الهاي تكنولوجى”، أما اقتصاد غزة فيقوم على الزراعة والتكنولوجيا البسيطة.
صحيح أن مساحة دولة سنغافورة لا تؤثر سلباً على نموها الاقتصادي، لكن توسيع مساحة غزة شرط أساسي لضخ الحياة في أوصالها، وسيمنح الفلسطينيين المكاسب التالية:
- إن توسيع غزة وفقاً للمشروع المقترح، يمنحها (24) كم إضافية من السواحل المطلة على البحر المتوسط، بكل ما يترتب على ذلك من مزايا مثل التمتع بمياه إقليمية تصل إلى (9) أميال بحرية، وخلق فرص وفيرة للعثور على حقول غاز طبيعي في هذه المياه.
- إن إضافة (720) كم2 لغزة تمكن الفلسطينيين من إنشاء ميناء دولي كبير في القطاع الغربي من غزة الكبرى، ومطار دولي على بعد (25) كم من الحدود مع (إسرائيل). والأهم من ذلك، بناء مدينة جديدة تستوعب مليون شخص على الأقل، وتشكل منطقة تطور ونمو طبيعي لسكان غزة والضفة، بل ويمكنها استيعاب أعداد من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في دول أخرى.
- الفوائد الاقتصادية من هذا التوسع عظيمة الأثر، كما سيتبين لاحقاً، فغزة الجديدة ستتحول إلى منطقة جذب تفيض بفرص النمو الاقتصادي، وستصبح، بين عشية وضحاها، مركزاً تجارياً دولياً.
لكن على الفلسطينيين، في المقابل، أن يتنازلوا عن جزء من الضفة الغربية يشغله المستوطنون الإسرائيليون، وقواعد الجيش الإسرائيلي منذ عشرات السنين، وربما يكون هذا التنازل مؤلماً، لكن لا يمكن مقارنته بحجم الفوائد والمكاسب التي ستحققها غزة في المستقبل.
2. المكاسب المصرية.
مقابل استعداد مصر للتنازل للفلسطينيين، وليس لـ(إسرائيل)، عن (720) كم2 من الأراضي المصرية “المقدسة” – التنصيص من المصدر – ستحقق مصر المكاسب التالية:
- مبدأ الأرض مقابل الأرض. تتسلم مصر قطعة أرض من (إسرائيل) في صحراء النقب. والحد الأقصى لمساحة هذه الأراضي سيكون (720) كم2، لكن المكاسب الضخمة الأخرى التي ستجنيها القاهرة تستحق الأخذ والرد حول هذا المشروع؛ فمصر مقطوعة جغرافيا عن القسم الرئيسي (الشرقي) من الشرق الأوسط. فالبحر الأحمر يحدها من الشرق والجنوب، والبحر المتوسط يحاصرها من الشمال، ولكي يحدث الترابط البري غير المتاح، ستسمح تل أبيب للقاهرة بشق نفق يربط بين مصر والأردن. يبلغ طوله حوالي (10) كم، ويقطع الطريق من الشرق للغرب على بعد (5) كم من إيلات، ويخضع للسيادة المصرية الكاملة، والحركة من مصر إلى الأردن، ومن ثم إلى باقي الدول العربية في أسيا، ستتم بدون الحاجة للحصول على إذن مسبق من (إسرائيل).
- بين الميناء الجوي الجديد في غزة الكبرى والميناء البحري الجديد هناك، وكلاهما على ساحل المتوسط، وحتى هذا “النفق المصري – الأردني” في الجنوب، سيتم مد خط سكك حديدية، وطريق سريع، وأنبوب نفط، وتسير هذه الخطوط داخل الأراضي المصرية بمحاذاة الحدود مع (إسرائيل).
وستعبر هذه الخطوط الثلاثة النفق إلى الأردن، ثم تتشعب باتجاه الشمال الشرقي لتغذي كل من الأردن والعراق، وإلى الجنوب، باتجاه السعودية، ودول الخليج.
وهذا الربط له فوائد اقتصادية هائلة. فالمكاسب المصرية واضحة وضوح الشمس، لأن القاهرة ستحصل على نصيبها من الجمارك والرسوم مقابل كل حركة تتم بين الأردن والعراق ودول الخليج في اتجاه ميناء غزة. وذلك لأن الطريق التجاري كما أوضحنا يمر بالأراضي المصرية.
- تعاني مصر من مشكلة مياه تتفاقم يوماً بعد يوم، وهناك زيادة مطردة في أعداد السكان، ومصادر المياه العذبة في تناقص مستمر.
وبناءً على ذلك فإن الدولة التي يعتمد (50%) من سكانها على النشاط الزراعي لن تتمكن من الحفاظ على بقائها واستمرارها بعد جيل أو جيلين بدون إيجاد حل مبدئي لأزمة المياه. ويتطلب الأمر، ضخ استثمارات هائلة في مجال تحلية وتنقية المياه.
وهذا الأمر يحتاج إلى خبرات تكنولوجية متقدمة جداً، وتوفير رؤوس أموال بالمليارات؛ إلا أن مصر تفتقر لهذين العنصرين. لذلك سيقرر العالم مقابل الكرم المصري، ضخ استثمارات كبرى في مصر في مشروعات ضخمة لتحلية وتنقية المياه، وذلك عبر البنك الدولي ومؤسسات مشابهة.
- منح اتفاق السلام المصري الإسرائيلي الموقَّع عام 1979م، لمصر ميزات كثيرة، لكنه اضطرها أيضا لقبول تقييدات قاسية فيما يتعلق بنشر قواتها العسكرية في سيناء. وأحد المكاسب التي ستحققها مصر مقابل التنازل عن قطاع من أراضيها للفلسطينيين، هو موافقة (إسرائيل) على إجراء “تغييرات محددة” في الملحق العسكري من اتفاقية السلام. وهذه خطوة لا غنى عنها لمساعدة القيادة السياسية المصرية في مواجهة الرأي العام الداخلي بهذا التبرير: نحن تنازلنا حقاً، عن نسبة (1%) من أراضي سيناء، لكن هذا التنازل سمح لنا، بعد (30) عاماً، أن نبسط سيادتنا على (99%) من مساحتها بصورة كاملة.
- مصر مثل دول كثيرة في المنطقة، معنية بالحصول على القدرة النووية لأغراض سلمية. وجزء من التعويضات التي ستحصل عليها مصر، سيتمثل في موافقة الدول الأوروبية (خاصة فرنسا) على بناء مفاعلات نووية في مصر لإنتاج الكهرباء.
- اتفاق السلام الذي يطرحه هذه المشروع سيضع نهاية لصراع استمر (100) عام بين (إسرائيل) والدول العربية. ولن يشك أحد في أن هذا الاتفاق لم يكن ليحدث لولا مباركة الرئيس المصري.
ومن هنا يصبح طريق الرئيس المصري للحصول على جائزة نوبل للسلام مفروشاً بالورود، كما ستحتفظ القاهرة بحقها في الدعوة لمؤتمر سلام دولي في مصر، وتستعيد، دفعة واحدة، مكانتها الدولية المهمة التي تمتعت بها قبل عام 1967م.
3. مكاسب الأردن
الأردن هي الرابح الأكبر من هذه التسوية، كما أنها غير مطالبة بدفع أي ثمن لقاء ذلك، على الرغم من أنها قد تتذمر من إزالة الحاجز الجغرافي والسياسي الذي تمثله (إسرائيل) اليوم، بوجودها الجغرافي والسياسي بين عمان والقاهرة. لكن يمكن الإشارة لمكسبين كبيرين تحققهما الأردن في إطار هذه الخطة:
- منظومة الطرق، والسكك الحديدية، وأنبوب النفط، ستربط الميناء الدولي في غزة الكبرى عبر النفق المصري الأردني بدول الخليج. وهكذا ستحصل الأردن، مجاناً، على إطلالة مثمرة على البحر المتوسط (ميناء غزة) ومن ثم تحقق تواصلاً ما زال مقطوعاً مع أوروبا.
