fbpx
اقتصادالسياسات العامة

مصرـ قراءة في مشروع موازنة 2019 ـ 2020

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

وافق مجلس النواب في 24 يونيو 2019، نهائيا على مشروع قانون ربط الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2019/ 2020. بلغت الإيرادات في الموازنة 1134.4 مليار جنيه، في حين بلغت النفقات 1575 مليار جنيه وبإضافة صافي الحيازة المُقدر يكون عجز الموازنة قدره 445.1 مليار جنيه.

تأتي أهمية الموازنة العامة لمصر هذا العام أنها أول موازنة لن تتحمل فيها الدولة أي دعم لوقود المركبات، بجانب أنها تأتي بعد إقرار الحكومة رفع أسعار الكهرباء للمرة الخامسة منذ عام 2014. حيث بدأ العمل بالأسعار الجديدة مع بداية يوليو 2019، في إطار السعي لرفع الدعم كليا عن الكهرباء بحلول 2022[1].

يعلن المسؤولون أنهم لم ينسوا الفقراء، وأن الهدف الرئيسي لرفع دعم الطاقة هو تخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة، بجانب توجيه الدعم إلى الفقراء. وهنا يبرز السؤال: هل تعمل الحكومة بالفعل في ذلك الإطار؟، وهل تعكس مخصصات بنود النفقات والإيرادات في الموازنة ذلك التوجه أم أن هذه الادعاءات للاستهلاك الإعلامي فقط؟

من أجل ذلك، تبدأ الورقة بتحليل الأهداف الكمية لمشروع الموازنة، مع مقارنتها بالواقع المصري، بجانب تقييم واقعيتها، ثم تنتقل لتحليل جوانب الإيرادات وما طرأ عليها من تعديلات، وكذلك تحليل جوانب النفقات، ثم تختم الورقة بذكر بعض الاستنتاجات.

أولا: تحليل الأهداف الكمية لمشروع موازنة العام 2019/ 2020:

1-عجز الموازنة: مرض مزمن

تعاني الموازنة العامة لمصر من عجز مزمن، أغلب دول العالم تعاني أيضا من ذلك العجز، ولكن المطلوب من القائمين على إدارة المالية العامة هو التحكم فيه، وأن يكون ضمن الحدود المسموح بها أو المستهدفة، لأنه بتراكم العجز لسنوات عديدة، يزداد الدين الحكومي حتى يصل إلى مستويات حرجة تُشكل عبئا كبيرا على الأجيال القادمة.

استهدف مشروع الموازنة العامة للسنة المالية 2019/ 2020 خفض معدل العجز الكلي (أي الفارق بين النفقات والإيرادات) ليصل إلى 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام المالي. لكن ذلك وطبقا للبيانات التي أعلنتها الحكومة غير منطقي، يمكن ملاحظة ذلك من الجدول التالي.

جدول (1)

حساب نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي

البيان القيمة
نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي (المستهدفة) 7.2%
الفرق بين الإيرادات والنفقات (العجز المستهدف) 445.1 مليار جنيه
الناتج المحلي الإجمالي المتوقع للعام 2018/ 2019 5250.9 مليار جنيه
الناتج المحلي الإجمالي المتوقع للعام 2019/ 2020 (بفرض تحقق معدل نمو 6%) 5565.9 مليار جنيه
نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي المتوقعة في نهاية يوليو 2020 8%

المصدر: من حسابات الباحث، اعتمادا على بيانات وزارة المالية، والبنك المركزي المصري.

يظهر من الجدول أن نسبة العجز المستهدف إلى الناتج المحلي الإجمالي 7.2%، وفي حين أن صافي العجز المتوقع هو 445.1 مليار جنيه. في نفس الإطار أعلن البنك المركزي المصري في آخر نشرة إحصائية –صادرة في إبريل 2019- فإنه من المتوقع أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام المالي الحالي 5250.9 مليار جنيه، وبافتراض نجاح الاقتصاد المصري في الوصول إلى معدل نمو 6% في العام القادم، سيكون الناتج المحلي الإجمالي للعام القادم 5565.9 مليار جنيه، وإذا نجحت الحكومة في الوصول إلى العجز المستهدف، وهذا من المستحيل أن يحدث، ستكون حينها نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي 8% وليس 7.2% كما أعلنت الحكومة. تجدر الإشارة أيضا إلى أن الحكومة دائما ما تسوق أنها نجحت في تحقيق فائض أولي في العامين الماضين، وأن ذلك يعد إنجازًا كبيرًا، لكن في نفس الوقت لم ينعكس تحقيق الفائض الأولي على معدلات الدين، بل إننا نجد أن صافي الديون في تزايد مستمر، وأنها تخضع لمخاطر كبيرة، كما أشار صندوق النقد الدولي في مراجعته الرابعة للاقتصاد المصري، وهو ما سيتم بيانه في العنصر التالي.

2-الدين العام: صداع لا ينتهي

نتيجة كون عجز الموازنة مرض مزمن عانت منه الموازنة العامة على مدار عقود، تقوم الحكومة بتمويل هذا العجز سنويا عن طريق الاستدانة. معدل الدين العام محليا أو أجنبيا تضاعف في السنوات الأخيرة؛ ففي حين كان إجمالي الدين الخارجي لمصر 43 مليار دولار في يونيو 2013، وصلت قيمته إلى 96.6 مليار دولار يونيو 2019. في الإطار ذاته سجل الدين العام الداخلي 1.5 ترليون جنيه في يونيو 2013، ثم زاد فوصل إلى 4.1 تريليون جنيه في نهاية ديسمبر 2018[2].

يمكن القول إن الدين العام المصري تضخم بشكل كبير في الأعوام الماضية حتى صار يُشكل صداعا لا ينتهي. ولذلك كان موضوع الدين هو أول ما استهل به وزير المالية محمـد معيط خطابه الموجه إلى رئيس مجلس النواب وأعضاء المجلس في معرض حديثه عن الإطار العام لمشروع الموازنة؛ فقال “تستهدف الحكومة في مشروع موازنة السنة المالية 2019/2020 وعلى مدار الثلاث سنوات المقبلة استمرار جهود الخفض التدريجي لمعدلات نمو دين أجهزة الموازنة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 80% بحلول نهاية يونيو 2022، وبما يسمح بتحقيق تحسن كبير وخفض في أعباء فاتورة خدمة الدين”[3].

حديث طموح بلا شك، وأهداف عالية تريد أن تحققها الحكومة ممثلة في وزارة المالية، لكن هذه الآمال ما تلبث أن تصطدم بصخرة الواقع. فالحكومة التي كانت قد انتوت أن تخفض الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في موازنة العام 2018/ 2019 إلى 91%[4]، نجد أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حاليا تتجاوز 95% وذلك طبقا لآخر نشرة إحصائية شهرية صادرة عن البنك المركزي[5].

تسعى الحكومة طبقا لمشروع موازنة العام 2019/ 2020 إلى خفض هذه النسبة إلى 89%، وهو ما يبدو صعب المنال، إن لم يكن مستحيل.

3-معدل النمو: العالم في تباطؤ، مصر في تسارع!

يذكر البيان المالي لمشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2019/ 2020 في سياق حديثه عن آفاق الاقتصاد العالمي لمشروع الموازنة: “من المتوقع أن يتباطأ نمو النشاط الاقتصادي العالمي في عامي 2019 و2020 لنحو 3.3% و3.5% هبوطاً من 3.6% في عام 2018. كما أن الاقتصاد العالمي لا يزال عرضة لعدد من المخاطر التي قد تؤثر سلباً على أداء الاقتصادات المتقدمة والناشئة ومنها الاقتصاد المصري”[6].

ما ذكرته الحكومة صحيح، وهو ما يتوافق مع ما تتوقعه المؤسسات الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي، لكن وزارة المالية كانت أول من تخلى عن تطبيقه؛ ففي حين تذكر الوزارة أن الموازنة يتم إعدادها بناءً على معدلات النمو العالمي-أو على الأقل لا يتم إغفالها-والتي من المتوقع هبوطها، وأن ذلك قد يؤثر سلبا على مصر، نجد الوزارة ترفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لمصر في العام الجديد إلى 6%، بعدما كان في العام الحالي 5.6%، لا أحد يعلم كيف سيتم ذلك.

4-البطالة: تعارض بين البيانات الحكومية

أوردت وزارة المالية في البيان المالي عن مشروع الموازنة العامة للسنة المالية 2019/ 2020، والمُقدم إلى مجلس النواب، أنها تستهدف خفض معدل البطالة إلى أقل من 9% من خلال توفير فرص عمل حقيقية وبأعداد جيدة.

في حين أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل البطالة في الربع الرابع من العام 2018 وصل إلى 8.9%، قبل أن يعلن في مايو 2019 أن معدل البطالة انخفض مرة أخرى ووصل إلى 8.1% في الربع الأول من العام 2019.

هذا الاختلاف بين البيانات الصادرة من مؤسسات حكومية، يطرح الكثير من الشكوك حول دقة البيانات الحكومية، وهو ما قد يعني أيضا إما أن وزارة المالية لا تثق في الأرقام المُعلنة من قِبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وأن لديها أرقام أخرى لا تُعلن عنها. قد تكون الأرقام المعلنة من قِبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء صحيحة، وهو ما يعني أن وزارة المالية والحكومة ككل لا تريد أن تضع نُصب أعينها أهدافا واقعية فتقوم باستهداف أمر تحقق بالفعل على أرض الواقع.

ثانيا: تحليل جوانب الإيرادات والنفقات:

أ-تحليل الإيرادات (المتحصلات) المتوقعة:

قدرت وزارة المالية الإيرادات المتوقعة في موازنة 2019/ 2020، بـ 1134.4 مليار جنيه، بزيادة قدرها 145 مليار جنيه عن موازنة العام الماضي.

بالعودة قليلا إلى الوراء، فقد استهدفت الحكومة في موازنة العام 2018/ 2019 إيرادات قدرها 989.1 مليار جنيه، لكن الإيرادات المتوقعة فعليا لم تتخطى 976.6 مليار جنيه، وهو ما يعني أن استهداف زيادة في الإيرادات قدرها 145 مليار هو ضرب من ضروب الخيال.

بالنظر إلى هيكلة الإيرادات المستهدفة؛ لمعرفة توجهات المالية العامة للدولة، وكذلك لمعرفة استحالة نجاح الدولة الوصول لهدفها، وكذلك لبيان تنافي الكثير من السياسات الجبائية للدولة مع العدالة مبادئ وأسس العدالة الاجتماعية وإن تم الادعاء بعكس ذلك.

في هذا الإطار، يمكن صياغة بعض الاستنتاجات من خلال النقاط التالية:

1-الضرائب:

استهدفت الحكومة في مشروع موازنة العام 2018/ 2019 ما قيمته 770 مليار جنيه ضرائب، يُتوقع أن تحصل منهم على 759 مليار جنيه.

أعلنت الحكومة عن أنها تستهدف زيادة الحصيلة الضريبية لتصل إلى 856 مليار جنيه في موازنة العام 2019/ 2020، أي بزيادة قدرها 96.7 مليار جنيه، تمثل 12.7% من الحصيلة المتوقع تحصيلها بنهاية يونيو 2019.

أكدت الحكومة في هذا السياق، عن أن هذه الزيادة ستتم مع مراعاة أسس ومبادئ العدالة الاجتماعية وضمان التوزيع العادل للأعباء الضريبية على المواطنين دون المساس بالطبقات الأكثر فقراً في المجتمع بجانب العمل على تحسين الإدارة الضريبية ورفع كفاءتها وجعلها أكثر شمولاً.

نعم من المهم العمل على توسيع الحصيلة الضريبية؛ وذلك لتقليل عجز الموازنة، وكذلك الحد من الزيادة المطردة في الدين العام، ولكن تكمن المشكلة في أن نظام الضرائب في مصر لا يُراعي أي أسس للعدالة الاجتماعية، وهذا هو النهج في كثير من الدول النامية.

يمكن تقسيم الضرائب إلى ضرائب مباشرة وغير مباشرة، يكمن الفرق الجوهري بين النوعين هو من يتحمل الضرائب، فالضرائب الغير مباشرة لا يتحملها المُكلف، وإنما يتحملها المستهلك النهائي.

في هذا الإطار، تُعد ضريبة القيمة المضافة أحد أبرز الأمثلة على الضرائب الغير مباشرة. أقرت مصر ضريبة القيمة المضافة في عام 2016، وبرغم صدور بعض الدراسات التي أوضحت تناقضها مع مبادئ العدالة الاجتماعية، إلا أن الحكومة ما زلت مستمرة في تطبيقها[7].

تستهدف الحكومة هذا العام نمو حصيلة ضريبة القيمة المضافة على كافة السلع والخدمات عن العام الماضي بنسبة 13.9%، لتصل الحصيلة إلى 364.7 مليار جنيه.

كذلك تستهدف الحكومة زيادة حصيلة ضريبة الدخل من الجهات غير السيادية (بدون البنك المركزي والبترول وقناة السويس والضرائب على عوائد الأذون والسندات) بنسبة 23% لتصل إلى 675 مليار جنيه، وكذلك زيادة حصيلة الضرائب العقارية بنحو 25.2% مقارنةً بمستهدف العام المالي السابق، لتصل إجمالي الحصيلة إلى 6.8% مليار جنيه. من المستهدف أيضا زيادة حصيلة الضرائب الجمركية بنحو 14.1% لتصل إلى 51.7 مليار جنيه.

2-الإيرادات الأخرى:

تستهدف الموازنة تحصيل إيرادات غير ضريبة من مصادر مختلفة تبلغ نحو 278 مليار جنيه، من أهم تلك الإيرادات:

أ-استمرار برنامج الطروحات العامة IPO لبعض الشركات المملوكة للدولة، والتي من المتوقع أن تحقق حصيلة قدرها 8 مليار جنيه للخزانة في 2018/ 2019.

لم يُورد مشروع الموازنة عدد الشركات التي تنوي الحكومة بشكل مبدئ طرحها في العام المالي الجديد، وبجانب ذلك فقد انتابت عمليات الطروحات التي شهدتها مصر في العام المالي 2018/ 2019 الكثير من الشبهات، حاول تقرير للمعهد المصري للدراسات كشف بعضها[8]. إلا أن الحكومة مستمرة، ليتفاجأ المصريون ببيع بعض شركات القطاع العام في منتصف الليل، وبقيمة أقل من قيمتها الحقيقة، فقط لأن المستثمر أراد ذلك.

ب-استهداف تحصيل نحو 5 مليار جنيه تحت بند صافي أرباح شركات قطاع الأعمال العام (بما فيها أرباح الشركة المصرية للاتصالات) لصالح الخزانة العامة في العام المالي 2019/ 2020.

ج-استهداف تحويل نحو 20.7 مليار جنيه فوائض من الهيئات الاقتصادية للخزانة العامة بدون فائض قناة السويس المحول أيضا.

يلخص الشكل التالي أبرز بنود الإيرادات غير الضريبية بمشروع الموازنة 2019/ 2020.

شكل (1): أهم بنود الإيرادات غير الضريبية بمشروع الموازنة 2019/ 2020

المصدر: وزارة المالية، البيان المالي عن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019/ 2020، مصدر سبق ذكره، ص:42.

بتحليل بنود الشكل السابق، نجد أن أغلب الإيرادات المذكورة تتصف بالريعية، ففوائض قناة السويس بجانب غرامات العقوبات وإيرادات المناجم والمحاجر تعد من الإيرادات الريعية. واعتماد الدولة على إيرادات ريعية بذلك الحجم يدق بلا شك ناقوس خطر ويشير إلى أهمية أن تحاول الحكومة المصرية البحث عن مصادر لتمويل مصاريفها تعتمد على تستهدف بالأساس تعظيم الاستثمارات وتوفير فرص عمل مما سيساعد أيضا على بناء اقتصاد حقيقي.

ب-تحليل النفقات (الاستخدامات) المتوقعة:

بلغ إجمالي النفقات في موازنة العام المالي 2019/ 2020 ما قيمته 1575 مليار جنيه، بزيادة قدرها 151 مليار جنيه أي ما يعادل زيادة بنسبة 10.6% عن العام الماضي.

أكدت الوزارة أن مستهدفها على المدى المتوسط هو الوصول بدين أجهزة الموازنة لمعدل لا يتعدى 80% من الناتج المحلي بحلول 2021/ 2022، بالإضافة إلى ضمان استدامة تحقيق فائض أولي يبلغ نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي؛ من أجل ذلك تم إعداد التقديرات على أساس استهداف معدل نمو للمصروفات يقل عن معدل نمو الإيرادات.

بإلقاء نظرة على مفردات النفقات المستهدفة؛ لمعرفة توجهات صانعي السياسة المالية، نجد الحكومة تؤكد في البداية على أنه في إطار السعي لخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 89% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2019/ 2020، يجب ألا يتعدى حجم النفقات العامة 1575 مليار جنيه، تُشكل مدفوعات فوائد الديون فقط 569 مليار، في حين تصل باقي النفقات 1005.4 مليار جنيه، بزيادة مقدرها 10.5% (150 مليار جنيه) عن موازنة العام الماضي، التي بلغت النفقات فيها 1424 مليار جنيه.

يوضح الجدول التالي البنود الرئيسية للمصروفات (من خلال التصنيف الاقتصادي) في موازنة العام المالي 2019/ 2020، مع مقارناتها بمثيلاتها في الأعوام الأربعة السابقة.

جدول (2)

مخصصات بنود النفقات في الموازنة طبقا للتصنيف الاقتصادي

المصدر: وزارة المالية، جمهورية مصر العربية، البيان التحليلي عن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019/ 2020، ص: 21، رابط.

يتضح من الجدول زيادة بند الأجور 30 مليار جنيه عن العام السابق، وكذلك زيادة الفوائد 28 مليار جنيه، وتناقص بند الدعم 592 مليون جنيه. ويمكن استعراض أبرز التغيرات على بنود النفقات (سواء من التصنيف الاقتصادي أو التصنيف الوظيفي) من خلال النقاط التالية:

1-الأجور والتعويضات للعاملين:

أعلن السيسي في 30 مارس 2019 عن زيادة في أجور العاملين في الدولة، في خطوة وصفها بعض المتابعين بأنها سياسة شعبوية الهدف منها استمالة المصريين قبل التعديلات الدستورية، وبغض النظر عن الانتقادات التي وجهت إلى تلك القرارات، يتضح من الجدول السابق أن بند الأجور شهد في موازنة العام 2018/ 2019 زيادة قدرها 30 مليار جنيه عن العام الذي سبقه، لذا الزيادة المقررة هذا العام هي زيادة طبيعية وليس هناك من جديد، إلا أن السيسي هو من أعلن عنها.

2-الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية:

يعتبر بند الدعم من البنود الأكثر إثارة للجدل في الأعوام القليلة الماضية، حيث أعلنت الحكومة في عام 2014 عن خطة لرفع عن المواد البترولية وذلك لتقليل عجز الموازنة العامة. صرحت الحكومة أيضا أنها لن تنسى الفقراء؛ ولذلك دشنت مشروع تكافل للدعم النقدي المشروط للفقراء، بجانب برنامج كرامة الذي يُقدم منه خلاله دعم نقدي غير مشروط للمسنين والعاجزين عن العمل.

تستعرض الورقة في البداية من خلال الشكل التالي أبرز البنود التي شهدت زيادة أو نقص خلال موازنة العام المالي 2019/ 2020.

شكل (2)

أهم بنود الدعم التي شهدت زيادة أو نقص بمشروع الموازنة 2019/ 2020

المصدر: عمل الباحث، اعتمادا على البيان التحليلي عن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019/ 2020.

يتضح من الشكل السابق أن أبرز البنود التي شهدت زيادة في الدعم بند السلع التموينية، بالإضافة إلى تنشيط الصادرات، وكذلك المزايا الاجتماعية والمنح لجهات الحكومة العامة، بجانب وجود زيادة كبيرة (20.4 مليار جنيه، أي بنسبة 173% عن موازنة العام الماضي) في بند احتياطيات عامة للدعم والمنح. فباستحضار أن ذلك البند لم يكن موجودا قبل موازنة العام المالي 2018/ 2019، ولكن في ذلك العام صارت مخصصاته 11.8 مليار جنيه، قبل أن ترتفع مرة أخرى لتصل إلى 32.2 مليار جنيه في موازنة 2019/ 2020، وهنا تبرز الكثير من الأسئلة حول البنود التي من المتوقع أن يقوم هذا البند بالإنفاق عليها، وما هو الدافع لأن تكون احتياطيات الدعم بهذا الحجم.

فيما يخص البنود التي شهدت انخفاض، جاء على رأسها بنديّ دعم المواد البترولية، ودعم الكهرباء، بإجمالي انخفاض 48.1 مليار جنيه، وبإضافة باقي البنود التي أوردها الشكل، نجد أن مجموع أبرز البنود التي شهدت انخفاضا هو 51.1 مليار جنيه، في حين أن بند الدعم ككل انخفضت نسبة مخصصاته 1 مليار فقط. حيث يرجع سبب عدم انعكاس الانخفاض في بنديّ المواد البترولية والكهرباء على مخصصات الدعم ككل، إلى وجود بنود شهدت زيادات كبيرة. يعني كل ذلك، أن الحكومة تبنت إعادة توزيع الدعم بدلا من تقليصه، ولكن أيضا هذه السياسة تمت بشكل خاطئ، وذلك على نحو ما أوردته الورقة عند الحديث عن بنود الدعم التي شهدت زيادات؛ حيث احتل بند احتياطيات الدعم نصيب الأسد من هذه الزيادات.

3-التعليم والصحة:

بلغ إجمالي الإنفاق المستهدف على التعليم والصحة 259.7 مليار جنيه (الصحة 124.9 مليار والتعليم 134.8 مليار)[9]، وبافتراض نجاح الاقتصاد المصري بتحقيق معدل نمو 6% في العام القادم، سيكون إجمالي الناتج المحلي الإجمالي 5565.9 مليار جنيه، هو ما يعني أن إجمالي الإنفاق على التعليم والصحة سيكون 4.67% من إجمالي الناتج المحلي، في حين أن الدستور المصري طبقا للمواد 18 و19 و21 ينص على أن الإنفاق على التعليم والصحة يجب ألا يقل عما نسبته 9% من الناتج المحلي الإجمالي. إذا لم توفي الحكومة بالاستحقاق الدستوري.

شكل (3)

إجمالي نسب الإنفاق على الصحة بين مما حددته الحكومة والنسبة التي أقرها الدستور وذلك خلال موازنات الأعوام 2015/ 2016 – 2019/ 2020.

المصدر: عمل الباحث، اعتمادا على بيانات الموازنة العامة للدولة خلال الفترة محل الدراسة.

شكل (4)

إجمالي نسب الإنفاق على التعليم بين مما حددته الحكومة والنسبة التي أقرها الدستور وذلك خلال موازنات الأعوام 2015/ 2016 – 2019/ 2020.

المصدر: عمل الباحث، اعتمادا على بيانات الموازنة العامة للدولة خلال الفترة محل الدراسة.

يتضح من الشكلين السابقين، أن عدم التزام الحكومة بالنسبة التي أقرها الدستور ليس أمرا جديدًا، ولكن ذلك صار يعد ديدان للحكومة خلال الأعوام المنصرمة. والإضافة إلى ذلك، فبمراجعة مفردات التعليم والصحة من خلال التصنيف الوظيفي ومقارنتها مع التصنيف الاقتصادي، وذلك على النحو الذي أوردته وزارة المالية في بيانها التحليلي للموازنة العامة، نجد الكثير من الملاحظات الهامة، وهي:

1-بلغت إجمالي الزيادة في بند الأجور في الموازنة 30 مليار جنيه، حصل التعليم منها على زيادة قدرها 8 مليار، وحصلت الصحة على 4.3 مليار، وهو ما يعني حصولهما على 41% من إجمالي الزيادات المقررة، فهل سينعكس ذلك على مرتبات العاملين في هذين القطاعين.

2-تم رصد زيادة في بند الدعم والمنح والمزايا في الاجتماعية في قطاع الصحة قدرها 1089 مليون جنيه، وذلك طبقا للتصنيف الوظيفي للمصروفات. ولكن بمراجعة التصنيف الاقتصادي، نجد في بند المنح أن دعم التأمين الصحي والأدوية تم تخفيض مخصصاته بمقدار 244 مليون جنيه، أي بنسبة 6.4% عن العام الماضي.

3-تستهدف الحكومة زيادة الاستثمارات في قطاع التعليم بـ 6.5 مليار جنيه عن العام الماضي، وكذلك تستهدف زيادة الاستثمارات في قطاع الصحة 2.4 مليار جنيه عن العام الماضي؛ ليبلغ إجمالي الاستثمارات في قطاع التعليم 21.7 مليار جنيه، وفي قطاع الصحة 13.5 مليار جنيه. تجدر الإشارة إلى أنه لم تعلن أيا من الوزارتين عن أي خطط لإنشاء مستشفيات أومدراس أوجامعات جديدة. فأين تذهب هذه الأموال؟

4-شهدت زيادة بند الفوائد في قطاع التعليم زيادة قدرها 306%؛ حيث ارتفع من 61 مليون جنيه إلى 248 مليون جنيه، ما هي الفوائد المستحقة على قطاع التعليم؟

تجدر الإشارة إلى أن إجمالي الإنفاق على التعليم والصحة في البيان التحليلي كان 205 مليار جنيه (الصحة 73 مليار والتعليم 132 مليار)، قبل أن يقرر مجلس النواب زيادة الإنفاق ليصل إلى 259.7 مليار جنيه (الصحة 124.9 مليار والتعليم 134.8 مليار)، لكن إلى الآن لم تصدر المذكرة التفصيلية لأيّ من البنود خُصصت هذه الزيادات.

في النهاية، يرى الباحث من خلال تلك النقاط أن الحكومة من ناحية لم توفِ بالاستحقاق الدستوري وفي نفس الوقت أدخلت في بنود قطاعي الصحة والتعليم أمورا ليست ضمن نطاقهما.

استنتاجات وخاتمة

عكست موازنة العام المالي 2019/ 2020 اتجاهات المالية العامة للقائمين على إدارة شؤون الحكم في مصر، حيث أعلنت وزارة المالية بعض المستهدفات، والتي تبين بالمراجعة الدقيقة لها أن بعضها غير واقعي، أو لا يتفق مع بيانات المؤسسات الحكومية الأخرى.

فيما يخص مراجعة جوانب الإيرادات والنفقات، تبين أن الحكومة لم تلتزم بالنسبة الدستورية للتعليم والصحة كعادتها، بجانب ذلك فقد احتوت تلك البنود على مخصصات لا تتفق والأهداف التي أعلنتها الحكومة أو حتى طبيعة تلك البنود. بجانب ذلك فمن الملاحظ أن بند احتياطيات الدعم حاز على زيادة غير مبررة التهمت ما حصرت الحكومة على توفيره من تقليص دعم المواد البترولية والكهرباء. وهو ما يعني أن المواطن سيتحمل الآثار المترتبة على رفع دعم المواد البترولية والكهرباء، بالإضافة إلى ذلك فإن الإيرادات الأخرى للموازنة، تنطوي على أنشطة ريعية.

أما فيما يخص الضرائب، عكست مستهدفات الموازنة استمرار عدم العدالة في النظام الضريبي المصري.


الهامش

[1] وزير الكهرباء: تأجيل رفع الدعم عن الطاقة بالموازنة إلى 2021-2022، اليوم السابع، 25 مارس 2019، رابط.

[2]البنك المركزي المصري، النشرة الإحصائية الشهرية، العدد رقم (265)، إبريل 2019، ص: 97 و109، رابط.

[3]وزارة المالية، جمهورية مصر العربية، البيان المالي عن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019/ 2020، ص: 4، رابط.

[4]وزارة المالية، جمهورية مصر العربية، البيان المالي التمهيدي لمشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2018/ 2019، ص: 5، رابط.

[5] البنك المركزي المصري، مصدر سبق ذكره، ص: 4، 16.

[6]البيان المالي لمشروع الموازنة العامة، مصدر سبق ذكره، ص: 26.

[7]انظر… أسامة دياب وسلمى حسن وطارق عبد العال، ورقة موقف: مشروع قانون الضريبة على القيمة المضافة: التوقيت-الهدف-طعام الفقراء-صلاحيات الوزير-تخفيف الأثر، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أغسطس 2016، رابط. أيضا أسامة دياب، كيف تنقل ضريبة القيمة المضافة العبء الضريبي من الأغنياء إلى الفقراء، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أكتوبر 2016، رابط.

[8]أحمد حافظ، موجات الخصخصة في مصر 2011-2019، المعهد المصري للدراسات، مايو 2019، رابط.

[9]وزارة المالية، جمهورية مصر العربية، وزير المالية: 1.6 تريليون جنيه. أكبر موازنة في تاريخ مصر، تصريح رسمي، رابط.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close