fbpx
تحليلاتقلم وميدان

مشروعات تنمية سيناء: قراءة اقتصادية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

راود حلم تنمية سيناء خيال المصريين لعقود طويلة، عانت فيها المنطقة من الإهمال المتعمد للثروات وللبشر، فعومل البشر على أنهم خونة، والأصل أنه مشكوك في ولائهم، وتم التضييق عليهم أمنيا واقتصاديا ولربما ثقافيا، وأهملت الموارد عبر قوانين مجحفة وتدخل الأجهزة السيادية لتعطيل أي عملية تنمية محتملة للمنطقة.
وفي أعقاب ثورة يناير وتولي الدكتور محمد مرسي الحكم أعلن عن خطة طموحة لتنمية الإقليم  وخصص لها مبدئيا أربعة مليارات جنيه، ولكن سرعان ما جاء الانقلاب ليلغي الخطة ويعطل المسيرة، حتي زيارة الملك سلمان للقاهرة في عام 2016 والتي دشنت فيها العديد من المشروعات وأعلن أن الدولة تطمح إلى تنمية الإقليم، وكالعادة وسط زحمة الأحداث خاصة العمليات العسكرية والأمنية تاهت خطة التنمية إلا من بعض مشروعات صممت الدولة على الاستمرار في تنفيذها مثل أنفاق قناة السويس وسحارة سرابيوم التي تنقل مياه النيل إلى الإقليم، وغيرها.
ثم أعلن السيسي في نهاية فبراير 2018 عن الخطة الشاملة لتنمية الإقليم، وذلك عبر الإعلان عن مجموعة من المشروعات المخططة وفقاً للمخطط الاستراتيجي للتنمية العمرانية 2052، واستراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030.
إن للعمليات التنموية اشتراطات وخطط، تُطبق في شكل مشروعات لمختلف القطاعات، ولكل من هذه المشروعات دراسة جدواها الاقتصادية المعلنة، وبعدها يأتي اسناد المشروعات في ظل آليات تتسم بالشفافية والوضوح، ثم منهج واضح للأولويات في ظل ندرة رأسمالية، وتراكم ديون لا يحتمل رفاهية الهدر، وغير ذلك من آليات التنفيذ التنموية المتعارف عليها في كل أنحاء المعمورة.
أما ما يحث فعليا في سيناء فيفتقد للكثير من المحددات والتي بوجودها فقط يمكن إطلاق مسمى التنمية الشاملة على ما يحدث ويخطط لحدوثه على الأرض المباركة، وفي إطار القراءة المتأنية لما طرح من مشروعات يمكن استنتاج ما يلي:

1ـ البنية الأساسية:

أعلنت الدولة عن مشاركتها بدفع 50% من المستهدف تنفيذه في خطة تنمية سيناء (137.5 مليار جنيه)، وذلك الإعلان يحتاج لبعض التدقيق، فأعمال البنية الاساسية ستسهلك معظم المبلغ المخصص كحصة للدولة مشاركة في عملية التنمية، خاصة أنها تشمل إقامة مطارات وأنفاق وطرق بالإضافة إلى بنية أساسية لثلاث مدن جديدة، وما يتبقى من حصة الدولة سيُعد من جهة تدعيماً للقطاع العام، والذي تتحلل منه الدولة حالياً بالبيع، ومن أخري يشير إلى تحمل القطاع الخاص للعبء التمويلي الأكبر للتنمية في المنطقة، بفرض نجاح الدولة في توفير حصتها اللازمة للبنية الأساسية ونجاحها في توفير الأمن.
وهنا لا بد أن نتساءل هل سيقبل القطاع الخاص على المشروعات في سيناء في ظل:
(أ) تآكل دور الجهاز الوطني لتنمية سيناء لحساب الجهات الأمنية، والذي عضد السيطرة الأمنية ذات الطابع العسكري على الطابع الاستثماري – خاصة في ظل اشتراط الموافقة الأمنية على بعض الأمور المتعلقة بالتأسيس أو نقل الملكية بأشكاله المختلفة- مما يفتح باباً للمحسوبية والرشوة، واختيار المشروعات ليست على الأسس الاقتصادية، بل وعرقلة المشروعات حتى أثناء التنفيذ، وعلى المستوي الكلي يحد من الممارسات على الأسس الرأسمالية، مما قد يشكل قلقاً للاستثمارات الأجنبية والمحلية التي تنوي الدخول في المشروعات.
(ب) الدور المتعاظم للجيش في المشروعات، فبداية من اشتراط الموافقة الأمنية، ومروراً بدور الهيئة الهندسية في التنفيذ، بالإضافة إلى الملكية المباشرة لبعض المشروعات الكبرى، وكذلك سيطرة المتقاعدين من الجهات الأمنية على مجريات الاستثمار، سيخفض من المردود الاقتصادي لإقامة تلك المشروعات على الاقتصاد الكلي خاصة في مراحل التنفيذ، حيث سيبتلع الجيب الاقتصادي المتمثل في الهيئة الهندسية أجور وارباح وضرائب المشروعات ولن تدخل الأموال في دورة النشاط الاقتصادي الكلي.

2ـ اختفاء مدينة رفح الجديدة:

أعلن المخطط عن ثلاث مدن جديدة وهي الإسماعيلية الجديدة وبورسعيد الجديدة وبئر العبد الجديدة، وتجاهل مدينة رفح الجديدة والتي أعلن عنها سابقا، بل كان هناك تأكيد لمحافظ شمال سيناء أنه يجري حاليا تنفيذ وإقامة مدينة رفح الجديدة، وأن المراحل الأولى من إقامة المدينة قد بدأت بالفعل وهي مرحلتي التخطيط العام للمدينة وإنشاء الأساسات، وأن شركات عديدة معنية بإنشاء المدينة قد استلمت المواقع وتستعد لإقامة البنية الأساسية والخدمات( ).
على الرغم من الكثافة السكانية المتمركزة في العريش لم تحظ إلا بنسبة تتراوح حول 5% فقط من مشرعات الوحدات السكنية، إلا أن المشروع تدارك الوسط الذي أهمله المشروع السابق بالإعلان عن مدينة بئر العبد الجديدة، ورغم ذلك فقد يعني توزيع المشروعات السكنية استمرار الخفة السكانية في الوسط والتوجه نحو الجنوب.

3ـ إهمال رأس المال البشري:

لم يُشر المشروع إلى المدارس التي سيحتاجها السكان الجدد، ولا حتى التي يحتاجها في السكان الاصليون خاصة مناطق الوديان، وكذلك لم يتطرق إلى توفير وسائل المواصلات اللازمة لتوصيل الطلبة إلى المدارس – الحالية- ولا إلى توفير المدرسين المتخصصين وتعويضهم ماديا لتحفيزهم على العمل بتلك المناطق لمدة معينة من الالتحاق بالخدمة العسكرية أو اعتبار خدمتهم بسيناء من قبيل الخدمة العسكرية، ولا حتى الارتقاء بالمستوي التعليمي للأهالي من خلال التحفيز على الاهتمام بالتعليم بالإعفاء من المصروفات وتقديم الوجبات الغذائية والكتب والأدوات المدرسية مجانا.
وفي ظل نهضة صناعية مستهدفة وانشاء منطقة صناعية في بئر العبد إضافة للمنطقة القديمة في أبو زنيمه، لم يقترب المشروع من الاهتمام بالتعليم الفني، الصناعي والزراعي والتجاري، كما لم يتطرق إلى التدريب المهني والمدارس الفندقية المتوسطة لتخريج كوادر فنية مؤهلة للعمل بمختلف المجالات الصناعية والفندقية والبترول والتعدين.

4- جامعة الملك سلمان:

تبقى جامعة الملك سلمان هي المشروع التعليمي الوحيد، وتوطين المشروع في جنوب سيناء يبرهن على نية الابقاء على الوسط فارغاً من السكان، فالجامعة مشروع يستطيع جذب مجتمع متكامل من حوله سكانياً وخدمياً بل وصناعياً، وحتى مشروع الجامعة كان يجب معاملته نوعياً بمعني أن يولي بعض التخصصات أهمية (التعدين- زراعة الزيتون والنخيل- الأسماك وغيرها) لتخدم البيئة المحيط، ورغم الاحتفاء بالمشروع منذ عامين إلا أنه لم يُعلن حتى ما أنجز فيه.

5- إهمال مشروعات تخزين المياه:

في ظل ندرة مائية تعاني منها البلاد لم تُعلن الخطة مشروعات تعظم الاستفادة من مياه الأمطار والسيول بإقامة السدود والحواجز لتجميع تلك المياه وتخزينها للاستفادة منها بزيادة المساحات المزروعة خاصة بالقمح الذي يحتاج كميات مياه منخفضة، وتوفير مبالغ مالية ضخمة من العملات الأجنبية التي يتم صرفها في استيراد تلك السلع، أو حتي لتوفير المياه للأهالي خاصة أن المخطط يتحدث عن أن عدد سكان سيناء سيتجاوز الـ 8 ملايين نسمة وسيكون بها 3 ملايين فرصة عمل في عام 2050، وفى المرحلة الأولى من هذا المخطط وبحلول عام 2027 سيكون عدد سكان سيناء 3.5 مليون نسمة وعدد فرص العمل بها 1.2 مليون فرصة.

6ـ أولويات المشروعات:

من المفترض أن تُنفذ المشروعات تدريجياً وفق المخطط العام، ولكن تم خرق منهج الأولويات لأكثر من مرة ومنها:
(أ) الانفاق أسفل القناة: تهدف الانفاق إلى الربط بين جانبي القناة وهذا يُعتبر مطلباً قد يبدو ضرورياً لأي عملية تنموية في سيناء، ولكن الإعلان عن ثلاثة أنفاق من الإسماعيلية والتخطيط لمثلهم في السويس، يعتبر فوق احتياجات المكان على الأقل في الوقت الحالي، حيث كان يمكن التدرج في التنفيذ مع تشغيل المشروعات والاستجابة لتوسعات حركة النقل للبضائع والبشر والاستفادة من الأموال في مشروعات أكثر الحاحاً.
كل هذا بخلاف الإعلان عن توقف تنفيذ نفقين للقطارات أسفل القناة بدعوى بُعد الانفاق عن المجسات المبدئية، وعلل الخبراء ذلك بقولهم “المشروع غير منطقي وصعب التنفيذ من الناحية الفنية؛ لأن من أساسيات هندسة السكة الحديد أن القطار الديزل لا ينزل نفق ولا يطلع كوبري، ومن ثم توجد صعوبة شديدة في التنفيذ الفني، خاصة مع الميل شديد الخطورة الذي يتعارض مع تسيير القطار”.
كما أن “أقصى ميل للسكك الحديدية لا يتجاوز 05.%، في حين أن عمق القناة 20 مترًا، وعمق الأنفاق لن يقل عن 40 مترًا تحت سطح الأرض، لذلك فإن المساحة الأفقية لاستيعاب ميل القطار لن تقل عن 8 كم، والسكك الحديدية عالميا لا يتم إنشاؤها داخل أنفاق أو على كباري، إلا إذا كان الطريق مسطحًا، كما أن هناك خط سكة حديد الفردان الذي يمكن أن يحقق الجدوى الاقتصادية والتنموية التي تنتظرها الحكومة، وحركة القطارات عليه لا تزيد على قطار واحد أسبوعيا، فلماذا لا يتم الالتفات إليه والاهتمام به بدلا من الحديث عن مشروعات كبيرة صعبة التنفيذ؟”
عموما هذا الإلغاء وبغض النظر عن ضياع الأموال يعطينا صورة كاملة عن غياب التخطيط العلمي للمشروعات برمتها، بل وغياب المتخصصين كذلك.
(ب) مطارات لا داعي لها: المبالغة في التخطيط لإنشاء مطارات وتحديداً المليز وراس سدر المتاخمين لنفق الشهيد –الذي يبعد فقط 50 كيلومتر عن الإسماعيلية- خاصة في ظل وجود مطار في الطور وآخر في شرم الشيخ –  ويمكن استنتاج أن انشاء او تطوير تلك المطارات لن يتوقف عند الأغراض المدنية وقد يتعداها ليصبح نقطة انطلاق عسكري. ووفقاً لهذا الافتراض تغيب الجدوى الاقتصادية لهذه المطارات المتقاربة جغرافيا ًوتطل الجدوي العسكرية المحتملة في ظل أوضاع اقتصادية كلية بائسة فعلياً.

7ـ الصناعة والبيئة:

المشروعات الكبرى في سيناء تتمثل في أنفاق أسفل قناة السويس، وسحارة لنقل المياه أسفلها، وطرق تكاد تغطي سيناء بالكامل ومطارات، بالإضافة إلى مدينتين، وبعض محطات تحلية مياه، وتغيب تماما المشروعات الصناعية، إلا في الإعلان عن منطقة للصناعات الثقيلة في أبو زنيمة، وهي منطقة قائمة بالفعل ولم تمتد إليها حتى الآن أية مشروعات على الرغم عن الإعلان عن استهدافها منذ ثلاث سنوات – ألم تكن أولى من النفق الثالث؟ – وكذلك رُخص لثماني مصانع أسمنت، بما يشكك في التنمية الصناعية للمنطقة، ويؤكد الاستهانة بالبعد البيئي.

ختاماً:

من الاستعراض السابق يمكن القول إنه رغم كثرة المشروعات التنموية في سيناء إلا أنها لا تجمعها رؤية اقتصادية تنعكس على خطط اقتصادية واجتماعية واضحة، وبالتالي فالمشروعات إلى حد كبير تعاني غياب التخطيط الكلي الذي ينطلق من احتياجات البيئة المحلية، والذي يوفر التكامل بين المشروعات وبعضها البعض ومع احتياجات السكان المحليين، كما أن غياب الإعلان عن دراسة الجدوى لأي مشروع والاكتفاء بالإعلان عن أهدافه، يُوضح تغليب الجانب السياسي والعسكري على الجوانب الاقتصادية. (2).

————-

الهامش

1 ) الرابط

(2) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close