أضف إلى ذلك أن الجزء الشرقي من النفق هو “عنق الزجاجة” الذي تتجمع فيه حركة البضائع القادمة من أوروبا ومتجهة إلى العراق والخليج. الأمر الذي يمنح الأردن ميزات اقتصادية وستراتيجية عظيمة.
- الأردن منزعجة جداً من المشكلة الديموغرافية داخل أراضيها، فأغلبية سكان المملكة من أصول فلسطينية، وأعدادهم في تزايد مستمر. وهذه الظاهرة تستفحل طالما أن حياة الفلسطينيين في الأردن أكثر راحة وسهولة من حياتهم في الضفة وغزة.
لكن في اللحظة التي ستقام فيها مدينة “غزة الكبرى”، والميناء والمطار الجديدان، ستنشأ فرص عمل وفيرة، وتنقلب الآية، وسيفضل الفلسطينيون من أصول غزاوية (أعدادهم في الأردن تصل لحوالي 70 ألف نسمة) العودة إلى وطنهم، شأنهم شأن عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في الضفة والأردن نفسها.
4. المكاسب الإسرائيلية.
عندما نقارن هذه التسوية بالحل العادي القائم على فكرة دولتين لشعبين داخل الأراضي الفلسطينية نكتشف أربع مميزات للتسوية الجديدة، يمكن عرضها على النحو التالي:
- الأراضي التي ستحتفظ بها (إسرائيل) في الضفة حوالي (12%) أكبر بكثير من المساحة التي يمكن أن تحصل عليها في الحل العادي. وهي المساحة التي وصفها “ايهود باراك” بالمساحة الحيوية للحفاظ على المصالح الإسرائيلية أثناء مفاوضاته في كامب ديفيد عام 2000م، مع عرفات حول الوضع النهائي. كما أن الخطة الرئيسية لبناء الجدار العازل احتفظت لإسرائيل بـ (12%) من أراضي الضفة. غير أن ضغوط المحكمة العليا في (إسرائيل) حركت الجدار غرباً، واحتفظت (إسرائيل) داخل الجدار بـ(٨%) فقط من المساحة التي تحتاجها.
والواقع أن مساحة الـ(12%) ستسمح لـ(إسرائيل) بتقليص دراماتيكي في أعداد المستوطنين الواجب إخلاؤهم من الضفة، فيتقلص العدد من (100) ألف مستوطن إلى (30) ألفا فقط. بالإضافة إلى أن هذه المساحة ستسمح لـ(إسرائيل) بالاحتفاظ داخل حدودها بأماكن دينية ذات أهمية تاريخية وروحانية مثل مستوطنتي عوفرا، وكريات أربع. وتضمن الاحتفاظ بمستوطنة أريئيل داخل (إسرائيل)، وتوفير الأمن لسكانها.
- هذا التقسيم المتوازن للأراضي بين غزة والضفة سيمنح الدولة الفلسطينية فرصاً كبيرة جداً للاستمرار والنمو، وبهذا يمكن الوصول إلى تسوية سلمية مستقرة وغير معرضة للانهيار.
- مشاركة الدول العربية، خاصة مصر والأردن، في الحل يمثل دلالة إيجابية، ويخلق ثقة أكبر في الحفاظ على الاتفاقية وعدم نقضها.
- هذه التسوية الإقليمية لا تنفي ضرورة توفير “معبر آمن” بين غزة والضفة، لكنها تقلل من أهميته، وتقلص حجم الحركة فيه؛ فيبقى “المعبر الآمن” سبيلاً للتنقل بين الضفة والقطاع، لكن غالبية حركة البشر والبضائع بين غزة والعالم العربي ستنطلق عبر منظومة الطرق ووسائل المواصلات الجديدة التي تربط غزة الكبرى بالعالم.
5. مكاسب الأطراف المختلفة.
غالبية حجم التجارة بين أوروبا ودول الخليج والعراق والسعودية تتم عبر سفن تعبر من قناة السويس، أو عبر سفن ضخمة تضطر بسبب حجمها للدوران حول قارة أفريقيا، وهذان الطريقان البحريان غير مفيدين، لكن بسبب عدم وجود ميناء عصري على ساحل المتوسط، وعدم وجود شبكة مواصلات قوية وآمنة لا بديل عنهما.
وبالتالي إذا أقيم على ساحل المتوسط، وفى غزة الكبرى، ميناء عصري مزود بتكنولوجيا مشابهة للتكنولوجيا المستخدمة في ميناء سنغافورة، وإذا تفرعت منه شبكة طرق جيدة، جنوباً وشرقاً، وخط سكك حديدية، وتم زرع أنبوب نفط، فمن الممكن دفع حركة تجارة نشطة، وتخفيض تكلفة السلع، ولن يأتي تمويل هذه المشروعات من الدول التي ستسير في أراضيها هذه البنية التحتية فقط، وإنما ستشارك الدول الغربية في التمويل أيضاً.
فالعالم يدفع، اليوم، حوالي مليار دولار سنوياً لإطعام الفلسطينيين، لكن وفقا لهذا المشروع؛ فإن هذه الأموال ستستخدم في الاستثمار الاقتصادي، وتدر أرباحاً هائلة تغطي التكلفة في بضع سنين. وتستفيد من هذا الازدهار كل من مصر والأردن بشكل مباشر، وعدة دول أخرى بشكل غير مباشر.
وعلى عكس الماضي الذي شهد حلولاً ثنائية للصراع القومي على أسس سياسية وإستراتيجية، فالواقع أن المجتمع الدولي اليوم، يبحث عن حلول متعددة الأطراف على أسس اقتصادية وربحية. ولعل إنشاء الاتحاد الأوروبي هو المثال الأبرز في هذا الاتجاه.
ولا شك أن الحل الإقليمي المقترح في هذه الخطة يتماشى بدقة مع الاتجاهات الجديدة السائدة في العالم. فهذا الحل يعطى للفلسطينيين فرصة حقيقية للتحول إلى “سنغافورة الشرق الأوسط”. ولا يمكن بأي شكل من الأشكال التفكير في تحقيق إنجاز مشابه في حدود غزة الضيقة التي نعرفها اليوم.
خريطة رقم “9”: مشروع البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين (مشروع جيورا ايلاند).[20]
2ـ مشروع تبادل للأراضي بين كل دول المنطقة. (انظر خريطة رقم “10”)
قُدم هذا المشروع في مؤتمر هرتسيليا الثامن عام 2008م بواسطة “عوزي اراد” و”جدعون بيغر”، من المركز متعدد المجالات في هرتسيليا. وحسب تصريحات الاثنين، فإن الاقتراحات التي قدمت سابقاً لتبادل الأراضي في إطار تسويات سياسية مثل الاقتراح بإبقاء جزء من الضفة الغربية قيد السيادة الإسرائيلية، مقابل مناطق في النقب تنقل إلى الفلسطينيين، كان يعوزها المرونة التي يمكن إيجادها في صفقة واسعة النطاق بين عدة دول.[21]
ويرى مقدما المشروع أن على (إسرائيل) وجيرانها العرب، أن يدرسوا إمكانيات تبادل الأراضي بين عدة دول كأداة لحل النزاعات بينهم، على اعتبار أن الخلافات في أساسها إقليمية.
ويعتقد مقدمو المشروع؛ أن صفقة تضم (إسرائيل)، الفلسطينيين، لبنان، سوريا، الأردن ومصر، ستسمح بجولة من التبادل الإقليمي تضمن مصالح حيوية لكل المشاركين.
ويشدد “عوزي اراد” و”جدعون بيغر” على أن خطوط الحدود في المنطقة رسمتها القوتان الاستعماريتان – فرنسا وبريطانيا، دون مراعاة احتياجات سكان المنطقة.
وفي هذا السياق يشير مقدما المشروع إلى أن القانون الدولي يسمح بتبادل الأراضي بالاتفاق بين كل الأطراف المعنية بالأمر. ورغم أنه يمكن تطبيق الاقتراح العام في أجزاء، فإن المبادرين إليه يقولون، إن تنفيذ المشروع كاملاً سيتيح مرونة أكبر، في ظل ملاءمة الخريطة الجغرافية السياسية الإقليمية مع الاحتياجات التي تبلورت على مدى عشرات السنين.
وفي إطار الاقتراح، سيتنازل الفلسطينيون عن (3%) من مساحة الضفة الغربية، أي ما يعادل (200) كم2 لـ(إسرائيل)، والمساحة المطلوب من الفلسطينيين التنازل عنها تضم الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية وأراضي في غور الأردن وصحراء يهودا.
وفي المقابل سيحصل الفلسطينيون على نفس المساحة من الأرض في منطقة المثلث داخل أراضي فلسطين المحتلة عام 1948م مع أو بدون سكانها.
أما على صعيد التبادل مع سوريا فستحتفظ (إسرائيل) بـ(240) كم2 من أراضي هضبة الجولان بما يعادل (12%) من مساحتها، وهي المناطق التي تضم معظم المستوطنات التي تتحكم بالمنطقة استراتيجياً مثل جبل الشيخ، ومنابع روافد نهر الأردن.
وفي المقابل ستحصل سوريا على أراضٍ من لبنان تقدر مساحتها بحوالي (50) كم2 في مزارع شبعا، في حين سيحصل لبنان نفس المساحة من (إسرائيل) على طول الحدود الشمالية.
ومقابل نقل أراضٍ إسرائيلية بمساحة (720) كم2 إلى مصر في منطقة فيران ومنطقة تسمح بالعبور الحر بين مصر والأردن، سينقل المصريون للفلسطينيين نفس المساحة من سيناء تمتد على طول محور رفح – العريش كتواصل لقطاع غزة شمالاً.
كما ستقوم (إسرائيل) بنقل مساحة (190) كم2 من أراضي وادي عربا إلى الأردن، على أن يقوم الأردن بنقل نفس المساحة إلى سوريا قرب حدودهما المشتركة.
مقدموا المشروع يوضحون بأن المبدأ الذي يوجه الاقتراح هو أن كل دولة تحتفظ بمجموع المساحة التي في أيديها الآن، في ظل خلق خطوط فصل أكثر راحة.
ويرى الباحث أن ما يقدمه المخططون الإسرائيليون من مشاريع لتبادل الأراضي بين دول المنطقة، يهدف بالأساس لمحاولة الالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني، وإشراك الدول العربية في إيجاد حلول لمساعدتها على تنفيذ مخططاتها. لذلك تعد هذه المشاريع اختراقاً خطيراً للأمن القومي العربي خصوصاً بعد قبول بعض الأطراف العربية بالتعاطي معها، ويمكن رصد أهم معالم هذا الاختراق بما يلي:
فلسطينياً:
- محاولة الالتفاف على قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال نقلهم إلى العيش في الدولة الفلسطينية المقترحة، ومنع عودتهم إلى أراضيهم التي هجروا منها عام 1948م.
- تكريس مبدأ يهودية الدولة من خلال العمل على نقل فلسطينيي عام 1948م إلى الدولة الفلسطينية المقترحة، وقد بدأت إرهاصات هذا المخطط بالظهور.
- الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية التي تشكل أهم المناطق الاستراتيجية على الإطلاق، بسبب تحكمها في طرق مواصلات مدن الضفة، وبالتالي قدرتها على قطع التواصل الجغرافي بين المدن الفلسطينية في حال أرادت (إسرائيل) ابتزاز الفلسطينيين لأي سببٍ كان، إضافة إلى احتفاظها بخط الحدود مع الأردن وحرمان الفلسطينيين من حدودهم على ساحل البحر الميت.[22]
- السيطرة على مصادر المياه في الضفة الغربية؛ لأن المناطق التي ستحتفظ بها (إسرائيل) تحوي داخلها الخزانات الرئيسية للمياه الجوفية في الضفة الغربية.
عربياً:
- إجبار الدول العربية على مشاركتها في إيجاد مخرج لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
- محاولة فرض التطبيع على الشعوب العربية من خلال إظهار (إسرائيل) بالدولة المركزية المتعاونة مع دول المنطقة.
- إن احتفاظ (إسرائيل) بـ(12%) من أراضي الجولان السورية الاستراتيجية سيبقيها مسيطرة ومتحكمة بالمنطقة، إضافة إلى ضمان استمرار سيطرتها على روافد نهر الأردن الرئيسية التي تنبع من تلك المناطق.[23]
لذلك يؤكد الباحث على خطورة مثل هذه المشاريع، كونها تقدم من أشخاص لهم ثقلهم السياسي والعسكري في الدولة العبرية، وبالتالي ستجد اقتراحاتهم آذاناً صاغية لدى صانع القرار الإسرائيلي.
فالمشروع الأول مقدم من قبل اللواء احتياط “جيورا ايلاند” مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الأسبق “ارئيل شارون”، أما المشروع الثاني فقد قدمه “عوزي اراد” و “جدعون بيغر” اللذان يعملان في مركز هرتسيليا متعدد المجالات. ذلك المركز الذي يشرف على عقد المؤتمر السنوي للأمن القومي الإسرائيلي، والذي تأخذ توصياته طريقها لدى صانع القرار الإسرائيلي برغم عدم إلزاميتها.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن خطة فك الارتباط مع قطاع غزة التي نفذت عام 2005م، كانت قد قدمت في مؤتمر هرتسيليا الأول عام 2000م، وكذلك مخطط جدار الفصل العنصري الذي بنته (إسرائيل) في أراضي الضفة الغربية.
خريطة رقم “10”: مشروع تبادل للأراضي بين كل دول المنطقة.(مشروع “عوزي اراد” و”جدعون بيغر”).[24]
الهامش
[1] الدستور؛ صحيفة أردنية (29/3/2009م): مقال مترجم عن استطلاع الرأي العام الذي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية, عمان الأردن.
[2] نافعة؛ حسن (12/7/2007): مصر ضحية الاستراتيجية الصهيونية لتفتيت المنطقة, منبر الأمة الإسلامية, متوفر على الإنترنت, http://www.al-ommah.org/selected_studies/3196.html
[3] الخشاب, تاريخ تطور حدود مصر الشرقية, مرجع سبق ذكره, ص508.
[4] المرجع نفسه, ص300.
[5] طربين؛ أحمد (1970): فلسطين في خطط الصهيونية والاستعمار من 1897م- 1922م, معهد البحوث والدراسات العربية, القاهرة, ص40.
[6] عبد الرؤوف؛ محمد (1999): الصهيونية في مائة عام, محاضرات, معهد البحوث والدراسات العربية, القاهرة.
[7] رزوق؛ سعد (1968): (إسرائيل) الكبرى, سلسلة كتب فلسطينية, مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية, بيروت, ص62.
[8] الخشاب, تاريخ تطور حدود مصر الشرقية, مرجع سبق ذكره, ص301.
[9] المرجع نفسه, ص302.
[10] أتينجر؛ صمؤيل (1974): اليهود في البلدان الإسلامية من 1850م- 1950م, ترجمة جمال أحمد الرفاعي ورشاد الشامي, عالم المعرفة, بيروت, ص197.
[·] يطلق في الأدبيات الصهيونية وبعض الأدبيات العربية على شبه جزيرة سيناء اسم “فلسطين المصرية.
[11] غالي؛ إبراهيم (1979): سيناء المصرية عبر التاريخ, الهيئة المصرية العامة للكتاب, القاهرة, ص276-278.
[12] المسيري؛ عبد الوهاب (2006): اليهود واليهودية, الدولة الوظيفية, المجلد السابع, الباب الرابع, نسخة إلكترونية, القاهرة.
[13] Shomo Aronso, Conflict & Bargaining in the Middle East – An Israli Perspective , the Johns Hophins University Press, 1978, P. 8.
[14] Walid Abi-Mershed, Israeli withdrawal from Sinai, the institute for Palestine studies, Bei rut, 1966 P. 160.
[15] Benny Morris, Israeil Borders Wars, 1949-1956 Clarendon Press, Oxford 1997, P.76.
[16] هيكل ؛ محمد حسنين(2000): عام من الأزمات، المصرية للنشر العربي والدولي ، القاهرة، ص 254-255
[17] الخشاب, تاريخ تطور حدود مصر الشرقية, مرجع سبق ذكره, ص507.
[·] عوديد ينون: مفكر وكاتب إسرائيلي, ودبلوماسي سابق, نشر دراسة في فبراير عام 1982م بعنوان: (استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات Strategy for Israel in the Nineteen Eighties)، في مجلة تعنى بالشأن اليهودي وبالحركة الصهيونية اسمها Kivunim، ومعناها باللغة العربية اتجاهات أو directions، وتعد هذه الدراسة الأكثر شمولاً وتفصيلاً لحقيقة ما يدور داخل العقل الصهيوني حول سبل إدارة الصراع مع العالم العربي وأكثرها فاعلية في تمكين المشروع الصهيوني من تحقيق الانتصار النهائي بإقامة دولة يهودية كبرى ومهيمنة في المنطقة، إن دراسة ينون المشار إليها نشرت أولاً باللغة العبرية, ثم كما أعادت جمعية الخريجين العرب الأميركيين نشرها عقب الغزو الإسرائيلي للبنان وكلفت البروفيسور “إسرائيل شاحاك”، الناشط الإسرائيلي المعروف، بترجمتها إلى اللغة الإنكليزية، وهو الذي كتب للطبعة الإنكليزية مقدمة وخاتمة ونشرها تحت عنوان (الخطة الصهيونية للشرق الأوسط The Zionist Plan for the Middle East) للتأكيد على أن ما كتبه ينون حينئذ كان أكثر من مجرد وجهة نظر شخصية لصحافي أو لدبلوماسي إسرائيلي سابق.
إن أول ما يصدم المرء، عند مطالعته لدراسة ينون، موقع مصر المركزي في استراتيجية الحركة الصهيونية لتفتيت العالم العربي، فرغم أن ينون كتب ورقته بعد حوالي خمس سنوات من زيارة الرئيس السادات للقدس وأربع سنوات من توقيع مصر على اتفاقيتي كامب ديفيد وثلاث سنوات من دخول معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية حيز التنفيذ، ورغم علمه التام بأن توقيع مصر على معاهدة سلام مع (إسرائيل) كلفها تضحيات هائلة وتسبب في عزلتها عن العالم العربي وفقدانها لجزء كبير من هيبتها الدولية ومن مكانتها بين الأمم، إلا أن ذلك كله لم يشفع لمصر أو يجنبها شر ما كانت تحيكه لها الحركة الصهيونية من مخططات، فمن الواضح تماما أن صورة مصر لدى هذه الحركة لم تتغير بعد معاهدة السلام عما كانت عليه قبلها.
[18] نشرت هذا المشروع صحيفة المصري اليوم بتاريخ (28/1/2010), القاهرة.
[19] نشرت هذا المشروع صحيفة المصري اليوم المصرية بتاريخ (28/1/2010), مرجع سبق ذكره.
[20] عمل الباحث: إبراهيم حبيب؛ منقول عن “اريج”
[21] بخر؛ اريك (17/1/2008): مشروع تبادل للأراضي بين كل دول المنطقة, صحيفة معاريف, (إسرائيل)
[22] حبيب؛ إبراهيم (2006): جفاف البحر الميت,,, الأسباب والآثار- دراسة في الجغرافيا التطبيقية, رسالة ماجستير غير منشورة, معهد البحوث والدراسات العربية, القاهرة, ص187.
[23] حبيب, جفاف البحر الميت,,, الأسباب والآثار, مرجع سبق ذكره, ص187.
[24] عمل الباحث: إبراهيم حبيب.
[25] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.