نشر مجلس العلاقات الخارجية، وهو مؤسسة أمريكية مستقلة تهتم بتحليل سياسة الولايات المتحدة الخارجية والوضع السياسي العالمي، في 17 إبريل 2024 مقالاً بعنوان: “هل ينجح الإصلاح الاقتصادي في مصر في درء الأزمة؟” لنوح بيرمان، الكاتب والمحرر في الاقتصاد والتكنولوجيا والجغرافيا السياسية بمجلس العلاقات الخارجية، حيث يقول إنه على الرغم من أن المقرضين الدوليين ضخوا عشرات المليارات من الدولارات في الاقتصاد المصري المتعثر، وسط الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إلا أن خبراء يقولون إن الأزمة الاقتصادية في البلاد لم يتم حلها بعد.
وقد جاء المقال على النحو التالي:
في فبراير 2024، فازت مصر بأكبر استثمار أجنبي لها على الإطلاق: تدفق 35 مليار دولار من دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد أرست هذه الأموال الأساس للإصلاحات التي أدت إلى فتح الباب لالتزامات إضافية بقيمة عشرات المليارات من الدولارات من المؤسسات المالية الدولية والحكومات الأجنبية. ونتيجة لهذا فإنه يبدو أن الاقتصاد المصري – الذي كان يواجه نقصاً ممتداً في العملة الأجنبية وارتفاعاً في معدلات التضخم حتى قبل أن تؤدي الحرب في قطاع غزة إلى المزيد من تفاقم الموقف – أصبح يقف على أسس أكثر صحة؛ وإن كان الخبراء يحذرون من أن الأزمة الاقتصادية المصرية لم تنته بعد.
ما مدى أهمية الاستثمار الإماراتي؟
استثمر الصندوق السيادي الإماراتي (ADQ)، ثالث أكبر صندوق للثروة السيادية في دولة الإمارات، عشرات المليارات من الدولارات في مشاريع عقارية على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط في مصر. ويقول العديد من المحللين إن هذا الضخ أعطى القاهرة الاحتياطي الأجنبي الذي كانت تحتاجه لتفعيل الإصلاحات الاقتصادية المكلفة التي بشّرت بتدفق مليارات الدولارات الإضافية من المساعدات من المقرضين الدوليين.
ما هي الإصلاحات التي قامت بها مصر؟
ظلت مصر على مدى سنوات تدعم قيمة عملتها المحلية، الجنيه المصري، في محاولة للحد من التقلبات في اقتصادها. وللقيام بذلك، استنزفت القاهرة احتياطياتها من العملات الأجنبية لشراء الجنيه في الأسواق العالمية بأسعار مبالغ فيها. وهذا يبقي قيمة الجنيه أعلى مما كانت ستكون عليه بدون تدخل الحكومة، وهو ما يفيد المصريين من خلال تعزيز قوتهم الشرائية بعملة أكثر قيمة. لكنه يعني أيضاً أن الاقتصاد المصري المعتمد على الاستيراد لديه احتياطيات أقل للإنفاق على السلع الحيوية، مثل النفط والقمح.
وفي شهر مارس 2024، سمحت مصر بـ “تعويم” الجنيه ورفعت أسعار الفائدة بنسبة 6%، وهو أكبر ارتفاع لها على الإطلاق؛ وكانت كلتا الخطوتين شرطين لتلقي التمويل من صندوق النقد الدولي. وفي الساعات التي تلت إعلان تلك الإجراءات، خسر الجنيه 40% من قيمته، لينخفض إلى مستوى قياسي.
وتأتي الإصلاحات وسط واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخ مصر الحديث. منذ توليه السلطة في عام 2013، أنفق الرئيس عبد الفتاح السيسي عشرات المليارات من الدولارات على مشاريع ضخمة، بما في ذلك العاصمة الجديدة؛ وقد ساعد هذا الإنفاق على زيادة ديون مصر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010 إلى 96% في عام 2023. بالإضافة إلى ذلك، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى زيادة التضخم بسبب اعتماد مصر بشكل كبير على القمح المستورد من كلا البلدين. وقد وقع حوالي عشرة ملايين مصري – حوالي 10% من سكان البلاد – في براثن الفقر منذ عام 2010. كما أن اعتماد مصر على عائدات التحويلات والسياحة ورسوم التجارة التي تمر عبر قناة السويس يجعل اقتصادها عرضة بشكل خاص للصدمات الخارجية – مثل اندلاع الحرب في غزة، مما أثر على مصادر الإيرادات الثلاثة جميعها.
ومع ذلك، يقول صندوق النقد الدولي إنه ينبغي بذل المزيد من الجهود، لا سيما فيما يتعلق بالدور الكبير الذي يلعبه الجيش في القطاع الخاص في مصر. ويمتلك الجيش، الذي لا يدفع ضرائب، مئات الشركات، بما في ذلك المصانع ومحطات الوقود ومحلات البيع بالتجزئة وشركات السياحة ومطوري العقارات. وهذا المستوى من مشاركة الدولة يزاحم القطاع الخاص، الذي لا يستطيع التنافس مع الميزانية العامة للحكومة العسكرية أو قدرة الجيش على تجاوز الأنظمة الحكومية.
ما حجم الاستثمارات الأجنبية التي حصلت عليها مصر؟
لقد حصلت مصر على التزامات تزيد على 50 مليار دولار في الأشهر الأخيرة، أي ما يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وبفضل رفع أسعار الفائدة وتعويم الجنيه، عرض صندوق النقد الدولي على القاهرة حزمة قروض بقيمة 8 مليارات دولار. ويبلغ حجم الصفقة أكثر من ضعف حجم البرنامج السابق بين صندوق النقد الدولي ومصر، وهي ثاني أكبر دولة مدينة للصندوق.
كما تلقت مصر تمويلاً من مؤسسات أخرى متعددة الأطراف. وبعد أيام من الموافقة على صفقة صندوق النقد الدولي، تلقت مصر 6 مليارات دولار في شكل قروض واستثمارات ومنح من البنك الدولي، ووقّعت “شراكة استراتيجية” بقيمة 8 مليارات دولار مع الاتحاد الأوروبي في مجالات تشمل التجارة والطاقة والأمن. وتتضمن الترتيبات مع الاتحاد الأوروبي أيضاً مبلغ 200 مليون يورو لإدارة مسألة الهجرة، حيث يمر عدد متزايد من المهاجرين الأفارقة عبر مصر في طريقهم إلى ليبيا ومن ثَمّ إلى أوروبا.
وتأتي هذه الإصلاحات في الوقت الذي تتطلع فيه الولايات المتحدة وشركاؤها إلى درء أي أسباب إضافية لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، مثل تآكل التماسك الاجتماعي في مصر بعد سنوات من الضائقة الاقتصادية. ويقول ستيفن أ. كوك، كبير الباحثين في مجلس العلاقات الخارجية، إن هذه المخاوف ربما دفعت الإماراتيين والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى حشد التمويل للقاهرة.
كيف أثّرت حرب غزة على الاقتصاد المصري؟
لقد أثرت الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة الفلسطيني على الاقتصاد المصري المتعثر بالفعل. وانخفضت السياحة، التي تمثل 15% من الناتج المحلي الإجمالي المصري في عام 2018، بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023. ويتوقع اقتصاديون أن تنخفض إيرادات السياحة بنسبة تتراوح بين 10% و30% هذا العام، مما يقلل إمدادات مصر من العملات الأجنبية. ومع ذلك، يقول المسؤولون المصريون إن السياحة لا تزال قريبة من مستوياتها القياسية. وفي الوقت نفسه، انخفضت الرسوم المتعلقة بتشغيل قناة السويس، والتي درّت 10 مليارات دولار لمصر في الفترة 2022-2023 (حوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي)، إلى النصف بعد أن دفعت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر شركات الشحن الكبرى إلى اختيار طريق أطول حول القرن الأفريقي.
ويقول محللون إن المقرضين العالميين مثل صندوق النقد الدولي أصبحوا أكثر تعاطفاً مع مصر منذ بدء الحرب. والواقع أن التقدم الذي أحرزته القاهرة في قضايا مثل السيطرة العسكرية على الشركات المملوكة للدولة، وهي نقطة شائكة سابقة لصندوق النقد الدولي، كان بطيئاً؛ وحتى شهر ديسمبر 2023، باعت مصر أربعة عشر شركة فقط من الشركات الخمس والثلاثين المملوكة للدولة التي وافقت على تصفية استثماراتها في اتفاقها مع صندوق النقد الدولي لعام 2022.
ويقول بعض الخبراء إن موقف مصر كوسيط بين إسرائيل وحماس جعل من استقرار اقتصادها أولوية عالمية، على الرغم من التقدم البطيء في إصلاحات صندوق النقد الدولي. ويقول كوك: “لقد سيطرت الجغرافيا السياسية على الموقف”.
هل تحل هذه الإصلاحات أزمة مصر؟
ويشير الخبراء إلى أن دعم الاقتصاد المصري -بهدف ضمان الاستقرار الإقليمي- يظل اهتماماً مركزياً لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن العديد من المراقبين يشككون في أن الإصلاحات سوف تستمر؛ بالنظر إلى أن لمصر سجل طويل من الإعلان عن تغييرات اقتصادية كبيرة ثم التراجع عنها.
وفي الوقت نفسه، يقول الاقتصاديون إن هيمنة الجيش على الاقتصاد لا تزال تعوق التنمية. وكان السيسي، وهو جنرال سابق، قد وصل إلى السلطة في انقلاب عسكري قبل ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمن، وسيكون من الصعب بالنسبة له الحد من القوة الاقتصادية للجيش دون تقويض سلطته هو. ولا تمارس الولايات المتحدة ولا المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي ضغوطاً كبيرة على هذه الجبهة، لذلك يقول خبراء إن مصر ليس لديها حافز كبير للمضي قدماً في الخصخصة، وبالتالي يمكن أن تظل محاصرة في دائرة من الركود الاقتصادي.