اقتصادتقارير

مشروعات التحرر الوطني عند الرئيس مرسي: الاكتفاء الذاتي من الغذاء

وضع الرئيس محمد مرسي برنامجًا طموحا لتحرير الاقتصاد المصري من التبعية، وتضمن “البرنامج الرئاسي للدكتور محمد مرسي، النهضة إرادة شعب” الذي طرحه على الشعب في فترة الدعاية الانتخابية في مايو/آيار 2012 رؤية واضحة ومشروعات مخططة بدقة، واضحة الأهداف لتحقيق هدفه من خلال، “تشجيع الإنتاج المحلي وترشيد عمليات الاستيراد” وأيضًا من خلال “العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية كالقمح والسكر والزيت واللحوم والقطن”.(1)

وهي مشروعات غير مسبوقة في مصر، وإن تشدق بها الرؤساء السابقون واللاحقون، مثل مشروع الاكتفاء الذاتي من القمح، حيث كان حديثهم عنها لا يتجاوز الوعود الزائفة والكلام المنمق الذي لا يسمن ولا يغني. وقد كشف الرئيس مرسي مبكرا عن رؤيته لتعزيز استقلال مصر وتحرير إرادتها من التبعية بعد شهر واحد من انتخابه رئيسًا في كلمة ألقاها على قادة الجيش الثاني الميداني بمدينة الإسماعيلية بقوله: “إذا كنا نريد أن نمتلك إرادتنا، لابد وأن ننتج غذاءنا، ولابد وأن ننتج دواءنا، ولابد وأن ننتج ونمتلك سلاحنا.. هذه الثلاثة هي ضمان الاستقرار، والتنمية، وامتلاك الإرادة، نحن نسعى في كل هذه الاتجاهات”.(2)

ونتناول هنا مشروع الاكتفاء الذاتي من الغذاء والذي سجله الرئيس مرسي في برنامجه الانتخابي، المتاح حتى هذه اللحظة على شبكة الإنترنت، وحقق فيه إنجازات مهمة وخطوات واضحة خلال سنة واحدة له في الحكم، وذلك باستعراض ملامح المشروع في البرنامج الانتخابي، والقرارات الرئاسية التي اتخذها لتحقيق هدفه، والإجراءات التنفيذية التي اتخذتها الحكومة لتنفيذ برنامج الرئيس مرسي.

أولًا: دعم المزارعين:

في برنامجه الانتخابي، استهدف الرئيس مرسي تحسين أوضاع العمال والفلاحين من خلال إعادة هيكلة الأجور في مصر حتى تحقق الحد الأدنى لتوفير فرصة حياة كريمة للأسرة المصرية مع إقرار زيادة سنوية تكفى لمواجهة التضخم بالإضافة إلى تحديد الحد الأعلى للأجور. وكذلك تعديل مواد قانون التأمينات والمعاشات 79 لسنة 1975، لتغطي مظلة التأمينات كل المصريين بما فيهم المزارعين. وتثبيت العمالة المؤقتة أو توفير مرتبات وظروف عمل وعقود تضمن لهم الاستقرار ومساواتهم بالمثبتين. وإصدار قانون التأمين الصحي بما يمنع خصخصة التأمين الصحي لإتاحة الرعاية الصحية وتوفير سبل الحصول عليها للجميع. وزيادة دعم الفلاحين لمواجهة الزيادة المستمرة في ارتفاع تكلفة العملية الزراعية.(3)

وكذلك زيادة دعم الفلاحين لمواجهة الزيادة المستمرة في ارتفاع تكلفة العملية الزراعية، وإلغاء الديون المتعثرة للفلاحين من أصحاب الحيازات الصغيرة وتفعيل الدورة التنموية لبنك التنمية والائتمان الزراعي ودعم المشروعات الصغيرة فى مجال الزراعة والثروة الحيوانية والثروة السمكية . ووعَد بوضع خطة لتطوير دور الاتحاد التعاوني الزراعي وتوسيع قاعدة المشاركة التعاونية فى مجالات تسويق المنتج الزراعين، وتفعيل نقابة العاملين بالزراعة والري للقيام بدورها فى رعاية مصالحهم ، وتبني مطالبهم.(4)

أوفى الرئيس مرسي بوعوده، فأصدر قرار بإعفاء المزارعين الذين تقل مديونيتهم لدى بنك التنمية والائتمان الزراعي عن 10 آلاف جنيه أثناء الاحتفال بعيد الفلاح في سبتمبر 2012. استفاد من القرار 52 ألفا من صغار المزارعين واستفاد 2793 من صغار المزارعين من مشروع تنمية الصعيد (5)

وقرر إعادة هيكلة بنك التنمية ليقتصر علي تمويل قطاع الزراعة بدون فوائد مبالغ فيها. ورفع قيمة المعاش الذي يُعطى لبعض الفلاحين عند بلوغهم سن 65 سنة من 120 جنيه فقط، إلى 300 جنيه، وشمل القرار جميع الفلاحين والعمال الزراعيين عند بلوغهم سن 60 سنة.(6)

قد تظن أنها قرارات عاطفية أو لمسات إنسانية ارتجلها رئيس فلاح، ابن فلاح، عايش معاناة الفلاحين وفقرهم؛ ولكن عندما تطالع برنامج الرئيس، يتبين لك أنها سياسة جديدة لدعم المزارعين وتشجيع الإنتاج الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

وبعد أن تنفس الفلاحون الصعداء بإصدار الرئيس مرسي قرار جمهوري بإسقاط ديونهم، قرر وزير الزراعة بعد الانقلاب ليعلن أنه لن يتم إسقاط أي ديون أخرى على الفلاحين. وجاء تصريح الوزير لوسائل الإعلام أثناء تفقده لعمليات توريد القمح المحلي بواحدة من أفقر محافظات مصر، وهي محافظة بني سويف. والجدير بالذكر أن موازنة العام 2013/2014، التي اعتمدها مجلس الشورى المنتخب، وصدق عليها الرئيس مرسي كانت قد أدرجت مخصصات لسداد مديونيات متعثري الفلاحين، وهو ما أعلنه فيما بعد وزير المالية في حكومة الانقلاب، حين أفاد بأنه تلقى تقريرا بتحمل الموازنة العامة مبلغ 176 مليون جنيه لسداد مديونية المزارعين المتعثرين.(7)

وأصدر الجنرال السيسي، قانون رقم 84 لسنة 2016 بتحويل بنك التنمية والائتمان الزراعي إلى البنك الزراعي المصرى، وتحويله إلى شركة مساهمة يعمل وفق قوانيين البنك الاستثماري، ونقل ملكيات وأصول البنك الأول والتي هي من ممتلكات المزارعين إلى الثاني.(8)

ثانيًا: زيادة الرقعة الزراعية

وعد الرئيس مرسي في برنامجه الانتخابي بزيادة الرقعة الزراعية واستصلاح أراضي زراعية جديدة في الصعيد وشمال سيناء والساحل الشمالي الغربي والوادي الجديد. وأما الأراضي الزراعية الحالية فيقول إننا “نستهدف زيادة إنتاجية وحدة الفدان من الأرض وزيادة درجة التكثيف الزراعي بما يسمح بزيادة المساحة المحصولية ومن المستهدف الوصول إلى معدل نمو 7% سنويا عن طريق مشروعات لتطوير نظم الري وتطوير الزراعة، التقاوي وأسمدة و ميكنة، وإرشاد، باستثمارات حكومية تقدر بـ10 مليار جنيه”.(9)

وفي 13 يونيو/حزيران 2012، عقد الدكتور محمد مرسي المرشح الرئاسي مؤتمراً صحفياً وعرض فيه تعهداته أمام الشعب المصري ورؤيته للمرحلة المقبلة فى نقاط محددة. وتعهد مرسي بزيادة الرقعة الزراعية باستصلاح مليون ونصف فدان ضمن مشروع النهضة.(10)

ولتنفيذ سياسته والوفاء بوعوده، كشف الرئيس محمد مرسي في كلمته أمام مجلس الشورى، في29 ديسمبر/كانون الثاني 2012، عن طرح 360 ألف فدان للاستصلاح والاستزراع في مساحات تتراوح ما بين 5 أفدنة وحتى 10 آلاف فدان بوادي النطرون ووادي الريان وتوشكى وشرق العوينات وسيناء لتناسب كل احتياجات المجتمع من الاستثمار الصغير إلى المتوسط والكبير.(11)

وأشار إلى فتح باب تقنين وضع اليد للزراعات الجادة قبل وبعد عام 2006 ولمدة 6 أشهر؛ حيث تقدم للمواطنين بمساحات تزيد عن 100 ألف فدان لتوفيق أوضاعهم مع الدولة لصغار المنتفعين بحد أقصى 100 فدان للأسرة الواحدة. في وقت كانت لا تشجع الدولة تمليك صغار الفلاحين بحجة منع تفتيت الحيازة.

وأعلن الدكتور خالد عودة، أستاذ الجيولوجيا بجامعة أسيوط وعضو الفريق الجيولوجي الدولي وعضو حزب الحرية والعدالة، في 29 أغسطس 2012، عن وجود 3 ملايين و700 ألف فدان صالحة للزراعة بالصحراء الغربية. وقال خلال مشاركته فى المؤتمر العام الذى نظمته محافظة الوادي الجديد بالقاعة الكبرى لأكاديمية البحث العلمي بمدينة الخارجة وبحضور المحافظ طارق مهدى، إن إنشاء الفرافرة الجديدة على مساحة 221 ألف فدان هي باكورة مشروع النهضة الذى يتبناه الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية.(12)

ثالثًا: زيادة الإنتاج الزراعي

رغم إعلان الحكومات المصرية المتتالية العمل على اكتفاء البلاد ذاتيا من السلع الغذائية الأساسية، إلا أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الحكومي، أصدر دراسة عن “اقتصاديات الأمن الغذائي” وذلك في مصر خلال الفترة من 2006-2015، وكشفت انخفاضا في نسب الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية على النحو التالي:(13)

رصد الجهاز الحكومي زيادة كمية العجز من اللحوم البيضاء، الدواجن، خلال الفترة (2006-2015) من 10 آلاف طن في سنة 2006 إلى 98 ألف طن، وانخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي من 98.7% إلى 92.9%. ورصد كذلك زيادة كمية العجز من اللحوم الحمراء خلال نفس الفترة، من 298 ألف طن، إلى 720 ألف طن بنسبة 141.6%، وانخفضت تبعا لذلك نسبة الاكتفاء الذاتي من 74.6% إلى 57.5%. وكذلك انخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي من الأسماك إلى 89%.

استهدف الرئيس محمد مرسي زيادة الإنتاج الزراعي من خلال زيادة الثروة الداجنة بزيادة الاستثمارات المباشرة في هذا المجال بنسبة 50%. وكذلك استهدف تنمية الثروة الحيوانية والعمل على زيادة إنتاجية اللحوم والألبان بزيادة الاستثمارات فيها بنسبة 100%. وتنمية الثروة السمكية بزيادة الاستثمارات فيها بنسبة 70%. وقدر الرئيس مرسي إجمالي الاستثمارات المستهدفة في المجالات الثلاثة بحوالي 50 مليار جنيه. وقال أن الهدف من ذلك هو تحقيق، 1. خفض الاعتماد على الخارج في استيراد اللحوم والألبان، 2 .زيادة فرص العمل في هذا القطاع بنسبة تتراوح بين 20% و30%، 3. زيادة شرائح الدخول المعتمدة على هذه القطاعات بنسبة 40%، و60%.(14)

واستهدف الرئيس مرسي رفع كفاءة موانئ الصيد والخدمات التي تقدمها في تنمية قطاع الثروة السمكية ومجال الصيد من خلال: 1 .توفير خدمات لوجيستية للسفن العاملة، 2 .دعم صناعة مراكب الصيد والسفن، 3 .عرض مساحات داخل الموانئ بغرض تخصيصها لخدمة أنشطة قطاع الصيد، 4 .تجهيز مساحات بالموانئ لإعداد وتجهيز الأسماك للتصدير، 5 .توفير الحصر السمكي لكميات الأسماك أثناء الإنزال. (15)

