ترجمات

مسلموا الهند: تحديات الحاضر وآفاق المستقبل


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


تمهيد:

تُعتبر الهند – أرض التنوع – موطنا لأكثر من 200 مليون مسلم. وهي بهذا تُعد ثاني أكبر دولة على مستوى العالم بعد إندونيسيا في عدد المسلمين. وترجع أصول المسلمين في شبه القارة الهندية إلى القرن السابع المبلادي. وقد انتشر المسلمون الهنود على مر القرون في طول البلاد وعرضها، وكان لهم تأثير عميق على حياة وتاريخ واقتصاد وثقافة شبه القارة. وأنجبوا العديد من المفكرين العظماء الذين أسهموا بشكل كبير في تشكيل حياة المسلمين والتأثير فيها سواء داخل الهند أو خارجها. وعلى مدى أكثر من سبعة قرون، خضعت شبه القارة الهندية لحكم المسلمين في ظل عهود مختلفة. وفي عام 1947، حصلت شبه القارة على استقلالها عن الاحتلال البريطاني بعد 200 سنة من الحكم الاستعماري، وتم تقسيمها إلى دولتين – ومن ثم وُلدت باكستان كدولة جديدة ذات أغلبية مسلمة. وشكَل الدور الكبير الذي أسهم به المسلمون الهنود في هذا الحدث عبئاً هائلاً عليهم حيث انتقلت غالبية النخبة الحاكمة والطبقة الوسطى إلى باكستان، وتركت فقراء المسلمين وحدهم ليساهموا في تشكيل مستقبل الهند.

التهميش والحرمان المتزايد للمسلمين

قام المسلمون الهنود في فترة ما بعد تأسيس الهند الديمقراطية المستقلة، بتكوين ثروة متواضعة، وبدأوا يُسهمون على استحياء في التنمية الوطنية لبلادهم. غير أن التمييز الاجتماعي المتجذر والقائم على أساس الدين والعرق، كان قد أعاق بشكل كبير قدرتهم على التأثير والمساهمة الجادة في العمل العام. وإدراكا من الحكومة الهندية لضخامة مشكلة تزايد التهميش والحرمان للمسلمين، فقد قامت في عام 2005 بتكليف “لجنة ساكار” برئاسة قاضي من المحكمة العليا بمهمة التحقق من مستوى حرمان المسلمين الهنود من حقوقهم. وقد سلط التقرير الضوء على الحقائق المتعلقة بأحوال المسلمين، وحث الحكومة على اتخاذ سلسلة من الإجراءات الإيجابية لمعالجة هذه المسألة. وأبرزت لجنة ساكار أن المسلمين في الهند يُصنَفون ضمن أشد الفئات حرماناً في البلاد، وأشارت إلى العزل الاجتماعي الحاد للمسلمين والذي كان يُترجم في شكل فرض عزلة جغرافية عليهم ووضع العراقيل التي تمنعهم من الاستفادة من برامج العمالة والرعاية الاجتماعية. وبالإضافة إلى ذلك، يُشكل المسلمون وغيرهم من الطبقات المهمشة غالبية نزلاء السجون في الهند. [تُعد “القبائل المدرجة” و “الطبقات المدرجة” من أفقر الطبقات المهمشة في الهند وتضم البدو وسكان الغابات والوثنيين.] ويشكل المسلمون 25%من عدد المتسولين في الهند وهذا لا يتناسب مع تعدادهم الذي يبلغ 14.23% فقط من مجموع السكان. وعلاوة على ذلك، فإن ما يقرب من 57% من نسبة الـ 25% من المتسولين المسلمين هم من الإناث.

غير أنه بسبب غياب الإرادة السياسية والبيئة السياسية المعادية في البلاد لم تتمكن الحكومة في ذلك الوقت من القيام بوضع أي سياسة ملموسة بهذا الخصوص (تهميش وحرمان المسلمين). وفي عام 2014، تم تشكيل لجنة كوندو لمراجعة توصيات لجنة ساكار. ومرة أخرى أكدت اللجنة الجديدة على واقع التهميش والحرمان للمسلمين في الهند حتى بعد مرورعقد من الزمان على تقرير لجنة ساكار.

ولا شك في أن مجموعة السياسات التي تبنت التمييز الإيجابي من خلال الأحكام الدستورية لعبت دورا أساسيا في مواجهة بعض أنماط التمييز الأكثر تجذراً في البلاد ضد الفئات المهمشة اجتماعيا واقتصاديا مثل “القبائل المدرجة” و “الطبقات المدرجة”. لكن عدم الاعتراف بمشكلة المسلمين وإدراجهم ضمن “سياسات التمييز الإيجابي” زاد من تفاقم الوضع. وعلاوة على ذلك، فإن عدم الاعتراف بقضايا المسلمين، سواء في المحافل الشعبية أوالحكومية، حال دون إجراء مناقشات بشأن الآليات التي يمكن أن تعالج التمييز من جذوره، وأُهملت قضايا أكثر حساسية وأهمية مثل الحق في العدالة، والحق في التنمية، وغير ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان التي لم يتم معالجتها أو حتى الاقتراب منها.

عرض سريع لبعض الحقائق

 – يُقدر معدل سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة بنسبة 42٪ بين المسلمين مقابل 26٪ بين فئات أخرى – كنسبة مستهدفة.

– تختلف وتتعارض معايير قياس الفقر في الهند، وهناك لغط كبير حول تحديد نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر بشكل رسمياً. واستنادا إلى توصية لجنة تندولكار، قدَرت لجنة التخطيط في الهند أن أعلى نسبة للفقر بلغت 36.2 في المائة عام (2009-2010). وقد وصل المسلمون بين الطوائف الدينية المختلفة إلى أعلى نسبة للفقر في المناطق الحضرية (33.9 في المائة). وفي المناطق الريفية بلغت نسبة الفقر بين المسلمين 53.6 في المائة، بينما بلغت في أوتار براديش (44.4 في المائة)، وفي غرب البنغال (34.4 في المائة)، وكوجارات (31.4 في المائة).

– يشير معدل نصيب الفرد من الإنفاق الشهري، والذي تم التوصل إليه من خلال المسح الوطني للعينات عام (2009-2010)، أن المسلمين وكذلك “القبائل المدرجة” و “الطبقات المدرجة” يشكلون أفقر الفئات في المجتمع الهندي. ففي المناطق الريفية، تقع نسبة 26.2 في المائة من جميع المسلمين في الشريحة الأشد فقراً، في حين تقع نسبة 34.2 في المائة من مجموع الطوائف الأخرى المهمشة في نفس الشريحة. ويُعتبر المسلمون من بين أفقر الفئات في الهند، حيث أن 40.7 في المائة منهم – وهي أكثر بقليل من نسبة الطوائف الأخرى الفقيرة (40 في المائة) – يقعون ضمن أشد الفئات فقراً.

– هناك 2.75% من المسلمين الهنود (بينهم 36.65٪ من الإناث) من الخريجين، ولكن 3٪ منهم فقط  من يعملون في الخدمة المدنية.

– يكشف المسح الوطني للعينات لعام 2011 أن نسبة العمل في مهن ذات أجور منخفضة عند المسلمين والفئات المهمشة الأخرى أعلى بكثير من تلك النسبة عند “الطائفة الهندوسية”. وبسبب الانقسام الاجتماعي والديني، فإن غالبية الإناث – 95% – تعمل ضمن قطاع العمالة غير المنظمة وغير الرسمية، حيث لا يتطلب العمل إلى مهارات عالية. ويشكل المسلمون و”القبائل المدرجة” و “الطبقات المدرجة” حوالي 80٪ من القوى العاملة في القطاع غير الرسمي للعمل.

– ويبدو أن التفاوت بين الجنسين في المستويات التعليمية أمر مستقر ولا يمكن التغلب عليه. فوفقا للتعداد السكاني لعام 2011، يبلغ معدل الإلمام بالقراءة والكتابة 50 في المائة بالنسبة للنساء اللائي يينتمين إلى “القبائل المدرجة” وذلك في مقابل 68.5 في المائة بالنسبة للذكور. وهذا أقل بكثير من المعدل ​​الوطني بالنسبة للإناث (بنسبة 68.2 في المائة) وللذكور(بنسبة 83.5 في المائة) على التوالي. وبالمثل، فإن نسبة المسلمين في معرفة القراءة والكتابة بين الجماعات الدينية الأخرى، تبلغ 51.9 في المائة (للإناث) و 62.41 في المائة (للذكور).

الانطلاق إلى الأمام

وعلى الرغم من أن البيانات المذكورة أعلاه تقدم صورة قاتمة للمسلمين في الهند بخصوص أوضاعهم ومساهماتهم ضمن التيار الوطني العام في البلاد، لكنها في نفس الوقت تتيح الفرصة للأفراد والمجموعات المستنيرة أن يساهموا في تشكيل مستقبل أكثر من مائتي مليون مسلم. وتوفر الهند، كونها نظاما ديمقراطيا، فرصاً ومساحة للمسلمين لتنظيم استراتيجياتهم ومتابعة تطلعاتهم من خلال تبني نهج طويل الأجل للعمل. وحيال ذلك، يتطلب الأمر اتباع نهج منظم طويل الأجل، والاستثمار في بناء قدرات الأجيال الشابة من خلال بناء شراكات استراتيجية مع المؤسسات الوطنية والعالمية ذات السمعة الطيبة. ومن الأهمية بمكان أيضا أن تطوير المؤسسات والمنتديات يتيح الفرصة، لا سيما للشباب المسلم والمجموعات المهمشة الأخرى، للنهوض بتطلعاتهم وتحقيق أحلامهم.

القضايا الهيكلية الرئيسية للمسلمين في الهند

– ضعف قدرة أو تواجد المؤسسات / المجموعات المنظمة التي تعبر عن المسلمين الهنود من خلال تبني إجراءات متنوعة مثل: البحوث، والدعوة، وبناء القدرات، الخ.

– غياب القيادات الاجتماعية القوية (الشباب والمرأة) الذين يعملون مع المجتمع ويمثلون المسلمين في دهاليز السلطة، ويتعاملون مع المؤسسات الحكومية المحلية لتحقيق الفائدة للمسلمين.

– عدم وجود منبر وطني / إقليمي منظم من المؤسسات الاجتماعية التي تمارس نفوذا مع مختلف أصحاب المصالح.

– عدم قدرة المسلمين الهنود على إثبات وجودهم على المستوى العالمي بسبب ضعف تمثيل الجماعات السلمة في المنابر العالمية خاصة في دول الشمال.

– عدم وجود استثمارات منتظمة وطويلة الأجل بين المسلمين بالهند في مجال تنمية المؤسسات والقيادة.

– ضعف الاهتمام بالإعلام، والغياب التام عن المشاركة مع المؤسسات الإعلامية، ولا سيما في تشكيل السياسات الإعلامية والتغطية والتأثير عليها

– وجود مجال محدود لأصحاب المشروعات من الشباب المسلم في الحصول على الدعم المالي والتقني والتسويقي للتفوق في مجال تطوير الأعمال. [1]


[1] الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى