مشروعية اعتصام رابعة والنهضة
بعد الحملة القوية والموجَّهة قبيل الانقلاب العسكري فى مصر ضد الرئيس الراحل محمد مرسي وحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، انتشرت التظاهرات والاحتجاجات السلمية في أنحاء البلاد. وبدأ اعتصام رابعة العدوية والنهضة يوم 28 يونيو 2013 تزامناً مع دعوات المطالبة بالتنحي، حيث خرج الملايين من المؤيدين لبقاء الرئيس محمد مرسي من مختلف التيارات غير المنتسبة لجماعة الإخوان، معتبرين أن ما يحدث هو انقلاب عسكري بحاضنة شعبية زائفة.
لذا سارعوا إلى الميادين وخاصة ميدان رابعة العدوية حيث اُتُخذ مقراً للاعتصام ورمزاً لرفض الانقلاب العسكري، واتخذ شباب الإخوان والأحزاب وأنصار شرعية مرسي من كلمة “الشرعية” شعاراً لهم في مواجهة المهلة والشروط التي فرضتها القوات المسلحة بقيادة وزير الدفاع المصري آنذاك الفريق عبد الفتاح السيسي للخروج مما أسموه بالأزمة، ثم جاء بيان الانقلاب بعزل الرئيس محمد مرسي عن الحكم، وهو الأمر الذي اعتبره رافضو الانقلاب كارثة على مصر والمصريين، وظلت الاعتصامات قائمة حتى يوم الفض بتاريخ 14 أغسطس 2013.
مشروعية الاعتصام
الاعتصامات في حد ذاتها لم تكن خطيئة أو خطأ من المعتصمين، فالمعتصمون خرجوا للتعبير عن أن الشرعية والديمقراطية لها مؤيدون وأنصار ولن يقبلوا بالانقلاب على خمس استحقاقات انتخابية ولا على أول رئيس منتخب ديموقراطيا في مصر.
وحتى لا نخلط بين مفهوم التظاهرات والاعتصامات رغم أن كليهما طريقة للتعبير عن الرأي، أو الاحتجاج والمطالبة بحقوق مشروعة غالبا ما يكفلها القانون والدستور.
الفرق بين التظاهرات والاعتصامات
التظاهر هو قيام مجموعة من الناس بالتجمهر في مكان عام، والتحرك نحو جهة معلومة مطالبين بتحقيق مطالب معينة، أو مؤيدين لأمر ما أو معارضين له، معبرين عن مطالبهم بشعارات وهتافات، أو من خلال صور ولافتات.
وهو أيضا طريقة للتعبير عن رأي جماعة أو حزب سياسي أو شخص، ويكون عادةً في منطقة ذات شهرة واسعة لتوصيل الصوت إلى أغلب شرائح المجتمع، كما شهدنا في ميدان التحرير.
أما الاعتصام فهو التمسك بمطلب معين ولكنه يرتبط بالمكان وعدم الخروج منه إلا بعد انتهاء تحقيق المطالب، ويقترب مفهوم الاعتصام من الإضراب، فالاعتصام هو الامتناع عن الخروج من مكان معين، والإضراب عبارة عن الامتناع عن إتيان فعل أو عمل معين، كما أنه يجمعهما وحدة الغرض وهو لفت نظر المسئولين للمطالب، وهدف الاستمرار هو الضغط للاستجابة وتحقيق المطالب.
تشويه الاعتصام
بدأت عملية تشويه الحراك المناهض للانقلاب العسكري والاعتصام بميداني رابعة والنهضة منذ الأيام الأولى، حيث نشرت الصحف الموالية للنظام العسكري رغبة المعتصمين في مغادرة الاعتصامات ولكن قيادات الإخوان ترفض ذلك وترغمهم على البقاء، ذلك حسب زعمهم.
ثم بدأ سيل من الأكاذيب يتوالى دون توقف حيث نشرت جريدة اليوم السابع خبراً عن خطف أطفال الملاجئ والاتجار بهم فى رابعة، لكن الحقيقة أن الأطفال كانوا بصحبة أحد مسؤولي الملاجئ لشراء ملابس العيد وتم القبض عليهم وتلفيق الاتهامات لتشويه الاعتصام.
نشرت العديد من الصحف المصرية في السادس من أغسطس عام 2013 عن وجود لأسلحة كيماوية داخل اعتصام رابعة بالإضافة إلى نقل صواريخ إلى سوريا عبر الاعتصام، وتقدمت حركة إخوان بلا عنف والتي تم تأسيسها من قبل مجموعة من المنشقين عن الإخوان بالتعاون مع الأجهزة الأمنية لتأكيد فكرة أن العنف كان أساس التظاهرات والاعتصامات الرافضة للانقلاب، وتم تعيين شباب الحركة بعد ذلك في أجهزة الدولة كالجهاز المركزي للمحاسبات.
وتناقلت وسائل الإعلام خبر بوجود تعذيب وقتلى أسفل منصة رابعة وقيام قيادات الاعتصام بتعذيب عدد من الأشخاص وقتلهم ودفنهم أسفل المنصة، ولا ننسي تصريحات الإعلامي الموالي للنظام العسكري أحمد موسى بأن المنصة تحتوي أسفلها على “كرة أرضية” لدفن الجثث.
ولن ننسى أبدا الأكذوبة الأبشع لتشويه الاعتصام، وهي أكذوبة جهاد النكاح في اعتصام رابعة العدوية، حيث خصصت الفضائيات برامجها لنشر هذا الاتهام البغيض، وظهرت في مداخلة مع الإعلامي أحمد موسى امرأة تزعم بأن اسمها هو “آمال الشاطر” وادعت بأنها مديرة إحدى شركات خيرت الشاطر، نائب مرشد “الإخوان”، ثم ظهرت تلك المرأة من جديد وإنما باسم آخر هو “هناء محمد” عضو حركة إخوان بلا عنف، والتي تم تعيينها مع باقي مؤسسي حركة إخوان بلا عنف فى الجهاز المركزي للمحاسبات، وكانت هناء قد تحدثت عما أسمته بـ “جهاد النكاح” على قناة العربية قبيل الفض، وزعمت هناء أمينة المرأة بحركة “إخوان بلا عنف”، أنه “تم رصد عدة حالات من نكاح الجهاد باعتصامي النهضة ورابعة العدوية”، وادعت أنه “تم رصد 76 حالة نكاح جهاد باعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر”، وأشارت آنذاك إلى أنها ستتقدم ببلاغ بالأسماء للنائب العام “لكشف حالات نكاح الجهاد باعتصامي رابعة والنهضة”.
ولكن من الواضح أن “هناء محمد” هذه قد تم الاتفاق معها من قبل الأجهزة الأمنية على الحديث عن نكاح رابعة مقابل حصولها على عمل حكومي، وهو ما تم بالفعل، حيث يوافق تاريخ التعيين نفس تاريخ المداخلة التي أجرتها مع أحمد موسي.
وبشكل أساسي، عكف النظام العسكري من خلال الإعلام الموالي له على التمهيد لعمليات الفض طيلة فترة الاعتصام من خلال تشويه الاعتصام والمعتصمين، بل وتخويف المتعاطفين من التضامن مع ضحايا الفض، وكشفت هذه الممارسات عن مدي ضحالة الفكر لدى النخب الذين تصدروا مشهد الانقلاب وشاركوا النظام في تشويه المعتصمين.
اختيار غير موفق
رغم مشروعية الاعتصام في ميدان رابعة والنهضة ومشروعية المطالب أيضا إلا أن الحديث يتطلب منا التطرق إلى بعض النقاط الهامة والتي كان لها تأثير سلبي على الاعتصام فاختيار أماكن الاعتصام كانت غير موفقه نهائيا، حيث كانت الاعتصامات بعيدة عن مكان احتجاز الرئيس مرسي.
فإذا تحدثنا عن موقع اعتصام رابعة، فيمكننا أن نؤكد أن الميدان أشبه بالثكنة العسكرية، فالمباني التابعة للقوات المسلحة (جهاز الأمن الحربي – قوات الدفاع الشعبي – الإدارة العامة المالية للقوات المسلحة – وعلى مقربة منه مبنى وزارة الدفاع بشارع الطيران) تحيط بالميدان من كل النواحي مما يجعل المعتصمين صيدا سهلا لقوات الشرطة والجيش، وهذا ما حدث بالفعل.
أما اعتصام النهضة فاختيار موقعه أيضا كان كارثياً، من حيث مجاورته لمنطقة “بين السرايات” والمعروفة بأكبر تجمع للبلطجية المتعاونين مع الشرطة، ولا يوجد أي تأثير للتواجد في هذا المكان غير المأهول بالعمارات السكنية بالإضافة إلى قرب الاعتصام من مديرية أمن الجيزة وقسم الدقي.
هذه الأمور سهّلت على قوات الأمن عمليات الفض الدموية في مذابح لم يعرفها المجتمع المصري إلا بعد الانقلاب العسكري، ونستطيع القول بأنه كان من حق رافضي الانقلاب الاعتصام والتظاهر، ولكن دلالات قرار الإبادة والقتل بدم بارد كانت موجود وبقوة، وعلى رأس تلك الدلائل مجزرتا الحرس الجمهوري (8 يوليو 2013)، والمنصة (27 يوليو 2013).