قلم وميدان

في منهجية كتابة الشهادة على الأحداث والوقائع التاريخية

بمناسبة مرور عشر سنوات على ما حدث في مصر والمنطقة العربية من أحداث أطلق عليها (ثورات الربيع العربي)، لاحظت سيلا مما يطلق عليه (شهادات) لأشخاص وقيادات يقولون عن أنفسهم أنهم شاركوا بقدر أو دور ما أو يقال عنهم ذلك، مما قد يختلف عليه في هذه الأحداث ولا يختلف عليه سيان ….

ورغبة في تحقيق الحدود الدنيا من الضبط العلمي، والرؤية المتوازنة، يأتي هذا الاسهام المنهجي لتحقيق هذا الضبط العلمي والرؤية المتوازنة لهذه الأحداث التاريخية، يحدد هذا الاسهام بوضوح منذ البداية هدفه بأنه لا علاقة له بمحتوي هذه ( الشهادات ) وما تتضمنه من سرد لوقائع، أو اعادة رواية أو تفسير لها … كما أنه ليس معنيا بأشخاص أو تكوينات سياسية أو غير سياسية تعبر أو تدلي بهذه الشهادات سواء من باب أهليتهم وجدارتهم السياسية، والقانونية، أو مدي صلاحيتهم للقيام بهذا الدور والأمانة، أو طبيعة العوارض التي تحيط بهم وبشهادتهم لتجعلها مجروحة، أو غير مقبولة، أو غير جديرة بالاعتبار بداية و يتمثل هذا الاسهام في ستة في مستويات علمية ضابطة ومنضبطة ومتكاملة وهي :

المستوي الاول: ما قبل المنهج:

ماهية الشهادة السياسية، وشروط اعتبارها من الناحية العلمية، والفروق بين الشهادة والرواية والرؤية، وما يمكن اعتباره مصادرا أساسيا أوليا للشهادة وما يمكن اعتباره مصادرا هامشيا ثانويا للشهادة، وما لا يمكن اعتباره ويجب علميا تجاهله وعدم الأخذ به في عملية التأريخ للأحداث …

المستوي الثاني:

في منهجية التأريخ للأحداث … (اجابة السؤال الأساسي ماذا حدث؟ ماهي الوقائع الأساسية المكونة للتحول أو الحادث الكلي؟ ما هي الأطراف الأساسية الفاعلة. كميا. ونوعيا …. الخ).

وفي هذا الصدد ما هي أدوار (البيانات؛ المعلومات، الوثائق، الشهادات، المصادر الأولية، والمصادر الثانوية)

المستوي الثالث:

في المنهجية العلمية لفهم الأحداث وتحليلها (كيف حدثت الوقائع وتطورها وديناميكيتها المختلفة في مراحل النشأة، والتصاعد وصولا الي. الذروة، ثم بداية نزول منحني الأحداث حتى العودة الي الأوضاع ما قبل نشأة الأحداث).

وهنا يأتي فهم الأحداث الجزئية (علي مستوي الميكرو كروزمي مثل عمل الميكروسكوب) وربطها مع بعضها البعض لكي تتكون الصورة الكلية (على مستوي الماكرو مستوي التليسكوب والمنظار من أعلى)، واذا كانت الأداة المنهجية للأولي هي (استقراء الأحداث وتركيبها وصولا للصورة الكلية) ؛ فان الأداة المنهجية للثانية هي ( الاستنباط من الصورة الكلية وصولا لبعض الأحداث الجزئية والنظرة اليها في هذه الاطار ) كلاهما منطقان متعارضان ظاهريا وان كان من الواجب الجمع بينهما في رسم صورة الأحداث …

المستوي الرابع:

في المنهجية العلمية، ما يطلق عليه (علم التاريخ)؛ والذي يعني أساسا بتفسير الأحداث التاريخية والاجابة على السؤال الجوهري: لماذا وقعت أو تطورت هذه الأحداث التاريخية على هذا النحو الذي تم في الواقع فعلا؟ وما هي العوامل والاسباب التي يمكن من خلالها تفسيرها بقدر معقول من التوازن والضبط المنهجي، وما هي الاتجاهات العلمية، والمدارس الفكرية المنضبطة اتي يمكن من خلالها تفسير ما حدث وكيف حدث وتطور على هذا النحو؟

المستوي الخامس:

في المنهجية العلمية، ما يطلق عليه (فلسفة التاريخ) والذي يعني بمحاولة تصور القوانين والمسارات الكلية التي سارت فيها الاحداث، وهل كان من الممكن أن تتحقق بغيرها، وماهي المسارات المستقبلية التي يمكن في ضوء هذه الاتجاهات والضوابط يمكن التحكم واعادة ضبط التطورات الحالية، وكيفية التعامل معها مستقبليا، وامكانية رسم تطوراتها ومساراتها المختلفة…

المستوي السادس:

في المنهجية العلمية تقييم عملية الكتابة عن الأحداث والتطورات التاريخية الكبرى (أو ما يطلق عليها الضبط والتحكم في تطورات الأحداث والوقائع التاريخية والعلمية).

هذه بعض الضوابط المنهجية العامة التي يمكن من خلالها تقنين عملية كتابة التاريخ السياسي لمثل هذه الأحداث والنقلات التاريخية الكبرى في حياة الأمم والشعوب، اسهاما في وضع الحدود وضبط الجدل الذي قد يستنفد الجهد، ويغير الوجهة من العمل للإصلاح والتغيير الي مزيد من الجدل العقيم والتشرذم والانقسام، وفقدان الوجهة والاتجاه.

المصدر: الحساب الشخصي للأستاذ الدكتور حامد عبد الماجد على فيسبوك، الرابط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى