fbpx
الشرق الأوسطترجمات

فورين أفيرز: لن يتم تجاهل الفلسطينيين، ولا يمكن أبداً تجاهلهم

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نشرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية في 30 يونيو 2021 مقالاً لرشيد الخالدي، أستاذ الدراسات العربية الحديثة في جامعة كولومبيا، ومؤلف كتاب حرب المائة عام على فلسطين: تاريخ الاستعمار الاستيطاني والمقاومة (1917-2017)، حيث جاء المقال تحت عنوان “لن يتم تجاهل الفلسطينيين، ولا يمكن تجاهلهم”، وذلك على النحو التالي:

– يمكن لحركة وطنية فلسطينية إحيائية أن تستغني عن الافتراضات وحالات الفشل التي شهدتها الأجيال السابقة وتقلب الوضع الراهن رأساً على عقب.

– لا يتوافق النظام الاستعماري الذي عفا عليه الزمن، مثل النظام الإسرائيلي، مع قيم الديمقراطية والمساواة.

كان العنف الشديد الذي حدث في إسرائيل وفلسطين في مايو الماضي يشبه حلقات مماثلة له وقعت في العقود الأخيرة. ومع ذلك، كان لهذه المرة أيضاً العديد من السمات المميزة، وعلى رأسها الوحدة الجديدة للفلسطينيين في كل مكان. حيث انتفض الفلسطينيون معاً في مواجهة الانقسامات التي فرضتها إسرائيل عليهم وعلى تلك الانقسامات التي كانت وراءها النظرة الحزبية قصيرة النظر لقادتهم.

فقاموا بتنظيم مظاهرات في جميع أنحاء البلاد ردا على القمع الإسرائيلي العنيف في حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى في القدس وقصف تل أبيب لغزة الذي أسفر عن مقتل أكثر من 250 شخصا. وقد حاولت إسرائيل سحق هذه الاحتجاجات، مما أدى إلى اندلاع أعمال عنف غوغائية موجَّهة بشكل أساسي ضد الفلسطينيين في مدن داخل إسرائيل مثل عكا وحيفا ويافا.

وقتلت القوات الإسرائيلية عشرات المتظاهرين الفلسطينيين في الضفة الغربية. وفي 18 مايو، شن الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية وداخل إسرائيل وفي مجتمعات الشتات في لبنان والأردن وأماكن أخرى إضراباً عاماً، وهو أول إضراب يشمل كل فلسطين التاريخية منذ الإضراب العام الذي استمر ستة أشهر عام 1936.

ومع ذلك، لا تزال الساحة مشحونة ضد الفلسطينيين، ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ليس من المرجح أن تكف عن الانتهاكات بحق الفلسطينيين بشكل يخالف سابقتها ولا عن السياسات التي جعلت أي احتمال للتوصل إلى تسوية سياسية عادلة ومقبولة أمراً بعيد المنال. لكن إثارة جيل جديد من الفلسطينيين توفر بعض الأسس للأمل. حيث يمكن لحركة وطنية فلسطينية إحيائية أن تستغني عن الافتراضات والإخفاقات التي شهدتها الأجيال السابقة، وأنها من خلال أفعالها والرسائل التي تبثها، يمكن أن تؤكد عدم إمكانية استمرار الوضع الراهن.

تغيير المسار

فالكثير من النقاد والسياسيين يعتقدون منذ سنوات أن الفلسطينيين قد هُزموا وأن معنوياتهم قد أُحبطت وأن قضيتهم قد فقدت تصدرها للمشهد. وقد ترجمت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الاعتقاد إلى سياسات معادية للفلسطينيين بشكل أكثر حدة من السياسات التي سبقتها. إن الاعتقاد بأن الفلسطينيين يمكن تجاهلهم دون تكبد عناء في ذلك كان أيضاً الأساس لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وأربع دول عربية في عام 2020. لكن الانتفاضة في الضفة الغربية والإضراب العام في جميع أنحاء البلاد وتضامن الشتات الفلسطيني أوصلت للعالم رسالة واضحة مفادها: لا يمكن تجاهل الفلسطينيين.

كما شَذّت التغطية الإعلامية الغربية لأحداث مايو الماضي عن القاعدة التي اعتادت على اتباعها فيما سبق. فللمرة الأولى، لم يردد المذيعون والصحف بشكل أعمى النقاط التي يحددها الخطاب الإسرائيلي حول إطلاق صواريخ “إرهابية” فلسطينية بشكل عشوائي ضد المدنيين الإسرائيليين – والادعاء بالتحريض والتورط الفلسطيني الذي تتذرع به مثل هذه المنافذ الإعلامية بمجرد إطلاق صاروخ حماس الأول، بهدف طمس 54 عاما من الاحتلال العسكري الإسرائيلي و 73 عاما من نزع الملكية الفلسطينية. وبدلاً من ذلك، ظهرت هذه الأنماط المزمنة من الظلم وسوء المعاملة بشكل بارز في كل من وسائل الإعلام الرئيسية والاجتماعية. فعلى سبيل المثال، أوضحت العديد من التقارير أن عائلات الشيخ جراح الفلسطينية والتي من المقرر إخلاؤها من قبل المستوطنين اليهود بدعم من قوات الأمن الإسرائيلية كانوا من اللاجئين الذين نزحوا من مدينتي عكا وحيفا في عام 1948. كما أشارت تقارير وسائل الإعلام إلى أنه على الرغم من السماح لليهود الإسرائيليين بتقديم مطالبات بالنسبة للممتلكات في القدس الشرقية العربية المحتلة والضفة الغربية، يُمنع الفلسطينيون من تقديم مطالبات مماثلة لأي من ممتلكاتهم الواسعة التي صادرتها إسرائيل في جميع أنحاء البلاد في العقود السبعة الماضية.

إلى جانب هذه الصحوة الإعلامية، بدا الناس في الغرب أكثر تفهماً للسياسة الفعلية الجارية في فلسطين. وردد المبررون لأفعال إسرائيل في واشنطن ولندن وبرلين بشكل طبيعي الكليشيهات المعتادة حول حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنهم لم يتمكنوا من إخفاء اللهجة المتغيرة في كل من الساحة السياسية والمظاهرات الكبيرة المؤيدة للفلسطينيين في أستراليا، وكندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وأماكن أخرى. وربما للمرة الأولى، عرض الخطاب العام في جميع تلك البلدان الأربعة (التي تشترك في إرث نزع ملكية الشعوب الأصلية) مناقشة الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية لأجيال من السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. وعزز النشطاء أوجه التشابه بين ما يحدث للفلسطينيين والقمع الذي أبرزته حركة “حياة السود مهمة”، ويربط العديد من الشباب الأميركيين الآن الظلم الذي رأوه في أماكن مثل فيرغسون، ميسوري، بما بما يشهده الفلسطينيون في الشيخ جراح وأماكن أخرى، حيث تستخدم قوات الأمن هنا وهناك نفس قنابل الغاز المسيل للدموع المصنّعة في الولايات المتحدة ونفس التكتيكات العسكرية للشرطة المدنية.

بالطبع، صوّرت التغييرات في خطاب التغطية الإعلامية والرأي العام العالمي الأمور وكأنها تتأرجح لصالح الفلسطينيين كما لم يحدث من قبل، وهو بالضرورة أمر لا يبشر بحدوث أي تغيير سياسي ذي مغزى. فقد حدثت هذه التحولات في وقت حصار إسرائيل لبيروت عام 1982، وأثناء قمعها العنيف للانتفاضة الأولى غير المسلحة التي بدأت عام 1987، وأثناء حروبها الثلاث على السكان المحاصرين في قطاع غزة بين عامي 2008 و 2014 (حيث تسببت الأخيرة في مقتل أكثر من 2200 شخص). وفي كل مرة، عملت الحكومة الإسرائيلية وأصدقاؤها الدؤوبون على إصلاح الصورة المهترئة التي تحمي الممارسات الإسرائيلية من أي مساءلة الحقيقية. حيث تبذل جهود محمومة لفعل الشيء نفسه في هذه اللحظة. ولكن هناك أسباب تدعو للاعتقاد بأن الأمور قد تسير بشكل مختلف هذه المرة.

نقطة تحول؟

لقد أوجدت الاضطرابات الأخيرة لحظة فريدة من نوعها، مع التحول المتصاعد في الرأي العام الدولي وإعادة الحالة الوليدة لتوحيد الشعب الفلسطيني على المستوى الشعبي من جديد. إن لدى الفلسطينيين فرصة لإعادة تأسيس حركتهم الوطنية التي اهترأت، وتوحيد صفوفهم، والاتفاق على أجندة استراتيجية يمكنهم توصيلها بوضوح إلى الرأي العالمي. ولتحقيق هذه المهمة الشاقة، سيتعين عليهم أن يستبدلوا الهياكل السياسية القائمة – لا سيما في الإطار الذي وضعته اتفاقيات أوسلو، بما في ذلك إنشاء السلطة الفلسطينية – التي لم يأتِ من ورائها إلا جيل من القادة الفاشلين، والحكم القمعي، والمحسوبية القائمة على الفساد والتفريق بين قوى الشعْب والافتقار إلى وجود استراتيجية للتحرير. وفي ذلك، يبدو الحزبان السياسيان اللذان يهيمنان على السياسة الفلسطينية منذ فترة طويلة – فتح وحماس – أضعف الآن هيكلياً وأقل شعبية من أي وقت مضى، على الرغم من الدعم الخارجي الكبير الذي يتلقياه. ويبدو أن هذا صحيح حتى بالنسبة لحركة حماس المزدهرة حالياً، والتي توقعت استطلاعات الرأي الداخلية الخاصة بها أنها ستخسر في الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في مايو ولكن تم تأجيلها من قبل رئيس السلطة الفلسطينية، الذي انتهت ولايته القانونية منذ أكثر من عقد من الزمان.

فالجيل الجديد من النشطاء الفلسطينيين الشباب ليس لديهم وقت لشعارات وسياسات وقيادات الماضي. حيث يعمل هؤلاء النشطاء على نفس الموجة في جميع أنحاء فلسطين وفي الشتات. ويتخذ الشباب زمام المبادرة السياسية اليوم، مما يطلق العنان لمرحلة جديدة من جهود التحرير الفلسطينية، كما فعلوا مراراً في الماضي – على سبيل المثال، بالدخول في إضراب عام 1936 وإطلاق شرارة انتفاضة 1987. سيواجه هؤلاء الشباب مهمة صعبة في الإطاحة بالجيل الأكبر سنا من القادة والهياكل الأمنية والمالية الواسعة التي تحميهم. لكن المد آخذ في التحول، كما يتضح من الغضب الشعبي الأخير الموجَّه ضد القيادة الفلسطينية. تُوفي نزار بنات، وهو من أشد المنتقدين للسلطة الفلسطينية، في توقيف (حجز) السلطة في يونيو، مما أثار اضطرابات واسعة النطاق أبرزت الهشاشة الشديدة لسيطرة هؤلاء القادة على السلطة.

كما أن الرغبة المتوفرة لدى العديد من الأمريكيين من أجل الاطلاع بشكل أكثر عمقاً وأكثر بحثاً على إسرائيل وفلسطين أمر مشجع في هذا الصدد. فالشباب، بما في ذلك العديد من شباب الجالية اليهودية، أكثر انتقاداً للأساطير التي استهدف مطلقوها حماية إسرائيل على مدى فترة طويلة من التعرض للمساءلة – الأفكار التي تقول إن “الله أعطى هذه الأرض للإسرائيليين”، وأنه قبل قيام دولة إسرائيل، كانت فلسطين “أرضاً بلا شعب”، وأن إسرائيل هي الوحيدة التي “جعلت الصحراء تزهر”؛ وأن إسرائيل هي “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، وما إلى ذلك.

وتتفوق وسائل التواصل الاجتماعي على وسائل الإعلام التقليدية الرئيسية في هذا الصدد، حيث نشرت مقاطع فيديو لا يمكن أن تًمحى من الذاكرة للقوات الإسرائيلية وهي تطلق الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية على المسجد الأقصى، وهو أقدس المزارات الإسلامية في فلسطين، حيث كان المصلون يؤدون الصلاة خلال شهر رمضان المبارك؛ وتدمير مباني متعددة الطوابق بالكامل في غزة؛ والسماح لحشود من الغوغاء اليهود لتتجول في الأحياء العربية من القدس الشرقية وكذلك في مدن داخل إسرائيل؛ وقتل المتظاهرين الفلسطينيين في الضفة الغربية باستخدام الذخيرة الحية. مثل هذه الأشياء لا يمكن تجاهلها أو الحيلولة دون رؤيتها.

ساعدت هذه الصور الحية على اختراق الشرنقة التي حافظت عليها تغطية وسائل الإعلام الرسمية طوال 54 عاماً من الاحتلال العسكري “المؤقت” ونظام الهيمنة المتأصل داخل كل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. أصبحت المصطلحات التي لم يتم استخدامها في الماضي بشأن إسرائيل، مثل “العنصرية الممنهجة” و “التفوق اليهودي” و “الاستعمار الاستيطاني” و “الفصل العنصري”، أصبحت موضع نقاش وأصبحت جزءاً من المحادثات العامة الأمريكية واليسارية الإسرائيلية. ولا يزال هذا هو الحال على الرغم من المحاولات اليائسة المتزايدة للمدافعين عن إسرائيل لتصوير دعم حقوق الفلسطينيين أو انتقاد سياسات لها من دولة أجنبية على أنها “معادية للسامية”. يمكن أن يكون لهذه التغييرات في الخطاب في الولايات المتحدة وأوروبا عواقب سياسية قوية، حتى لو لم يكن من المحتمل حدوث تغيير فوري في السياسة. إلا إنها في النهاية، يمكن أن تؤدي إلى تراجع الدعم العسكري والدبلوماسي والمالي الهائل الذي تتمتع به إسرائيل من قِبل حلفائها في الغرب.

وإذا كان كل هذا يبدو جديداً، وربما يشكل نقطة تحول، إلا أن الكثير لم يتغير بعد. ففي الولايات المتحدة وعلى مستوى العالم، لا يزال هناك ارتباط لاعقلاني إلى حد كبير بالتظاهر بـ “حل الدولتين”، والفكرة القائلة بأن الطريقة الوحيدة لتحقيق سلام دائم في المنطقة هي من خلال إنشاء دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل. بينما يرفض أنصار حل الدولتين الاعتراف بشرطه الأساسي وهو: إزالة العوائق الهيكلية الهائلة، المادية والإدارية، التي أقامها القادة الإسرائيليون من جميع الأطياف منذ عام 1967 لمنع إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة و متصلة ببعضها البعض. وقد تضمنت هذه الجهود الممنهجة الضم الفعلي لمعظم الأراضي المحتلة والنقل غير القانوني لما يقرب من 750.000 مستعمر (أكثر من عشرة بالمائة من السكان اليهود في إسرائيل) إلى هذه الأراضي المُغتصبة، في سياق البناء الهائل للمستوطنات الاستعمارية والطرق الحصرية والمياه، وأنظمة المياه والاتصالات – أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البلاد بعد عام 1967.

وبدون التراجع عن الضم المتسارع لما تبقى من أرض فلسطين إلى ما يُسمى “إسرائيل الكبرى” – فإن الهدف الأساسي من التذرع بحل الدولتين من قِبل معظم الأحزاب السياسية الإسرائيلية، بما في ذلك تلك التي تمثل ربما 100 من 120 عضواً في الكنيست – هو مجرد ورقة توت لنزع الملكية الذي لا ينتهي لأراضي الشعب الفلسطيني. ولا يوجد حالياً أي احتمال لبذل جهد دولي للتراجع عن الوقائع على الأرض التي أوجدتها إسرائيل لجعل قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة أمراً مستحيلاً. ومع ذلك، فإن المقاومة العنيدة التي يُبديها الشعب الفلسطيني للجهود التي تُبذل من أجل طردهم من أرضهم وطمس تاريخهم ربما تكون قد فرضت نقطة تحول واضحة. حيث يتشكل الآن نموذج جديد، على أساس الحقوق المتساوية للجميع في فلسطين وإسرائيل، بشكل جماعي وفردي، سواء من خلال حل الدولتين غير المحتمل بشكل كبير، أو دولة واحدة أو كيان ثنائي القومية، أو إطار فيدرالي أو كانتوني أو أي إطار آخر. وتتفهم أعداد متزايدة من الفلسطينيين والإسرائيليين الاحتمالات الكبيرة ضد تنفيذ حل الدولتين وتستكشف بعض هذه البدائل. يوجب أن يقدم المدافعون عن مثل هذه المخططات عرضاً شاملاً لكيفية عمل هذه الخيارات في الممارسة العملية قبل أن يتمكنوا من اكتساب قوة جذب حقيقية. لكن من المفارقات أن معارضة إسرائيل المستمرة لدولة فلسطينية مستقلة حقاً تجعل الحاجة إلى هذه البدائل أكثر إلحاحاً.

ومن المحتمل ألا يكون لهذا النموذج الجديد الناشئ تأثير على المدى القصير على سياسات الولايات المتحدة أو سياسات الدول القوية الأخرى. فإن السياسيين الأمريكيين ورجال السياسة الخارجية والصهاينة الليبراليين ومعظم الفاعلين الدوليين مستهلَكون بشكل كبير في حل الدولتين، بحيث لا يمكن استبدال هذا النهج في أي وقت قريب. وفي غضون ذلك، أظهرت الجهات الدولية الرئيسية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، القليل من الاهتمام لمنع إسرائيل من قطع الطريق نحو حل الدولتين. ويسمح هذا الإذعان لإسرائيل بمواصلة “إدارتها” الوحشية لمشكلتها مع الفلسطينيين، مع رفض أي تحرك نحو حل حقيقي، وهو نهج أتقنه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو خلال السنوات العديدة التي قضاها في منصبه.

ومن المرجح أن تتبع الحكومة الجديدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت نفس المسار الذي حدده سلفها، حيث إن ائتلافها الحاكم يشمل تباينات كبيرة لدرجة أنه لا يُتوقع أنه يمكن وجود إجماع جديد بشأن القضية الفلسطينية. ولا تزال هناك أغلبية يمينية صلبة في الكنيست لدعم الاستيطان المستمر للأراضي المحتلة وحرمان الشعب الفلسطيني من الحقوق الوطنية وغيرها. هذا الموقف المتشدد هو من بين أكبر العقبات التي تحول دون التغيير. ومن غير المرجح أن يكون لنموذج جديد ما – حتى عندما يتم تطويره بشكل كامل – أن يكون له تأثير فوري كبير في إقناع الإسرائيليين اليهود بالتخلي عن الوضع الراهن غير المُواتي أيضاً للفلسطينيين.

إحياء حركة وطنية

لكن الحقيقة أنه لدى الفلسطينيين القدرة على تغيير هذا الوضع. فيمكن لحركة وطنية فلسطينية إحيائية أن تتحدى الوضع الراهن الذي لا يمكن ضمان استمراره وتقوم في نهاية المطاف بتغييره. تتطلب مثل هذه الحركة تحولات سياسية بالغة الصعوبة وإعادة تقييم هادئ للاستراتيجية والأهداف الفلسطينية – يُؤمل أن تكون مدفوعة بانتخاب قادة جدد أصغر سناً يمكنهم رسم نهج جديد في تناول القضية. وهذا من شأنه أن يشمل العديد من الجهود الضخمة. وعلى الفلسطينيين أن يُظهروا بقوة، وفي إطار سلمي، بشكل مثالي، عدم إمكانية استدامة الوضع الراهن، وهو ما قاموا به بنجاح خلال الانتفاضة الأولى غير المسلحة من عام 1987 إلى 1991. وعليهم أيضاً إما إحياء دعوات الاستقلال الوطني الفلسطيني إلى جانب “إسرائيل”، أو رسم خريطة تنطوي على رؤية لمسار مستقبلي للفلسطينيين في إطار هيكل سياسي جديد لمرحلة ما بعد الاستعمار يتقاسمه معهم جيرانهم الإسرائيليون، وهو الأرجح على ما يبدو. وقد تقاوم الفواعل الخارجية -التي تتفاخر بتأثيراتها على عملائهم الفلسطينيين وحلفائهم المفضلين- مثل هذه التغييرات، لكن الفلسطينيين أثبتوا في الماضي قدرتهم على تجاوز مثل هذه التدخلات الخارجية – كما فعلوا تحت قيادة ياسر عرفات من أواخر الستينيات وحتى الثمانينيات – و يمكنهم القيام بذلك مرة أخرى.

يرجع التغيير الإيجابي الذي شهده الخطاب العالمي حول فلسطين في جزء كبير منه إلى فعالية مبادرات المجتمع المدني الفلسطيني ونشاط الشباب على الأرض في الأراضي الفلسطينية المحتلة والولايات المتحدة وأماكن أخرى. إن حركة وطنية فلسطينية تجديدية وموحَّدة وديمقراطية يقودها جيل جديد وتنبني على مجموعة قوية من الأهداف السياسية، كفيلة بأن تُضاعف هذا التأثير على الرأي العام الإسرائيلي والأمريكي والعالمي. إن إيصال رسالة سياسية فلسطينية رسمية تنبثق بشكل جذري من مبدأ المساواة ومدعومة بالعمل السياسي والدبلوماسي والجماعي –  إن ذلك من شأنه أن يثبت للعالم بشكل حاسم عدم إمكانية استدامة القمع الإسرائيلي المستمر للفلسطينيين.

قد تكون هذه التحولات في المجتمع والسياسة الفلسطينية بطيئة، و يمكن أن تصل بسرعة، أو قد لا تحدث على الإطلاق. وبدون هذه التحولات، سيستمر الجليد المحيط بالمواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين في الذوبان، ولكن ببطء أكبر. وعلى أي حال، فمن الواضح بالفعل أن نظاماً استعمارياً عفا عليه الزمن مثل النظام الإسرائيلي، يقوم على سيادة مجموعة عرقية واحدة وتبعية مجموعة أخرى، لا يتوافق مع قيم الديمقراطية والمساواة. وعلى الرغم من التنازع الشديد عليها، إلا أنها ستظل القيم الرائدة في القرن الحادي والعشرين. وعليه، فبإمكان حركة وطنية فلسطينية متطورة تحمل هذه القيم في صميم تكوينها أن تكون لها آثار إيجابية محلياً وعالمياً.

قراءة في المخططات الإسرائيلية لتهويد القدس والأقصى

قراءة في المخططات الإسرائيلية لتهويد القدس والأقصى

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close