fbpx
تقديرات

ليبيا بعد الصخيرات وأبعاد الدور المصري

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد

شهدت الساحة الليبية في بداية العام 2016 أحداثا متلاحقة بين حالة من التنافس والتناحر الداخلي بين المنطقة الشرقية (مقر مجلس النواب وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر) والمنطقة الغربية (العاصمة طرابلس ومقر المؤتمر الوطني العام وقوات فجر ليبيا ومن يساندها). تنافس أكد ازمة ازدواجية المؤسسات في ليبيا من برلمانين وجيشين وحكومتين (إذا استبعدنا حكومة التوافق الوطني المشكلة حديثا).

ويأتي هذا التناحر الداخلي وسط حالة استنفار من قبل المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية والتي صرح رئيسها بضرورة التدخل عسكريا في ليبيا بهدف ضرب تنظيم الدولة الاسلامية والذي توسعت بقاع السيطرة له واستطاع هزيمة قوات حفتر وقوات أخرى تابعة للمنطقة الغربية ومازال يشكل تهديدا للجوار الأوروبي.

يقابل ذلك حالة تخوف وترقب بين الفاعلين الإقليمين في المنطقة خاصة الجزائر وتونس واللتان تتحفظان على فكرة التدخل العسكري في ليبيا ويدعمان حلا سياسيا ترعاه الأمم المتحدة، كل هذه الأحداث المركبة والغامضة وضعت ليبيا وثورتها على صفيح ساخن بعدما مارست بعثة الأمم المتحدة ومبعوثيها إلى ليبيا (ليون وكوبلر) مع ثوار 17 فبراير (الثورة الليبية) سياسة العصا والجزرة والضغط بورقة العقوبات الدولية والتدخل العسكري.

ونحاول في هذا التقدير تسليط الضوء على أبرز تطورات المشهد الليبي سياسيا وعسكريا ودوليا من خلال محاولة قراءة إمكانية التدخل عسكريا من قبل القوى الغربية ومساندة الفاعلين الاقليمين في هذا التدخل وخاصة النظام المصري الذي تروق له كثيرا عملية التدخل العسكري إقليميا (الطيران المصري قام بضربات جوية العام الماضي أدت لمقتل مدنيين في مدينة درنة الليبية) (1).

أولاً: تطورات المشهد الليبي:

رغم حالة اللاستقرار التي مرت على الدولة الليبية خلال العامين الماضيين وزادت حالة الاحتقان المناطقي بعد إطلاق عملية الكرامة على يد الجنرال المتقاعد خليفة حفتر إلا ان العام 2016 شهد في بدايته انفراجة سياسية ربما تستطيع إخماد نار التناحر الداخلي، ويعد تشكيل حكومة توافقية من أبرز تطورات المشهد سياسيا.

ففي 19 يناير 2016 تم الاعلان من دولة تونس عن حكومة التوافق الوطني الليبية برئاسة فائز السراج (مهندس معماري وعضو مجلس النواب عن حي الأندلس بطرابلس وتم اقتراحه في أكتوبر 2015 رئيس للحكومة المنتظرة) (2)، التي تضم 32 وزارة بعد التوقيع على اتفاق سياسي برعاية الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات المغربية (3).

وبعد التشكيل قام رئيس الحكومة بعدة جولات عربية ودولية– رغم أن حكومته لم تأخذ الشرعية من قبل مجلس النواب المخول بمنحها ذلك-وقام أيضا بزيارة خاطفة إلى مدينة زليتن (على الساحل الغربي لليبيا، على مسافة 150 كم تقريبًا شرق العاصمة طرابلس) لتقديم واجب العزاء في ضحايا تفجيرين إرهابيين أسقطا عشرات القتلى والجرحى، تعرض موكبه خلالها إلى إطلاق نار.

وفي جلسة شابتها الكثير من المخالفات رفض مجلس النواب التشكيلة الأولية لحكومة السراج، مطالبا إياه بتشكيل حكومة مصغرة خلال عشرة أيام، وهو ما أكده فتحي المريمي المستشار الإعلامي لرئيس البرلمان بقوله أن البرلمان طالب بإعادة تشكيل حكومة مصغرة في غضون 10 أيام لتراعي التوزيع المناطقي أكثر (4). ليعود الليبيون إلى نقطة صفر سياسي جديدة بحثا عن حل سلمي.

بالاطلاع على تشكيلة السراج الأولية، نرى أنها من الناحية المناطقية والقبلية راعت جوانب عدة وعملت على توازن التمثيل داخل الحكومة بين مناطق ليبيا – وهذا أمر لطالما أثار حساسية شديدة في كل الحكومات السابقة والتي لم تراع أغلبها قضية المناطقية-لكن البعض قال إنها قامت على المجاملة والمحاصصة أكثر من كونها حكومة كفاءة (5)، كذلك خلت التشكيلة من اسم خليفة حفتر، وتم اقتراح اسم المهدي البرعثي (قائد عسكري في الشرق انشق عن حفتر مؤخرا) وزيرا للدفاع (6).

زيارات السراج الخارجية ودلالاتها:

خلال شهر يناير 2016 قام السراج بزيارتين رسميتين خارجيتين بدأها بتركيا ثم الجزائر، وبالنظر إلى الزيارتين نحاول استنتاج بعض الدلالات والرسائل التي أراد إيصالها والتأكيد عليها، والتي ستساهم بشكل أو بآخر في تطور المشهد الليبي خارجيا:

1-زيارة السراج إلى تركيا:

جاءت في 12 يناير 2016، والتقى خلالها برئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، في اجتماع مغلق، استمر لساعتين. وأشار بيان للخارجية التركية إلى تأكيد الجانب التركي خلال اللقاء، على استعدادهم لتقديم يد العون لليبيا في كافة النواحي، كما جدّد الجانب التركي تأكيده على أهمية تشكيل حكومة وفاق وطني في ليبيا، كما نص عليه الاتفاق الذي أُبرم في 17 ديسمبر 2015(7).

ولهذه الزيارة أهمية كونها تسلط الضوء على أهمية تركيا استراتيجيا ودوليا ودورها في المنظمات الدولية ودورها الاقتصادي والسياسي في دعم ثورات الربيع العربي ومنها الثورة الليبية، وخطوة من السراج وحكومته الجديدة لتحسين العلاقات مع اسطنبول بعد محاولة شخصيات سياسية مدعومة من دولة الامارات في تشويه الدور التركي والقطري في ليبيا، ولتكن هذه الزيارة ردا جزئيا لدحض هذه الشائعات المغرضة (8).

2-زيارة الجزائر:

جاءت في 25 يناير 2016، بدعوة رسمية من الجزائر لبحث دعم المسار السياسي في ليبيا، أو بالأحرى للاطلاع على تفاصيل المشهد الليبي سياسيا وعسكريا. والجزائر داعم رئيس للحل السلمي والسياسي في ليبيا، لأنها تعرف خطورة الحرب الأهلية هناك والأخطر منها التدخل الغربي والذي ستكون قواته قريبة من حدودها.

ومعروف سلفا موقف الجزائر من ثورات الربيع العربي ومن ثورة السابع عشر من فبراير، لكنها مؤخرا فضلت رعاية حوار ليبي واستقبلت بالفعل على أراضيها عدة شخصيات ليبية عسكرية وسياسية وحتى دينية “أبرزها الدكتور على الصلابي – عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”.

أزمة اتفاق الصخيرات

من التطورات السياسية أيضا حالة الجدل التي لايزال صداها لاتفاق الصخيرات المغربية، والذي تجدد مطلع العام الجاري ورغم لقاء رئيسا قطبي الأزمة في ليبيا في مالطا لمحاولة احتواء الاحتقان بينهما إلا أن التناحر لا زال مستمراً بين الطرفين، حيث رفضا التوقيع على الاتفاق، واتهم كل منهما من وقعوا على الاتفاق بأنهم تصرفوا بشكل شخصي دون الرجوع للمؤسسة.

وفي 2 يناير 2016، أعلن المؤتمر الوطني العام مجددا عدم التزامه باتفاق الصخيرات، وقال عوض عبد الصادق النائب الأول لرئيس المؤتمر في مؤتمر صحفي بـطرابلس إن كل ما نتج عن اتفاق الصخيرات لا يعتد به المؤتمر إلا إذا فتح الباب من جديد بالفعل وأدخلت تعديلات سواء في الجانب التشريعي أو التنفيذي أو الأمني، مضيفا أن المؤتمر أرسل إلى البعثة الأممية ثلاثة شروط تتعلق بتحقيق التوازن في الجسم التشريعي الذي اقترحته الأمم المتحدة، وتقليص أعضاء مجلس الرئاسة المقترح، وإشراك الثوار ورئاسة الأركان المنبثقة عن المؤتمر في الترتيبات الأمنية التي يفترض أن تسمح لحكومة التوافق بالعمل في العاصمة طرابلس.

ورغم رفض رئيس البرلمان “عقيلة صالح” لاتفاق الصخيرات منذ البداية إلا أنه تراجع عن ذلك بعد لقاء “مارتن كوبلر” المبعوث الدولى إلى ليبيا وأكد الأخير أن صالح أبلغه موافقته على الاتفاق، ويبدو أن التراجع جاء بشروط وهي عدم المساس بحفتر والذي تستبعده المادة 18 من الاتفاق.

قراءة في موقف المؤسستين:

المؤتمر الوطني العام –مقره العاصمة طرابلس وعاد إلى المشهد بعد حكم المحكمة العليا بحل مجلس النواب في اكتوبر 2015، ورغم الانتقادات الموجهة إليه إلا أنه أصر على رفض الاتفاق بحجة عدم الأخذ بالتعديلات التي أرسلها لبعثة الأمم المتحدة. لكن الحقيقة وراء الرفض تكمن في حالة تخوف أول مؤسسة تشريعية منتخبة في البلاد بعد ثورة 17 فبراير من استبعاد الثوار الحقيقيين من المشهد وتمكين آخرين وبقايا لنظام العقيد من الحكم، خاصة أن البعثة الأممية كانت تميل بشكل كبير لبرلمان طبرق وجبهة حفتر ولولا إصرار المؤتمر والثوار في المنطقة الغربية لنفذ المبعوث الأممي السابق “برناردينو ليون” مخططه في تمكين حفتر من قيادة المشهد.

أما برلمان طبرق فكان جل همه الحفاظ على خليفة حفتر وعدم إخراجه من المشهد وذلك مكافأة له على دعمه لمجلس النواب وتحقيق التوازن العسكري مع ثوار الغرب – مع عدم المقارنة كون حفتر متورط في جرائم حرب في مدينة بنغازي بعدما دمر جزءا كبيرا منها وقام بعمليات خطف وقطع رؤوس ضد مواطنين ليبيين.

تطورات المشهد العسكري:

لم يكن المشهد العسكري أقل تفاقماً من المشهد السياسي، مع استبعاد حفتر رسميا بنص اتفاق الصخيرات من المشهد، ورغم أن استبعاد خليفة حفتر من المشهد يعد شيئا مفروغا منه بنص الاتفاق السياسي الأخير(9)، إلا أن الانشقاقات التي وقعت داخل صفوف قواته خلال شهر يناير 2016، تعد أكبر ضربة له ولمصداقيته في الداخل الليبي وإن حاول هو التهوين منها ببيان هزيل ومجموعة من الصور التي التقطت له وزيارته لمصر ولقائه بعبد الفتاح السيسي محاولا إظهار نفسه بالقوي والمتحكم في الأمور.

ومن الضربات التي تعرض لها حفتر انشقاق المتحدث باسم قواته الرائد محمد الحجازي وهجومه الشرس على حفتر وأبناء عمومته (10)، وأعلن الحجازي في مؤتمر صحفي “البدء في تصحيح مسار عملية “الكرامة” التى أطلقها حفتر في اغسطس 2014، بعد أن “انحرفت عن أهدافها وساهمت في شرخ النسيج الاجتماعي وانقسام الأسر في المنطقة الشرقية”، حسبما قال.

وتحدث الحجازي عما وصفه بطمع حفتر وأبنائه وبعض من أبناء عمومته في الوصول إلى السلطة، وقيامه باختلاس الأموال المخصصة لدعم الجيش الليبي واستخدامها لمصالح شخصية، وأن حفتر أسس كتائب موازية للجيش ولاؤها له، مقتديا بمعمر القذافي في تفتيته المؤسسة العسكرية. وكانت هذه الكتائب تنفذ عمليات خاصة بها، منها الخطف والإخفاء القسري لبعض الشخصيات. وأضاف الحجازي أن حفتر كان يحول دون توزيع الآليات العسكرية ووصول الذخيرة لمحاور القتال خصوصا في مدينة بنغازي، مما جعل أفراد ومنتسبي الجيش هدفا سهلا للعدو، واختتم اتهاماته لحفتر بأنه وأقاربه وبعض القيادات القريبة منه سرقوا اموال الدعم واشتروا عقارات في مصر والأردن.

وخطورة هذه الاتهامات هو وصول بعضها إلى جرائم حرب ومنها اتهامه بان قوات حفتر تقوم بخطف المواطنين وقطع رؤسهم مثلما يفعل تنظيم داعش الارهابي، ورأى مراقبون أن هروب الحجازي ومعه عسكريون آخرون من سفينة حفتر أكبر دليل على مأزق الأخير وغرق مشروعه الانقلابي المدعوم من مصر والامارات.

بل وصل الأمر لاتهامات تم تداولها بأن حفتر لا يسعى لهزيمة تنظيم داعش داخليا وأنه يستغله في تفتيت الجهود ومحاول إضعاف القوات المنافسة له، وهو ما أكده المتحدث باسم حرس المنشآت النفطية “على الحاسي” أن قوات حفتر حاولت إشغالهم في معارك اختلقتها بمدينة أجدابيا بهدف سحب بعض القوات المتمركزة في الموانئ النفطية إلى أجدابيا لمواجهة قوات حفتر وبالتالي تفريغ منطقة الهلال النفطي من أي قوات مقاومة لتنظيم داعش حتى يصبح تقدم التنظيم ممكنا دون وجود عقبات كبيرة (11).

دلالة التوقيت في انشقاقات عسكريين مقربين من حفتر هو ضعف الأخير وغيابه الكامل عن المشهد العسكري وتقوقعه في مدينة المرج – مدينة ريفية تقع في شمال شرق ليبيا – في حماية قبيلته وبعض المنتفعين من مشروعه، أضف إلى ذلك خطوات قبائلية للتخلص منه قريبا خاصة أن محمد الحجازي المنشق الأخير عنه لا يستطع أخذ هذه الخطوة إلا بعد دعم مناطقي وقبائلي وإقليمي أيضا، لذا جاءت زيارة حفتر الأخيرة للسيسي.

ثانياً: احتمالات التدخل العسكري في ليبيا

أخذت الأزمة الليبية بعداً دولياً كبيرا تلخصت في عنوان واحد وهو “التدخل عسكريا لضرب داعش”.. وظهرت عشرات التصريحات من قبل مسؤولين في الدول العظمى تؤكد إمكانية التدخل عسكريا لضرب معسكرات داعش – دون الافصاح عن مكان هذه المعسكرات ولا آلية التدخل. وتصدرت التصريحات الأميركية هذا الأمر، حيث أعلنت وزارة الخارجية الإعداد لتحالف دولي-سيجتمع ممثلوه في روما خلال فبراير الجاري لمحاربة تنظيم داعش في ليبيا (12).

وسبق هذا التصريح أن فرنسا والولايات المتحدة أبلغتا الجزائر بعمليات عسكرية كبيرة ستشنها دول غربية ضد تنظيم “داعش” في ليبيا، في حين أكدت مصادر عسكرية إن الدول الغربية تحضر بالفعل في الوقت الراهن لعمليات عسكرية ضد التنظيم. وبالفعل وجه الرئيس الأميركي باراك أوباما مستشاريه لشؤون الأمن القومي بالتصدي لتنظيم الدولة في ليبيا ودول أخرى، في حين قالت وزيرة الدفاع الإيطالية روبيرتا بينوتي إن روما وواشنطن ولندن وباريس تدرس خيار التحرك العسكري لإعادة الاستقرار إلى ليبيا.

وتم الإعلان في يناير 2016 أن اجتماعاً سرياً وقع في تونس بين مسؤولين عسكريين أمريكيين وليبيين، في إطار اجتماعات دورية غير معلنة لتدريب الجيش الليبي وأنه تم رصد مواقع تابعة لتنظيم داعش على الأراضي الليبية. وتتطابق هذه المعلومات مع ما قاله أخيراً، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) “بيتر كوك” بشأن قيام الولايات المتحدة بالفعل بإرسال “عدد صغير من العسكريين” إلى ليبيا لمحاولة “إجراء محادثات مع قوات محلية للحصول على صورة أوضح لما يحدث هناك على وجه التحديد”(13).

وحول آلية التدخل وأسبابه، أكد الخبير في شؤون الأمن القومي الأميركي والشرق الأوسط “هاردن لانج” أن تنظيم الدولة بليبيا لا يشكل خطرا يهدد وجود الدولة، لكنه قد يفكك النسيج الأمني الليبي، وقال إن إدارة أوباما أدركت أن خطر تنظيم الدولة في ليبيا بات واضحا ولا يمكن تجاهله، مشيرا إلى أن التدخل العسكري الغربي ضد التنظيم -إن حدث-سيكون بهدف دعم حكومة الوفاق الوطني. وأوضح أن الخطر الحقيقي هو أن تنصب الجهود الغربية على العمل العسكري لمحاربة التنظيم فقط دون مراعاة العملية السياسية المرتبطة بدعم حكومة الوفاق الوطني من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا.

حلف الناتو الذي تدخل لمساعدة الثوار على القضاء على القذافي منذ بدايات الثورة، أكد تمسكه بالحل السياسي في ليبيا، وأكد أمينه العام أنه حال التوصل إلى تشكيل حكومة توافق فإن (الناتو) مستعد لتعزيز المرافق والمؤسسات الأمنية الليبية ومساعدة الحكومة الجديدة، مؤكدا إرادة الحلف في مواجهة تنظيم “داعش”(14).

لكن صحيفة صربية نقلت عن مصادر عسكرية أن حلف الناتو سيعود للتدخل في ليبيا بقوة قوامها 1000 جندي “إنجليزي” وستة آلاف جندي إيطالي. دون ذكر تفاصيل عن آلية التدخل أو عمليات التنسيق إقليميا أو محليا (15).

ايطاليا التي لا يفصلها عن ليبيا وأحداثها إلا البحر، أكدت على لسان وزيرة الدفاع الإيطالية، روبرتا بينوتي، أن “التدخل الدولي في ليبيا لا يمكن أن ينتظر حلول فصل الربيع”، مشددة على ضرورة تنسيق الجهود الدولية في هذا الصدد، مضيفة: “لقد عملنا بشكل وثيق مع الأميركيين، والبريطانيين، والفرنسيين، ونحن جميعاً متفقون على ضرورة تجنب الإجراءات غير المنسقة، التي لم تسفر في الماضي عن نتائج جيدة”، وتابعت: “لهذا نعمل الآن بشكل أكبر وملموس، عبر جمع المعلومات، وصياغة خطط التدخل الممكنة، على أساس المخاطر المتوقعة”(16).

وبعد استعراض المواقف الغربية من عملية التدخل العسكري يمكن القول إن احتمالية التدخل العسكري في ليبيا تحكمها عدة أمور، من بينها مدى نجاح سيناريو الاتفاق الليبي الليبي (اتفاق تونس وليس المغرب) أو مدى الدمج بين اتفاق الصخيرات واتفاق تونس، وإجراءات وتوجهات الحكومة المقبلة والتي جاءت بداية بدعم أممي، (أحمد معيتيق النائب الأول لرئيس حكومة التوافق الوطني رفض رفضا قاطعا التدخل عسكريا في ليبيا، لكنه لم يستبعد دعما لوجستيا من قبل الدول الكبرى). واحتمالية التدخل قد تكون تابعة لحالة نجاح ليبي خالص دون أي تنسيق أممي، ففي هذه الحالة قد يحدث تدخل عسكري إذا ما كانت الحكومة الناشئة لها توجه معادي للمنظمات الدولية أو رافض للتعاون الأممي (17).

ثالثاً: طبيعة الدور المصري في حالة التدخل العسكري

الموقف المصري من عملية التدخل العسكري في ليبيا واضح جدا وهي تأييده المطلق، بل ومشاركته بقوة فيه، منذ بداية انقلاب حفتر، حيث تم دعم قوات حفتر بذخائر ومعلومات مخابراتية ومساندة جوية خلال قيامه بضربات جوية لمدينة درنة والتى أدت لمقتل مدنيين من بينهم أطفال، وهو ما أسس لاحتقان شعبي ضد العمالة المصرية هناك وبدأت مطاردتهم في الشوارع.

واحتمالات التدخل العسكري في ليبيا يعد خيارا مفضّلاً لدى النظام المصري، الذي يتذرع دائماً، بتمدّد وتنامي دور “داعش” في ليبيا للمطالبة، أكثر من مرة خلال لقاءات مع مسؤولين غربيين لإفساح المجال أمام دول الجوار للتدخل عسكريا في ليبيا (18).

بجانب أن تسريبات عباس كامل مدير مكتب السيسي بخصوص الأزمة الليبية تفسر موقف مصر في إدارة الملف الليبي منذ بداية انقلاب حفتر، والتي دعمته رسميا وعسكريا ودوليا وتحاول الان إنقاذه بعدما تم استبعاده من المشهد (19).

الدور المصري في ليبيا حال التدحل العسكري، سيتلخص في الدعم اللوجستي والمعلوماتي بداية، ويفهم ذلك من تصريحات أوباما أن المخابرات الأميركية بدأت في تجميع المعلومات حول ليبيا، وستظل المعلومات ناقصة حتى تقدم مصر ملفها حول ليبيا.

ولن يقف الدور المصري عند مرحلة الدعم المعلوماتي واللوجستي، لكن المشاركة بقوات برية أو جوية وارد جدا، وخاصة أن النظام المصري سيكتسب بهذه المشاركة المزيد من الشرعية حيث سيكون جزء من جهد دولي يحارب “الارهاب” متمثلا في تنظيم الدولة. ويؤكد هذا الطرح عدة أمور: القرب الجغرافي وسهولة القيام بطلعات جوية أو مساندة لقوات غربية، قبول بعض المناطق او القبائل “المؤيدة لحفتر ومشروعه الانقلابي” لتدخل مصري بل والمطالبة به (20).

لكن القيام بأي دور مما سبق في إدارة الملف الليبي لن يتم إلا في ظل ضوء أخضر أميركي، وتأييد إقليمي للتحرك على رأسه الجزائر وتونس.

الخلاصة:

مما سبق يتضح عدة أمور ربما تؤثر جديا على المستقبل السياسي والعسكري في الأزمة الليبية، ومنها:

1-ضبابية سياسية: وهو أن يستمر تعقد المشهد السياسي وضبابيته بعد حالة توسع في الانقسام السياسي والاحتراب الداخلي والتربص الدولي، وهو ما يتطلب سرعة حلحلة الملفات العالقة والوصول إلى مؤسسات حقيقية يمكنها إدارة الملف والأزمة بشكل مؤسسي وديمقراطي.

2-عسكريا: سيظل حفتر في حالة استنفار حتى يعرف مصيره المجهول، وإن كانت زيارة السراج له أعطته بصيصا من الأمل كونه اعتبر نفسه جزءا من الأزمة لا يمكن تجاوزه، لكن الانفضاض الشعبي عنه والعسكري أضعفه كثيرا.

3- دوليا: سينتظر المجتمع الدولي حتى تتشكل الحكومة وتمنح الثقة وتبدأ في ممارسة مهامها ثم تبدأ الأجندة الدولية في التداخل مع الملفات الداخلية العديدة، وإن كانت “تصريحات الأميركيين والإيطاليين والفرنسيين والإنجليز من سياسيين وعسكريين تتطابق للتأكيد على أن أولويتهم في ليبيا منحصرة عند منع تنظيم الدولة من السيطرة على ليبيا وعدم توسعه في شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء ودوّل غرب إفريقيا، ووقف موجات الهجرة غير القانونية من ليبيا نحو أوروبا التي قد تحمل معها خلايا التنظيم النائمة”(21) إلا أن التدخل عسكريا يظل أمرا واردا في ضوء الاجراءات التي ذكرناها سابقا.

4-إقليميا: تتوزع مواقف التأييد والرفض من قبل الفاعلين الاقليميين على قوى النزاع والاقتتال وفق قوة ومصالح هذه الدول مع ليبيا ووفق مدى المنافسة والاقتتال أحيانا حول فكرة السيطرة والنفوذ في الداخل الافريقي وخاصة منطقة الساحل والصحراء (22).

————————————–

الهامش

(1) الجزيرة نت، قتلى وجرحى في غارات مصرية على مدينة درنة، بتاريخ 17 فبراير 2015+ وكالات ومواقع ليبية.

(2) موقع ويكيبيديا، وموقع أسرة السراج وصفحات لشخصيات ليبية سياسية.

(3) وكالة فرانس24 بتاريخ 19 يناير 2016.

(4) صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ الثلاثاء 26 يناير 2016،

(5) موقع ليبيا المستقبل

(6) صحيفة السفير اللبنانية

(7) وكالة الأناضول، موقع تركيا بوست بتاريخ 12 يناير 2016.

(8) الجزيرة نت، بتاريخ 2 يناير 2016، تقرير حول رفض المؤتمر لاتفاق الصخيرات”.

(9) جزء من المادة (8) من الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات (2-اختصاصات مجلس رئاسة الوزراء: القيام بـمهام القائد الأعلى للجيش الليبي؛ (وهذه تحديدا التي استبعدت حفتر من المشهد) تعيين وإقالة رئيس جهاز المخابرات العامة بعد موافقة مجلس النواب.”.

(10) ذكر مصدر مقرب من حفتر أن الأخير لا يأمن لأحد من الاقتراب منه وأن حرسه الخاص هو أولاده وأبناء أخيه وقبيلته فقط ولا يستطيع أحد الدخول عليه وهو يحمل سلاحه (مصدر خاص بالباحث).

(11) الجزيرة نت، تقرير بعنوان هل حفتر وداعش وجهان لعملة واحدة؟ بتاريخ الاربعاء 6 يناير 2016.

(12) موقع العربية نت، بتاريخ 30 يناير 2016.

(13) قناة الجزيرة الفضائية، برنامج ما وراء الخبر، حلقة الجمعة 29 يناير 2016.

(14) وكالة الأنباء الليبية الرسمية “وال “.

(15) جريدة “INFORMER” بتاريخ 3 فبراير 2016.

(16) وكالة الاناضول، بتاريخ الخميس 28 يناير 2016.

(17) يمنى سليمان، تطورات الأزمة الليبية في ضوء اتفاق تونس، “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 25 ديسمبر 2015.

(18) التدخّل العسكري في ليبيا ينتظر حكومة الوفاق… واستنفار مصري”، صحيفة العربي الجديد بتاريخ 13 ديسمبر 2015.

(19) زيارة حفتر إلى القاهرة ولقائه بالسيسي وبعض قيادات المخابرات تؤكد أن تحركاته وتعليماته تصاغ في القاهرة، وتزامنت الزيارة مع تواجد رئيس الحكومة الليبية الجديدة في القاهرة وذكرت مصادر مقربة منه أنه تم الضغط عليه من قبل مصر للقيام بزيارة حفتر في مدينة المرج وهو الأمر الذي أثار لغطا كبيرا وانتقادا للسراج (مصدر خاص بالباحث) .

(20) خرجت بعض المظاهرات الموجهة ترفع لافتة مكتوب عليها باللهجة الليبية (نبي سيسي كسيسيهم) ومعناه نريد حفتر أن يصبح كالسيسي في القضاء على الاسلاميين والثوار بشكل عام.

(21) الاحتمالات في ليبيا من منظور أولويات القوى الكبرى وصراعات الداخل”، مقال للكاتب الصحفي الليبي إسماعيل القريتلي.

(22) المصدر السابق نفسه بتصرف.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close