حقوقيقلم وميدان

ما بعد وفاة عصام العريان: القتل منهجاً

ما بعد وفاة عصام العريان: القتل منهجاً

بعد وفاة القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور عصام العريان داخل محبسه بسجن العقرب، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالترحُّم على الفقيد ونعيه، وقدم العديد من السياسيين من مختلف التوجهات العزاء فى وفاة عصام العريان. ورغم إعلان وسائل الإعلام الموالية للنظام المصري بأن العريان توفي جراء “أزمة قلبية”، إلاّ أن العديد من القيادات المعارضة والشخصيات الحزبية والحقوقية اتهموا السلطات في مصر بـ “تعمد قتله” عبر إهمال علاجه.

وتزامنت وفاة العريان مع الذكرى السابعة لمذبحة رابعة العدوية، وهي المذبحة الأسوأ في تاريخ مصر الحديث، وكأن النظام المصري بعد كل تلك السنوات يرسل برسالة لأهل “رابعة” والمعارضين بأنه لن يُبقي منهم أحدا.

وسادت حالة من القلق الشديد بين أهالى المعتقلين السياسيين داخل السجون المصرية، خاصة مع تساقط العديد من المعتقلين داخل أماكن الاحتجاز، فقد وثقت منظمة “كوميتي فور جستس” في 11 ديسمبر 2019م وفاة 958 معتقلا من بينهم 9 أطفال داخل مراكز الاحتجاز المصرية منذ 2013م، ليصل إجمالي أعداد المتوفيين خلال العام الجاري 1013 معتقلا بما فيهم ال17 حالة وفاة من المصابين بفيروس كورونا داخل 12 مقر احتجاز، بـ 5 محافظات مختلفة.

نبذة عن سجن العقرب

دعونا نلقي الضوء على سجن العقرب أو “غوانتانامو مصر” كما يسميه البعض؛ واسمه الرسمي “سجن 992 طره شديد الحراسة”؛ ونشأت فكرته بعد عودة مجموعة من ضباط جهاز الأمن المصري من دورة تدريبية أمريكية في نهاية الثمانينات.

يقع سجن العقرب في مجمع سجون طره الواقع بمنطقة طره جنوب غرب حلوان بجنوب القاهرة، وهو أحدث السجون التى تم إنشاؤها داخل مجموع السجون الذي كان أول سجونه بتاريخ 1928 إبّان الفترة الملكية في عهد وزير الداخلية الوفدي مصطفى النحاس.

كان هناك حرص حينها أن يُطل جزء كبير من السجن على مجرى النيل، ثم تم إنشاء سجون أخرى ليصبح مجمع لأكثر من سجن، فكان آخر السجون التي تم إنشاؤها داخله هو سجن العقرب والذي بدأ بناؤه عام 1991 في عهد وزير الداخلية حسن الألفي في فترة حكم محمد حسني مبارك، وتم الانتهاء منه في 30 مايو 1993 ثم افتتاحه رسمياً بتاريخ 26 يونيو 1993 بحضور مساعد وزير الداخلية حبيب العادلي.

يبلغ ارتفاع السور المحيط بسجن العقرب سبعة أمتار، أما بواباته فهي مصفحة من الداخل والخارج، بينما تقع جميع مكاتب الضباط خلف الحواجز والقضبان الحديدية.

يضم سجن العقرب 320 زنزانة مقسمة على أربعة عنابر أفقية تأخذ شكل حرف “H”، وكل عنبر ينفصل بشكل كامل عن باقي السجن بمجرد غلق بوابته الخارجية المصفحة، فلا يتمكن المعتقلون من التواصل عبر الزنازين، كما يفعل المساجين في السجون العادية، نتيجة الكميات الهائلة من الخرسانة المسلحة التي تمنع وصول الصوت.

بكل زنزانة مصباح قوته مئة وات تتحكم بها تقلبات السياسة العقابية في إدارة السجن، بحيث تستطيع الإدارة قطع المياه والإضاءة وغلق الشبابيك حسب ما تراه مناسبا، كما تستخدم عشرين زنزانة للتأديب، خاصةً للمعتقلين السياسيين.

أبرز القيادات التى توفت في محبسها

شهدت السجون المصرية منذ انقلاب يوليو 2013 العشرات من المعتقلين السياسيين الذين فقدوا أرواحهم نتيجة التعنت في حصولهم على العلاج اللازم، ويأتي في مقدمتهم المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، محمد مهدي عاكف، الذي رفض الأمن الوطني نقله لمستشفى خاص لعلاجه قبل تدهور حالته الصحية، وسبقه الشيخ نبيل المغربي، أحد مؤسسي حركة الجهاد، وأقدم سجين سياسي بالعصر الحديث.

 وكان المغربي يعاني من سرطان المعدة، ورغم تأكيدات العديد من الأطباء المسجونين معه في سجن العقرب أن حالته خطره ويجب نقله لمستشفى المنيل الجامعي، إلا أن إدارة السجن رفضت ذلك، ولم توافق على نقله للعلاج خارج السجن، إلا بعد أن أضرب عن الطعام ودخوله في غيبوبة أكثر من مرة، وقد توفي المغربي بعد نقله للمستشفى بأيام، ورغم الإهمال الطبي الواضح، إلا أنه لم تتم محاسبة إدارة السجن، التي برّرت وفاته بأنها قضاء وقدر.

أما عضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة والبرلماني السابق فريد إسماعيل، فقد رفضت إدارة سجن العقرب بقيادة الضابط أحمد عزت السماح لأي طبيب بالكشف عليه، كما رفضوا تحويله لمستشفى ليمان طره بعد تعرضه لغيبوبة كبد حادة؛ وبدلا من علاجه تم منعه من الخروج من زنزانته، وتجريدها من كل الأدوات الضرورية مثل الصابون ومعلقة الطعام وسجادة الصلاة، وتم إجباره على تناول أكل السجن غير الصالح للاستخدام الآدمي، ما أدي لوفاته بعد دخوله في غيبوبة لمدة يومين، دون أن يتحرك أحد.

الرئيس الراحل محمد مرسي والذي توفى أثناء محاكمته، كان ذلك نتيجة الإهمال الطبي والحرمان من الرعاية الصحية، مما كان سببا فى فضح اتجاه النظام الحالي للانتقام من خصومه السياسيين في السجون، بالتعذيب والإهمال إلى حد القتل العمدي البطيء والحبس الانفرادي.

الإهمال الطبي

تعتمد الداخلية المصرية على استراتيجية الإهمال الطبي للتخلص من المعارضين، رغم أنه طبقا للقانون المنظم لأوضاع السجون الحالي فى مصر، فإن الخدمة العلاجية والرعاية الصحية حق أصيل لكل سجين، ويتوجب على مصلحة السجون أن تقدم هذه الرعاية من خلال المؤسسات التابعة لها، أو من خلال المستشفيات الخاصة على نفقة السجين بعد “الموافقات اللازمة”.

العريان اشتكى بنفسه في جلسات محاكمات سابقة، من منعه من تلقي العلاج داخل السجن، وتعرضه لسوء المعاملة في حبسه الانفرادي، وحرمانه عمداً من الغذاء الكافي واحتياجات النظافة الشخصية.

وفي إحدى جلسات محاكمته قال “نحن نُقتل في السجون، إنهم ينتقمون منا”.

بالإضافة إلى مصطلح “الموافقات اللازمة” والذي يعد الدائرة المفرغة التي يدور داخلها المعتقل السياسي إذا مرض داخل السجن، حيث يتيه المعتقل ما بين إدارة السجن والإدارة الطبية لمصلحة السجون والعيادة الطبية داخل السجن والأطباء الاستشاريين للمصلحة، وقبل كل هؤلاء جهاز الأمن الوطني، الذي بيده مفتاح العبور للرعاية الصحية.

مخاوف مبررة

بعد وفاة الدكتور عصام العريان داخل محبسه بعد سنوات من الإهمال الطبي، أثيرت حالة من الصدمة والخوف لأهالي المعتقلين سواء في مصر أو خارجها خشية تعرض ذويهم لنفس المصير.

حيث تحولت السجون المصرية إلى مقاصل إعدام تودي بحياة المحتجزين لديها بحرمانهم من حقهم في تلقي الرعاية الطبية اللازمة، وبتوفير بيئة خصبة لانتشار الأمراض والأوبئة داخل مقار الاحتجاز بسبب انعدام النظافة، وانتشار التلوث والتكدس، وعدم عزل المعتقلين المرضى عن بقية المحتجزين خاصة بعد انتشار فيروس كورونا.

العريان لم يكن الأول ولن يكون الأخير

الوضع في السجون المصرية يضيف إلى العقوبة انتهاكات أخرى جسيمة أخطرها الحرمان من الرعاية الصحية والإهمال الطبي، الأمر الذي من شأنه أن يتسبّب في ارتفاع الوفيات داخل السجون.

في وقائع متكررة، تحدث الضحايا قبل وفاتهم أمام القضاء، واشتكوا من منع العلاج و غياب الرعاية الطبية في السجون؛ ولكن القضاء المصري أيضا متورط مع النظام في تلك الجرائم المتعمدة، والنتيجة حصيلة من مئات من ضحايا الإهمال الطبي في السجون المصرية.

استمرار اعتقال كبار السن داخل السجون المصرية يشير إلى القتل المتعمد لهم داخل الزنازين، وآخر تلك النماذج هو اعتقال محمود عزت، القائم بأعمال المرشد لجماعة الإخوان المسلمين.

لابد من الضغط على النظام للتعامل بجدية مع الدعاوي القضائية التي تقدم للنائب العام ضد هذه التجاوزات لكي لا يتم حفظها، الأمر الذي يمنح الضباط دعما إضافيا للقتل تحت رعاية القانون، كما أن كثيرا من الأهالي لا يجدون مسارا قانونيا ذا جدوى، وبالتالي يكون دافعهم الأول استلام جثة ذويهم، دون الدخول في مضايقات أو مشاكل مع وزارة الداخلية.

لذا على النشطاء والمعارضين تكثيف الضغط على المجتمع الدولي، وتحميله المسؤولية بل والاشتراك فى استمرار زيادة الوفيات بين المعتقلين السياسيين فى مصر، وتكثيف واستمرار التحرك الدولى لإخراج المعتقلين السياسيين، والذي من المتوقع أن يواجهوا نفس مصير العريان، وخاصة في ظل تعمد النظام استهداف رموز وقيادات المعارضة داخل السجون، وخاصة قيادات جماعة الإخوان المسلمين، ومنع توفير الدواء والرعاية الصحية لهم.

المراجعات الفكرية هل تكون أمل المعتقلين في السجون المصرية؟

المراجعات الفكرية: هل تكون أمل المعتقلين في السجون المصرية؟

أسماء شكر

باحثة وإعلامية مصرية، وحدة الدراسات الإعلامية، المعهد المصري للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى