فرنسا الدولية: مصر مذعورة من انتصار الإسلاميين في سوريا
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
نشرت إذاعة فرنسا الدولية (RFI) الحكومية التي تعمل تحت إشراف وزارة الخارجية الفرنسية في 4 يناير 2025 تقريراً بعنوان: “مصر مذعورة من انتصار الإسلاميين في سوريا”، حيث يقول التقرير إن سيطرة الإسلاميين على سوريا أصابت النظام المصري بالذعر وجعلها تتعامل بحذر شديد مع الوضع الجديد وتتحسب حيال علاقاتها المستقبلية بالإدارة السورية الجديدة، حيث تأتي هذه التطورات بعد سنوات من وصول الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في مصر بعد الانقلاب العسكري الذي قاده ضد الرئيس الراحل محمد مرسي المنتخب بطريقة ديمقراطية
وقد جاء التقرير على النحو التالي:
أدى استحواذ الإسلاميين على السلطة في سوريا إلى وضع مصر في حالة من القلق الشديد والترقب، الأمر الذي دفعها إلى الاتجاه إلى تقييم علاقاتها المستقبلية (في ضوء تلك التطورات) بحذر بالغ، وذلك بعد سنوات من وصول الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى السلطة بعد الإطاحة بحكومة جماعة الإخوان المسلمين (المنتخبة ديمقراطياً).
وكانت مصر قد دعمت الرئيس السوري بشار الأسد حتى اللحظة الأخيرة، ولكن مع إحكام الإسلاميين من هيئة تحرير الشام السيطرة على سوريا الآن، فإنها تشعر بالقلق والترقب الشديدين تجاه التأثير الذي يمكن أن يخلفه هذا التغيير الذي حدث هناك.
وقالت ميريسا خورما، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون للأبحاث في واشنطن: “هذا الوضع يخلق بالطبع مخاوف بالنسبة لمصر، خاصة بالنظر إلى تاريخ الإخوان المسلمين في البلاد”.
وبينما تحركت العديد من الدول العربية الأخرى بسرعة للتعامل مع السلطات الجديدة في دمشق، فقد تعاملت القاهرة مع التطورات في سوريا بقدر أكبر من الحيطة والحذر.
وكانت مصر قد أعلنت دعمها للأسد قبل ثلاثة أيام فقط من الإطاحة به من سدة الحكم، بينما انتظر وزير الخارجية بدر عبد العاطي بالمقابل ثلاثة أسابيع قبل الاتصال بنظيره السوري الجديد وحث السلطات الفعلية في دمشق على تطبيق مبدأ الشمولية، أي “أن تتسم عملية الانتقال السياسي في البلاد بالشمولية).
وأكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أن المكالمة بينه وبين وزير الخارجية المصري قد جرت بالفعل، وقال إن البلدين يتقاسمان دوراً مشتركاً في “تحقيق الاستقرار والازدهار للمنطقة”.
وفي يوم السبت،4 يناير 2025، هبطت طائرة مساعدات مصرية في مطار دمشق تحمل أول شحنة مساعدات إنسانية من القاهرة منذ الإطاحة ببشار الأسد، حسبما أعلنت وزارة الخارجية المصرية.
التعامل بحذر
وفي الأيام التي أعقبت الإطاحة بالأسد، كانت تعليقات السيسي تنطوي على عدم الالتزام.
وقال: “إن أولئك الذين يحق لهم اتخاذ القرارات في سوريا هم أهل البلاد أنفسهم”.
وقال في تجمع لشخصيات إعلامية تابعة للدولة: “ويمكنهم إما تدميرها أو القيام بإعادة بنائها”.
وقالت ميريت مبروك، كبيرة الباحثين في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، لوكالة فرانس برس: “كان رد فعل مصر يتسم بالحذر الشديد. فهناك لديك جهات فاعلة غير حكومية وكذلك إسلاميون، وكلاهما يشكلان مؤشرات حمراء بالنسبة لمصر”.
وعلى الصعيد المحلي، تحركت القاهرة ضد أي احتمال بأن تؤدي الأحداث الأخيرة في سوريا إلى إثارة الاضطرابات في الداخل.
وبحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR)، وهي منظمة حقوقية مصرية، اعتقلت قوات الأمن 30 لاجئاً سورياً كانوا يحتفلون بسقوط بشار الأسد، حيث يواجه ثلاثة منهم الترحيل من البلاد.
كما شدّدت السلطات القيود على التأشيرات بالنسبة للسوريين، مطالبة إياهم بضرورة الحصول على تصريح أمني (قبل التقدم للحصول على التأشيرة).
وفي الساعات التي أعقبت الإطاحة بالأسد من الحكم، أشادت وسائل الإعلام الموالية للدولة باستقرار مصر في مواجهة الاضطرابات الإقليمية.
وبثت وسائل الإعلام تلك مونتاجاً يجمع بين مشاهد الاضطرابات والتدريبات العسكرية ومشاريع التنمية، مصحوباً بخطاب كان السيسي قد ألقاه في عام 2017 وادعى فيه أن القوى التي تقف وراء الحرب في سوريا يمكن أن تحول أنظارها إلى مصر.
وقال السيسي آنذاك: “مهمتهم في سوريا قد اكتملت”، مضيفاً أن “وهدفهم الآن هو إسقاط الدولة المصرية”.
وقد تأجج الغضب في مصر بعد نشر صورة على الإنترنت للزعيم السوري الجديد أحمد الشرع وهو يقف إلى جانب محمود فتحي، أحد الإسلاميين السلفيين (رئيس حزب الفضيلة ومؤسس تيار الأمة) الذي حكم عليه بالإعدام غيابياً بتهمة (التحريض على) اغتيال النائب العام المصري السابق هشام بركات.
كما اعتقلت السلطات اللبنانية الناشط المصري المعارض عبد الرحمن يوسف القرضاوي بناء على مذكرة اعتقال مصرية بعد أن احتفل بسقوط الأسد على الإنترنت.
وكان عبد الرحمن يوسف قد دعا إلى تجديد احتجاجات الربيع العربي في عام 2011 التي أطاحت آنذاك بالرئيس المصري الراحل حسني مبارك.
وتبع إزاحة مبارك تنظيم انتخابات ديمقراطية فاز بها الإخوان المسلمون، حتى أطاح السيسي بالحكومة المنتخبة واستولى على السلطة في عام 2013.
ديناميكيات متغيرة
أدى سقوط الأسد إلى قلب التوازن الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط رأساً على عقب، مما أدى إلى تقليص نفوذ إيران في حين عزز نفوذ تركيا بشكل كبير.
ففي حين دعمت إيران نظام بشار الأسد، دعمت الجمهورية التركية المعارضة السورية على مدى عقود من الزمن.
أما بالنسبة لمصر، فإن فوز تركيا (بهذا السباق) هو سبب لإثارة قلق القاهرة، نظراً للتنافس طويل الأمد بين هاتين القوتين الإقليميتين.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قطع العلاقات مع السيسي بعد الإطاحة بحكومة جماعة الإخوان المسلمين (المنتخبة)، وظلت العلاقات بين البلدين مجمدة على مدى عقد من الزمان حتى التقارب الذي حدث بينهما مؤخراً.
وقال ديفيد شينكر، وهو دبلوماسي أمريكي سابق كبير وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “بالطبع، هناك البعد الإقليمي، وهو أن هذا الوضع (في سوريا) مدعوم بشكل وثيق من تركيا، المنافس الإقليمي لمصر والنظام المتعاطف مع الإخوان المسلمين”.
وعلى الرغم من التحفظ الأولي من البعض، فقد أقامت دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، بالفعل اتصالات مع حكام سوريا الجدد.
وقال شينكر إن مصر، التي ترى نفسها كقوة إقليمية ذات ثقل كبير، “لن ترغب في تكون في عزلة” في النهج الذي تتبناه بهذا الخصوص.
ولكن، في الوقت نفسه، من المرجح أن يأتي أي دعم مصري (للإدارة السورية الجديدة) مشروطاً.
وقالت ميريت مبروك من معهد الشرق الأوسط إن القاهرة ترغب في رؤية ترتيبات من أجل تقاسم السلطة بين المجموعات المختلفة في سوريا.
وقالت مبروك: “الصورة الأكبر هي بالطبع المخاوف بشأن إمكانية إساءة معاملة الأقليات مما يؤدي إلى عدم الاستقرار الداخلي ومن ثم ينتج عنه اضطرابات إقليمية”.
وأضافت: “بالنسبة لمصر، فإن كل شيء يتلخص في الأمن والمصالح”.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.