فاينانشال تايمز: مشاكل الشرق الأوسط تمتد إلى ما هو أبعد من غزة
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
نشرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية في 25 يوليو 2024 مقالاً بعنوان: “مشاكل الشرق الأوسط تمتد إلى ما هو أبعد من غزة” لـ “كيم غطاس”، الباحثة المتميزة في معهد السياسة العالمية بجامعة كولومبيا والمحررة في الصحيفة البريطانية، حيث ترى أنه “لا يمكن حل شيء حتى يتم حل كل شيء” بشأن تلك المشاكل المتجذرة في منطقة الشرق الأوسط.
وقد جاء المقال على النحو التالي:
يهيمن كل ما يتعلق بالأحداث الفلسطينية الإسرائيلية على الأخبار عن الشرق الأوسط هذه الأيام. فمن خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المثير للجدل أمام الكونجرس الأمريكي إلى محكمة العدل الدولية التي قضت بأن استمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية يشكل انتهاكا للقانون الدولي، أصبح هذا الأمر هو الموضوع الوحيد الذي تتم مناقشته تقريباً (مع وجود قدر ضئيل من الاهتمام باتفاق دفاع سعودي-أمريكي محتمل).
ومن الطبيعي أن تحظى الحرب المدمرة على غزة والتي استمرت لتسعة أشهر حتى الآن، والتي اندلعت في أعقاب الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية حماس (على المستوطنات في غلاف غزة) في السابع من أكتوبر، بكل هذا القدر من الاهتمام. ولكنها تشكل أيضاً ستاراً من الدخان يفيد الزعماء الاستبداديين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط الذين يستغلون هذا الوقت لمزيد من تآكل الحريات في العالم العربي.
ففي شهر مايو، قام حاكم الكويت بحل برلمان البلاد الصاخب الذي تهيمن عليه المعارضة، وهو وضع نادر في الشرق الأوسط، وإيقاف تفعيله لمدة تصل إلى أربع سنوات. وفي ظل الوضع الحالي في غزة، لم يتصدر هذا القرار عناوين الصحف. وفي الشهر نفسه، اعتدت الشرطة التونسية على محامين واعتقلتهم وداهمت مكاتب نقابة المحامين، كجزء من حملة مستمرة على المعارضة. ولم يكن هناك سوى القليل من الاهتمام الدولي تجاه ذلك. وفي شهر يوليو، عقدت دولة الإمارات العربية المتحدة محاكمة جماعية لنحو 80 من المعارضين والناشطين السياسيين، وأصدرت 43 حكماً بالسجن مدى الحياة بتهمة ارتكاب جرائم “إرهابية” مزعومة. وتم الاحتفاظ بمعظم التفاصيل حول ذلك سرية.
وفي نفس الوقت، كشف عبد العزيز المزيني، صانع أفلام الرسوم المتحركة الشهير الذي يعمل بعقد لمدة خمس سنوات مع نيتفليكس، أنه قد حُكم عليه بالسجن لمدة 13 عاماً، رغم أنه لا يزال حراً طليقاً في وطنه. ويبدو أن أحد رسومه المتحركة قد أسيء فهمه على أنه مؤيد لتنظيم الدولة الإسلامية، وتم اتهامه بدعم الإيديولوجية المتطرفة. وفي هذا الأسبوع فقط، اعتقلت مصر رسام الكاريكاتير أشرف عمر الذي انتقد انقطاع التيار الكهربائي المتفشي. وتم تعصيب عينيه واقتياده من منزله إلى مكان مجهول عند الفجر.
وتطول القائمة في ذلك. ولم أذكر حتى ما يحدث قي سوريا والسودان. وقد يزعم البعض أن هذا مجرد أمر عادي في الشرق الأوسط. أو أن السياسة الداخلية والقمع في مختلف أنحاء المنطقة لا علاقة لهما بغزة والقضية الفلسطينية. ومع ذلك، فمن المؤكد أنهما على علاقة وثيقة بها.
فعلى مدى عقود من الزمان، دأبت الأنظمة العربية على سحق المعارضة؛ وقامت بتجميد الإصلاحات، وأدلجة الأطفال، وتضخيم ميزانيات الدفاع على حساب التقدم الاجتماعي، وكل ذلك كان يتم باسم فلسطين. إن المثل العربي الشعبي (القائل: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) والذي يصف توحيد الصفوف في أوقات الحرب يعني تقريباً أنه: لا ينبغي لأي صوت أن يرتفع فوق صوت المعركة – وهذه المعركة هي ضد إسرائيل. وقد استُخدم هذا الشعار، الذي ابتكره لأول مرة الرئيس جمال عبد الناصر في مصر، لإسكات الانتقادات ضده بعد هزيمته في حرب عام 1967 التي استمرت لستة أيام.
وبعد عقود من الزمان، انطلقت الانتفاضات العربية في عام 2011 ضد هذا التضييق الخانق على الشعوب. وخرج الملايين إلى الشوارع مطالبين بالحرية والعدالة وتحسين مستويات المعيشة. ولم يكن هذا نبذاً لأهمية القضية الفلسطينية في قلوب العرب. لكن الناس بدأوا يدركون أن التركيز على هذه القضية فقط على حساب كل شيء آخر كان يشكل عائقاً في طريق تقدم المنطقة.
ولكن الثورات المضادة قضت على آمال المحتجين من مصر إلى سوريا. والآن، حوّلت الحرب في غزة الانتباه مرة أخرى إلى فلسطين، الجرح المتقيح، والقضية العاطفية العميقة، التي تؤجج مشاعر الناس من القاهرة إلى نيويورك إلى كوالالمبور – حيث هي القضية التي لا تزال تضع الحكومات العربية على خلاف مع مواطنيها.
لقد تم إسكات مظاهر تعبير الجماهير عن دعمهم لغزة في دول الخليج حيث تتراوح دوافع الحكام بين الحفاظ على استقرار الأنظمة واستمرار علاقاتهم مع إسرائيل. حيث ناضل الأردن لاحتواء الاحتجاجات الغاضبة المؤيدة للفلسطينيين والتي كانت تهدد بالتحول إلى احتجاجات مناهضة للحكومة. وسمح الزعيم المصري لفترة وجيزة بالاحتجاجات المؤيدة لغزة، وبدلاً من ذلك وجد بعض الحشود تهتف: “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”. وامتدت حملة القمع ضد التضامن الفلسطيني أيضاً إلى “إسرائيل” نفسها، حيث استهدفت الحكومة الإسرائيلية كل من اليهود الإسرائيليين والمواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
إن الصراع الآن يستخدم أيضاً في واحدة من أسوأ حالات “الاستخفاف” التي يمكن أن نتخيلها – وذلك من خلال استخدام استراتيجية الرد على الاتهام باتهام مضاد. حيث يزعم البعض أنه من غير المقبول مناقشة الحرب المستمرة التي يشنها الرئيس السوري بشار الأسد ضد شعبه بسبب موقفه التقليدي المناهض لإسرائيل، ولسان الحال: “هل رأيتم ما تفعله إسرائيل؟” بينما يرد آخرون في المقابل بعكس ذلك، من خلال الجدال بأن: إسرائيل تقتل الفلسطينيين؟ فماذا عن مئات الآلاف الذين قتلهم بشار؟”
لن يتم حل المشاكل النظامية في الشرق الأوسط بطريقة سحرية إذا ما نشأت دولة فلسطينية أولاً. ولكن بنفس القدر، لن يكون هناك تقدم مستدام في المنطقة الأوسع نطاقاً دون حل معضلة أطول احتلال في العصر الحديث. إن الظلم والإفلات من العقاب يغذيان بعضهما البعض في حلقة مفرغة لا نهاية لها تمتد من دمشق إلى غزة، ومن بيروت إلى رام الله.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.