fbpx
تقديرات

مراجعات تيارات 30 يونيو واحتواء الإخوان

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

للعام الرابع على التوالي، تتوالى جموع المعتذرين عن المشاركة في 30 يونيو، والنادمين على المشاركة فيها، ومع اختلافهم برزت ظاهرتان مهمتان هذا العام، الأولى، أن فريقا من التيار المدني يصوغ خطابا يحاول فيه جاهدا أن يسترد «جماعة الإخوان» إلى دائرة العمل الوطني الملتهبة على خلفية تتالي الصدمات جراء سياسات إدارة 3 يوليو. فبتنا أمام توجه علماني لرفض إقصاء الإخوان من المشهد الراهن، واستعادتهم ضمن حراك المصريين، على أرضيات مختلفة سيتلو ذكرها، أما الاتجاه الثاني فكان اتجاها ضابطا، يعبر عن قطاع من التيار الإسلامي، الثانية، تحرك فريق من الإسلاميين المحسوبين على مشروع يناير، لإعادة الاعتبار لـ«لحظة 30 يونيو»، وإعادة التأكيد في هذا الإطار على التمييز بينها وبين «لحظة 3 يوليو». وبين هذين الفريقين، تواجد فريق ثالث كانت أبرز ملامحه اعتذارية، مع لمسات خاصة ميزت 2017 عما سبقها.

أولاً: انقسام خطاب المراجعة

فيما يلي نعرض لتوجهات المراجعة، مع التركيز على الخطابين الذين يقيمان وزنا لضرورة احتواء «جماعة الإخوان»، سواء من باب الاستدعاء أو من باب النقد.

1. اليد المدنية الممدودة

الاتجاه الأول ضمن مراجعات «فريق 30 يونيو» يتمثل في وجود شريحة من قادة الرأي، ذوي التوجه العلماني، موزعين بين ليبراليين (ممدوح حمزة) وناصريين (جمال الجمل) وحتى دولتيين مدنيين (حازم عبد العظيم)، توجهوا لـ«جماعة الإخوان» بنداء استدعاء وطني، مستنكرين أن تتسبب أنماط الدعاية التي وجهها النظام للعقل الجمعي المصري حيال «الجماعة» في استمرار إقصائها من المشهد السياسي بكل ما يعتمل فيه من عوامل نخر غير صحية، من شأنها أن تطال الجميع، وأن تؤذي الوطن بكل من فيه، بما في ذلك، بحسبهم، أولئك الذين يؤيدون « إدارة 3 يوليو ».

وقد اتسمت ملامح هذه اليد الممدودة بعدة سمات، يمكن الحديث عنها فيما يلي:

(أ) توجهت غالبية الخطابات المشار إليها لغير الإسلاميين، فالكاتب جمال الجمل توجه بخطابه للناصريين مؤكدا على أن “يا أخوتي الأعزاء إن سؤال الوطن ليس سؤال من ينتصر فينا على الآخر؟، ولكن كيف أضم جهدي على جهدك لننتصر سوياً على أعداء الوطن المتربصين بنا”1. كما توجه حازم عبد العظيم بخطابه لأتباعه. وفي حديثه عما لو عاد به الزمان لما قبل 30 يونيو قال حازم عبد العظيم: “مؤكد كنت سأضغط من أجل انتخابات رئاسية مبكرة وعدم إسقاط حكم الإخوان، أو كنت سأضغط سياسيا لاصلاح سياسات الإخوان؛ لمزيد من المشاركة وليس المغالبة، ومؤكد كنت لن ادعم 3 يوليو ولا تفويض 26 يوليو، ولن أدعم نهائيا أي بديل من المؤسسة العسكرية. كانت معارضتي لحكم الإخوان ستكون أقل حدة مع استمرار رفضي لخلط الدين بالسياسة وفكرة الأممية والخلافة. يعني كنت سأعارضهم فكريا وسياسيا بغرض الإصلاح وليس الانقلاب عليهم”2.

غير أن هذا الخطاب التوجيهي الذاتي، أو إن شئت فسمه مراجعة، لم يلغ وجود خطاب توجه به البعض لـ«جماعة الإخوان»، وكان أبرز من أسهموا بهذا الخطاب المهندس ممدوح حمزة في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، وجهها لـ«جماعة الإخوان» قائلا: “علي فلول الإخوان إيقاف نغمة إنتوا و30/6 السبب، إكبروا وخليكوا قد مسؤولية الحفاظ علي الأرض”3. وأبدى حمزة تعاطفا واضحا مع كل من المرشد السابق للجماعة محمد مهدي عاكف والمستشار محمود الخضيري، حيث ناشد في تدوينة أخرى له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التدخل للإفراج الصحي عنهما4، وهي رسالة بالغة القسوة يستهدف بها إدارة 3 يوليو، ويعلن فيها موقفه من الرمزين الإسلاميين.

(ب) خطاب التيار العلماني التوافقي حمل معه أرضيات متعددة للتلاقي، كان من أبرزها «أرضية المواطنة» على نحو ما شهده خطاب جمال الجمل، أو «أرضية المصلحة الوطنية» على نحو ما شهده خطاب حازم عبد العظيم وممدوح حمزة، أو حتى على الأرضية الحقوقية كما لمسنا في مناشدة ممدوح حمزة.

ويمكن القول بحسم، أن تلك الخطابات لا تعكس ودا، لكنها تعكس ما هو أكثر رسوخا من ذاك الود، هي تعكس رغبة في التخلص من بناء وعي المواطن المصري عبر الدعاية السلبية، والحاجة لبناء التوافق على معيار لتأسيس هذا الوعي، سواء أكان هذا المعيار هو «المواطنة» أو «المصلحة الوطنية» وإلى حد ما «الاعتبارات الإنسانية». وبقدر ما إن الحديث عن «الاعتبارات الإنسانية» فيه قدر من التشوه لارتباطه فقط بكبار السن، إلا أن معياري «المواطنة» أو «المصلحة الوطنية» معايير أكثر رسوخا، وأكثر قابلية للبناء عليها مع تأكيد حق الاختلاف.

(ج) الحديث عن استدعاء الإخوان لقلب المشهد الوطني مجددا لم يكن حديثا منعزلا عن مواقف هذه التيارات الناقدة لـ«جماعة الإخوان»، وهو ما يمنح خطابهم صدقية أوضح، ونبلا أكبر. حيث أكد أصحاب هذه الخطابات، وأتباعم في الواقع الافتراضي وفرة، على أن استيعاب الإخوان لا يعني استيعاب رؤاهم، ولا يعني الانصياع تعليماتهم، ولا يعني قبولهم كتنظيم دون مراجعة. الصياغات التي طرحت كانت تعنى بالإخوان بما هم مصريين، أفراد، وليس باعتبارهم تنظيما. غير أنها لم تستبعد استيعابهم كتنظيم، وهو الأمر المرهون بالمراجعة، والتخلص من مركزية الذات، وتقديم رؤية واضحة للمصلحة الوطنية ودور التنظيم فيها.

2ـ مراجعات إسلامية

في مقابل تلك اليد الممدودة من جانب قادة رأي علمانيي التوجه، فإن قطاعا من التيار المحافظ اتجه نحو تشديد الخطاب في مواجهة الإخوان، حيث حرص هؤلاء على التأكيد على أن 30 يونيو «ثورة» وليست أحداثا مصطنعة، وأنه يجب التمييز بين «لحظة 30 يونيو» و«لحظة 3 يوليو»، وأن الجماهير التي خرجت كانت تحدوها رغبة حقيقية في وقف ما اعتبروه من قبيل “العنجهية” و”الغرور” و”الانغلاق” دون الآخر «الشريك في الوطن»، وهو ما سهل من مهمة من كانت له حسابات أخرى، ومن كانت له أجندة جاهزة لما ينبغي القيام به في اليوم التالي لإلقاء «البيان رقم 1»5.

وفي هذا السياق يتساءل الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف: “كيف نخرج من هذا الوضع الذي أصبحنا فيه.. دون تنظيرات تتعلق بالماضي.. لأن كل واحد منا يملك روايته التاريخية لهذا الماضي”، وقال قبل ذلك: “ترى الإسلاميين الذين يعملون لصالح الأجهزة الأمنية دون أن يعلموا يقولون (الدم أهم من الأرض.. ومن لم يثر للدماء لا يثور للأرض)”6.

إن تبسيط المشهد في صورة فريق علماني يمد يد المصالحة وآخر إسلامي أو محافظ يقدم نقدا قويا محسوب الحدود بدقة متناهية، ما هو إلا محاولة للتخلص من الخطابات غير الواعية التي تتدفق هنا وهناك، ودعوة للتركيز على المسارات «العقلانية» بالرغم مما قد يبدو في هذا التجريد من هجوم ظاهري، إلا أنه محاولة لفتح قناة تواصل فعال. وفي هذا السياق، نود أن نوضح بعض خصائص الحصار المحافظ «الرفيق» فيما يلي:

(أ) يهدف الحصار إلى وقف تيار تدليل التيار المحافظ في مصر للإخوان، في محاولة لدفعهم لإدراك مسؤوليتهم التاريخية، والالتحاق بمشروع المواطنة كمصريين، وتأجيل المسار متعسر الولادة من مراجعة الفريق الثاني للإخوان لمواقفهم منذ لحظة 11 فبراير 2011 وحتى لحظة 3 يوليو 2013.

وثمة قناعة تسربت في خطابات قادة الرأي الإسلاميين (مقالات – مداخلات بشبكات التواصل الاجتماعي) خلال العام المنصرم، مفادها أن كم الضغوط المتلاحق المفروض على قيادات «جماعة الإخوان»، سواء من جانب الأجهزة الأمنية، أو التضييق الإقليمي، أو حتى تلك الضغوط الداخلية التي تواجهها قيادات «جماعة الإخوان» من داخل تنظيمها بين التيارين الأساسيين الذين يقتسمان أعضائها، وبعض القرارات غير المتزنة التي صدرت عن بعض القيادات، وما تبعها من ردود أفعال في قواعد «جماعة الإخوان»، هذه الروافد الثلاثة من الضغوط قد أدت لتأخر الاهتمام بفتح ملف المراجعة بصورة جادة تليق بالمكانة التاريخية والسياسية والرمزية لـ«جماعة الإخوان»، وهو ما يتعذر تنبيهها إليه عبر تيار نقدي متوازن يدفعها لتفتيت الملفات المعقدة.

ومن أهم الملفات المعقدة ضرورة التمييز بين “ملف المراجعة” وملف عودة «جماعة الإخوان» للحضن المصري، وهو ما سبق أن لفتنا إليه بالعودة كمصريين، وضمن دائرة المواطنة، على أن تنجز «جماعة الإخوان» ملف المراجعة وفق ظروفها الداخلية، وسط آمال بألا يتأخر ملف المراجعة بـ«جماعة الإخوان» عن اللحاق باللحظة التاريخية.

(ب) أكد بعض المحافظين المصريين (إسلاميون ومتعاطفون مع الخبرة التاريخية الإسلامية) على أن «لحظة 30 يونيو» ثورة حقيقية وليست مصطنعة، وأنها عكست تبرما وغضبا حقيقيا من المجتمع السياسي المصري ضد توجه الإخوان للانغلاق. وأكد هؤلاء على أن حجج الإخوان في الدفاع عن أنفسهم واهية بشهادات إسلاميين وغير إسلاميين. هذا التوجه إنما يشير لضرورة المراجعة، بحيث لا يفهم أن مد اليد لأجل الشراكة في الوطن يعني تنازلا عما سبق. ففي هذا السياق، يؤكد هذا التيار المحافظ على أن الكل مخطئ، وأن خطأ التيار المدني المصري تمثل في غياب الرؤية لما بعد لحظة 30 يونيو، وهو ما فتح الباب لتيارِ عتو تستر وراء حركة الشارع لينفذ مخططا إقليميا دبر بليل، وبيتت له نوايا قوامها «مصر ضعيفة».

(ج) إن أغلب المحافظين قرروا لفت نظر الإخوان إلى أن التيار المدني الذي شارك في ثورة يناير لم يلتحق بـ«لحظة 3 يوليو»، ودليل ذلك ملاحقات وسجون ورفض المشاركات السياسية، برلمانية أو وزارية. وفي نفس الاتجاه، حرص التيار المحافظ على الفصل بين من شارك في «لحظة 30 يونيو» ومن أيد «المجازر» التي ارتكبت في حق الإسلاميين الرافضين للانقلاب العسكري، إذ التمييز بينهما واضح، منوهين إلى أن نموذج الفض الذي مُورس ما كان ليخطر على بال أحد، لأنه لم يك ثمة سابقة في تاريخ مصر لمثل هذا الجرم. ويضيف الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف أن كل طرف له سردياته التي لن يؤدي التمسك بها دون حراك إلا إلى مزيد من التردي.

3ـ خطاب الاعتذار

وبعد هذين الخطابين كان ثمة خطاب ثالث ركز على الصيغة الاعتذارية أكثر من تركيزه على تقديم رؤية للحراك والتواصل مع الآخر الشريك. أصحاب هذا الاتجاه كانوا الأكثر، وقاموا في هذا الصدد بتدشين موقع حمل اسم “فكر تاني” برابط http://fakartany.com، واستخدموه لجمع آراء من يريد مراجعة موقفه من مشاركته في 30 يونيو. ويجدر في هذا الإطار أن نشير إلى أن هذا الموقع كان أكثر انفتاحا من استيعاب أصحاب الخطاب الاعتذاري وحده، حيث تضمن أصحاب توجه استيعاب الإخوان، واستوعب كذلك أصحاب توجه نقد الإخوان، وكان أبرز ممثل لهذا التوجه مقال أحمد ماهر الذي رفض فيه أسلوب ما اعتبرهم لجان إليكترونية إخوانية غلب على خطابها التشفي والبذاءة والشماتة7.

ويمكن في هذا الإطار التعرف على ملامح الخطاب الاعتذاري فيما يلي:

(أ) أقر أصحاب هذا التوجه بالمشاركة في فعاليات 30 يونيو والتحضير لها، لافتين إلى أن حالة الاستقطاب الحادة التي ساقت «جماعة الإخوان» البلد إليها كانت تؤرق الجميع وتثير في نفوس الجميع قلقا بالغا، ما اعتبروه وقوع نظام ما بعد الثورة في يد مكتب الإرشاد، وائتمار الدولة بتعليمات المرشد، وهزلية مجلس نواب، وثورة موؤدة لم تحقق أي من أهدافها. واعتبر الكتاب المحسوبون على هذا التيار أن قناعة قوية سادت آنذاك بأن الاستمرار في هذا الوضع يعني فشل ثورة ٢٥ يناير وما قامت من أجله. وشارك في رسم ملامح هذا السياق كتاب مثل شريف عازر وهالة فودة وإسراء عبد الفتاح ومصطفى النجار8.

وقدم الجميع في هذا الإطار شهاداتهم حول المشهد آنذاك، وكيف بدأت ريبتهم، وكيف أن مظاهر انفلات الأمر من أيدي حملة مشروع يناير بدأ في 28 يونيو، حين بدأت الملصقات واللافتات تحمل محتوى ودعاية بادية للعيان تتمركز حول وزير الدفاع آنذاك.

(ب) إن جل أصحاب هذا التوجه ضمنّوا مقالاتهم تصريحا بأنهم لم يوافقوا على الفض أو لم يوافقوا على الدم، وكانت أبرز العبارات في هذا الصدد ما ذكرته هالة فودة، الأستاذة بجامعة عين شمس، وأمين الحقوق والحريات بحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، في مقالها الذي حمل عنوان “مراجعات لابد منها – 30يونيو”: “أُشهد الله أن الدم كله حرام.. وأُشهده أني لم أشارك في ٣٠ يونيو بنية التحريض علي قتل كائن من كان.. وأني لم أفوض ولم أوافق علي فض إعتصامي رابعة والنهضة وإراقة الدم.. فالارض التي تروي بالدم لا تنبت السلام.. ولو عاد بي الزمان لما شاركت في إنقلاب علي الديمقراطية يعيدنا لنفق الدكتاتورية العسكرية المظلم.. لو عاد بي الزمن لعارضت حكم الإخوان بكل ما أُتيت من آليات سياسية وحزبية وتوعوية وشعبية لانها آليات ديمقراطية يكفلها الدستور وترسخ لحكم مدني ديمقراطي. لو عاد بي الزمان لشاركت في الانقلاب علي حكم الإخوان ليس في الميدان ولكن في صناديق الاقتراع”9.

 

ثانياً: في بعض سمات خطاب المراجعة

بعيدا عن المستجد اللافت في خطاب مراجعات 30 يونيو لهذا العام، فإن وقفة عند سمات خطاب المراجعة هذا العام يمكننا أن نوجز خلاصتها فيما يلي:

1. الترفق السياسي:

بدا من خلال استعراض أكثر من 40 مقالا، فضلا عن مداخلات قادة الرأي العام المصري عبر شبكات التواصل الاجتماعي أن الروح التي غلبت على الغالبية العظمى من كاتبي المقال هي روح الترفق السياسي. لم يكن الرفق الكامن أو البادي تجاه ضحايا الإخوان وحدهم، وإنما تجاه التيارات في علاقتها ببعضها البعض. فصائغو الخطاب العلماني رفضوا الدم، ودعوا لكلمة سواء قوامها المصلحة الوطنية، وتوافقوا على أن تكون الدعوة فيما يخص «جماعة الإخوان» على أرضية المواطنة، داعين في نفس الوقت التنظيم للمراجعة، بعضهم ترفق في الدعوة للمراجعة، وبعضهم كان حادا في مطالبة «جماعة الإخوان» بها، جمعهم معا حيالها الرغبة في إنجاز هذا الملف، آملين في بناء عقد اجتماعي جديد، يتخلص من إرث الشقاق. وكانت المفاجأة أن قطاع من الإسلاميين أشفق من خطاب “جلد الذات” الذي يسير عليه شركاء الوطن من التيار المدني العلماني، فكتبوا يؤكدون أن 30 يونيو لم تكن مصطنعة، وأن أغلب من شاركوا فيها لم يقبلوا الدم، ولم يشاركوا في العملية السياسية بعد إراقته.

2. القطع بتعلم الدرس

القاسم المشترك الأكبر الثاني بين صائغي خطابات مراجعات 30 يونيو هي تجربة القطع بتعلم الدرس. ليس المقصود هنا بالطبع درس رفض السلوك السياسي للإخوان، لكن المقصود هو درس تدخل العسكر. وفي هذا السياق، أتصور أن مطالبة التيار المدني «جماعة الإخوان» بضرورة المراجعة وراءه رغبة ملحة في أن يؤكد الجميع على مطلبي الديمقراطية ورفض العسكر كمطلبين متلازمين.

3. تبني مفاهيم مرجعية

“المواطنة”، “المصلحة الوطنية”، “الدم كله حرام”، “التمركز حول الديمقراطية”، “الرفض القطعي لحكم العسكر”، تلكم أبرز المفاهيم المرجعية التي أكد أصحاب مراجعات هذا العام ضرورة إقرارها، والتأكيد عليها، والبناء عليها أيضا. وكانت روح البحث عن مفاهيم مرجعية تتمثل بصورة أساسية في السعي لتأسيس وعي، ورفض الاستناد للخطابات الدعائية في تعريف القاعدة الجماهيرية العريضة بماهية العدو والصديق.

4. رفض خطاب الشماتة

كان من أبرز ملامح خطاب المراجعة رفضه صيغ «الشماتة» التي بدت في خطاب ما اعتبره التيار المدني «لجان إليكترونية» تتبع «جماعة الإخوان». بعض أصوات هذه الخطابات اتسمت برفض بالغ الحدة (كما حال أحمد ماهر) وبعضها كان حادا نسبيا (خطاب ممدوح حمزة) وبعضها كان بالغ الرفق (خطاب جمال الجمل). كان مرد رفض صيغ «الشماتة» لاعتبارين أساسيين، أولهما أن الجميع وقعوا في نفس الأخطاء تقريبا، وثانيهما أنه لا يجوز الشماتة في أوضاع وطن تعود نوائبه وجائحاته على كل من ينتمي إليه، فضلا عما يترتب على هذه الصيغ من روح شقاق لا تتطلبها اللحظة التاريخية واحتياجاتها النفسية والتعبوية.

 

ثالثاً: الإخوان بين القراءتين

إن المشهد الذي رصدته هذه الورقة لا يمكن تصوره كمجموع لرؤيتين كل منهما بنيت بمفردها، بل جاءت، فيما يتصوره كاتب التقرير، نتاج حالة تثاقف كان بدوره نتاج تفاعل بين التدفقات السلبية في عالم الاحداث، وسعي الراشدين في كل فريق للبحث عن مخرج من هذه الحال، التي وصفها أحد الباحثين “الشدة السيساوية”.

من اليسير أن نقدم رؤية كل طرف على حدة لحقيقة الإخوان، غير أن تلك المعالجة لا تحقق نفس الدلالة التي يمكن الخروج بها من تحليل تصور حالة التحام الرؤى بهذه الصورة.

وفي هذا السياق، يمكن تلمس دلالات ذلك المزيج المتثاقف فيما يلي:

1. كل من الداعي المادِّ يده والناقد يشتركان في بناء تصور واحد حول جماعة الإخوان، مفاده أنه لا يمكن بناء الوطن في إطار ثقافة إقصائية تُهمش قطاعا فاعلا في الشارع المصري. وإلى جانب هؤلاء هناك فريق يرى إمكانية بناء حركة وطنية في الأمد الطويل من دون الجماعة، وبرغم أن الفريقين يكادان يتعادلان في الحجم، إلا أن ردود فعل الإخوان خلال الفترة القادمة من شأنها أن تصب في مصلحة تعاظم فريق دون غيره. الميزة في الفريقين المرصودين أنهما يؤسسان رؤيتهما وفق معايير وطنية عامة، لا وفق رؤية أيديولوجية. ومن ثم، فإن ردود فعل الإخوان ينتظرها المجال العام المصري ليقرر في أي اتجاه ستتجه الحركة الوطنية في المرحلة القادمة.

2. تفكيك أطروحات الطرفين يفيد أن “قضية المعتقلين” ستجد إطارا لمعالجتها في إطار الانخراط الأوسع ضمن تيار الحركة الوطنية القادمة، وإن كانت انخراطا فرديا للإخوان لا بصفتهم جماعة، بانتظار المراجعات بطبيعة الحال، حيث إن الانخراط دون إطار الجماعة لن يقيد الأفراد بقضية المعتقلين التي من شأنها أن تظل معلقة، وأن تنتج أوراق ضغط على الجماعة طالما ظل المشهد السياسي الراهن على ما هو عليه.

3. يتفق الطرفان على أن ثمة درجة من الغطرسة والعنجهية كانت تنتاب سلوك الإخوان خلال تعاملهم مع القوى السياسية غير الإسلامية، وربما ترى القوى الإسلامية أيضا أن هناك نوع من “الاستعلاء الإخواني”. وسعي القوى المدنية للتغاضي عن هذا الإرث يرتبط به تصور مفاده أن القوى الإسلامية تدعم بعضها هو أهم درس يجب أن يتعلمه الجميع جراء هذه “الشدة السيساوية”.

4. يتوقع الطرفان كذلك أن تكون هناك حالة مراجعة متوقعة من جناح الحرس القديم من الجماعة، وهي رؤية ينم تفكيكها عن وجود تصور لدى القوى المدنية رافض لفتح الباب للعنف السياسي، وهو ما يجعلها لا تنظر لجناح “المكتب العام” باعتباره ممثلا للجماعة، راغبة في أن تشهد مراجعات مما تعتبره الجسد الأساسي للإخوان، والذي ينبذ العنف، حتى في أحلك اللحظات السياسية (10).

—————————————

الهامش

(1) جمال الجمل، فتنة الناصريين والإخوان.. من المستفيد؟!، موقع عربي 21، 28 يونيو 2017. https://goo.gl/KDWkhZ

(2) حازم عبد العظيم، لو رجع بيا الزمن ل29 يونيو 2013 – كشف حساب، موقع فكر تاني، 29 يونيو 2017. https://goo.gl/w6X5Aw

(3) محمد الوكيل، ممدوح حمزة للإخوان: “بطلوا نغمة 30 – 6 السبب وخليكوا قد مسئولية الحفاظ على الأرض”، بوابة مصر العربية، 15 يونيو 2017.الرابط

(4) «حمزة» يناشد «ترامب» بالتدخل للإفراج عن عاكف والخضيري، موقع صحيفة “المصريون”، 1 يوليو 2017. https://goo.gl/x4JbrZ

(5) من أبرز الأصوات في هذا الإطار: جمال سلطان، الحقائق والأوهام في أحداث 30 يونيه 2013، موقع صحيفة “المصريون”، 1 يوليو 2017.الرابط

(6) عبد الرحمن يوسف، الأيام المُلْتَبِسَة في الثورة المصرية، موقع عربي 21، 2 يوليو 2017. https://goo.gl/bo9g5s

(7) أحمد ماهر، التشفي والشماتة والبذاءة بما يخالف شرع الله، موقع فكر تاني، 29 يونيو 2017. https://goo.gl/CDi6FY

(8) انظر على سبيل المثال: شريف عازر، لا بديل عن حماية العملية الديمقراطية، موقع فكر تاني، 29 يونيو 2017. https://goo.gl/i94MYz

(9) هالة فودة، مراجعات لابد منها – 30يونيو، موقع فكر تاني، 29 يونيو 2017. https://goo.gl/6AaKGT

(10) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close