fbpx
تقديرات

مصادر الركود في الاقتصاد المصري

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

صدمتان اقتصاديتان تلقاهما كل مصري متابع لشؤون بلاده هذا الأسبوع. وكلتا الصدمتين أتيتا من القارة السمراء العزيزة مصريا: أفريقيا. أما الصدمة الأولى فجاءت من جنوب أفريقيا1، عندما أعلن صندوق النقد الدولي أن اقتصاد جنوب أفريقيا أضحى يحتل المرتبة الثانية كثاني أكبر اقتصاد في أفريقيا بعد تسجيل جنوب أفريقيا لناتج محلي إجمالي بلغ 275 مليار دولار، ما يفوق الناتج المحلي الإجمالي المصري بنحو 5 مليار دولار (الناتج المحلي الإجمالي يبلغ 270 مليار دولار).

القيمة الأساسية التي نتحدث عنها هنا تتمثل في التراجع في المكانة برغم الإمكانات، إلا أن هذا الاكتفاء بالتراجع الموضوعي لا يمنع من أن نقرأ عنوان صحف جنوب أفريقيا، ومنها صحيفة أخبار أفريقيا التي حملت معالجة فيها عنوان “جنوب أفريقيا تهزم مصر لتحتل المرتبة الثانية كثاني أكبر اقتصاد أفريقي بعد نيجيريا”، “South Africa beats Egypt, now Africa’s second biggest economy behind Nigeria”.

وجاءت الصدمة الثانية على صفحات شبكة “سي إن إن” العربية بمقال للخبير الاقتصادي والتمويلي مدحت نافع، والذي حمل عنوان “هل تستطيع أن تلحق مصر برواندا؟”2، وفي مقاله يناقش نافع اقتصاد رواندا التي خرجت لتوها من حرب أهلية استطاعت فى أعقابها أن تعقد صلحاً بين الأطراف المتنازعة، ثم تحقق في 2013 معدلاً لنمو الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى بلغ 4.7%، سرعان ما ارتفع إلى 7% عام 2014، كما تحمل تنبؤات باحتمال بلوغ معدل النمو فيها نحو 7.5% في عام 2016 و2017، مع معدل تضخم يبلغ 5%، أو ما يبلغ نحو ثلث معدل التضخم في مصر.

الصدمتان، أو المقارنتان تعكسان نتاج دخول الاقتصاد المصري دورة ركود يتوقع لها الخبراء أن تستمر فترة ليست بالقصيرة، وهو ما دفعنا لفتح باب رصد ملامح هذا الركود ومسبباته.

الركود ودورته:

المقارنتان المذكورتان، وروح “التشفي” التي انتهجتها وسائل إعلام أفريقية (جنوب صحراوية)، تمثلان رد فعل طبيعي على منظومة اقتصادية من المفترض أن علاج مشكلاتها في تحقيق انتعاشة اقتصادية، بينما مدخلات عدة من سياساتها الاقتصادية تصب في إنتاج حالة ركود اقتصادي.

والركود الاقتصادي ظاهرة مؤقتة، وتعني، في الاقتصادات النامية، حدوث انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما، وتدخل الظاهرة حيز الخطورة النسبية عندما تدوم لمدة فصلين متعاقبين أو أكثر. وعادة ما يكون سبب حدوث ركود أن الإنتاج يفوق الاستهلاك، الأمر الذي يؤدي إلى كساد البضاعة وانخفاض الأسعار، فيصعب على المنتجين بيع المخزون، لذلك ينخفض معدل الإنتاج3. غير أن نفس المنطق يجعل تراجع الطلب على السلع والخدمات بسبب تراجع الدخول (الرواتب والأجور) سببا للركود كذلك، وهو ما يؤدي لتراجع الطلب على السلع وشرائها، مما يزيد من الفائض السلعي في دولة ما. وزيادة الفائض السلعي يعقبه تخلي المنتجين عن مزيد من القوى العاملة للحفاظ على هامش ربح كاف. لكن التخلي عن اليد العاملة يؤدي لمزيد من تراجع الدخول، لتدخل الدولة في الحلقة المفرغة للركود.

وتتعدد في مصر روافد الركود، التي ترتبط بسحب السيولة من السوق، والضغط على “الطلب الاقتصادي الفعال”، ما يمنع المواطنين من شراء السلع والخدمات، ما يؤثر بدوره على المعروض من السلع والخدمات بالسلب. ويمكن الحديث عن 6 أسباب للركود في مصر، يمكن متابعة تداعياتها فيما يلي:

1. رفع أسعار الفائدة:

يقوم الانتعاش الاقتصادي، وهو المضاد للركود، على توفر تيار طلب حقيقي يمثل إقبالا على السلع والخدمات التي ينتجها المنتجون وموفرو الخدمات المصريون، ويتبع هذا الإنفاق أن يستجيب المنتجون عبر الاستمرار في إنتاج السلع وتأدية الخدمات. ولو زاد الطلب عن مجمل المعروض من السلع والخدمات، نكون بصدد حالة نمو، وهي الحالة التي وصفها الخبراء بأنها عملية تضخمية، حيث تبدأ بزيادة الطلب عن العرض، فترتفع الأسعار، ما يغري المنتجين ومزودي الخدمات بزيادة خطوط إنتاج السلع أو خطوط توفير الخدمات، وهو ما يتبعه زيادة في خطوط التوزيع وسائر مدخلات التسويق التي تؤدي لمتتالية انتعاش اقتصادي. وبالنظر لمنطق الركود، فإن “كبح الطلب” يمثل مدخلا لحدوث ركود، وبخاصة إذا ما انخفض الطلب بصورة أكبر من حسابات الوقوف عند حد كبح التضخم.

وخلال الفترة الماضية، أقدم البنك المركزي على رفع أسعار الفائدة مرتين، أولاهما في 14 مارس 2016؛ حيث رفع الفائدة بفارق 150 نقطة أساس4، وثانيتهما في 15 يونيو 2016، حيث رفع أسعار الفائدة بمستوى 100 نقطة أساس5، لتنتهي أسعار الفائدة لليلة الواحدة عند 12.75%. ويؤدي رفع أسعار الفائدة لجذب المدخرات للبنوك، ما يؤدي لتقليل تيار الإنفاق، وهو ما يظنه البنك المركزي سبيل لكبح جماح التضخم.

وأفاد عدد من الخبراء أن قرار رفع الفائدة لن يؤدي إلى مواجهة انفلات التضخم بسبب زيادة الأسعار كما يهدف المركزي، لأن ارتفاع الأسعار لم ينتج عن ارتفاع القوى الشرائية للمصريين نتيجة زيادة الأموال في أيديهم، وإنما يرجع إلى مشاكل اقتصادية أخرى أبرزها أزمة الدولار بركنيها المتمثلين في ارتفاع سعر صرف العملة الخضراء من جهة، وعدم توافرها من جهة أخرى6.

ونتيجة لعدم صلاحية قرار رفع الفائدة لمواجهة التضخم، يتوقع فريق من الخبراء أن يؤدي هذا القرار لكارثة. فالاقتصاد المصري كان يعاني وضعاً صعباً قبل زيادة أسعار الفائدة، حيث كان يعاني بالفعل من الركود التضخمي، وتراجع معدلات النمو، وزيادة معدلات البطالة، وتراجع الاستثمارات المباشرة، وارتفاع الدين العام لمستويات كارثية، وزيادة تكلفة الدين لأكثر من ثلث الموازنة،  فضلا عن زيادة عجز الموازنة، ومن هنا نجد أن أثار رفع أسعار الفائدة بهذة النسبة الكبيرة سيؤدي إلي وضع ركود حاد في الوقت الذي تنتهج فيه الحكومة سياسة توسعية تقوم على أساس زيادة الإنفاق الاستثماري عبر “المشروعات الكبرى”، والسعي نحو جذب الاستثمارات المباشرة لرفع معدلات النمو الاقتصادي7.

2. الحاجة للاستقرار السياسي:

تعد الحاجة للاستقرار السياسي إحدى مدخلات دخول مصر في حالة من الركود. فلم تنس إدارة 3 يوليو أنها استخدمت سلاح نزع الشرعية عن إدارة د. محمد مرسي عبر مفاقمة أزمة الطاقة في مصر بحسب تعبير وكالة بلومبرج الاقتصادية8. ومن هنا، فإن مشكلة تحديد أولويات توجيه موارد الطاقة المتاحة في مصر تمثل أحد مصادر توجه الاقتصاد المصري نحو الركود. وهذه السياسة عبر عنها السيي في تصريحه لرؤساء تحرير الصحف المصرية في أغسطس 2014، بأن التحسن الكبير الذي طرأ على مشكلة انقطاع التيار الكهربائي يرجع إلى منح الأولوية لكهرباء المنازل على حساب الصناعات كثيفة الاستهلاك، موضحاً أن هذا التحسن الذي شعر به المصريون بعد معاناة من تخفيف الأحمال يعود إلى منح الأولوية لمحطات توليد الكهرباء المخصصة للمواطنين على حساب قطاعات أخرى تستخدم كهرباء بكثافة عالية9.

وبرغم مرو أكثر من عام على تصريح السيسي، أشار محمد حنفي، رئيس غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات المصرية، في يوليو 2015، أن الحكومة المصرية أبلغت قطاعات الصلب والبتروكيماويات والأسمنت أن عملية ضخ الغاز سيتم وقفها إلى أجل غير مسمي، مشيرا إلى أن معظم المصانع لم تستطع العمل أكثر من 40 يوما خلال نفس العام10. وما زالت نفس المشكلة مستمرة في عام 2016، برغم تصريح السيسي في أبريل 2016 بأن أزمة الطاقة ذهبت بلا عودة11.

وسجل مؤشر “الإمارات دبي الوطني مصر” لمديري المشتريات بالقطاع الخاص غير النفطي مستوى 47.5 نقطة في مصر في يونيو 2015، فيما وصفه البنك بالتراجع للشهر التاسع على التوالي في أنشطة الشركات، وهو التراجع الذي تم بفعل انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، ويظل المؤشر بهذا المستوى دون حد الخمسين نقطة الذي يمثل الحد الفاصل بين النمو والانكماش12.

ولا شك في أن أزمة غاز المصانع لها دلالة بالغة في أزمة الدولار، لأن أغلب صادرات مصر هي من الصناعات كثيفة استهلاك الغاز، ومنها صناعات البويات والأسمنت والأسمدة. إلا أن وقفة صغيرة مع تصريح رئيس غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات المصرية، والذي أشار فيه إلى أن “معظم المصانع لم تستطع العمل أكثر من 40 يوما في 2015”.

إن أزمة عدم حصول هذه المصانع على الطاقة لا يمثل فقط أزمة حيال تراجع الصادرات، إذ أن الأزمة الأكبر تتعلق بعمالة هذه المصانع، والتي واجه أغلبها مشكلات من قبيل تسريح العمال، ورفض دفع رواتب العمال، وهذه هي المشكلة تُقدم دفعة قوية لدوامة الركود، لأن عدم حصول هؤلاء العمال على مستحقاتهم يعني تراجع إسهامهم في تيار إنفاق القطاع العائلي، وهو ما يعني بدوره تراجع في الطلب على السلع والخدمات المنتجة في مصر أو حتى المستوردة، ما يدفع في اتجاه تكريس الحلقة المفرغة للركود.

3. ارتفاع معدل البطالة:

كشف اللواء أبو بكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في 13 يوليو 2016، أن نسب البطالة فى مصر وصلت لنحو 12.8% من قوة العمل، بنسبة بطالة 11% بالريف و15% بالحضر، فيما يمثل حملة المؤهلات العليا والمتوسطة 85% من إجمالي العاطلين، بينما انخفضت نسب البطالة لدى الأميين لـ15% فقط13. وهذه النسبة أعلن عنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء باعتبارها حصاد الربع الثالث من عام 201514، وهي نسبة تعكس تطورا إيجابيا مقارنة بالربع الثاني من عام 2014، حيث بلغ معدل البطالة في هذه الفترة نحو 13.3%15.

غير أنه في الوقت الذي قدرت فيه مصر معدل البطالة فيها بنحو 13.3%، فإن المدير السابق لإدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي “خالد إكرام” قدَّر معدل البطالة في مصر بأكثر من 25%، داعيا مصر لاستغلال المساعدات المالية الخليجية لتوفير فرص عمل للشباب، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وطالب بإعادة فتح 1500 مصنع أغلقت أبوابها منذ العام 201116.

ودعم تقريران لـ«منظمة العمل العربية» و«الأمم المتحدة» أرقام خالد إكرام، حيث أعلن المدير الإقليمي لمنظمة العمل الدولية لمنطقة شمال إفريقيا، يوسف القريوتي في فبراير 2014، أن معدل البطالة بلغ في مصر خلال العام الماضي 25%17. وتميل السلطات الاقتصادية التي تعاني خللا في أدائها إلى منع صدور التقارير المعلوماتية عن أدائها18 أو المبالغة/ الدحض في الأرقام الواردة بهذه التقارير.

وكشف الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أن المؤشرات الإحصائية الخاصة بأوضاع وظروف العمل والعمال من واقع نتائج بحث القوى العاملة لعام 2015 أفادت أن حجم قوة العمل 28.4 مليون فرد عام 2015 مقابل 27.9 مليون فرد عام 2014 بزيادة قدرها 487 ألف فرد19.

ووفق الأرقام الرسمية، فإن عدد العاطلين عن العمل في مصر يبلغ نحو 3.6 مليون متعطل، بينما يبلغ عدد العاطلين وفق تقدير المدير السابق لإدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي خالد إكرام نحو 7.1 مليون مصري. وتظهر البيانات الرسمية المصرية أن ما بين 700 ألف شخص إلى 800 ألف من الباحثين الجدد عن العمل، يدخلون سوق العمل كل عام.

غير أن المبالغة أو الدحض في الأرقام المعبرة عن البطالة في مصر لا تمنع من تبصر حقيقة هامة مفادها أن ظاهرة البطالة في مصر إلى زيادة، للأسف، وهو ما يرجع لعدة اعتبارات أهمها تسريح العمالة المصرية من دون الخليج بسبب أزمة أسعار النفط20، وتسريح الشركات المصرية للعمالة بسبب أزمة نقص إمدادات الطاقة وتوقف المصانع21، وتسريحات الموظفين المحتملة بسبب أزمة قانون الخدمة المدنية22.

4. ثبات دخول المصريين:

حيث تُعد قضية ثبات دخول المصريين من أهم روافد حالة الركود الاقتصادي الحادثة في مصر. فبينما تتصاعد أسعار السلع والخدمات بسبب الضغوط التضخمية التي يخضع لها الاقتصاد المصري23، والتي بلغت (وفق الأرقام الرسمية) نحو 12.23% على أساس سنوي في مايو 201624، ثم إلى 12.37% على نفس الأساس السنوي في يونيو 201625.

وكان وزير التخطيط المصري أشرف العربي، خلال حوار له مع 10 من الشباب المصري، عن مستقبل مصر وفقاً لخطة التنمية 2030، قد أشار إلى أن متوسط دخل الفرد فى مصر حوالى 3400 دولار فى السنة (أي نحو 34000 جنيه مصري سنويا/ 2800 جنيه شهريا)، وهو متوسط عام للدخول يقسم إجمالي الناتج المحلي على عدد السكان. وهذا الرقم كمتوسط يتجاهل الفوارق في الدخل بين رجال الأعمال (مليارديرات ومليونيرات) وبين عموم المصريين.

وفيما يتعلق بالحكومة، فإن رواتب المصريين العاملين بالحكومة بالغة التدني. ويبلغ بند الأجور في موازنة العام المالى 2016/2017 مبلغ 228 مليار جنيه يمثل ما يقرب من ربع الموازنة العامة للدولة (24% من المصروفات). وأوضحت الحكومة فى بيانها المالى لمشروع الموازنة أن هذا المبلغ يوزع على 5 ملايين و900 ألف من الموظفين والعاملين بالقطاع الحكومى للدولة. وبهذا يكون متوسط ما يتقاضاه كل موظف فى الدولة على مدار العام ما يقارب 37 ألفا و600 جنيه، أى بواقع 3130 جنيه شهريا26.

ويبلغ الحد الأدنى للرواتب في الأجهزة الحكومية المصرية للدرجة السادسة “ب” نحو 835 جنيها شهريا، يضاف إليها نحو 50 جنيها قيمة العلاوات الاجتماعية وغيرها من الزيادات. وقد لا يعنينا في هذا السياق الأجر الخاص بالفئات الممتازة التي يكون لها حصة من الصناديق الخاصة والعلاوات الخاصة27. إلا أن هذا الراتب الذي يحصل عليه ما لا يقل عن 50% من موظفي الحكومة، والذي قد يتناقص ويقل عن 800 جنيها، هذا المبلغ يدفع للتساؤل عمن يمكنه العيش بموجبه، وبخاصة في إطار التضخم المتزايد الذي تشهده مصر.

أما الحد الأدنى للرواتب في القطاع الخاص فإن عدم تحديد حد أدنى لهذه الرواتب يضع العاملين في السوق الخاص تحت ضغط منافسة العاطلين عن العمل، ويجعل إمكانية زيادة أجورهم صعبة إن لم تكن مستحيلة. ويتساءل خبراء مصريون عن سبب عدم تدخل الدولة لمساواة العاملين بالقطاع الخاص مع العاملين بالحكومة فيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور28، بافتراض أن الحد الأدنى الحكومي للأجور بلغ 1200 جنيه فعلا، وهو افتراض غير صحيح. وفي هذا السياق، جدير بالذكر أن قطاع من العاملين بالقطاع الخاص والعائلي لا يتجاوز أجرهم 500 جنيه شهريا29.

وهو ما يدفع أولئك العاملين لمباشرة عملين أو أكثر لتحصيل الحد المعيشي الأدنى من الدخل. هذه الأرقام الثابتة، بالنظر لمعدل التضخم الذي يؤدي لتآكل قيمتها الشرائية باستمرار، والتي لا تتدخل الحكومة المصرية لتحسينها وضمان عدم تآكل قدرتها الشرائية، هذه الأرقام تصب في تدهور الطلب الحقيقي على السلع والخدمات في السوق المصري، وتؤدي لتعميق الحلقة المفرغة للركود.

5. أزمة العملة الأجنبية:

تعمل أزمة العملة الأجنبية على تعميق ظاهرة الركود الاقتصادي عبر اتجاهين أساسيين. فمن جهة، فإن زيادة سعر صرف العملة الأجنبية يضغط على مصر لمنح أولوية توجيه الدولار لشراء السلع الإستراتيجية. ولما كانت الصناعة المصرية في أغلبها تعتمد على سلع إنتاجية وسيطة مستوردة. وتستورد مصر نحو 65% من حاجياتها من المستلزمات الإنتاجية30. وهكذا ن فإن ضغط العملة الأجنبية يحول دون توفر القدرة على شراء هذه المستلزمات الإنتاجية، ويؤدي لضمور عجلة الإنتاج التي قد لا يغريها توفر العملة الخضراء في السوق السوداء، لأن أثرها شرائها التضخمي سيكون عائقا تسويقيا.

ومن جهة أخرى، فإن ضغط العملة الأجنبية دفع الحكومة المصرية لتبني إجراءات للحد من الاستيراد، وذلك عبر إصدار جملة من التشريعات المقيدة للاستيراد والتي ترفع الرسوم الجمركية على السلع التي لها نظائر محلية31. وهذه الإجراءات أدت لتعويق الاستيراد فعلا، وأدت بقطاع واسع من المستوردين إلى إغلاق شركاتهم. وتوقعت شعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية أن تؤدي الإجراءات الحكومية لتشريد نحو 20 مليون عامل32.

وبرغم المبالغة في الرقم، فإن الاتحاد مسجل به نحو 850 ألف شركة متضررة33، وهو رقم قد يفضي لقبول وجود 3 مليون عامل يرتبط بنشاط هذه الشركات بصورة مباشرة أو غير مباشرة بمجال الاستيراد والتسويق والتوزيع والتخليص وتجارة الجملة والإعلان، ما يجعل خروج نصفهم لسوق العمل ضربة موجعة تُعمق ركود الاقتصاد المصري لما ستحرمه منه من دخول وقوى شرائية يحصل عليها هؤلاء نتيجة عملهم.

6. النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية:

لا شك أن دخول القوات المسلحة المصرية المجال الاقتصادي يمثل أحد الأسباب التي تؤدي إلى تعميق الركود الاقتصادي. فقطاع واسع من النشاط الاقتصادي العسكري في مصر، والذي لا يكتفي بالإنتاج الموجه لتلبية طلب عسكري، والذي يبلغ حجم أعماله وفق تصريحات السيسي نحو 2% من الاقتصاد المصري34.

ووفق تصريح نائب وزير الدفاع للشؤون المالية في 2012، اللواء أركان حرب محمد نصر، ذكر أن العائدات السنوية للأنشطة الاقتصادية للجيش (198 مليون دولار)، وعن نسبتها في ميزانية الدولة (4.2%)35، ويبلغ وفق تقديرات نشرها موقع “بي بي سي” نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي36. وتملك المؤسسة العسكرية المصرية حق الانتفاع المتعدد بالمجندين إجباريا عبر توزيعهم على مشاريع الجيش الاقتصادية، لا العسكرية فقط، لكنها لا تقابل هذا الحق براتب أو أجر يخضع لمعايير سوق العمل، وهو ما يؤدي لنتيجتين تسهمان مباشرة في تعميق الركود. فمن ناحية، فإن قوة العمل في مثل هذا المجال من مجالات الإنتاج الاقتصادي لا يحصلون على رواتب، وهو ما يصب في الحد من القوة الشرائية لقوة عمل منتجة، ويؤدي لتعزيز الركود.

ومن ناحية ثانية، فإنه مع عدم حصول أولئك العاملين على أجور اقتصادية، فإنهم يقدمون منتجاً منافساً لمنتجات القطاع الخاص، فتزيد المنتجات المعروضة زيادة نسبية، وهو أمر يؤدي مع ضعف القوة الشرائية لضعف مستوى الأسعار والحيلولة دون تلبيته لتوقعات المنتجين، ما يدفعهم للانسحاب جزئيا من السوق عبر تعطيل خطوط إنتاج، وهو ما يسهم في تراجع الإنتاج (تضاؤل القدرة الإنتاجية للمجتمع)، فضلا عن أن إغلاق خطوط الإنتاج يتسبب في تسريح قطاع من العمالة، وهو ما يعني تراجع قدرتهم على شراء السلع والخدمات، ما يضيف بعد جديدا لأزمة الركود. ومع صعوبة الحصول على أرقام خاصة بحجم العمالة في هذا القطاع أو حجم اعماله، فإن هذه الورقة تكتفي بالإشارة للظاهرة على صعيد أثرها النظري من دون معالجة لها برغم أهميتها (37).

—————————-

الهامش

(1)Editor, South Africa beats Egypt, now Africa’s second biggest economy behind Nigeria, Africa News Magazine, 17 July 2016.

(2) مدحت نافع، هل تستطيع أن تلحق مصر برواندا؟، شبكة سي إن إن بالعربية، 20 يوليو 2016.

(3) موسوعة الجزيرة، الركود الاقتصادي، شبكة الجزيرة نت، 6 أبريل 2008.

(4) البيان الصحفي للجنة السياسة النقدية 17 مارس 2016.

(5) البيان الصحفي للجنة السياسة النقدية 16 يونيو 2016.

(6) أحمد عمار، اقتصاديون عن رفع الفائدة: صدمة والأسعار سترتفع ونخشى من ركود يهدد السلم الاجتماعي، موقع مصراوي، 18 يونيو 2016.

(7) محمد رضا، ما فعله البنك المركزي بالاقتصاد المصري كارثة، بوابة مصر العربية، 17 يونيو 2016.

(8) أحمد بهاء الدين، بلومبيرج: كهرباء المنازل أولوية و المصانع تدفع الثمن، بوابة مصر العربية، 6 يوليو 2015.

(9) السيسي: الشعب لم يثر ضد مرسي بسبب الكهرباء، العربية نت، 24 أغسطس 2014.

(10) أحمد بهاء الدين، بلومبيرج: كهرباء المنازل أولوية و المصانع تدفع الثمن، إشارة سابقة.

(11) محمد الخولي، أهم 3 مشكلات تواجه المصريين في مجال الطاقة، بوابة مصر العربية، 13 أبريل 2016.

(12) انكماش القطاع غير النفطي بمصر للشهر التاسع على التوالي، شبكة رؤية الإخبارية، 10 يوليو 2016.

(13) محسن البديوي، رئيس المركزى للإحصاء: المجتمع المصرى عاوز “يتفرمت صح”.. ومفيش إتقان للعمل، صحيفة اليوم السابع، 13 يوليو 2016.

(14) عائشة المصري، ارتفاع نسبة البطالة في مصر إلى 12.8% خلال الربع الثالث من 2015، وكالة الأناضول، 15 نوفمبر 2015.

(15) «الإحصاء»: 13.3% معدل البطالة في مصر خلال الربع الثاني من عام 2014، صحيفة المصري اليوم، 16 أغسطس 2014.

(16) معدل البطالة في مصر يتجاوز 25%، شبكة الجزيرة نت، 3 سبتمبر 2014.

(17) خالد محمود، البطالة في مصر.. نقطة ارتكاز المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، صحيفة الإمارات اليوم، 17 أبريل 2014.

(18) طارق حامد، صادرات المناطق الصناعية.. بين حجب المعلومات والمستقبل المجهول، بوابة مصر العربية، 22 أغسطس 2015.

(19) مدحت وهبة، “الإحصاء”: زيادة قوة العمل لـ28.4 مليون فرد ومعدل البطالة 12.8% فى 2015، صحيفة اليوم السابع، 30 أبريل 2016.

(20) محمود عثمان، “شركة بن لادن” تفصل عمالا مصريين.. والقوى العاملة: لن يغادروا دون مستحقاتهم، صحيفة اليوم السابع، 17 مارس 2016.

(21) محرر الجزيرة، معدل البطالة في مصر يتجاوز 25%، إشارة سابقة.

(22) علي كمال، «مصر القوية» عن قانون الخدمة المدنية: سيزيد البطالة، بوابة الشروق، 2 يونيو 2015.

(23) أحمد بشارة، الدولار والتضخم يبتلعان 23% من رواتب المصريين، بوابة مصر العربية، 7 مارس 2016.

(24) المركزي المصري:التضخم يرتفع إلى 12.23% على أساس سنوي خلال مايو، 9 يونيو 2016، مباشر مصر.

(25) 12 دولة عربية تفشل في علاج التضخم.. أبرزها مصر، موقع عربي 21، 18 يوليو 2016.

(26) تامر إسماعيل، 228 مليار جنيه للأجور فى الموازنة الجديدة..كم سيأخذ كل فرد لو وزعتهم الدولة بالتساوى؟، موقع برلماني، 29 مايو 2016.

(27) أشرف عزوز، بالأرقام.. رواتب موظفى الحكومة بمشروع “الخدمة المدنية” الجديد، صحيفة اليوم السابع، 6 مايو 2016.

(28) علاء عريبي، أجور القطاع الخاص، بوابة الوفد، 21 مايو 2016.

(29) ملاحظة مباشرة للباحث في بعض قطاعات سوق العمل.

(30) أحمد يحيى، نقص الدولار في مصر وسط محاولات حكومية لحل الأزمة، موقع بي بي سي العربية، 17 فبراير 2016.

(31) محمد موافي، الحكومة تضحي بالمستوردين للحفاظ على الدولار، بوابة مصر العربية، 29 يناير 2016.

(32) محمد موافي، المستوردون يتوقعون 20 مليون عاطل.. وخبراء: سوق العمل متشبع، بوابة مصر العربية، 9 فبراير 2016.

(33) ​المستوردون يستغيثون بمجلس النواب ضد قرارات تقييد الاستيراد، بوابة اخبار اليوم، 5 أبريل 2016.

(34) إمبراطورية الجيش الاقتصادية: دعم السلطة الحاكمة يهدد نفوذ القطاع الخاص، موقع مدى مصر، 24 ديسمبر 2014.

(35) شانا مارشال، القوات المسلحة المصرية وتجديد الامبراطورية الاقتصادية، مركز كارنيجي للشرق الأوسط، 15 أبريل 2015.

(36) مجدي عبد الهادي، مصر: الجيش يتحكم في امبراطورية اقتصادية ضخمة، بي بي سي عربي، 23 يونيو 2012.

(37) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close