مصر السلطة والقضاء والمأزق الدائم
لم تسلم السلطة القضائية من التدخلات السياسية على مر تاريخ مصر المعاصر بمراحله المختلفة بدءا من حقبة الخمسينيات وما تلاها من نظم حكم عسكرية متعاقبة وصولا إلى حقبة التسعينيات وبدايات الألفية الجديدة التي شهدت تشكل حركة قطاع من القضاة للمطالبة بالاستقلال المهدر على مر عقود، وقد ارتكز الجدل خلال تلك الفترات المتعاقبة على كيفية التخلص أو التخفيف من واقع الهيمنة السياسية على القضاء بأشكالها المختلفة الناعمة والخشنة1 ، ثم جاءت ثورة يناير2011 –وما تلاها من تطورات -لتكشف حقائق صعبة الاستيعاب عن حالة الاختراق الواسعة للقضاء من داخله والتي تبلورت فيما نسميه “ظاهرة التطوع القضائي” المتصاعدة في الظهور للعلن بشكل فج للغاية خلال السنوات الماضية، وتكفى الإشارة إلى نماذج المحاكمات الهزلية والأحكام السياسية الصادرة بحق آلاف المعتقلين لاستشعار حالة التحولات الكبرى الحاصلة على مستوى علاقة القضاء بالسلطة في مصر.
وصلت هذه التحولات إلى حالة نماذجية فجة عبر مشاركة قطاع مؤثر من القضاة في مشهد الانقلاب العسكري الواقع في 3 يوليو 2013 سواء في مراحله (التحضيرية –التحريضية)، أو فيما تلاه من مراحل شارك فيها أغلب رؤساء الهيئات القضائية الرئيسية في مصر، بدءا من رئيس المحكمة الدستورية العليا الذى قبل التعيين في منصب رئيس الجمهورية بقرار من وزير الدفاع، ومرورا برئيس مجلس القضاء الأعلى الذى وقف إلى جوار الجنرالات مباركا لحظة اعلان الانقلاب على الرئيس والدستور والمؤسسات المنتخبة، وانتهاء برئيس نادى القضاة الذى شارك في التحضير لمظاهرات 30 يونيو قائدا لمسيرة من القضاة وأعضاء النيابة العامة باتجاه ميدان التحرير ضاربين عرض الحائط مبدأ حظر العمل السياسي للقضاة (رأيا وممارسة).
منذ ذلك الحين جرت في النهر مياه كثيرة آسنة، أفسدت منظومة العدالة وأدت إلى انهيارها بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر المعاصر، وتكفي الاشارة إلى ظواهر القتل خارج القانون والاختفاء القسري وتلفيق التهم والحبس الاحتياطي المفتوح لعشرات الآلاف من المعتقلين وصولا إلى ازهاق مئات الأرواح بأحكام الاعدام الجائرة والمسيسة وكذلك تأميم ممتلكات الناس والاستيلاء على أموالهم ظلما وعدوانا بلا أدنى اعتبار لأي قواعد قانونية أو قيم دينية أو حتى مبادئ أخلاقية إنسانية عامة. وقد بات الحديث عن تلك الظواهر الصارخة والأحكام الغاشمة مثار استهجان محلى ودولي وعالمي كاشف لما آل إليه مرفق القضاء في مصر منذ 3 يوليو 2013.
في هذا السياق تثور التساؤلات حول ما يجرى في هذا القطاع والتحولات التي طرأت على مفاصله المركزية (المحكمة الدستورية، مجلس القضاء الأعلى، نادى القضاة، النيابة العامة، وزارة العدل)، إضافة إلى توسع صلاحيات ونفوذ القضاء العسكري إزاء المدنيين.
وتهدف هذه الدراسة إلى تحليل تلك التحولات وأبعادها ومظاهرها على مستوى مرافق منظومة القضاء المختلفة في مصر خلال الفترة الممتدة منذ 2013 وحتى 2018.
أولا: مأزق السلطة القضائية في الدولة الحديثة
استحوذت مسألة استقلال السلطة القضائية على اهتمام المشتغلين بالقانون والسياسة والفكر على مر التاريخ ومختلف الثقافات والأعراف والحضارات، ذلك لأن وجود تلك السلطة المستقلة الناجزة يشكل واحدا من أهم الضمانات الرئيسية لاستقرار الدول والمجتمعات ومنع انزلاقها إلى حالات الفوضى والاقتتال الأهلي وغيرها من مظاهر الظلم والبغي والاعتداء على حقوق الضعفاء. في هذا الإطار تأسست فكرة توزيع السلطة في الدولة الحديثة على ثلاث هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية يضمن أحدهم استقلال الآخر واستقامته عبر عمليات رقابة متبادلة، بيد أن المتأمل في هذا التنظيم الثلاثي سيلحظ صعوبة تحقق ذلك الاستقلال المفترض للسلطة القضائية لأسباب تتعلق بذلك القالب النمطي المؤسسي للدولة الحديثة والذي لا يسمح بذلك إلا بقدر ضئيل للغاية.
حيث تتسم الدولة الحديثة بشكل نمطي واحد في كافة دول العالم المعاصر سواء كانت متقدمة أو نامية مع اختلافات طفيفة على مستوى الحكم والإدارة من دولة إلى أخرى وفقا لاعتبارات مختلفة سياسية واجتماعية واقتصادية وديموغرافية وثقافية وغيرها. تبدأ أولى ملامح هذا القالب النمطي بتحديد رقعة جغرافية تسمى “وطنا” يطلق على البشر القاطنين عليها مسمى “الشعب” أو “المواطنين” ويحاط بسياج برى وبحري يسمى “حدود”. وتتحدد علاقة المواطنين بالوطن بموجب وثائق تثبت شخصيتهم تسمى “الجنسية”، ولا يستطيعون التنقل خارج حدود الوطن إلا بواسطة جواز سفر وموافقة من الدول المزمع المرور فيها أو الوصول إليها.
أما الأجنبي فهو من لا ينتمي إلى الوطن ويقيم وفق القوانين المعمول بها في البلاد، وعلى أرض الوطن يتم تحديد سلطات وعلاقات تسوس الشعب في إطار مؤسسي يسمى “الدولة” والتي تتكفل بحماية الوطن والشعب والحفاظ على سيادته وتحتكر استخدام القوة وتشكل لذلك مؤسسات خاصة كالجيش والشرطة والمخابرات، وتتكفل الدولة بتوفير الخدمات الأمنية والتعليمية والصحية والمعيشية والاقتصادية وغيرها، وتنشئ القرى والمدن وتربطها بنظم اتصالات سلكية ولاسلكية وبشبكة مواصلات برية وبحرية وجوية، وتنشئ الدولة لهذه الأغراض وزارات لتقديم هذه الخدمات.
وللدولة رئيس يمثلها في المجتمع الدولي، وعاصمة، وسفارات خارجية، وعلم، ونشيد وطني، وعملة، وبنك مركزي، ويوم وطني، وتاريخ وطني، ورياضة وطنية، وناتج محلي، وميزان مدفوعات، وسعر صرف، وسوق لتداول الأوراق المالية.. إلخ، ويتوزع نظام الحكم في الدولة الحديثة على ثلاثة سلطات رئيسية تنفيذية وتشريعية وقضائية اضافة إلى عدد من الأجهزة الرقابية الإدارية والمالية وغيرها.
هذه الدولة بهذا الشكل أو القالب النمطي هي ابتكار غربي حديث، ومع ذلك فقد تم فرضه على العالم أجمع، بحيث لا يتصور إمكانية قيام دولة في العصر الحديث بدون توافر هذه الأساسيات أو اتباع هذا القالب، وإذا نشأت فلن تحظى بأي اعتراف دولي أو ستواجه صعوبات جمة، إذ إن ترتيبات النظام الدولي الحالي بكل مؤسساتها تعتمد نمط الدولة الحالي كنمط حصري لا يمكن الخروج عليه بما يسهل عملية تسكين أي دولة في شبكة النظام الدولي بشكل يحافظ على نفوذ الدول الكبرى وصدارتها للعالم 2 .
وينطلق القالب التنظيمي للسلطة في الدولة الحديثة من فكرة توزيع السلطة بين ثلاث هيئات لضمان عدم الاستبداد والوقوع في قبضة حكم الفرد قياسا على فترات تاريخية سابقة عانتها القارة الأوربية، السلطة الأولى تختص بالتشريع، والثانية بالتنفيذ، والأخيرة بالرقابة والتقويم، عبر الفصل في النزاعات الناشئة بين أفراد المجتمع وبعضهم أو بين أفراد المجتمع وأجهزة الدولة وهيئاتها القائمة. بيد أن ذلك التقسيم الثلاثي ينطوي على اشكاليات ضخمة تجعل القضاء معرض دائما للوقوع في أسر، فئة أو حزب أو طبقة من ذوي النفوذ سواء كان ذلك في دول الشرق أو الغرب، حيث تثور التساؤلات حول من ينظم شؤون القضاة؟، ومن يصدر التشريعات الخاصة بهم؟ ومن يراقب على المراقب؟، ومن يمنح الرواتب ويحدد الجزاءات؟ إلخ.
وتزداد تلك التساؤلات صعوبة في حالة وجود حزب واحد يسيطر على الحكومة والبرلمان أي يسيطر على التنفيذ والتشريع ويتحكم في القضاء من خلال التشريعات التي تحدد حدود نظره للقضايا وتحجبه في بعض الأحيان عن نظر أخرى فضلا عن التشريعات التي تنظم عمل القضاة أنفسهم والتي يتحكم فيها البرلمان منحا ومنعا لا سيما ما يتعلق بالحقوق المالية والحدود العمرية للتدرج الوظيفي وغيرها.
مثل هذه التساؤلات وغيرها دفعت بكثير من المفكرين الغربيين إلى مراجعة نموذج الديموقراطية السائد في بلادهم تحت عناوين لافتة لهذا الخلل المؤسسي الحاصل في العلاقة بين السلطات وسهولة السيطرة عليها من قبل الطبقات الحاكمة المالكة للمال والإعلام والأمن، كما في كتاب “أفضل ديموقراطية يمكن شرائها بالمال” 3، “وكتاب “السيطرة الصامتة الرأسمالية العالمية وموت الديموقراطية”4 ، هذا هو الحال في الدول التي توصف بالديموقراطية بما بالنا بالحال في الدول غير الديموقراطية لا سيما التي يحكمها طبقة العسكريين التي تلجأ عادة إلى الوسائل الخشنة للسيطرة وليس الناعمة كما تفعل نظيرتها الغربية.
ينتهي هذا الجدل إلى أن عملية التحكم والسيطرة على السلطة القضائية باتت سهلة في أي دولة في العالم نظرا لوقوعها بين فكي ورحى المؤسستين التنفيذية والتشريعية اللتين يسهل الهيمنة عليهما من قبل طبقات النفوذ.
كما تثار تساؤلات أخرى حول ماهية الاستقلال المراد تحقيقه للقضاء، إذ ينصرف الحديث دائما عن السلطة التنفيذية باعتبارها الجهة التي ينبغي الاحتراز منها لتحقيق الاستقلال دون التطرق لموضوع آخر في غاية الأهمية يتعلق بالاطار المرجعي العام للقوانين السارية في بلادنا والتي تم اشتقاقها من القوانين الغربية( الفرنسية والانجليزية تحديدا)، بما يعنى أن السلطة القضائية وإن استقلت عن السلطة التنفيذية في بلادنا فإنها لاتزال تابعة لبلاد وثقافات أخرى، ولعل هذا المدخل يصلح كمقدمة لاستدعاء النقاش حول الشريعة الاسلامية مرجعا للقوانين والتشريعات سواء الحاكمة لأنماط العلاقات بين أفراد وتكوينات المجتمع أو الناظمة لعلاقة الدولة بالمجتمع.
ومن المفارقات الدالة في هذا الشأن أن المعترضين على استدعاء الشريعة كمرجع لعملية التقنين هم نفس الفئة المدافعة عن بقاء نظم القضاء في البلاد العربية تابعة لغيرها، الأمر الذى يدفع النقاش إلى معادلة مفادها إما الشريعة أو التبعية، بصيغة أخرى إما الاستقلال بالشريعة أو التبعية بالقوانين الأجنبية5 .
هكذا يكون استدعاء الشريعة من مدخل اشكالية التبعية والاستقلال، بيد أن هناك مدخلا آخر للنقاش ينطلق من النظر للشريعة باعتبارها منظومة حقوق وواجبات أنزلها خالق الكون والبشر الذي نعرف من أسمائه الحسنى، الرحمن الرحيم، الملك القدوس، العليم الحكيم الخبير، الحكم العدل، الحق الوكيل، المقسط الجامع، الغنى المغنى المانع، الضار النافع. إن هذا الخالق لا يعرف الظلم ” ولا يظلم ربك أحد “، ولا يعرف المحاباة “ولا يجرمنكم شنئان قوما أن تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى”، ولا يصدر عنه إلا أكمل العدل.
وقد عبر الإمام بن القيم الجوزية في كتابه ” اعلام الموقعين عن رب العالمين” عن هذا المعنى بعبارات أكثر دقة وبلاغة مما يستخدمه المعاصرون قائلا “إن الشريعة عدل كلها، رحمة كلها، مصلحة كلها، حكمة كلها، فأي مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، أو من الرحمة إلى ضدها أو من المصلحة إلى المفسدة، أو من الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن ادخلت فيها بالتأويل”.
انطلاقا من هذا المدخل تصبح المعادلة أكثر تركيبا، فالشريعة لا تحقق الاستقلال الوطني والقومي فقط بل تحقق العدل بين الناس جميعا بما يجعل المحكومين أحرص الناس على التمسك بها من الحكام، مثل هذا النقاش يثير مسألة أخرى تتعلق بتشريع البشر للبشر، ذلك لأن البشر وإن حاولوا الاجتهاد بعقولهم المستقلة للوصول للعدل فلن يصلوا إلى كماله وإن اقتربوا منه بل ربما يشرعن بعضهم الظلم ضد بعض، كما هو الحال في أغلب المجالس التشريعية المعاصرة، حيث تخرج القوانين دائما في صف أصحاب المال والسلاح والاعلام وغيرهم من طبقات النفوذ بينما يتواصل الضغط على طبقات الأغلبية من الفقراء والمهمشين وما ليس لهم صوت مسموع.
مثل هذا الجدل المركب يدفع باتجاه تحفيز العقول العربية لمراجعة هيكل العلاقة بين السلطات في الدول العربية –كما يفعل الغربيون أنفسهم- ومدى تحقيقه للأغراض التي استهدف تحقيقها والمخاطر التي تجنب الوقوع فيها، وصولا إلى نقد فكرة الاستقلال المزعوم للقضاء وطرح أفكار جديدة تستهدف إعادة تنظيم العلاقة بين هذه السلطات أو ابتكار شكل تنظيمي جديد، كما يساعد هذا الجدل النظري في عملية فهم وتفسير عمليات السيطرة والتلاعب بمنظومة القضاء المصري طوال فترات التاريخ المصري الحديث بدءا بفترة الخمسينات والسبعينيات والتسعينيات وصولا إلى حالة نموذجية خشنة منذ انقلاب 3 يوليو 2013 وحتى الآن.
كما يحفز هذا الجدل على عقد المقارنات بين نظام القضاء في التاريخ الإسلامي مقارنة بنظام القضاء الحديث وفق مستويات مختلفة تتضمن الأهداف والمنطلقات والآليات والنتائج وصولا إلى فكرة التشريع نفسها ومن أين تستقى ومدى تحقيقها لاستقلال القاضي في تحقيق العدل بين البشر ؟، حيث يختلف النموذجين تماما ما بين نموذج علماني يعتمد فكرة التشريع الوضعي المعد من قبل البشر ابتداء وانتهاء، وآخر يعتمد فكرة التشريع الإلهي المتجاوز للناس ابتداء مع السماح بتفاعل العقل البشرى تحت سقفه ومعاييره ويكفى الإشارة إلى التراث الفقهي والقضائي الواسع والمدارس المختلفة التي أسسها الأجداد عبر التاريخ الإسلامي لبيان تلك الخصيصة الجامعة بين المرجعية المتجاوزة والعقل المتفاعل في اطار الوقائع والأحوال المتغيرة.
ثانياً: السلطة والقضاء في مصر ـ استقراء تاريخي لجذور الأزمة
إذا انتقلنا إلى الحالة المصرية يمكننا ملاحظة وجود أزمة ممتدة عبر تاريخ مصر المعاصر على مستوى العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية، بدأت هذه الأزمة مبكرا وبشكل خشن منذ اعلان الجمهورية عام 1952 وسيطرة العسكريين على الحكم، فما أن أعلن العسكريون ازاحة الملك حتى قاموا بحل كافة الأحزاب وتعطيل الحياة النيابية، كما قاموا بإلغاء دستور 1923 الذى كان ينظم العلاقة بين السلطات الثلاث (الملك والحكومة باعتبارهم السلطة التنفيذية –البرلمان بمجلسيه يمثل السلطة التشريعية – المحاكم تمثل السلطة القضائية)، كل ذلك في اطار مسار عام لتأميم كافة مظاهر النشاط السياسي والحزبي والحقوقي في مصر آنذاك. نتيجة لذلك استطاع العسكريون الدمج بين سلطتي التنفيذ والتشريع في جهاز واحد يسمى (مجلس قيادة الثورة) والذي استمر منذ 1952 وحتى صدور دستور 1956، ثم أخضعت المجالس النيابية للسيطرة التامة للسلطة التنفيذية، وصار هذا المجلس بين أن يوجد تابعا للسلطة التنفيذية وبين ألا يوجد أصلا على مدى سنين عديدة، وصارت القوانين تصدر بقرارات من رئيس الجمهورية أو تصدر من المجلس النيابي – إن وجد – بما يحقق الأهداف الرئيسية لرأس السلطة.
أما القضاء وأجهزته فقد استخدم معه العسكريون أساليباً متنوعة للإخضاع والسيطرة، أولها حجب القضاء عن متابعة وتقويم أداء نظام الحكم في بعض المجالات، وذلك عن طريق قيام مجلس قيادة الثورة بإصدار تشريعات تقيد مجال التقاضي أحيانا، وتمنعه بالكلية في بعض المجالات التي رأى العسكريون فيها خطرا عليهم، فتم منع التقاضي مثلا في شأن الطلبة حتى يتمكن النظام من التعامل مع مظاهراتهم المضادة بغير رقابة قضائية، كما تم منع التقاضي في مسائل الجيش وغير ذلك من المجالات6 .
الاسلوب الثاني ويتعلق بإنشاء محاكم موازية لمحاكمة الخصوم السياسيين، سواء كانوا أحزابا سابقة مثل قيادات الوفد السابقة والأحزاب الأخرى، أو جماعات مثل جماعة الاخوان المسلمين، وذلك وفق ما سمى في السنوات الأولى: محكمة الغدر، ثم محكمة الثورة، ثم محكمة الشعب، وعلى هذا صار النظام في السنوات التي تليها، كلما أراد محاكمة خصم سياسي يتم تشكيل محكمة عسكرية موازية خارج نطاق القضاء الطبيعي بغض النظر عن طبيعة القضايا المحالة أو المنظورة سواء كانت لأفراد مدنيين أو عسكريين سابقين الخ.
كما اعتمد العسكريون في ذلك الوقت على مرفق النيابة العامة بحسبان أن لها وجه ارتباط واتصال بالسلطة التنفيذية وذات خبرة في مجال التحقيقات إلى جانب الأجهزة العسكرية والأمنية التي ظهرت فيما بعد مشاركة للنيابة العامة في هذا الشأن، وقد منحت النيابة العامة في ذلك الوقت وبخاصة نيابة أمن الدولة سلطات واسعة تشمل سلطات قاضى التحقيق فأصبحت تجمع بين سلطتي التحقيق والاتهام، وأفسح لها في هذا الشأن وخاصة في القضايا ذات الطابع السياسي.
لقد ظل نظام 23 يوليو على أسلوبي الحجب والمحاكم الموازية في إطار خطة لمحاصرة القضاء المدني وابعاده عن التأثير فيما يرى أنه يمس سياساته العامة إلى أن وصلنا لعامي 1954-1955 حيث حصل الصدام الخشن بين مجلس قيادة الثورة ومجلس الدولة المعني بالرقابة القضائية على نشاط أجهزة الدولة، ولم يشفع لرئيس المجلس آنذاك د. عبد الرزاق السنهوري مساندته لانقلاب 1952 وحشد التأييد القضائي في شهوره الأولى.
حيث دبرت مظاهرة اقتحمت مجلس الدولة ومكتب رئيس المجلس، وضرب المتظاهرون السنهوري في مكتبه، ثم صدر قانون بمنعه من الوظائف العامة بحسبانه كان وزيرا حزبيا في الأربعينيات، ثم في عام 1955 صدرت قوانين أعادت تشكيل مجلس الدولة وأسقطت حصانة أعضائه واستبعد خمسة عشر عضوا منه، وأعيد تنظيم المجلس على صورة تدعم السيطرة الفردية القانونية لرئيس المجلس الجديد الذي تولي منصبه بالأقدمية المطلقة بعد خروج السنهوري، وقد صيغت أوضاع مجلس الدولة بما يكلف عدم تكرار الصدام كما جري ابعاد المجلس عن المساس بالقوانين التي تمنع التقاضي مع الافساح للسلطة التقديرية في اصدار القرارات الإدارية ومراعاة تقديرات الأجهزة الإدارية في هذا الشأن7 .
بعد هزيمة 1967 اهتزت شرعية النظام وبات في حاجة لترميمها عبر وسائل مختلفة مع تكوينات الدولة والمجتمع لاسيما بعد نشوب اضرابات الطلبة في فبراير 1968 بشكل لم يسبق له مثيل منذ 1954، من هنا ظهرت في الأفق محاولات لطرح لما سمي بمشروعات الاصلاح القضائي والتي تبينت أهدافها فيما بعد في محاولة اجتذاب القضاة إلي تشكيلة النظام الحاكم لضمان التأثير الدائم على القضاة عبر فكرتين أساسيتين، الأولي مباشرة وتتعلق بالدعوة إلي ادخال القضاة في الاتحاد الاشتراكي وهو التنظيم السياسي الوحيد الذي أقامه النظام وقتها، والذي صيغت فكرته الأساسية على أنه تحالف قوي الشعب العاملة التي تمثلها الثورة، وقيل وقتها إن انضمام القضاة إلي الاتحاد الاشتراكي لا يعتبر اشتغالا بسياسة حزبية، لأن السياسة الحزبية تفيد تعدد الأحزاب تقوم بينها خصومات سياسية من واجب القضاة أن ينأوا بأنفسهم عنها، أما التنظيم الوحيد الذي يمثل الشعب، فهو بعيد عن ذلك.
أما الفكرة الثانية فطرحت تحت مسمي ” القضاء الشعبي ” أي أن يكون من بين من تشملهم المحاكم ويجلسون مع القضاة في نظر الدعاوى، سواء الجنائية أو المدنية أو الإدارية أناس يمثلون الشعب من غير القضاة وربما من غير القانونين أيضا، وقد وجدت لهذا الفكرة ارهاصات مبكرة في تكوين ما سمي “لجان فض المنازعات “بين الملاك المستأجرين في الأراضي الزراعية، وكان تشكيلها يشمل ممثلين عن الاتحاد الاشتراكي والجمعية التعاونية الزراعية، كما أن الفكرة ذاتها استخدمت في السبعينات في العهد التالي لنظام 23 يوليو، ووجدت أخطر تطبيق لها في عام 1977 عندما صدر قانون تنظيم الأحزاب السياسية، وتم تشكيل لمحكمة التي تنظر في قضايا الأحزاب من القضاة الخمسة للمحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة ومعهم خمسة من الشخصيات العامة، كما ظهر ذلك أيضا فيما سمي ” محكمة القيم “، وهما أخطر تطبيقين من تطبيقات هذه الفكرة، ظهرا في العهد التالي لنظام 23 يوليو في النصف الثاني من السبعينات وبقي منها إلي اليوم ما يتعلق بالأحزاب8 .
المهم أن فكرة ادخال القضاة إلي الاتحاد الاشتراكي، وفكرة ادخال غير القضاة في أعمال القضاة، كلتا الفكرتين واجهتا مقاومة شديد من القضاة وصلت ذروتها في بيان أصدره نادي القضاة في 28 مارس 1968 ضمنوه رفضهم الانضمام للاتحاد الاشتراكي، ورفضهم لفكرة القضاء الشعبي، وكانت انتخابات نادي القضاة قد أسفرت عن نجاح كبير لهذا الاتجاه وخسارة من كانت الحكومة تراهن عليهم، وهنا وقعت المذبحة الثانية للقضاء في العهد الناصري أواخر أغسطس 1969، إذ صدرت ثلاثة قوانين حلت بموجبها الهيئات القضائية جميعها (لمحاكم ومجلس الدولة)، وأعادت تشكيلها بعد أن أسقطت نحو 200 من أعضاء الهيئات القضائية، منهم رئيس محكمة النقض وبعض مستشاري محكمتها ونائب رئيس مجلس الدولة ومستشارون من محاكم الاستئناف وأعضاء من الدرجات الأدني من جميع الهيئات القضائية، ونقل بعض من أسقطت أسماؤهم إلي وزرات ومصالح أخرى، وترك البعض الآخر بغير عمل في أي جهة حكومية، فاشتغل بالمحاماة.
في هذا السياق أيضا لجأ نظام يوليو إلي أسلوب جديد من أساليب الهيمنة، ولكن هذه المرة من داخل منظومة القضاء عبر إنشاء المحكمة الدستورية في عام 1969 باسم ” المحكمة العليا ” لمراقبة دستورية القوانين وإلغاء ما لا يتفق مع الدستور من أحكامها، وصيغ هذا الأمر بطريقة تنبئ عن أن إنشاء هذه المحكمة كان كسبا قضائيا وتطوير للوظيفية القضائية لمراقبة دستورية القوانين، ولكن طريقة إنشاء المحكمة واختيار أعضائها وجعل مدة العضوية فيها ثلاث سنوات قابلة للتجديد، وتفاصيل الأحكام الخاصة بها، كشف أن المقصود من إنشائها كان في الأساس لحجب المحاكم المدنية والإدارية عن مناقشة دستورية القوانين واللوائح وفقا للمبادئ التي كانت قد أرسيت من 1948 في هذا الشأن، ولذلك نص القانون على أن يكون النظر في دستورية القوانين اختصاصا حصريا لهذه المحكمة دون غيرها.
كما جري تشكيل المجلس الأعلى للهيئات القضائية برئاسة رئيس الجمهورية وينوب عنه وزير العدل، وضم إليه الرؤساء من رجال القضاء ومجلس الدولة، كما ضم إليه من غير جهات القضاء كلا من إدارة قضايا الدولة والنيابة العامة، ويمثل كل منها رئيسها، وصار هذا المجلس مما يربط شؤون القضاة بوزارة العدل بوصفها ممثلة للسلطة التنفيذية9 .
السلطة والبرلمان في مصر: اثنين في واحد
تزداد فرضية “الاستقلال المحاصر” انطباقا على الحالة المصرية إذا أضفنا إليها واقع العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية خلال الستة عقود الماضية والتي يمكن وصفها بعبارة موجزة ” اثنين في واحد “، أو ” واحد في اثنين “، وفقا لاختلاف درجة تعامل النظم السياسية المتعاقبة على حكم مصر في التعامل مع منظومة القضاء ما بين نظام لا يجيد إلا التعامل الخشن وآخر احترف التعامل بالالتفاف الناعم. بدأت نزعة تركيز السلطات في يد واحدة بعد انقلاب 1952 مباشرة، حيث قام مجلس قيادة الثورة بتعطيل الدستور وحل البرلمان (بمجلسيه) ومنح صلاحياته إلي نفسه ليصبح مخولا بإصدار التشريعات والقوانين وجامعا بين سلطتي التشريع والتنفيذ كما سبق الإشارة، ويبدو أن فكرة إعادة تشكيل البرلمان مرة أخري لم تكن على أولويات العسكريين في ذلك الوقت، حيث استمرت فترة عبد الناصر ثماني عشر سنة افتقد فيها البرلمان تسع سنوات، وحينما وجد كان مشكلا من تيار واحد مؤيد للنظام بعد حل كل الأحزاب ولم يلحظ له أثر في رسم السياسات العامة أو اقرارها مقارنة بما يصدر من رئاسة الجمهورية في ذلك الوقت من قرارات.
استمرت تلك المعادلة خلال العهود التي تلت عبد الناصر، ولكن بطريقة أخري أكثر دهاء وأقل خشونة، فقد سمح السادات ومبارك بتعدد الأحزاب حتي قارب عددها على العشرين حزباً، ولكنهما عمدا إلي افراغ تلك الأحزاب من فاعليتها السياسية بقدر الإمكان، فصارت بعض الأحزاب موقوفة أو مجمد نشاطها، وبعضها لافتة على مقر دون فاعلية فصار التندر عليها بوصف “الأحزاب الكرتونية”، والبعض الآخر صار ملحقا بالدولة بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وبعضها مضيق عليه الخناق، بينما حرم من الوجود الشرعي كل حركة أو كتلة يتوقع لها وجود فعلي وفاعلية حقيقة، الأمر الذي جعل حالة الحياة النيابية أقرب إلي حالة نظام الحزب الواحد من الناحية الفعلية رغم الشكل التعددي المعلن.
في ظل هذه الحالة الحزبية المصطنعة أو المزيفة وجد مجلس الشعب على الدوام مدي ثلاثين سنة مشكلا من حزب النظام بشكل أساسي عبر انتخابات غير تنافسية لم تخل من عمليات التفاف وتزوير يعلمها القاصي والداني حتي صارت محل تندر وسخرية من قبل المصريين وتداول الناس بشأنها نكات شهيرة. وجد المجلس بشكل منتظم على مدار ثلاث عقود متوالية ولكن كانت ست عشرة سنة منها من عام 1984 إلي عام 2000، قد حكمت المحكمة الدستورية ببطلان تشكيل مجالس الشعب الأربعة التي شكلت خلالها، ولم يطق النظام في أي منها معارضة لا تزيد على بضعة عشر أو بضعة وعشرين عضوا مما يجاوز أربعمائة من الأعضاء، ولا أطاق أن تصل المعارضة في عام 1987 إلي نحو 22% من الأعضاء10 .
وفق هذه المعادلة صارت الحكومة متحكمة تماما في المجلس التشريعي وصارت أغلب قوانين وقرارات المجلس تصدر من قيادة الدولة التنفيذية، والحزب ذو الثبات والدوام فيه لثلاثين سنة هو حزب الحكومة بأغلبية لم تقل عن 90% إلا مرة واحدة قلت عن 78% في انتخابات 2005، كما جري استخدام “برلمان الحكومة” في تأمين عملية الوصول لمنصب رئيس الجمهورية عبر النص في الدستور 1971 على حصر طريقة اختياره بالاستفتاء الشعبي دون منافسة وبدون دخول في معركة انتخابية على أن يتم ترشيح المتقدم من قبل مجلس الشعب –مجلس الأمة وقتها –بأغلبية الثلثين، الأمر الذي جعل حزب الحكومة مسيطر فعليا على السلطتين التنفيذية والتشريعية بشكل مباشر.
تعليق القانون الاعتيادي في مصر: حالة الطوارئ نموذجاً
تزداد الصورة وضوحا إذا أضفنا إليها واقع حالة الطوارئ التي لم ينقطع فرضها منذ الخمسينات وحتي الآن، فقانون الطوارئ الموجود حاليا هو نفسه القانون الموجود منذ سنة 1958، رغم تغير دساتير مصر عدة مرات منذ العشرينات وحتي الآن لتصل إلي أربعة عشر تغييرا (شاملة الاعلانات الدستورية)، بينما لا تجد سوي ثلاثة قوانين طوارئ فقط ثابتة رغم كل هذا التغير الدستوري، فقد صدر قانون 1923، ثم قانون 1954 في بداية الثورة أو الانقلاب ثم قانون سنة 1958 المستمر حتي الآن. وقد فرضت حالة الطوارئ في تاريخ مصر المعاصر في أوقات كثيرة بدأت عام 1939 ثم ألغيت ثم طبقت من جديد، ودائما ما كانت تفرض في حالات الحروب ما عدا مرة واحدة وهي حريق القاهرة سنة 1952. فقد فرضت مع الحرب العالمية الثانية ومع حرب فلسطين 1948، ومع العدوان الثلاثي سنة 1956، كما فرضت سنة 1967 مع العدوان الإسرائيلي، أما فترة مبارك فهي أطول فترة تفرض فيها حالة الطوارئ دون انقطاع على مدار أكثر من ثلاثين عاما، وكانت تجدد كل سنة ثم أصبحت كل ثلاث سنوات، وفرضت في غير حالة حرب، بل على العكس فرضت في ظل معاهدة السلام مع اسرائيل، ولم ترفع حالة الطوارئ إلا سنوات قليلة بعد ثورة يناير 2011 ثم عادت مرة أخري منذ انقلاب 3 يوليو 2013 ومازالت مستمرة حتى الآن.
وحتي نفهم علاقة حالة الطوارئ بموضوع حالة منظومة العدالة في مصر وحكم القانون، يمكن القول بأن حالة الطوارئ هي الحالة السلبية للدستور، فالدستور يقول فصل السلطات واستقلال السلطة التشريعية، وحالة الطوارئ تجعل الحاكم العسكري يستطيع أن يصدر أوامر لها قوة القانون، وحتي إن لم يصدر ولكنها موجودة عند اللزوم، والسلطة القضائية الموجودة لا تستطيع إنشاء محاكم خاصة، لكن مع وجود حالة الطوارئ يمكن تشكيل محاكم أمن دولة طوارئ وهذه المحاكم لازالت موجودة، وتستطيع أيضا بموجب قانون الأحكام العسكرية المادة (6) في الفقرة (2) منه أن تقول إنه في حالة الطوارئ يمكن لرئيس الجمهورية أن يعرض مسائل معينة على القضاء العسكري، والمقصود قضايا مدنية يحاكم فيها مدنيون أمام القضاء العسكري، ولا تتوافر هذه الامكانيات إلا في حالة الطوارئ.
بموجب الطوارئ إذن توجد إمكانية القضاء الاستثنائي والتشريع الاستثنائي، وهي بهذا المعني الوجه السلبي للدستور، ومن المفارقات الدالة في هذا السياق أن تستغرق المحكمة الدستورية العليا عشرين عاما للفصل في طعن مرفوع أمامها منذ ابريل1993 بشأن عدم دستورية أحد بنود قانون الطوارئ الخاصة بتخويل رئيس الجمهورية سلطة الترخيص باتخاذ إجراءات القبض والاعتقال والتفتيش عند إعلان حالة الطوارئ 11.
كما استغرقت نفس المدة تقريبا للفصل في طعن مرفوع أمامها منذ نوفمبر 1955 من قبل بعض أعضاء جماعة الاخوان المسلمين يطالب بعدم دستورية البند (2) من نص المادة (6) من قانون الأحكام العسكرية الصادر عام 1966 وما ترتب عليه من أحكام 12.
ومن المثير للدهشة في هذا السياق أن يتزامن توقيت قبول الدستورية للطعن الأول مع التحضيرات المتسارعة لتظاهرات 30 يونيو بالتحديد في تاريخ (2 يونيو 2013)، وتتزايد هذه الدهشة بالنظر لمضمون الطعن المقبول من المحكمة والخاص بتقييد سلطة رئيس الجمهورية في حالة الطوارئ، أما الطعن الثاني ضد قانون الأحكام العسكرية فقد صدر بالرفض بتاريخ (8 نوفمبر 2014)، أي بعد أربعة عشر عاما من قضاء المتظلمين لمدة الحبس العسكري آنذاك (خمسة سنوات) وخروجهم عام 2000 13 .ولا عجب أيضا أن يأتي رفض الطعن المشار إليه بعد عام تقريبا من اعتقال العسكريين لنفس الأشخاص مرة أخري بعد انقلاب 3 يوليو 2013.
انطلاقا من هذا العرض التحليلي لطبيعة العلاقة بين السلطات الثلاث في مصر، يمكن القول بأن السلطة القضائية تعرضت لأشكال مختلفة من الحصار الممنهج طوال فترات التاريخ المصري المعاصر بدءاً من انقلاب 1952 ومرورا بالنظم السياسية المتعاقبة. وقد تنوعت وسائل هذا الحصار واختلفت درجاته من نظام لآخر ما بين متحايل يجيد الالتفاف وآخر يفضل المواجهة الخشنة كما فعل عبد الناصر في مذبحتي القضاء 1954 و1969، وعادة ما يهدف هذا الحصار المتواصل إلى إبعاد القضاة بطريقة أو بأخرى عن تقييم قرارات وممارسات السلطة تجاه المجتمع ومكوناته المختلفة، بما يعني في التحليل الأخير أن مقولة ” استقلال القضاء ” تجاه السلطة السياسية لم تتحقق في مصر إلا بشكل نسبي محدود على فترات متقطعة خلال العقود السبعة الماضية.
ثالثا: ما بعد ثورة يناير 2011 ـ ظاهرة التطوع القضائي في خدمة السلطة
عانت السلطة القضائية من حالة حصار دائمة متعددة الأشكال بهدف السيطرة على مر تاريخ مصر المعاصر، بيد أن ثمة ظاهرة جديدة كشفت عنها ثورة يناير 2011، وما تلاها من أحداث وتطورات سياسية وازدادت وضوحا بعد انقلاب 2013 وما لحقه من تطورات. تلك الظاهرة تتعلق بالمشاركة التطوعية للقضاة في دعم أنظمة الفساد والاستبداد المتحكمة في مصر منذ عقود والتي عانى منها القضاة أنفسهم خلال فترات سابقة، بما يعني أن تحولا جذريا قد جري في مواقف القضاة من أنظمة الاستبداد (من موقع المفعول به المقاوم إلى موقع الفاعل المشارك بالاستجابة أو التطوع).
اتخذت ظاهرة التطوع القضائي أشكالا مختلفة منذ الفترة الانتقالية بعد ثورة يناير وصولا إلي انقلاب 3 يوليو وما بعده لتشمل كافة مفاصل منظومة العدالة في مصر بداء من المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء ومروا بنادي القضاة وانتهاء بوزارة العدل ومرفق النيابة العامة بما يعني أن حركة القضاة في ذلك الوقت لم تكن فردية أو قطاعية، ومن المفارقات الدالة في هذا الشأن أن حركة القضاة خلال تلك الفترة كانت باتجاه دعم عودة النظام القديم واعاقة مسار الثورة وعرقلتها، وفقا لما سيأتي شرحه وتناوله عبر ثلاثة عشر مشهدا نماذجيا وقعت بعد ثورة يناير 2011
المشهد الأول: قاضية دستورية تحرض العسكر على البقاء:
بدأت أولي ارهاصات وخيوط هذه الظاهرة مبكرا داخل أروقة المحكمة الدستورية العليا” أعلي محكمة قضائية في البلاد”، بالتحديد في سبتمبر 2012 عندما كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن وجود علاقة مباشرة بين المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية والمجلس العسكري الحاكم للبلاد وقتها وذلك عبر سلسة لقاءات أجرتها المستشارة –ثم نفت حدوثها -مع ديفيد باترك مدير مكتب الصحيفة بالقاهرة والصحفية المصرية مي الشيخ وقد قاما الأخيرين بتجميع تلك اللقاءات ونشروها في تحقيق بعنوان ملفت للمضمون” قاضية ساعدت المجلس العسكري لإحكام يده على السلطة”14 ، وقد اضطر ديفيد باترك ومساعدته إلي الإدلاء بشهادتهما على تلك اللقاءات أمام المكتب الفني للنائب العام آنذاك على خلفية نفي المستشارة لحدوث حوار صحفي خاص وبلاغ مقدم من النائب البرلماني محمد العمدة.
أدلي الشاهدان بأن المستشارة تهاني استقبلتهما في مكتبها الخاص بالمحكمة الدستورية العليا، وقدموا للمحققين صورا لهما مع الجبالي داخل مكتبها ومستندات أخري للاستماع، وقال الشاهدان إن الجبالي تحدثت معهم عن موضوعات عديدة تتصل بعلاقتها بالحكومة والمجلس العسكري، أبرزها نصيحتها للمجلس العسكري بعدم تسليم السلطة للمدنيين قبل كتابة الدستور الجديد للبلاد، ومساعدتها للحكومة في صياغة مجموعة من المبادئ الدستورية الملزمة واللازمة لحماية الحريات وتمنح الجيش صراحة حكما ذاتيا واستقلالية تامة عن مؤسسات الدولة، فضلا عن إعطائه سلطة رادعة للتدخل في شئون السياسة وهو ما عرف ساعتها “بوثيقة السلمى” أو وثيقة المبادئ فوق الدستورية”، والتي قبلها المجلس العسكري وكاد يصدرها كإعلان دستوري مكمل لولا المظاهرات العنيفة التي اندلعت وأدت إلي مقتل 46 شخصا .
ونقل الشاهدان عن الجبالي قولها بأن بداية تعاملها المباشر مع المجلس العسكري بدأت منذ شهر مايو 2011 بعد مظاهرة كان أغلبها من التيارات الليبرالية والعلمانية للمطالبة بكتابة الدستور أولا قبل اجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، كما اعترفت الجبالي بأنها أرسلت للمجلس العسكري تحثه على وقف أي انتخابات خشية سيطرة التيار الإسلامي على البرلمان مشيرة إلي أنها تلقت اعترافا من أعضاء المجلس العسكري بأنها كانت على حق وأنهم أخطأوا حين أجروا الانتخابات البرلمانية أولا، وكان الاعتذار بعبارة صريحة “لقد كنت على حق “. وأشار الشاهدان إلي أن الجبالي أبدت دعمها صراحة في ضرورة أن يكون وضع المؤسسة العسكرية في مصر مثل وضع المؤسسة العسكرية بتركيا مشيرة إلي أن الجيش في مصر يختلف عن الجيوش الأخرى لأن مكانته تحتم عليه أن يقوم بحماية الشرعية الدستورية والدولة المدنية .15
كشفت هذه الإرهاصات المبكرة عن انخراط بعض القضاة من ذوي الرتب الحساسة -في أعلي محكمة قضائية -في العمل السياسي العام بمفهومه الحزبي والصراعى، فأصبحنا أمام قاضية لا تتورع عن التواصل مع جنرالات الجيش وتحريضهم بشكل مباشر على عدم تسليم السلطة للمدنيين والبقاء في الحكم فترة أطول، وعدم اجراء أي انتخابات برلمانية أو رئاسية بل ودعوتهم إلى كتابة الدستور تحت أعينهم وحثهم على التمسك بوضع استقلالي تام للجيش بل وأحقيته في التدخل في الشأن السياسي العام.
المشهد الثاني: الدراما القضائية.. أسرع حكم يتم تنفيذه في تاريخ مصر:
لعل مثل هذا التواصل المبكر بين المجلس العسكري وقضاة المحكمة الدستورية يفسر طريقة الحل الدراماتيكية لمجلس الشعب ( المنتخب في 28 نوفمبر 2011 ) وذلك أثناء عمليات الاقتراع بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ( 14 يونيو 2012)، الأمر الذي رفع من وتيرة الشكوك المثارة حول علاقة المحكمة بالمجلس العسكري، كما دفع النائب محمد العمدة إلي طلب الحصول على شهادة من المحكمة الدستورية تثبت قيامها بإصدار حكم واحد منذ عام 1969 من أول جلسة بعد ورود تقرير هيئة المفوضين إليها كما في حكم حل مجلس الشعب المشار إليه 16 . لعل من الطريف أيضا الإشارة إلى توقف المحاكم عن نظر القضايا أثناء الانتخابات لانشغال أغلب القضاة في عملية الاشراف عليها، وعادة ما تؤجل القضايا التي يتصادف موعد نظرها مع أيام الانتخابات.
ويكاد الشك أن يسمي نفسه يقينا، إذا علمت أن المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري الحاكم ساعتها أصدر قرارا بتنفيذ الحكم بعدها بيومين فقط (16 يونيو) ومنع دخول النواب السابقين إلي المجلس إلا بتصريح وإخطار مسبق 17. كما أصدر المجلس العسكري في اليوم التالي مباشرة –بعد اغلاق باب الاقتراع تحديدا- اعلانا دستوريا مكبلا للرئيس المرتقب فوزه وصف ساعتها بالإعلان المكمل. نص هذا الاعلان على تقاسم السلطة بين الرئيس والمجلس العسكري فضلا عن النص الحصري على اختصاص المجلس العسكري بكل شؤون الجيش، كما ألزم الرئيس بأداء اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا في حالة غياب البرلمان.18 كما تبع ذلك تأخر اعلان النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية لمدة عشرة أيام، واضطر الرئيس مرسي بعد ذلك أن يحلف اليمين أمام المحكمة الدستورية استجابة للإعلان -الذي ألغاه بعد ذلك- مع مراوغة لاحقة بتكرار حلف اليمين مرتين تاليتين، أحدهما بميدان التحرير والأخرى بجامعة القاهرة.
وتجدر الاشارة –لاستكمال الصورة- إلي ما أعلنه رئيس مجلس الشعب المنحل د. سعد الكتاتني في مارس 2012 من تلقي تهديد مباشر من رئيس الحكومة وقتها د. كمال الجنزوري بحل المجلس عن طريق المحكمة الدستورية إذا أصر على طلبه بإقالة الحكومة، وهو ما دفع جماعة الاخوان المسلمين إلي اصدار بيان يندد بالواقعة ويحذر المجلس العسكري من تزوير الانتخابات الرئاسية وتسيس المحكمة الدستورية19 . لم يكن غريبا في ظل هذه الدلائل المتلاحقة أن يفكر الرئيس مرسي مبكرا في استعادة المجلس، إذ لم يمر اسبوع على حلفه اليمين حتي أصدر قرارا بإلغاء حكم الدستورية وعودة البرلمان لممارسة مهام عمله مستندا على قاعدتي الموائمة في تنفيذ الأحكام القضائية وسد الفراغ التشريعي على أن تجري انتخابات مبكرة للمجلس خلال 60 يوما من تاريخ موافقة الشعب على الدستور الجديد، والانتهاء من قانون مجلس الشعب20 ، إلا أن هذا القرار قد واجه هجوما شديدا من القوي المعارضة، وكان من اللافت للنظر انضمام عدد من البرلمانيين المنتخبين (من خلفيات ليبرالية ويسارية وقومية)21 إلي معارضة قرار عودة مجلسهم في مفارقة مدهشة خاصة وأن نبرتهم في التعبير عن هذا الرفض كانت حادة للغاية22 ، كما قوبلت فكرة اللجوء الي استفتاء شعبي حول حل المجلس من عدمه بنفس الهجوم مما أضطر الرئيس إلي التراجع وسحب القرار بعد 48 ساعة فقط من اصداره تزامنا مع تهديدات من بعض القضاة بالأضراب 23 ، للمرة الأولي من نوعها مقارنة بفترات تاريخية سابقة وحالات متشابهة في التسعينيات.
حالة التسعينات وما جري فيها:
تلقت المحكمة الدستورية طعنا في دستورية بعض مواد قانون الانتخابات البرلمانية (ابريل 1987)، وقد ظلت المحكمة تدرس الطعن حوالي ثلاث سنوات لتصدر حكمها النهائي في 19 مايو 1990 بعدم دستورية بعض مواد القانون واعتبار تكوين المجلس “باطلا منذ انتخابه”، في تعبير مشابه لما ورد بحكمها في 2012. الملفت أن الرئيس حسني مبارك لم ينفذ الحكم وقتها بشكل صريح أو فورى، واستمر المجلس قائما نحو 4 أشهر إلي أن صدر قرار من مبارك في 26 سبتمبر من نفس العام بوقف جلسات المجلس وعرض مسألة بقائه في استفتاء شعبي جري في 11 اكتوبر 1990 استنادا إلي صلاحياته في دستور 1971. اعتبر هذا القرار بمثابة التفاف على حكم المحكمة ببطلان المجلس منذ انتخابه، وتلقت المحكمة دعوي منازعة تنفيذ في 4 اكتوبر 1990 تشبه التي تلقتها بشأن قرار الرئيس مرسى، وطلب المدعي الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية الصادر بدعوة الناخبين إلي الاستفتاء على حل مجلس الشعب في يوم 11 أكتوبر شاملا جميع آثاره، مع الحكم تبعا لذلك باستمرار تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 19 مايو سنة 1990 بعدم دستورية المادة الخامسة مكرر من قانون مجلس الشعب، وبطلان عضوية أعضاء المجلس وتشكيله .
وكانت المفاجأة قبل الاستفتاء بيومين ( 9 اكتوبر )، متمثلة في اصدار المحكمة قرارا بعدم الاختصاص بنظر دعوي منازعة التنفيذ، استنادا إلي أن قرار رئيس الجمهورية يعد عملا من أعمال السيادة التي لا تخضع لرقابة القضاء، وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن استبعاد أعمال السيادة من ولاية القضاء يرجع إلي اتصالها بسيادة الدولة في الداخل والخارج وفي أنها لا تقبل بطبيعتها أن تكون محلاً للتقاضي لما يحيط بها من اعتبارات سياسية تبرر تخويل السلطة التنفيذية سلطة تقديرية أوسع مدي وأبعد نطاقاً تحقيقاً لصالح الوطن وسلامته دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه من إجراءات في هذا الصدد، كما اعتبرت المحكمة أن مسألة النظر في أعمال السيادة أو التعقيب عليها يقتضي توافر معلومات وعناصر وموازين تقدير مختلفة لا تتاح للقضاء وذلك فضلاً عن عدم ملاءمة طرح هذه المسائل علناً في ساحات القضاء 24. لعل هذه الحالة تؤيد تحدي النائب محمد العمدة الذي سبق الإشارة إليه أعلاه.
المشهد الثالث: أعلي محكمة تطالب بسرية الموازنة:
ظل المشهد السياسي على حالته بين الشد والجذب إلي أن وصلنا إلي الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور في نوفمبر 2012، لنكتشف أن أعلي محكمة قضائية في البلاد تطالب الجمعية بالنص على عدم إلزامها بالإفصاح عن ميزانيتها في الدستور إلا بطريقة مجملة وفقا ما سمي وقتها ب” موازنة الرقم الواحد” على غرار القوات المسلحة25 ، وهو ما أثار حفيظة أغلب أعضاء اللجنة حتي قال أحدهم مستنكرا على المستشار حاتم بجاتو ممثل المحكمة الدستورية ” هل أصبحت ميزانية المحكمة أمن قومي هي الأخرى”26 ، كما اعترضت المحكمة –بدون مبرر مقنع- على اتجاه اللجنة لجعل الرقابة على قوانين الانتخابات سابقة وليست لاحقة استنادا إلي رغبتهم في عدم اهدار المخصصات المالية المنفقة على الانتخابات والتي تصل إلي مليار جنيه في كل انتخابات تقريبا. في نهاية المطاف رفضت أغلب مطالب المحكمة ولا ندري هل كان ذلك سببا اضافيا لتفسير مواقف قضاة المحكمة الدستورية فيما بعد أم لا.
ولا يخفي على أحد من المختصين بالشؤون الرقابية والحسابية ما تعنيه موازنة الرقم الواحد وما يلحقها من شبهات تتعلق بتسهيل عمليات الفساد والافساد، بيد أن ما يراه كثيرون بابا للفساد يراه القضاة ضمانة للاستقلال، إذ رأي ممثل المحكمة الدستورية في لجنة الخمسين المعينة لصياغة الدستور في عام 2014، أن ادراج الموازنة مفصلة سيسمح للسلطة التنفيذية باختراق القضاء بشكل أو بآخر وسيكون وسيلة للتدخل في شئون القضاء بالترغيب أو الترهيب والمنح والمنع، وهو منطق غريب لا ينطلي على عقل أي مواطن بسيط فما بالك بالمختصين في شؤون المالية والرقابة والمحاسبة. في نهاية المطاف حصلت الدستورية على مرادها ولا ندري هل لهذا علاقة بوجود المستشار عدلي منصور على في مكان رئيس الجمهورية ساعتها أم أن ذلك نظير خدمات أخري في الفترة الانتقالية27 .
ويشير مثل هذا الوضع إلى خلل متصاعد في رؤية مؤسسات الدولة المصرية لوضعها بالنسبة لبقية المؤسسات والنظام القانوني الساري في البلاد، ولا نغفل الإشارة في هذا السياق إلى حقيقة كون المؤسسة العسكرية المبتدع الأول لتلك الحالة وأن غيرها مقلد، كما لا نغفل التنويه إلي عواقب مثل هذا الوضع المؤسسي المختل وما ينتج عنه من تفكك ناعم للدولة عبر انقسامها إلي أقاليم وجزر مؤسسية منفصلة ومنعزلة تتصارع على النفوذ والموارد وتسعي لتحقيق أكبر قدر ممكن من الحكم الذاتي.
ويلاحظ المتابع لتطورات المشهد القضائي أن نزعة الاستقلال الذاتي انتقلت كالعدوي إلي هيئات قضائية أخري ذهبت بعيدا في المطالبة بالاستقلال ليشمل عدم الخضوع للرقابة المالية من بعض أجهزة الدولة الرقابية وفقا لقتوي صادرة من قسمي الفتوي والتشريع بمجلس الدولة تفيد بعدم خضوع قضاة مجلس الدولة أو أعضاء أي جهة أو هيئة قضائية أخرى، لأحكام قانون الكسب غير المشروع28 .
وجاء في حيثيات الفتوي أن قانون الكسب غير المشروع -بحسب مادته الأولى- يطبق على القائمين بأعباء السلطة العامة، والعاملين بالجهاز الإداري للدولة، ورئيس وأعضاء مجلس الشعب، ورؤساء وأعضاء المجالس الشعبية المحلية، ورؤساء وأعضاء الهيئات العامة، وفئات أخري عدة ليس من بينها بنص صريح أعضاء الجهات والهيئات القضائية بصفة عامة أو مجلس الدولة بصفة خاصة. وقد لاقت هذه الفتوي ترحيبا كبيرا من القضاة، إذا اعتبروها تعزز الاستقلال الذي صار قرينا لديهم بعدم المحاسبة أو الرقابة من أي جهة، كما صار قرينا بموازنة الرقم الواحد. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلي تورط عدد من القضاة والمستشارين في قضايا تربح وفساد بقطاع الأراضي منهم المستشار عادل عبد الحميد29 ، والمستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة30 ، ومن المفارقات أن كلاهما شغلا منصب وزير العدل في الفترة من 2013 وحتي 2016، ولعله لم يكن غريبا أن تحفظ التحقيقات مع أحدهما بعد 3 يوليو 2013 31.
لم يكن غريبا في هذا السياق أن تحدث صراعات جانبية بين أصحاب الجزيرة القضائية الواحدة حول الموارد والغنائم المكتسبة، وقد بدت ملامح ذلك الصراع الكامن واضحة في أزمة ” المساواة في الرواتب”، حيث طالب قضاة مجلس الدولة ومحاكم الاستئناف بمساواة رواتبهم برواتب قضاة المحكمة الدستورية العليا، استناد إلي حكم قضائي صادر من محكمة النقض يؤيد فكرة المساواة بين رواتب القضاة عامة، ويطالب المحكمة الدستورية بالكشف عن رواتب قضاتها. الطريف في الأمر أن ترفض الأخيرة طلب زملائها في الهيئات القضائية الأخرى، ولا ندري ما سر هذا الرفض خاصة وأن متحمل التكلفة هي وزارة المالية وليست المحكمة، بيد أن أقرب تفسير –من وجهة نظري – يتعلق بخشية قضاة الدستورية من عواقب غضب السلطة التنفيذية التي منحتهم وضعا استثنائيا خاصا في الدستور لا يشمل غيرهم من الهيئات القضائية، الأمر الذي يعني وضع الحكومة أمام معادلة حرجة قد تضطرها إما إلي رفع رواتب آلاف القضاة اسوة بما لا يتخطى عشرين قاضي بالمحكمة الدستورية وهذا يتطلب مليارات الجنيهات، أو خفض رواتب الأخيرة أسوة بزملائهم بما يوفر ملايين تعد على الأصابع.
ومن المفارقات الدالة في هذا السياق أن تستخدم المحكمة الدستورية الوضع الاستثنائي المقر لها بالدستور في وجه زملائها من القضاة عبر استخدام نفس السلاح الذي رفعه القضاة متمثلا في ” الأحكام القضائية”، فقد أصدرت المحكمة الدستورية حكمين بعدم الاعتداد بحكمين جديدين صدرا من محكمة استئناف القاهرة (ابريل 2016)، ومحكمة النقض(مارس 2017) اضافة رفضها حكمين آخرين في نفس الموضوع صدرا خلال 2014 من نفس المحاكم، واعتبر المحكمة موازنتها شأنا لا يجوز لأحد أن يناقشه سوي أعضاء المحكمة أنفسهم دون غيرها من الجهات القضائية ومن ثم فإنه لا يجوز تناول الوضع المالي أو كشفه إلا بموافقة الجمعية العامة للمحكمة، أو بحكم صادر من جهة ذات ولاية قضائية (ومحكمتي الاستئناف والنقض لا يعتد بهما من وجهة نظر الدستورية)32 . ومن النتائج الطريفة في هذا النزاع أن أول استخدام سياسي لموازنة الرقم الواحد كان في مواجهة قضاة، وذلك منطق الاستقلال.
هذه ثلاثة مشاهد نماذجية تؤكد حالة الشعوبية المؤسسية التي تسعي إليها السلطة القضائية، موازنة الرقم الواحد في الدستور، وفتوي بنزع ولاية جهاز الكسب غير المشروع على القضاة، ومؤسسة قضائية عليا ترفض الكشف عن رواتبها أمام زملائها كما ترفض مساواتها بزملائها من نفس المهنة.
المشهد الرابع: الزحف المقدس…القضاء كتركة لميراث الأبناء:
يضاف إلي تلك المواقف تصريحات أخري للمستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة يصدم فيها الجميع حول أحقية أبناء القضاة في التعيين في سلك النيابة والقضاء ردا على الجدل المتصاعد بعد ثورة يناير حول معايير الدخول إلي مؤسسات الدولة القضائية والأمنية والدبلوماسية تحديدا في ظل واقع يعتمد على معايير الوراثة والوساطة والمحسوبية منذ عقود حتي صارت بعض العائلات تشغل عدد لا يستهان به من الوظائف لثلاث أجيال متعاقبة، بحيث صارت ظاهرة وجود الجد والإبن والحفيد فضلا عن أقاربهم من الدرجة الأولي والثانية في نفس المؤسسة من الأمور العادية التي لا تستعدي استنكار العاملين في تلك الكيانات أو المؤسسات الأخري ذات الطابع المشابه في نمط التعيين.
استخدم الزند عبارات منفعلة حادة للتعبير عن تمسكه بأحقية أبناء القضاة في التعيين، وذلك على هامش لقائه مع أعضاء نادي القضاة بمحافظة المنوفية في مارس 2012 ” من يهاجم أبناء القضاة هم الحاقدون والكارهون ممن يرفض تعيينهم، وسيخيب آمالهم، وسيظل تعيين أبناء القضاة سنة بسنة ولن تستطيع قوة في مصر أن توقف هذا الزحف المقدس إلي قضائها”33 ، ولم ينسي الزند في ذلك اللقاء أن يؤكد على دعمه للمجلس العسكري والقرارات التي تصدر منه رغم حالة السخط الشعبي المتزايدة آنذاك ضد المجلس لمماطلته في تسليم السلطة وأحداث القتل المتكررة التي وقعت في عهده.
لم يكتف الزند بتلك التصريحات بل ذهب أبعد من ذلك عندما دعا أعضاء نادي القضاة لتحرير توكيلات للمستشار القانوني، لرفع دعاوي قضائية، تطلب تعيين أبناء القضاة الحاصلين على تقدير مقبول للعمل في القضاء، حيث يتطلب الالتحاق بالسلك القضائي حصول المتقدم على تقدير جيد على الأقل .34 كما سبق دفاع الزند عن تعيين أبناء القضاة، تصريح آخر له علاقة بالتعيين في القضاء أيضًا، إلا أنه احتوي هجوما على أوائل خريجي كليات الحقوق، الذين تظاهروا أمام دار القضاء العالي للمطالبة بالتعيين في النيابة العامة. وقال الزند، خلال اجتماع الجمعية العمومية لمحكمة استئناف القاهرة، في سبتمبر 2011 “المستشار حسام الغرياني، رئيس محكمة النقض، رئيس مجلس القضاء الأعلى، استقبل المتظاهرين الغوغاء الذين يسبون القضاء ورموزه في مكتبه، وعدم تعيينهم في النيابة قضيتي، ودونها الموت”35 . لم يكن موقف خريجي كلية الحقوق هو المرة الأولي التي يستخدم فيها المستشار الزند وصف “غوغاء”، فكان قد استخدمها قبلها ببضعة أشهر، إبان ثورة 25 يناير، حين وصف المشاركين في الثورة بـ”الغوغاء والعامة”، قبل أن يتراجع حينما سقط نظام مبارك، ليؤكد أن تصريحه فُهم بشكل خاطئ.
المشهد الخامس: احنا السادة وغيرنا العبيد:
توجت تلك المواقف الاستعلائية بتصريحات أخري في يناير 2014 استخدم فيها الزند مفردات تشاجرية واستعلائية صادمة قائلا” كل فعل يمثل خروج على المألوف وعدوان على هيبة واحترام القضاء لن ندعه يمر بسهولة، سنواجه حرقا بحرق، وسحلا بسحل، وضرب بضرب، نحن هنا على أرض هذا الوطن أسياد، وغيرنا هم العبيد” وذلك في سياق مداخلة هاتفية مع الاعلامي توفيق عكاشة ردا على سؤال حول حرق صور بعض القضاة في المظاهرات الرافضة للنظام 36 .
المشهد السادس: ابن عامل النظافة لا يصلح قاضيا:
وتبدو النظرة الوراثية لمسألة التعيين في القضاء مترسخة في وجدان وأذهان قطاع كبير من القضاة بشكل ملفت للغاية حتى صار التصريح بما يدعمها علنيا وبلا مواربة، من ذلك التصريح الصادم لوزير العدل المستشار محفوظ صابر حول استبعاد أبناء الفقراء من التعيين في القضاء لأسباب تتعلق بعمل أسرهم في مهن متواضعة قائلا” ابن عامل النظافة لن يصبح قاضيا، كتر خير والده إنه رباه وساعده للحصول على شهادة، لكن هناك وظائف أخري تناسبه”. الأغرب من تلك التصريحات ما صحبها من تبريرات ” القاضي له شموخه، ويجب أن يكون من وسط محترم ماديا ومعنويا، وابن عامل النظافة لو أصبح قاضيا سيتعرض لأزمات عدة، ولن يستمر في هذه المهنة “. تقدم الوزير باستقالته بعد موجة من الانتقادات الواسعة، لكنه عاد ليؤكد تمسكه بتصريحاته بطريقة ملفتة فضح فيها المؤسسات الأخرى دون أن يقصد قائلا” لو رجع بيا الزمن هأقول نفس اللي قولته، أنا بتكلم من الواقع ومبألفش، هو ده اللي ماشي في القضاء والشرطة والجيش”37 .وبهذا فقد كشف الرجل أن منطق مؤسسات الدولة الكبرى قائم على أساس طبقي وراثي بامتياز.
لم تكن تلك التصريحات الاولي التي تصدر عن قاضي أو مستشار، فقد صرح المستشار أحمد على عبدالرحمن، النائب الأول لرئيس محكمة النقض وعضو المجلس القضاء الأعلى بنفس التصريحات في 13 سبتمبر 2014 في حوار تلفزيوني ببرنامج “لازم نفهم ” مع الاعلامي مجدي الجلاد، قائلا “طيلة فترة عملي بمجلس القضاء الأعلي لم يكن المستوي الاجتماعي محل استبعاد لأحد المرشحين، لكننا لا نقبل إبن عامل النظافة في النيابة بسبب حساسية منصب القاضي ووكيل النيابة” 38.
تبع تصريحات الوزير المستقيل أو المقال خروج بعض القضاة والمستشارين للدفاع عن تصريحاته رغم ما تعرض له من هجوم شديد في اشارة إلي أن بعض القضاة صاروا من الوقاحة إلي حد يصعب معه كتمان ما يمكن أن يعرضهم للهجوم والضرر، من هؤلاء المستشار رفعت السيد، رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق الذي حاول تبرير ما قاله الوزير على طريقة فقهاء الاستبداد الدستوري، فزاد الأمر سوءا أو زاد الطين بلة كما يقولون، قائلا” إذا كان الوالد موظفا أو إمام مسجد مثلا فأهلا وسهلا به، لكن إذا تقدم ابن منادي سيارات فهذا يعني أن والده بلطجي، لأن حقيقة عمله فرض إتاوات على الناس”.
ثم أردف قائلا” نتحدث بجزء من العقل، هل يستطيع عامل النظافة تعليم أولاده بـ 300 جنيه مُرتب دون أن يمد يده، شئنا أو لم نشأ نعلم أن عامل النظافة يربي أولاده من الشحاتة؟ هل سمعنا بعامل نظافة لا يشحت؟ وهل الولد اللي متربي على الشحاتة يستطيع أن يقود مصير الناس؟ فالعرق دساس، هل هذا المتسول يصلح أن يكون ابنه ضابط شرطة أو ضابط جيش أو دبلوماسياً أو قاضياً؟ قانونياً لا مانع، فالقانون لا يقول إن ابن المجرم أو العاهرة ما يتعينش وابن الزبال يتعين الاثنين ما لهمش ذنب في وظيفة أو سلوك أو عمل والديهم، لكن كعرف أو تقليد لا يصح، فلو مُتقدم لبنتك واحد أبوه وكيل وزاره، وواحد أبوه عامل نظافة وواحد أبوه تاجر مخدرات.. تختار مين؟ في فرق بين إني أتشعبط في الأُتوبيس واروح الشغل أو أروح المكتب بتاعي بعربية، هيبة القاضي جزء من عمله39 ” .
ورغم فجاجة مثل هذه التصريحات إلا أن أحد الاعلاميين” عمر أديب” كان أكثر صراحة في التعبير عن هذا الاتجاه باعتباره توجه دولة غير مقتصر فئة القضاة قائلا” الوزير كان بيقول الواقع والحقيقة، ومن الآخر كده غالبية العاملين في القضاء أولاد قضاة ـوابن عامل النظافة لن يدخل القضاء حتى بعد إقالة وزير العدل”. وأضاف “هدخل في المحظور وأقول، في جهة في مصر هي اللي بتختار القاضي وهذه الجهة لا يسيطر عليها أحد لا رئيس ولا وزير ولا أي حد “40 .
هكذا يري قطاع من القضاة الشعب المصري الذي يحصلون على رواتبهم الضخمة من ضرائبه، يصنفونه ببساطة إما إلى زبالين أو فلاحين أو بلطجية أو شحاتين أو تجار مخدرات أو عاهرين وعاهرات، وتشير مثل هذه الأوصاف إلى القضاة صاروا طبقة اجتماعية تشعر بخصومة مع طبقات أخري يمكن أن تنازعها النفوذ والموارد، تكما تسق تلك الأوصاف مع تصريحات سابقة لرئيس نادي القضاة حول دولة الأسياد والعبيد.
المشهد السابع: رئيس نادي القضاة يستقوي علنا بالرئيس الأمريكي:
لم يقتصر الأمر على المواقف والتصريحات السابقة بل امتد الأمر إلي موقف غير مسبوق في تاريخ القضاء المصري، ليتفاجأ الجميع بالمستشار الزند يستقوي بالرئيس الأمريكي وقتها ” بارك اوباما ” للمساعدة في سحب قانون اصلاح السلطة القضائية الذي يناقشه مجلس الشوري آنذاك، وكان ذلك الخطاب في مؤتمر صحفي بنادي القضاة في ابريل 2013 حيث وجه الزند كلامه للرئيس الأمريكي” أقول لأوباما إذا كنت لا تدري ما يحدث في مصر، فتلك مصيبة وإن كنت تعرف فالمصيبة أكبر، فالسياسيون والقضاة يتعرضون لمضايقات وانتهاكات وعلي أمريكا أن تتحمل مسؤوليتها وأن ترفع هذا العبء عن كاهل الشعب المصري خاصة القضاة، فالسن بالسن والعين بالعين والبادئ أظلم”41 .وكان الزند قد أرسل انذار –قبل هذا الخطاب – إلي رئيس مجلس الشوري بسحب القانون وعدم عرضه على أي لجنة من لجان المجلس واصدار بيان اعتذار للقضاة في سابقة غريبة من نوعها في هذا السياق 42 .
المشهد الثامن: وزير عدل يحرض على قتل الآلاف:
لم يكن غريبا أن يقع اختيار النظام العسكري لمثل هذا المستشار لتكليفه بوزارة للعدل في مايو 2015، كما لم يكن غريبا أن تصدر منه تصريحات أخري أكثر استعلاء وتطرفا من سابقتها، فقد حرض الزند في مقابلة تلفزيونية يناير 2016 على قتل آلاف المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين دون محاكمات قائلا ” لن تنطفئ نار قلبي إلا إذا قتل عشرة آلاف من الإخوان مقابل كل شهيد سقط من الجيش أو الشرطة “43 ، الأمر الذي أحدث ضجة وصلت إلي حد قيام منظمة “هيومان رايتس ووتش” لحقوق الإنسان ببعث رسالة إلي الرئيس السيسي تطالبه بإدانة تصريحات وزير عدله الداعية إلي قتل جماعي لجماعة الإخوان44 .
المشهد التاسع: وزير عدل يقترح قانون لمعاقبة أسرة المجرم:
لم يستطع الزند كتمان ما به من غل فأدلي بتصريح آخر أكثر تطرفا في مارس 2016 أثناء توقيع اتفاقية قانونية وقضائية مع دولة الكويت، حيث اقترح وزير العدل إصدار تشريع قانوني يقضي بمعاقبة والدي “الإرهابيين”، أو من تولي تربيته وتركه يهاجر ويتغيب بالسنوات حتي يتحول إلي إرهابي، معتقدا أن هذا التشريع سوف يساهم في تقليل نسبة الإرهابيين وتخويفهم45 ، وقد حاول التراجع عن ذلك فيما بعد بطريقة غير مباشرة وغير صريحة 46 .
مشاهد التطوع في انقلاب يوليو 2013:
استمرت مشاهد انخراط قطاعات من القضاة في العمل السياسي “بمفهومه الحزبي الصراعى” والذي يعني الانحياز لفريق ضد آخر، أو الانحياز للنظام ضد المجتمع، وكانت المفارقة أيضا أن ذلك الانخراط كان باتجاه الانقلاب المضاد على الثورة والديموقراطية وحكم الدستور والقانون، وهو مالا يتوقع أن يشارك فيه وطني عاقل فما بالك لو كانوا قضاة يشغلون أرفع المناصب الحساسة في مفاصل منظومة العدالة، وفي هذا السياق يمكن رصد أربعة مشاهد أولية تشكل مدخلا تفسيرا لما سيأتي تناوله من تحليل الأدوار السياسية المباشرة للقضاة في مصر ما بعد 3 يوليو 2013.
المشهد العاشر: قضاة بارزون يقودون مظاهرات سياسية:
يبدأ هذا المشهد من يوم 30 يونيو 2013 حيث يقود رئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند مسيرة من القضاة للمشاركة في أحداث التظاهرات المطالبة برحيل الرئيس واجراء انتخابات رئاسية مبكرة، في مشهد غريب للغاية حيث وقف القضاة أمام مقر دار القضاء العالي يهللون ويهتفون ويصيحون في مكبرات الصوت، معلنين مباركتهم لأحداث التظاهرات التي تمت في ذلك اليوم47 .
المشهد الحادي عشر: المجلس الأعلى للقضاء يبارك الانقلاب:
حيث يقف رئيس مجلس القضاء الأعلى المستشار حامد عبد الله بجوار قيادات الجيش ورجال الدين في مشهد إعلان الانقلاب العسكري على الرئيس والدستور وكل المؤسسات المنتخبة يوم 3 يوليو 2013. يقف المستشار ويلقي كلمة يبارك فيها إعلان الانقلاب ويتمنّي التوفيق لقادة الجيش في المرحلة القادمة48 .
المشهد الثاني عشر: المحكمة الدستورية تحلف اليمين رئيسا:
من قاعة المحكمة الدستورية العليا في اليوم التالي (4 يوليو)، حيث يقف المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية ليؤدي اليمين القانونية كرئيس للجمهورية أمام كامل قضاتها في أجواء احتفالية تنفيذا لتكليف قائد الجيش49 .
المشهد الثالث عشر: قضاة على الهاتف تكشفهم التسريبات:
ويتعلق هذا المشهد بمضمون التسريبات الهاتفية التي أذاعتها قناة مكملين المعارضة نهاية 2014، وكشفت عن تواطؤ قادة الجيش مع النائب العام وبعض القضاة في تفاصيل سير قضايا بعينها منظورة أمام المحاكم منها قضية الرئيس مرسى، وقضية سيارة الترحيلات وبعض قضايا رجال الأعمال المتورطين في قضايا فساد من أيام مبارك50 . يتبع الجزء الثاني( 51).
الهامش
1 راجع في تاريخ العلاقة بين السلطيتين ومحطات الصراع كتاب د. محمد سليم العوا بعنوان “السلطان القاضي والسلطان: الأزمة القضائية المصرية”، دار الشروق 2006،وكتاب المستشار البشرى “القضاء المصري بين الاستقلال والاحتواء ،مكتبة الشروق الدولية ،2006،وراجع أيضا فيلم وثائقي بعنوان “القضاء بين العدل والسيف”، الجزيرة، الرابط.
2 اسماعيل الشطى، الاسلاميون وحكم الدولة الحديثة، الرباط، منشورات ضفاف، دار الأمان، الطبعة الأولى 2013، ص ص 47-51 .
3 غريغ بالاست، أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها، ترجمة، مركز التعريب والبرمجة، بيروت، الدار العربية للعلوم ،2004
4 نورينا هيرتس، السيطرة الصامتة: الرأسمالية العالمية وموت الديموقراطية، الكويت، سلسة عالم المعرفة، العدد 336، 2007.
5 للمزيد حول اشكاليات الوضع القانوني في البلاد الاسلامية، راجع كتاب المستشار طارف البشرى، الوضع القانوني المعاصر بين البلاد الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي، القاهرة، دار الشروق ،1996.
وراجع أيضا كتاب المستشار الدكتور توفيق الشاوي، سيادة الشريعة الاسلامية فى مصر، القاهرة، الزهراء للإعلام العربى،1987.
6 طارق البشرى، القضاء المصري بين الاستقلال والاحتواء، القاهرة، مكتبة الشروق الدولية ،2006، ص ص 14-15
7 نفس المرجع، ص ص 16-17
8 نفس المرجع، ص 20
9 نفس المرجع، ص 21
10 طارق البشرى، القضاء المصري وعلاقته بالحكومات المتعاقبة، منتدى الحوار، الكراسة الثانية عشرة، مكتبة الاسكندرية ،2004، ص ص 24-25
11 الدستورية العليا في مصر بعد عشرين سنة من اللجوء إليها: على قانون الطوارئ مراعاة الحقوق المكرّسة دستورياً الرابط
«الدستورية» في حيثيات «قانون الطوارئ»: يُشكل خرقًا لمبدأ سيادة القانون الرابط
12 نص حكم المحكمة الدستورية بجلسة 8/11/2014في الدعوى المقامة من الإخوان طعناً على قانون الأحكام العسكرية فيما تضمنه من الإحالة للقضاء العسكري. الرابط
13 نفس المرجع، ص ص 26-27
15 ننشر شهادة مدير نيويورك تايمز بالقاهرة ضد “الجبالي ” ، اليوم السابع.
16 لمزيد من التفاصيل أنظر:
- العمدة يطالب النيابة بسماع شهادة كيرك باتريك في اتهامه لتهاني الجبالي، أصوات مصرية.
- العمدة: «الجبالى» أنكرت حوارها مع «نيويورك تايمز» ثم اعترفت به للنائب العام، المصري اليوم.
17 مصر: المجلس العسكري يحل مجلس الشعب والكتاتني يعتبر القرار غير دستوري الرابط
18 مصر: المجلس العسكري يصدر إعلانا دستوريا مكملا الرابط
19 المجلس العسكري في مصر يرفض “تشكيك” الاخوان في نزاهته الرابط
20 الرئيس المصري يلغي قرار حل البرلمان.. والمجلس العسكري يعقد اجتماعا طارئا الرابط
21 لمزيد من التفاصيل أنظر
- بعد قرار عودة مجلس الشعب.. أبو حامد “لآخر النهار”: الآن يحكمنا مكتب الإرشاد.. النجار: يمثل مواءمة سياسية والقانون أشبه بقميص عثمان.. عمار: انقلاب دستورى وصدام مع العسكرى.. والأولى توفيق وضع الإخوان، اليوم السابع.
- بكري: صمت العسكرى على عودة “البرلمان” يعنى الموافقة والمشاركة، اليوم السابع.
- حمزاوى: يهدر الأحكام القضائية.. الزمر: يعيد الاعتبار للإرادة الشعبية، اليوم السابع.
22 حمزاوي: قرار مرسي إهدار لأحكام القضاء وانتهاك لسيادة القانون، مصراوي.
23 الزند: صمت القضاة على قرار مرسى بعودة مجلس الشعب بعد حله خيانة عظمى، اليوم السابع.
24 الدستورية» تحل مجلس الشعب 1990.. ومبارك يتجاهل الحكم (ملف خاص) المصري اليوم.
وأيضاً: وقائع أزمة حل مجلس الشعب عام 1990.. (محطات القضية)، المصري اليوم.
25 خلاف بين “بجاتو” و”التأسيسية” حول موازنة المحكمة الدستورية، اليوم السابع.
26 محسوب ل “بجاتو”: “هي المحكمة الدستورية بقت أمن قومي زي القوات المسلحة؟ !” الرابط
27 نصت المادة 191 من دستور 2014 على أن المحكمة الدستورية العليا جهة قضائية مستقلة، قائمة بذاتها، مقرها مدينة القاهرة، ويجوز في حالة الضرورة انعقادها في أي مكان آخر داخل البلاد، بموافقة الجمعية العامة للمحكمة، ويكون لها موازنة مستقلة، يناقشها مجلس النواب بكامل عناصرها، وتدرج بعد إقرارها في الموازنة العامة للدولة رقمًا واحدًا، وتقوم الجمعية العامة للمحكمة على شئونها، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المتعلقة بشئون المحكمة .
28 مجلس الدولة يُفتى بعدم خضوع القضاة لـ«الكسب غير المشروع”، الشروق.
وأنظر أيضاً: نائب رئيس «النيابة الإدارية»: فتوى مجلس الدولة بعدم خضوع مستشاريه لجهاز «الكسب» تخالف القانون، الوطن.
29 «القضاء الإداري» تنظر دعوى «المركزي للمحاسبات» ضد وزير العدل الرابط
30 التحقيق مع «الزند» في «الاستيلاء على أراضٍ بمرسى مطروح » الرابط
31 حفظ التحقيقات مع «الزند» في «الاستيلاء على أراضي الدولة» بمطروح الرابط
32 حكم جديد من «الدستورية» بعدم جواز الكشف عن رواتب أعضائها للقضاء العادي الرابط
حيثيات حكم «النقض» بإلزام «منصور» بالكشف عن رواتب «قضاة الدستورية » الرابط
33 الزند: تعيين أبناء القضاة سيستمر.. ولن تستطيع قوة في مصر إيقاف هذا الزحف المقدس الرابط
34 سبعة تصريحات للمستشار أحمد الزند أثارت الجدل الرابط
35 سبعة تصريحات للمستشار أحمد الزند أثارت الجدل الرابط
36 الزند يقول نحن القضاه الاسياد وغيرنا هم العبيد الرابط
37 وزير العدل : ابن عامل النظافة لن يصبح قاضيا , وكتر خيره إنه اتربى الرابط
38 نائب رئيس محكمة النقض لـ”لازم نفهم”: لا نقبل ابن عامل النظافة في النيابة بسبب حساسية المنصب الرابط
39 رئيس «جنايات القاهرة» الأسبق مؤيدا وزير العدل المستقيل: عامل النظافة يربي أولاده من «الشحاتة».. والعرق دساس الرابط
40 عمرو أديب : برضه ابن الزبال عمره ما هيبقى قاضى الرابط
41 أحمد الزند ورسالة الي رئيس الولايات المتحدة الامريكية بارك أوباما الرابط
42 «البلتاجي»: إنذار «الزند» لمجلس الشورى «أكبر دليل لتجاوز القضاة لأدوارهم » الرابط
43 بالفيديو: الزند يثير الجدل بتصريحاته عن “قتل الإخوان”.. أيمن نور: ارتكب جريمة.. والبرادعي: العدالة ليست الانتقام الرابط
44 هيومن رايتس ووتش تطالب السيسي بإدانة تصريحات وزير عدله، دويتش فيلة.
45 سبعة تصريحات للمستشار أحمد الزند أثارت الجدل الرابط
46 المكتب الفني لـ”العدل” ينفى تصريحات منسوبة للوزير تشرع لعقاب ولى أمر الإرهابي، اليوم السابع.
47 بيان نادى قضاة مصر بتاريخ 30-6 الذى القى أمام دار القضاء العالي وميدان التحرير الرابط
48 كلمة رئيس مجلس القضاء الأعلى المستشار حامد عبد الله بعد بيان السيسي الرابط
49 مراسم أداء اليمين للرئيس المصري المستشار عدلي منصور الرابط
50 راجع تسريبات مكتب السيسي كاملة الرابط
51 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات