شباب الإخوان المسلمين الجيل الثاني من المُنشقين
بعد اندلاع ثورة 25 يناير 2011 انفتح المجال العام في مصر انفتاحا واسعا، كان من أحد آثاره الواضحة فيما يخص جماعة الإخوان المسلمين حصول ظاهرة انشقاق بعض الشباب الفعَّال والذي كان حاضرا في مشهد الثورة، وهؤلاء من سنصطلح على تسميتهم في هذه الورقة بـ “الجيل الأول” من المنشقين عن جماعة الإخوان المسلمين. وقد تعرضت العديد من الدراسات لهذه الظاهرة بالفحص وإجراء المقابلات، خاصة وأن هؤلاء الشباب أتيحت لهم فرصة واسعة ضمن أجواء الحرية المتاحة في ذلك الوقت ليتحدثوا عن أنفسهم ويشرحوا أفكارهم ويبثوها في مقالات صحافية ومقابلات إعلامية وجلسات مطولة مع باحثين من مختلف دول العالم.
لكن الظاهرة التي لم تأخذ قدرا كافيا من الدراسة هي ظاهرة الجيل الثاني من المنشقين الشباب عن جماعة الإخوان المسلمين، وأولئك هم الذين تركوا صفوف الجماعة بعد الزلزال الكبير الذي وقع بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2013م، وما ترتب عليه من مطاردات أمنية بلا رحمة وإجراءات قمعية واسعة شملت اعتقال عشرات الآلاف وإعدام وتصفية مئات آخرين. ثم ما عانت منه الجماعة داخليا من انقسام في صفوفها ظهر إلى العلن وألقى بانعكاساته على كل المستويات التنظيمية داخلها، حتى إن بعد المناطق والمحافظات شهدت وجود إدارتين –وأحيانا- ثلاث إدارات لنفس التنظيم.
حاولنا في هذه الدراسة استكشاف ملامح هذا الانشقاق الصامت للجيل الثاني، الذي لم يحظ حتى الآن بدراسة كافية لأسبابه ودوافعه، ولم يتح لأصحابه أن يتحدثوا في مقالات صحافية أو مقابلات إعلامية ولم يتح لهم اللقاء مع باحثين، مع أن هذا الجيل الثاني من المنشقين أوسع كثيرا من ناحية العدد والانتشار من الجيل الأول الذي حظي بفرصة الأضواء فيما بعد الثورة، وهو أهم من الناحية التنظيمية لأنه يشمل سائر المستويات التنظيمية وفي كافة المحافظات ويمثل الذراع التنفيذية للجماعة، على عكس الجيل الأول الذي كان يمثل شريحة رقيقة نخبوية داخل شباب الجماعة، وكان كثير منهم قبل انشقاقه العلني مبتعدا عمليا عن ماكينة التنظيم الإخواني.
سنحاول في هذه الورقة استكشاف ملامح هذا الجيل الثاني من شباب الإخوان المسلمين من الناحية النفسية والاجتماعية والتنظيمية، من خلال التعرف على نشأتهم وعلاقاتهم بالأسرة الصغيرة خصوصا تلك الأسر التي كانت تنتمي إلى الجماعة، وما طرأ عليهم بعد الاحتكاك بماكينة التنظيم، وكيف انعكس قرارهم بالانشقاق على أوضاعهم النفسية والفكرية والاجتماعية خلال هذه السنوات الست الماضية.
وقد اعتمدت هذه الدراسة على نتائج استطلاع رأي ضمَّ 41 سؤالًا موجهين لـ 90 شابًا من الجنسين من المنتمين لتنظيم الإخوان، في الفئة العمرية بين (18 – 30) سنة، حيث رصدت الأسئلة حياة الشباب داخل بيوتهم وعلاقتهم مع والديهم ومناقشاتهم حول تنظيم الإخوان المسلمين وقياداته ومناقشاتهم حول الأفكار والسلوك بشكلٍ عام، ومدى نتائج تلك المناقشات وهل تؤثر على علاقة الفرد المنتقد للجماعة داخل بيته؟ فضلًا عن توجه البيت الثقافي من حيث القراءة والاطلاع داخل البيت. كما حاولت الأسئلة استكشاف ما هي رؤية الشباب للجماعة وقياداتها الآن؟ وهل انشق الشباب عنها؟ وما مدى عمق ذلك الانشقاق؟ وما هي نقاط الاعتراضات؟ وما مدى الفجوة القائمة بين الأجيال [الآباء – الأبناء] في نظرتهم وتقيميهم لوضع الجماعة على المستوى الفكري والإداري؟
واعتمدت الدراسة أيضًا عن حوارات خاصة بشبابٍ انشقوا في صمت، كانوا مسؤولين داخل الجماعة سواء في عمل طلابي على مستوى الجامعة أو في عملٍ تنظيمي حركي آخر على مدار الـ 6 سنوات الماضية، تناولت الحوارات رصد تجربتهم في العمل مع الجماعة وكيف نشأوا وإلى أين وصلوا وما التجارب التي غيرت أفكارهم أو سلوكياتهم تجاه الجماعة، ورمزنا إليهم بأرقام مثل: 1، 2، 3.
واستفادت الدراسة كذلك من أبحاث ودراسات سابقة تناولت الإطار النفسي والاجتماعي والفكري لدى منظومة شباب الإخوان بشكلٍ عام، فضلًا عن مذكرات أو شهادات شباب قد انشقوا في وقت سابق من تنظيم الإخوان.
وصف العينة المستهدفة
رغم وجود العديد من الصعوبات المعروفة في إجراء استطلاع رأي في هذا الموضوع، فقد تمكنا بعد المجهود من جمع آراء تسعين شابا وفتاة، وقد امتنع العشرات من الشباب في الإبداء بآرائهم والإجابة على الأسئلة واستطلاع الرأي وتحليل البيانات والمُقابلات وذلك بأسباب وبدون أسباب، وكان من ضمن تلك الأسباب أن الإجابة على مثل هذه الأسئلة لا طائل من ورائها، كما كان من أسبابها التهديدات الأمنية التي حاولنا تجاوزها بالطلب من الجميع أن يكتبوا أسماء مستعارة لأن تحليل البيانات الذي نحتاجه لا يتأثر بهذا العنصر.
كانت نسبة مشاركة الشابات [الأخوات] ضعيفة، بلغت 11.11% من العينة، رغم المحاولات الحثيثة من جانبنا ليكون لهم حضور أقوى، ويعود السبب في ضعف هذا الحضور لأسباب عديدة منها: سوء التواصل وعدم رغبتهن في المُشاركة، وحرصهُن الشديد على عدم إبداء أي رأي دون استئذان أو العمل بشكلٍ مباشر مع جهة مُستقلة كما أوضحنَ لنا عند التواصل معهن.
الفئة العمرية للعينة المُستهدفة: كانت ما بين [18-30] كانت نسبة المُشاركة الأعلى ما بين سن 21 – 26 سنة.
درجة التعليم: كانت النسبة الأكبر من العينة في مرحلتها الجامعية، لاسيما الفرقة الثالثة والرابعة بمقدار 75.71% وَعَلَّلَ البعض منهم تأخره بسبب ظروف الأحداث التي تعرضوا لها من مطاردة واعتقال وسفر، وشكلت النسبة الأقل وتُقدر بـ 21.42% من العينة إنهاء دراسة البكالوريوس ومنهم من حصل على الماجستير بنسبة 20%، وتنوعت التخصصات الجامعية في الحالتين بين الطب والصيدلة والهندسة والحاسبات والمعلومات والدراسات الإسلامية واللغة العربية والعلوم السياسة والاقتصاد. وجاءت نسبة التعليم المتوسط [الدبلوم] وهي الأقل بقيمة 2.87%
المشاركة في تظاهرات الشرعية ما بعد 3 يوليو/تموز 2013: شارك أفراد العينة المدروسة في هذه المظاهرات بنسبة 97.72%، بينما لم يشارك فيها 2.28% منهم
التعرض لتجربة الاعتقال: تعرض 72.88% من العينة للاعتقال، والعديد منهم تعرض للاعتقال المتكرر، وأما من لم يسبق اعتقالهم فكانت نسبتهم 27.12%
درجة التعليم للوالدين: تنوعت درجات التعليم والمهن لدى الآباء بين الطب والصيدلة والمحاماة والهندسة والتعليم في المدارس والجامعات والمهن الحرفية، وكانت مهن الأمهات بين الطب والمحاماة والتعليم وربة المنزل.
درجة الوالدين الإدارية داخل التنظيم: تنوعت أيضًا الدرجات الإدارية للآباء بين عضو مُنتسب ومنتظم وعامل ومسؤولين في الشُعب والمناطق ومجلس شورى الجماعة. وكانت نسبة أقل من الأمهات هن الذين كنَّ مسؤولات داخل التنظيم.
أول القصيدة: كيف دخل شباب الجيل الثاني من المنشقين إلى الإخوان المسلمين؟
تميّز تنظيم الإخوان عن العديد من الجماعات والحركات التنظيمية في القوة التنظيمية والأثر الحركي والذي صَعُب تفكُكه بالرغم من الانشقاقات البارزة أسماؤها في العمل الدعوي والسياسي الذي تتخلل الجماعة من حينٍ لآخر إلا أن الجماعة تماسكت عبر تداول الحقب الزمنية عليها والتي مرت في كُل حقبة منها بأزمة تنظيمية أو محنةٍ دعوية كما يُطلق عليها القيادة العُليا للجماعة. فما هو السبب الرئيسي وراء هذا التماسك: هل هو القوة الأيديولوجية المُتمثلةً في هوية إسلامية حقيقية؟ أم القوة الهيكلية الإدارية تُحافظ على نفسها قدر الإمكان؟ أم هو امتزاج بين هذا وذاك؟
1. الالتحاق والتنشئة
يُمكن تقسيم تنشئة الشاب الإخواني إلى قسمين؛ القسم الأول هو: قسم إرث الإخوانية، والثاني: هو الشاب الذي التحق بالتنظيم في سنٍ مُتقدم قبل العشرينات وبعدها من خلال الدعوة الفردية.
في القسم الأول يرث الشاب فكر الجماعة وموقعه في التنظيم عبر الأسرة، سواء الصغيرة من خلال الأب والابن والحفيد، أو الكبيرة من خلال العم والخال والقريب الأبعد، وغالبا ما يحدث هذا الاستقطاب بطريقة تلقائية مع باقي موروثات الأسرة، أي أن الابن لا يختار الانضمام للجماعة مثلما لا يختار نوع تعليمه أو مدرسته أو نحو ذلك، وإنما يجري توجيهه إلى اللقاء الدعوي وتكوين أسرة تنظيمية من الجماعة يتعرف فيها على قدوة ثانية هي “مسؤول الأسرة”، وطبقًا لتحليل بيانات الفئة المستهدفة في دراستنا، فقد أشارت النتائج إلى أن 80% منهم قد التحقوا بهذه الأسرة حين كانت أعمارهم بين 8 سنوات إلى 12 سنة، وتقاربت أسباب التحاقهم بأول لقاء وهو توجيه أسري أو عائلي بشكل أو بِآخر، وطبقا لحوارنا مع شابٍّ[1] ذكر أنه عندما جلس أول لقاء كان بدافع من والده [عضو عامل بالإخوان] لالتحاقه بأسرة تابعة لِشعبته ومنطقته، وقد قضى والده حتى الآن أكثر من 30 عامًا في تنظيم الإخوان المسلمين.
أما النوع الثاني من الالتحاق فيحدث في مرحلةٍ مُتقدمةٍ من عُمر الشباب في بداية سنِ المراهقة وما بعدها، وعلى الأقل وفي مُعظم التقديرات لاستقصائِنا تكون أسرة الشاب غير مُنتمية للتنظيم وقد تكون العائلة كُلها ليس لها علاقة بالتنظيم فيكون الالتحاق عن طريق زميل دراسي ينتمي للجماعة فيبدأ باستقطاب زميله عن طريق نشاط كروي أو رحلة ترفيهية أو جار يبدأ بدعوة جاره أو علاقة تُجارية تربط شابًا مُنتميًا للتنظيم بآخر غير مُنتمي وكما يقول لنا شاب[2] انضم لفئة المُحبين والمؤيدين قبل أن ينقطع مرةً أُخرى “كانت المرة الأولى للتعرف عليهم عن طريق اصطحاب زميلي لي إلى أنشطةٍ كروية يوم الجُمعة صباحًا في إحدى المدارس”، ويسرد “كان اليوم هكذا نُقسم فريقًا عن طريق 3 أو 4 إخوة في سن الثلاثينات وهُم مسؤولي الشعب المجاورة للمنطقة ثم نبدأ اللعب، وأحيانًا كان يتخلل اللعب استراحة قصيرة نفطر من خلالها دون أن ندفع ثمن الإفطار ثم نُردد بعض الأدعية الدينية الجميلة ثم نرجع للعب وينتهى اليوم قُبيل العصر. وبعد تلك بفترة اندلعت الثورة [يناير 2011] وقد حضرت عدة لقاءات عام 2012 برفقة زميلي وقد فهمت بعد ذلك بأنني في بدايات الالتحاق بتنظيم الإخوان.
2. دوافع الالتحاق بالتنظيم
من خلال النتائج التي وردتنا، نستطيع أن نقول بأن ثلاثة أسباب تشكل الدوافع الرئيسية لالتحاق الشاب بجماعة الإخوان المسلمين أو تطيل بقاءه فيها، وهي: الدافع الديني، الفراغ التنظيمي أو الحاجة إلى التقدير والإنجاز، الروابط الاجتماعية.
أ- الدين
تجري الإشارة في البحوث الأكاديمية عادة إلى جماعة الإخوان باعتبارها فصيلا من فصائل الإسلام السياسي، بينما يجب عند تحليل دوافع الالتحاق أن نغض النظر تماما عن هذا المفهوم السياسي، ونتناول الجماعة باعتبارها جماعة دينية، وأنها تستمدّ فاعليتها وجاذبيتها من هذا الانتماء الديني. يمثل الدين رمزًا أعلى لاستقطاب الأفراد أيًا كان شاكلتهم ولاسيما الأفراد ذوي العُمر الصغير الذين لم يتعرفوا بعد على الأشكال الأيديولوجية الأخرى كالشيوعية والليبرالية، وفي البيئة الإسلامية يأخذ الدين مركزا متفوقا على سائر هذه الأيديولوجيات، وتعتبر الجماعات الإسلامية مهما اختلفت أسماؤها وأفكارها تنويعا على الدين الواحد، وليست أشكالا أيديولوجية مختلفة، كما أن الدين يشمل الجانب الأكبر من حوارات الشباب بفئتيْه العُمرية: الصغيرة [الأشبال – الزهراوات] والمتوسطة أي من المراهقة وما بعدها لِكلا الجنسين.
يذكر لنا شاب آخر[3] أنه “بعد قيام الثورة بالتوازي مع بداية حضوري لقاءات الإخوان بدأت أقول لوالديّ [الغير مُنتمين] أنني أذهب لجلسات مع أصدقائي في بيت أحدٍ منهم، كان والديّ يعترضان ولكن كنت أقوم بإقناعهِما بِحُجة أنني أذهب لقراءة القرآن معهم وأفهم تفسير الآيات وأتعرف على الأحاديث فكانوا لا يستطيعون ردَّ حُجتي ويتركاني للذهاب”، ويحلل ذات الشخص ذكراه هذه بأن حُب الدين وحُب التعرف عليه كان جميلًا بالنسبة له، وخصوصًا أنه من أسرة غير مُتعرفة على سيرة الرسول والأنبياء بشكلٍ جيد، بل أسرة كما وصفها غَلَبَ عليها طابع المجتمع المصري الغير مُنتمي وثقافته الغير مُتعمقة في الدين. يعد الدين في محل نظر الشاب قيمةً عُليا للغاية فهو يمثل منهج الله في الأرض لذلك كان كُل شيء يدفعه في تلك الفترة هي حب منهج الله والسعي للتعرف عليه من خلال أي لقاءاتٍ أو تنظيمات بتباين أسمائها، ليس أكثر من هذا.
وفي إطار الدين –كدافع للالتحاق بالإخوان- تجب الإشارة إلى مفهوميْن أساسييْن كانا حاضريْن بقوة داخل الإخوان، وهما: مفهوم شمولية الإسلام، ومفهوم الإصلاح المتسلسل.
فأما مفهوم شمولية الإسلام فهو، كما وضحه البنا[4]، أن الجماعة تهتم بتحقيق الإسلام الشامل في السياسة والاجتماع وكُل مناحي الحياة ودائمًا ما تُقارن نفسها أمام مُستقطبيها وأعضائها بأنها تختلف عن الدعوة السلفية أو جماعة التبليغ والدعوة في دعوتها الشمولية للدين وليست مُقتصرةً على المساجد فقط. يذكر لنا شاب[5] أن هذا الافتخار كان مفجرا لنقاش داخل المعتقل، إذ بينما افتخرت قيادة وسيطة (تبلغ من العمر خمسين عاما) بمفهوم الجماعة الشاملة، سأله شابٌ: ما الفرق بين الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية من حيث المنهج الشمولي؟ فكان جوابه أن الجماعة الإسلامية منهجها مُتقارب مع الإخوان ولكنها شمولية بنسبة 90% لكن الإخوان شموليتِهم 100%، يُقيم الشاب هذه الإجابة الأخ بأنها ساذجة ليس لها مقياس إلا حُب الجماعة وتفضيلها عن بقية الجماعات دون النظر إلى الجماعات الأُخرى.
وأما مفهوم الإصلاح المتسلسل فهو الترقي من إصلاح الذات حتى أستاذية العالم، على هذا النحو[6]: فرتب البنا مراحل الوصول الإصلاحية والدعوية كالتالي: (الفرد – الأسرة – المجتمع – الوطن – الحكومة – الدولة – أستاذية العالم)، وأن تلك الطريقة المُثلى من وجهة نظر الجماعة هي الحل الأنسب للوصول للدولة الإسلامية.
ب- الفراغ التنظيمي
يعد العمل الجماعي داخل التنظيمات أسلوبًا مُبهرًا ومحفزًا للغاية، وهو مدعوم أيضا بآيات قرآنية ونبوية مثل “واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا” آل عمران 103 وحديث “يد الله مع الجماعة” إلى آخره رواه الترمذي. والعمل الجماعي قد يكون ملءً لفراغٍ تنظيمي واجتماعي يُحيط الشخص وليس عملًا فكريًا خالصًا. ومن خلال تجربة إحدى الأخوات المُسلمات[7] تروي أن انضمامها لتنظيم الإخوان المُسلمين وهي في المرحلة الثانوية جاء توظيفًا لحبها لِلعطاء والأعمال الخيرية، وأنها استطاعت من خلال انضمامها ملء هذه الطاقة بداخلها، بل توسعت دائرة أعمالها التطوعية عن طريق تنظيم الإخوان ولاسيما وبشكلٍ أساسي كان هذا العطاء بدافع ديني روحي من أجل ثواب الآخرة ومكوث الجِنان، فكان انضمامها ملاذًا آمنًا يُعطيها قدر حاجتها من إشباعها الديني والتنظيمي.
واستكمالًا للتحليل النفسي الاجتماعي للشباب الذين انضموا لتنظيم الإخوان دون إرث أُسري يسرد شاب[8] “أنه كان ينتظر يوم الجمعة ليستيقظ مُبكرًا ليس في نيته أي شيء سوى اللعب بطريقة جميلة، يسرد أنه كان موهوبًا بكرة القدم وكان يحب أن يبرز مهاراته تلك على مرآة من الجمهور المتفرج [الشباب – الأساتذة] فضلًا عن المُنافسة بين الفرق ووجود الأصدقاء، ويُؤكد الشاب أنه بذلك ليس نرجسيًا بل كان يرى هو أيضًا فرحة الشاب الموهوب بالصوت الندي وهو يُطربنا ونحن نستمع له مُنبهرينَ بأدائه الجميل. ويسرد لنا شابٌ آخر[9] أنه شعر بنقصٍ وفراغ تنظيمي كبير عندما نبذهُم ونبذوه داخل المُعتقل، ولم يعُد يجلس معهم لقاءاتهم بل عندما أقلع عن حضور أنشطتهم الترفيهية داخل المُعتقل من إفطارٍ جماعي أثناء التريُض [وقت الخروج من الزنزانة] أو نشاط كروي جماعي شعر بانعزال تام وخمول فطري. يحكي “كنتُ أجلس مع شابٍ أو اثنين لا يحبون اجتماعاتهم أيضًا ونَنظر لهم وهم كالخلية يُحضرون وينظمون أنشطتهم فمن حينٍ لآخر كانت تراودني فكرة الرجوع والانتماء لهم حتى لا أشعُر بالوحدة في سجني ولكني كنت آبى ذلك واستمريت على نهجي حتى خرجت”، ويفسر الشاب تلك الحالة بأنها كانت شديدة البلاء على نفسه، لأنه في الخارج له ما له من المُجتمع المُتعدد فئاته فحتى إن نبذ فئةً ينتمي للأخرى دون إشكالية، ولكنه يقول إنه داخل معتقله كان المجال العام كُله للإخوان والمنبوذين كانوا أفرادا قلة من تنظيم الدولة [داعش]، ونحن حتى وإن ابتعدنا قليلًا عن الإخوان تترامى الإشاعات علينا بأنّنا ارتمينا في أفكار الدواعش، لذلك كانت نظرات النبذ أو الخروج عن الجماعة والتمرد تنتابني من حينٍ لآخر من بعضهم.
ونرى من خلال المقابلات وما سُرد من تجارب شبابية داخل الجماعة أن التقاء وامتزاج الفطرة الدينية والحاجة إلى إشباع الفراغ التنظيمي في شيء مُقدس أي الدين كانا من أهم دوافع التحاق الشباب بتنظيم الإخوان المُسلمين. وما يؤكد ذلك الامتزاج ما قسمته دراساتٍ أُخرى[10] نحو وسائل الاستقطاب وكان منها بعد تلقين الفرد وبداية تغيير سلوكه دفعه نحو حُب الدين وتذكيره بالشعائر والصلاة وقضايا المُسلمين ثم بعد ذلك يبدأ الفرد بالانخراط في التنظيمات الحركية الجماعية مثل الأنشطة والتظاهرات وغير ذلك.
ج- الروابط الاجتماعية
تعد مسألة الرابط الاجتماعي والنسب لدى التنظيمات شيء أساسي لاسيما التنظيمات الإسلامية بكافة أيديولوجياتِها، بل اتخذت نوعًا ما سَمْت الأعراف القبلية كما يحدث في منطقة الخليج كالعائلاتِ الحاكمة أو المناطق البدوية التي يسود فيها العُرف بأحكام القبلية وقد استفاض ابن خلدون في مُقدمته[11] في مجتمع القبيلة وتفسيراته ونظرياته حول الحزبية والعصبية والنزاع على الحُكم وغير ذلك، وكما يوضح البنا[12] بشأن تكوين المُجتمع المُسلم فيبدأ بتكوين الفرد ثم تكوين الأسرة وفي امتدادٍ أسري ونسبي طائل وعلى المدى البعيد يتكون المُجتمع المُسلم الذي به يسعى إلى تحرير الوطن وإصلاح حكومي. وكما نوّه القيادي صبحي صالح[13] وهو من كبار مسؤولي التربية داخل الإخوان على ضرورة اختلاط النسب بين الإخوان والإخوان لتكوين أسرٍ وعائلات جديدة تابعة للتنظيم، ويسرد لنا شاب[14] أن ظاهرة النسب بين الإخوان أو الظاهرة الإخوانية العائلية قد حققها الإخوان بالفعل وبشكلٍ كبير، يسرد أنه كانت عائلاتٍ بأكملها مكونة من 4 أو 5 إخوة ووالدهم وأعمامهم كانوا مُعتقلين في آنٍ واحد[15]، بل كانت في الزنازين الذي يغلُب عليها الطابع الريفي نجد عائلة واحدة تملأ نصف الزنزانة بعدد 10 أفراد تقريبًا أو أكثر مُكونينَ من الأخوة والوالد والأعمام، وهذا ما تناسب ما أطروحة الكاتب حُسام تمام المعنونة بترييف الإخوان[16]، وهو يرصد غلبة الاستقطاب الريفي على الحضري داخل الإخوان المُسلمين آخر عقدين في نظام حسني مبارك، رصد تمّام في أُطروحته إشكالية غياب اللائحة القانونية للجماعة وغياب مفهوم النقد مع تزايد الترييف داخل منظومة الإخوان، بل غلب على القيادات الريفية الأبوة تجاه أفراد ذات قريتهم والقرى المُجاورة وبدأ انتهاج تقبيل اليد لقيادات الريف كعُرفٍ وتقليدٍ ريفي سائد منذ زمن، ويُرصد ذات الشاب[17] تلك الحالة بقوله “فعلًا كان رجُل واحد فقط هو الذي تُقبّل يده وهو أخ ريفي ستيني من العُمر وبمثابة كبير قريته والقرى المُجاورة وكان لا أحد يُقبل يده غير شباب القُرى سواء قريته أو قرى أخرى ولم تلمح عيني أي شاب حضري يُقبل يده أو حتى يُعامله بشكلٍ تنزيهي مُفرط.
لذلك أخذت الجماعة محورًا آخر في تشكيل العلاقات الاجتماعية أو أخذت الحزبية دورًا خاطئًا في خدمة المُجتمع والدعوة إليه، فأصبح وسيلة استقطاب المُجتمع إلى التنظيم بهدف خدمة التنظيم وجعله أكثر صلابة لا بهدف خدمة المُجتمع وإصلاحه، بل الدعوة إلى الله أصبحت دعوة إلى التنظيم في حد ذاتها، والعلاقات الزوجية بالحجز والتفنيد في دائرةٍ بعينها وهي دائرة الأخوة والأخوات عن طريق مسؤولين ومسؤولات الشُعب والمناطق وأصبح انشقاق أي عضوٍ من الجماعة أمرًا منبوذًا، يُنظر إليه على أنه تمرد وخروج لمصالح وأطماعٍ شخصية[18]. يسرد شاب آخر [19] ظل في الإخوان مُنذ طفولته إلى أن انشق عنهم عام 2016، عندما سُئل عن نظرته للعلاقات الاجتماعية داخل الجماعة ولاسيما في مُعضلة اختيار الزوجة بالنسبة له، فكان جوابه أنه سيبتعد عن دائرة الإخوان في فترته الحالية في اختيار الزوجة، وأنه لا يُريد الانغلاق مرةً أُخرى في تلك الدائرة لاسيما بعد نقمته على سياسات الجماعة المنهجية والإدارية ممّا سيسبب له مُناقشات مع زوجته أو حتى أسرتها تثير خلافًا ما حول الجماعة وقادتها، غير ذلك يتحسب الشخص أيضًا من أسرٍ وعائلات مصريةٍ أُخرى قد تكون عائقًا أمام مُعضلة الزواج عندما يعرفون أنه سبق له الاعتقال من قبل. وسنسرد فيما هو قادم أمر العلاقات الاجتماعية لاسيما الزواج في حوارات قادمة مع الأخوات للتعرف على رؤيتهِن لتلك المُعضلة.
من مجموع هذه العوامل الثلاث: الدين والفراغ التنظيمي والعلاقات الاجتماعية تمتزج هوية خاصة تميز الشاب داخل الإخوان المسلمين.
وهو الأمر الذي يدفعهُ إلى الدخول والالتزام بإطار اجتماعيٍ وتنظيميٍ بعينه ويتحقق التحاق الفرد بالتنظيم، حيث يأخذ الفرد من التنظيم الجزء الفكري عن الجماعة بأنها تعبير عن شمولية الإسلام[20]، شمولية الاسم والمعنى، فتتكون هويته بأنه فرد من جماعة إسلامية تُريد الوصول إلى أستاذية العالم حسب ترتيب البنا لمراحل دعوة الجماعة، ثم تتغذى تلك الهوية ببضعةِ كُتب ومناهج تعليمية تُلقن للفرد في مراحل مُتتالية وهي: الأربعين النووية، رياض الصالحين، فقه السيرة للغزالي، فقه السنة لسيد سابق، في ظلال القرآن لسيد قطب، رسائل البنا التعليمية، المنهج الحركي للسيرة النبوية لمُنير الغضبان، في رحاب الإسلام، في نور الإسلام) يزيد عن تلك المناهج بعض المؤلفات ليوسف القرضاوي ومحمد أحمد الراشد[21]، فضلًا عن الشرح والتفسير لأركانِ البيعة للجماعة كالفهمِ والثقة والطاعة. وبذلك تنشأ الهوية الثقافية على أحجار تلك الكُتب بدون الاجتهاد الذاتي، إذ يؤخذ على الإخوان ابتعاد أفرادهم على القراءة في العلوم الإنسانية كالسياسة وعلم النفس والاجتماع والتاريخ الحديث وغير ذلك، وتتغذى هوية الفرد في جزئها الثاني عن طريق العمل الحركي من حضور المعسكرات للإعداد والتدريب والرحلات والكتائب وغير ذلك مما يُنمي لدى الفرد انتماءً قويًّا، ويسرد شاب[22] يومه في إحدى المعسكرات التي حضرها منذ بضعة أعوام بقوله: “يبدأ اليوم على الرمال بعدة أنشطة ترفيهية تتوقف في أوقات الصلاة، نتناول الوجبات، بين ذلك وتلك أنشطة ومسابقات رياضية وثقافية وغالبًا يأتي بعد المغرب أخ يُلقي لنا كلمةً أو خاطرةً.
الأخوات المسلمات: لماذا يغلب عليهن الصمت؟
لا تخرج قصة التحاق الشابات المُسلمات بتنظيم الإخوان المُسلمين من المشهدينِ السالف ذكرهما، إما الإرث التنظيمي أو الدعوة الفردية للالتحاق مرورًا لتشكيل هويتُهن بمراحل الزهراوات [الأشبال] إلى الأخوات الناضجات، ليندمجن بعد ذلك في المُجتمع بسمتٍ ولباسٍ يميزهُن عن أقرانهِن داخل المجتمع المصري وتُجيب شابة[23] عن مدى رؤيتها لاعتزاز الأخوات المُسلمات بسمتهِن وانضمامهنّ للتنظيم وشعورهنّ بالتميز عن أقرانهِن من المجتمع المصري قائلة: “سمة الأخوات الاعتزاز زيادة عن اللزوم بهذه النقطة” وشعورهن بأنهن الأفضل مقارنةً بغيرهن من خلال انضمامهنّ للتنظيم، ونحاور شابةً [24] أُخرى عن مدى صحة الأسلوب السائد لاشتراطهن الزواج بالمنتمين للتنظيم فحسب، فشرحت رؤيتها قائلة: “صحيح لأن هناك نسبة من الصفات العامة المُشتملة وهي (عدم التدخين – الأخلاق الطيبة – المحافظة على الصلاة – الإيجابية – المسؤولية – التضحية – إلخ) وهذه الصفات تُمثل الحد الأدنى من الصفات التي تُريديها البنت في زوجها. وتتفق الاثنتان على أن سلوك الزواج قد تغيّر في الفترة الأخيرة (ما بعد يوليو 2013) نظرًا لصعوبة معيشة الشباب وتعرضهم للاعتقال الدوري، فضلًا عن التجارب السيئة بين المخطوبات لشبابٍ داخل السجن قد حُكم عليها بعشرات السنين، فقد وقعت عقول تلك الفتيات في الحيرة بين الأمر الأول ترك الشاب ليعيش مأساته وحده والثاني انتظاره لسنوات تُدبل أعمار الفتيات المزدهر.
ولكن ما قبل 3 يوليو/تموز 2013. كانت الأمور بالنسبة للأخوات في قمة ازدهارها من ازدياد العمل التطوعي وانفتاح المجال الخيري أمامهِن، فضلًا عن بناء وفتح مؤسسات تعليمية من مدارس وحضانات ورعايات مُخصصة لتعليم القرآن تابعة للتنظيم وبشكلٍ رسمي ممّا كان من المُفترض أن يزيد تعمُق دور الأخوات [25] داخل المُجتمع المصري، ولكن أُغلق الانفتاح وأصبحت الأخوات هُن من يحتاج المُساعدة لكي يقضين حاجات أزواجهن وأولادهنّ المُعتقلين. فضلًا عن انعزالهنّ وانكماشهنّ داخل المُجتمع المصري خوفًا من الضرر والتوبيخ اللواتي لا يُفارقهن أثناء تجولهن في الشوارع وشرائهن مستلزمات المعيشة من البعض من كارهي وحاملي خطاب الإعلامي المصري التحريضي تجاه جماعة الإخوان المُسلمين.
من المُلاحظ في قراءة عقلية الأخوات المُسلمات أنهُن قليلات النقد بشأن سياسات الجماعة سواء قديمًا أو حديثًا، بل سألنا إحداهُن[26] وهي غاضبة بشأن سياسة قيادة الجماعة الحالية في التعامل مع الأزمة عن أنها مازالت تعتبر نفسها إخوانية؟ فأجابت: “مقدرش أقول سبتها. آه – أنا انقطعت عن حضور اللقاءات لأنها تُخالف رأيي وهو ناقم على قيادة الجماعة، أنا في منطقة رمادية لا سبت الجماعة ولا مسبتهاش” تلك الردود والتي لا تُحدد استقلالية الأخوات إلى حدٍ ما بشأن ارتباطهن بالتنظيم، أو على الأقل تُبرز المعنى العاطفي الأساسي في الانضمام، لأن المعالجة المنطقية للأمور الخاطئة تُحل إما بالترك أو الإصلاح ولكن ما يُعالج بالصمت هو المعالجة العاطفية التي لا تبني مسارًا إصلاحيًا فكريًا أو إداريا داخل الجماعة.
مفترق الطريق: لماذا بدأ الجيل الثاني من المنشقين في الخروج من الإخوان المسلمين؟
نحاول هنا أن نستكشف رؤية هذا الجيل الثاني لقضايا مثل: ماهية التنظيم الهيكلية ومنظومتِه الهرمية وسلبياتها، ورصد الفجوة بين الأجيال، ونرصد أيضًا ما توصلنا إليه من تحليل بيانات الاستبيان من نتائج نسبية، وكيف كانت أجوبة بعض فئات العينة على عدة أسئلة ترصد لنا حالات البيت أو الأسرة المُنتمية للتنظيم فضلًا عن نظرته للجماعة، واستكمال الحوارات التي دارت بين الباحث وبين شباب التنظيم من الأخوة والأخوات.
أ- الدوافع المستمرة للانشقاق عبر الأجيال
نلاحظ من خلال أجوبة العينة محل الدراسة، دافعين رئيسيين يمثلان استمرارا لحالة الانشقاق داخل الجماعة، وهما: التنظيم الهرمي للجماعة، والفجوة الفكرية بين الأجيال.
فيما يتعلق بالتنظيم الهرمي، فإنه من المعروف عن تنظيم الإخوان كونه يمثل هيكلًا هرميًا شديد المركزية يبدأ من أسفل إلى أعلى كالآتي:
– الفرد وبِمجموعة أفراد تتكون الأسرة
– الأسرة وبمجموعة من الأُسر تتكون الشُعبة
– الشُعبة وبمجموعة من الشُعب تتكون المنطقة
– المنطقة وبمجموعة مناطق يتكون المكتب الإداري للمُحافظة
– ويتكون من إداري المُحافظات مجلس شورى الجماعة وهو بمثابة الجهاز التشريعي للجماعة
– ويٌختار من هذا المجلس ما يُسمى مكتب الإرشاد ويتكون من 16 فردًا
– ويترأس الجماعة مُرشدها وهو واحد من 16 ما يُسمى مكتب الإرشاد
لقد أدى مُخطط الانتخاب الهرمي داخل التنظيم إلى غياب تصويت القواعد الشعبية الشبابية للجماعة في اختيار مُشرعي ومُنفذي القرار في السلطة الأعلى للجماعة، ومثَّل هذا الأمر أحد أبرز دوافع انشقاق الجيل الأول كما عبروا عنها في أجواء الانفتاح بعد ثورة يناير[27]، وهو ما ظهر أيضا في الجيل الثاني كما يروي لنا شاب[28] عن سردية والده في انتخابات الشُعب في منطقته. يقول: كان والدي وهو طبيب وعضو عامل بالجماعة ومسؤول الشعبة التي نسكُنها وعضو بنقابة الأطباء في محافظته أنه إبان فترة انتخابات الشعبة والتي ترأسها والدي للفترتينِ السابقتين ووالدي كان يرى أنه هو الأصلح لرئاسة الشُعبة وسرد في وقتٍ بتهكمٍ أن ما منعه من ترشحه مرةً ثالثة هو اعتراض أحد شباب تلك الشُعبة لما يراه أنه غير مناسب لذلك المنصب، بل وتجديدًا وإعطاء فرصةً للآخرين من شباب الشعبة للقيادة، وبالفعل تخلى والدي عن قيادة الشعبة وأتى شخص أقل منه عمرًا كان أكثر كفاءةً وتواصلًا مع أفراد الشعبة بأكملها وتفرغ الوالد لعمله بالجماعة من خلال النقابة. ويتحدث الشاب أيضًا عن مبدأ المناصب داخل الجماعة بشكلٍ عام بأنه الأكثر طاعةً وولاءً لقادة التنظيم والأكثر أقدمية من ناحية الانضمام للتنظيم وأكثر سمتًا دينيًا وروحانيًا هو الذي يشغل المناصب بعيدًا عن الكفاءات الفكرية أو المهارات الإدارية التي يتطلبها المنصب القيادي داخل الجماعة.
وأما من الناحية الانتخابية وطريقة الإقصاء غير المباشرة فقد شهدها شاب[29] خلال فترة اعتقاله أمام عينه قائلًا: كُنا في الزنزانة في أجواء إلى حدٍ كبير مُريحة، يوجد أخ من الإخوان وهو يُدير الزنزانة من وراء الستار بالتوجيه الرسمي لإخوان العنبر ويوجد مسؤولين أساسيين في الزنزانة هُما مسؤول الزنزانة والآخر مسؤول البرامج الثقافية في الزنزانة وكُنت أنا، كُنا كُل شهرين ننتخبُ شخصًا يتولى مسؤول الزنزانة، وعندما جاء موعد الانتخابات جلسنا حينها ومن المُفترض أن من كانت انتهت مسؤوليته للزنزانة شاب من الإخوان وعلاقته ممتازة بالأخ الكبير من الإخوان المتواجد معنا، ولكن حين جاءت الانتخابات رفض الشاب الترشح مُتحججًا أنه يكتفي بشهرين فقط، فعنَفه الأخ الكبير أمام الغرفة بصوت عالٍ وهو يحثه على إلزامه بالترشح وفي النهاية رفض الشخص وتمسك برأيه، وأثناء فرزي ومعي الأخ للأصوات وكانت نتيجة التصويت تتجه إلى فوز شابٍ آخر غير مُلتزم بتعاليم الأخ، رأيت على وجهه غضبًا كبيرًا لفوز شاب آخر غير الذي يُريد، بل كان يسعى بطريقة أو بأخرى لعدم إتمام الانتخابات.
وأما فيما يتعلق بالفجوة الفكرية بين الأجيال فيمكن القول بدون شك أن ثورة انفتاح الأفكار والتوجهات فيما بعد يناير قد شكلت صوتًا ثوريًا أعلى صدى من سابقه داخل جماعة الإخوان المُسلمين، وقد أزعج ذلك القيادة المحافظة التي فسَّرت سياستها بأن الاستجابة لهذه الأصوات لم يكن ممكنا في ظل ضرورات التنظيم والعمل السري في زمن مبارك باعتباره التعاطي الممكن مع واقع مبارك الأمني، لم تعد هذه الحجة قائمة بعد يناير 2011، ولم تنجح الجماعة في استيعاب الأصوات الإصلاحية والانفتاحية فشهدت موجة من الاستقالات والانشقاقات لجيل فكري جديد داخل الجماعة.
في تعريفنا هُنا للجيل كوحدة قياسية للأفكار بحسب مفهوم مَانهايم للأجيال[30] بأنها ليست وحدة قياس عُمرية تُقدر في أغلب الأحايين ب 10 سنوات لفئةٍ جيلية واحدة، بل هنا الجيل الواحد هو الذي يشترك في أفكارٍ واحدة، ولذلك يتضح التشابه في الأفكار بين جيل المنشقين ما قبل الثورة[31] وبين موجة الانشقاق التي حصلت بعدها، إذ تدور سردياتهم حول إشكالية البناء الهرمي للجماعة وثقافة الطاعة العمياء دون فهمٍ حقيقي لمُجريات الأمور وتهميش وإقصاء الفئة الأكثر كفاءةً وإبداعًا وانتقادًا.
وبالمقارنة بين هذا وذاك وبين الجيل الثاني من الشباب المُنشقين في صمتٍ [ما بعد 2013] نجدُ تلك الأسباب بشهادات الشباب أنفُسهم ومع تحليل البيانات على العينة قيد الدراسة والتي سنأخذه تفصيليًا فيما هو قادم، وللتأكيد أن فكرة الأجيال داخل الجماعة لا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمعدل العُمر، يُحدثنا شاب[32] عن فكرة الطاعة العمياء داخل شريحة ليست بقليلة من الشباب داخل الجماعة، بل في أوقات كثيرة يأتي ذلك التهميش بين الشباب بعضهم وبعض في معاملاتهم وصداقاتهم حسب اتفاقهم في طاعة قرارات وآراء التنظيم. يحكي مُستفيضًا: أثناء اعتقالي كانت تربطني صداقة جيدةً بإحدى شباب التنظيم في ذات الزنزانة ولكن مع الوقت ومع اختلاف آرائي عن الجو الإخوانيزميّ في الزنزانة بكثرة النقد وعدم تصديق آراء أو معلومات دون مصدر لها، بدأت المُشاحنات تدخل بيننا في شأن مناقشاتنا حول الجماعة واستراتيجياتها وأخطائِها حول استراتيجية ما بعد 3 يوليو/تموز وفي مرةٍ من المرات وجه لي تَهكُمًا شديدًا لاستنكاره انتقادي لأشخاصٍ كمرشد الجماعة ونائبه محمد بديع وخيرت الشاطر وقال لي إنني لا قيمة لي بجانبهم كي أنتقدهم أو حتى أتكلم عنهم. وصراحة من بعدها كُنا نتكلم فانقطع الحديث إلا وقت الطعام، وكُنا نتبادل الأشياء كالكُتب والأقلام وغير ذلك فانقطع هذا التبادل وظلت المعاملة جافة حتى أُفرج عني وانقطع التواصل بعد ذلك.
ومن وجهةِ نظر الباحث فإن السجن محل تقييم لا يُستهان به، فقد جلس الشباب من جميع المُحافظات مع قيادات الإخوان العُليا ولأول مرة، ومع اندلاع الأزمة وحضور فيضان الأسئلة والنقاشات بين الشباب والقيادات انجلى الكثير من الأطروحات والمُراجعات الاستراتيجية والفكرية لدى الكثير من الطرفين ولاسيما الشباب وهُم محل عين الدراسة.
ب- ملامح الجيل الثاني من المنشقين عن الإخوان
لا يخلو بيتٌ مُكون من أسرة تنتمي لتنظيم الإخوان من مُناقشات سياسية وفكرية واستراتيجية بشأن الجماعة وصراعها مع نظام ما بعد 3 يوليو/تموز، بل في الغالب لا يخلو أي بيتٍ من مُعتقلٍ أو شهيد أو مطارد. ولذلك حاولنا من خلال طرح عدة أسئلة أن نتعرف على نقاش الشباب مع والديهم فيما يخص قضية المعتقلين والجماعة وأفكارها واستراتيجياتها وقادتها لنسرد إجابات الشباب ونستنتج وجود فجوة أُخرى من عدمها حيال تكوين الأسرة عند الحديث عن التنظيم.
هل شعرت بإهمال والديك تجاهك بسبب انشغالهم بأمور الجماعة؟
كانت ردود العينة المبحوثة [33] تنفي وبشكلٍ كبير إهمال الوالدين لأبنائهم بسبب انشغالهم بالتنظيم فقد أجاب 61% بـ لا و29% بنعم و10% أجابوا بـ إلى حدٍ ما وفي بعض الأحايين وليس الإهمال أو الاهتمام على طول الوقت
هل تناقشت مع والديك بشأن أمور الجماعة (الاستراتيجية – القادة – وغير ذلك)
أجابت العينة المبحوثة وبنسبة 95% أنهم تناقشوا مع والديهما أو الوالد فقط، بينما 5% من العينة الشبابية رفضوا التدخل في النقاش مُعلِّلين عدم جدوى النقاش بشكلٍ عام.
وقالت الفئة التي تناقشت أن موضوعات النقاش كانت تدور جميعها بشكلٍ ما بين الناقد (الأبناء) والمُدافع (الآباء) في مُعظم النقاشات وكانت حول مواقف من الذاكرة بشأن لماذا رفضنا الانسحاب من ميداني رابعة والنهضة حتى لا يُقتل هذا الكم الهائل من المورد البشري؟ حيال قادة الجماعة الحاليين كإبراهيم مُنير ومحمود حسين وفشلهِما في إدارة الأزمة؟ وعن ما السبيل للمُعتقلين للخروج من سجنهم؟
ماذا كانت ردود الفعل بين الطرفين حيال النقاش؟
سألنا العينة المبحوثة عن مدى اقتناع الوالدين بنقد الأبناء للجماعة وقادتها، وكان رد 48.5% عن مدى الاقتناع بإجابة إلى حدٍ ما، ورد 31.5% بنعم وأن النقاش قد أفاد جدواه واقتنع الوالدين حيال النقاش بالموضوع المطروح وقتها. ورد 20% ب لا، بمعنى أن الوالدين ما زالوا عند رأيهم حيال الدفاع عن الجماعة واستراتيجياتها وقادتها بشأن الموضوعات التي طُرحت وقتها بينهما.
ما مدى حدة الخلافات حيال تلك النقاشات؟ إن تواجدت من الأساس؟
كانت نسبة النقاش الهادئ للعينة المبحوثة مع آبائهم ب51.7% وقد أجمعت هذه العينة على تفهم ومدى هدوء وإثمار النقاش بين الأطراف بينما أجمع 48.3% على أن معظم النقاشات يتخللها علو الأصوات بين الطرفين وفي حالات قليلة وصل الأمر لسب الشباب للقيادة الإخوانية علنًا بألفاظٍ سيئة ورصدنا 3 حالات فقط من حين لآخر يؤدي علو الأصوات إلى ترك المنزل لعدة ساعات من أجل توفير مناخ هادئ حتى يهدأ النقاش أو يُنسى.
هل شعرت بالاغتراب [داخل العائلة] أو التقليل أو المنع من انتقاد الجماعة على العلن (مواقع التواصل وغيرها)؟
قصدنا بسؤال العينة المبحوثة هنا عن معنى الاغتراب حيال تلك النقاشات، أي أنها تؤدي إلى التهميش أو حتى الامتناع بعد ذلك عن النقاش والتزام الصمت والتأثير بالسلب بين العلاقات الأُسرية، وكان رد العينة متساوي بنسبته المئوية بأن 50% أعربوا عن عدم شعورهم بالاغتراب، بل على العكس كانت النقاشات تثمر الأفكار والآراء الجديدة و50% أجبرتهم تلك النقاشات التزام الصمت تجنبًا لعلو الأصوات وأحيانًا قليلة السباب أو التأثير المتزايد على العلاقات بين الابن ووالديه بينما عدد يُقدر بنسبة 17% ممن شعروا بالاغتراب بأنهم وبشكلٍ مُباشر قد عُنّفوا لاستخدامهم وسائل التواصل الاجتماعي [فيس بوك] في نقد الجماعة واستراتيجياتها وقادتها على العلن، بل في أوقاتٍ أُجبروا أن يمسحوا انتقاداتهم بعد كتابتها فورًا.
وإذا تركنا الأوضاع داخل الأسرة، وذهبنا لرصد ملامح العلاقة بين الإخوان والمجتمع كما يراها الجيل الثاني من المنشقين، فقد كانت لنا هذه الأسئلة، وجاءت لنا هذه الإجابات:
هل ترى جماعة الإخوان المُسلمين منعزلين عن المجتمع – أي مُكتفينَ بروابطهم ببعضهم البعض عن طريق الزواج من بعضهم البعض والعلاقات الاجتماعية والتجارية وغير ذلك؟
جاءنا 66 من الردود فقط من أصل 90 ووضعنا أربعة خيارات فجاءت النسب على النحو التالي من أعلى إلى أدنى:
1- إلى حدٍ كبير 47%
2- إلى حدٍ قليل 19.7%
3- لا 19.7%
4- نعم 13.6%
وفي حوار مع شابٍ [34] كان ينتمي للإخوان، سألناه عن مدى انعزال الإخوان عن المُجتمع، فقال: لم أر جماعة تنخرط مع المُجتمع كما انخرطت الإخوان المُسلمين. نافيًا عنهم أي انعزال بوجهة نظره.
ويحدثنا شاب[35] آخر عن وجهة نظره في العلاقات والنسب وطريقة حجز الأخوة للأخوات في الزواج مُفسرًا: أن هذا أمر طبيعي وأن كل شخص يُحب الشخص المشابه له فكريًا، لافتًا النظر إلى أنه من الصعب أن يتحمل شخص شخصًا آخر وهو يختلف معه فكريًا.
ويحاورنَا شاب[36] عن العلاقات التجارية داخل المجتمع الإخواني مستنكرًا: أنه بهذا لا ينتفع تجاريًا من الإخوان غير الإخوان ولا يتقارب في النسب من الإخوان غير الإخوان، ولذلك هُم يكونون مُجتمعًا داخل المُجتمع ومع تلك المنهجية يتحول الأمر إلى إقصاء، بل في بعض الحالات يحاول الشخص الانفكاك عنهم ولكنه يظل مربوطًا بالتنظيم لارتباطه به اجتماعيًا وتُجاريًا. فيتحول الفرد في التنظيم من أجل المصلحة الشخصية لا من أجل الدين.
وانتقلنا بنقاط البحث للعينة المبحوثة من نظرة الفئة المبحوثة بين الإخوان والمجتمع إلى التنظيم مرةً أُخرى.
هل ما زلت تتابع الأحداث بشغف؟ ما هي نسبة متابعتك/كِ للأحداث؟
وبالنسبة لمتابعة الأحداث فقد أجابت العينة بأكملها أنها تتابع ولكن ليس بشكلٍ دائم ومستمر الاطلاع وكانت الأغلبية أنهم يركزون في متابعتهم لأخبار المُعتقلين وهي القضية الأكثر اهتمامًا بوجهةِ نظرهم.
ما نسبة ثقتك في القيادة الحالية؟
وضعنا 5 خيارات للعينة المبحوثة وجاءت نسبتهم كالآتي من أعلى لأدنى قياسًا بـ 88 من الردود من أصل 90.
1- منعدمة 54.5%
2- مُنخفضة 19.3%
3- متوسطة 13.6 %
4- عالية 6.8%
5- عالية جدًا 1.1%
6- إجابة أُخرى 4.5%
وبطرح نفس السؤال مع الشباب قيد المقابلات والمحاورات أجمعوا بأنهم فقدوا الثقة في القادة، وهذا سبب من أسباب تركهم للجماعة.
على ما يبدو أن وجود القيادة الحالية الجماعة الإخوان المُسلمين هي محل جدٍل واستنكار من فئة كبيرة من شباب التنظيم ممّا وقعوا فيه من أخطاء استراتيجية وعدم تقديم خطاب منطقي يُقنع الشباب المُستمع بِعُمق أزمة الجماعة مع النظام المصري، فضلًا عن فشل القيادة الحالية في تجميع الصف مرةً أُخرى، مع التصويب على التجاهل والتعالي في الاعتراف بالأخطاء والتمسك المُميت بالمناصب الإدارية العُليا داخل الجماعة.
في وقتنا الحالي هل تصنف/ينَ نفسك إخوان/ إخوانية؟
وضعنا 3 خيارات للفئة المبحوثة وجاء 88 من الردود من أصل 90 على النحو التالي من الأعلى إلى الأدنى.
1- لا 38.6%
2- ربما 31.8%
3- نعم 29.5%
ليس غريبًا أن يأتي القدر الأكبر من العينة بتركها للجماعة ونفي تصنيفها بأنها تنتمي للإخوان بقدر ما هو غريب أن تأتي النسبة الثانية بـ رُبما ممّا يدُل على تيه بوصلة شريحة ليست هينة تجاه التنظيم نفسه، فمع انعدام أو شحةِ وسائل التواصل بين الجماعة وأفرادها بسبب القبضة الأمنية على أفرادها يبدو شباب التنظيم تائهًا في تصنيف نفسه إخوان أو لا إخوان.
كيف تُقيّم حالتك النفسية بعد 6 أعوام ممّا حدث؟
جاء الرد على هذا السؤال من 40 شخصًا من المبحوثين من أصل 90. ووضعنا للمبحوثين 3 خيارات، جاءت على النحو النسبي التالي من أعلى إلى أدنى
1- سيئة جدًا 35%
2- سيئة 25%
3- جيدة 22.5%
4- مُمتازة 2.5%
وقد تراوحت النسب الأخرى بين إجابات لثلاثة أشخاص وصفوا حالتهم النفسية بأنها في غاية السوء ممّا أدى بهم العقل للتفكير بالانتحار أو المحاولة لولا حُرمته.
بطبيعة الحال لا يمكن الاستهانة بما جرى لشباب تنظيم الإخوان خلال الـ 6 سنوات الماضية، من مات صاحبه أو أخاه أو أباه أمام عينه، ومن تعرض للاعتقال والتعذيب بشتى أنواعه، ومن اعتقلت أسرته بشكلٍ كامل، أو تعرضت أُخته لانتهاك بعينه أو تغرب في بلدٍ وحيدًا لِيُكمل حياته دون عائلته أو رفاقه. لذلك من الملاحظ بقوة أن الحالة النفسية لهذا الجيل بالغة السوء.
خاتمة
ثمة العديد من الملاحظات التي يمكن الخلوص إليها من هذه الدراسة، من أهمها:
- يمكن رصد مقارنات واضحة بين انشقاقات الجيل الأول (الذي كان بعد ثورة يناير 2011) وبين انشقاقات الجيل الثاني (الذي كان بعد انقلاب 2013)، من أهمها أن انشقاق الجيل الأول وقع في وقت كانت الجماعة فيه في أفضل صورها التنظيمية وتبدو كتنظيم منتصر يجني ثمار صبره الطويل ونضاله الدؤوب، ويكتسح شعبيا كل الانتخابات البرلمانية والرئاسية واستفتاءات الدستور. بينما جاء انشقاق الجيل الثاني في أسوأ محنة تتعرض لها الجماعة عبر تاريخها حيث تحولت إلى فصيل مسحوق يتوزع أفراده بين السجون والمنافي والقبور.
- كان انشقاق الجيل الأول علنيا صاخبا، ولم تستطع الجماعة احتواءه رغم كونها القوة الشعبية الأولى، وأما انشقاق الجيل الثاني فقد جاء مكتوما صامتا، وتبدو الجماعة أعجز من أن تستطيع توقيفه أو احتواءه.
- يغلب على انشقاق الجيل الأول الخلاف الفكري الواسع مع المنظومة الإخوانية وقيادتها وأسلوبها في العمل وطريقة الهيكل التنظيمي المركزي، ومع استمرار هذه الأسباب ضمن دوافع انشقاق الجيل الثاني، إلا أن التعمق في تحليل دوافعهم يقول بأن المشكلة لم تكن فكرية أو تنظيمية بقدر ما كانت اعتراضا على الفاعلية والإنجاز، إذ قلَّت مساحة التعليق على نقد المنظومة المركزية والهرمية داخل الجماعة.
- في الحالتين أخفقت الجماعة في احتواء موجتي الانشقاق، ويبدو هذا الإخفاق طبيعيا في ظل قناعة الإدارة العليا للجماعة كما تبدو في تصريحاتهم ومواقفهم المعلنة من تجاهل الانشقاق والتقزيم من حجمه وآثاره. مما يشير إلى خلل في قدرة الاحتواء لدى قيادة الجماعة.
- كانت لدى الجيل الأول من المنشقين فرصٌ كثيرة للعمل بعيدا عن الإخوان، وسعى بعضهم إلى تأسيس أحزاب وتجمعات سياسية وشبابية مختلفة، بينما لم تتح هذه الفرصة للجيل الثاني من المنشقين. في النهاية فإن انسداد الأجواء في مصر قد حطَّم كل هذه الفرص التي كانت متاحة أمام الجيلين، لكن الفارق الذي يمكن ملاحظته أن أغلب أفراد الجيل الأول يبعد أن يفكروا في العودة إلى صفوف الإخوان إذا تغيرت الظروف، أما الجيل الثاني من المنشقين فلا يزال احتمال عودتهم قائما إذا تغيرت هذه الظروف، ذلك أن انشقاقهم كان بدافع الإخفاق والعجز والسخط على قيادة الجماعة ولم تكن مراجعات فكرية جوهرية.
- بقي دور الأخوات المسلمات منزويا إلى الظل في الحالتين، إذ يبدو أنهن لا زلن أكثر تحفظًا وأقل انتقادًا من الشباب بشأن التنظيم وأفكاره واستراتيجياته، وذلك يرجع إلى أهمية مضمون دورهم اللوجيستي في الجماعة وتأخر الدور الفكري والتنظيمي والقيادي والحركي منذ نشأة الجماعة إلى الآن[37].
الهامش
[1] شاب رقم 1 – في مرحلته الجامعية من أسرة إخوانية – والده عضو عامل بالجماعة كما ذكر لنا- ترك الجماعة بعد 2013 – مقابلة أجراها الباحث عام 2019.
[2] شاب رقم 2 – ترك الجماعة بعد 2013 – أنهى مرحلته الجامعية مُنذ عامين – مقابلة أجراها الباحث عام 2019
[3] شاب رقم 4 – اعتبره الإخوان مؤيد بحد وصفه ورفض انتقاله لِمُنتسب اعتراضًا على استمراره في الجماعة – مقابلة أجراها الباحث مع الشاب عام 2019
[4] حسن البنا، رسالة المؤتمر الخامس، على الرابط: https://bit.ly/2nC7Xkn
[5] شاب رقم 3 – اعتقل لفترة بعد أحداث 3 يوليو 2013 وأفرج عنه – حوار بين الباحث والشاب عن كواليس الأفكار ومناقشاتِها داخل المعتقل
[6] حسن البنا، رسالة المؤتمر الخامس، مرجع سابق.
[7] زهرة العلا، البحث عن المحضن الآمن: لهذه الأسباب تنتمي النساء للإخوان المُسلمين، موقع ميدان، 12 فبراير 2019، الرابط: https://bit.ly/2kmbr9q
[8] شاب رقم 2 – مقابلة أجراها الباحث عام 2019.
[9] شاب رقم 3 – اعتقل لفترة بعد أحداث 3 يوليو وأفرج عنه – حوار بين الباحث والشاب عن كواليس الأفكار ومناقشاتِها داخل المعتقل
[10] محمود عبد العال، مراجعة كتاب الدين والهوية والسياسة للدكتور خليل العدناني، مجلة سياسات عربية، العدد 30، رابط: https://bit.ly/2m4kvQH
[11] ابن خلدون، مقدمة بن خلدون، ط1 (دمشق: دار يعرب، 2004م)، المجلد الأول.
[12] حسن البنا، رسالة المؤتمر الخامس، ورسالة التعاليم، مرجع سابق.
[13] محمود عبد العال، مرجع سابق، ص132.
[14] شاب رقم 3 – اعتقل لفترة بعد أحداث 3 يوليو وأفرج عنه – حوار بين الباحث والشاب عن كواليس الأفكار ومناقشاتِها داخل المعتقل
[15] قصص المعتقلين – موقع حملة باطل – فيديو – رابط https://bit.ly/2mqeiPr
[16] حسام تمام، ترييف الإخوان، الموقع الرسمي للدكتور حسام تمام. رابط https://bit.ly/2kRNXt5
[17] شاب رقم 3 – اعتقل لفترة بعد أحداث 3 يوليو وأفرج عنه – حوار بين الباحث والشاب عن كواليس الأفكار ومناقشاتِها داخل المعتقل
[18] جاسم سلطان، أزمة التنظيمات الإسلامية: الإخوان المسلمين نموذجًا، ط1 (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2015م)، ص161.
[19] شاب رقم 5 – سبق له الاعتقال لمدة عام تقريبًا – كان مُنتميًا للإخوان منذ الصغر ثم تركهم عام 2016 – كان أحد الشباب المؤسسين لجماعة الضغط في حملة انتخابات محمد مرسي [أولتراس نهضاوي] – وإحدى مسؤولي العمل الطلاب في جامعته عام 2015.
[20] شمولية الإسلام – موقع إخوان ويكي – رابط https://bit.ly/2kScheg
[21] ياسر فتحي، بحث اتجاهات شباب جماعة الإخوان المسلمين في مصر، مؤتمر الجيل والانتقال الديمقراطي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، سبتمبر 2017 رابط https://bit.ly/2miRzVh
[22] شاب رقم 1 – في مرحلته الجامعية من أسرة إخوانية – والده عضو عامل بالجماعة كما ذكر لنا- ترك الجماعة بعد 2013 – مقابلة أجراها الباحث عام 2019.
[23] شابة رقم 1 – تربت في أسرة إخوانية والتحقت بالجماعة بالإرث، طالبة بكلية الصيدلة – حوار أجراه الباحث عام 2019
[24] شابة رقم 2 – انضمت لتنظيم الإخوان مُنذ الصغر – بكالوريوس كلية العلوم – حوار أجراه الباحث عام 2019
[25] سامية علام، الأخوات المسلمات في مصر: أين ذهبنّ وأين اختفت خلاياهنّ؟، موقع رصيف 22، رابط https://bit.ly/2mR2XbJ
[26] شابة رقم 1 – تربت في أسرة إخوانية والتحقت بالجماعة بالإرث، طالبة بكلية الصيدلة – حوار أجراه الباحث عام 2019
[27] انظر: مؤتمر شباب الإخوان المسلمين، قناة الجزيرة مباشر، رابط: https://bit.ly/2m6A2j8 ؛ ضحى سمير، الإخوان المسلمون: سياسات الفجوة الجيلية في حقبة ما بعد الثورة، مجلة عمران، العدد 9، صيف 2014، ص147 وما بعدها.
[28] شاب رقم 1 – في مرحلته الجامعية من أسرة إخوانية – والده عضو عامل بالجماعة كما ذكر لنا- ترك الجماعة بعد 2013 – مقابلة أجراها الباحث عام 2019.
[29] شاب رقم 6 – اعتقل لمدة عام بعد أحداث 3 يوليو/تموز عام 2013 – ترك أي صلة تربطه بالإخوان سواء على المستوى الفكري أو التنظيمي – مقابلة أجراها الباحث عام 2019
[30] كارل مانهايم: عالم اجتماع ويعتبر مؤسس علم الاجتماع المعرفي، انظر: مفهوم الجيل وتطوراته عند كارل مانهايم، رابط https://bit.ly/2mdt8se
[31] انظر مذكرات وسرديات المُنشقين من الجيل الوسطي للجماعة:
عبد المنعم أبو الفتوح، شاهد على الحركات الإسلامية، ط1 (القاهرة: دار الشروق، 2010م).
السيد عبد الستار المليجي، تجربتي مع الإخوان من الدعوة إلى التنظيم السري، ط1 (القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، 2009م).
جاسم سلطان، أزمة التنظيمات الإسلامية: الإخوان المسلمون نموذجًا، مرجع سابق.
[32] شاب رقم 6 – اعتقل لمدة عام بعد أحداث 3 يوليو/تموز عام 2013 – ترك أي صلة تربطه بالإخوان سواء على المستوى الفكري أو التنظيمي – مقابلة أجراها الباحث عام 2019
[33] تحليل بيانات واستطلاع رأي مكون من 41 نقطة لعدد 90 شابا/شابة قد التحقوا بتنظيم الإخوان من قبل سواء تركوه مؤخرًا بعد يوليو/تموز 2013 أم لم يتركوه
[34] شاب رقم 7 – ترك الجماعة مُنذ فترة – والده عضو عامل بالتنظيم – كان من مسؤولي إحدى حركات الضغط [أولتراس نهضاوي] قبل تفكيكه. حوار مع الشاب عام 2019.
[35] شاب رقم 8 – بكالوريوس الإعلام والصحافة – رفض الانتماء للتنظيم مُنذ صغره – نشأ في أسرة تنتمي للجماعة – والده عضو مجلس شورى الجماعة
[36] شاب رقم 5 – سبق له الاعتقال لمدة عام تقريبًا – كان مُنتميًا للإخوان منذ الصغر ثم تركهم عام 2016 – كان أحد الشباب المؤسسين الجماعة الضغط في حملة انتخابات محمد مرسي [أولتراس نهضاوي] – وإحدى مسؤولي العمل الطلاب في جامعته عام 2015.
[37] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.