fbpx
سياسةترجمات

فورين أفيرز: السيسي ليس مبارك ولكنه أسوأ بكثير

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية الأربعاء 19 ديسمبر مقالاً كتبه ستيفن كوك بعنوان: “السيسي ليس مبارك ولكنه أسوأ بكثير”، وقام المعهد المصري بترجمته على النحو التالي:

لقد واجهت مصر قمعا فظيعاً خلال فترة حكم عبد الناصر والسادات ومبارك، لكن لا شيء من ذلك يشبه فظاعة ما تتعرض له اليوم بشكل متواصل. وقد أثار عبد الفتاح السيسي خلال الأسابيع الماضية الإعجاب من خلال تعليقاته التي استطاعت بجنونها أن تتفوق على تصريحات الرئيس دونالد ترامب التي كان يطلقها أثناء حملاته الانتخابية، فقد قال السيسي في أحد خطاباته المتلفزة: “الوضع كان كده واحنا كده، ورغم إنه كده احنا مشينا كده ودي المعجزة”. بعد أيام قال السيسي في معرض دعوته للمصريين لتخفيف أوزانهم والإقبال على التمارين: “حتى في الإعلام علينا اختيار الضيوف الذين يعتنون بأجسادهم”.

وقد يتساءل المرء عما إذا كان السيسي يعيش حالة انهيار تحت ضغط حكم بلد من الصعب عليه إدارته. فرغم أنه وبلا شك قد حقق نوعا من السيطرة السياسية منذ وصوله إلى السلطة، لكنه من الصعب الحديث عن أن السيسي يحكم في الحقيقة.

لقد عانى المصريون خلال الأشهر الستة الماضية من نقص في البطاطس وشح في المياه، وبدلا من معالجة هذه القضايا التي تحدثت عنها منسقة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تقريرها، فإن الحكومة هاجمتها واستهدفت من قابلتهم أثناء إعدادها التقرير.

ويواجه السيسي في الأساس أزمة في السلطة، فهو غير قادر على استخدام السلطة التي يمتلكها؛ بينما يظن أنصاره أنهم يحلون المشكلة من خلال منحه سلطات أوسع، ويريدون تعديل دستور عام 2014 لتمديد فترة الرئاسة، أو إلغاء القيود على الفترة الرئاسية. وكان المسؤولون في مصر وأنصار السيسي قد تعهدوا في السابق بعدم السماح بحدوث هذا الأمر، وزعموا أن مصر قد تغيرت، وحينها لم يصدقهم أحد، وكان الشك في هذه التصريحات له ما يبرره.

إن تعبيد المصريين الطريق أمام السيسي للبقاء في السلطة بعد فترة أربع سنوات ليس تطورا مفاجئا في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، وقد يقول قائل إن التاريخ يعيد نفسه، إلا أن هذا ليس ما يحدث في الحقيقة، فمصر وخلال الثماني سنوات الماضية لم تتحول عن الخط الديكتاتوري في الحكم.

ويزعم أنصار السيسي أن تمديد فترة الرئاسة ضروري هو من أجل توطيد التغيرات الإيجابية التي قام بها الرئيس منذ وصوله إلى السلطة في يوليو 2103، ويزعمون أن الاقتصاد يتعافى، وأن هناك تطوراً في البنية التحتية، وأن الاستقرار قد عاد للبلاد وأنها قد استعادت مكانتها على المستوى الدولي. وفي زعم هؤلاء فإن كل شيء جاء في الحملة الانتخابية لعام 2014 بعنوان “مصر الجديدة” – التي كانت تبشر بالسلام والازدهار والنمو – إما قد تم إنجازه بالفعل أو في طريقه للإنجاز شريطة أن يظل السيسي في الحكم.

ويتفق معارضو السيسي في الداخل والخارج على أن هناك تغييراً قد حدث، ولكنهم يرون أن هذا التغيير كان للأسوأ، فالاستقرار الحاصل قام على القمع والخوف، فيما أدى قطع الدعم إلى زيادة كلفة الحياة اليومية، بالإضافة إلى أن المؤشرات عن الاقتصاد الكلي، التي تحاول الحكومة الترويج لها، تخفي وراءها الديون التي اقترضتها الحكومة لتقديم هذه الأرقام التي تبدو إيجابية عن النمو ولكن على غير الحقيقة. وبطبيعة الحال فإن منتقدي السيسي لديهم كل الحق، فالنظام في مصر قمعي، الحديث التفاؤلي الذي يصدر من أنصاره يزيد من عدم مصداقيته.

وفي الحقيقة، فإن كلا الفريقين على خطأ في موقفيهما؛ لأن مصر لم تتغير كما يعتقد الكثيرون، ويمكن لقائل أن يقول إن الجيش في “مصر السيسي” قد أصبح أكثر استقلالية، وأنه قد تمدد بعمق في الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد، وهذا الكلام صحيح لو كان الأساس هو المقارنة مع عهد كل من أنور السادات وحسني مبارك، لكن هناك تجارب سابقة لدور الجيش السياسي والاقتصادي، خصوصاً في الفترة بين 1954- 1967.

إن الفرق بين عهد السيسي والفترات التي سبقته هو مستوى القمع الذي استخدمته الدولة ضد الشعب.  فعندما لم يحصل السيسي على الولاء الذي كان ينشده من المصريين نظراً لعدم تقديمه رؤية إيجابية، وعدم الوفاء بالوعود التي قطعها، لجأ الطاغية ومن معه للاعتقالات، والعنف، وحتى القتل، لتركيع المصريين وجعلهم يخضعون لإرادتهم.

كان لدى جمال عبد الناصر رؤية، وحاز على إعجاب واسع، بل إنه كان محبوباً عند الكثيرين. أما أنور السادات فقد بذل جهداً كبيراً لإقناع المصريين برؤيته بخصوص دولة المؤسسات حيث إنه لم يكن يؤمن بها من الأساس، لكنه مع ذلك كان “بطل العبور” لقناة السويس عام 1973، وحصل على شرعية لحكمه حتى ولو كانت لفترة محدودة، فيما لم تكن لدى حسني مبارك رؤية، إلا أنه مع مرور الوقت تعلم كيف يدير مصر.

لقد كان هناك قمع رهيب في عهد عبدالناصر والسادات ومبارك، لكنه لم يكن بنفس درجة القمع الحالي الذي يعد من السمات الأساسية لفترة حكم السيسي، فبينما يدافع أنصار الحكومة عن السيسي وحكومته بحجة أنه يقوم بحماية البلاد من الإخوان المسلمين والمتطرفين، كان السيسي وقواته الأمنية يستهدفون غيرهم من الأطياف؛ ولهذا فمصر السيسي في قمعها للطلاب والصحافيين والناشطين والأجانب، بالإضافة إلى الإخوان المسلمين، لا تختلف عن مصر في العهود السابقة إلا في مستوى هذا القمع، وكما قال أحد المعارضين ساخراً: “السيسي هو مبارك ولكنه يتعاطى المنشطات” (أي يمارس القمع بوتيرة متسارعة).

إن المقارنة بين السيسي وغيره من الطغاة من قبله تمتد أبعد من هذه الفترة، حتى لو اعتقد بعض المراقبين أن تاريخ مصر الحقيقي قد بدأ في 25 يناير 2011، وتحديداً في “جمعة الغضب”، فالسيسي هو الامتداد الطبيعي للنظام الذي حكم مصر أثناء فترة الضباط الأحرار عام 1953، عندما تم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية.

واستطاع النظام إعادة إنتاج نفسه بعد التحديات التي فرضتها هزيمة يونيو 1967، ووفاة عبد الناصر، واغتيال السادات، والثورة على مبارك، وبعد كل لحظة من هذه اللحظات كانت مصر تعود إلى الديكتاتورية. وهذا لا يعني أن قادة مصر كانت لديهم نظرية جيدة للسياسة، فلو كانوا كذلك لما طلب عبد الناصر من قوات الأمم المتحدة مغادرة شبه جزيرة سيناء في مايو 1967، ولما قرر السادات رفع الدعم في عام 1977، ولما منح مبارك الفرصة لابنه جمال لحكم مصر.

ما حدث هو أن ملامح مصر أدت إلى تأكيد مجموعة من المؤسسات السياسية التي تعكس النظام الاجتماعي، صحيح أن القادة قد تغيروا، وتقلب مستوى القمع من فترة إلى أخرى، إلا أن الأشكال السياسية المصرية ظلت كما هي خلال الـ 65 عاما الماضية، وهذا لا يعني أن السيسي بعيداً عن الخطر، فالاستطلاعات الأخيرة التي أجراها جيمس زغبي، تكشف عن أن المصريين ليسوا سعيدين بوضعهم وبدرجة كبيرة، وحتى الجيش، الذي يعد كان يحتفظ بمكانة مميزة عند المصريين فلم يعد محل ثقة كما كان في الماضي.

هذا لا يعني أن التغيير قادم على الأبواب، أو أنه إذا جاء فإنه سيؤدي إلى الإطاحة بالنظامين السياسي والاجتماعي – أو بمعنى آخر على شكل ثورة وهي ظاهرة نادرة الحدوث. وبالطبع فإن التغيير قد يحدث بطرق أخرى أقل دراماتيكية، لكن النظام المصري دائماً ما يحرف الجهود ويعرقلها ويقوضها.

وفي غضون أسابيع قليلة يبدأ نشر سلسلة من المقالات في ذكرى ثورة 25 يناير، وبلا شك فإنها ستضم نوعين من المقالات: النوع الأول يدور حول التعبير عن الحسرة والتلاؤم على ما كان يمكن أن يحدث؛ والنوع الثاني من أجل الاحتفاء بما تم إنجازه. ولطالما كانت الظروف دائماً ضد تحقيق شعار الثورة “عيش – حرية -عدالة اجتماعية”، لكن التصريحات بخصوص ما تم إحرازه من تقدم كثيرة، ولكن لا أساس لها، تماماً مثل وباء السيسي الذي أصاب مصر عام 2013؛ لأن السياسة في مصر كانت ولا تزال تتمحور حول “الديكتاتورية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close