fbpx
تقديرات

محمد بن سلمان ملكاً: ماذا بعد؟

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

مقدمة:

في 21 يونيو 2017، أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز أوامر ملكية نصت على إعفاء الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز من ولاية العهد واختيار الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، على أن يحتفظ ابن سلمان بمنصبه السابق وزيرا للدفاع، إضافة إلى منصبه الجديد وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء. كما تضمنت الأوامر الملكية تعيين عبد العزيز بن سعود بن نايف وزيرا للداخلية، وتعيين الأمير بندر بن فيصل بن بندر بن عبد العزيز مساعدا لرئيس الاستخبارات العامة بالمرتبة الممتازة، وتعيين فيصل بن عبد العزيز بن عبد الله السديري مستشارا بالديوان الملكي بالمرتبة الممتازة1.

ومنذ تصعيده المستمر إلى المناصب القيادية في المملكة، منذ تولي والده منصب الحكم في يناير 2015، تعددت الألقاب على محمد بن سلمان، فوصفه موقع “بلومبيرج” الاقتصادي بأنه “سيد كل شيء”، أما صحيفة “تايم” البريطانية فقالت عنه إنه “الأمير غير المحدود”، بينما صنفته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية ضمن الأربعة الكبار الذين يحكمون المملكة العربية السعودية، وقالت إنه على الرغم من إلحاق صفة “التهور” به داخل الأوساط الدبلوماسية فإنه أقر سياسات خارجية أكثر حزما للمملكة العربية السعودية، وأبدى تصرفا مبكرا، جعل منه واحدا من القادة الأكثر وضوحا في الحرب اليمينية .

أما الكاتب البريطاني، “بيل لو”، فقال في مقال له بصحيفة “إندبندنت” البريطانية بأن بن سلمان “أخطر رجل في العالم”، مشيرا إلى أنه “يسير بخطى سريعة ليصبح القائد الأقوى في الشرق الأوسط”، وقال “بيل لو” إنه “هجومي وطموح2.

ومن السمات السابقة يتضح أن محمد بن سلمان، سوف يغير من أسلوب السياسات الخارجية التى اتبعتها المملكة العربية السعودية في أوقات سابقة التى كانت توصف “بالدبلوماسية الحذرة”؛ على أن تكون سياساته أكثر إندفاعية وهجومية نحو خصومه، وفي هذا التقرير نحاول استعراض توجهاته المستقبلية تجاه الدول والملفات الرئيسة في المنطقة:

أولاً: توجهات محمد بن سلمان

1ـ إيران:

اتهم محمد بن سلمان إيران بـ”الانخراط في الإرهاب”، و”انتهاك سيادة الدول الأخرى”، وأكد على أن المملكة وتركيا ومصر والأردن قادرون على هزيمة تنظيم “داعش”. ورداً على سؤال حول مستقبل الصراع السعودي الإيراني، وما إذا كانت المملكة تنظر في فتح قناة اتصال مباشرة مع إيران لنزع فتيل التوترات وإقامة أرضية مشتركة، أجاب بن سلمان: “لا يوجد أي نقطة في التفاوض مع السلطة (في طهران) التي هي ملتزمة بتصدير أيديولوجيتها الإقصائية، والانخراط في الإرهاب، وانتهاك سيادة الدول الأخرى”. وأردف: “وإذا لم تقم إيران بتغيير نهجها، فإن المملكة ستخسر إذا أقدمت على التعاون معها3“.

وهذا يعني أن السياسة الخارجية السعودية تجاه إيران في عهد محمد بن سلمان لن تعود الى مربعها الأول ” الدبلوماسية الحذرة” أو ” الهجوم الإعلامي” أو ” سياسات الإستفزازات”. وإنما إستمرار حالة التوتر القائمة سواء في الجبهة اليمنية أو غيرها من الجبهات على أقل تقدير.

2ـ مصر:

من المتوقع ان يرتبط محمد بن سلمان والنظام المصري بالعديد من الملفات التى عمل عليها في السابق والتي سيزيد الاهتمام بها مستقبلا وهي: تبني وجهات نظر موحدة حول القضايا الاقليمية منها الوضع الداخلي لمصر، وملفى حركة الاخوان المسلمين وحركة حماس، والاحتفاظ بالمصالح المشتركة والبعد عن الخلافات التي تطال الشؤون الداخلية لكلا البلدين والبعد عن التطرق للخلافات الداخلية. خصوصا وأن العلاقات السعودية مع الدول السنية الكبري ليست على ما يرام والمقصود هنا باكستان وتركيا. ما يهدد بقاء تحالفها السني ضد إيران ويسمح للأخيرة باكتساب أوراق رابحة على رقعة شطرنج الشرق الأوسط. وهذا يلقى ترحابا مصريا في ظل رغبتها في إستعادة الدعم الاقتصادي السعودي في وقت حرج تعاني فيه موازنتها من تضخم غير عادي، وفي الوقت نفسه نفض يد المملكة من سياسة التعاون مع الإخوان سواء في اليمن أو غيرها.4

3ـ قطر:

هناك اعتقاد واسع بأن العقل المدبر للحملة على قطر هو ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الذي يعتبر الحاكم الفعلي للإمارات وبالتنسيق الكامل مع محمد بن سلمان اللذين تربطهما علاقات شخصية وثيقة. ومع تولي محمد بن سلمان منصبه الجديد من المرجح أن تستمر الأزمة الناشبة في علاقات البلدين مع قطر.

وفي ظل إصرار قطر على إلغاء كافة الإجراءات التي اتخذتها السعودية والإمارات قبل النظر في شكاوى هذين البلدين ضدها، لا يتوقع أن يخف التوتر الخليجي وقد يؤدي في النهاية إلى (خروج أو إخراج) قطر من مجلس التعاون الخليجي وبروز محور جديد يضم قطر وتركيا5.

4ـ القضية الفلسطينية:

من المتوقع أن يكون لولى العهد السعودي محمد بن سلمان دورا كبيرا في “صفقة القرن” التى يروج لها ترامب، بوصفها صيغة الحل للصراع الفلسطيني-الصهيوني. حيث سيشارك كل من السعودية مصر والسلطة الفلسطينية في هذه الصفقة. وتتضمن هذه الصفقة ما يلي:

  • أن تسمح السعودية لمصر بموطئ قدم على الساحل الشرقي للبحر الأحمر، من أجل التخفيف من حدة الغضب الشعبي المصري على قرار عبد الفتاح السيسي تسليم جزيرتي “صنافير” و”تيران” إلى السعودية.
  • تقوم مصر بالتنازل عن مساحة من أقصى شمال سيناء وضمها لقطاع غزة، من أجل إقامة دولة فلسطينية.
  • يقوم الكيان الصهيوني بضم التجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، مقابل منح الدولة الفلسطينية المستقبلية مساحة من الأرض تساوي المساحة المقامة عليها تلك التجمعات.
  • التطبيع الرسمي في العلاقات السعودية الصهيونية، والتي ستبدأ بتطبيع اقتصادي يتمثل بخطوات محدودة نسبياً، كمنح رجال الأعمال الصهاينة حرية إنشاء المتاجر والمصانع في الخليج، أو السماح لطائرات شركة “العال” الإسرائيلية بالتحليق في المجال الجوي السعودي6.
  • تطبيع لكامل العلاقات العربية الصهيونية وفي كافة المجالات7.

 

ثانياً: تحديات تواجه محمد بن سلمان:

1ـ تحديات من قبل الاسرة المالكة:

رأت مجلة “فوربس” الأمريكية أن ما حدث في السعودية من اختيار محمد بن سلمان بديلا عن محمد بن نايف وليا للعهد من حيث التوقيت والآلية؛ من المحتمل أن يُدخل عائلة آل سعود فترة “من عدم اليقين لم تشهدها العائلة المالكة منذ العام 1965 وعزل الملك سعود”. وهنا مؤشرات على ذلك:

  • نبه تقرير المخابرات الألمانية إلى المخاطر التي تنشأ عن استحواذ الأمير محمد بن سلمان، على العديد من السلطات، وأن الأمير قد يثير غضب أفراد العائلة الحاكمة الآخرين والشعب السعودي بالإصلاحات التي يقوم بها، ويفسد علاقات بلاده مع الدول الصديقة والحليفة في المنطقة8.
  • انقسام في مواقف العائلة المالكة في السعودية حول السياسة الخارجية لمحمد بن سلمان، وتحديدا حول العلاقات الخليجية، فقد ربطت التحليلات ان هناك قرب لمحمد بن نايف والمقربين منه من العائلة الحاكمة في قطر، في المقابل نفور بين بن نايف وأتباعه من ولي عهد أبو ظبي الذي يُعرف أن لديه تأثيراً كبيراً على محمد بن سلمان، وقد أتت أزمة قطر لتزيدهما قرباً.
  • محمد بن نايف واتباعه ومحمد بن سلمان واتباعه لا يتشاركان الرغبة في شن معارك مزدوجة على إيران والتطرف الإسلامي.

ولكن في المقابل هناك من يرى أنه ليس بالضرورة حدوث صراعات بين أجنحة العائلة المالكة، بل ربما ما جرى من تعيين بن سلمان ولياً للعهد قد يجنب السعودية صراعا داخليا9.

2-تحديات إقليمية ودولية:

(أ) الأزمة اليمنية:

منذ انطلاق العملية العسكرية السعودية في اليمن، مارس 2015، وشن حملة قصف جوي مكثف على الأهداف العسكرية لتحالف الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح، والمعارك مستمرة ولا يبدو أن نهايتها وشيكة سواء عبر العمل العسكري أو السياسي. وقد كلفت هذه الحرب السعودية مليارات الدولارات حتى الآن دون أن يلوح في الأفق ما يشير إلى قرب نهايتها، كما جلبت لها انتقادات دولية واسعة بسبب سقوط عدد كبير من المدنيين نتيجة الغارات الجوية السعودية وتدمير البنية التحية للبلد الذي كان يعتبر من أفقر البلدان في العالم حتى قبل الحرب. كما أدت الحرب إلى نمو الجماعات المتطرفة المرتبطة بالقاعدة أو ما يعرف بتنظيم “الدولة الاسلامية” بسبب حالة الفوضى والحرب السائدة.

وعلى الرغم مما تقدم الا ان محمد بن سلمان ينظر إلى الصراع في اليمن باعتباره جزء من المواجهة الأوسع مع إيران ويرى أن الحوثيين هم أداة ايرانية لا يمكن التساهل معهم أو منح إيران موطئ قدم في اليمن10؛ وهذا يعني إستمرار الحرب الجارية في اليمن والتي قد تذهب في الاقتصاد السعودي الى نتائج لا تحمد عقباها.

(ب) بروز منظومة تحالفات اقليمية جديدة:

هناك احتمالية أن تفقد السعودية أقوى حلفائها من الدول “السنية” الكبرى وبالتحديد ” تركيا وباكستان” والتي يعول عليها محمد بن سلمان في صراعه مع إيران. نتيجة للسياسات السعودية المتبعة مؤخرا سواء فيما يتعلق بحصار قطر أو موقفها من الصراعات الداخلية في الدول العربية. لذا ليس من المستبعد أن يعاد ترتيب منظومة التحالفات في الشرق الأوسط، لتجد السعودية نفسها مع مصر في منظومة واحدة تواجه منظومة أخرى ربما تضم تركيا وإيران وقطر وباكستان والعديد من الفاعلين غير الدوليين. علما أن الوضع في مصر غير مستقر ولا يمكن الاعتماد عليها كحليف استراتيجي لمواجهة الأزمات الإقليمية الكبرى.

(ج) تأثيرات الفاعلين من غير الدول:

بغض النظر عن الازمات التى تعيشها بعض الفواعل من دون الدول الحركات الوطنية ” مثل (حماس – والاخوان المسلمين – حزب الله …الخ) إلا أنها تحظي بقاعدة جماهيرية كبيرة في الاوساط العربية، مما قد يشكل ورقة ضغط على السعودية سواء على المستويات الرسمية بعلاقاتهم الرسمية أو غير الرسمية ومنها وسائلهم الاعلامية المتابعة من خلال الملايين.

(د) المتغير الأميركي:

الوضع السياسي في الولايات المتحدة الامريكية، والذي يُعول عليه محمد بن سلمان كثيراً، لا يمكن الرهان عليه. وذلك لعدة أسباب أهمها طبيعة العقلية التجارية الربحية التى يفكر بها الرئيس الامريكي ترامب والذي قد تجعله ينحاز لأطراف أخرى عند عقد أية صفقة تجارية. كما أن احتمالية استمرار ترامب في الرئاسة، أصبحت محل جدل كبير.

3-التحديات الإقتصادية:

يعد محمد بن سلمان هو من أطلق مشروعه الاقتصادي “السعودية 2030” وذلك عام 2016 م، والذي يهدف إلى الاقلال من اعتماد المملكة على النفط وخلق مصادر دخل أخرى والحد من الانفاق الاستهلاكي ورفع الدعم تدريجيا عن الكثير من الخدمات والسلع مثل الماء والكهرباء والوقود وحتى فرض الضرائب على بعض السلع لأول مرة في تاريخ السعودية. وقد بدأت السعودية بالفعل مؤخرا بتمويل العجز في الموازنة عن طريق استهلاك جزء من احتياطيها النقدي بسبب تدهور أسعار النفط خلال السنوات القليلة الماضية. ومن المقرر أن تبيع السعودية بعض أسهم شركة أرامكو النفطية العملاقة، التي تعتبر الاغلى في العالم، وإقامة صندوق سيادي يتولى استثمار الأموال الناجمة عن ذلك في مجالات متنوعة وخلق مزيد من فرص العمل. لتحقيق الأهداف التي تتضمنها الرؤية تحتاج السعودية إلى الانفتاح أكثر على العالم الخارجي والسماح للأجانب بالاستثمار في السعودية واتباع مزيد من الشفافية وتعديل قوانينها لتتماشى مع القوانين الدولية ولا يمكن تحقيق ذلك دون معارضة المؤسسة الدينية وبعض أفراد العائلة الحاكمة الذين قد تتعارض مصالحهم الاقتصادية مع أهداف الخطة. لتبقي هذه الخطة لها تداعيات في غاية الصعوبة على المواطن السعودية. كما انه عند الحديث عن الانفتاح الاقتصادي سوف تفقد السعودية جزءا كبيرا من هويتها الدينية المحافظة، مما يدخل الدولة في صراع حول الهوية والمتمثلة في “البقاء على الهوية الدينية أم التحول نحو العلمانية”.

4-التحديات الأمنية:

تواجه السعودية تحديات أمنية على الصعيدين الداخلي والخارجي، فقد شهدت البلاد مؤخرا هجمات انتحارية استهدفت أغلبها مساجد للشيعة في المنطقة الشرقية. واتهمت السلطة تنظيم الدولة بالمسؤولية عن هذه الهجمات. كما أن الفوضى التي خلقتها الحرب في اليمن قد خلقت البيئة المناسبة لنمو وتقوية الجماعات المتطرفة على ابواب السعودية. ويقاتل مئات السعوديين في صفوف “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق ولا شك أن السعودية تشعر بالقلق من إمكانية تسلل عدد منهم الى البلاد مع اقتراب النهاية الحتمية للتنظيم. كما أن هناك حراكا شيعياً ومواجهات أمنية، وإن كانت على مستوى أقل عنفاً في المنطقة الشرقية حيث تقع مواجهات بين الحين والآخر بين قوات الأمن ومطلوبين من الشيعة تتهمهم السلطات بـ”القيام بأعمال عنف والارتباط بجهات خارجية”. ومع الإطاحة بولي العهد محمد بن نايف ذي الباع الطويل في التعامل مع المتطرفين والمسلحين في الداخل والخارج لا بد أن العالم ينظر بعين الترقب إلى كيفية تعامل السلطة السعودية مع هذا الملف11.

 

ختاما:

في المحصلة، يشكل وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد البداية الفعلية لانتقال الحكم في السعودية من جيل أبناء المؤسس إلى جيل الأحفاد، أما ما تحمله المرحلة المقبلة فمرهون بترابط داخل الاسرة المالكة والتي قد تشكل له إما رافعة أو خافضة إلى جانب نضجه السياسي؛ وكذلك بالتطورات الداخلية والإقليمية والعالمية، وتبقى التحليلات منقسمة بين من رأى بوصول سلمان فاتحة خير للسعودية جنبت المملكة صراعاً متوقعاً بين أجنحة العائلة المالكة وبين من رأى فيه بداية النهاية. إلا أن الظاهر يقضي بوجود تحديات في غاية صعوبة ستواجه ولى العهد السعودي الجديد محمد بن سلمان. طرق تعامله معها سيحدد مستقبل آل سعود (12).

————————————

الهامش

(1)  موقع الجزيرة الاخباري، تاريخ الزيارة 22-6-2017م، الرابط.

(2) صحيفة التقرير، تاريخ الزيارة 21-6-2017م، الرابط.

(3) موقع هافبوست، تاريخ الزيارة 21-6-2017م، الرابط.

(4) صحيفة التقرير، تاريخ الزيارة 21-6-2017م، الرابط.

(5) موقع BBC العربية، تاريخ الزيارة 22-6-2017م، الرابط.

(6) موقع رصيف 22، تاريخ الزيارة 23-6-2017م، الرابط.

(7) وكالة وام تايمز الاخبارية، تاريخ الزيارة 21-6-2017م، الرابط.

(8) صحيفة التقرير، تاريخ الزيارة 21-6-2017م، الرابط.

(9) موقع رصيف 22، تاريخ الزيارة 23-6-2017م، الرابط.

(10) موقع BBC العربية، تاريخ الزيارة 22-6-2017م، الرابط.

(11) موقع BBC العربية، تاريخ الزيارة 22-6-2017م، الرابط.

(12) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close