fbpx
ترجمات

فيريسك مابلكروفت: أزمة الغلاء تؤجج مخاطر الاضطرابات في الأسواق الناشئة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نشر موقع فيريسك مابلكروفت لاستشارات المخاطر في 11 مايو 2022، تحليلاً بعنوان: “أزمة تكلفة المعيشة تؤجج مخاطر الاضطرابات المدنية في الأسواق الناشئة”؛ وقد اشترك في إعداد التحليل هاميش كينير، محلل رؤية المخاطر لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وجيمينا بلانكو، رئيسة وحدة السياسة لشؤون الأمريكتين. ويُبرز التحليل أنه وفقاً لتوقعات مؤشر الاضطرابات المدنية الذي تُعده شركة لاستشارات المخاطر، فإن 10 من الدول ذات الاقتصادات متوسطة الدخل، وفي مقدمتها البرازيل ومصر وتونس وباكستان والسنغال، ستكون هي الأكثر تضرراً خلال الأشهر الستة المقبلة، بسبب الزيادة الجنونية لأسعار المواد الغذائية والوقود بعد اندلاع الحرب على أوكرانيا، وتفاقم أزمة تكلفة المعيشة. وجاء التحليل على النحو التالي:

أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى زيادة أسعار المواد الغذائية والوقود بشكل صارخ، وتأجيج أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن أسوأ الآثار المترتبة على ذلك لم تبدأ بعد. ونظراً لأن تصاعد التضخم والخفض المتكرر للدعم الحكومي (للسلع الأساسية والطاقة) يضر بالأُسر بشكل أكبر، فإننا نرى أن تصاعد الاضطرابات المدنية أمر لا مفر منه في الاقتصادات الناشئة الرئيسية، والتي يُرجح أن يكون لها آثار غير مباشرة على الاستقرار السياسي وثقة المستثمرين.

وستكون الاقتصادات المتوسطة الدخل التي تكابد مشكلات في الخزانة العامة أكثر عرضة للخطر. ووفقاً لتوقعاتنا في مؤشر الاضطرابات المدنية، فإن 10 من هذه الدول – في مقدمتها البرازيل ومصر وتونس وباكستان والسنغال – ستتعرض خلال الأشهر الست المقبلة لأشد الضربات بهذا الخصوص. وهناك بعض الدول هي الأكثر عُرضة لمخاطر الوقوع في حلقة مفرغة، حيث يؤدي التدهور في الحوكمة والمؤشرات الاجتماعية إلى جعلها دولاً منبوذة، بالنظر إلى عدم التزامها بالمعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في مجال الاستثمارات، مما سيعيق التدفقات الواردة اللازمة لتحسين الأداء الاقتصادي وتلبية الاحتياجات المجتمعية.

جائحة كورونا، اضطراب سلاسل التوريد، التضخم، وتصاعد  مخاطر الاضطرابات المدنية بعد الحرب

شهد أكثر من نصف سكان العالم زيادة في مخاطر الاضطرابات المدنية منذ ظهور جائحة كوفيد -19. ويُظهر الإصدار الأخير لمؤشر الاضطرابات المدنية الذي نقوم بإعداده أن 107 من أصل 198 دولة (54%) تم تقييمها بأنها قد سجلت تدهوراً في نتائجها منذ الربع الأول من عام 2020 – (انظر الشكل 1)، مقارنة بتحسن نتائج 31% من الدول وثبات نتائج 15% منها. في الواقع، شهدت 68 دولة (34%) تدهوراً كبيراً – والذي تم تحديده بانخفاض قدره 0.5 أو أكثر في نتائجهم.

الشكل 1: شهدت 68 دولة تدهوراً ملحوظاً في معدلات الاضطرابات المدنية منذ عام 2020، مقارنة بحدوث تحسن ملحوظ في 30 دولة.

شهدت 68 دولة تدهوراً ملحوظاً في معدلات الاضطرابات المدنية منذ عام 2020، مقارنة بحدوث تحسن ملحوظ في 30 دولة

وقد أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تفاقم هذا الوضع السيئ، مما تسبب على الفور في اضطراب أسواق الطاقة وسلاسل الإمداد الغذائي، وتسبب أيضاً في مزيد من الارتفاع في الأسعار. وبدون ظهور حل في الأفق لهذا الصراع، ستستمر الأزمة العالمية لارتفاع تكلفة المعيشة حتى عام 2023.

الدول ذات الدخل المتوسط هي ​​الأكثر عرضة للخطر

وستؤثر أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة العالمية على الحكومات في جميع أنحاء العالم، لكن بياناتنا تُظهر أن الدول ذات الدخل المتوسط ​​هي الأكثر عرضة لهذا الخطر. وينعكس هذا في توقعاتنا لمؤشر الاضطرابات المدنية، والتي تُوفر توقّعات تشمل 132 دولة لمدة ستة أشهر. وقد قام البنك الدولي بتصنيف ثلاثة أرباع الدول التي يُتوقع أن تكون ضمن فئة المخاطر العالية أو المخاطر القصوى على مؤشر الاضطرابات المدنية، الذي نقوم بإعداده، بحلول الربع الأخير من عام 2022 – على أنها ضمن الدول ذات الدخل المتوسط ​​الأدنى أو الدخل المتوسط الأعلى​​.

وهنا يأتي السؤال، لماذا هذه البلدان هي الأكثر عرضة للخطر؟

وعلى الرغم من أنه كان لدى هذه الدول ما يكفي لتوفير الحماية الاجتماعية أثناء الجائحة، على عكس الدول منخفضة الدخل، إلا أنها تكافح اليوم من أجل ضمان الحفاظ على مستوى عالٍ من الإنفاق الاجتماعي يُعتبر أمراً حيوياً لدعم  المستويات المعيشة لقطاعات كبيرة من سكانها.

تُعَرّض الحرب في أوكرانيا، خصوصاً التأثير الكبير التي خلّفته على أسعار الغذاء والوقود (انظر الشكل 2)، الميزانيات العامة لهذه الدول للمزيد من الضغوط الإضافية، لا سيما تلك الدول التي تعتمد على استيراد حاجتها من الغذاء والوقود من الخارج (و / أو) تلتزم بنظام دعم للسلع الأساسية. وقد عانت الدول متوسطة الدخل في سري لانكا وكازاخستان بالفعل من اضطرابات مزعزعة للاستقرار هذا العام. ففي حالة سريلانكا كان ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود عاملاً رئيسياً لهذه الاضطرابات؛ بينما كانت محاولة كازاخستان لخفض دعم الوقود الشرارة الأولى لاندلاعها.

الشكل 2: ارتفعت أسعار الغذاء والوقود في أعقاب فيروس كورونا، مما أدى إلى حدوث تضخم عالمي كبير.

الشكل 2: ارتفعت أسعار الغذاء والوقود في أعقاب فيروس كورونا، مما أدى إلى حدوث تضخم عالمي كبير.

عشر دول تحت المجهر

بالتأكيد لن تكون سريلانكا وكازاخستان آخر من يواجه اضطرابات مزعزعة للاستقرار هذا العام. فقد حددنا عشرة أسواق ناشئة ستواجه ضغوطاً مماثلة وتستلزم المراقبة بشكل خاص، بما في ذلك: الأرجنتين والبرازيل ومصر وتونس ولبنان والسنغال وكينيا وباكستان وبنغلاديش والفلبين (انظر الشكل 3).

لا ينبغي أن يتفاجأ البعض بحقيقة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تضم ثلاث دول من أصل عشر دول يجب مراقبتها عن قرب. فالمنطقة تعتمد على استيراد الغذاء من الخارج، مما يجعلها عرضة لارتفاع الأسعار، كما أنها تقليدياً تحصل على نسب كبيرة من حاجتها من الحبوب من أوكرانيا وروسيا، لذا فهي أكثر عرضة للاضطرابات بسبب الحرب. وبينما تستطيع الدول البترولية الثرية مثل قطر والسعودية التعامل بسهولة مع تلك الزيادات التي طرأت على أسعار وارداتها من الحبوب، بل والاستفادة أيضاً من ارتفاع أسعار الطاقة، فإن الدول الفقيرة التي تعتمد على الاستيراد لسد حاجتها من الحبوب مثل مصر وتونس ولبنان هي بالفعل الأكثر انكشافاً في ظل هذا الواقع.

الشكل 3: عشر دول يجب مراقبتها: تحديد عوامل الخطر

الشكل 3: عشر دول يجب مراقبتها: تحديد عوامل الخطر

وتسعى الدول الثلاث (مصر وتونس ولبنان) حالياً للحصول على دعم صندوق النقد الدولي لتعويض مخاطر الأزمة المالية. وغالباً ما يتم التأكيد على ضرورة تقليص برامج دعم الغذاء والوقود كشرط للحصول على التمويل، مما يعني أنه من المرجح بشكل متزايد زيادة الأسعار بشكل مؤلم للمواطنين. وبالتالي، فإن هناك احتمال كبير لاندلاع اضطرابات مدنية جماهيرية رداً على ذلك، وهو ما نتوقع أن يقابَل بقمع عنيف من قِبل الدولة، خاصة في الدول التي لديها سجل سيء فيما يتعلق بمؤشر قوات الأمن وحقوق الإنسان (انظر الشكل 4).

وفي جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا، أدى الجفاف الذي ضرب كينيا إلى جعل البلاد أكثر اعتماداً على استيراد الغذاء بكُلفة باهظة من الخارج، في الوقت الذي ستلعب الجهود التي تبذلها الحكومة للتخفيف من آثار ارتفاع الأسعار على عموم السكان دوراً رئيسياً في الانتخابات المقبلة في أغسطس 2022. وسيلعب الارتفاع المتزايد لتكلفة المعيشة أيضاً دوراً رئيسياً في السنغال، المقرر إجراء انتخابات تشريعية بها في يوليو 2022. ولذلك نتوقع تزايد الاضطرابات المدنية في كلا البلدين في الفترة التي تسبق الانتخابات بكل منهما.

وفي الأمريكتين، سيؤدي ارتفاع أسعار الأسمدة (التي أثارها الغزو الروسي لأوكرانيا) إلى زيادة تكلفة الغذاء في البرازيل والأرجنتين، بينما سيؤدي التضخم المرتفع وخفض برامج الدعم الحكومي إلى تفاقم ارتفاع تكاليف المعيشة هناك.

وقد كان التضخم بالفعل وراء عام من الاضطراب السياسي في البرازيل، حيث وصل في عام 2021 إلى أعلى مستوى له خلال ست سنوات بأكثر من 10%. وقد تصبح تكلفة المعيشة هي نقطة الضعف لمساعي إعادة انتخاب الرئيس بولسونارو، حيث يعِد الرئيس السابق لويس إيناسيو يعد “لولا” دا سيلفا، الذي تصاعد نجمه من جديد، يعِدُ الناخبين بالعودة إلى فترة الازدهار الاقتصادي لإدارته الأولى. ومن المرجح أن يزداد معدل الاحتجاجات على غرار الإضراب الكبير الذي نظمه سائقو الشاحنات احتجاجاً على ارتفاع أسعار الوقود في عام 2021 قبل الانتخابات.

وفي جارتها الأرجنتين، تسببت جائحة كورونا في انكماش اقتصادي كبير بعد سنوات من التضخم المصحوب بركود اقتصادي. ومع وقوع إدارة فرنانديز بين شقي الرحى: ما بين مساعي تنفيذ إعادة هيكلة للاقتصاد بحسب شروط  صندوق النقد الدولي من ناحية، وضرورة الحفاظ على حالة الوئام مع نائبة الرئيس، دي كيرشنر من ناحية أخرى؛ أما المواطنون فهم على موعد لمواجهة عام آخر من التضخم من المتوقع أن يحطم الأرقام القياسية السابقة. وفي الواقع، فإن الصراع المستمر على السلطة داخل الائتلاف الحاكم سوف يشتد، خاصة مع اقتراب البلاد من عام 2023 الذي سيشهد عقد انتخابات رئيسية في البلاد، مما يعني أن مخاطر الاضطرابات ستزداد خلال الأشهر الستة إلى الاثني عشر (٦-١٢) المقبلة.

ويمكن أن يكون ارتفاع أسعار الغذاء والوقود أيضاً عاملاً مزعزعاً للاستقرار في قارة آسيا بدول أخرى غير سريلانكا. فكل من بنجلاديش وباكستان تعتمدان بشكل كبير على استيراد الغذاء والوقود من الخارج، حيث شهدت الأخيرة مؤخراً بالفعل تغييراً في رئاسة الوزراء في إبريل الماضي، ويرجع ذلك جزئياً إلى المشاكل الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع الأسعار. وسيؤدي ارتفاع تكاليف المعيشة إلى تصعيب الأمور على الفائز المرجَّح في الانتخابات الرئاسية الفلبينية، فرديناند “بونج بونج” ماركوس جونيور.

الشكل 4: 85% من الدول المعرضة لمخاطر عالية أو قصوى في مؤشر الاضطرابات المدنية هي أيضاً على مخاطر عالية أو قصوى في مؤشر قوات الأمن وحقوق الإنسان.

الشكل 4: 85% من الدول المعرضة لمخاطر عالية أو قصوى في مؤشر الاضطرابات المدنية هي أيضاً على مخاطر عالية أو قصوى في مؤشر قوات الأمن وحقوق الإنسان.

التأثيرات الملموسة على عالم الأعمال، بما في ذلك معايير البيئة والمجتمع والحوكمة

يمكن أن يؤدي تصاعد الاضطرابات المدنية أيضاً إلى حدوث اضطراب مباشر في الأعمال والتجارة. ففي تونس، على سبيل المثال، أدى قطع خط أنابيب نفط رئيسي في عامي 2017 و 2020 إلى وقف نصف إنتاج البلاد من النفط، في حين أدى احتجاج سائقي الشاحنات في فبراير في كندا إلى إغلاق أجزاء من العاصمة أوتاوا لأسابيع. ومع ذلك، فإن الآثار غير المباشرة تعد أيضاً ضمن المخاطر المتوقعة، ومن المرجح أن تصبح أكثر بروزاً مع تزايد اهتمام الشركات بالمعايير المرتبطة بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (المعروفة اختصاراً بـ ESG).

في واقع الأمر، تُظهر بياناتنا أيضاً كيف أن السجلات السيئة لمؤشر قوات الأمن وحقوق الإنسان غالباً ما تتماشى مع ارتفاع مؤشر مخاطر الاضطرابات المدنية، حيث يمكن أن تؤدي الإجراءات القمعية إلى تأجيج الغضب العام وتفاقم الاضطرابات المدنية. وفي الشكل 4، هناك مقارنة بين مؤشر الاضطرابات المدنية ومؤشر قُوات الأمن وحقوق الإنسان، الذي يقيس مخاطر تواطؤ عالم الأعمال مع انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات الأمن العامة و / أو الخاصة. والاستنتاج الرئيسي هنا هو أن 85% من الدول المعرضة لمخاطر عالية أو قصوى في مؤشر الاضطرابات المدنية هي أيضاً على مخاطر عالية أو قصوى في مؤشر قوات الأمن وحقوق الإنسان.

ومع الارتفاع المتوقع في الاضطرابات المدنية، يمكننا أيضاً أن نتوقع ارتفاعاً في الانتهاكات بالمقابل، مما يجعل من الصعب على الشركات الملتزمة بالمعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات متابعة الاستثمارات المحتملة أو حتى فرض الانسحابات. ولعل قرار انسحاب توتال إنيرجي وشيفرون في يناير 2022 من مشروع غاز في ميانمار، على سبيل المثال، كان جزئياً رداً على قمع الدولة العنيف ضد المتظاهرين المناهضين للانقلاب.

تهديد الحلقة المفرغة

يتمثل الخطر الأكبر للاقتصادات المتوسطة الدخل المعرضة لمخاطر الاضطرابات المدنية في أن الاحتجاجات لن تعرقل الانتعاش الاقتصادي في عام 2022 فحسب، بل ستقلل أيضاً من إمكانية جاذبيتها كوجهات استثمارية نامية. ونظراً لأن المستثمرين الملتزمين بمعايير المحاسبة والحوكمة يحققون أحسن الأداءات ويقللون من فرص التعرض للسلطات القضائية، حيث تكون حقوق الإنسان والمخاطر البيئية في أعلى مستوياتها، فقد تكون النتيجة غير المقصودة أن تسقط إحدى الدول في حلقة مفرغة.

وهذا يعني أن الاقتصادات التي تكافح من أجل النمو ستجعل الحكومات التي تعاني من ضائقة مالية تجعلها أقل قدرة على معالجة مظاهر السخط الاجتماعي، مع ترجيح أن تؤدي الاضطرابات إلى تعطل الأعمال وتحفيز الدولة للقيام بإجراءات قمعية. ونظراً لأن الشركات ستصبح أكثر عرضة للاضطرابات والآثار المترتبة على سجلات حقوق الإنسان السيئة، فإن المستثمرين سيكونون أقل عرضة لاختيار هذه الدول (كبيئة استثمارية)، مما يقلل من احتمالية التحسن خلال فترة قد تمتد من عامين إلى ثلاثة أعوام.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close