المعهد المصري للدراسات

مصر: الاقتصاد بين رفع المعروض النقدي وتفاقم التضخم

نشرت وكالة رويترز للأنباء تحليلاً اقتصادياً للصحفي باتريك وير، المراسل المالي للوكالة العالمية بالقاهرة، والتي يقيم بها على مدى ثلاث وثلاثين عاماً، بعنوان: “مع تصاعد العجز، مصر ترفع المعروض النقدي، مما يؤجج التضخم”، حيث يرى أن قيام القاهرة بزيادة المعروض النقدي الذي يُستخدم لسد العجز المتزايد في الموازنة يهدد بتفاقم تضخمها القياسي وإضافة مزيد من الضغط على الجنيه المصري.

وقد جاء التحليل على النحو التالي:

تخاطر مصر بتأجيج التضخم القياسي الذي تعاني منه البلاد والتسبب في إضافة المزيد من الضغط على الجنيه المصري في حالة عدم تبطيئها زيادة المعروض النقدي الذي يقول مصرفيون ومحللون إنه يتم استخدامه لسد العجز المتصاعد في موازنة الدولة.

وتكشف أرقام البنك المركزي أن المعروض النقدي “ن 1″، والذي يشمل العملة المحلية المتداولة والودائع تحت الطلب بالجنيه المصري، قد قفز بنسبة 31.9% خلال العام المنتهي حتى نهاية مايو 2023، بعد زيادته بنسبة 23.1% في العام المالي المنتهي في نهاية يونيو 2022 وبنسبة 15.7% في العام المالي (2020/2021).

وجاء هذا التسارع الحاد في نمو المعروض النقدي على مدى ثلاث سنوات انكشفت فيها نقاط الضعف الكامنة في الاقتصاد المصري، بعد تعرضه لسلسلة من الصدمات بما في ذلك جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا.

وقد تعرضت موارد مصر المالية لضغوط بسبب النقص المستمر في العملات الأجنبية وتزايد الديون، حيث هناك حاجة إلى إعادة تمويل أو سداد 20 مليار دولار منها خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة.

وفي غضون ذلك، ازداد معدل الإنفاق بدرجة كبيرة، في ظل سعي الدولة إلى تنفيذ مشاريع بنى تحتية طموحة، بما في ذلك إنشاء مدن جديدة وتوسعة كبيرة في شبكة الطرق، في الوقت الذي تحاول الاستمرار في تقديم بعض المساعدات الاجتماعية، بهدف دعم مستويات المعيشة المتدنية لكثير من المصريين.

وتتوقع وزارة المالية عجزا في الميزانية قد يصل إلى 824.4 مليار جنيه مصري (26.7 مليار دولار أمريكي) في العام المالي (2023/2024) الذي بدأ في الأول من يوليو الحالي، بمعدل ارتفاع تقديري للعجز من 723 مليار جنيه في العام المالي (2022/2023) و 486.5 مليار جنيه في العام المالي (2021/2022).

كما تُظهر بيانات وزارة المالية أنها تتوقع أن يرتفع إجمالي الإنفاق إلى 2.07 تريليون جنيه هذا العام من 1.81 تريليون جنيه في العام المالي (2022/2023).

ويقول الكاتب: إن طباعة مزيد من الجنيهات بوتيرة سريعة في مقابل قدر من السلع والخدمات أكثر بطئاً يؤدي إلى زيادة التضخم وإضعاف العملة بشكل أكبر.

ونقل الكاتب عن باتريك كوران من تيليمر قوله: “بالنظر إلى محدودية إمكانية الوصول إلى تمويل الخارجي وتعرض القطاع المصرفي بالفعل للديون الحكومية بقدر كبير، فإن الفشل في كبح جماح عجز الميزانية قد يؤدي إلى المزيد من تمويل العجز من خلال زيادة المعروض النقدي (من خلال طباعة البنكنوت بوتيرة متسارعة) وتفاقم مشاكل التضخم والعملات الأجنبية في مصر”.

ولم يرد البنك المركزي أو وزارة المالية على طلبات للتعليق على ذلك من قِبل وكالة رويترز.

ذروة الأزمة

قد يكون، لكن ما سيحدث للجنيه سيكون أمراً بالغ الخطورة.

تصاعد التضخم

وقد تسارع معدل التضخم الرئيسي في مصر إلى 35.7% في شهر يونيو، متجاوزاً بذلك أعلى مستوى وصل إليه في السابق على الإطلاق، في عام 2017، من 30.6% في إبريل، بينما قفز التضخم الأساسي إلى 41%.

وقد رفع بنك “جي بي مورجان” الأمريكي توقعاته للتضخم في العام المالي الجديد، الذي ينتهي في يونيو 2024، إلى 22.7% من 21.3% “بسبب استمرار ضغوط التضخم ومخاطر العملات الأجنبية”. ومن المتوقع أن يبلغ معدل التضخم الأساسي 23.5%.

وقد انخفض سعر الصرف الرسمي للجنيه المصري بمقدار النصف مقابل الدولار منذ شهر مارس لعام 2022 وبنسبة أكبر من ذلك في السوق الموازية (السوداء). وتتوقع سوق العقود الآجلة للعملات الأجنبية انخفاض الجنيه إلى 40 جنيهاً لكل دولار خلال العام المقبل، من حوالي 30 جنيهاً تقريباً في الوقت الحالي.

ويرجع جزء كبير من نسبة العجز في الموازنة المصرية إلى ارتفاع  أسعار الفائدة على الاقتراض المحلي والأجنبي الذي زاد بنسبة كبيرة خلال السنوات الثماني الماضية.

وقد تفاقمت فاتورة الفوائد على الديون بعد أن بدأ مجلس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في رفع أسعار الفائدة في أوائل عام 2022، والذي أدى تخارج كثير من المستثمرين في ديون الأسواق الناشئة.

وتتوقع وزارة المالية المصرية أن تستحوذ مدفوعات فوائد الديون المحلية والخارجية على 52.3% من الإيرادات في العام المالي (2023/2024).

ومن المفترض صرف قرض صندوق النقد الدولي الذي تم إقراره في ديسمبر الماضي وتُقدّر قيمته بـ 3 مليارات دولار على مدى 46 شهراً، على الرغم من تأجيل المراجعة الأولى للبرنامج وسط حالة من عدم اليقين حول تعهدات مصر بالانتقال إلى سعر صرف مرن للعملة وحصد أموال من خلال بيع أصول مملوكة للدولة.

الاقتراض الحكومي

ويقول مصرفيون ومحللون إن الطريقة الرئيسية التي يعمل بها البنك المركزي المصري على زيادة المعروض النقدي هي من خلال الإقراض المباشر للحكومة، بما في ذلك عن طريق شراء السندات الحكومية.

ويمكن ملاحظة ذلك من خلال “صافي الديون المستحقة على الحكومة” للبنك المركزي، والتي قفزت إلى 1.48 تريليون جنيه مصري بنهاية مايو 2023 مقابل 1.06 تريليون جنيه في نهاية يونيو 2022، وذلك حسب البيانات التي كشف عنها البنك المركزي.

وقد ترتفع فاتورة فوائد الديون المحلية بشكل أكبر بعد رفع البنك المركزي لسعر الفائدة بمعدل 1000 نقطة أساس لأجل ليلة منذ مارس 2022. وقفز سعر الفائدة على أذون الخزانة لمدة عام إلى 24.07% في المزاد الأخير الذي تم في 6 يوليو، من 14.09% قبل عام.

وعلى مدى الأشهر الخمسة الماضية، خفّضت وكالات التصنيف الائتماني “موديز” و “ستاندرد آند بورز” و “فيتش” تصنيف الديون السيادية المصرية. وفي مايو، وضعت وكالة موديز مصر قيد المراجعة لخفض آخر محتمل، حيث عزت ذلك إلى التباطؤ في بيع الأصول.

وسيؤدي تخفيض تصنيف موديز (للديون السيادية المصرية) من جديد إلى نقل مصر من (بي 3)، أو “تخميني وغير يقيني” إلى على الأقل (سي إيه إيه)، بما يشير إلى “موقف ضعيف وتعرض لمخاطر ائتمانية عالية”. وتقول وكالة موديز إن مثل هذه المراجعات تستغرق عادة 90 يوماً.

Exit mobile version