fbpx
ترجمات

شهادة شخصية: الديكتاتوريون لا يحفظون الاستقرار

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

في 13 أبريل 206، نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، مقالة رأي للكاتبة “لورين كوسا”، والتي عملت لدى وزارة الخارجية الأمريكية من 2008 حتى يناير 2016 وغطت ملف حقوق الإنسان لمكتب مصر من 2010 وحتى 2012، وتعمل حاليا على إصدار كتابها الأول المستوحي من تجاربها في المنطقة، وجاء نص المقالة كما يلي:

القادة الديكتاتوريون لا يحفظون استقرار الشرق الأوسط. هم فقط يخلقون المزيد من الإرهابيين.

ذلك ما اكتشفته بنفسي أثناء عملي على الشرق الأوسط لدى وزارة الخارجية.

“نحن بحاجة إلى المستبدين ليحفظوا استقرارها” .. في مقابلة شهيرة أكد “تيد كروز”: “إن الشرق الأوسط كان أكثر أمانا عندما كان صدام حسين ومعمر القذافي في السلطة”. وقال “راند بول”: “إن الفوضى الحالية سببها إسقاط الزعماء الديكتاتوريين. وحتى “بيرني ساندرز” قال أثناء ظهوره في برنامج “واجه الصحافة”: “إنه على الرغم من أن غايتنا العليا هي الديمقراطية، فإن المنطقة ستكون أكثر استقرارا تحت قادة ديكتاتوريين”.

ولكن عندما عملتُ على سياسة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية، رأيت بالضبط كم يزعزع الديكتاتوريون الاستقرار بالمنطقة. انصب عملي على مصر وعلى حقوق الإنسان بصفتي موظفة مختصة بشؤون حقوق الإنسان بمكتب مصر من عام 2010 حتى 2012.  وهناك رأيت نهج حكومة حسني مبارك الوحشي  يعصف باستقرار البلاد.

خلال عملي بالمكتب، شاهدتُ حكومة مبارك تُضعف وتُفكك ذات المؤسسات التي كان بإمكانها تعبيد الطريق نحو دولة أكثر استقرارا وسلاما، و ذلك من خلال تضييق إمكانيات تأسيس الأحزاب السياسية لتشمل فئات دون أخرى، والتحكم فيما يمكنلتلك الأحزاب قوله، وتزوير الانتخابات. منعت الحكومة الأحزاب السياسية المصرية المعارضة من اكتساب الخبرة، ومن خلال سعيها للتحكم بأنشطة وتمويل منظمات كالمعهد الديمقراطي الوطني، والمعهد الجمهوري الدولي، والمؤسسة الدولية للنظم الانتخابية، حدّت الحكومة من فرص حصول المصريين على التدريب السياسي المهم على العمليات الديمقراطية.

وأحيانا تعاملتُ الحكومة بأسلوب مباشر، لقد قابلتُ نشطاء مصريين ليبراليين كانوا قد اعتقلوا على خلفية آرائهم السياسية، وصحفيين سجنوا على إثر كتاباتهم، وآخرين تعرضوا للعنف على يد قوات الأمن المصرية، معظمهم أرادوا بإخلاص تحسين حكومتهم والمساهمة في بناء الجسور بين الحكومة وشعبها، كان بإمكانهم أن يكونوا شركاء يساعدون الحكومة في معالجة مظالم الناس، لكن غالبا ما كانوا يقابَلون بالتضييق أو أسوأ من ذلك. لن أنسى أبدا لقائي بمدون جريء كان قد تعرض للتهديد والاحتجاز من قبل قوات الأمن، أخبرني كم جرح مشاعره أن البلد التي أحبها وأراد مساعدتها كانت هي التي تضطهده. ولن أستطيع كذلك نسيان السياسي الذي كان يتوق ليترشح تحت راية قيم ديمقراطية ليبرالية، ولكن كان عضوا بأحد الأحزاب السياسية الكثيرة التي حُرمت من حق التشكل تحت حكومة مبارك.

هؤلاء هم الناس والجماعات الذين كانوا يمكن أن يساعدوا في إعداد مصر لعملية انتخابية قوية، كان بإمكان مرشحي المعارضة الموهوبين في مصر، لو مُنحوا الفرصة ليتدربوا، أن يخوضوا حملات أكثر قوة، ومجتمع مصر المدني، لو أُعطي الفرصة لينمو، لكان بإمكانه تهيئة الأجواء لتنافس سياسي حول قضايا حقيقية، ولكن لم تتح لهم أبدا فرصة التدريب.

تضييق مبارك العنيف على الساحة السياسية مهد الطريق للثورة المصرية في 2011، انتخابات نوفمبر 2010 التي سبقت الثورة اعتبرت إحدى أكبر حالات التزوير في تاريخ مصر الحديث، وصل المصريون إلى قناعة بأن حكومة مبارك على استعداد لاتخاذ أية إجراءات للبقاء في السلطة، حتى لو قامت بممارسات وحشية ضد مواطنيها. كان الضرب المفضي إلى الوفاة الذي تعرض له الشاب المصري “خالد سعيد”، البالغ من العمر 28 عاما– والذي انتشرت صورته على نطاق واسع – على يد رجال الشرطة شرارة حولت غضب المصريين إلى مطالبات بالتغيير، أو بعبارة صديق مصري، “لم نستطع إبعاد تلك الصورة عن مخيلتنا.” انهارت شرعية الحكومة مع تضاؤل احتماليات الإصلاح. بعبارة أخرى: “خلق مبارك الفوضى التي ترتبت على رحيله”.

ومع القلق المتزايد حيال الإرهاب، يغدو هذا الدرس أكثر أهمية من أي وقت مضى: إن اصطفافنا مع زعماء إقليميين مستبدين قد يحفظ الاستقرار في الأجل القريب، لكنه يؤذينا على المدى البعيد، الإرهاب يزدهر حيث يرى الناس أن الحكومة لم تعد تعمل لصالحهم. وحقوق الإنسان تلعب دورا هاما في تلك المعادلة.

النشطاء والسياسيون المصريون الذين قابلتهم آمنوا بشدة بمصر ديمقراطية، ولكن مُنعوا أثناء حكومة مبارك من بناء ما يحتاجونه من كيانات سياسية ومجتمع مدني لينجحوا. دون التدريب السياسي المتحرر من القيود، وحرية التعبير، والقدرة على تشكيل التحالفات حول الأهداف المشتركة، فلا يمكن أن تنمو الديمقراطية بشكل كامل أو يتحقق الاستقرار الحقيقي.

لقد أدى قمع مبارك العنيف بشعبه إلى شعور بالاغتراب، حيث عملت حكومته على إخماد المجتمع المدني وبدايات الحركات الديمقراطية الليبرالية الصغيرة، حتى يبدو الأمر أنه لا توجد بدائل، وخلقت حكومته صورة خادعة بأن خيارات الولايات المتحدة محصورة بينه وبين الإسلاميين الراديكاليين.

ليس سرا أن الشرق الأوسط مشتعل وأن الإرهاب يمثل تهديدا حقيقيا في مصر وفي شتى أنحاء المنطقة، لكن العدو الأكثر إخافة يُخلق عندما نتوقف عن مساءلة الحكومات وفقا للقيم العليا لشعوبها، إن الطريق الأمثل للفوز هو تغذية الحركات الديمقراطية الصغيرة، وتشجيع الدول التي يؤمن مواطنوها بأن لهم مستقبلا ومصلحة يراهنون عليها.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close