fbpx
تقديرات

مصر: الشعبوية التائهة وأهمية الثقافي

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تتحكم في المجال العام المصري حالة شعبوية تجرد المجتمع من عافيته عبر نمطيّ وعي، أولهما ديني يقوم على الإقرار بسلطة التغلب ومنحها الطاعة المطلقة، كما منحها الحق في تفسير الدين ووصم من يخالف هذه التفسيرات بالتطرف، وثانيهما سياسي يرى في الحاكم مخلِّص من الاضطراب السياسي، يمنحه سلطة مطلقة بلا رقابة، ويمنح نخبته والمؤسسات التي انتجتها إدارته الحق في الحكم كما الحق في الفساد كإطار لتبادل السكوت عن التجاوزات.

غير أن هذه الشعبوية تائهة، تخالف الشعبويات التي تسود العالم في أربع خصائص أساسية، وهنا يكون السؤال الرئيس لهذه الورقة هو: ما هي خصائص الشعبوية المصرية في سياق مقارنتها بالتيارات اليمينية التي لاحظناها في خطابات ترامب وفاريج ومارين لوبان، واليسارية التي رأيناها في خطاب بيرني ساندرز؟ وما يترتب على هذه الخصائص في الرؤية الوطنية قيد التشكل؟

 

أولاً: بين الاحتجاج على السياسات النيوليبرالية والخضوع لها

أحد أبرز مواطن الخلاف بين نمطي الشعبوية الغربي والمصري، مفارقة عجيبة تجعل من الشعبوية المصرية مشهدا يمكن الحكم عليه أخلاقيا بكونه عبثيا. فبينما نشات الشعبوية الغربية الراهنة احتجاجا على سياسات النيوليبرالية التي أدت إلى تهميش مصلحة رجل الشارع الغربي، وفضلت الاهتمام بكليات مجردة من قبيل حريات التجارة والحريات الشخصية والالتفات لحقوق المهاجرين ضمن إطار اهتمام نسبي بحقوق الإنسان، فأتت الشعبوية في محاولة لاسترداد الحضور اللائق لرجل الشارع الغربي في السياسات العامة، فإن الشعبوية المصرية أتت برعاية نيوليبرالية وكرست مصالح هذه الشريحة، ربما في صورتها الغربية، بينما ناصبت مصالح رجل الشارع «العداء».

أما عن الشعبوية الغربية، فقد تحدث سيمون شاستر في افتتاحيته للمجلة «تايم» البريطانية حول «شخصية العام»، أن النخب السياسية الغربية قد استغرقت لأكثر من جيل في توافق على أجندة أساسية نوعية من قبيل عوائد حرية التجارة والمساواة في حقوق الزواج، وهذا الانتظام أدى لحشد المناوئين لها باتجاه ما كان دوما هامشاً للعملية السياسية. وأضاف، أن هذا الاهتمام أدى بدوره لتفاقم المظالم بما أضحى يهدد التيار السياسي الرئيسي1.

وإذا كانت تلك رؤية أحد المعنيين باستمرار التيار السيساسي الرئيسي بمنطق “أنتوني جيدنر” الداعي لبناء توافق بريطاني حول أجندة وطنية، فإن اليسار يربط تمدد الشعبوية بتمدد النيوليبرالية وتحويل السياسات الغربية لإطار مرجعي معياري. مؤكدين أنه في ظل هذا البعد الأخلاقي، تقلصت البدائل الحقيقية بين الأحزاب، وتضاءل حضور صوت العامة ومصالحهم.، وهو ما دفع التيارات الشعبوية المختلفة في لإعادة الاعتبار لصاحب الحق المهضوم، وهو ما تبلور في استعادة الحق الذي سلبه يسار ويمين الوسط. بهذا المعنى، فإن الشعبوية لم تعد تيارا يهدف للوصول للسلطة وبناء حركة سياسة شمولية فقط، بل أضحى همها الأساسي استرداد الخيارات السياسية التي همشتها حركات الاتجاه نحو الوسط.

وبينما تتبلور خطط التيارات الشعبوية باتجاه حشد العامة خلف إحدى صيغ الـ«نحن» والـ«هم»، فإن هناك اختلافا واضحا بين الشعبويتين اليمينية واليسارية لابد من وضوحه. وتتمركز الشعبوية اليمينية حول إشاعة الخوف من الأجانب؛ وتقييد النظر للشعب عبر استبعاد المهاجرين واللاجئين وكل ما يمكن توصيفه بالأجنبي كما بدا في خطابات ترامب ونايجل فاريج. وفي الاتجاه الآخر تتمحور شعبوية اليسار حول العدالة والمساواة كما في خطاب بيرني ساندرز وبابلو إجلاسيوس، ولا تستبعد شعبوية اليسار سوى تلك الفئة من «المؤسسة» التي تخدم سياسات النيوليبرالية2.

أما الشعبوية المصرية الراهنة، فهي؛ للمفارقة؛ شعبوية تتحرك تحت سقف نيوليبرالي، لا يكترس لحاجة الشرائح البسيطة، والتي يبدو نصفها – على الأقل – المنافح الأشرس عن التجربة الشعبوية لإدارة الثالث من يوليو. إن إطلالة على منهج وزارة التموين خلال إدارة الوزير خالد حنفي، وما ارتبط بنشاطه من دعم للسلاسل التجارية الكبرى3، أحد الأمثلة، ويلتحق به من جهة أخرى اتجاه وزارة الصناعة للتضييق على الصناعات الصغيرة تحت دعوى مكافحة الغش التجاري4، والاتجاه لدعم البراندات العالمية5، وهو ما بدا من فحوى قرار تسجيل مصانع دول المنشأ التجاري.

يضاف إلى ذلك أن حكومات إدارة 3 يوليو المختلفة شهدت حضورا واضحا لوزراء من خلفيات مؤسسات أعمال كبرى، من استمرار هشام رامز نائب رئيس مجلس إدارة «البنك التجاري الدولي» إلى طارق عامر رئيس مجلس إدارة «البنك الأهلي المصري»، ومن وزير الاستثمار أشرف سالمان مالك شركة «القاهرة كابيتال للاستثمارات المالية» إلى الوزيرة داليا خورشيد المدير التنفيذي لشراكة «أوراسكوم للإنشاءات»، ومن منير فخري عبد النور رئيس مجلس إدارة شركة «فيتراك للصناعات الغذائية » إلى طارق قابيل رئيس مجلس إدارة «مجموعة أبراج للاستثمار» والتي يمتد نشاطها من الشرق الأوسط إلى تركيا وآسيا الوسطى. بل إن إدارة 3 يوليو كان لها السبق في اقتحام «حرم» وزارة المالية من خلال وزير ذي خلفية استثمارية مثل عمرو الجارحي، وهي الأسماء التي لم تشفع لإدارة 3 يوليو في تحقيق أداء اقتصادي ملموس النتائج.

 

ثانياً: شعبوية لصالح الشعب أم ضده

يعد الموقف من الشعب المصري أحد أبرز الفوارق بين نمطي الشعبوية محل الرصد، فبينما كانت الشعبوية الغربية تقف مع المواطن الغربي في مواجهة مصالح متصورة اعتبرها البعض غير حقيقية، فإن الشعبوية المصرية ناصبت المواطن المصري عداء حقيقيا.

قامت الشعبوية الغربية احتجاجا على التحرك في اتجاهين، أولهما مصالح الشرائح الاجتماعية العليا ومصالحها الاقتصادية، والتي أدت لتركز الثروة في يد نحو 0.1% من السكان. وثانيتها تلك النزعة الأخلاقية الحقوقية التي عصفت بأولوية نصيب وحقوق رجل الشارع الغربي في السياسة العامة، وإيلاء الاهتمام بدور دولي واسع يتضمن الاهتمام بمواطني دول أخرى، من بينهم المهاجرين من دول الجنوب.

فمن ناحية، فسر بعض المراقبين ما لاقته تصريحات المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز من صدى لدى قطاع من المثقفين ومن القيادات الشابة للحزب الديمقراطي، فسروها بتقارير عدة صدرت تكشف عمق الأزمة المتعلقة بتوزيع الثروة في الدول الغربية، ومنها تقرير صدر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD أفادت أنه بين عام 1975 و2012، كان نصف الدخل القومي الأمريكي قبل اقتطاع الضرائب يذهب إلى شريحة 1% الأغنى في الولايات المتحدة. وأضافت دراسة أخرى أجراها الباحثان إيمانويل سايز وجابرييل زوكمان، أن أغنى 0.1% في القطاع العائلي يمتكلون ربع الثروة القومية6.

ولو نظرنا إلى خطاب كل من ساندرز وترامب، فإن ساندرز قد وعد في برنامجه الانتخابي بمعالجة اختلال توزيع الثروة عبر رفع الضرائب على الشرائح الثلاثة الأعلى دخلا، ورفع الضرائب على الأربياح الرأسمالية والأصول العقارية، وتخصيص صندوق بقيمة 0.2% لتعويض من يفقدون وظائفهم بأجر نحو 12 أسبوعا، فضلا عن شرعنة وضع 11 مليون لاجئ غير شرعي7.

أما دونالد ترامب، فقد تعهد ببناء سور على الحدود الأمريكية المكسيكية لمنع العمالة الرخيصة من الانتقال للولايات المتحدة، فضلا عن منع مسلمي الدول التي تعاني صعوبات اقتصادية من السفر للولايات المتحدة؛ وهو ما يحقق نفس غرض حماية العمالة، وتعهد بإعادة الاعتبار لللتصنيع؛ وخلق الوظائف، ومراجعة الاتفاقات التجارية التي تضغط على العمال الأمريكيين ومن بينها اتفاقية التجارة بين الدول الأمريكية واتفاقية التجارة عبر المحيط الهادي، كما وعد بترك منظومة الأمان الاجتماعي القائمة، وإن تعهد باستبدال منظومة «سوق» للرعاية الصحية بديلا لمنظومة «أوباما كير»، وإن كانت وعوده بخفض الضرائب قد لا تمكنه من الالتزام بمنظمة الأمان الاجتماعي8.

ولا يخفى أن برامج اليمين الأوروبي تستجيب لتطلعات القواعد الشعبية التي أرهقتها الهجرة الضاغطة على فرص تحسين مستوى المعيشة والأجور والأسعار، سواء في ذلك ما حدث بالفعل عبر استفتاء «بريكسيت»، أو الوعود التي يلقيها المرشحون اليمنيون خلال فترة التحضير للانتخابات التي ستشهدها دول أوربية عدة خلال هذا العام.

الأوضاع في مصر على النقيض من هذين الطرحين. فوضع رجل الشارع قد تضرر كثيرا جراء سياسات إدارة 3 يوليو، سواء انطلاقا من اتفاقها مع «صندوق النقد الدولي» الذي ارتبط به تراجع الدعم عن الكهرباء والمياه والطاقة والسلع الغذائية، أو بسبب سوء إدارة «أزمة الدولار»، ما أدى لموجات تضخمية متتالية، فضلا عن أثرها في خنق نسبة من الأنشطة الاقتصادية المحلية والاجنبية، أو لإفساح الباب لدخول «الإنتاج الحربي» في مواجهة الاستثمار الداخلي؛ ما أدى لتدهور قدرة رأس المال الخاص على المنافسة وزيادة البطالة، فضلا عن الجزر الاقتصادية منعزلة الأداء، والتي أدت لتفاقم أزمات الاقتصاد، فضلا عن تدهور قطاع من القرارات الاقتصادية؛ ما اأدى لإهدار ثروة قومية كان من الممكن لتكلفتها البديلة أن تعزز أداء الاقتصاد بما يصب في صالح رجل الشارع.

 

ثالثاً: الاختيار الشعبي وتوظيف الميديا

من الفوارق المهمة بين الخبرة الشعبوية الغربية وبين قضية العلاقة مع وسائل الإعلام وأثرها فيما يتعلق بالخيار الشعبي. وتختلف الخبرة الغربية عن الخبرة المصرية في هذا الشأن أيضا اختلافا جوهريا. فالظاهرة الشعبوية الغربية غلب على كيفية وصولها لمراكز القرار غياب التأثير الحاسم لوسائل الإعلام لصالحها، بل كان السخط على خيارات المؤسسة/ الإستابليشمنت وتغييبها مصالح رجل الشارع هو العامل الحاسم في دعم مرشحي اليمين.

فمن جهة، نجد أن الظاهرة الشعبوية الغربية ظاهرة خرجت تتحدى التيار الأساسي في المجتمعات الغربية، وهو التيار الذي يضم الأحزاب الحاكمة والمعارضة على حد سواء. وقوع تياري الشعبوية الغربية خارج التيار الأساسي للأمم الغربية جعل علاقتهم بالإعلام في هذه الدول علاقة محدودة، لا تتجاوز بعض المواقع وبرامج الفضائيات، واللقاءات التي كانت تجريها وسائل الإعلام ذائعة الصيت مع المرشحين اليمينيين. والحديث عن غياب إعلامي كامل لأي طرف أيا كان هو محض عبث في عصر تعد «الثورة الاتصالية» سمته الأساسية.

ويبقى أن الحقيقة التي يعرفها أي مراقب للمشهد الأمريكي – كمثال – أن حربا شرسة وقعت بين دونالد ترامب المرشح وبين وسائل الإعلام، والتي كان يصفها دوما بتحريف رسالته وتضليل الجمهور حيال تصرفاته ومراميها، وكان أخرها اتهام الرئيس الأمريكي وسائل الإعلام بالكذب حيال عدد الحضور في احتفالية أدائه اليمين الدستورية كرئيس للولايات المتحدة9.

وبرغم تأخر تقرير رويترز المشار إليه كمرجع، فإن شبكات البث الأمريكية تعاملت مع تعليقه فوريا بازدراء، فتناولت عنوان الخبر في سطرين وموضوعه في سطر ونصف، ومتهمة إياه بالخطأ حيال تقديره للمشاركين. حيث ذكرت شبكة إيه بي سي الخبر بعنوان كالتالي “President Donald Trump Accuses Media of Lying About Inauguration Crowds, Wrongly Says Crowd Reached Washington Monument” “الرئيس دونالد ترامب يتهم وسائل الإعلام بالكذب حيال حشود خطابه الافتتتاحي، ويقول خطأً أن الحشود وصلت حتى الجبال”. هذا كان العنوان، وكان موضوع الخبر أقل في عدد كلماته من كلمات العنوان10.

ولا يمكن القول بوجود شبكات بث بارزة في مساندة المرشحين اليمنيين في أوروبا كذلك، وإن كانت دراسة معمقة قد كشفت عن تسرب أداء شعبوي لبعض الصحف والمواقع لداع تجاري، بالإضافة لممارسات غير مقصودة بالرغم من وجود سياسات رافضة للتحيز11.

وفي المقابل، فإن المشهد في مصر يكشف عن علاقة وطيدة وعمدية بين التجربة الشعبوية لإدارة 3 يوليو وبين وسائل الإعلام موضع الهيمنة الأمنية، والتي تعنى ببث هذه الثقافة في سياق يكاد يقتصر على بث نظريات المؤامرة وخطاب الكراهية وحملات التشهير بالأصوات التي تحمل الرأي الآخر12.

وبرغم الاتفاق مع ما ذهب إليه عمرو حمزاوي في التوصيف السابق، فإن الأداء الشعبوي الإعلامي تضمن نسب إنجازات صورية يمكن وصفها بأنها هزلية لإدارة 3 يوليو، بدءا من إقدام الضفادع البشرية المصرية بأسر قائد الأسطول السادس الأمريكي13، وحتى نسبة إنجاز لهذه الإدارة، بخلاف الحقائق المذكورة في التقارير الدولية؛ من قبيل الزعم بارتفاع ريع قناة السويس14.

ويشير تقرير تحليلي إلى أزمة الأداء في الإعلام المصري بعد 30 يونيو، وسماته التي أبرزها الدعاية وبروز ظاهرة المذيع الخطيب، لافتا لعلاقة رأس المال الموالي لإدارة 3 يوليو بهذا الأداء15. ويعلق ياسر عبد العزيز الخبير الإعلامي، عضو اللجنة الوطنية لإعداد التشريعات الصحفية، على نمط الممارسة الإعلامية تلك بمسمى «الصحفي الجندي»16.

ولاحقا، قام رجل الأعمال المصري أحمد أبو هشيمة بشراء عدد من وسائل الإعلام المصرية لضمان اتساق خطابها مع خطاب إدارة 3 يوليو17. فضلا عن تأسيس مجموعة قنوات دي إم سي لتحقيق نفس الغرض عن طريق شريك آخر هو رجل الأعمال المصري طارق إسماعيل18. ويضاف إلى ما سبق قيام إدارة 3 يوليو بإصدار «قانون الهيئات الإعلامية»، والذي يتيح لها السيطرة على وسائل الإعلام، وضبط أدائها بما لا يخالف الخطوط التي يرسمها صانع القرار19.

 

من قبيل الخاتمة

الشعبوية الغربية تتحرك عكس اتجاه المؤسسة السياسية أو ما عرف اصطلاحا باسم الـ«Establishment»، في أعقاب قناعة تولدت بعد الإطاحة بالاتحاد السوفيتي بأن النخبة باتت تركز على القيم الليبرالية وانعكاساتها على التوافقات السياسية لحد أخذ يوسع الهوة بين تطلعات النخب السياسية وتطلعات الشعوب، منتجا ثورة إحباطات ادت لتكريس التةوجه في اتجاه الشعبوية بتياراتها.

أما في مصر، فإن الشعبوية جاءت بقرار الـ«Establishment»، وتعمل لتحقيق مصالحها، سواء في ذلك المسار الديني للشعبوية الذي كرس طاعة الحاكم كجزء من نمط التدين أولا، وجعل الحاكم محتكر حراسة تأويل الخطاب الديني؛ ما جعل غيره من الخطابات تطرفا، وختاما؛ فإنه أضفى على الحاكم صفة حامي التدين. أما المسار الثاني، المسار ذي الطابع السياسي القومي، فإن نمط الشعبوية، بما تضمنه من «وطنية بدائية» أعاد نسق بطريركية النخبة الحاكمة، فنصب الحاكم راعيا على الرعايا المصريين، محتكرا الحديث باسم المصلحة القومية، منكرا سلطات الدولة في الرقابة على سلوك النخبة الحاكمة، ومعتمدا على النخبة العسكرية في إحكام السيطرة على الجهاز الإداري وحتى الاقتصادي للدولة، ومسكتا الأصوات المنتقدة للسياسات الاقتصادية والسياسية والثقافية التي انتجت وضعا عاما مترديا20.

هذا السياق يكشف عن محدودية أثر المسلك السياسي في موازنة الوضع بالمجال العام المصري، ففي النهاية يكشف تحليل الشعبوية أنها مسلك ثقافي أولا يتخذ من السياسة أداة، محض أداة، لتخصيص القيم والموارد، ويبقى العقل وأزمته المهيمنان في عملية استمرار الواقع الراهن. ربما الحديث عن موازنة الوضع هو الأقرب للواقعية السياسية، بما يمكن من توفير وعي شعبي نقدي، أكثر منه منافسة سياسية، وإن كانت المنافسة السياسية هامة، إلا أنها تحتاج مشروعا يبدو أن قسماته لم تتحدد وملامحه لم تكتمل.

عدم اكتمال قسمات المشروع السياسي الوطني العام مفهوم، حيث ما زال الجميع قيد مراجعة الموقف والرؤية، وما زال التواصل على أرضية الوطني في مواجهة الفصائلي يتحرك وئيدا، وما زالت عملية بناء الثقة تحتاج استكمال مراكمة. غير أن الشان الثقافي ليس بحاجة لاكتمال المسار السياسي. فما يتوفر من وعي نخبوي على الأصعدة الخاصة بوضع الخطاب الديني والسياسي والاقتصادي كاف للتأسيس عليه، ويمكن في إطاره بناء مسار وعي يمنع التدهور في المجال العام المصري، على الأقل في بعديه الاقتصادي والحقوقي. وفي الختام يتبقى سؤال الحامل أو الوسيلة التي تحمل محتوى التوعية؟. فما زالت إمكانات التواصل تحتاج مراجعة، خاصة وأن مبادرات الإصلاح(21) وبناء الرؤية الوطنية تفتقد «الركن الثالث»(22).

————————————

الهامش

(1) Simon Shuster, The Populist; The Time Person of the Year, Jan 2017. link

(2) Santiago Zabala, The difference between right and left-wing populism, Al Jazeera Network, 17 January 2017. link

(3) جيهان موهوب، خالد حنفي يعلن تحالفًا بين السلاسل التجارية الكبرى والمجمعات الاستهلاكية، صحيفة الوفد المصرية، 9 فبراير 2016. الرابط

(4) وكالات، وزارة الصناعة تبدأ محاصرة السلع مجهولة الهوية والقضاء على أثرياء الاستيراد، موقع «انفراد» المصري، 3 يناير 2016. الرابط

(5) أحمد بشارة، «رجال الأعمال» تطالب «قابيل» بمد فترة تسجيل مصانع المنشأ، بوابة «مصر العربية»، 9 مارس 2016. الرابط

(6) John Cassidy, Bernie Sanders and the New Populism, the New Yorker, February 3, 2016. link

(7)Lucy Pasha-Robinson, What Bernie Sanders promised America, Independent, Nov 9 2016. link

(8) Linda Qiu, Donald Trump’s Top 10 Campaign Promises, Politifact, July 15 2016. link

(9) Jeff Mason and Roberta Rampton, White House accuses media of playing down inauguration crowds, Reuters, January 24, 2017. link

(10)By THE ASSOCIATED PRESS, President Donald Trump Accuses Media of Lying About Inauguration Crowds, Wrongly Says Crowd Reached Washington Monument, ABC News, Jan 21, 2017. link

(11)Couter Point, The Media And The European Populist Right, Couter Point Center, Dec 1; 2013. link

(12) Amr Hamzawy, The Tragedy of Egypt’s Stolen Revolution, Carnegie Center, Jan; 27 2017.link

(13) إم بي سي، مصدر عسكري ينفي أسر قائد بالأسطول لأمريكي، موقع إم بي سي، 26 أغسطس 2014. الرابط، وفي الخبر ذكر للإعلامي المصري الذي تحدث عن الواقعة، والذي أكدته زوجته لاحقا في حوار لها مع الحقوقي المصري جمال عيد. الرابط

(14) جمال حراجي، قناة السويس تحقق أعلى إيرادات فى تاريخها بقيمة 41 مليارا و196 مليون جنيه، صحيفة اليوم السابع المصرية، 13 أغسطس 2016.الرابط

(15) شحاتة عوض، الإعلام المصري بعد 30 يونيو: أزمة بنيوية أم مرحلة عابرة؟، مركز الجزيرة للدراسات، قطر، فبراير 2014.

(16) كمال مراد، خبراء إعلام ينتقدون ضغوط الدولة على وسائل الإعلام وملاك الصحف، صحيفة المصري اليوم المصرية، 10 فبراير 2015. الرابط

(17) محمود الواقع، «أبو هشيمه» يؤسس إمبراطوريته الإعلامية.. «ارتباك» في On Tv ودخول عالم الرياضة (تقرير)، صحيفة المصري اليوم المصرية، 5 يونيو 2016. الرابط

(18) هبة ياسين، عماد ربيع: «دي إم سي» ليست بديلة «ماسبيرو»، صحيفة الحياة اللندنية، 25 يناير 2017. الرابط

(19) وكالات، قانون تنظيم الصحافة والإعلام الجديد في مصر يثير الجدل، فرانس 24، 27 ديسمبر 2016. الرابط

(20) Amr Hamzawy, Egypt’s Orwellian Populisms, The Cairo Review of Global Affairs, Nov 15 2016. link

(21) وسام فؤاد، مصر: المبادرات.. الركن الثالث أو الموات، المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية، 9 يناير 2016. الرابط

(22) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close