fbpx
قلم وميدان

قوانين تنظيم العمل الأهلي في مصر قبل 1952

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تمهيد

في هذا المقال نبدأ في تناول تطور الإطار القانوني الذي ينظم نشاط كيانات العمل الأهلي وسوف نقسم هذا الايضاح إلى جزئين، الأول يتناول الفترة ما قبل 1952، الثاني منذ العام 1952 – 2011، وسيتم التركيز في هذا المقال على المرحلة الأولى.

ففي حينما تعرضت مصر للاحتلال البريطاني في عام 1882م برزت أهمية الجمعيات الأهلية، واستطاعت أن تنهض بدور رئيسي وفعال في مختلف المجالات الاجتماعية والتعليمية والصحية والثقافية. وقد وجد الزعماء السياسيون في تلك الجمعيات حينئذ السبيل لتحقيق أهدافهم، فسارعوا إلى تكوينها ودعمها بكل السبل بمشاركة جادة من الأفراد والأعيان وفئات الشعب المختلفة، بعد أن تأكد لهم عظمة الدور الذي تقوم به الجمعيات الأهلية في دعم الحركة الوطنية وفي النهوض بالعلوم والفنون والآداب والثقافة، إلى جانب ما تؤديه من خدمات الرعاية الاجتماعية.

وقام العديد من المصريين بوقف العقارات لصالح تلك الجمعيات، وتبرعوا لها بمبالغ ضخمة من أجل تحقيق أهدافها. وبفضل جهود المواطنين وتبرعاتهم استطاعت تلك الجمعيات أن تنشئ المدارس بمختلف مراحلها والمستشفيات والعديد من المؤسسات الاجتماعية. ومن أمثلة تلك الجمعيات الجمعية الخيرية الإسلامية وجمعية المساعي الخيرية القبطية والعروة الوثقى والمساعي المشكورة وجمعية المواساة وجمعية الهلال الأحمر المصري وغيرها.

وإلى جانب هذا الدور فإن الجمعيات الأهلية مثلت في تلك الفترة مؤسسات للتنشئة السياسية. قبل مرحلة نشأة الأحزاب السياسية وذلك من خلال تبنيها لقضايا الهوية المصرية والوحدة الوطنية كمضامين رئيسية في الثقافة السياسية المصرية.

 

أولاً: دستور 1923م:

كان لصدور دستور سنة 1923 أثر بالغ في تنشيط العمل الأهلي التطوعي في مصر إلى الحد الذي وُصفت فيه الفترة ما بين 1923 إلى 1952 بأنها مرحلة ازدهار العمل الأهلي في مصر. يرجع ذلك إلى أن دستور 1923 اعترف بحق المصريين جميعًا في تأسيس الجمعيات. فتميزت هذه المرحلة بإطلاق حركة تكوين الجمعيات الأهلية في إطار تشريعي يفرق بين ثلاثة أنواع من الجمعيات الأهلية:

الأول: الجمعيات ذات الطابع العسكري التي تعمل لخدمة حزب أو مذهب سياسي معين وقد حظر المشرع المصري آنئذ قطعيًّا قيام هذه الجمعيات بمقتضى القانون رقم 17 لسنة 1938.

الثاني: الجمعيات المدنية وقد أبيح لها ممارسة كل أو التي تستهدف الحصول على ربح مادي وتتمتع بكل الحقوق التي يتمتع بها الشخص الاعتباري، وتنظم قيامها وأنشطتها أحكام المواد من 54 إلى 68 من القانون المدني المصري.

الثالث: الجمعيات الخيرية والمؤسسات التي يخصص مالها لمدة غير معينة لأعمال الخير والنفع العام وقد أخضعها المشرع المصري لأحكام القانون المدني في المواد 69 إلى 78 وأخضعها لرقابة الدولة وينظم قيامها وأنشطتها قانون خاص ويندرج تحت هذا النوع من المؤسسات الملاجئ ومؤسسات رعاية الأحداث.

 

ومن أهم النصوص التي تضمنها القانون حول عمل هذه الجمعيات:

1ـ نصت المادة 58 من القانون المدني على أن تثبت الشخصية الاعتبارية للجمعية بمجرد إنشائها، ولا يحتج بهذه الشخصية قبل الغير إلا بعد أن يتم شهر نظام الجمعية.

2ـ نصت المادة 59 على أن يتم الشهر بالطريقة التي يقررها القانون. ومع ذلك فإن إهمال الشهر أو التهرب بأي وسيلة أخرى من إثبات وجود الجمعية رسميًّا لا يمنع الغير من التمسك ضد الجمعية بالآثار المترتبة على الشخصية الاعتبارية. كما نصت تلك المادة على أن كل جمعية غير مشهرة أو غير منشأة إنشاءً صحيحًا أو مكونة بطريقة سرية تلتزم مع ذلك بما تعهد به مديروها (مجلس الإدارة) أو العاملون لحسابها. ويجوز تنفيذ هذه التعهدات على مال الجمعية سواء أكان ناتجًا عن اشتراكات أعضائها أم كان من أي مورد آخر.

3ـ نصت المادة 63 على أن كل قرار تصدره الجمعية العمومية مخالف للقانون أو لنظام الجمعية يجوز إبطاله بحكم من المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرتها مركز الجمعية. ويشترط أن ترفع دعوى البطلان من أحد الأعضاء أو من شخص آخر ذي مصلحة أو من النيابة العامة خلال ستة أشهر من تاريخ صدور ذلك القرار.

4ـ أجاز القانون في المادة 64 إبطال التصرفات التي يقوم بها مديرو الجمعية (مجلس الإدارة) متجاوزين حدود اختصاصاتهم أو مخالفين لأحكام القانون أو نظام الجمعية أو قرارات الجمعية العمومية. وذلك بحكم من المحكمة الابتدائية التابع لها مركز الجمعية بناء على طلب أحد الأعضاء أو النيابة العامة. وأوجب القانون رفع دعوى الإبطال خلال سنة من تاريخ العمل المطلوب إبطاله. وحظر رفع دعوة البطلان على غير حسني النية الذين كسبوا حقوقًا على أساس ذلك التصرف.

5ـ أجازت المادة 65 من القانون المدني لكل عضو أن ينسحب من الجمعية في أي وقت ما لم يكن قد تعهد بالبقاء فيها مدة معينة.

6ـ أجاز القانون وفقًا لحكم المادة 66 حل الجمعية بحكم من المحكمة الابتدائية التابعة لها مركز الجمعية بناء على طلب أحد الأعضاء أو أي شخص آخر ذي مصلحة أو النيابة العامة، متى أصبحت الجمعية عاجزة عن الوفاء بتعهداتها، أو متى خصصت أموالها أو أرباح أموالها لأغراض غير التي أنشئت من أجلها أو متى ارتكبت مخالفة جسيمة لنظامها أو للقانون أو للنظام العام، كما أجازت للمحكمة إذا رفضت طلب الحل أن تبطل التصرف المطعون فيه. فإذا حلت الجمعية عين لها مصفٍ أو أكثر. ويقوم بهذا التعيين الجمعية العمومية إن كان الحل اختياريًّا، أو المحكمة إن كان الحل بموجب حكم قضائي (مادة 67 من القانون المدني).

ولم تكن أحكام القانون المدني المنظمة لإنشاء وقيام الجمعيات الأهلية تسمح لأي جهة إدارية بالتدخل في شئون الجمعيات أو تمس استقلالها أو تحدد نشاطها. كما لم تكن هناك عقوبات توقع على أعضاء الجمعيات إذا خالفوا الأحكام المنظمة لإنشاء وقيام الجمعيات اكتفاء بالاحتكام إلى القضاء في شأن ما يصدر من قرارات مخالفة للقانون أو لنظام الجمعية أو في شأن التصرفات التي يقوم بها مديرو الجمعية متجاوزين حدود اختصاصاتهم أو مخالفين لأحكام القانون أو نظام الجمعية أو قرارات الجمعية العمومية.

وكذلك في شأن حل الجمعية متى أصبحت عاجزة عن الوفاء بتعهداتها أو متى خصصت أموالها أو أرباح أموالها لغير الأغراض التي أنشئت من أجلها أو متى ارتكبت مخالفة جسيمة لنظامها أو للقانون أو للنظام العام، فلا يكون ذلك كله إلا بموجب حكم قضائي، وبناء على طلب أحد الأعضاء أو أي شخص ذي مصلحة أو النيابة العامة.

فكان من الطبيعي أن يزدهر العمل التطوعي وتنشط الجمعيات الأهلية كمؤسسات للتنشئة الثقافية والسياسية والاجتماعية. فتزايدت أعدادها وتنوعت أنشطتها في مجالات الثقافة والخدمات والتنمية الاجتماعية، واستطاعت بفضل حرية العمل الأهلي اجتذاب أعداد كبيرة من الأعضاء وأن تغطي بفروعها المختلفة أغلب أقاليم مصر.

ومن الضروري الإشارة إلى واقعه لها دلالاتها حدثت في العام 1925 خلال فترة تعطيل العمل بدستور والبرلمان صدر قانون عن الجمعيات السياسية يضع قيودًا بشأن الإخطار عنها وأعطى هذا القانون الحق لمجلس الوزراء سلطة حل الجمعيات، وأجمعت الأحزاب السياسية على رفض هذا القانون ووقفت ضده مما جمد القانون، وأحجمت الحكومة عن نشره في الجريدة الرسمية مما يدلل على إدراك ووعي الأحزاب في ذلك الوقت بأهمية الدور الذي تلعبه الجمعيات الأهلية وأيضًا وعي هذه الأحزاب والقائمين عليها لنقل سلطة الحل للسلطة التنفيذية.

 

ثانياً: إنشاء وزارة الشئون الاجتماعية:

في سنة 1939 أنشئت وزارة الشئون الاجتماعية في مصر لإحساس الدولة بمسئوليتها الاجتماعية من أجل تشجيع الجهود الفردية في المجال الاجتماعي. ومن بين الأهداف التي حددت للوزارة السعي إلى أن تصبح الدراسات والبحوث أساس المشروعات الاجتماعية، مؤكدًا أهمية تنظيم صلة وزارة الشئون الاجتماعية بالهيئات الخصوصية التي تبذل جهودًا في سبيل العمل الاجتماعي، وعلى أنه ليس من سياسة الوزارة أن تحل محل أي هيئة من أي نوع. بل إن سياستها هي أن تتعاون مع هذه الهيئات وما شابهها من الجمعيات وأن تزودها بالتشجيع والإرشاد الأدبي، وأن تساعدها ماليًّا كلما تسنت لها المساعدة، وتنسيق جهود الجمعيات والهيئات المماثلة لها ورفع مستوى العمل الاجتماعي والرعاية والتدريب والمحاضرات والتفتيش والنصيحة ووضع الأمثلة.

 

ثالثاً: القانون رقم 49 لسنة 1945م:

صدر القانون رقم 49 لسنة 1945 الذي نص على عدم اكتساب الجمعية الشخصية الاعتبارية إلا بعد موافقة وزارة الشئون الاجتماعية على تسجيل الجمعية، وفي حالة رفض طلب التسجيل يكون للأشخاص طالبي التسجيل الالتجاء إلى المحكمة الابتدائية. وأعطى القانون الحق للوزارة في الإشراف والتفتيش على أموال ومصروفات الجمعية، وأناط بها الترخيص للجمعيات بجمع التبرعات وخول وزارة الشئون الاجتماعية حق طلب حل الجمعية، وأوجبت المادة التاسعة من القانون المشار إليه على الجمعية إخطار وزارة الشئون الاجتماعية بتاريخ ومكان انتخاب مجلس الإدارة. وخول الوزارة الحق في إلغاء الانتخابات إذا خالفت لائحة الجمعية. وحددت المادة العاشرة من القانون السجلات والوثائق التي يتعين على الجمعية الاحتفاظ بها.

كما حدد القانون الحالات التي يجوز فيها لوزارة الشئون الاجتماعية طلب حل الجمعية ومن بينها حالة رفضها التفتيش من الإدارة، أو إذا كانت أنشطتها مخالفة للآداب والنظام العام. ويكون الحل بطلب من الوزارة إلى المحكمة الابتدائية (1).

————————————-

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close