ترجماتسيناء

صفقة ترامب ستزيد من سفك الدماء في سيناء


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


نشر الدكتور عمرو دراج، رئيس المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية ووزير التخطيط والتعاون الدولي السابق في مصر، بتاريخ 3 يوليو 2019، مقالة رأي في موقع ميدل إيست آي البريطاني تحت عنوان: “في سيناء، ’ صفقة القرن‘ التي يرعاها ترامب ستؤدي إلى المزيد من سفك الدماء”، وجاءت على النحو التالي:

 ستجعل خطة الرئيس الأمريكي للسلام (المعروفة بـ صفقة القرن) الصراع في سيناء أكثر دموية، وأكثر تدميراً، وستساهم في إطالة أمده لفترة طويلة.

لم يحضر أي من المسؤولين الفلسطينيين أو الإسرائيليين في ورشة “السلام من أجل الازدهار” التي أُقيمت في المنامة، البحرين، برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. لقد كان هذا الحدث الذي استمر لمدة يومين ووصفه البيت الأبيض بأنه “رؤية لتمكين الشعب الفلسطيني” يفتقر حتى إلى متحدث رسمي باسم كل دولة من الدول المشاركة فيه.

كانت الورشة هذه مجرد خطوة واحدة ضمن مخطط أوسع بكثير للمنطقة. وكان المصطلح الذي تم استخدامه في منشورات الورشة المتداولة هو “فلسطين الجديدة“، التي يُعتبر إقامتها هو الهدف النهائي لـ “صفقة القرن” التي يرعاها ترامب.

حل الدولة الجديدة

تقوم “صفقة القرن” على فكرة مؤداها أنه يجب تجاهل ما يسمى بحل الدولتين من أجل إنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. كما يجب أيضاً رفض “حل الدولة الواحدة”، التي يمكن أن يعيش فيها كل من العرب (مسيحيين ومسلمين) واليهود جنباً إلى جنب في إطار دولة ديمقراطية.

إن مناط الخطورة في التفكير على هذا النحو (بالنسبة لإسرائيل) هو أنه سيهدد توصيف “إسرائيل” على أنها وطن ذو سيادة للشعب اليهودي، ويخاطر بتحويلها إلى دولة للفصل العنصري.

ولذلك تم التفكير في “حل الدولة الجديدة” بدلاً من ذلك. وستكون “فلسطين الجديدة” (حسب صفقة القرن) والتي تضم قطاع غزة الموسع ونصيب أصغر من الضفة الغربية وبعض المناطق على أطراف القدس، بمثابة الوطن الجديد والدائم للشعب الفلسطيني. وقد اعترف مهندس الصفقة، مستشار ترامب وصهره جاريد كوشنر، هذا الأسبوع بحق الفلسطينيين في “تقرير المصير” – لكنه رفض في الوقت نفسه دعم حقهم في “إقامة الدولة الفلسطينية”.

إن مما يثير القلق أن إدارة ترامب نفسها تشك في إمكانية تطبيق “حل الدولة الجديدة”، حيث ذكرت صحيفة واشنطن بوست أنه خلال اجتماع مغلق له مع الزعماء اليهود، قال وزير الخارجية مايك بومبيو “قد يجادل المرء” بأن الخطة “غير قابلة للتنفيذ” وقد “لا تكتسب قوة دفع” (لضمان نجاحها على الأرض).

  وعلى الرغم من ذلك، فإن المشاركين في هذه الصفقة سيمضون قدماً فيها. ويُعتبر الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر من الداعمين الرئيسيين لهذه الخطة، التي يصفها أحد الزعماء الفلسطينيين بأنها “تصفي” القضية الفلسطينية.

ويتآمر السيسي لتخصيص مساحات شاسعة من الأراضي في شبه جزيرة سيناء لتوطين الفلسطينيين. وتقول مصادر في غزة إنه سيتم توسيع القطاع ليمتد من رفح إلى العريش وبعض أجزاء من شمال سيناء، والتي ستظل تحت السيطرة المصرية.

مشكلة السيسي

وتزعم التقارير أن هناك خطة لإقامة العديد من المشاريع الضخمة، بما في ذلك إقامة مطار وميناء ومنطقة صناعية ومحطات لتوليد الطاقة. وبالطبع، فإنه لن يتم تسويق هذه المشاريع للمصريين على أنها ستُقدم على سبيل الهبة، وإلا فسيتم رفضها من الشعب المصري رفضا باتاً.

وبدلاً من ذلك، فسيتم التسويق لذلك باعتبار أن شبه جزيرة سيناء ستصبح “منطقة حرة” تحت الإدارة المصرية، حيث سيتم السماح للفلسطينيين بالعمل، والإقامة بشكل مؤقت، وتوفير فرص العمل وإمكانية التنمية لكل من المصريين والفلسطينيين.

لكن هذا محض زيف. فالسيسي يواجه مشكلة بخصوص سكان شبه جزيرة سيناء في الوقت الحالي، ويجب عليه أن يحلها من أجل أداء دوره في إطار خطة الإدارة الأمريكية الكبرى.

إنها مشكلة يقوم بحلها باستخدام القوة.

نشرت منظمة هيومان رايتس ووتش في مايو تقريراً أوردت فيه تفاصيل عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكب في سيناء بشكل مروع. فعلى مدى ثمانية أعوام، نفذ الجيش والشرطة المصرية بشكل ممنهج عمليات الاعتقال والاخفاء القسري والتعذيب والتهجير القسري والقتل خارج نطاق القانون هناك.

وأسفرت الهجمات الجوية والبرية، التي دعمتها إسرائيل، عن مقتل عشرات المدنيين، بمن فيهم الأطفال. وكان السيسي طوال الوقت يزعم أن ذلك يتم في إطار “مكافحة الإرهاب” كحجة للتغطية على الفظائع التي ترتكبها قواته هناك. وبحسب تقرير هيومان رايتس ووتش، فإن بعض الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الحكومية والمسلحون في سيناء قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.

ومنذ الانقلاب العسكري الذي قام عام 2013، لم يكف السيسي أبداً عن إبداء ازدرائه للشعب المصري أمام العالم. واليوم، هو على استعداد لقتل وتشويه وتهجير هؤلاء الناس بحماس أكبر لخدمة أجندات الآخرين. ولن يقبل الشعب المصري مخططه هذا أبداً.

ولن يقبله الفلسطينيون أبداً هذه الخطة أيضاً. وبالرغم من ذلك، فهو مستمر في تنفيذ مخططه بغض النظر عن عواقبه. ومن خلال قيامه بذلك، فإنه يتسبب فقط في خلق مصدر رئيسي آخر لعدم الاستقرار في بلد يسير بالفعل نحو الهاوية.

وفي ظل هذه الدوامة التي صنعها السيسي بنفسه، فسترتفع وتيرة الجرائم التي ميزت نظامه حتى الآن من حيث عددها ودرجة خطورتها. وسيتم تكميم وقمع وخنق مزيد من الناس. وسوف يموت المزيد. وستقترب مصر أكثر فأكثر من كارثة فشل الدولة بالكامل، والتي ستهز آثارها المنطقة والعالم بأسره.

التردي إلى الفوضى

إن هذه الآثار السلبية، إن لم تكن تدوس على القيم التي تزعم القوى الغربية أنهم يحملونها، فإنها يجب أن تثير قلقهم على الأقل. فالغرب يغض الطرف عن حملة العنف التي يقوم بها السيسي لأنهم يعتقدون أن نظامه يخدمهم بطرق أخرى.

وكما هو الحال في تعامله مع الجنرال الليبي خليفة حفتر، الذي تقول منظمة العفو الدولية إنه قد يكون قد ارتكب جرائم حرب، فقد عمل الغرب على مبدأ أن “الرجل القوي” هو أفضل ضامن للاستقرار.

ومع ذلك، فإن كلاً من ليبيا ومصر تنحدران بوتيرة متسارعة نحو الفوضى؛ وتمثل موجات الهجرة التي ستتبع ذلك تهديداً وجودياً لقارة تعاني بالفعل من تصاعد النزعة القومية بها.

وتُعتبر إدارة ترامب، وحكومة إيمانويل ماكرون، والحكومات الغربية الأخرى شركاء في الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت بالفعل في سيناء.

إنهم متواطئون بنفس القدر في القمع والقسوة التي ميزت الفترة التي قضاها السيسي في السلطة على مدى ست سنوات وحتى الآن. ولديهم الآن فرصة لإدانة “صفقة القرن” وسحب دعمهم لها، سواءً كان ذلك بشكل علني أو من وراء الكواليس – وهي صفقة يعرفون أنها لن تنجح، وأنها ستجعل الصراع في سيناء أكثر دموية، وأكثر تدميراً، وستساهم في إطالة أمد هذا الصراع لفترة طويلة.


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


د. عمرو درّاج

سياسي وأكاديمي مصري، رئيس المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، وزير التخطيط والتعاون الدولي في حكومة الرئيس محمد مرسي، 2013.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى