fbpx
اقتصادتحليلات

قراءة في قرارات البنك المركزي المصري ـ ديسمبر 2022

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يكابدها الاقتصاد المصري خلال الأشهر الأخيرة من العام 2022، اتخذ البنك المركزي عدة قرارات هامة سيكون لها العديد من الآثار على مجريات الأوضاع الاقتصادية في مصر خلال الفترة القادمة، ويمكن التطرق لتحليل تلك القرارات باختصار، وذلك كما يلي:

القرار الأول: رفع سعر الفائدة 3% على الإيداع والإقراض

قرر البنك المركزي المصري رفع سعر الفائدة 3% على الإيداع والإقراض في آخر اجتماع للجنة السياسة النقدية في 2022، لكبح جماح التضخم (وتيرة زيادة الأسعار)، ليتجاوز بذلك توقعات السوق.

وارتفع بذلك سعر الفائدة لدى البنك المركزي (كوريدور) لتصبح 16.25% على الإيداع و17.25% على الإقراض. وبهذا القرار، يكون البنك المركزي قد رفع أسعار الفائدة 4 مرات خلال العام الجاري، بإجمالي 8%.

وكان البنك المركزي قد أجرى اجتماعين استثنائيين خلال العام رفع خلالهما سعر الفائدة، الأول في 21 مارس الماضي بـ 1%، والثاني في 27 أكتوبر بـ 2%، علاوة على 2% أخرى بنهاية مايو من العام الماضي، وبإضافة الرفع الأخير يكون إجمالي رفع سعر الفائدة خلال أقل من عام 8%.

ويعد قرار سعر الفائدة أحد أدوات السياسة النقدية لامتصاص الضغوط التضخمية بعد ما ارتفع معدل التضخم الأساسي خلال شهر نوفمبر الماضي إلى 21.5% وفق بيانات المركزي، فيما ارتفع معدل التضخم السنوي في المدن إلى 18.7% حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

وكان البنك المركزي قد أعلن أن سياسات رفع سعر الفائدة تهدف إلى احتواء ضغوط التضخم، مستهدفًا الوصول بمعدله عند مستوى 7% (±2% نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024، ومستوى 5% (±2% نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الأخير من عام 2026.

وأشارت لجنة السياسة النقدية إلى تزايد الضغوط التضخمية من جانب الطلب في الآونة الأخيرة، وهو ما انعكس في تطور النشاط الاقتصادي الحقيقي مقارنة بالطاقة الإنتاجية القصوى، وفي ارتفاع أسعار العديد من بنود الرقم القياسي لأسعار المستهلكين، وفي زيادة معدلات نمو السيولة المحلية، وذلك في محاولة لتبرير القرار.

وأضاف بعض الخبراء أن رفع سعر الفائدة 3% مرة واحدة هدفه زيادة جاذبية الجنيه المصري لتخفيف الضغوط عليه أمام العملات الأجنبية، من خلال زيادة تدفقات المصريين بالخارج عقب زيادة سعر العائد على الجنيه، على الرغم أن سعر الفائدة الحقيقي مازال بالسالب.

وبلا شك تبدو مبررات لجنة السياسات النقدية مهترئة، بل ومستهجنة إلى حد كبير، حيث توجد العديد من الأسباب لارتفاع معدل التضخم في مصر ولا يشكل جانب الطلب منها، أن وجد إلا نسبة ضئيلة للغاية، حيث تأثر معدل التضخم في مصر بالعوامل الآتية بصورة رئيسية:

1-  انخفاض قيمة الجنيه المصري

في نهاية أكتوبر الماضي أعلنت الحكومة المصرية عن اتفاق بقيمة ثلاث مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي (لم يتم إقرار الاتفاق بصورة نهائية إلا في شهر ديسمبر من نفس العام) مع الالتزام بالتحول إلى “نظام سعر صرف مرن” بشكل دائم. وهو الأمر الذي أدى إلى هبوط قياسي ومستمر في سعر صرف الجنية المصري مقابل الدولار، حيث بلغ 27.5 جنيه/ دولار في السوق الرسمية وما يزيد عن 33 جنيه في السوق الموازية، مع توقعات باستمرار انخفاضه، لا سيما في ظل تردد الحكومة حتى الآن في إحداث التعويم الكامل، مع استمرار العجز المزمن في الموازين الاقتصادية.

عموما من الطبيعي أن يتسبب الارتفاع المبالغ فيه في سعر الدولار في تراجع القيمة الحقيقية لأجور العاملين، ومعاشات المتقاعدين، بالإضافة إلى فقدان نسبة كبيرة من القوة الشرائية للمدخرات والاستثمارات والأصول المقومة بالعملة المصرية، وكلها أمور من المنطقي أن تخفض إجمالي الطلب المحلي وليس زيادته كما تزعم لجنة السياسات النقدية.

2- زيادة المعروض النقدي

لا شك أن زيادة الإصدار النقدي أحد أهم العوامل المؤثرة في رفع معدل التضخم، وقد دأبت الحكومة المصرية خلال فترات سابقة على طبع النقود كأحد وسائل مواجهتها لشح الموارد المحلية. 

ويعتبر التمويل التضخمي من أهم السياسات والإجراءات التي تتبعها الدول في العصر الحالي لتغطية الفجوة بين الإيرادات والنفقات، حيث يكون اللجوء إلى التمويل التضخمي نتيجة لعجز مصادر التمويل العادية (المدخرات والفوائض) سواء الإجبارية أو الاختيارية لتغطية الفجوة بين الإنفاق الحكومي والإيرادات العامة.

بعبارة أخرى، فإنه في حالات زيادة حجم الاستثمارات المطلوبة عن حجم المدخرات الإجبارية والاختيارية فإن الدولة تلجأ إلى تمويل موازنتها عن طريق التمويل التضخمي، أي زيادة الإصدار النقدي.

ويوجد إجماع لدى الاقتصاديين على التحذير من اللجوء إلى التمويل التضخمي لتمويل الاستثمارات على نطاق واسع، وألا تستخدم إلا في حالات الضرورة وبحدود ومعايير ونظم معينة وإلا أدى ذلك إلى مشاكل المستوى الاقتصادي [1].

وبالطبع لا توجد بيانات حديثة يمكن الاعتماد عليها لاستبيان حجم طبع النقود في مصر خلال العام الأخير، ولكن تجدر الإشارة إلى أنه وفقا للبنك المركزي فقد ارتـفـعـت السيولة المحلية في العام الماضي خـــــلال الفــــــترة يوليو/ سبتمبر من السنـة المالية 2021 /2022 بنـحو 217.4 ملیار جنيه بمعـــدل 4.1 %، مقابــــل ارتفاع بلغ نحو 218.4 مليار جنيه بمعدل 4.8 % خلال نفس الفترة من السنة المالية السابقة لتصل إلى 5574.0 مليار جنيه في نهاية سبتمبر2021، وبمــا يمثل 71.1 % من الناتج المحلي الإجمالي عن السنة المالية2021/2022.

 وقد انعكست هذه الزيادة فى نمو كل من أشباه النقود والمعروض النقدي، حيث ارتفعت أشباه النقود بمقدار 143.0 مليار جنيه بمعدل 3.5 % خلال الفترة، لتصل إلى نحـــو 4244.4 مليار جنيه في نهاية سبتمبر2021، كمــا ارتفع المعروض النقدي بمقدار 74.4 مليار جنيه معدل 5.9 % خلال الفترة ليصل إلى 1329.6 مليار جنيه في نهاية سبتمبر 2021[2].

وتجدر الإشارة إلى أن زيادة المعروض النقدي تلك كانت لفترة 3 شهور فقط، حيث تشير النشرة الإحصائية الشهرية رقم 307 للبنك المركزي، أكتوبر 2022، أن إجمالي ما تم طبعه في تلك السنة المالية بلغ 115.6 مليار جنيه، مقارنة بـ 71 مليار جنيه في العام الذي سبقه، وهذا كان في ظل أحوال اقتصادية أكثر استقرارا من الأحوال الصعبة الحالية، ولذلك فمن المرجح تضاعف هذا الرقم خلال الفترة الأخيرة.

 ومن المؤكد أن يزيد هذا الإصدار النقدي من حدة موجة التضخم الحالية، أخذا في الاعتبار أن نسبة من هذا الإصدار تسدد بها الحكومة متأخرات مستحقات المقاولين المنفذين لما يسمى بالمشروعات القومية ولم تذهب إلى تمويل أية زيادة في أجور العاملين في الدولة أو المعاشات أو غير ذلك من الزيادات التي تدعم الإنفاق الاستهلاكي (التضخم من جانب الطلب).

كما تجدر الإشارة إلى أن التضخم يعد “ضريبة على الفقراء” لأنه يؤثر على ذوي الدخل المنخفض، الذين من المؤكد أنهم سيواجهون صعوبات في تغطية نفقاتهم بصفة عامة، والضرورية منها على وجه الخصوص، وبما أن الأغلبية الساحقة من المصريين (60-70% وفقا لبعض التقديرات) من الفقراء فإن تذرع لجنة السياسات برفع الفائدة بحجة الطلبة المرتفع تفقد أي معنى أو منطق لها.

3- احتكارية السوق المصري

تغلف سلاسل الإمداد المحلية والدولية المصرية شبكة احتكارية نمت وترعرعت في أحضان الأنظمة المتتابعة، حتى باتت علاقاتها بالأنظمة وأجهزتها ومؤسساتها عصية على الانفصال، أو حتى التحييد.

ومن المعروف أن عددا يقل عن عشر شركات تحتكر استيراد القمح، ومثلهم في السلع الاستراتيجية الأخرى، ولم يتوقف الأمر عند حدود محتكري الاستيراد، بل امتد ليشمل أصحاب الوكالات العالمية العاملة على الأرض المصرية، وكذلك إلى كبار التجار في الإنتاج المصري من السلع الأساسية لا سيما الزراعية منها، فيما يشكل تكتل احتكاري محكم التنظيم والتفاهمات، يتحكم في الأسعار السارية في طول البلاد وعرضها.

يزداد الأمر سوءا، بسوء إدارة الدولة للكثير من الملفات التي تحاول فيها تحييد بعض من الأثر السلبي لهؤلاء المحتكرين، فمن أزمة السكر إلى أزمة الأرز الأخيرة يتبين بجلاء أن القرارات الحكومية تعقد الأزمة ولا تقدم الحل المناسب، وربما يرجع ذلك إلى تلك العلاقة التزاوجية المشار إليها سابقاً.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحالة الاحتكارية متجذرة وراسخة في الاقتصاد المصري منذ أربعة عقود سابقة تقريبا، ولكنه من اللافت بشدة أن الدولة لم تحاول خلال كل تلك الفترة التعامل مع هذه الحالة السلبية -رغم انعدام قدرتها على السيطرة عبر ما تبقى من أدوات مادية وبشرية في أيدي وزارة التموين- فكانت محاولات خلق مجمعات تعاونية على استحياء شديد ومن الواضح أنه على غير رغبة أصحاب المصالح، كما بدا جهاز حماية المستهلك ضعيفا لا يستطيع الإقدام والمبادرة، مأمورا من الأجهزة الأمنية ومراكز القوى الاقتصادية.

ولذلك فإن الدولة المصرية لا تمتلك أدوات حقيقية يمكن من خلالها التحكم في التلاعب في الأسعار أو تحديد هوامش ربحية مبالغ فيها، ولا تعمل على تأجيج التضخم وتربح المتلاعبين، ولعل بناء تلك الشبكة من التعاونيات أحد الحلول التي يجب أن تلجأ إليها الدولة لعلاج جزء من الأزمة حال رغبت في الحل.

وعلى هذا الأساس فإن نسبة من التضخم في الحالة المصرية يعود إلى الحالة الاحتكارية التي يعاني منها الاقتصاد المصري ولم تتقدم الدولة لوضع الحلول المناسبة لها، وبالتالي فتذرع لجنة السياسات النقدية بتزايد الطلب يعتبر واهيا إلى حد كبير.

4- أزمة الاعتمادات المستندية

سيتم التطرق تفصيلا لقرار البنك المركزي عند الحديث عن القرار الثاني بشأن إلغاء نظام الاعتمادات المستندية والمطبق منذ فبراير 2022 والذي كان أحد أسباب ارتفاع نسبة التضخم، والعودة لقبول مستندات التحصيل لتنفيذ كافة العمليات الاستيرادية.

5- بعض الأسباب العالمية

توجد العديد من الأسباب العالمية ذات المردود السلبي على مجمل الاقتصادي المصري وبالتالي معدل التضخم، ويمكن استعراض بعض هذه الأسباب كعناوين دون تفصيل ما يلي:

  • استمرار بعض الأثار السلبية للتداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا، وما تبعها من أزمة ارتفاع أسعار الشحن، وأزمات سلاسل التوريد، وأزمة الرقائق الإلكترونية.
  • استمرار الآثار السلبية الناجمة عن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من ارتفاع لأسعار الطاقة والمواد الغذائية الرئيسية التي تستوردها مصر.
  • استمرار سياسة التشديد النقدي التي يتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنوك المركزية الكبرى حول العالم، الأمر الذي زاد من تكلفة الأموال، وأنضب مصادر الاقتراض من خلال الاستثمارات غير المباشرة.

إجمالا:

يوضح استعراض العناصر السابقة أن أسباب التضخم المحلي في مصر بصفة عامة لا تعود إلى جانب الطلب كما تدعي لجنة السياسات النقدية، وبالتالي فإن إجراءها برفع سعر الفائدة المتتالي خلال العام الحالي لا يهدف الى خفض معدل التضخم بقدر ما يهدف إلى جذب المزيد من تحويلات العاملين في الخارج، أو محاولة جذب بعض الأموال الساخنة وهو الأمر شديد الصعوبة في ظل أوضاع الاقتصاد العالمي الحالية والمتوقعة، وفي ظل استمرار معدل الفائدة الحقيقي بالسالب رغم رفع سعر الفائدة، علاوة على محاولة وقف حمي الدولرة وفقدان الثقة بالعملة المحلية، وكلها عومل رهينة لمعدلات التضخم واستمرار تصاعده خلال الفترة الماضية.

وعلى الجانب الآخر، فإن سياسة رفع سعر الفائدة لها العديد من الأثار السلبية أهمها تزايد أعباء خدمة الدين المحلي، وبالتالي زيادة العجز في الموازنة العامة أو تقليل الإنفاق على الدعم والاستثمارات العامة، بالإضافة إلى تزايد تكلفة الأموال للمستثمرين المحليين الأمر الذي يعني تباطؤ دورات الاستثمار ومعدل النمو والاتجاه نحو استمرار الانكماش خلال العام الحالي (كما ظهر مؤخرا في قيمة مؤشر مديري المشتريات للقطاعات غير النفطية الذي أظهر انكماشا للشهر الخامس و العشرين على التوالي)، وتداعيات ذلك على معدلات البطالة والفقر. ويؤدي كل ذلك إلى وقوع الاقتصاد المصري في دائرة جهنمية من الركود التضخمي.

الأمر الأخير أن التوجه الخاطئ للجنة السياسات يعني ببساطة خطأ توقعاتها المستقبلية أو على الأقل التشكيك فيها، فمثلا تأكيد اللجنة على المسار الهبوطي للتضخم واستهدافها معدل عند مستوى 7% (±2% نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024، ومستوى 5% (±2% نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الأخير من عام 2026، امر مشكوك فيه إلى حد كبير، بالإضافة إلى تجاهلها لعام 2023 وهو التجاهل الذي يؤكد استمرار التصاعد في معدل التضخم خلال كل العام الحالي وربما الثلاثة أرباع الأولي من العام القادم.

ولعل نص اللجنة الذي يؤكد أن المسار المستقبلي لمعدلات التضخم يعتمد على الزيادات التراكمية لأسعار العائد إلى تاريخه والتي تستغرق وقتاً للتأثير على معدلات التضخم، وأن مسار أسعار العائد الأساسية يعتمد على معدلات التضخم المتوقعة وليس معدلات التضخم السائدة، وهي تأكيدات ستبقى رهينة للعديد من العوامل المحلية والعالمية تشكك في إمكان تحققها إلى حد كبير.

ولعل تصريح مديرة صندوق النقد الدولي السابقة كريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي يؤكد ذلك حيث قالت” هناك حديث متزايد عن أن دواء رفع أسعار الفائدة قد يكون مر المذاق”. وتابعت: “علاوة على ذلك، فإن المخاطر المحيطة بأمور يكتنفها قدر كبير من عدم اليقين، مثل حرب أوكرانيا والتوتر بين الصين والغرب، تميل لأن تجعل الأوضاع تسير في الاتجاه النزولى”. 

القرار الثاني: إلغاء نظام الاعتمادات المستندية

بموجب خطاب أرسل إلى البنوك المصرية، وجه البنك المركزي المصري، البنوك أنه بالإشارة إلى الكتاب الدوري الصادر بتاريخ 13 فبراير 2022، بوقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية، والعمل بالاعتمادات المستندية فقط، والاستثناءات اللاحقة، وكذلك الكتاب الدوري الصادر في 27 أكتوبر 2022، بزيادة قيمة الشحنات المستثناة من القرار من 5 آلاف دولار، إلى 500 ألف دولار، فقد تقرر إلغاء العمل بالقرار، والسماح بقبول مستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية.

وكان البنك المركزي أعلن في 14 فبراير الماضي وقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية والعمل بالاعتمادات المستندية، وهو القرار الذي دخل حيز التنفيذ في 23 فبراير بهدف حوكمة منظومة التجارة الخارجية وترشيد استخدام الموارد الدولارية بعد ما تأثرت بالتبعات السلبية للنزاع الروسي الأوكرانية، وهو القرار الذي ترتب عليه حدوث اضطراب اقتصادي واسع النطاق بعد أن تباطأت الواردات بشكل كبير وتكدست البضائع بالموانئ.

وجود مستندات التحصيل يعني أن المستورد يدفع للمورد الأجنبي جزءا من قيمة الشحنة وعندما تصل الشحنة، والمستندات الخاصة بها، عندئذ يحول المستورد باقي قيمة الشحنة، بينما الاعتماد المستندي، فإنه يتمثل في فتح المستورد اعتمادا بكامل قيمة الشحنة المستوردة قبل البدء في الإجراءات الاستيرادية، وهو الأمر الذي يعني إجبار المستورد على تدبير قيمة الشحنة كاملة بالدولار وإيداعها في البنك بالكامل( مع اشتراط الإفصاح عن المصدر الرسمي للدولار بما يعني عدم إمكانية استخدام الدولار المتوافر في السوق الموازية) ويفرج البنك عن مقدم الصفقة ويتجمد باقي المبلغ ختي تصل الشحنة، وهي الإجراءات التي أصابت عملية الاستيراد بالشلل شبه التام.

وأشار المركزي في بيانه إلى أن الإلغاء بمثابة حافز لدعم النشاط الاقتصادي على المدى المتوسط، كما سيعمل البنك المركزي المصري على بناء وتطوير سوق المشتقات المالية بهدف تعميق سوق الصرف الأجنبي ورفع مستويات السيولة بالعملة الأجنبية.  

وكان مجلس الوزراء المصري أعلن بعد القرار بأيام عن الإفراج عن بضائع موجودة داخل الموانئ المصرية بقيمة 5 مليارات دولار، منذ بداية ديسمبر/كانون الأول الحالي وحتى يوم 23 من الشهر نفسه، وذكر مجلس الوزراء في بيان أن البضائع المفرج عنها جاءت من السلع المحتجزة داخل الموانئ، وتتجاوز قيمتها نحو 14 مليار دولار، وأن حجم البضائع المتبقية في الموانئ يبلغ حتى 25 ديسمبر/كانون الأول 2022، ما قيمته نحو 9.5 مليارات دولار، كما أشار إلى أن الأولوية في الإفراج عن البضائع، ستكون للسلع الغذائية، ومكونات التصنيع الغذائي، والأدوية، ومستلزمات الإنتاج.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تدبير الحكومة لجزء من تلك المبالغ (ومن غير المعلوم كيف تم تدبير الجزء الباقي) كان عبر طرح أدوات دين محلية بالدولار ولكنها كانت قصيرة الأجل بشكل شديد (لمدة شهر واحد)، حيث طرحت الحكومة طرحا قيمته 990 مليون دولار لمده شهر بفائدة 4.5%، والثاني 1.14 مليار دولار لمده شهر بفائدة تتراوح بين 4.59% وً5.3%، والثالث قادم في 2 يناير 2023 وقدره 850 مليون دولار لمدة شهر  وستحدد الفائدة وقت المزاد، وتوضح هذه المدة شديدة القصر، العوز والاضطرار الشديد للاقتراض بالدولار، وأنه من المنطقي أن هذه المبالغ ستسدد من خلال الاقتراض بمزادات جديدة، وأن هذا النهج سيكون المسار الإجباري حتى يتم بيع الأصول.

وأبرز ما يلاحظ على قرار البنك المركزي تدرج الإلغاء، على أن يكون الإلغاء الكامل في ديسمبر 2022، أي خلال شهرين، وبالتزامن مع الإلغاء التدريجي للاعتمادات المستندية، رفع البنك المركزي قيمة الشحنات من 5 آلاف دولار إلى 500 ألف دولار، أي أنه أتاح مرونة للعمل بمستندات التحصيل دون الحاجة لفتح اعتمادات.

وكذلك فإن هناك اتفاق عام على أن قرار إلغاء شرط العمل بالاعتمادات المستندية والسماح بعودة العمل بمستندات التحصيل في عمليات الاستيراد، سينعش الاقتصاد مؤقتا، لكن بشرط توافر الدولار وتوافر سعر صرف مرن للجنيه أمام الدولار دون قيود، وذلك كنتيجة لشح الدولار في الدولة والبنوك، لا سيما في ظل تسجيل احتياطيات النقد الأجنبي في البنوك المصرية سالب 22 مليار دولار، الأمر الذي أدى إلى رفض البنوك إقراض بعضها البعض بالدولار فيما يعرف بعمليات الإنتر ـ بنك”

ببساطة فإن القرار سيجعل باب الاستيراد مفتوحا على مصراعيه بعد طول غياب، وإذا لم تتوفر حصيلة دولارية في البنوك تغطي طلبات الاستيراد فإن سعر الدولار سيرتفع أكثر. إلا أنه من جهة أخرى فإن القرار سيخفف الضغط على طلب الدولار جزئيا (لفترة مؤقتة) حيث بات المطلوب نسبة من قيمة عملية الاستيراد وليس قيمتها بالكامل كما ساد منذ فبراير الماضي، لا سيما أن المدة الزمنية للعملية الاستيرادية من الممكن أن تستغرق 6 أشهر كاملة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن القرار لم يحدد صراحة ما إذا كانت مصادر تمويل الاستيراد ستقتصر فقط على البنوك أم سيسمح بقبول دولار من المستوردين خارج الجهاز المصرفي، وعموما فإن استمرار قيود قبول الدولار من الصرافات أو مجهولة المصدر من خارج البنوك سيكون أمرا حتميا لتجنب وجود فجوات سعرية جديدة في السوق الموازية (السوداء) حتى زيادة دخول تدفقات الموارد الدولارية من المؤسسات الدولية أو الإقليمية.

عموما يمكن القول أن القرار الجديد رغم أنه في الاتجاه الصحيح ويعيد الأمور إلى أصلها (حال توافر كمية معقولة من الدولار تكفي الاحتياجات)، ولكن يظل غير كافٍ وحده، لتحقيق استقرار سعر الجنيه أمام الدولار، ويحتاج معه إلى حزمة متكاملة من السياسات الاقتصادية، التي تعمل على القضاء على التشوه الهيكلي للاقتصاد المصري بصفة عامة وللمعاملات التجارية على وجه الخصوص.

القرار الثالث: إصدار بنكي الأهلي ومصر شهادات ادخارية ذات عائد 25%

قرر بنكي الأهلي ومصر إصدار شهادة لمدة سنة، بعائد 25%؜ يصرف فى نهاية السنة، وكذلك بدورية عائد شهري بنسبة 22.5%؜ سنويا اعتبارا من يوم 4 يناير الجاري، وأضحت مثل هذا العوائد المرتفعة للشهادات الادخارية عملا اعتياديا مع كل انخفاض في قيمة الجنيه المصري، فمنذ أشهر قلائل أصدرت البنوك شهادات 18.5%، والتي لم يمر عليها عام كامل حتى الآن، وقبلها شهادة 16%.

ولا شك أن هذا الإجراء جاء مكملاً لقرار لجنة السياسات النقدية برفع سعر الفائدة في الإنتربنك بواقع 3%، مع استمرار المسار الهابط للجنيه بعد رفع المركزي يده عن تثبيت السعر استجابة لضغوط صندوق النقد وتحت وطأة الأزمة الدولارية الخانقة.

وقد اعتاد البنك المركزي على الاستعانة بالبنكين الكبيرين منذ عام 2016 في تنفيذ السياسة النقدية عبر طرح شهادات مرتفعة العائد في أوقات الأوضاع الاقتصادية الصعبة وموجات التضخم والتي تتزامن مع تحرير سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية وانخفاضه، وذلك بهدف وجود عائد حقيقي على مدخرات العملاء للحفاظ على القيمة الحقيقية لمدخراتهم.

ولعل أهم ما يمكن ملاحظته في الفقرة السابقة هو عدم الاعتماد على بنك القاهرة، البنك الحكومي الثالث من حيث الحجم، ويشير ذلك بوضوح على عدم رغبة الحكومة بتحميل الأعباء الثقيلة لتلك الشهادات على البنك الذي يجهز للخصخصة، بالإضافة إلى عدم إعلان أي من البنوك الأخرى في مصر على الانضمام لتلك الخطوة، رغم تلال الأموال المتدفقة نحو البنكين، والتي بلغت نحو 155 مليار جنيه بنهاية يوم 9 يناير 2023 طبقا لتصريحات يحيى أبو الفتوح نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري، 105 مليار منها جمعها البنك الأهلي و 50 مليار جمعها بنك مصر، وهو الأمر الذي يؤكد تكلفتها الثقيلة على أرباح تلك البنوك (نظرا للالتزام بسداد العائد المرتفع)، وإن كان من المرجح أن تحاول تلك البنوك مجاراة السوق في فترة لاحقة بإصدار شهادات أعلى من حيث العائد ولكنها لن تستطيع مجاراة بنكي الأهلي ومصر اللذان ولا شك سيدفعان الفاتورة كاملة.

ولا شك أن السماح بإصدار شهادات بعائد يصل إلى 25% دفع الخبراء للحديث عن جملة من التأثيرات السلبية منها والإيجابية على كافة متغيرات الاقتصاد الوطني، ونستعرض ونناقش في الجزء التالي تلك السلبيات والإيجابيات، وذلك في محاولة لاستبيان وترجيح الأثر العام لتلك الشهادات على الأوضاع الاقتصادية بمصر خلال الفترة القادمة.

أولا: السلبيات الناجمة عن القرار

توجد العديد من الأثار السلبية لهذ القرار على الأوضاع الاقتصادية المصرية، ولعل أهمها ما يلي:

1- تثبيط الاستثمار الحقيقي

ففي مجال المفاضلة بين البدائل سوف يفضل عدد كبير من المستثمرين اللجوء إلى الاستثمار في شهادات الادخار ذات العائد المرتفع والمضمون، على الدخول في غمار استثمارات حقيقية غير مضمونة العائد ومحفوفة المخاطر (خاصة في ظل الظروف الحالية للاقتصاد الوطني)، ولا شك أن ذلك سيخفض من الاستثمار الحقيقي بنسبة كبرى مما سيؤثر على مجمل النشاط الاقتصادي ويحد من خلق فرص العمل أو حتى الحفاظ عليها، ويزيد من حدة الركود الاقتصادي.

وهي الأمور الذي تزداد تعقيدا عند الأخذ في الاعتبار اضطرار الحكومة إلى خفض معدل إنفاقها على الاستثمار وعلى المشروعات الكبرى بسبب الأزمة التمويلية الطاحنة من ناحية، ومن ناحية أخرى بسبب ضغوط المؤسسات الدولية الدائنة، الأمر الذي يعني أن ضربة مزدوجة قد وجهت للاستثمار المحلي بشقيه الخاص والعام.

2- المزيد من عجز الموازنة:

تتباهي الحكومة أمام المؤسسات الدولية بتحقيق فائض أولي في الموازنة العامة للدولة كمحصلة لبرنامج الضبط المالي مع صندوق النقد والذي بدأ بنهاية عام 2016، ولكن من الواضح أن هذا الفائض الوهمي قد أضحي مهددا بعد إصدار تلك الشهادات، حيث يؤثر ارتفاع سعر الفائدة بصفة عامة وأسعار الفائدة على الشهادات الادخارية على وجه الخصوص، على اضطرار الحكومة على رفع أسعار الفائدة لأذون وسندات الخزانة وذلك للاستمرار في تمويل عجز الموازنة، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع مدفوعات الفوائد ونفقات خدمة الدين العام، وتزيد من ثم النفقات العامة الأمر الذي قد يؤثر بالسلب على تقديرات الحكومة في الموازنة العامة وعلى عجز الموازنة.

ووفقا لتقديرات وزير المالية فإن كل زيادة مقدارها 1% في سعر الفائدة يكبد الموازنة العامة للدولة بين 30 إلى 32 مليار جنيه، الأمر الذي يعني أن ارتفاع الفائدة بنسبة 3% يكلف الموازنة 90 مليار جنيه عجزا إضافيا.

3ـ الأثر السلبي على البورصة المصرية

في مجال الاستثمار تتم المفاضلة بين بدائل من الأصول، وتعتبر الشهادات الادخارية إحدى البدائل المتنافسة مع الأسهم والسندات والذهب، وهي البدائل المرشحة بقوة أمام المواطنين للحفاظ على قيم مدخراتهم بالعملة المحلية، ولا شك أن رفع الفائدة إلى هذه الدرجة في الشهادات الجديدة سيوجه الأموال بصورة مباشرة نحو الشهادات على حساب بقية البدائل وفي مقدمتها الأسهم.

من المنطقي أن يكون لذلك أثرين سلبيين بصورة مباشرة، أولهما انخفاض عام لمؤشرات البورصة المصرية والتي خرجت لتوها من فترات خسائر حادة خلال الأعوام الماضية، وثانيهما إفساح المجال لتملك الأجانب لأغلبية أسهم البورصة حيث الانخفاض الحاد لسعر السهم مقوَّما بالدولار، الأمر الذي يعني المزيد من بيع الأصول المصرية وتمليكها للأجانب. وتجدر الإشارة إلى أن الارتفاع الملحوظ في مؤشرات البورصة المصرية مؤخرا مدفوع بالأساس بالعامل الثاني (انخفاض قيمة الأسهم مقومة بالدولار)، إلا أن سحب السيولة المتعلق بالعامل الأول سيؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض المؤشرات مرة أخرى.

4ـ أثر ضعيف على التضخم وكبير على الركود

دائما ما تبرر الحكومة قرارها برفع معدل الفائدة بمحاربة التضخم، ولا شك أن التضخم في مصر ليس من جانب الطلب، فقد تعرض الإنفاق الاستهلاكي لعدة ضربات قاصمة خلال الأعوام الماضية لا سيما بعد قرار التعويم الأول، وتآكل القوة الشرائية للمواطنين، علاوة على قرارات رفع الدعم ورفع أسعار المواصلات، وكلها حطمت القدرات الشرائية للمواطن المحلي.

وتجدر الإشارة إلى أن انخفاض الجنيه سيرفع أسعار السلع المستوردة (ومعظمها سلع رئيسية ومستلزمات إنتاج) حتى لو ارتفعت وتيرة الإفراج الجمركي عنها خلال الفترة المقبلة، وهو الأمر الذي سيصب في جانب المزيد من تأجيج معدل التضخم.

وبذلك فإنه من المنطقي ألا يكون الأثر الفعلي لرفع سعر الفائدة بصفة عامة وعلى الشهادات الادخارية على وجه الخصوص تأثير يذكر على تراجع معدل التضخم في مصر، حيث يشحذه في الأساس الهبوط الحاد للجنيه، بالإضافة إلى أن طبيعة التضخم في مصر في الوقت الراهن تتعلق بجانب العرض والتكاليف ومعظمها أسباب خارجية في المقام الأول.

وبالتالي فإنه من المنطقي أن تنحصر آثار هذا القرار في انكماش وركود اقتصادي واسع كما تمت مناقشته سابقا، ويمكن إضافة أن حدة الركود المتوقع يتوقف فقط على قدرات الحكومة على تدبير موارد للإنفاق على الاستثمار المحلي (وذلك يبدو ضعيفا جدا) وكذلك على قدرتها على التملص من اشتراطات الصندوق بتخارجها من المشروعات (وهو الآخر يبدو صعبا في ظل الانبطاح التام خلال مفاوضات القرض الأخير).

ثانيا الإيجابيات الناجمة عن القرار

تتمحور آراء الخبراء حول إيجابيات قرار رفع فائدة الشهادات حول:

1-  زيادة جاذبية الجنيه المصري

يعد رفع سعر الفائدة على شهادات الادخار إلى 25% من عناصر الدفاع عن قيمة الجنيه المصري المتناقصة بشكل مستمر في مواجهة العملات الأجنبية، فإصدار تلك الشهادات يوسع الفارق بين عائدها وبين نظيراتها بالدولار إلى 20%، الأمر الذي يزيد من جاذبية الجنيه المصري، بشكل قد يدفع الكثيرون إلى التخلي عن حيازاتهم الدولارية، ومع الاستمرار المتوقع لارتفاع الدولار الزاحف، من الطبيعي أن يتخلى الكثير من الأفراد عن حيازتهم الدولارية والتحول نحو الاستثمار في الشهادات الجديدة وبالعملة المحلية، لا سيما في ظل استمرار تدفق تحويلات العاملين في الخارج والانهيار المتوقع للسوق السوداء بعد الخفض الحقيقي للجنيه في البنك المركزي، وكل ذلك سيوفر المزيد من الموارد الدولارية الهامة لحلحلة الأزمة الراهنة.

لا شك أن التحليل السابق يبدو نظريا إلى حد كبير، فالمواطن المصري تسيطر عليه حالة اللايقين الاقتصادي، فقد تحول حديث الإنجازات دراماتيكيا إلى أزمة وتضخم منفلت، ولحق التعويم الثاني بالتعويم الأول، ولم يستقر التعويم الثالث عند قاع حتى اللحظة الراهنة، كما أن معدل التضخم الحقيقي المعلن حاليا لا يعبر عن حقيقته لا سيما بعد الانخفاض المستمر للجنيه، وبالتالي فإن العائد على الشهادات رغم ارتفاعه فإنه يبدو سلبيا مقارنة بمعدل التضخم.

ومن ذلك فإن تخلي المصريين عن الدولار انطلاقا من أية حوافز لمعدل فائدة مرتفع يبدو بعيد المنال، لا سيما أن التعويم الحالي من المتوقع استمراره حتى تجد الدولة مصادر جديدة للدولار أو حتى تتمكن من تنمية موارده الاعتيادية وهو الأمر الذي لن يحدث في الأجل القصير. ومما يدلل على ذلك ما صرح به يحيى أبو الفتوح نائب رئيس البنك الأهلي أن نحو نصف التدفقات التي ذكرها (155 مليار جنيه حتى 9 يناير) جاءت من التخلص من الشهادات القديمة ذات العائد الأقل طمعا في العائد المرتفع للشهادات الجديدة، وبالتالي فإن هناك جزء فقط من النصف الباقي قد يكون ناتجا عن تحويلات للجنيه من الدولار (على أساس أن الجزء الباقي جاء من مصادر أخرى بالجنيه المصري)، وهذا يعني أن تأثير طرح الشهادات الجديدة على تخلص العملاء من مصادر بالعملة الصعبة للاستفادة بالعائد المرتفع على الجنيه لا يزال بسيطا.

2- الحد من تهريب رؤوس الأموال للخارج

 يحد قرار رفع أسعار الفائدة وصدور شهادات ادخارية بعوائد مرتفعة من ظاهرة خروج الأموال من مصر، بالنظر لأنها تمثل عنصر جذب لتدفق الموارد المالية إلى الداخل وتقلل من حوافز هروب الأموال إلى الخارج.

يبدو الطرح السابق نظريا كثيرا كذلك، حيث العوامل المؤثرة في قرارات تهريب الأموال للخارج ليس من بينها العائد على الشهادات، فمجمل المناخ الاستثماري الصحي السائد، وسيادة دولة القانون والشعور بالأمان والاستقرار والتفاؤل بشأن مستقبل الاقتصاد، كلها أمور مفتقدة في الحالة المصرية. وما يدلل على ذلك الأنباء المتواترة عن بيع حصص كبيرة من شركات كبرى مصرية لشركات أوف شور في ملاذات ضريبية ومالية عالمية لشركات أجنبية مملوكة لنفس الملاك المصريين.

إجمالا يشير التحليل السابق بجلاء أن سلبيات قرار إصدار شهادات ذات العائد 25% على الاقتصاد المصري ستون أكثر تأثيرا بدرجة كبيرة عن إيجابيات ذلك الإصدار، والتي تقبع في دائرة الاطار النظري الذي لا يأخذ في الاعتبار العديد من المتغيرات المؤثرة في المشهد الاقتصاد المصري والتي تراكمت من خلال الإجراءات النقدية والمالية وربما الأمنية المتبعة خلال السنوات الماضية.

وبذلك فإنه يمكن اعتبار تلك الشهادات مجرد جرعة من المسكنات الاقتصادية لتلك الطبقة التي تمتلك فوائض مالية تسعي لتخفيض خسائرها الحقيقية منها جراء خفض قيمة الجنيه، ويبقى التساؤل الهام ماذا عن تلك الطبقة التي لم تعد تمتلك أي مدخرات ماذا ستقدم لهم الدولة؟ 

الخلاصة

يوضح تحليل القرارات التي اتخذها البنك المركزي مؤخرا استمرار حالة التخبط في الإدارة النقدية واللجوء إلى عدد من المسكنات المشكوك في أنها ستحدث أي أثر إيجابي على الحالة الاقتصادية العامة في مصر، والتي وصلت إلى حالة من التدهور الذي لا تصلح معه الإجراءات المعتادة للتصدي للمشكلات المختلفة في ظل اقتصاد مستقر إلى حد ما.


[1] عبد الرحمن يسري: التنمية الاقتصادية في الإسلام، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، مصر، ص78.

[2] البنك المركزي المصري: المجلة الاقتصادية، مجلد 62 رقم 1، 2021/2022.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close