ولتحقيق أهدافه، أعلن الرئيس مرسى خلال كلمته أمام مجلس الشورى يوم 29 ديسمبر/كانون الأول عن طرح 145 ألف فدان للاستثمار الزراعي الداجني في بني سويف والمنيا والواحات البحرية. وكذلك أعلن عن الإعداد لطرح 300 ألف فدان أخرى خلال 6 أشهر.(16)

ولحل مشاكل الثروة الحيوانية وعدم توفير الخدمة البيطرية، وانتشار الأمراض وعجز الفلاحين عن مقاومتها. أصدر الرئيس قرارا جمهوريا باستحداث منصب نائب وزير الزراعة للشئون البيطرية، بتعيين الدكتور محمد الجارحي نائبا لوزير الزراعة للشئون البيطرية للنهوض بهذا القطاع وتنفيذ خطة التنمية ودعم المنتجين لسد الفجوة الغذائية وتوفير الغذاء للشعب.(17)

وأجريت في عهد الدكتور مرسي تعديلات في الجمارك تستهدف دعم القطاعين الزراعي والصناعي، وزيادة الإنتاج من خلال تخفيض أسعار مستلزمات الإنتاج، فأعلن وزير المالية في 29 مارس/ آذار 2013 عن إلغاء الجمارك علي البذور والتقاوي والأعلاف اللازمة لتنمية الثروة الحيوانية، وتخفيض جمارك مواد انتاج حضانات تفريغ الثروة الداجنة من 30% الي 10% فقط،.(18)

وتم الاتفاق على بين اتحاد منتجي الدواجن وجمعية الإصلاح الزراعي لتوريد الذرة الصفراء بسعر 300 جنيها للأردب بدل 180 جنيه، وعمل حملة قومية من مركز البحوث الزراعية للتوسع في زراعة الذرة الصفراء للاستغناء عن الاستيراد الذي وصل حاليًا إلى 12 مليون طن بالعملة الصعبة.(19)

وعملت الحكومة في عهد الرئيس مرسي على استحداث طرق الاستزراع السمكي البحري الكثيف الإنتاج بحيث ينتج الفدان 20 طن أسماك بحرية بخبرة ماليزية حيث أن معدل إنتاج الفدان الآن لا يزيد عن 4 طن. وبالفعل تم توقيع بروتوكول تعاون بين المحافظة ووزارتي الزراعة والتعليم بماليزيا بهذا الشأن.(20)

ولكن بعد انقلاب يوليو، أصدر المستشار عدلي منصور قرارا في أغسطس 2013 بإعفاء نائب وزير الزراعة لشؤون الطب البيطري من منصبه الذي شغله بقرار من الرئيس السابق د. محمد مرسي.(21)

وتم إيقاف مبادرة الذرة الصفراء لصالح التوسع في الاستيراد لتبلغ 9.5 مليون طن، ولتحتل مصر المرتبة السادسة عالميًا فى واردات الذرة بقيمة 1.5 مليار دولار، تمثل 5.1% من التجارة العالمية.(22)

وأسست القوات المسلحة الشركة الوطنية للاستزراع السمكي، بعد الانقلاب واستولت على البحيرات الطبيعية وبركة غليون ومشروع الاستزراع السمكي شرق قناة السويس، وتوسعت في مشاريع الاستزراع السمكي على حساب الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية التي تعرضت لمؤامرة تجفيف مواردها.(23)

 استثمار الجيش المصري في الاستزراع السمكي أدى إلى تزايد معدلات الفقر بين الصيادين المصريين والبحارة وأسرهم البالغ عددها قرابة 2 مليون مواطن، بخلاف الملاحين وعمال مصانع الثلج وتجار التجزئة، وفشل الجيش في علاج فجوة الأسماك، وزاد التضييق على الصيادين في بحيرة البردويل وغيرها، واتجه بعضهم للصيد في مياه ليبيا وتونس وإريتريا ليلاقي كثير منهم مصيره من الاعتقال والغرق.(24)

رابعًا: الاكتفاء الذاتي من القمح

بدأت مصر استيراد القمح في بداية حكم جمال عبد الناصر حتى أصبحت في عهد مبارك أكبر مستورد للقمح في العالم. ارتفعت كمية العجز من محصول القمح خلال الفترة (2006-2015) من 6.4 مليون طن إلى 10 ملايين طن بنسبة 55.7%، وانخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي من 56.4% إلى 49.1%، وانخفض متوسط نصيب الفرد من 192.4 كغم/سنة إلى 173 كغم/سنة بنسبة انخفاض 10.1%.(25)

تعهد الرئيس محمد مرسي بتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح في غضون 4 سنوات. فزادت المساحة المزروعة في عهده بنسبة 10%، وزادت الإنتاجية بنسبة 30%، وأوقف استيراد القمح تمامًا بداية من شهر فبراير وطوال موسم الحصاد حتى الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، ولم تزد فاتورة الاستيراد خلال السنة التي تولى فيها الحكم عن 8.4 ملايين طن. شراء طن القمح من الفلاح المصري بـ 2650 جنيه بزياده 15% عن السعر العالمي. وقام مجلس الوزراء بتخصيص 11 مليار جنيه لشراء القمح، وتأكيد الرئيس مرسي على استلام قيمة القمح في خلال 24 ساعة من التوريد. (27)

واحتفل الرئيس مرسي بعيد حصاد القمح مع الفلاحين وسط حقول القمح بقرية بنجر السكر، التابعة لمحافظة الإسكندرية، وقال فيه: “الفلاح المصري في عين الشعب المصري، ننتج حتى لا يتحكم فينا أحد، من يريد أن يكون عنده إرادة لازم ينتج غذاءه”. ووقف استيراد القمح الأجنبي تماما من أول فبراير/شباط 2013، قبل موسم حصاد القمح المحلي بشهرين كاملين حتي نهاية موسم الحصاد، ما حقق هدفين في آن واحد، الأول: أعطي الفرصة لتفريغ الصوامع المعدنية الحديثة، التي خصصها نظام المخلوع حسني مبارك لتخزين القمح الأجنبي فقط رغم سوء جودته، واستخدمها في تخزين القمح المحلي لتكون أول وآخر مرة يخزن القمح المصري في هذه الصوامع الحديثة بعد أن كان يُخزن في الشون الترابية ويُترك عُرضة للحشرات والمطر والشمس غارقا في مياه الصرف الصحي. (المصدر السابق)

أما الهدف الثاني: فقد منع خلط القمح المحلى عالي الجودة بالمستورد الرخيص الفاسد، وهي عملية قذرة معروفة من العهد البائد بـ “تدوير القمح” والتربح من فوارق الأسعار علي النحو الذي حدث سنة 2016، إذ استلمت وزارة التموين اثنين مليون طن من القمح الأجنبي علي أنه قمح محلي بعلم الوزير خالد حنفي وكذلك رأس النظام الفاسد، ما كبد الدولة اثنين مليار جنيه فروق أسعار بين القمح المحلي والأجنبي. (المصدر السابق)

قرار الاكتفاء الذاتي من القمح يحرر مصر من التبعية الغذائية، ولكنه يغضب القوى الدولية خاصة الولايات المتحدة. وقد حكى زميلي في مكتب وزير التموين، الدكتور باسم عودة، أنه حضر لقاء الوزير مع ممثل وزارة الزراعة الأمريكية بالقاهرة، والذي قال للوزير ما نصه: إن قرار الاكتفاء الذاتي من القمح هو قرار خاطئ ويتسبب لكم في الكثير من المشاكل. لذا يمكن القول أن هذا القرار كان أحد أسباب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي.

لم ينطق السيسي بأي كلمة عن الاكتفاء الذاتي من القمح مطلقا منذ اعتلى الحكم، وقد اعتبر وزير تموين في حكومته، خالد حنفي، بأن مصر أكبر مستورد قمح في العالم، “نقطة قوة”. وقال لا يجب أن يكون عندنا اكتفاء ذاتي من القمح، وليس من مصلحة مصر أن تكتفي ذاتيا من القمح، وقفز بالاستيراد إلى 12 مليون طن، بزيادة 70%.

وفي عهد السيسي تراجعت المساحات المنزرعة بالقمح، كشف آخر تقرير رسمي صادر بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، بشأن 29 قطاعا من شئون المديريات الزراعية على مستوى الجمهورية، تراجع المساحات المنزرعة للقمح الموسم الحالي لما يقرب من 500 ألف فدان عن العام الماضي فى نفس التوقيت. وتوقع رشدي أبو الوفا عرنوط، النقيب العام للفلاحين، فى تصريحات لـ”اليوم السابع”، تراجع المساحات المنزرعة قمح بنسبة 25% عن العام السابق، وقال أن قيمة الدعم لمحصول القمح التى أعلنها مجلس الوزراء والبالغة 1300 جنيهًا للفدان تعنى خفض سعر توريد أردب القمح بقيمة 100 جنيه.(28)

وفي الموسم 2016، أعلن خالد حنفي عن استلام 5.2 ملايين طن من المزارعين، ليكشف النائب العام عن توريدات وهمية بنسبة 40% من الكمية وخلط القمح المستورد بالمحلي، وخسائر تقدر بـ 2 مليار جنيه في موسم 2015.(29)

وفي ندوة عن فساد القمح نظمته صحيفة البورصة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، صرح الحضور بأن الحصر الجوي أظهر أن إجمالي المساحة المنزرعة بالقمح الموسم 2015 لا تتجاوز 2.1 مليون فدان، فى حين تعلن وزارة الزراعة عن 3.2 مليون فدان أي يوجد ما يزيد على مليون فدان مساحات وهمية. واشتكى نقيب الفلاحين كذلك من التعنت في استلام القمح المحلي من المزارعين، وتأخير استلام ثمن القمح. (30)

وصرح عضو لجنة تقصي الحقائق بقضية فساد القمح، ياسر عمر، بأن التصريحات بشأن توفير القمح في منظومة الخبز مجرد “شو إعلامي” وأن التوريد الوهمي في منظومة القمح بدأت في عامي 2015 و2016. وتدخلت مؤسسة الرئاسة التي تدعي محاربة الفساد لغلق الملف، واكتفى النظام بإقالة الوزير بدلا من محاكمته.(31)

وجاء في صحيفة الأهرام التعاوني التابعة لمؤسسة الأهرام الحكومية مانشيت بعنوان “القمح في ذمة الله.. وزيرا الزراعة والتموين يعلنان نهاية عصر زراعة المحصول في مصر”.(32)

وأصدرت حكومة الانقلاب موازنة 2017 /2018 خالية تماماً من أي دعم لمحصول القمح، بالمخالفة لنصوص الدستور، بالرغم من اعتباره محصولاً استراتيجياً يمس الأمن القومي. وكشفت الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي في دراسة بعنوان “اقتصاديات الأمن الغذائي” انخفاضاً في نسب الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول الاستراتيجي، وزادت واردات القمح في العام الأول للانقلاب العسكري من 8.4 ملايين طن في عهد الدكتور محمد مرسي، إلى 10.15 ملايين طن نهاية 2013، وارتفعت إلى 11.3 مليون طن عام 2014، ثم إلى 11.9 مليون طن عام 2015، ووصلت إلى 13 مليون طن في 2019.(33)

خامسًا: إنشاء مشروع الصوامع

يوجد مشكلة كبيرة في سلسلة توريد القمح في مصر، ألا وهي عدم وجود صوامع حديثة لتخزين القمح بعد الحصاد والاكتفاء بتخزينه في شون ترابية بالقرب من الكتل السكنية وتلوثها بمياه الصرف الصحي، ومرتع للكلاب والقوارض والحشرات، وعرضة للشمس وللأمطار، ما يسبب تلف 3% من القمح المخزون، وتدهور جودة وسلامة الخبز الناتج عن هذا القمح.

في بداية استلام الرئيس مرسي الحكم، تم الاتفاق على بناء 100 صومعه عالميه لتخزين القمح لتكون سلة غذاء للمصريين، مع العلم أن نظام مبارك لم يتمكن من بناء 16 صومعه فقط. وفي الفترة التي تولى فيها الدكتور باسم عودة وزارة التموين، كانت تكلفة إنشاء الصومعة التي تصل سعتها إلى 60 ألف طن لا تزيد عن 80 مليون جنيه.(34)

وبعد الانقلاب تدخلت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة في الإشراف على مشروع إنشاء الصوامع وزادت التكلفة إلى 180 مليون جنيه للصومعة الواحدة، ثم تضاعفت التكلفة بعد ذلك. ودون خبرة سابقة، وبالأمر المباشر، ومن دون إشراف من مكتب استشاري مستقل، وفي مناخ غابت عنه الشفافية ومبدأ المحاسبة حيث انهارت صومعة في مدينة بني مزار بمحافظة المنيا بعد سنة واحدة من إنشائها لغياب الرقابة الفنية، وكشف الحادث عن أن تكلفة إنشاء الصومعة الصغيرة التي تبلغ سعتها التخزينية 5 ألاف طن فقط بلغت 90 مليون جنيه، وهو مبلغ كبير لإنشاء صومعة صغيرة بهذه السعة.(35)

سادسًا: دعم مزارعي الأرز

في الاحتفال بعيد الفلاح بعد ثلاثة أشهر من انتخابه، قرر الرئيس مرسي رفع سعر توريد الأرز من 1400 جنيه للطن إلى 2050. هذا القرار أدى إلى القضاء على تلاعب التجار بأسعار الأرز التي لم تزد عن 1450 جنيها للطن. وكذلك أسقط الرئيس مرسي الغرامات المفروضة على المزارعين من الحكومات السابقة لمنع التوسع في زراعته. وبلغت مساحة الأرز قرابة 1.9 مليون فدان لأول مرة.(36)

وكلف الرئيس مرسي وزارة التموين بشراء الأرز من المزارعين. فاشترت الوزارة 800 ألف طن لبناء مخزون استراتيجي لم تحققه حكومة من الحكومات من قبل ولا من بعد، وظل سعر الأرز في منظومة السلع التموينية سعر 1.5 جنيه فقط للكيلو، بمعدل 2 كيلو كل مواطن في الشهر.

هذا القرار الوطني من الدكتور مرسي حد من ارتفاع الأرز الأبيض طوال فترة حكمه ولم يزد سعر الأرز عن جنيه ونصف للكيلو على بطاقات التموين وثلاثة جنيهات ونصف في السوق الحر، وكذلك قضى علي محتكري هذه السلعة الاستراتيجية، كما عاد بالرخاء علي المزارعين الذين ربحوا 500 جنيه في كل طن كانت تذهب لمافيا الأرز كل عام، فأفاد هذا القرار المنتج والمستهلك ودعم الأمن الغذائي في نفس الوقت.

في المقابل أصدر السيسي قرارا بتخفيض المساحة المزروعة بالأرز إلى 750 ألف فدان، وتم تغيير قانون الزراعة لمحاربة زراعة الأرز واستحدثت عقوبة السجن 3 سنوات، والغرامة 20 ألف جنية للفدان للمزارعين للمخالفين.(37)

وتوقفت وزارة التموين عن الشراء من المزارعين، وأدى تخفيض المساحة إلى استيراد الأرز من النوع الرديء من الصين والهند، ووصل سعره إلى عشرة جنيهات، واختفى من الأسواق، ووصل العجز في محافظات الصعيد 100% والوجه البحري إلى 80%، ثم رفع تماما من منظومة السلع التموينية.(38)

سابعًا: التكامل الزراعي مع السودان الشقيق

قام الرئيس مرسي بزيارة تاريخية للسودان في أبريل/شباط 2013، وأكد أمام الآلاف وبينهم نظيره السوداني عمر البشير في مسجد النور شمال الخرطوم على متانة العلاقات بين البلدين وقال، “نحن في مصر والسودان متكاملان وهناك أعداء لهذا التكامل”.(39)

وتم الاتفاق على زراعة مليون فدان قمح بالمشاركة مع مصر لدعم الأمن الغذائي المصري، وافتتاح الطريق البري الشرقي بين البلدين، واستكمال الطريق الغربي، وإقامة منطقة صناعية مصرية في الشمال السوداني على مساحة مليوني متر مربع.(40)

وإنشاء منفذ ومعبر بري، ميناء قسطل البري، بين مصر والسودان وتقرر تشغيله بعد شهر واحد، وكذلك تطوير ميناء رأس حدربة البري على ساحل البحر الأحمر على أن يتم افتتاحه خلال عام، والبدء فى دراسة خط سكة حديد بين أسوان ووادي حلفا بطول 500 كيلو متر تمهيدًا لطرحه على المستثمرين. والاتفاق من حيث المبدأ على إنشاء شركة ملاحة بحرية (41)

تخصيص 2 مليون فدان للزراعة في شمال السودان. وإقامة منطقة تصنيع أغذية في السودان، ومنطقه تصنيع جلود، ومشروعات مشتركة في الزراعة والثروة الحيوانية بما يضمن توفير الأمن الغذائي للبلدين. والاتفاق على مزرعة بحثية علي مساحة 500 فدان، وإنشاء شركة ملاحة بحرية مشتركة، واستثمار سياحي وتسويق دولي مشترك والسياحة العلاجية، وإنشاء المنطقة الصناعة بشمال الخرطوم علي مساحة 2 مليون متر، وعقود مصانع تدوير المخلفات وإنتاج الوقود والطاقة وصناعة الدواء. والاتفاق على استيراد 5 آلاف رأس ماشية شهريا من السودان لمواجهة غلاء الأسعار وتخفيف العبء عن المواطن بسعر 32 جنيه. (المصدر السابق)

بعد الانقلاب، ساءت العلاقات المصرية السودانية، وتأجل افتتاح ميناء قسطل، وفي مطلع 2016، قرر وزير الزراعة وقف استيراد اللحوم السودانية لمدة ستة أشهر. وتسبب القرار في ارتفاع أسعار اللحوم المجمدة بنسبة 20%. وبالمثل منعت الحكومة السودانية دخول المنتجات المصرية إلى السودان. (42)

أقرأ أيضاً: التداعيات السياسية لرحيل الرئيس مرسي

المصادر والهوامش

  1. البرنامج الرئاسي للدكتور مرسي
  2. يوتيوب
  3. البرنامج الرئاسي للدكتور مرسي
  4. البرنامج الرئاسي للدكتور مرسي
  5. يوتيوب
  6. الجزيرة مباشر
  7. الجزيرة نت
  8. اليوم السابع
  9. البرنامج الرئاسي للدكتور مرسي
  10. مدونة صائد الأفكار
  11. يوتيوب
  12. بوابة الأهرام
  13. الدليل المركزي للبيانات
  14. الدليل المركزي للبيانات
  15. البرنامج الرئاسي للدكتور مرسي
  16. يوتيوب
  17. أخبار اليوم
  18. وزارة المالية المصرية
  19. الجزيرة مباشر
  20. صوت الإخوان
  21. أخبار اليوم
  22. البورصة
  23. الجزيرة مباشر
  24. العربي الجديد
  25. الدليل المركزي للبيانات
  26. يوتيوب
  27. الجزيرة مباشر
  28. اليوم السابع
  29. مصر العربية
  30. البورصة نيوز
  31. صدى البلد
  32. أخبارك
  33. الدليل المركزي للبيانات
  34. الجزيرة نت
  35. عربي 21
  36. يوتيوب
  37. البوابة نيوز
  38. البوابة نيوز
  39. فرانس 24
  40. الجزيرة نت
  41. أخبار اليوم
  42. موقع مصر العربية
الوسوم

د. عبد التواب بركات

أكاديمي وكاتب مصري، دكتوراة في العلوم الزراعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى