تقاريرمجتمع

مصر: السياحة الافتراضية في زمن كورونا

كما أن الأزمات والنكبات هي عامل تحدٍ للدول والحكومات؛ فهي أيضا قد تكون فرصة في حد ذاتها؛ إذا تم استثمارها بالشكل الأمثل، وهكذا فعلت وزارة السياحة والآثار المصرية. فالتطور الكبير الذي ظهرت به الوزارة فيما يخص ملف السياحة في الآونة الأخيرة؛ إنما يدل على وعي يستحق الإشادة والتقدير.. فهذا الفيروس الذي كان سببا في شل حركة السياحة في مصر والعالم أجمع؛ جعل القائمين على إدارة السياحة والآثار المصرية السير على نهج الدول السياحية الكبرى، وذلك من خلال تسهيل زيارة المعالم الأثرية عن طريق ما يمكن أن نطلق عليه السياحة الافتراضية.

والحقيقة أن فكرة السياحة الافتراضية للمناطق والمعالم الأثرية يمكننا أن نعتبرها قد أحدثت نقلة نوعية في إدارة ملف الآثار بمصر، هذا بالرغم من أن التقنية ليست أمرا جديدا في حد ذاته؛ بل هي أمر موجود بدول العالم منذ سنوات عديدة، بل وحتى نحن هنا في مصر كنا منذ عدة سنوات قد بدأنا محاولة مشابهة غير أن هناك أسبابا قد حالت دون إتمامها.

ونحن في تقريرنا هذا سنتحدث؛ عن واقع السياحة الافتراضية في مصر، وما يمكن أن يتحقق من خلالها. وذلك من خلال محاور ثلاثة تتمثل في الأول: السياحة الافتراضية (مفهومها – نشأتها)، الثاني: أزمة كورونا والسياحة الافتراضية، الثالث: آليات تطوير السياحة الافتراضية في مصر

تمهيد

قبل أن نتحدث عن هذا المشروع الحضاري المتميز المتمثل في السياحة الافتراضية، أريد أن أبين أن هناك أيضا بعض المبادرات الأخرى التي قام بها مسؤولو الآثار المصرية على إثر أزمة كورونا، كان من أهمها إضاءة المواقع الأثرية المصرية تآزرا ودعما في الجهود الدولية في مكافحة الفيروس؛ بداية من إضاءة واجهات قلعة صلاح الدين بالقاهرة، ومعابد الكرنك بالأقصر، ومعبد فيلة بأسوان بألوان علم دولة الصين، تضامنا مع الشعب الصيني لمواجهة فيروس كورونا[1].

ومرورا بإضاءة هرم خوفو بالجيزة؛ في رسالة من الحكومة إلى الشعب المصري وجميع شعوب العالم بالبقاء في المنزل وحماية أنفسهم، وأيضا كرسالة تحية وشكر للقائمين على حمايتنا ومكافحة الفيروس الذي حل بالعالم، وقد كُتبت عبارات قصيرة بالإضاءة باللغة العربية والإنجليزية على واجهة الهرم “خليك في البيت، احمي نفسك، وتحية للقائمين على حمايتنا”.[2] وانتهاءً بقيام الوزارة بإضاءة أهرامات الجيزة باللون الأزرق، في إطار حملة التوعية ضد الفيروس، وكان ذلك بالتزامن مع الاحتفال بيوم التراث العالمي الذي وافق يوم الـ 18 من أبريل[3].

وقد أشادت صحف ووكالات أنباء عالمية؛ بتلك المبادرة ووصفتها بأنها ناجحة وأنها رسالة توحيد لشعوب العالم لمكافحة الفيروس والوقاية والحماية منه[4]. كما أن منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة أطلقت بصفحتها الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي “تويتر” تغريدة شكرت فيها مصر على مجهوداتها في هذا الجانب[5].

المحور الأول: السياحة الافتراضية (مفهومها – نشأتها)

أولا: مفهوم السياحة الافتراضية

وكلمة افتراضي بداية؛ تشير إلى الشكل غير التقليدي لمجتمعات يمكن بناؤها على تكنولوجيا الحواسيب دون التقيد بحدود الزمان والمكان والحدود الفيزيقية التي تحكم البيئات الواقعية[6]. والحقيقة أنه ومع التسارع الهائل وغير المحدود للتكنولوجيا العصرية، فقد أثر ذلك على العديد من مناحي الحياة، وكان من ضمنها؛ صناعة السياحة، حيث استطاعت التكنولوجيا الحديثة أن تنمي الحركة السياحية وتظهر أنماطا سياحية غير تقليدية، مكنت السائح من أن يجوب العالم وهو في بيته. ولذا فالسياحة الافتراضية في أبسط تعريفاتها: هي الانتقال من عالم إلى آخر دون أن يشعر المرء بعناء السفر، فقد تجد نفسك بين شلالات مائية دون أن تبتل ثيابك، وقد تجد نفسك بين جدران متحف اللوفر دون أن تقطع تذكرة للسفر إلى فرنسا.

وتعتمد السياحة الافتراضية على تقنيات الإنترنت، حيث تستخدم مسح الأجسام والعناصر ضوئيا، وتعتمد على تحويل الصورة إلى مجسمات رقمية يمكن استخدامها داخل تطبيقات الواقع الافتراضي، واستخدام تقنيات التصوير المحيطي في 360 درجة لتسجيل عروض الفيديو وعرضها على شاشات نظارات الواقع الافتراضي.[7]

ثانيا: المتاحف الافتراضية

والسياحة الافتراضية قد بدأت من خلال تقنية المتحف الافتراضي، حيث إن المتاحف بشكل عام تعتبر من أكثر المواقع السياحية استخداما لتقنية السياحة الافتراضية، حيث توفر بعض الدول للزوار إمكانية التواجد بين أروقة المتاحف المختلفة في رحلات خيالية وساحرة. ولذا فالمتحف الافتراضي هو مساحة افتراضية مهمتها المساعدة على إدارة التراث الأثري الرقمي كالعرض والحفظ وغيرها، وهو يضم مجموعة من القطع الأثرية الرقمية ومصنفة بشكل منطقي، ويتم عرض القطع على شبكة الإنترنت بأبعادها الثلاثية[8].

والمتاحف الافتراضية، تعتمد على التكنولوجيا الرقمية السمعية والمرئية، ويتم تصميمها وفق فكرة خلق فضاء تفاعلي يتم فيه إيصال المعلومات بطريقة سلسة من خلال جولة افتراضية في أرجاء فضاء ثلاثي الأبعاد مشابه للمتحف مع إمكانية الحصول على معلومات من خلال قادة بيانات.[9] حيث يسمح هذا النوع من المتاحف بمشاهدة بانورامية ثلاثية الأبعاد، مع إمكانية العرض بالمقياس والمكان الحقيقي، بالإضافة إلى تمكين المستخدم بالتدخل بالنقاط والمناطق التي يريد مشاهدتها ومن زوايا مختلفة وبالتعليق الصوتي[10].

وكان المتخصصون في أول الأمر يرفضون عرض مقتنياتهم في متاحف افتراضية، لكن مع الوقت أثبتت التجربة أن المتاحف الافتراضية تجذب المزيد من الجمهور للمتاحف الحقيقية نفسها[11]

ثالثا: نشأة السياحة الافتراضية

وقد بدأت السياحة الافتراضية في الظهور منذ عدة سنوات حيث اعتمدت عليها أمريكا والدول الأوربية في عرض مقتنياتها الأثرية ومعالمها السياحية. وبدأت من بالمتحف الافتراضي قبل أن تتحول إلى متحف الواقع الافتراضي فيما بعد.

وهناك العديد من متاحف العالم طبقت السياحة الافتراضية منذ سنوات عديدة؛ وقد ظهر أول متحف افتراضي عام 1995 في فرنسا، وانطلاقا من هذا التاريخ بدأت المتاحف بتطوير مشاريعها على شبكة الإنترنت، وأصبح اليوم – تقريبا – لكل متحف مشاريعه الخاصة في عرض المجموعات الأثرية على خط الشبكة[12].

كما تم استخدام التقنية منذ أكثر من 12 عاما بألمانيا؛ التي حولت متاحفها إلى متاحف افتراضية تقدم عروضها على شبكة الإنترنت، وكانت قد لاقت الطريقة إقبالا كبيرا لدى الزوار الافتراضيين. وقد بدأت الفكرة هناك نتيجة مشكلة تعرضت لها عندما أغلق متحف الفن “كونستهاله” في مدينة بريمن الألمانية نهاية عام 2008 بهدف التحديث وبناء مبنى ملحق، فقد تم وضع المجموعة الفنية التي كانت تعرض فيه مباشرة على شبكة الإنترنت، قصد إبقاء التواصل بينها وبين محبي هذا الفن إلى غاية إعادة افتتاح المتحف المتوقعة في ربيع عام 2011. وقد أدت التجربة أداء فائقا رغم أن مسؤولي المتحف قالوا إن تجسيد هذه الجولة الافتراضية كلف عشرات الآلاف من اليوروهات.[13]

كما أن هناك العديد من المتاحف الأخرى كانت قد لجأت للتقنية منذ سنوات، من أبرزها: المتحف البريطاني بلندن، متحف غوغنهايم بإسبانيا، المعرض الوطني للفنون بواشنطن، متحف اللوفر بباريس، ومتحف دورساي بفرنسا أيضا، متحف ريكز في أمستردام بهولندا، ومتحف فان جوخ” بهولندا أيضا.

المحور الثاني: أزمة كورونا والسياحة الافتراضية

وبالرغم من أن السياحة الافتراضية بدأت في دول العالم منذ سنوات؛ إلا أنها قد انتشرت بشكل أوسع مع توقف السياحة على أرض الواقع؛ جراء أزمة فيروس كورونا الذي بات مهددا للعالم بأكمله، وظهر ذلك جليا بدعدد من دول العالم، كما ظهر بمصر.

أولا: السياحة الافتراضية في دول العالم:

فالولايات المتحدة الأمريكية أبدعت في استخدام التقنية، ومنها أنها أطلقت مقاطع فيديو على قناة “Virtual Disney World” لمدينة ديزني وورلد الترفيهية بعد أن اضطرت للإغلاق بسبب الفيروس، وقد سمح الفيديو للمشاهد بأن يفحص المكان بزاوية 360 درجة. كما قامت العاصمة الأمريكية واشنطن بإقامة المعرض الوطني للفنون والذي يضم كنزا ضخما من اللوحات الفنية، تعود لعصور مختلفة من عدد من البلدان حول العالم، وتم رفع نحو 43 ألف عمل فني على الإنترنت، حتى يتمكن الزوار من رؤيتها بجودة عالية. وفي اليونان تم إطلاق موقع greecefromhome.com، والذي وضع خريطة وصورا ومقاطع فيديو لمواقع سياحية في جميع أنحاء اليونان، يأتي على رأسها هضبة أثينا، وسوق جزيرة رودس. أما في إيطاليا؛ ولأن مدينة البندقية تعتبر متحفا تاريخيا بحد ذاتها، فقد قام البعض بتصوير جولات افتراضية في قنوات المدينة المائية باستخدام تقنية 360 درجة. كما وضع متحف “كا ريتزونيكو” بالبندقية، والذي يضم مقتنيات تعود إلى القرن الـ 18، جولة افتراضية عالية الجودة بتقنية 360 درجة. في حين وفر متحف اللوفر بفرنسا جولات لعدد من أقسامه عبر موقعه الإلكتروني، حيث يمكن زيارة جناح المصريات، وجناح اللوحات الفنية، وجناح آثار العصور الوسطى بسهولة ويسر[14].

كما أن مدينة إسطنبول بتركيا، أصبحت واحدة من أكثر الوجهات المفضلة للجولات الافتراضية، خلال فترة التزام الناس بالبقاء في المنازل في إطار التدابير المتخذة لمنع انتشار فيروس كورونا. فقد ظهر هناك إقبال كبير من الأشخاص الملتزمين بالبقاء في المنازل، حيث يقبل الكثير منهم على القيام بجولات افتراضية أتاحتها لهم السلطة المختصة. بل وتحولت إسطنبول إلى واحدة من بين المدن الأكثر زيارة وأكثر الوجهات المفضلة للجولات الافتراضية في العالم؛ وقد أظهرت الإحصاءات لزائري المناطق الأثرية بأنها فاقت المدن الكبرى في العالم، فقد كشفت أن مدن دبلن وبراغ وأمستردام أتت في ترتيب لاحق لمدينة إسطنبول كأكثر المدن جذبا لزوار العالم الافتراضي.[15]

ثانيا: السياحة الافتراضية في مصر

ولم تتوقف السياحة الافتراضية عند أوروبا وأمريكا، بل أصبحت تعم كل دول العالم السياحية، حتى ظهرت بالدول العربية، وكانت مصر من أولى تلك الدول. وخاصة أن مصر تضررت كثيرا من توقف السياحة الحقيقية؛ بعد أن دعمت الاقتصاد بشكل كبير في العام الماضي؛ فقد ذكر البنك المركزي في بيان نشره مؤخرا، إنَّ إيرادات السياحة سجلت رقما قياسيا عام 2019 بلغ نحو 13 مليار دولار. وأن إجمالي إيرادات قطاع السياحة ارتفع عام 2019 إلى 13.03 مقارنة بـ 11.6 مليار دولار في [16]2018. 

وقد كان لوزارة الآثار المصرية تجربة سابقة في إنشاء المتاحف الافتراضية على الإنترنت منذ عدة سنوات، وقد تكلفت التجربة حينها 2.5 مليون دولار، تم خلالها تركيب كاميرات في مقبرة توت عنخ آمون بالأقصر، بحيث كان سيتيح المشروع للزائر القيام بجولة افتراضية داخل المقبرة، لكنه لم ينجح لأسباب عديدة[17].

أما السياحة الافتراضية؛ التي قامت بها وزارة الآثار مؤخرا؛ فقد جاءت متواكبة مع الحدث بشكل معقول، وقد حملت شعار: “خليك في البيت.. واستمتع بزيارة الآثار المصرية”، وأتاحت من خلالها – ولا تزال – زيارة المواقع والمتاحف الأثرية؛ حيث قامت الوزارة ومنذ نهاية مارس 2020 بعمل جولات افتراضية لزيارة المواقع الأثرية، والتي بدأتها وبالتعاون مع معهد البحوث الأمريكية بالقاهر، بزيارة مقبرة مننا(TT69) بالأقصر، وهي من أكثر مقابر النبلاء؛ بالأسرة الثامنة عشر زيارة في الواقع، كما أنها من أكثر المقابر حفظا للنقوش والألوان، حيث تتمتع تلك المقبرة بأسلوب معماري متميز لمقبرة لرجل من كبار رجال الدولة في الدولة الحديثة، فهي مقبرة خاصة بشخص يدعى “مننا” كان كاتبا للحقول الملكية في عهد “تحتمس الرابع” أيضا، وهو ما يمكن أن نطلق وزير الزراعة حاليا، وخاصة أن معظم مناظر مقبرته تدور حول الزراعة من حرث الأرض وبذر الحبوب، وزراعة الكتان وتمشيطه، ومناظر الحصاد، فضلا عن مناظر البحر والبر الأخرى[18].

وقد نالت تلك المبادرة أيضا – وما تزال – إشادة عالمية من المنظمات المختصة؛ فقد قالت منظمة اليونسكو، في تغريدة نشرتها على صفحتها الرسمية بـ “تويتر”: “نحتاج إلى الثقافة في أوقات الأزمات أكثر من أي وقت مضى، ويجب أن يحد كوفيد19 من تنقلاتنا، ولكن ما زالت لدينا حرية السفر الافتراضي، خليك في البيت واكتشف عجائب مصر المذهلة[19].

كما أن تلك المبادرة لم تتوقف بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، بل استمرت بإطلاق الجولات الافتراضية والإرشادية المصورة لبعض المواقع والمتاحف الأثرية المصرية، وإن اقتصرت الجولات على يومي الاثنين والخميس فقط من كل أسبوع، ولزيارة معالم أثرية إسلامية فقط[20].

المحور الثالث: آليات تطوير السياحة الافتراضية في مصر

مما لا شك فيه أن البدء في استخدام تقنية السياحة الافتراضية بمصر، هو نقلة حضارية بملف السياحة الآثار. وقد ظهرت العديد من المزايا لتلك التجربة، كما اتضحت لها بعض العيوب.. وهنا سنبين بعضا من تلك المزايا والعيوب، كي نستطيع أن نضع الآليات والمقترحات اللازمة للتطوير.

أولا: مميزات السياحة الافتراضية

  • أنها تواكب العصر، فالسياحة الافتراضية باتت الوسيلة الأفضل في الوقت الراهن أمام الكثير من الأفراد الراغبين في مشاهدة الأماكن والمعالم السياحية والأثرية والثقافية.
  • يمكن من خلال السياحة الافتراضية التعرف على أماكن ومزارات جديدة دون مغادرة المنزل.
  • تساعد في إمكانية التغلب على خطورة الواقع أو بعد الزمان أو المكان للمتاحف الحقيقية.
  • تتميز بأنها منخفضة التكلفة مقارنة مع السياحة الحقيقية التقليدية، مما يجعلها سببا في الإقبال عليها من قبل الراغبين.
  • ومن خلالها يمكن استغلال الوقت بشكل أفضل وذلك من خلال اكتساب معلومات وثقافة جديدة بصورة سهلة وفورية.
  • بإمكانها أن تعمل على استقطاب المزيد من الزائرين الحقيقيين مستقبلا بعد انتهاء أزمة كورونا؛ إذ يمكن أن تصبح دعاية متميزة لاستقبال السياحة الحقيقية فيما بعد.
  • وتساعد السياحة الافتراضية على تحليل بيانات الزوار ومعرفة ما يهتمون به وتحديد عناصر الجاذبية السياحية بالنسبة لهم، مما يمّكن المسؤولين من التركيز عليها عند الترويج للسياحة الحقيقية.
  • ومن مميزاتها أيضا أنها تساهم في توضيح وتبسيط المفاهيم المجردة التي يصعب إدراكها حسيا، فهي تقدم المادة العلمية في صورة شيقة، فهي تجمع بين الصوت والصورة والحركة واللون.
  • كما تساعد الزائر أيضا على تنمية قدراته العقلية مثل التفكير والتخيل البصري.
  • أيضا من مميزاتها أنها تراعي الفروق الفردية بين الزائرين، فكل زائر بإمكانه أن يتعلم ما يريد تعلمه في الوقت الذي يناسبه وبالسرعة التي تناسب قدراته وتركيزه واستعداداته.
  • أن السياحة الافتراضية تعمل على الحفاظ على البيئة، فلا ازدحام فيها، ولا تلوث كالتي تتعرض له السياحة الحقيقية.
  • أن تلك الزيارات الافتراضية شملت معالم أثرية متنوعة تعود لجميع الحقب التاريخية المصرية، فمنها ما هو يرجع لعصر الأسرات، ومنها اليوناني والروماني، ومنها القبطي والإسلامي، بل وشملت أيضا معالم أثرية يهودية.

ثانيا: عيوب السياحة الافتراضية

وكما أن للسياحة الافتراضية كل تلك الميزات التي ذكرناها، فهي أيضا ينتابها بعض العيوب أو القصور، منها:

  • يرى العديد من المتخصصين أن السياحة الافتراضية لا يمكن أن تحل محل المتاحف الحقيقية، ولا يمكنها أن تحقق نفس أهداف السياحة الحقيقية.
  • أن إعداد المواقع والمعالم الأثرية للسياحة الافتراضية يحتاج إلى وقت كافٍ وجهد عالٍ ومهارات معينة من أجل إخراجه في أحسن صورة، وهذا قد لا يتوفر دائما.
  • والزيارات الافتراضية؛ إذا قام بها الراغبون في السياحة بكثرة من خلال أجهزة الكمبيوتر والتليفون؛ فهي قد تؤثر على الصحة العامة، ولذا وجب استخدام التقنية بحرص مع عدم الاستمرار.
  • من عيوبها أيضا أن الجولات الافتراضية قد لا تسمح إلا لفرد واحد أو عدد قليل من الأفراد، ما يمنع لذة التجول الجماعي التي كانت تتميز به السياحة الحقيقية.
  • كما أن من العيوب القاتلة التي تتعرض لها التجربة في مصر؛ هو أن الشروحات الملحقة بالمعالم الأثرية أثناء السياحة الافتراضية مكتوبة باللغة الإنجليزية، وكأن المسؤولين عن التجربة لم يضعوا في حسبانهم إلا السائح الأجنبي.
  • كما أن من العيوب الواضحة أيضا هو صعوبة استخدام تقنيات السياحة الافتراضية داخل مصر بسبب ضعف الانترنت، حيث البنية التحتية غير مؤهلة.

ثالثا: آليات تطوير السياحة الافتراضية

وبالرغم من قصر مدة تطبيق السياحة الافتراضية في مصر، إلا أنها تبين مدى أهميتها، وضرورة العمل على استمرارها، وتطويرها. ومن أجل ذلك نحاول هنا أن نضع بعض المقترحات التي نعتقد أنها تعمل على ذلك.

  • ضرورة تبني السياحة الافتراضية من قبل المسؤولين بشكل واضح، وخاصة وأن هناك زيادة في مستويات الطلب عليها داخليا وعالميا.
  • ضرورة تكوين فريق إداري وتقني للمشروع دائم، تكون مهمته التخطيط والتنفيذ والمتابعة المستقبلية للسياحة الافتراضية، ويجب العمل على تيسير مهمة هذا الفريق من خلال دعمه بكل الإمكانيات الضرورية.
  • ضرورة أن يكون من أهداف السياحة الافتراضية في مصر العمل على نشر الوعي الأثري بين المواطنين، وهذا يتطلب أول ما يتطلب بأن تكون لغة الشرح للمعالم الأثرية أثناء الجولات الافتراضية هي اللغة العربية كلغة أساسية، وبالإمكان أن تضاف إليها اللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات.
  • من الممكن بل من الواجب أن تصبح السياحة الافتراضية وسيلة ترويج للسياحة الحقيقية. ومن الضروري العمل على أن تصبح جزءا أساسيا من قطاع السياحة في مصر تساعد في إدخال موارد إضافية للدولة إذا تم التخطيط لذلك.
  • يجب ان يستمر توفير هذه الجولات الافتراضية بصورة مجانية لجميع المواقع والمعالم السياحية وخاصة للمصريين.
  • ضرورة القيام بعملية ترويج واسعة للسياحة الافتراضية على الشبكة العنكبوتية وأن تستمر لفترة مناسبة، وذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة داخل مصر وخارجها. خاصة وأن الواقع يدل على أن المشروع أثناء تطبيقه حاز اهتماما إعلاميا ملحوظا لكنه سرعان ما هدأ؛ ولذا فإن نسبة المشاهدات للمعالم الأثرية من خلال السياحة الافتراضية بدأت في الهبوط، طبقا لما هو واضح بالروابط الموجودة على صفحة الصفحة الرسمية لوزارة السياحة والآثار المصرية.
  • ضرورة الإبداع والابتكار في تقديم السياحة الافتراضية، ومنها الاستفادة والتماشي مع التطورات المتسارعة في التقنية المستخدمة، والابداع في التنظيم الإداري القائم على العملية.
  • السعي نحو الوصول للزائر إلى التذوق الجمالي المتمثل في المتعة والسرور، المقترن بالشعور بالاكتشاف والتأمل واكتساب المعارف والدهشة والتخيل، والشعور بالغموض وحب الاستطلاع، وهذا لن يتأتى إلا إذا كانت هناك إدارة واعية للسياحة الافتراضية.

وختاما، يمكننا القول بأن هذا الوباء الذي حل بالعالم أجمع، وسبّب كل تلك الأضرار التي لحقت بكل المجالات وعلى رأسها السياحة العالمية، أصبح هو أيضا في حد ذاته فرصة في ابتكار وسائل جديدة تتناسب مع الإجراءات الوقائية الضرورية المرتبطة به. وكان من أهم تلك الوسائل، هو التطور الهائل في مشروع السياحة الافتراضية، والتي كان لمصر فيه نصيب وافر.. ولذا فقد جاء هذا التقرير ليبين واقع السياحة الافتراضية في مصر، وتقديم المقترحات التي تساعد في استمرارها وتطويرها.. علّها تصل للمسؤولين عن ملف السياحة والآثار في مصر فتجد آذانا صاغية.


الهامش

[1] – سي إن إن عربي، مصر تضيء معالمها الأثرية بألوان علم الصين تضامناً معها ضد فيروس كورونا، 2 مارس 2020

[2] – الشروق، وزارة السياحة والآثار توجه رسالة للبقاء في المنزل من خلال إضاءة الهرم الأكبر بالجيزة، 31 مارس 2020

[3] – المصري اليوم، إضاءة أهرامات الجيزة باللون الأزرق في اليوم العالمي للتراث: «stay home» (صور)، 18 أبريل 2020

[4] – البوابة نيوز، العالم يشيد بمبادرة مصر “خليك في بيتك واحمي نفسك “، ا أبريل 2020

[5] – جريدة المال، منظمة السياحة العالمية تشيد بجهود مصر في مواجهة «كورونا» ورسالة الهرم الأكبر، ا أبريل 2020

[6] – Mowshwitz., Virtualorganizationtheinformationsocity,1994: 267

[7] – موقع رواد الأعمال السعودي، «السياحة الافتراضية».. فرصة لإنعاش القطاع بعد ركوده، 25 مارس 2020

[8] – Andrews et Schweibenz, 1998, Art Documentation, numéro du printemps, in Schweibenz W., 2004, p.3.

[9] – متاحف الآثار هويتها، تطورها وواقعها المعاصر، مجلة جامعة دمشق–المجلد 30 – العدد 3، ص 574

[10] – DW عربية | المتاحف الافتراضية – هل تحل محل المتاحف الحقيقية؟، 2 سبتمبر 2010

[11] – خالد عزب، متاحف مصر رؤية مستقبلية، جريدة الأهرام، 19 سبتمبر 2016

[12] – متاحف الآثار هويتها، تطورها وواقعها المعاصر، مجلة جامعة دمشق–المجلد 30 – العدد 3، ص 574

[13] – DW عربية | المتاحف الافتراضية – هل تحل محل المتاحف الحقيقية؟، 2 سبتمبر 2010

[14] – الحرة، لا داعي للسفر.. تجول في أشهر المواقع السياحية وأنت في بيتك، 13 أبريل 2020

[15] – وكالة الأناضول، إسطنبول.. سياحة افتراضية مميزة في زمن كورونا (تقرير)، 23 أبريل 2020

[16] – مصر العربية، بالسياحة الافتراضية.. مصر تجذب المشاهدين في زمن كورونا، 12 أبريل 2020

[17] – المصري اليوم، متاحف مصر المهجورة مقابر التراث والحضارة، 19 ديسمبر 2014

[18] – البوابة نيوز، “الآثار” تتيح زيارة مقبرة “مننا” عبر موقعها، 3 أبريل 2020

[19] – على حساب منظمة اليونسكو بتويتر، 21 أبريل 2020

[20] – أخبار اليوم، خليك في البيت.. استمتع بالمواقع الأثرية عبر الإنترنت في رمضان، 24 أبريل 2020

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى