fbpx
تقديرات

مآلات تعويم الجنيه وإجراءات الإصلاح الاقتصادي

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

في خطوة لم تكن مفاجئة أقدم البنك المركزي علي تخفيض قيمة الجنيه المصري بنسبة 48% وإعطاء البنوك الحرية في تحديد سعر الصرف، وجاءت هذه الخطوة ضمن حزمة من القرارات تدعي الحكومة أنها برنامج إصلاح وطني يعتمد في جزء منه علي توفير تمويل يسد فجوة الموارد الدولارية، وفي أجزاء أخري علي مجموعة من القرارات الإدارية التي تري السلطة أنها السبب في التشوهات الحالية في الأسعار واختفاء السلع وتزايد الواردات والاستهلاك وبالتالي التضخم، وتري السلطة أن علاج هذه التشوهات سيكون من خلال حزمة من القرارات المتكاملة التي تضع القطار الاقتصادي علي المسار الصحيح.

وقد اعتمدت السلطة في تطبيق هذه الحزمة على طريقة الصدمة، حيث رأت تطبيق هذه الحزمة بصورة كاملة وغض الطرف عن الآثار المترتبة على الأوضاع المعيشية، ومحاولة امتصاص السخط الاجتماعي المترتب على التطبيق.

وتحاول هذه الورقة مناقشة مجموعة من النقاط لاستقراء القرارات الحكومية وتداعياتها على الوضع الاقتصادي في مصر حاليا ومستقبلا، وذلك كما يلي:

 

أولاً: حزمة قرارات برنامج الإصلاح الاقتصادي:

اتخذت الحكومة المصرية مجموعة من القرارات وذلك ضمن ما أسمته برنامج للإصلاح الاقتصادي في مصر وكان من بين تلك القرارات:

1ـ خفض قيمة الجنيه أمام الدولار:

جاء خفض الجنيه على مرحلتين أساسيتين، كانت البداية في مارس 2016 حين خفض البنك المركزي المصري سعر العملة المحلية بمقدار 1.12 جنيه مقابل الدولار، لتنخفض قيمة الجنيه رسميا بنسبة 14.3% ليصبح سعر بيع الدولار في البنوك 8.95 جنيهات بدلاً من 7.83 جنيهات، وأعلن البنك أنه عازم على انتهاج سياسة أكثر مرونة فيما يتعلق بسعر الصرف، التي من شأنها علاج التشوهات في منظومة أسعار الصرف واستعادة تداول النقد الأجنبي داخل الجهاز المصرفي بصورة منتظمة ومستدامة تعكس آليات العرض والطلب (1)

وكان هذا الانخفاض بمثابة إعلان من البنك المركزي عن عجزه عن الدفاع عن قيمة العملة المحلية بسبب النقص الشديد في موارد النقد الأجنبي، وبالتالي العجز عن تلبية الطلب على الدولار وإيقاف الشرخ بين السعر في السوقين الرسمية والموازية.

وقال البنك المركزي في شرح قراره إنه جاء في ظل “التحديات التي واجهتها الدولة، خاصة خلال الأشهر الأربعة السابقة على اتخاذ القرار، التي تمثلت في تراجع ملحوظ في تدفقات النقد الأجنبي، ومن أبرزها السياحة والاستثمار المباشر ومحافظ الاستثمار المالية وتحويلات المصريين بالخارج”.

ثم كانت المرحلة الأكبر انخفاضاً في تاريخ الجنيه المصري بقرار صدر الخميس 3 نوفمبر، حيث قرر البنك المركزي المصري، تعويم سعر صرف الجنيه ليتم تحديده وفقا لآليات العرض والطلب في السوق، وقد خفض المركزي سعر صرف العملة المصرية من 8.88 جنيه للدولار الواحد حاليا إلى 13 جنيها، وذلك كسعر استرشادي، كما سيعطي الحرية في تحديد أسعار الشراء والبيع، لحين توافق السوق على سعر حقيقي/ وبذلك فقد خفض البنك المركزي الجنيه بنسبة 48% بخلاف هامش تحرك مؤقت 10% (2).

 

ويعد القرار الذي اتخذه البنك المركزي المصري 3 نوفمبر، واحد اًمن أهم القرارات الاقتصادية التي يمكن أن يلجأ إليها أي نظام مصرفي رسمي لموازنة قوى السوق لديه، وهو أحد الاشتراطات المهمة التى تطرحها المؤسسات الدولية المقرضة بشكل دائم من أجل ضمان تقليص الفجوة بين السوقين الرسمية والموازية، ودعم الاقتصاد على أرضية من التقييم الواقعي بعيدًا عن الإجراءات الحمائية التي قد تلجأ إليها بعض الدول.

ونظريا يدخل التصرف الأخير من البنك المركزي تحت مسمي التحرير الكامل، وفيه يتم ترك سعر الصرف لقوى السوق وآليات العرض والطلب بشكل كامل، مع دعمه بآليات وسياسات مختلفة، ليست إجراءات حماية مباشرة وربط للسعر كما كان في السابق.

 

ويحتاج هذا النظام إلى آليات رقابية وسياسات مالية قوية وديناميكية، تقرأ خريطة السوق جيداً من أجل الموازنة بين مستويات النقد المصدر ومعدل التضخم، بما يراعى نسبة النمو في الناتج المحلى الإجمالي، كما يحتاج كذلك إلى إجراءات اقتصادية حقيقية وفاعلة، عبر العمل على معدلات التضخم ونسب النمو وتطوير السياسات المالية والمصرفية، وتوفير أرضية مصرفية لاستيعاب تداولات النقد المحلى والأجنبي بعيدًا عن السوق الموازية، وهو ما يوحّد السوق ويدعم جدارة الاقتصاد ومركزه في التقييمات العالمية وأمام الاقتصاديات الأخرى.

وبجمع الانخفاضين السابقين نجد أن الجنيه قد خُفض رسمياً بما يقارب 65% من قيمته ولا شك أن هذا الانخفاض سينعكس على مجمل الأوضاع الاقتصادية في مصر الحالية والمستقبلية.

 

2ـ إجراءات مصرفية أخري:

رأي البنك المركزي أن تخفيض الجنيه بهذه الصورة الكبيرة لا بد أن يوازيه مجموعة من القرارات المصرفية المساندة والتي تهدف لإنجاح الإجراء الرئيس، ولعل أهم هذه القرارات ما يلي:

 

(أ) رفع سعر الفائدة: تزامناً مع خفض قيمة الجنيه، قرر البنك المركزي رفع سعري فائدة الإيداع والإقراض لليلة واحدة 300 نقطة أساس إلى 14.75% و15.75% على الترتيب، والهدف المعلن لهذا القرار على الحفاظ على الودائع بالجنيه من انخفاض قيمها السوقية وبالتالي اضطرار المودعين للدولرة، وكذلك إلى مواجهة التضخم بنسبته الحالية والمتوقعة بعد الإعلان عن خفض الجنيه.

 

(ب) استحداث شهادات ادخارية بسعر فائدة 20%(3): حيث قامت البنوك الحكومية بالإعلان عن هذه الشهادات في خطوة تهدف لتشجيع الودائع ومكافحة الدولرة والتضخم.

 

(ج) زيادة عائد شهادات استثمار قناة السويس الجديدة إلى 15,5٪ (4)، فقدد أعلن عمرو الجارحي وزير المالية عن رفع فائدة شهادات استثمار قناة السويس الجديدة إلى 15,5٪، للأعوام الثلاث المتبقية من فترة الشهادات، وأرجع الوزير الزيادة في سعر عائد الشهادات إلى محاولة التوافق مع قرار البنك المركزي بزيادة العائد على الودائع، إلى جانب أنه يعكس رعاية ومساندة الدولة للمواطنين الذين تسابقوا للاستثمار في تلك الشهادات حبا وانتماءً لتمويل هذا المشروع القومي لمصر.

 

(د) إلغاء الطرح الأسبوعي من البنك المركزي (5): أبلغ المركزي (خلال اجتماع المحافظ مع رؤساء البنوك) بوقف العطاءات الدورية التي يتم طرحها يوم الثلاثاء من كل أسبوع بقيمة 120 مليون دولار، مؤكدا أن التعويم حر بشكل تام.

 

(هـ) قانون القيمة المضافة ((6): بدأ العمل بقانون ضريبة القيمة المضافة في 8 سبتمبر 2016 وهو القانون الذي روجت له الحكومة على انه أحد الحلول الضرورية لتقليل العجز في الموازنة العامة للدولة وتوقعت زيادة في الإيرادات الضريبية بحوالي 35 مليار جنيه سنوياً، إضافة إلى تسهيل إدماج شركات القطاع غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي.

 

(و) زيادة الجمارك (7): صدر القرار الجمهوري رقم 25 لسنة 2016 (31/1/2016) بزيادة الجمارك على بعض السلع المستوردة، مع الإبقاء على الجمارك المقررة منذ إعمال القرار الجمهوري 184 لسنة 2013 على معظم السلع، حيث ضمت قائمة السلع التي تمت زيادة الجمارك عليها مئات السلع الترفيهية من مختلف الأصناف والأنواع واكل الحيوانات، وأصبحت التعريفة الجمركية لها تتراوح بين 20 و40% بعدما كانت 10 أو 30% في الماضي.

 

3ـ قرارات الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للاستثمار:

وافق المجلس الأعلى للاستثمار، على عدد من القرارات الهامة، في ختام اجتماعه الأول، وكان من أهمها ما يلي ((8):

(أ) تخصيص الأراضي الصناعية (المُرفقة في القرار) في الصعيد مجانًا وفقًا للضوابط والاشتراطات التي تضعها الهيئة العامة للتنمية الصناعية وطبقًا للخريطة الاستثمارية للدولة.

(ب) الموافقة على الإعفاء من الضريبة على الأرباح لمشروعات استصلاح الأراضي الزراعية التي تنتج محاصيل رئيسية يتم استيرادها من الخارج أو المحاصيل التي يتم تصديرها للخارج.

(ج) الموافقة على إعفاء الاستثمار الزراعي والصناعي الجديد في الصعيد من الضريبة على الأرباح لمدة خمس سنوات من تاريخ استلام الأرض.

(د) الموافقة على الإعفاء من الضريبة على الأرباح لمدة خمس سنوات للمشروعات الجديدة لتصنيع المنتجات أو السلع الاستراتيجية التي يتم استيرادها من الخارج أو الموجهة للتصدير للخارج.

(ه) الموافقة على مد قرار تجميد العمل بالضريبة على أرباح النشاط في البورصة لمدة ثلاث سنوات.

(و) منح نسبة 35% تخفيض على أسعار الأراضي عند سداد القيمة المحددة بواسطة اللجنة العليا لاسترداد أراضي الدولة، وذلك لمدة شهرين تنتهي في نهاية ديسمبر 2016.

(ز) الموافقة على قيام الهيئة العامة للتنمية الصناعية بمنح تراخيص صناعية مؤقتة لمدة عام لحين توفيق المصانع لأوضاعها، وذلك طبقًا للضوابط التي يحددها السيد وزير التجارة والصناعة.

(ح) طرح أراضي العاصمة الإدارية الجديدة والمدن الجديدة في شرق بورسعيد، والعلمين، والجلالة، والإسماعيلية الجديدة بنسبة خصم تبلغ 25 % عن التسعير المحدد، وذلك لمدة ثلاثة أشهر من تاريخ الطرح.

(ط) الموافقة على زيادة عدد الشركات التابعة للدولة التي سيتم طرح نسبة 20 – 24 % منها خلال الثلاث سنوات القادمة، على أن يشمل ذلك شركات مشروعات الريف المصري، والعاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة العلمين الجديدة، ومحطات الكهرباء.

(ك) الموافقة على إنشاء المجلس القومي للمدفوعات لخفض استخدام النقد خارج البنوك.

وتوضح القراءة السريعة لهذه القرارات سعي الدولة لتشجيع الاستثمار بمزيد من الإعفاءات وتخفيض أسعار الأراضي، بالإضافة إلى ترخيص مؤقت للمصانع (41 ألف مصنع قائم برخصة منتهية و2800 مصنع متعثر ومغلق) لحفزها على العمل(9).

ويمكن القول إن النقاط السابقة هي مجمل القرارات الاقتصادية الهامة التي اتخذتها السلطات المصرية للتدشين لمرحلة اقتصادية ذات طابع تنموي، تعتمد على مفردات الحرية الاقتصادية ووصفات المؤسسات الدولية التي اضطرت مصر لإبرام اتفاقيات قروض معها. ومن الواضح أن حزمة الإجراءات المصرفية احتلت مكان الصدارة داخل الحزمة الكبرى بحيث يبدو أن استقرار سعر الصرف هو الهدف الرئيس الذي تتضاءل بقية الأهداف إلى جواره.

 

ثانيا: تقييم حزمة الإجراءات الحكومية:

بداية تسمية الإجراءات بالإصلاح الاقتصادي، يتحفظ الباحث علي هذه التسمية، جاء توافقاً مع برامج سابقة لصندوق النقد الدولي تم تنفيذها في مصر، ورغم القلة العددية للإجراءات إلا أنها عميقة الأثر على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في مصر. حيث تنطلق حزمة الإجراءات الحكومية من افتراضات أساسية، وهي انه مع تحرير سعر الصرف وتراجع الجنيه المصري أمام الدولار ستزداد الصادرات والسياحة، والاستثمارات الأجنبية مما يدعم القاعدة التنموية للاقتصاد المصري، ولكن هذه الحزمة الإجرائية تتطلب المزيد من العمق التحليلي لاستقراء إمكانية مساهمة هذه الإجراءات في تحقيق الافتراضات السابقة.

 

ويمكن تقييم هذه الإجراءات كما يلي:

1ـ تعويم الجنيه:

الهدف الأساسي لتعويم الجنيه هو القضاء على السوق الموازية وتحقيق التساوي بين السعرين الرسمي والموازي، ولكن هل التعويم وحده (مع بقية الإجراءات الداعمة) كاف لتحقيق هذا الهدف. ويري الباحث أنه حتى بعد الحصول على الحزمة التمويلية التي تسعي مصر للحصول عليها والتي لن تكفي الاحتياجات التمويلية إلا لأشهر معدودات، لذلك فمن المتوقع ألا تصمد السوق الرسمية طويلاً أمام ضعف الإيرادات الدولارية الواردة إلى الاقتصاد المصري، ومن المتوقع أن يتحول التعويم بسوق الصرف كلها، رسمية أو موازية، إلى سوق سوداء، بمعنى انتقال أثر المضاربة من شركات الصرافة والمقاهي إلى البنوك، مع رغبة كل بنك في امتصاص حصة من النقد الأجنبي، وتنمية محفظته الدولارية، خاصة مع ضمانها لهامش الربح الذى تقرر وفق خريطة عملائها وحجم عملها داخليًّا وخارجيًّا وما يمكنها استغلاله من مغريات للمستثمرين ورجال الأعمال من حدود ائتمان وإملاءات للاعتمادات المالية.

ولا يغني عن ذلك إلزام البنوك بآلية “الإنتربنك”، خاصة أنه لا ضمانة لموضوعية الإفصاح وشموله من جانب كل المؤسسات المصرفية، مع اختلاف هياكل الملكية وخطط الاستثمار والتوجهات السوقية، وسيظل الباب مفتوحًا لفكرة التلاعب في البيانات المعروضة بشكل مركزي وفق متوسط كل بنك، أو حتى التلاعب على مستويات ضيقة من خلال الفروع المختلفة للبنك الواحد.

ولكن رغم هذا سيؤمّن القرار للدولة الحصول على احتياجاتها من الدولار بشكل أسهل من الفترة السابقة، عبر الاستفادة بتقنين تداول الدولار وما يوفره من إحصاء كامل للمعروض منه في السوق المحلية، وهو ما يُقلّل من عجز ميزان الحساب الجاري عبر إذابة المتاح “الدولارى” في سلّة واحدة، والقضاء النسبي على المضاربات وعمليات “الدولرة”.

 

2ـ رفع أسعار الفائدة:

رغم اعتبار البعض أن رفع أسعار الفائدة كان متوقعًا لجذب السيولة للبنوك، ومواكبة معدلات التضخم، إلا أن خبراء اقتصاديين وصفوه بأنه “كارثة” حقيقية على الاقتصاد المصري، وذلك لآثاره السلبية المتعددة، والتي منها:

(أ) يزيد من تكلفة الاقتراض للحكومة باعتبارها أكبر المقترضين من الجهاز المصرفي من خلال أدوات الدين العام “السندات وأذون الخزانة”، مما يزيد عجز الموازنة العامة للدولة، وميزان المدفوعات، وخدمة الدين الحكومي، وألقى سباق الفائدة بظلاله الفعلية على أول عطاء لأذون الخزانة المصرية بعد التعويم، إذ ارتفع بشكل كبير ليصل إلى %19.056 على أذون أجل 3 شهور و %20.367 على أجل 9 شهور.

(ب) يؤدي إلى تراجع الاستثمارات المحلية لارتفاع تكلفة الاستثمار، ويسحب السيولة من الأسواق والبورصة المصرية والاستثمارات الأخرى وتجميعها وركودها في القطاع المصرفي دون استثمارها.

(ج) إحجام البنوك عن تمويل المشروعات الاستثمارية وتوجيهها لإقراض الحكومة في أدوات الدين ذات الفائدة المرتفعة، مما يؤدى إلى تراجع معدلات النمو وزيادة معدلات البطالة ليصبح الاتجاه هو سياسة انكماشية واضحة في ظل اقتصاد يعاني من ركود تضخمي في الوقت الذي تنتهج فيه الحكومة سياسة توسعية تقوم على أساس زيادة الإنفاق الاستثماري وجذب الاستثمارات لرفع معدلات النمو الاقتصادي.

(د) التأثير السلبي على أداء البورصة المصرية، فالفرصة البديلة أفضل وأقل خطراً في البنوك، وإن كان قرار تجميد الضرائب على أرباح البورصة وطرح شركات القطاع العام سيُحدث ازدهارا مالياً ظهرت بوادره فعلياً.

(هـ) رفع سعر الفائدة يشكل ضغطاً كبيرا على البنوك لارتفاع تكلفة الأموال وسيوجهها ذلك إلى انتقاء مجموعة مختارة من العمليات على رأسها أدوات الدين الحكومي واقلها تفضيلا القروض الاستثمارية. وعموما قد تتأثر أرباح البنوك العاملة في مصر بشدة جراء رفع سعر الفائدة.

(و) اضطرت الحكومة لرفع أسعار الفائدة على شهادات قناة السويس كما سبق توضيح وزير المالية الذي يكافئ الوطنيين من المساهمين في المشروع بما يكلف الخزينة العامة 2.2 مليار جنيه إضافية (10).

عموماً يمكن القول إن رفع أسعار الفائدة له تأثيراته وانعكاساته السلبية على عمليات التمويل لمدخلات الصناعة ونظم تشغيليها ومخرجاتها وارتباطاها بأسعار الصرف واتجاهات التوظيف.

 

3ـ التعويم وسعر الصرف وزيادة الصادرات:

الآثار الإيجابية المتوقعة لتعويم الجنيه على استقرار سعر الصرف وزيادة الصادرات وزيادة أعداد السياحة، حيث يري البعض أن تعويم الجنيه سينعكس بشكل إيجابي على سوق الصناعة في مصر، إذ من المفترض مع تحرير سعر الصرف وتراجع الجنيه المصري أمام الدولار في التداولات الرسمية، أن يمثل هذا دعمًا إيجابيًّا للمنتجات المصرية في الأسواق الخارجية، مما يزيد من الصادرات المصرية اعتمادًا على زيادة تنافسيتها مع رخص سعرها خارجيًّا بعد تقويمها بعملات الأسواق المستهدفة، والأمر نفسه بالنسبة للسياحة، إذ تصبح المقاصد المصرية وتكلفة الليلة السياحية فيها، أقل من مثيلاتها، وأكثر جذبًا منها للسائحين، مع تقويم التكلفة الداخلية بالعملة المعيارية “الدولار” أو بالعملة المقابلة للبلد الوافد.

ولكن هاتين الفائدتين تظلان مكسبين نظريين في المرحلة الحالية، إذ إنهما ترتبطان بأمور أبعد من سعر الصرف وتقويم التكلفة بالعملة المعيارية أو بعملات الأسواق الخارجية، فلكى نشجع الصادرات وننافس بها عالميًّا ينبغي أن نكون بلدًا صناعيًّا ومنتجًا، وأن يكون لدينا وفرة وفائض في السلع والخدمات، وهو أمر غير متحقق حتى الآن.

 

وكذلك لكى ننافس سياحيًّا ونجتذب ملايين السائحين من مستويات متوسطة ودون المتوسطة، بغض النظر عن أن مصر بالأساس مقصد رخيص قياسًا على مقاصد أخرى منافسة، فيجب أن تكون السوق السياحية منضبطة، وأن تكون الخدمة إيجابية، إضافة إلى عوامل الأمان وسهولة الانتقال وحرية الحركة داخل البلاد، مع الرهان على أنماط متنوعة من السياحة، وعدم الاكتفاء بالسياحة الشاطئية أو الثقافية.

 

4ـ التعويم ومعدل التضخم وتبعاته:

الأثر الجانبي المتوقع أن هامش الارتفاع الذي ستشهده السوق بعد التعويم، واقترابها من مستوى أسعار السوق الموازية خلال الفترة الماضية، سيؤدي إلى الضغط على معدل التضخم عبر رفع عبء الاستيراد وبالتبعية إما سيقود إلى اتجاه انكماشي للاقتصاد نوعًا ما، ما يزيد التضخم ويرفع معدلات الفقر ويؤدى لتآكل مدخرات المواطنين والإضرار بالعاملين وقيمة الدخل الحقيقي لهم.

كما انه من المتوقع حتى وإن تمكن السوق من التماسك عند معدلاته الاقتصادية الحالية، متحمّلاً الأعباء المترتبة على زيادة معامل التحويل النقدي بين الجنيه وسلة العملات الأجنبية، فسيؤدي ارتفاع معدل التضخم إلى تراجع معدل الادخار وتقلص المحفظة الائتمانية للبنوك، وهو ما سيؤثر بقوة على قدرتها على تمويل المشروعات وتوفير القروض الاستثمارية والتجارية، وبالتبعية سيقود إلى تراجع مستوى الاقتصاد وتراجع مستويات المعيشة وزيادة نسب الفقر أيضًا.

 

5ـ التعويم وخط الفقر:

لا يمكن غض الطرف عن آثار التضخم على ارتفاع نسبة الفقر والمعاناة بين المصريين بعد تعويم الجنيه، فخط الفقر ارتفع إلى 4500 جنيه للأسرة، و40% من الأسر المتوسطة انتقلت لمنطقة الفقر، قبل التعويم – الفقر المدقع هو الذي يصل إنفاقه لدولار وربع فقط في اليوم وكانت نسبتهم 5% من السكان، أما الفقير العادي وهو الذي ينفق 2 دولار في اليوم وكانت نسبته، طبقا لآخر إحصاء 27% من السكان. بينما كانت باقي السكان دخلهم متوسط حوالي 3.600 جنيه.

أما بعد التعويم، فإن من هم تحت خط الفقر (نسبة الـ 27% بإنفاق 2 دولار يوميا) سيدخلون بذلك منطقة الفقر المدقع، و16% سيدخلون تحت خط الفقر بإنفاق “2 دولار يوميا” وسيدخل أكثر من 40% من الأسر المصرية المتوسطة الدخل، إلى خط الفقر وهي الأسر التي يتراوح دخلها بين 4000 و5000 جنيها شهريا ومكونة من 5 أفراد. وهي نسبة غالبية سكان مصر.

 

6ـ الأثر على معدل التضخم:

يبلغ معدل التضخم حاليا في مصر ما يقارب 16%، ولا شك أن قرار البنك المركزي المصري بتحرير سعر الصرف سيؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم، وتشير بعض التقديرات إلى أن الزيادة المتوقعة في معدل التضخم تأتي مع افتراض سابق أن كل هبوط بنسبة 10% في سعر الجنيه أمام الدولار، يرفع معدل التضخم بما يتراوح بين 1.5% إلى 2% (11) أي أن خفض الجنيه بنسبة 50% فقط يعني زيادة 10% في معدل التضخم.

كما توقع بنك الاستثمار “بلتون” في مذكرة بحثية أن يرتفع معدل تضخم أسعار المستهلكين إلى ما بين 25% و30% بالنصف الأول من عام 2017. وأرجع البنك جانبا من أسباب هذه الموجة التضخمية المتوقعة إلى انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار بالسوق الرسمية، لكنه قال إن الجزء الأكبر سينتج عن ارتفاع أسعار الطاقة (12). أخذا في الاعتبار أن رفع أسعار المحروقات وبعض السلع المدعمة بالإضافة إلى الأثر الذي لم يظهر كاملا لقانون القيمة المضافة ستساهم في زيادة أخرى في معدل التضخم الذي يتوقع الباحث تخطيه حاجز30% في بداية العام القادم. عموما ارتفاع معدلات التضخم من شأنه أن يقلص الدخل الحقيقي للأسر في مصر، كما سيلقي ظلالاً قاتمة على إنفاق المستهلكين.

 

7ـ الأثر على الدين الخارجي:

قبل وصول أي من دفعات صندوق النقد أو القرض الصيني، بلغ الدين الخارجي لمصر حوالي 58 مليار دولار بما يعادل 515 مليار جنيه مصري تقريبا بسعر الصرف القديم، وبافتراض سعر صرف 14 جنيه للدولار فقد بلغت الديون 812 مليار جنيه، أي أن الدين الخارجي قد زاد بمقدار 247 مليار جنيه نتيجة هذا القرار.

 

8ـ الأثر علي عجز الموازنة:

يحتاج حساب أثر قرار التعويم علي عجز الموازنة لمزيد من الوقت لاستيضاح الرؤية الكلية، ولكن يمكن استباق بعض النتائج كما يلي:

(أ) وفقا لتصريحات وزارة المالية فإن تكلفة دعم المواد البترولية في البلاد ستزيد إلى 64 مليار جنيه (4.10 مليار دولار) خلال 2016-2017 بعد تعويم العملة وارتفاع أسعار النفط العالمية. وبلغ الدعم المقدر للمواد البترولية خلال السنة المالية الجارية 35 مليار جنيه وهو ما يعنى أن التكلفة ستقفز بنحو 83 بالمئة عما كان مستهدفا ((13). وكانت الهيئة العامة للبترول قد رفعت، تقدير متوسط سعري صرف الدولار مقابل الجنيه المصري وبرميل البترول، الذي ستعتمد عليه فى بناء موازنتها خلال الأشهر الثمانية المقبلة، لحين انتهاء العام المالي الحالي فى يونيو المقبل، بعد تعويم البنك المركزي للجنيه، وزيادة سعر النفط عالميا. ويدور التقدير الجديد بين 13 جنيها و15 جنيها مقابل 9 جنيهات للدولار، وأيضا 45 دولارا للبترول بدلا من 40 دولارا للبرميل، كانت الهيئة قد بنت موازنتها عليه بداية العام المالي الحالي(14).

 

علماً بان احتياطيات تقلب أسعار الصرف في الموازنة العامة تبلغ 8 مليار جنيه فقط، بعد ارتفاع أسعار الفائدة على أذون الخزانة سترتفع ولا شك تكلفة الاقتراض الحكومي لسداد عجز الموازنة بما يزيد من نسبة العجز، ويجب التأكيد على ثبات أسعار الفائدة على أذون الخزانة القديمة وبالتالي ثبات المديونية المحلية مع تحرك سعر الصرف، وان تعرضت البنوك الدائنة لبعض الخسائر.

(ب) من أسباب تكوين الاحتياطي بالموازنة العامة مواجهة الظروف الطارئة، ومنها التغير في سعر الصرف، فهل يكفي هذا الاحتياطي، خاصة أنه مع المراجعة السريعة للاحتياطيات الواردة في موازنة العام الحالي سنجد احتياطيات الباب الثاني المتعلق بشراء السلع والخدمات تبلغ 8 مليارات جنيه، بينما تبلغ احتياطيات الباب الرابع الخاص بالدعم والمنح والمزايا الاجتماعية 5.7 مليار جنيه. وذلك يعني عدم كفاية هذه الاحتياطيات لمواجهة الطارئ في تعويم الجنيه، مما يعني مزيدا من الديون وعجز الموازنة.

 

9ـ القرارات الاستثمارية التي اتخذها المجلي الأعلى للاستثمار:

يأخذ نفس الاتجاه التقليدي بحوافز ضريبية وسعرية في ظل غياب الرؤية للتوجيه نحو التصنيع واستيعاب العمالة والإحلال محل الواردات واشتراط التدريب والتأهيل إلى غير ذلك من الشروط التي تخلق قوة دافعة وطنية تعمل على التراكم المعرفي إلى جوار التراكم الرأسمالي. وعلى الأغلب تترك هذه الحوافز سلبيات على السوق المحلي فمثلاً اختلاف تواريخ نشأة المشروعات الحاصلة على نفس فترة الإعفاء الضريبي سيخلق فروقاً في التكاليف يتضرر منها المشروع الذي انتهت فترة إعفائه لارتفاع أسعاره مقارنة بأسعار المشروع المتمتع بفترة الإعفاء التي يصاحبها تشوهات وتلاعب وفساد. هذا بخلاف أن فتح الباب لتخفيض أسعار الأراضي تاريخياً يفتح باباً خلفياً للفساد الذي لا يمكن السيطرة عليه.

ويأخذ نفس الاتجاه التقليدي بحوافز ضريبية وسعرية في ظل غياب الرؤية للتوجيه نحو التصنيع واستيعاب العمالة والإحلال محل الواردات واشتراط التدريب والتأهيل إلى غير ذلك من الشروط التي تخلق قوة دافعة وطنية تعمل على التراكم المعرفي إلى جوار التراكم الرأسمالي. ولكن على الأغلب تترك هذه الحوافز سلبيات على السوق المحلي، فمثلاً اختلاف تواريخ نشأة المشروعات الحاصلة على نفس فترة الإعفاء الضريبي سيخلق فروقاً في التكاليف يتضرر منها المشروع الذي انتهت فترة إعفائه لارتفاع أسعاره مقارنة بأسعار المشروع المتمتع بفترة الإعفاء والتي يصاحبها تشوهات وتلاعب وفساد. هذا بخلاف أن فتح الباب لتخفيض أسعار الأراضي تاريخياً يفتح باباً خلفياً للفساد الذي لا يمكن السيطرة عليه.

 

كما يبحث المشروع عن منح هيئة الاستثمار سلطة استخراج التراخيص وتخصيص الأراضي لكل المشروعات الاستثمارية فى مصر، برغم استحالة تطبيق ذلك لسيطرة جهاز الأراضي التابع للقوات المسلحة على الأراضي وبدونه لا يمكن اتخاذ قرار التخصيص، وكذلك يبحث المشروع تقسيم مصر إلى مناطق استثمارية، وخاصة، وحرة، وحضرية، ونائية، وتنموية، لكل منها نظام وأحكام وإعفاءات بما يزيد من تعقيد وضع معقد بما يكفي .

 

خلاصة

التحليل السابق لخطورة تعويم الدولار داخل الإطار الإجرائي لإصلاح الاقتصاد، ومنه يمكننا استخلاص ما يلي:

1ـ تتبني الدولة وجهة نظر المؤسسات الدولية بصورة كاملة ولا تلتفت إلى أحوال السواد الأعظم من الشعب، وبالتالي لا يمكن أن نطلق على هذه الإجراءات برنامج إصلاح اقتصادي، لأنه من الواضح انعدام الرؤية الإصلاحية، فما تدعيه الحكومة أنه إصلاحي لم تدرجه حتى في موازنة العام الحالي، بما يدل أنه مفروض عليها.

2ـ تضاد السياسات داخل الإجراءات مع الإطار التوسعي التي تسعي الدولة للترويج له ومع بعضها البعض لا يمنع الأثر الإيجابي لها فقط بل قد يدفع نحو آثار عكسية، خاصة وأن تعويم الجنيه جاء على حساب الفقراء والطبقة المتوسطة ولن ينتج أهدافه بل ستحل البنوك محل السوق الموازية.

3ـ يبقي التحدي الأكبر للاقتصاد المصري هو التحول نحو الإنتاج الصناعي والتكنولوجي وتشجيع الإنتاج الزراعي ولكن لا نكاد نلمح تشجيعا حكوميا إجرائيا لذلك.

4ـ العمود الفقري للتنمية هو الإنسان ذو القدرات الإنتاجية العالية، علما ومهارة وسلوكاً، فهو الذي يحول الأموال إلى قدرات إنتاجية لذا فبدون الحرية لا تقدم (15).

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close